
لا شك أن مصلحة أي طرف في النزاع لا تتوقف في الحصول على حكم قضائي نهائي فحسب، بل في الحصول عليه ضمن اجل معقول يسمح له بالاستفادة بالحقوق التي ينص عليها. لهذا فقد استأثر الاجل المستغرق في الفصل في القضايا باهتمام كل مكونات العدالة، واحتل مكانة هامة في تفكير المشرع، لاسيما مع التزايد المستمر في عدد القضايا المسجلة في المحاكم سنويا، وتأثير ذلك على اجال الحكم.
وعليه، فقد شكل الحق في محاكمة في غضون اجل معقول عنصرا هاما للغاية في القضايا الجنائية، باعتباره يعد أحد ضمانات المحاكمة العادلة، ومطلبا أساسيا لحسن سير العدالة، وحقا يجب ضمانه لكل متقاض، واي مخالفة لهذا الحق سيؤدي الى بطء العدالة الجنائية وهو أمر مخالف للعدالة وله اثار سلبية تمس المصلحة العامة للمجتمع والمصالح الخاصة بالمتقاضين.
والمشرع المغربي لم يغفل مراعاة أحكام هذا المبدأ اسوة بغيره من المشرعين، اذ نص في الفصل 120 من دستور المملكة على أن " لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل اجل معقول"،
ونصت المادة 45 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة على أنه:" يسهر القاضي على البت في القضايا المعروضة عليه داخل اجل معقول، مع مراعاة الآجال المحددة بنصوص خاصة". كما أن المادة 108 مكرر من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، نصت على أنه " دون الاخلال بمبدأ استقلال القضاء المنصوص عليه في الدستور، ولاسيما في احكام الفصلين 109 و110 منه، يتولى المجلس تتبع أداء القضاة بالمحاكم، ويعمل على اتخاذ الإجراءات المناسبة لتحسينه وتأطيره من أجل الرفع من النجاعة القضائية، ولاسيما ما تعلق منه باحترام الاجل الاسترشادية للبت في القضايا...".
الامر الذي يدفعنا الى محاولة بيان مفهوم الاجل المعقول، والجزاء المترتب على مخالفة هذا المبدأ، من خلال فقرتين نعالج في أولهما: مفهوم الاجل المعقول، وتجلياته وفي ثانيهما: الجزاء المترتب على الاخلال بمبدأ البت داخل الاجل المعقول.
الفقرة الأولى: مفهوم الاجل المعقول في القضايا الجنائية، وتجلياته
بداية، يمكن القول بأن الاجل المعقول، هو الاجل الذي يفترض في القاضي أن يسهر داخله على البت في النزاع المعروض عليه، في احترام تام لمبدأ المحاكمة العادلة.
ويقتضي الحق في المحاكمة الجنائية خلال اجال معقولة، أن يتم انهاء إجراءات المتابعة والفصل في الدعوى في أقرب وقت ممكن دون الاخلال بالضمانات القانونية المقررة للمتهم والضحية، ودون التسرع في إجراءات المحاكمة الجنائية بشكل يخل بحقوق الدفاع.
وقد اعتبرت الفقرة الأولى من المادة 6 من الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان أن" لكل شخص، عند تحديد أي تهمة جنائية ضده، الحق في محاكمة عادلة وعلنية خلال فترة زمنية معقولة من قبل محكمة مستقلة ...".
ويعرف التشريع المغربي ثلاثة أنواع من الآجال، الآجال القانونية التي حددها فيها المشرع مددا محددة اما لإقرار اجراء معين أو اصدار مقرر قضائي في بعض الأنواع من القضايا، وهي ملزمة للقاضي.
والآجال الاسترشادية ،التي أعطت المادة 108 مكرر المنوه عنها أعلاه ، للمجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية تحديدها وفق معايير معينة ،وهي لا ترقى الى مستوى الالزام الذي للآجال القانونية ،وانما يتعين على القاضي استحضارها عند فصله في النزاعات. واخيرا الآجال المعقولة التي يبقى للقاضي العمل على تحقيقها.
وفي هذا الصدد، يبدو من الضروري التأكيد على أن احترام الاجل المعقول في الإجراءات الجنائية، لا يعني فقط السلطة القضائية، وانما يشمل كل الأجهزة المسؤولة عن انفاذ القانون.
فضابط الشرطة القضائية ملزم بمراعاة الآجال القانونية والمعقولة أثناء تحرير المحاضر، واحالتها على النيابة العامة المختصة، واخبار السيد الوكيل العام للملك أو وكيل الملك المختص فورا بما يصل اليه علمه من جنايات وجنح، وفق ما ورد مثلا في المادة 23 من قانون المسطرة الجنائية.
والمادة 57 من نفس القانون، توجب على ضباط الشرطة القضائية القيام بالأبحاث والتحقيقات الازمة بمجرد علمهم بوقوع الجريمة، وأن يكونوا في سباق حقيقي مع الز من لتحديد المشتبه بهم، فأي تأخير من شأنه ان يمحي الاثار المختلفة للجريمة، ويصعب بالتالي إقامة صلة بين وقائعها التكوينية والشخص الذي يحتمل أن يكون مسؤولا عنها.
كما أن ضابط الشرطة القضائية ملزم باتخاذ بعض التدابير داخل اجل قانوني محدد، كما هو الحال بالنسبة لأجل سحب جواز السفر واغلاق الحدود المحدد في المادتين 40و49 من قانون المسطرة الجنائية أو اجل الحراسة النظرية طبقا للمادة 66 من نفس القانون.
غير أن طبيعة بعض القضايا قد تسهم في ابطاء عمل ضباط الشرطة القضائية، لاعتمادهم على المعلومات المقدمة من مؤسسات أخرى لإجراء التحقيقات، فمثلا في قضايا الإرهاب ،نجد المادة 595-1 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه " يمكن للوكيل العام للملك بمناسبة اجراء بحث قضائي أن يطلب معلومات حول عمليات أو تحركات أموال يشتبه في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب ،من الأبناك..."،
وفي القضايا المتعلقة بغسيل الأموال، يمكن لضباط الشرطة القضائية، بناء على تعليمات النيابة العامة او قاضي التحقيق، ان يطلبوا معلومات من مصالح المحافظة العقارية والبنوك وهيئات أخرى، حول المشتبه بهم او المتهمين، وذلك لضرورة التحقيق. كما يمكن أن يؤدي البحث في قضايا الجرائم الاقتصادية الى ابطاء عمل الشرطة القضائية.
أما فيما يتعلق بمرحلة التحقيق الاعدادي، فقاضي التحقيق يكون ملزم باحترام مبدأ الآجال المعقولة أثناء إجراءات التحقيق الاعدادي، لما في ذلك من فائدة على المتهم بعدم تركه مدة طويلة في موقف الاتهام، وعلى المصلحة العامة بظهور الحقيقة في وقتها، لكن مع ضرورة الدراسة المعمقة للملف، واستنفاذ جميع اجراء التحقيق الاعدادي. علما أن الجانب الشكلي المسيطر على أوامر قاضي التحقيق، قد يتسبب في تعطيل مسطرة التحقيق، إضافة الى اكراهات أخرى من قبيل انتظار تنفيذ أوامر بإلقاء القبض ، أو تقديم الخبراء لتقاريرهم التقنية ، وكذا ارجاع الانابات القضائية وتنفيذها.
وبعد مرحلة البحث والتحقيق، تأتي المرحلة الأخيرة التي تمر بها الدعوى العمومية، وهي مرحلة المحاكمة التي تستوجب صدور المقرر القضائي في وقت معقول، لما لعامل الزمن من أهمية في تحقيق غرض العقوبة المتمثل في الردع العام والخاص. لكن دون الاخلال بحق الدفاع ، باستنفاذ اجراءات الدعوى العمومية لوقتها الكافي لمناقشة الادلة، وتمكين المتهم من الدفاع عن نفسه أو بواسطة محاميه، وبسط أوجه دفاعه.
وقد يظهر أن احترام حق الدفاع فيه تعارض مع الحق في محاكمة سريعة، لكن الحقيقة خلاف ذلك، فلا يوجد أي مانع من تحقيق سرعة إجراءات المحاكمة مع احترام تام للمبادئ الأساسية لحق الدفاع.
وهو الامر الذي أكده السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في الدورية الموجهة الى السادة المسؤولين القضائيين بتاريخ 21/12/2023 جاء فيها:" بأن الاجل الافتراضي للبت في القضايا هو مؤشر استرشادي والية تساعد على تدبير أمثل للزمن القضائي، وتحقيق الهدف الدستوري المتعلق بإصدار الاحكام القضائية داخل اجل معقول، وبطبيعة الحال فان وضع هذه الآجال لا يؤثر في الضمانات المسطرية المقررة لفائدة الأطراف، والتي يستقل قضاة الاحكام بتطبيقها وحمايتها. كما أنه لا يهدف الى المساس بشروط المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع المنصوص عليها في القانون وفي المواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة...".
لكن ما هو الاثر المترتب على مخالفة الحق في محاكمة سريعة؟ وهو ما سنحاول بسطه في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: الجزاء المترتب على الاخلال بمبدأ البت داخل الاجل المعقول
ان اهتمام المشرع بحق الافراد في محاكمة خلال أجل معقول، جعله يرتب المسؤولية عن كل اخلال بهذا المبدأ في مواجهة كل الفاعلين في انفاذ القانون.
كما أنه في حكم اخر ،صادر عن نفس المحكمة عدد 1650 بتاريخ 02/5/2017 ملف عدد 78/7112/2017 اعتبرت فيه أنه " في غياب تحديد تشريعي لأجل البت في قضية معروضة على المحكمة ،فان تقدير الاجل المعقول للبت ينبغي أن يراعي جسامة الخطأ والضرر الناتج عن تأخر البت للقول بانعقاد مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي الناتج عن عدم احترام الالتزام الدستوري بالبت في الاجل المعقول. وأن تجاوز الاجل الافتراضي لا يمكن أن يرتب المسؤولية المباشرة للقاضي حتى لا يؤدي ذلك الى اصدار أحكام متسرعة في قضايا لم تستنفذ وقت مناقشتها بالشكل الذي يضمن حقوق الدفاع، وهو ما من شأنه المساس بحقوق وحريات المتقاضين ".
وصفوة القول، أن ورش رقمنة العدالة أو ما يعرف بالمحكمة الرقمية، الذي فتحه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إطار مخططه الاستراتيجي 2021-2026، ووزارة العدل سيساهم بلا شك في إدارة الملفات وتصفيتها في أقرب الآجال، من خلال رقمنة الإجراءات، بدءا من إيداع الشكاية لدى مصالح الشرطة القضائية او النيابة العامة وصولا الى المثول أمام قاضي التحقيق أو قاضي الموضوع، كما سيمكن من تسهيل العلاقات بين مختلف المتداخلين في المحاكمة الجنائية من " ضباط الشرطة القضائية، قضاة، محامون، كتاب الضبط..." بشكل يساهم سرعة العدالة الجنائية.
وعليه، فقد شكل الحق في محاكمة في غضون اجل معقول عنصرا هاما للغاية في القضايا الجنائية، باعتباره يعد أحد ضمانات المحاكمة العادلة، ومطلبا أساسيا لحسن سير العدالة، وحقا يجب ضمانه لكل متقاض، واي مخالفة لهذا الحق سيؤدي الى بطء العدالة الجنائية وهو أمر مخالف للعدالة وله اثار سلبية تمس المصلحة العامة للمجتمع والمصالح الخاصة بالمتقاضين.
والمشرع المغربي لم يغفل مراعاة أحكام هذا المبدأ اسوة بغيره من المشرعين، اذ نص في الفصل 120 من دستور المملكة على أن " لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل اجل معقول"،
ونصت المادة 45 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة على أنه:" يسهر القاضي على البت في القضايا المعروضة عليه داخل اجل معقول، مع مراعاة الآجال المحددة بنصوص خاصة". كما أن المادة 108 مكرر من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، نصت على أنه " دون الاخلال بمبدأ استقلال القضاء المنصوص عليه في الدستور، ولاسيما في احكام الفصلين 109 و110 منه، يتولى المجلس تتبع أداء القضاة بالمحاكم، ويعمل على اتخاذ الإجراءات المناسبة لتحسينه وتأطيره من أجل الرفع من النجاعة القضائية، ولاسيما ما تعلق منه باحترام الاجل الاسترشادية للبت في القضايا...".
الامر الذي يدفعنا الى محاولة بيان مفهوم الاجل المعقول، والجزاء المترتب على مخالفة هذا المبدأ، من خلال فقرتين نعالج في أولهما: مفهوم الاجل المعقول، وتجلياته وفي ثانيهما: الجزاء المترتب على الاخلال بمبدأ البت داخل الاجل المعقول.
الفقرة الأولى: مفهوم الاجل المعقول في القضايا الجنائية، وتجلياته
بداية، يمكن القول بأن الاجل المعقول، هو الاجل الذي يفترض في القاضي أن يسهر داخله على البت في النزاع المعروض عليه، في احترام تام لمبدأ المحاكمة العادلة.
ويقتضي الحق في المحاكمة الجنائية خلال اجال معقولة، أن يتم انهاء إجراءات المتابعة والفصل في الدعوى في أقرب وقت ممكن دون الاخلال بالضمانات القانونية المقررة للمتهم والضحية، ودون التسرع في إجراءات المحاكمة الجنائية بشكل يخل بحقوق الدفاع.
وقد اعتبرت الفقرة الأولى من المادة 6 من الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان أن" لكل شخص، عند تحديد أي تهمة جنائية ضده، الحق في محاكمة عادلة وعلنية خلال فترة زمنية معقولة من قبل محكمة مستقلة ...".
ويعرف التشريع المغربي ثلاثة أنواع من الآجال، الآجال القانونية التي حددها فيها المشرع مددا محددة اما لإقرار اجراء معين أو اصدار مقرر قضائي في بعض الأنواع من القضايا، وهي ملزمة للقاضي.
والآجال الاسترشادية ،التي أعطت المادة 108 مكرر المنوه عنها أعلاه ، للمجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية تحديدها وفق معايير معينة ،وهي لا ترقى الى مستوى الالزام الذي للآجال القانونية ،وانما يتعين على القاضي استحضارها عند فصله في النزاعات. واخيرا الآجال المعقولة التي يبقى للقاضي العمل على تحقيقها.
وفي هذا الصدد، يبدو من الضروري التأكيد على أن احترام الاجل المعقول في الإجراءات الجنائية، لا يعني فقط السلطة القضائية، وانما يشمل كل الأجهزة المسؤولة عن انفاذ القانون.
فضابط الشرطة القضائية ملزم بمراعاة الآجال القانونية والمعقولة أثناء تحرير المحاضر، واحالتها على النيابة العامة المختصة، واخبار السيد الوكيل العام للملك أو وكيل الملك المختص فورا بما يصل اليه علمه من جنايات وجنح، وفق ما ورد مثلا في المادة 23 من قانون المسطرة الجنائية.
والمادة 57 من نفس القانون، توجب على ضباط الشرطة القضائية القيام بالأبحاث والتحقيقات الازمة بمجرد علمهم بوقوع الجريمة، وأن يكونوا في سباق حقيقي مع الز من لتحديد المشتبه بهم، فأي تأخير من شأنه ان يمحي الاثار المختلفة للجريمة، ويصعب بالتالي إقامة صلة بين وقائعها التكوينية والشخص الذي يحتمل أن يكون مسؤولا عنها.
كما أن ضابط الشرطة القضائية ملزم باتخاذ بعض التدابير داخل اجل قانوني محدد، كما هو الحال بالنسبة لأجل سحب جواز السفر واغلاق الحدود المحدد في المادتين 40و49 من قانون المسطرة الجنائية أو اجل الحراسة النظرية طبقا للمادة 66 من نفس القانون.
غير أن طبيعة بعض القضايا قد تسهم في ابطاء عمل ضباط الشرطة القضائية، لاعتمادهم على المعلومات المقدمة من مؤسسات أخرى لإجراء التحقيقات، فمثلا في قضايا الإرهاب ،نجد المادة 595-1 من قانون المسطرة الجنائية تنص على أنه " يمكن للوكيل العام للملك بمناسبة اجراء بحث قضائي أن يطلب معلومات حول عمليات أو تحركات أموال يشتبه في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب ،من الأبناك..."،
وفي القضايا المتعلقة بغسيل الأموال، يمكن لضباط الشرطة القضائية، بناء على تعليمات النيابة العامة او قاضي التحقيق، ان يطلبوا معلومات من مصالح المحافظة العقارية والبنوك وهيئات أخرى، حول المشتبه بهم او المتهمين، وذلك لضرورة التحقيق. كما يمكن أن يؤدي البحث في قضايا الجرائم الاقتصادية الى ابطاء عمل الشرطة القضائية.
أما فيما يتعلق بمرحلة التحقيق الاعدادي، فقاضي التحقيق يكون ملزم باحترام مبدأ الآجال المعقولة أثناء إجراءات التحقيق الاعدادي، لما في ذلك من فائدة على المتهم بعدم تركه مدة طويلة في موقف الاتهام، وعلى المصلحة العامة بظهور الحقيقة في وقتها، لكن مع ضرورة الدراسة المعمقة للملف، واستنفاذ جميع اجراء التحقيق الاعدادي. علما أن الجانب الشكلي المسيطر على أوامر قاضي التحقيق، قد يتسبب في تعطيل مسطرة التحقيق، إضافة الى اكراهات أخرى من قبيل انتظار تنفيذ أوامر بإلقاء القبض ، أو تقديم الخبراء لتقاريرهم التقنية ، وكذا ارجاع الانابات القضائية وتنفيذها.
وبعد مرحلة البحث والتحقيق، تأتي المرحلة الأخيرة التي تمر بها الدعوى العمومية، وهي مرحلة المحاكمة التي تستوجب صدور المقرر القضائي في وقت معقول، لما لعامل الزمن من أهمية في تحقيق غرض العقوبة المتمثل في الردع العام والخاص. لكن دون الاخلال بحق الدفاع ، باستنفاذ اجراءات الدعوى العمومية لوقتها الكافي لمناقشة الادلة، وتمكين المتهم من الدفاع عن نفسه أو بواسطة محاميه، وبسط أوجه دفاعه.
وقد يظهر أن احترام حق الدفاع فيه تعارض مع الحق في محاكمة سريعة، لكن الحقيقة خلاف ذلك، فلا يوجد أي مانع من تحقيق سرعة إجراءات المحاكمة مع احترام تام للمبادئ الأساسية لحق الدفاع.
وهو الامر الذي أكده السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في الدورية الموجهة الى السادة المسؤولين القضائيين بتاريخ 21/12/2023 جاء فيها:" بأن الاجل الافتراضي للبت في القضايا هو مؤشر استرشادي والية تساعد على تدبير أمثل للزمن القضائي، وتحقيق الهدف الدستوري المتعلق بإصدار الاحكام القضائية داخل اجل معقول، وبطبيعة الحال فان وضع هذه الآجال لا يؤثر في الضمانات المسطرية المقررة لفائدة الأطراف، والتي يستقل قضاة الاحكام بتطبيقها وحمايتها. كما أنه لا يهدف الى المساس بشروط المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع المنصوص عليها في القانون وفي المواثيق الدولية التي صادقت عليها المملكة...".
لكن ما هو الاثر المترتب على مخالفة الحق في محاكمة سريعة؟ وهو ما سنحاول بسطه في الفقرة الموالية.
الفقرة الثانية: الجزاء المترتب على الاخلال بمبدأ البت داخل الاجل المعقول
ان اهتمام المشرع بحق الافراد في محاكمة خلال أجل معقول، جعله يرتب المسؤولية عن كل اخلال بهذا المبدأ في مواجهة كل الفاعلين في انفاذ القانون.
- فخلال مرحلة الأبحاث التمهيدية، يتعين على ضباط الشرطة القضائية مراعاة الاجل المعقول أثناء انجاز أبحاثهم تحت اشراف النيابة العامة المختصة، تحت طائلة اثارته مسؤوليتهم التأديبية أمام الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف التي تنظر في كل اخلال منسوب لضابط من ضباط الشرطة القضائية خلال مزاولتهم لمهامهم طبقا لما جاء في المادة 231 من قانون المسطرة الجنائية.
- أما خلال مرحلة المحاكمة، فمعلوم أن المادة 97 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، اعتبرت انه يعد خطأ جسيما، الإهمال أو التأخير غير المبرر والمتكرر في بدء أو انجاز مسطرة الحكم أو في القضايا أثناء ممارسته لمهامه القضائية.
كما أنه في حكم اخر ،صادر عن نفس المحكمة عدد 1650 بتاريخ 02/5/2017 ملف عدد 78/7112/2017 اعتبرت فيه أنه " في غياب تحديد تشريعي لأجل البت في قضية معروضة على المحكمة ،فان تقدير الاجل المعقول للبت ينبغي أن يراعي جسامة الخطأ والضرر الناتج عن تأخر البت للقول بانعقاد مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي الناتج عن عدم احترام الالتزام الدستوري بالبت في الاجل المعقول. وأن تجاوز الاجل الافتراضي لا يمكن أن يرتب المسؤولية المباشرة للقاضي حتى لا يؤدي ذلك الى اصدار أحكام متسرعة في قضايا لم تستنفذ وقت مناقشتها بالشكل الذي يضمن حقوق الدفاع، وهو ما من شأنه المساس بحقوق وحريات المتقاضين ".
وصفوة القول، أن ورش رقمنة العدالة أو ما يعرف بالمحكمة الرقمية، الذي فتحه المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إطار مخططه الاستراتيجي 2021-2026، ووزارة العدل سيساهم بلا شك في إدارة الملفات وتصفيتها في أقرب الآجال، من خلال رقمنة الإجراءات، بدءا من إيداع الشكاية لدى مصالح الشرطة القضائية او النيابة العامة وصولا الى المثول أمام قاضي التحقيق أو قاضي الموضوع، كما سيمكن من تسهيل العلاقات بين مختلف المتداخلين في المحاكمة الجنائية من " ضباط الشرطة القضائية، قضاة، محامون، كتاب الضبط..." بشكل يساهم سرعة العدالة الجنائية.