رابط الجزء الاول من المقال
هل الدولة في خدمة المقاولة، أم المقاولة في خدمة الدولة؟ فكل منهما ترى في الأخرى سر خلودها.المقاولة تبحث عن حضانة الدولة، وهده الأخيرة تراهن عن الأخرى اقتصاديا و اجتماعيا. إلا أنهما في الحقيقة ليستا في حاجة معا، لا لحضانة ولا لرهان، بل لتعايش ، تعايش ثلاثي الإضلاع، يربط الدولة بالمقاولة، ويربط هده الأخيرة بالنقابة. تعايش لا يجب أن يكون على مضض بل على اختيار و حرية، قوامه التوازن و الاتزان، يحيا على إكسير الحق، ونبض القانون,
أما بالنسبة لباقي المواضيع التي تناولها " دليل " الاتحاد العام لمقاولات المغرب، موازاة مع ما يقابلها بمدونة الشغل، خصوصا تلك التي له تحفظا في شان بعض مقتضياتها نذكر :
ج - الإجراءات التأديبية في حق الأجير
في مجال السلطة التأديبية، التي يمنحها المشرع للمشغل لضبط سلوك الإجراء، في إطار الالتزامات المهنية المتبادلة بينهما، والتي اعتبرها جزء لا يتجزأ من تدبير شؤون المقاولة، يطرح الاتحاد العام لمقاولات المغرب صعوبة تطبيق ما جاءت به المدونة بهذا الخصوص، من حيث ملاءمة العقوبة المفترضة، الموجهة للأجير عن الخطأ الغير الجسيم المرتكب من طرفه مع الالتزام بالتدرج فيها، كما تنص على دلك المادة 38 من المدونة، والتي تفرض توجيه الإنذار في أول الأمر في شأن الخطأ الغير الجسيم مهما كانت درجته. كما يثير الاتحاد الصعوبة في تطبيق المادة 39 من المدونة، التي حصرت حالات الأخطاء الجسيمة، التي قد يرتكبها الأجير، وفضل أن تكون تلك تلك الأخطاء واردة على سبيل المثال لا الحصر.
إن الصياغة التي جاءت بها المادة 39 من المدونة : " تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة، يمكن أن تؤدي إلى الفصل، الأخطاء التالية المرتكبة من طرف الأجير : ...." لتمييز الخطأ الجسيم عن الغير جسيم، جاءت واضحة من طرف المشرع، بذكر هذه الأخطاء على سبيل الحصر، تراجعا منه، عن الصياغة الواردة بالفصل 6 من ظهير 23 أكتوبر 1948 بمثابة "النظام النموذجي" الذي كان ساري المفعول قبل صدور المدونة والتي جاءت كالتالي : " يمكن طرد الأجير فورا و بدون سابق إنذار، في حالة ما ارتكب خطأ شنيعا؛ و تعد على الأخص المخالفات التالية :...."، وهو ما يعني أن تلك الأخطاء وردت على سبيل المثال.
والواضح أن تراجع المشرع عن صياغة الفصل 6 المذكور، غايته حماية الأجير من أي قياس، أو توسيع لمفهوم الخطأ الجسيم، هذا و قد جاءت المادة 40 من المدونة المحددة، للأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل، لتكرس هذه الحماية وعلى سبيل المثال فقط من خلال تعدادها، لما يمكن ان يعد خطا جسيما في حق الأجير من طرف المشغل أو رئيس المقاولة، كل هدا اعتبارا لكون الأجير الطرف الضعيف – حسب تقدير المشرع - في المعادلة. الأمر الذي قد يطرح العديد من الصعوبات في التطبيق، بالنسبة لحصر الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف الأجير، خاصة و أن وسائل العمل أصبحت تتطور بشكل سريع خصوصا في المجال ألمعلوماتي، فهناك جرائم إلكترونية أصبح يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، وجنح السير التي يرتكبها سائقي العربات، والتي قد تكبد المقاولة خسائر باهظة، لكنها لا تعتبر أخطاء جسيمة بالنسبة لمدونة الشغل، إلا إذا صدر بشأنها، حكم نهائي وسالب للحرية، وهو ما كان معه من المستحب أن يبقى للقضاء، في هدا المجال هامشا من سلطة تقدير جسامة الخطأ المرتكب.
تنص المادتان 39 و62 من مدونة الشغل، في حالة إقبال المشغل على فصل أجير من عمله، أو توقيفه مؤقتا، أو نقله من عمله، كإجراء تأديبي أو التوجيه له التوبيخ الثاني أو الثالث، يجب أن يتيح له فرصة الدفاع عن نفسه، بالاستماع إليه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة ان وجد الذي يختاره بنفسه، وذلك في أجل لا يتعدى ثمانية أيام من ارتكاب الفعل المنسوب إليه، ويحرر محضرا في الموضوع؛ وإذا رفض الطرفان إجراء أو إتمام المسطرة، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل.
إن هذه المقتضيات جاءت بناء على مطلب من المنظمات النقابية، خلال مفاوضاتها مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، للتوافق في شأن مشروع مدونة الشغل. و كان هذا المطلب يسعى لحماية الأجير من " تعسفات " رب العمل- حسب ادعائهم - من القرارات التأديبية الأحادية المصدر، ونقل هذا الاختصاص إلى مجلس تأديبي، يتكون من ممثلين لإدارة المقاولة وللأجراء على السواء، تناط به اتخاذ قرارات العقوبات التأذيبية؛ وذلك على غرار ما هو جاري به العمل بالنسبة للعلاقات المهنية النظامية، بالوظيفة العمومية، وما شابهها من مؤسسات، وهيئات عمومية، و التي تنص أنظمتها الأساسية على ذلك. إلا أن هذا المقترح ووجه بالرفض من طرف ممثلي أرباب العمل؛ بدعوى ان العقوبات التأديبية هي جزء من تدبير شؤون الموارد البشرية، والتي هي جزء لا يتجزأ عن تدبير شؤون المقاولة ككل؛ وبالتالي لا يجوز تفويضه للغير، مادام رب العمل يبقى المسؤول الوحيد عن سوء التدبير، في حالة إعسار المقاولة، وبان أي تفويض من هذا القبيل قد يدخل المقاولة في النفق المسدود، في حالة لجوء الأجراء لإضراب تضامني مع إجراء اتخذت في حقهم إجراءات تأديبية، لا يوافق عليها ممثلوهم.
ولكل ما ذكر، وبعد مفاوضات بين الطرفين تم التوافق في الموضوع، على أساس أن يعطى للأجير على الأقل حق الدفاع عن نفسه، بالاستماع إليه من طرف المشغل، أو من ينوب عنه، لتفادي أية تجاوزات تقترف من طرف رؤساء الأجير المباشرين، وذلك بحضور مندوب للأجراء أو ممثل نقابي، هذا إضافة للاستماع له خلال اجل لا يتعدى ثمانية أيام من ارتكاب الفعل المنسوب، إليه لحمايته من العقوبات الكيدية بناء على أخطاء قديمة، إلا أنه رغم كل هذا، ورغم وضوح الغاية من النص – حسب اعتقادي – فإن تفسيره اختلف فيه العديد من الممارسين في المجال بما فيه القضاء، فيما يلي:
* تنص الفقرة الأخيرة من المادة 62 من مدونة الشغل على : ".... إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة (مسطرة الاستماع) يتم اللجوء إلى مفتش الشغل ". فالمشرع لم يحدد لنا دور مفتش الشغل عند اللجوء إليه، فهل لإجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية المنصوص عليها بالمادة 532 من المدونة، التي تحدد مهام الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل ؟ فالمدافعون على هذا التفسير، يستندون على كون المادة الأخيرة لم تنط بمفتش الشغل هذه المهمة. والاتجاه الثاني والذي أميل إليه، ينيط بمفتش الشغل إجراء أو إتمام مسطرة استماع لمشغله لأجيره؛ بالإشراف على عقد لقاء بين الطرفين للاستماع لبعضهما البعض، وتحريره لمحضر في الموضوع نيابة عن المشغل وذلك قبل اتخاذ قرار العقوبة التأديبية المفترضة، لضمان حق الاستماع للأجير، وللدفاع عن نفسه الذي هو روح المادة، والغاية الأساسية من سنها. وكإجراء شكلي حمائي للأجير. أما إجراء محاولة التصالح فهي مهمة أخرى مناطة بهذا الجهاز ، وإن كانت وحدة الموضوع تربطهما.إما لكون المادة 532 لم تشر لهده المهمة، فمهام مفتش الشغل، وردت متفرقة في العديد من مواد المدونة، كالمادة 437 على سبيل المثال، التي توليه مهمة التحكيم، في حالة عدم اتفاق المشغل و أجرائه، على توزيع المؤسسات بالمقاولة، أو توزيع الأجراء الأعضاء بين الهيآت الناخبة، وعلى توزيع المقاعد بين هذه الهيآت أثناء إجراء انتخابات مندوبي الأجراء؛ هي مهمة لم ترد بالمادة 532.
*أما فيما يخص حضور مندوب الأجراء، أو الممثل النقابي، بجلسة الاستماع؛ فكلمة "حضور" لا تحدد بدقة دور هذا الأخير، لكون البعض حصر هذه المهمة في الاستماع فقط لدفوع الأجير، وليس لمؤازرته، إلا أنه يؤاخذ على أنصار هذا الاتجاه أنهم يضعون ممثلي الأجراء في صف المشغل، وهو ما يتناقض مع مهامهم الأساسية المشار إليها في المادة 432 من المدونة، المتجلية في تقديم الشكايات الفردية المتعلقة بظروف الشغل، الناتجة عن تطبيق تشريع الشغل، أو عقد الشغل، أو الاتفاقية الجماعية، أو النظام الداخلي، إلى المشغل. وفي حالة عدم الاستجابة لها يحيلها إلى العون المكلف بتفتيش الشغل إذا استمر الخلاف بشأنها؛ وبذلك لا يمكننا أن نتصور دورا آخرا غير المؤازة و الوقوف الى جانب الاجراء، و الدفاع عنهم.
* بالمادة 32 من مدونة الشغل : "يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل ..." ان صيغة الوجوب تجعل من المقتضى شرطا شكليا، وإجباريا. وهنا يطرح سؤال، هل عدم اللجوء لهذه المسطرة، يجعل من قرار رب العمل التأديبي قرارا تعسفيا، مهما كانت خطورة الفعل المرتكب المنسوب للأجير؟ وان كان موضوعه لا يعني العلاقة المهنية التي تربطه بمشغله ، فالمادة 39 من مدونة الشغل، تعتبر ارتكاب جنحة ماسة بالشرف، أو الأمانة، أو الآداب العامة، صدر في شأنها حكم نهائي وسالب للحرية، بمثابة الخطأ الجسيم، يمكن أن يؤدى للفصل. ففي هذه الحالة إجراء مسطرة الاستماع أمام المشغل يصبح من غير جدوى، فالاستماع للأجير للدفاع عن نفسه من ماذا؟ فهل في موضوع الجنحة الذي صدر في شأنها حكم قضائي نهائي سالب للحرية، والتي قد تكون لا علاقة لها بالتزامات الأجير المهنية أي مرتكبة ضد الغير خارج المقاولة ؟ كجنحة خيانة الأمانة أو إصدار شيك بدون رصيد، او ارتكاب جنحة السكر العلني خارج مقر عمله.
* ثم إن حق الأجير في الاستماع إليه بمؤازرة مندوب للأجراء أو ممثل نقابي، تطرح مشكلة عدم تواجد هؤلاء الممثلين للأجراء بالمقاولة؛ بالنسبة للمقاولات التي تشغل أقل من عشر أجراء،و التي تكون فيها تمثيلية مندوبي الأجراء اختيارية؛ ولا الممثل النقابي الذي لا يتواجد إلا بالمقاولات التي تشغل مائة أجير وما فوق. أو بسبب عزوف الأجراء عن تأسيس ممثلين، عنهم سواء تعلق الأمر بمندوبي الأجراء أو الممثلين النقابيين. فهل إجراء مسطرة الاستماع في غياب هؤلاء الممثلين للأجراء، في هذه الحالات يعتبر مخلا بمسطرة الاستماع للأجير ؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فما ذنب المشغل في غياب ممثل للعمال ؟
إن دعوة المشغل لإجراء مسطرة الاستماع قبل اتخاذ القرار التأديبي المذكور؛ في حاجة إلى قيود واستثناءات تشريعية تحفظ التوازن المنشود في العلاقات المهنية، من خلال ضمان دفاع الأجير عن نفسه، وبالمقابل تحرير المشغل من كثرة القيود الشكلية حين يكون قراره التأديبي التأذيبي موضوعيا.
يطرح الاتحاد العام لمقاولات المغرب إشكالية تفسير وتطبيق المادة 41 من مدونة الشغل، التي تمكن الأجير الذي فصل عن الشغل، لسبب يعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي من أجل الرجوع إلى شغله، أو الحصول على تعويض؛ وفي الحالة الأخيرة يوقع الطرفان توصيل استلام مبلغ التعويض، مصادق على صحة إمضائه، ويوقعه بالعطف العون المكلف بتفتيش الشغل. ويعتبر هذا الصلح التمهيدي نهائيا غير قابل للطعن أمام المحاكم. والصعوبة في هذا الاجراء تتجلى في توقيع العون المكلف بتفتيش الشغل بالعطف، فما المقصود بعبارة "العطف" وما مدى حدود مسؤوليته في إبرام هذا العقد النهائي الغير قابل للطعن أمام المحاكم ؟ فهذا الأمر يثير تحفظا من طرف بعض أعوان تفتيش الشغل، في ممارسة هذا الإجراء لكونه حاسما في النزاع، يمس حق التقاضي الذي يضمنه القانون للأجير، إضافة إلى لجوء بعض المشغلين لهذا الإجراء رغم عدم تمكين الأجير من مجموع مستحقاته القانونية الناتجة عن الفصل التعسفي، بالاكتفاء بمبلغ جزافي يتم التراضي بشأنه، لا يتضمن التعويضات عن الضرر المشار إليها في نفس المادة المحدد مبلغه على اساس اجر شهر ونصف عن سنة عمل أو جزء من السنة في حدود سقف 36 شهرا، التي تشترطها المادة 41 من مدونة الشغل، للجوء لمسطرة الصلح التمهيدي النهائي.
ان تواجد مفتش الشغل في صلب إجراء الصلح التمهيدي بين الأجير والمؤاجر بتوقيعه بالعطف على الاتفاق بينهما؛ يتطلب تفسيرا لهذا العطف الذي يوقع به، فإن كان ذلك للحرص على تطبيق المادة 41 بحذافيرها؛ حماية للأجير كطرف ضعيف من إرغام المؤاجر له عن ذلك كما فعل المشرع حين اشترط المصادقة على صحة توقيع استقالة الأجير من العمل، حماية له من الضغوط التي قد تمارس عليه بمنحه مهلة كافية لاتخاذ قراره ذاك بالمصادقة عن التوقيع أمام السلطات المحلية، فإن ذلك يضع مفتش الشغل في خانة المسؤولية، قد توسع من صلاحياته لصالح هذا الطرف أو ذاك؛ وتحكمه في الخلاف بينهما، أما إن كان توقيعه هذا بالعطف لا يتجاوز شهادته على تمكين الأجير أمامه من التعويضات المتفق عليها، ولو كانت دون التعويضات الكاملة المحددة على اساس اجر شهر و النصف شهر عن كل سنة ؛ ففي هذه الحالة يكون في دوره حيفا في حق الأجير، الذي يلجأ لمفتش الشغل ليضمن له حقوقه، والتي يكون جاهلا لها في غالب الاحيان، وأقلها الحق في التقاضي كما ينص على ذلك القانون.
إن المادة 41 من مدونة الشغل، في حاجة إلى مذكرة توضيحية تصدرها وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، لتوحيد التفسير، صيانة لإرادة المشرع، وضمانا لحقوق كل من الأجير والمقاولة المشغلة على السواء. فالاتحاد العام لمقاولات المغرب يرى في تمكين الأجير المعفى من عمله من التعويضات الكاملة، في إطار مسطرة الصلح التمهيدي أمرا لا ينبني على التوافق و التراضي، بل ادعانا من المشغل للأجير، لتساوي هده التعويضات مع الحد الأقصى من التعويضات التي يمكن للمحكمة، الحكم بها إن رفع النزاع لها.
د - التعويض عن فصل الاجراء :
أثارت المادة 59 من قانون رقم 99/65 بمثابة مدونة الشغل جدلا حقيقيا بعد دخولها حيز التطبيق، والتي تقر باستفادة الأجير عند فصله تعسفيا من التعويض عن الضرر والتعويض عن أجل الإخطار، واعتبر البعض هذه التعويضات ذكرت على سبيل الحصر، و بالتالي لا يجوز الجمع بينها وبين التعويضات عن الفصل المنصوص عليها بالمادة 53 من نفس القانون. وقد أثيرت الإشكالية أول الأمر على مستوى مفتشية الشغل، حيث تضارب التفسير بين الممارسين بهذا الجهاز إلى أن صدرت مذكرة وزارية تفسيرية ترجح الطرح الذي يتبنى مبدأ عدم الجمع بين هذه التعويضات. إلا أن القضاء حسم الأمر بعد ذلك باعتماده ل" واو المعية " بين المادتين 53 و59 بالجمع بين هده التعويضات ، وهو الأمر الذي يعتبر منطقيا، لغياب نص صريح يدعو لعدم الجمع. ولان عدم الجمع بين هذه التعويضات من شانه ان يقلص من التعويضات التي كان يستفيد منها الاجير قبل صدور المدونة، فقد كان التعويض عن الطرد التعسفي يقدر في إطار نظرية التعسف في استعمال الحق المبنية على عدم أحقية المشغل في استعمال حقه في إعفاء الأجير من شغله اذا لم يكن يقصد من وراء استعمال حقه هذا سوى الإضرار بالأجير، وكذا اذا كانت غايته من الإعفاء قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الأجير من ضرر بعد تجاوزه الحدود المألوفة في ممارسته لحقه. وبذلك يبقى تحديد هذه التعويضات خاضعا لتقدير القضاء.الا انه وبعد صدور المدونة أصبح لكل من التعسف والضرر مفهوم مهني واجتماعي، غير المفهوم العام الذي كان سائدا، وبذلك حدد المشرع للتعويض عنهما سقفا و طريقة للاحتساب، وإن كان قد ضاعف مبلغ التعويض عن الفصل.
وقد أثار الاتحاد العام لمقاولات المغرب الموضوع من جديد، مطالبا بإعادة النظر في هذه النصوص المحددة لهذه التعويضات،والتي يراها تثقل كاهل المقاولة عند إنهاء علاقات الشغل بإرادتها المنفردة، مما يؤثر سلبا على المبادرة في الاستخدام ، بخلق مناصب شغل جديدة.
إن مدونة الشغل حين صدرت سنة 2004، جاءت بناء على توافق بين ممثلي الأجراء في شخص المنظمات النقابية، وممثلي المشغلين الذين يمثلهم الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مما يمكن اعتباره التزامات متبادلة وكل طرف من هؤلاء يعيش حاليا فترة تأمل نتائج هذا النص القانوني بعد عشر سنوات من صدوره، لتقييم المكاسب والخسائر التي جناها منه. ومن البديهي أن تكون للطرفين مطالب، لتدارك ما اعتبره خسائر في تقديره الا انه ومن باب المنطق فأن أي مطلب للتعديل في هذا المضمار سواء من هذا الجانب أو الآخر، لا يمكن تصوره إلا بالعودة إلى لطاولة التفاوض بين الطرفين، تعزيزا للقداسة التعاقدية للأطراف الاجتماعية، وهو الأمر الذي أكده السيد عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية بالمحاضرة الافتتاحية الجامعية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش بتاريخ 22 نونبر 2014 حول موضوع "مدونة الشغل بعد عشر من التطبيق" حيث قال " ... أن الوزارة ستواصل الحوار و التشاور مع مختلف الشركاء الاجتماعيين و الاقتصاديين من أجل إدخال التعديلات الضرورية على بعض بنود مدونة الشغل، وذلك لمواكبة المتطلبات الجديدة لسوق الشغل، وكذا للتغييرات الكبرى التي شهدتها التشريعات المقارنة...."
أما ما أثاره الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بشأن تعويض الأجير عن فقدان الشغل المنصوص عليه بالمادة 59 من المدونة، فهو تعويض لا يعني المشغل بشكل مباشر، بل يتحمله الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أما تحملات المشغل في هذا الباب فهي غير مباشرة، تضامنية، و نسبية، بينه وبين الدولة و باقي المشغلين و الأجراء، عن طريق مساهمات جزئية و طفيفة اضافية.
يتبع...
أما بالنسبة لباقي المواضيع التي تناولها " دليل " الاتحاد العام لمقاولات المغرب، موازاة مع ما يقابلها بمدونة الشغل، خصوصا تلك التي له تحفظا في شان بعض مقتضياتها نذكر :
ج - الإجراءات التأديبية في حق الأجير
في مجال السلطة التأديبية، التي يمنحها المشرع للمشغل لضبط سلوك الإجراء، في إطار الالتزامات المهنية المتبادلة بينهما، والتي اعتبرها جزء لا يتجزأ من تدبير شؤون المقاولة، يطرح الاتحاد العام لمقاولات المغرب صعوبة تطبيق ما جاءت به المدونة بهذا الخصوص، من حيث ملاءمة العقوبة المفترضة، الموجهة للأجير عن الخطأ الغير الجسيم المرتكب من طرفه مع الالتزام بالتدرج فيها، كما تنص على دلك المادة 38 من المدونة، والتي تفرض توجيه الإنذار في أول الأمر في شأن الخطأ الغير الجسيم مهما كانت درجته. كما يثير الاتحاد الصعوبة في تطبيق المادة 39 من المدونة، التي حصرت حالات الأخطاء الجسيمة، التي قد يرتكبها الأجير، وفضل أن تكون تلك تلك الأخطاء واردة على سبيل المثال لا الحصر.
إن الصياغة التي جاءت بها المادة 39 من المدونة : " تعتبر بمثابة أخطاء جسيمة، يمكن أن تؤدي إلى الفصل، الأخطاء التالية المرتكبة من طرف الأجير : ...." لتمييز الخطأ الجسيم عن الغير جسيم، جاءت واضحة من طرف المشرع، بذكر هذه الأخطاء على سبيل الحصر، تراجعا منه، عن الصياغة الواردة بالفصل 6 من ظهير 23 أكتوبر 1948 بمثابة "النظام النموذجي" الذي كان ساري المفعول قبل صدور المدونة والتي جاءت كالتالي : " يمكن طرد الأجير فورا و بدون سابق إنذار، في حالة ما ارتكب خطأ شنيعا؛ و تعد على الأخص المخالفات التالية :...."، وهو ما يعني أن تلك الأخطاء وردت على سبيل المثال.
والواضح أن تراجع المشرع عن صياغة الفصل 6 المذكور، غايته حماية الأجير من أي قياس، أو توسيع لمفهوم الخطأ الجسيم، هذا و قد جاءت المادة 40 من المدونة المحددة، للأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل، لتكرس هذه الحماية وعلى سبيل المثال فقط من خلال تعدادها، لما يمكن ان يعد خطا جسيما في حق الأجير من طرف المشغل أو رئيس المقاولة، كل هدا اعتبارا لكون الأجير الطرف الضعيف – حسب تقدير المشرع - في المعادلة. الأمر الذي قد يطرح العديد من الصعوبات في التطبيق، بالنسبة لحصر الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف الأجير، خاصة و أن وسائل العمل أصبحت تتطور بشكل سريع خصوصا في المجال ألمعلوماتي، فهناك جرائم إلكترونية أصبح يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، وجنح السير التي يرتكبها سائقي العربات، والتي قد تكبد المقاولة خسائر باهظة، لكنها لا تعتبر أخطاء جسيمة بالنسبة لمدونة الشغل، إلا إذا صدر بشأنها، حكم نهائي وسالب للحرية، وهو ما كان معه من المستحب أن يبقى للقضاء، في هدا المجال هامشا من سلطة تقدير جسامة الخطأ المرتكب.
تنص المادتان 39 و62 من مدونة الشغل، في حالة إقبال المشغل على فصل أجير من عمله، أو توقيفه مؤقتا، أو نقله من عمله، كإجراء تأديبي أو التوجيه له التوبيخ الثاني أو الثالث، يجب أن يتيح له فرصة الدفاع عن نفسه، بالاستماع إليه بحضور مندوب الأجراء أو الممثل النقابي بالمقاولة ان وجد الذي يختاره بنفسه، وذلك في أجل لا يتعدى ثمانية أيام من ارتكاب الفعل المنسوب إليه، ويحرر محضرا في الموضوع؛ وإذا رفض الطرفان إجراء أو إتمام المسطرة، يتم اللجوء إلى مفتش الشغل.
إن هذه المقتضيات جاءت بناء على مطلب من المنظمات النقابية، خلال مفاوضاتها مع الاتحاد العام لمقاولات المغرب، للتوافق في شأن مشروع مدونة الشغل. و كان هذا المطلب يسعى لحماية الأجير من " تعسفات " رب العمل- حسب ادعائهم - من القرارات التأديبية الأحادية المصدر، ونقل هذا الاختصاص إلى مجلس تأديبي، يتكون من ممثلين لإدارة المقاولة وللأجراء على السواء، تناط به اتخاذ قرارات العقوبات التأذيبية؛ وذلك على غرار ما هو جاري به العمل بالنسبة للعلاقات المهنية النظامية، بالوظيفة العمومية، وما شابهها من مؤسسات، وهيئات عمومية، و التي تنص أنظمتها الأساسية على ذلك. إلا أن هذا المقترح ووجه بالرفض من طرف ممثلي أرباب العمل؛ بدعوى ان العقوبات التأديبية هي جزء من تدبير شؤون الموارد البشرية، والتي هي جزء لا يتجزأ عن تدبير شؤون المقاولة ككل؛ وبالتالي لا يجوز تفويضه للغير، مادام رب العمل يبقى المسؤول الوحيد عن سوء التدبير، في حالة إعسار المقاولة، وبان أي تفويض من هذا القبيل قد يدخل المقاولة في النفق المسدود، في حالة لجوء الأجراء لإضراب تضامني مع إجراء اتخذت في حقهم إجراءات تأديبية، لا يوافق عليها ممثلوهم.
ولكل ما ذكر، وبعد مفاوضات بين الطرفين تم التوافق في الموضوع، على أساس أن يعطى للأجير على الأقل حق الدفاع عن نفسه، بالاستماع إليه من طرف المشغل، أو من ينوب عنه، لتفادي أية تجاوزات تقترف من طرف رؤساء الأجير المباشرين، وذلك بحضور مندوب للأجراء أو ممثل نقابي، هذا إضافة للاستماع له خلال اجل لا يتعدى ثمانية أيام من ارتكاب الفعل المنسوب، إليه لحمايته من العقوبات الكيدية بناء على أخطاء قديمة، إلا أنه رغم كل هذا، ورغم وضوح الغاية من النص – حسب اعتقادي – فإن تفسيره اختلف فيه العديد من الممارسين في المجال بما فيه القضاء، فيما يلي:
* تنص الفقرة الأخيرة من المادة 62 من مدونة الشغل على : ".... إذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة (مسطرة الاستماع) يتم اللجوء إلى مفتش الشغل ". فالمشرع لم يحدد لنا دور مفتش الشغل عند اللجوء إليه، فهل لإجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية المنصوص عليها بالمادة 532 من المدونة، التي تحدد مهام الأعوان المكلفين بتفتيش الشغل ؟ فالمدافعون على هذا التفسير، يستندون على كون المادة الأخيرة لم تنط بمفتش الشغل هذه المهمة. والاتجاه الثاني والذي أميل إليه، ينيط بمفتش الشغل إجراء أو إتمام مسطرة استماع لمشغله لأجيره؛ بالإشراف على عقد لقاء بين الطرفين للاستماع لبعضهما البعض، وتحريره لمحضر في الموضوع نيابة عن المشغل وذلك قبل اتخاذ قرار العقوبة التأديبية المفترضة، لضمان حق الاستماع للأجير، وللدفاع عن نفسه الذي هو روح المادة، والغاية الأساسية من سنها. وكإجراء شكلي حمائي للأجير. أما إجراء محاولة التصالح فهي مهمة أخرى مناطة بهذا الجهاز ، وإن كانت وحدة الموضوع تربطهما.إما لكون المادة 532 لم تشر لهده المهمة، فمهام مفتش الشغل، وردت متفرقة في العديد من مواد المدونة، كالمادة 437 على سبيل المثال، التي توليه مهمة التحكيم، في حالة عدم اتفاق المشغل و أجرائه، على توزيع المؤسسات بالمقاولة، أو توزيع الأجراء الأعضاء بين الهيآت الناخبة، وعلى توزيع المقاعد بين هذه الهيآت أثناء إجراء انتخابات مندوبي الأجراء؛ هي مهمة لم ترد بالمادة 532.
*أما فيما يخص حضور مندوب الأجراء، أو الممثل النقابي، بجلسة الاستماع؛ فكلمة "حضور" لا تحدد بدقة دور هذا الأخير، لكون البعض حصر هذه المهمة في الاستماع فقط لدفوع الأجير، وليس لمؤازرته، إلا أنه يؤاخذ على أنصار هذا الاتجاه أنهم يضعون ممثلي الأجراء في صف المشغل، وهو ما يتناقض مع مهامهم الأساسية المشار إليها في المادة 432 من المدونة، المتجلية في تقديم الشكايات الفردية المتعلقة بظروف الشغل، الناتجة عن تطبيق تشريع الشغل، أو عقد الشغل، أو الاتفاقية الجماعية، أو النظام الداخلي، إلى المشغل. وفي حالة عدم الاستجابة لها يحيلها إلى العون المكلف بتفتيش الشغل إذا استمر الخلاف بشأنها؛ وبذلك لا يمكننا أن نتصور دورا آخرا غير المؤازة و الوقوف الى جانب الاجراء، و الدفاع عنهم.
* بالمادة 32 من مدونة الشغل : "يجب قبل فصل الأجير أن تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه بالاستماع إليه من طرف المشغل ..." ان صيغة الوجوب تجعل من المقتضى شرطا شكليا، وإجباريا. وهنا يطرح سؤال، هل عدم اللجوء لهذه المسطرة، يجعل من قرار رب العمل التأديبي قرارا تعسفيا، مهما كانت خطورة الفعل المرتكب المنسوب للأجير؟ وان كان موضوعه لا يعني العلاقة المهنية التي تربطه بمشغله ، فالمادة 39 من مدونة الشغل، تعتبر ارتكاب جنحة ماسة بالشرف، أو الأمانة، أو الآداب العامة، صدر في شأنها حكم نهائي وسالب للحرية، بمثابة الخطأ الجسيم، يمكن أن يؤدى للفصل. ففي هذه الحالة إجراء مسطرة الاستماع أمام المشغل يصبح من غير جدوى، فالاستماع للأجير للدفاع عن نفسه من ماذا؟ فهل في موضوع الجنحة الذي صدر في شأنها حكم قضائي نهائي سالب للحرية، والتي قد تكون لا علاقة لها بالتزامات الأجير المهنية أي مرتكبة ضد الغير خارج المقاولة ؟ كجنحة خيانة الأمانة أو إصدار شيك بدون رصيد، او ارتكاب جنحة السكر العلني خارج مقر عمله.
* ثم إن حق الأجير في الاستماع إليه بمؤازرة مندوب للأجراء أو ممثل نقابي، تطرح مشكلة عدم تواجد هؤلاء الممثلين للأجراء بالمقاولة؛ بالنسبة للمقاولات التي تشغل أقل من عشر أجراء،و التي تكون فيها تمثيلية مندوبي الأجراء اختيارية؛ ولا الممثل النقابي الذي لا يتواجد إلا بالمقاولات التي تشغل مائة أجير وما فوق. أو بسبب عزوف الأجراء عن تأسيس ممثلين، عنهم سواء تعلق الأمر بمندوبي الأجراء أو الممثلين النقابيين. فهل إجراء مسطرة الاستماع في غياب هؤلاء الممثلين للأجراء، في هذه الحالات يعتبر مخلا بمسطرة الاستماع للأجير ؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فما ذنب المشغل في غياب ممثل للعمال ؟
إن دعوة المشغل لإجراء مسطرة الاستماع قبل اتخاذ القرار التأديبي المذكور؛ في حاجة إلى قيود واستثناءات تشريعية تحفظ التوازن المنشود في العلاقات المهنية، من خلال ضمان دفاع الأجير عن نفسه، وبالمقابل تحرير المشغل من كثرة القيود الشكلية حين يكون قراره التأديبي التأذيبي موضوعيا.
يطرح الاتحاد العام لمقاولات المغرب إشكالية تفسير وتطبيق المادة 41 من مدونة الشغل، التي تمكن الأجير الذي فصل عن الشغل، لسبب يعتبره تعسفيا اللجوء إلى مسطرة الصلح التمهيدي من أجل الرجوع إلى شغله، أو الحصول على تعويض؛ وفي الحالة الأخيرة يوقع الطرفان توصيل استلام مبلغ التعويض، مصادق على صحة إمضائه، ويوقعه بالعطف العون المكلف بتفتيش الشغل. ويعتبر هذا الصلح التمهيدي نهائيا غير قابل للطعن أمام المحاكم. والصعوبة في هذا الاجراء تتجلى في توقيع العون المكلف بتفتيش الشغل بالعطف، فما المقصود بعبارة "العطف" وما مدى حدود مسؤوليته في إبرام هذا العقد النهائي الغير قابل للطعن أمام المحاكم ؟ فهذا الأمر يثير تحفظا من طرف بعض أعوان تفتيش الشغل، في ممارسة هذا الإجراء لكونه حاسما في النزاع، يمس حق التقاضي الذي يضمنه القانون للأجير، إضافة إلى لجوء بعض المشغلين لهذا الإجراء رغم عدم تمكين الأجير من مجموع مستحقاته القانونية الناتجة عن الفصل التعسفي، بالاكتفاء بمبلغ جزافي يتم التراضي بشأنه، لا يتضمن التعويضات عن الضرر المشار إليها في نفس المادة المحدد مبلغه على اساس اجر شهر ونصف عن سنة عمل أو جزء من السنة في حدود سقف 36 شهرا، التي تشترطها المادة 41 من مدونة الشغل، للجوء لمسطرة الصلح التمهيدي النهائي.
ان تواجد مفتش الشغل في صلب إجراء الصلح التمهيدي بين الأجير والمؤاجر بتوقيعه بالعطف على الاتفاق بينهما؛ يتطلب تفسيرا لهذا العطف الذي يوقع به، فإن كان ذلك للحرص على تطبيق المادة 41 بحذافيرها؛ حماية للأجير كطرف ضعيف من إرغام المؤاجر له عن ذلك كما فعل المشرع حين اشترط المصادقة على صحة توقيع استقالة الأجير من العمل، حماية له من الضغوط التي قد تمارس عليه بمنحه مهلة كافية لاتخاذ قراره ذاك بالمصادقة عن التوقيع أمام السلطات المحلية، فإن ذلك يضع مفتش الشغل في خانة المسؤولية، قد توسع من صلاحياته لصالح هذا الطرف أو ذاك؛ وتحكمه في الخلاف بينهما، أما إن كان توقيعه هذا بالعطف لا يتجاوز شهادته على تمكين الأجير أمامه من التعويضات المتفق عليها، ولو كانت دون التعويضات الكاملة المحددة على اساس اجر شهر و النصف شهر عن كل سنة ؛ ففي هذه الحالة يكون في دوره حيفا في حق الأجير، الذي يلجأ لمفتش الشغل ليضمن له حقوقه، والتي يكون جاهلا لها في غالب الاحيان، وأقلها الحق في التقاضي كما ينص على ذلك القانون.
إن المادة 41 من مدونة الشغل، في حاجة إلى مذكرة توضيحية تصدرها وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، لتوحيد التفسير، صيانة لإرادة المشرع، وضمانا لحقوق كل من الأجير والمقاولة المشغلة على السواء. فالاتحاد العام لمقاولات المغرب يرى في تمكين الأجير المعفى من عمله من التعويضات الكاملة، في إطار مسطرة الصلح التمهيدي أمرا لا ينبني على التوافق و التراضي، بل ادعانا من المشغل للأجير، لتساوي هده التعويضات مع الحد الأقصى من التعويضات التي يمكن للمحكمة، الحكم بها إن رفع النزاع لها.
د - التعويض عن فصل الاجراء :
أثارت المادة 59 من قانون رقم 99/65 بمثابة مدونة الشغل جدلا حقيقيا بعد دخولها حيز التطبيق، والتي تقر باستفادة الأجير عند فصله تعسفيا من التعويض عن الضرر والتعويض عن أجل الإخطار، واعتبر البعض هذه التعويضات ذكرت على سبيل الحصر، و بالتالي لا يجوز الجمع بينها وبين التعويضات عن الفصل المنصوص عليها بالمادة 53 من نفس القانون. وقد أثيرت الإشكالية أول الأمر على مستوى مفتشية الشغل، حيث تضارب التفسير بين الممارسين بهذا الجهاز إلى أن صدرت مذكرة وزارية تفسيرية ترجح الطرح الذي يتبنى مبدأ عدم الجمع بين هذه التعويضات. إلا أن القضاء حسم الأمر بعد ذلك باعتماده ل" واو المعية " بين المادتين 53 و59 بالجمع بين هده التعويضات ، وهو الأمر الذي يعتبر منطقيا، لغياب نص صريح يدعو لعدم الجمع. ولان عدم الجمع بين هذه التعويضات من شانه ان يقلص من التعويضات التي كان يستفيد منها الاجير قبل صدور المدونة، فقد كان التعويض عن الطرد التعسفي يقدر في إطار نظرية التعسف في استعمال الحق المبنية على عدم أحقية المشغل في استعمال حقه في إعفاء الأجير من شغله اذا لم يكن يقصد من وراء استعمال حقه هذا سوى الإضرار بالأجير، وكذا اذا كانت غايته من الإعفاء قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الأجير من ضرر بعد تجاوزه الحدود المألوفة في ممارسته لحقه. وبذلك يبقى تحديد هذه التعويضات خاضعا لتقدير القضاء.الا انه وبعد صدور المدونة أصبح لكل من التعسف والضرر مفهوم مهني واجتماعي، غير المفهوم العام الذي كان سائدا، وبذلك حدد المشرع للتعويض عنهما سقفا و طريقة للاحتساب، وإن كان قد ضاعف مبلغ التعويض عن الفصل.
وقد أثار الاتحاد العام لمقاولات المغرب الموضوع من جديد، مطالبا بإعادة النظر في هذه النصوص المحددة لهذه التعويضات،والتي يراها تثقل كاهل المقاولة عند إنهاء علاقات الشغل بإرادتها المنفردة، مما يؤثر سلبا على المبادرة في الاستخدام ، بخلق مناصب شغل جديدة.
إن مدونة الشغل حين صدرت سنة 2004، جاءت بناء على توافق بين ممثلي الأجراء في شخص المنظمات النقابية، وممثلي المشغلين الذين يمثلهم الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مما يمكن اعتباره التزامات متبادلة وكل طرف من هؤلاء يعيش حاليا فترة تأمل نتائج هذا النص القانوني بعد عشر سنوات من صدوره، لتقييم المكاسب والخسائر التي جناها منه. ومن البديهي أن تكون للطرفين مطالب، لتدارك ما اعتبره خسائر في تقديره الا انه ومن باب المنطق فأن أي مطلب للتعديل في هذا المضمار سواء من هذا الجانب أو الآخر، لا يمكن تصوره إلا بالعودة إلى لطاولة التفاوض بين الطرفين، تعزيزا للقداسة التعاقدية للأطراف الاجتماعية، وهو الأمر الذي أكده السيد عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية بالمحاضرة الافتتاحية الجامعية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش بتاريخ 22 نونبر 2014 حول موضوع "مدونة الشغل بعد عشر من التطبيق" حيث قال " ... أن الوزارة ستواصل الحوار و التشاور مع مختلف الشركاء الاجتماعيين و الاقتصاديين من أجل إدخال التعديلات الضرورية على بعض بنود مدونة الشغل، وذلك لمواكبة المتطلبات الجديدة لسوق الشغل، وكذا للتغييرات الكبرى التي شهدتها التشريعات المقارنة...."
أما ما أثاره الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بشأن تعويض الأجير عن فقدان الشغل المنصوص عليه بالمادة 59 من المدونة، فهو تعويض لا يعني المشغل بشكل مباشر، بل يتحمله الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أما تحملات المشغل في هذا الباب فهي غير مباشرة، تضامنية، و نسبية، بينه وبين الدولة و باقي المشغلين و الأجراء، عن طريق مساهمات جزئية و طفيفة اضافية.
يتبع...