هل الدولة في خدمة المقاولة، أم المقاولة في خدمة الدولة؟ فكل منهما ترى في الأخرى سر خلودها.المقاولة تبحث عن حضانة الدولة، وهده الأخيرة تراهن عن الأخرى اقتصاديا و اجتماعيا. إلا أنهما في الحقيقة ليستا في حاجة معا، لا لحضانة ولا لرهان، بل لتعايش ، تعايش ثلاثي الإضلاع، يربط الدولة بالمقاولة، ويربط هده الأخيرة بالنقابة. تعايش لا يجب أن يكون على مضض بل على اختيار و حرية، قوامه التوازن و الاتزان، يحيا على إكسير الحق، ونبض القانون
تبعا لما سبق الذكر في شأن المرونة في تشغيل الأجراء، و موقف كل من المنظمات النقابية والإتحاد العام لمقاولات المغرب منها، بقراءة كل من الطرفين لها بين النص و التطبيق. بالخصوص في شق إبرام عقود شغل محددة المدة، و التشغيل المؤقت كما وردت مقتضياتها بمدونة الشغل، وما طالتها من تأويلات وانتقادات من الطرفين، كل بمكياله الخاص. سنتطرق في هدا الجزء لعلاقات الشغل الجماعية، على ضوء كل من " المفاوضة الجماعية " و حل نزاعات الشغل الجماعية ، مسلطين الضوء بالأساس على نقط ضعف و قوة المقتضيات القانونية المنظمة لها.
II) علاقات الشغل الجماعية :
ليس هناك تعريفا صريحا ل " علاقات الشغل الجماعية ". فالتمييز بينها وبين "علاقات الشغل الفردية " ليس بالأمر البديهي؛ لكون مواضيعها تتداخل فيما بينها. فان كان إضراب الأجراء، و إغلاق المقاولات، و اتفاقيات الشغل الجماعية، إحدى صورها الواضحة، إلا أنها أحيانا ليست كذلك، وحتى خلال بعض النزاعات التي تبدو ظاهريا جماعية، إلا إنها واقعيا مجموعة من النزاعات الفردية. وما يمكن تناوله حاليا في هذا الصدد، هو ما أثاره الاتحاد العام لمقاولات المغرب حسب المحاور التالية :
ويتضح مما قيل أن" المفاوضة الجماعية " هي حوار دائم، ومستمر، و يجري بشكل دوري بين أطراف العلاقة الشغلية، ولو في غياب أي خلاف بينهما. فهي إذن صمام الأمان، والتلقيح الدوري لتفادي خلافات الشغل الجماعية بشكل استباقي؛ وبذلك، ف " المفاوضة الجماعية " هي فلسفة، و ثقافة، يتشبع بها كل من المؤاجر، و ممثلي الأجراء على حد سواء، على اعتبار أنهما لحمة واحدة، في صورة طرفين في الإنتاج، وليسا قطبين مختلفي الشحنة الانفعالية؛ ضمانا لاستمرارية العلاقات المهنية.
يستفسر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، من خلال " الدليل " العملي الذي أصدره لمنخرطيه، حول من هم أطراف " المفاوضة الجماعية " ؟ و ما المقصود من المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا، كطرف في هذه المفاوضة؟ وهل المقصود بالممثل النقابي المنصوص عليه في المادة 470 من مدونة الشغل كطرف ؟ كما يتساءل الاتحاد، عن كيفية التفاوض بتواجد نقابتين إثنتين أكثر تمثيلا بالمقاولة؟ مطالبا بدليل عملي، وتنظيمي، يسهل هدا التفاوض. إضافة إلى مطالبته للوزارة المكلفة بقطاع التشغيل بإعداد نموذج مبسط ل " اتفاقية الشغل الجماعية "، والسهر على تشجيع على إبرامها.
لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا المشار إليها كطرف في" المفاوضة الجماعية " على مستوى المقاولة ، يتعين لذلك الأخذ بعين الاعتبار طبقا للمادة 425 من مدونة الشغل، المنظمة النقابية التي حصلت على 35% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين، والقدرة التعاقدية للنقابة فقط. أي لا مندوبي الأجراء المنتخبين، ولا "الممثل النقابي" يعتبرون أطرافا في المفاوضة بالضرورة، و ما نسبة 35 % إلا شرط يخول للمنظمة النقابية حق المفاوضة الجماعية.
من خلال الصياغة التي جاءت بها هذه المقتضيات، يستعصي علينا الوقوف على قصد المشرع بشرط " القدرة التعاقدية للنقابة ". فهل هو شرط يضاف للشرط الأول لحصول النقابة علي صفة الأكثر تمثيلية أي يتعين التوفر على الشرطين معا؟ أم انه يشترط فقط في حالة عدم حصول أية نقابة علي 35% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين؟ ليصبح الشرط معيارا فاصلا، كدور ثان.
مهما يكن إذن، فالحوار في إطار " المفاوضة الجماعية " يتم مع المنظمة النقابية كهيئة مستقلة عن مؤسسة مندوبي الأجراء، وما الحصول على نسبة 35% من عدد مندوبي العمال إلا شرط، يعطيها صفة الأكثر تمثيلية. أما الممثل النقابي والذي لا يتواجد إلا بالمقاولات التي تشغل 100 أجيرا وما فوق، فهي مؤسسة تمثيلية مستقلة كذلك عن المؤسستين السالفتين الذكر، تنحصر مهمتها في تقديم الملف المطلبي للمشغل، والدفاع عن المطالب الجماعية؛ وإجراء المفاوضات حولها، ثم المساهمة في إبرام الاتفاقيات الجماعية؛ وهي مهام مذكورة على سبيل الحصر، لا تعني " المفاوضة الجماعية " كحوار دائم موضوعها ليس بالضرورة ملفا مطلبيا أو لحل نزاع قائم. لكن هذا لا يمنع حضور " الممثل النقابي" كطرف ب " المفاوضة الجماعية " بصفته كعضو بالمكتب النقابي.
فيما يخص تعدد النقابات الأكثر تمثيلية في نفس المقاولة؛ فالموضوع قد أثير بحدة أثناء التفاوض بين المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية علي الصعيد الوطني، و الاتحاد العام لمقاولات المغرب، كطرفين معنيين، للتوافق حول سن مقتضيات مدونة الشغل. فنسبة 35% من عدد مندوبي الأجراء كشرط للحصول على صفة " الأكثر تمثيلية "علي مستوي المقاولة، فقد تم تحديدها بتراض بينهما، بحيث لا تسمح بتواجد إلا نقابتين إثنتين فقط "أكثر تمثيلية" كحد أقصى بالمقاولة. أما على المستوى الوطني، فقد اشترط المشرع حصول المنظمة النقابية على الأقل على 6% من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين وطنيا، في القطاعين العمومي والخاص، وهي نسبة تسمح بإفراز 16 منظمة نقابية أكثر تمثيليةا؛ وإن كان خلال انتخابات مندوبي الأجراء التي جرت سنة 2015، لم تتمكن إلا أربع منظمات نقابية من الحصول على هذه الصفة، مقابل خمسة سنة 2009.
أما عن كيفية إجراء " المفاوضة الجماعية "على مستوى المقاولة بتواجد منظمتين نقابيتين أكثر تمثيلا. فعلى إدارة المقاولة أن تعطي الخيار لهما، للاختيار ما بين التفاوض مع النقابتين معا في آن واحد، في إطار تنظيم إتحادي بينهما. وهو ليس بالأمر الهين، حيث يتطلب مستوي عال من الوعي، والبصيرة، تتمتع بهما المنظمتين النقابيتين، بعيدا عن الحسابات الضيقة، بتغليب مصلحة الأجير فوق كل اعتبار، وهي من الندرة بمكان. والخيار الثاني هو التفاوض مع كل نقابة على حدة. وإن كانت هذه الأخيرة لا تخلو من مخاطر و صعوبات، حيث قد تبقى إحدى المنظمتين في حل مما إلتزمت به النقابة الأخرى مع مشغلهما، مما يجعل هذا الأخير في وضع حرج، فقد يقدم تنازلات، و تحفيزات لأجرائه من دون أن يحصل بالمقابل على سلم اجتماعي. كل هذا يفرز لنا تساؤلا عريضا عما موضوعية شرط الحصول فقط على 35 % للتوفر على صفة النقابة " الأكثر تمثيلية " على مستوى المقاولة، أما كان من الأجدر تحديد هذه النسبة في 51 % مع إمكانية التحالف بين المنظمات النقابية للتوفر على هذه النسبة، وذلك في انتظار توفرنا على عمل نقابي بالمعايير الدولية. فالحوار مع كل نقابة على حدة، هو النهج الذي تسلكه الحكومة للتحاور مع المنظمات النقابية أكثر تمثيلا على المستوى الوطني، في إطار ما يعرف ب " الحوار الاجتماعي"، بسبب العلاقة المتدبدنة بين النقابات، ظاهرها ليس كباطنها. وعلى ذكر "الحوار الإجتماعي" لابد من الإشارة هنا، أنه لا يجب الخلط بينه وبين" المفاوضة الجماعية ". فما يسمى ب " الحوار الاجتماعي"، هو حوار غير ممأسس و بدون سند قانوني، بحيث ليست له مواعيد معينة، ولا مواضيع محددة، بل يخضع فتحه، لما يعرف بالضغط، والضغط المضاد بين الحكومة والمنظمات النقابية، وهذه الوضعية جعلت من " الحوار الاجتماعي " حوارا سياسيا أكثر منه مهنيا. كما أن هذا الأخير يعني كل من القطاع الخاص والعام. أما " المفاوضة الجماعية " فهي حوار ممأسس عن طريق نصوص قانونية، ولا يعني إلا القطاع الخاص. وبذلك يمكن القول أن " المفاوضة الجماعية "على المستوى الوطني لم يسبق لها أن رأت النور، بغض طرف أطرافها.
إن " المفاوضة الجماعية " على مستوى المقاولة، في حاجة إلى مواكبة ومصاحبة من طرف جهاز مختص في المجال، في إطار برنامج ما يعرف بوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية ب " اليقظة الاجتماعية"، ينبني على مقاربة الإستباقية لتحاشي نزاعات الشغل الجماعية. إضافة إلى الحاجة إلى إصدار دليل عملي يساعد على هذه المأمورية. وعلى تشجيع إبرام اتفاقيات شغل جماعية كما تطالب بذلك الإتحاد العام لمقاولات المغرب..
بالعودة إلى المنظمات النقابية أكثر تمثيلا على الصعيدين الوطني والمقاولاتي،والشروط التي تمنح هذه الصفة، لا باس من إثارة الملاحظتين التاليتين :
* إن نسبة 6% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي والخاص، اللازمة لحصول المنظمة النقابية على صفة الأكثر التمثيلية على المستوى الوطني، تطرح إشكالية صدور هذا المقتضى بمدونة الشغل، فهو مقتضى صدر خارج مجال تطبيق النص، بالشق المتعلق بتمثيلية الموظفين العموميين، فكيف للمدونة التي تطبق فقط على القطاع الخاص أن تحدد شروط ممثلي القطاع العام للحصول على هذه الصفة، فقد كان من المستحب صدور نص تنظيمي مستقل في الموضوع و ليس قانون ، نظرا للطبيعة التنظيمية للمقتضى.
* جاء في المادة 425 من مدونة الشغل أنه يتعين الأخذ بعين الاعتبار لتحديد المنظمة النقابية أكثر تمثيلا، على الصعيدين الوطني، أو المقاولاتي، القدرة التعاقدية للنقابة. من دون أن يوضح لنا المشرع أين تتجلى هذه القدرة ؟ فهل المقصود بها النقابات التي أبرمت أكبر عدد من اتفاقيات الشغل الجماعية؟ وإن كان كذلك، فهل تؤخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات التي انتهت مددها؟ هل يقصد بها البروتوكولات التي تبرمها النقابات مع المشغلين أمام مفتشية الشغل، واللجنتين الإقليمية والوطنية للبحث والمصالحة؟ إن المشرع جانب الموضوع، وهو يحدد شروط النقابة الأكثر تمثيلا .إلا انه تدارك الأمر – على ما يبدو - حين أثار القدرة التعاقدية للمنظمة النقابية، كشرط للحصول على الإعانات التي تقدمها الدولة للنقابات، بالمرسوم رقم 2.04.467 الصادر في 29 دجنبر 2004 بتحديد العناصر التي تمنح على أساسها الإعانات التي تقدمها الدولة لاتحادات النقابات المهنية؛ فحصرها في عدد اتفاقيات الشغل الجماعية الجاري بها العمل. فهل يمكن إسقاط هذا المفهوم على النقابة الأكثر تمثيلا ؟ علما أن هذا المرسوم لا ينظم المادة السالفة الذكر.
2. حل نزاعات الشغل الجماعية :
نزاع الشغل الجماعي حسب مدونة الشغل هو خلاف ناشئ بسبب الشغل، والذي يكون أحد أطرافه منظمة نقابية أو جماعة من الأجراء، يكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء الأجراء، أو يكون أحد أطرافه مشغل واحد أو عدة مشغلين أو منظمة مهنية للمشغلين، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين.
ولتسوية هذه النزاعات يتعين سلك مسطرتي التصالح والتحكيم. تتم الأولى على ثلاث مستويات وهي مفتشية الشغل، واللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ثم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة. وإذا لم يحصل اتفاق على هذه المستويات يمكن للجنة المعنية إحالة النزاع إلى التحكيم بعد موافقة الأطراف.
هذا وقد حرصت مدونة الشغل على أن تسوى هذه النزاعات داخل آجال محددة في مجموعها 43 يوما كحد أقصى، منذ وضع مقال المحدد لنقط الخلاف بمفتشية الشغل إلى غاية تبليغ الحكم الناتج عن المسطرة التحكيم، وهذه الآجال موزعة كالتالي:
إن مسطرة تسوية نزاعات الشغل الجماعية الواردة بالكتاب السادس من مدونة الشغل، جاءت مقتضياتها محكمة ودقيقة، ومطابقة للمواثيق الدولية. إلا أن أسباب عدم نجاعتها، وتدني مردوديتها فتتجلى فيما يلي:
* طبقا للمادة 557 من المدونة تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى "اللجنة الإقليمية للبحث و المصالحة" ، يترأسها عامل العمالة أو الإقليم، و تتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة و المنظمات المهنية للمشغلين و المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، ويتولى كتابة اللجنة المندوب الإقليمي المكلف بالشغل. من خلال هذه التركيبة نلاحظ أن هناك نوع من التوازن في تشكيل هذه اللجنة، الثلاثية التمثيل، و بالتساوي، مما يمنحها مصداقية نابعة من توازنها، وما يجعل منها فعلا درجة ثانية للحوار و التفاوض، وهي لجنة قارة تتكون من ممثلين للإدارة و المنظمات المهنية و المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، و يترأسها عامل العمالة أو الإقليم من دون أن ينيب عنه أحد، كما هو مسموح به باللجنة الوطنية للبحث و المصالحة، التي يرأسها الوزير المكلف بالتشغيل أو من ينوب عنه. وعدم الإنابة باللجنة الإقليمية له ما يبرره و هو الحفاظ على هبة اللجنة التي تحضر إلى جانب أطراف النزاع لمساعدتهم والدفع بهم. إلا أنه وللأسف قل ما يتم تشكيل هذه اللجنة بالشكل السالف الذكر، فغالب الأمر يتكفل بالنزاع رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق بالعمالة، الذي هو الآخر لديه العديد من المهام ذات الطابع الاقتصادي، و الاجتماعي، على مستوى العمالة تثقل كاهله، لتبقى نزاعات الشغل قليلة الأهمية مقارنة معها، اللهم إذا تعلق الأمر بنزاعات قائمة بقطاعات حيوية كقطاع النقل الحضري، أو النظافة وغيرها. إضافة لعدم توفره على الخبرة الكافية في المجال؛ مما يجعل الحوار على مستوى اللجنة الإقليمية للبحث و المصالحة ، مجرد امتداد لمحاولة التصالح على مستوى الدرجة الأولى، التي لم تسفر عن أي اتفاق.
* إن الإشراف على محاولة التصالح، يتطلب تقنيات عالية، وإلمام كبير بتدبير النزاعات. ويتم ذلك من طرف مختصين ذوي تكوين عال في المجال، ومتفرغين له. إلا أنه في واقع الأمر، غير ذلك، فالمكلفون بالإشراف على حل نزاعات الشغل على المستويات الثلاث السالفة الذكر، يعتمدون على اجتهاداتهم الشخصية، وبتقنيات بدائية، بمثابة خليط بين المصالحة، والوساطة، والمساعي الحميدة، وأشياء أخرى، وأحيانا متأثرين بنزعات شخصية. إضافة لعدم حرصهم بدقة على تطبيق المبادئ الأولية للإشراف على الحوار، من حياد أثناء التدخلات، ومصداقية في تبني المواقف. مما يقلل من حظهم في التوفق في مهمتهم.
3 - تسريح الأجراء لأسباب اقتصادية آو هيكلية أو تكنولوجية :
يعتبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن مسطرة فصل الأجراء من العمل، كلا أو بعضا، لأسباب تكنولوجية، أو هيكلية، أو ما يماثلها، أو لأسباب اقتصادية المنصوص عليها في المادة 66 من مدونة الشغل وما يليها؛ هو إجراء صعب التطبيق. في غياب تام لتفهم السلطات المعنية، وتحملها عبء هذه الصعوبات التي تعرفها المقاولة. فتمكين الأجراء المسرحين من التعويضات الكاملة عن الفصل، ومهلة الإخطار، والضرر في حالة عدم الترخيص بهذا التسريح من طرف السلطات المعنية، يعمق جرح المقاولة؛ وبالخصوص حين تكون في حالة تسوية قضائية بعد تسريح جزئي للأجراء، فآثار هذه التعويضات يكون سلبيا على التزامات المقاولة اتجاه باقي الأجراء المحتفظ بهم بالمقاولة كأجور وغيرها .
إن مقتضيات المادة 66 وما يليها من مدونة الشغل يعود مصدرها من حيث المبدأ إلى المرسوم الملكي رقم 66-314 بتاريخ 14 غشت 1967 بمثابة قانون المتعلق بالإبقاء على نشاط المؤسسات الصناعية والتجارية، وإعفاء مستخدميها الملغى. والذي بموجبه يتوقف إغلاق كل مؤسسة تجارية كانت أو صناعية أو إعفاء مستخدميها كلا أو بعضا، دون تعويضهم بغيرهم في أجل ثمانية أيام، على إذن عامل العمالة أو الإقليم.
ويتضح من خلال القراءة المتأنية لهذا المرسوم من حيث المضمون، والظروف السياسية الداعية لصدوره، وهي حالة الاستثناء التي عرفها المغرب آن ذاك، خلال الفترة المتراوحة مابين 7 يونيو 1965 و 8 يوليو 1970 طبقا للفصل 35 من دستور 1962. فإن الغاية من صدوره هي إبقاء المقاولة على نشاطها لأسباب أمنية آن ذاك، لأن المشرع يسمح من خلال هذا المرسوم بتسريح جميع الأجراء شرط تعويضهم داخل 8 أيام، وبذلك يكون المشغل في وضعية سليمة أمام النظام العام؛ بالإبقاء على نشاط المؤسسة، وما شرط تعويض المسرحين بغيرهم، إلا لضمان استمرارية نشاطها.
وبصدور قانون رقم 99-65، تم توسيع مفهوم النظام العام في هذا المجال، وهو ما أصبح يصطلح عليه بالنظام العام الاجتماعي، ليشمل حماية المقاولة من الإغلاق، والأجراء من التسريح الكلي أو الجزئي على السواء، ويعني ذلك الأجراء المشتغلين بالمقاولات التجارية، أو الصناعية، أو في الاستغلاليات الفلاحية أو الغابوية و توابعها، أو في مقاولات الصناعة التقليدية؛ التي تشغل اعتياديا عشرة أجراء أو أكثر. تبتدئ إجراءات تقليص عدد الأجراء بتبليغ الأمر لمندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم، أو لجنة المقاولة عند وجودها قبل شهر على الأقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل؛ وبتزويدهم بالمعلومات الضرورية، ثم استشارتهم، والتفاوض معهم من أجل تدارس الإجراءات التي من شأنها أن تحول دون الفصل أو تخفف من آثاره السلبية؛ أي البحث عن حلول بديلة للإجراء المزمع اتخاذه، وذلك باعتبار أن الأجراء شركاء في عملية الإنتاج وليسوا أداة من أدواته، كما هو وارد بديباجة مدونة الشغل. أما في الحالات التي لا تجدي فيها الاستشارات والاقتراحات للوصول لحلول عملية، فإن فصل الأجراء الكلي أو الجزئي يتوقف على إذن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم.
إذن فهاجس الأمن الاجتماعي حاضر بين سطور المادة 66 وما يليها من المدونة ،حفاظا على النظام العام، وترسيخا لمبدأ المقاولة المواطنة، وحماية لمتطلبات الأجير المعيشية حتى خلال الفترات الحرجة التي قد تعرفها المقاولة. إضافة إلى حمايته من الصعوبات الاقتصادية الصورية التي قد يتقمصها بعض المستثمرين، للتنصل من التزاماتهم اتجاه أجرائهم، مشغلين يتصرفون في ملكية المقاولة، كملكية مطلقة، لا يترتب عن معاملاتها أية التزامات مع الغير، سواء تعاقدية كانت أم نظامية .
يتبع...
تبعا لما سبق الذكر في شأن المرونة في تشغيل الأجراء، و موقف كل من المنظمات النقابية والإتحاد العام لمقاولات المغرب منها، بقراءة كل من الطرفين لها بين النص و التطبيق. بالخصوص في شق إبرام عقود شغل محددة المدة، و التشغيل المؤقت كما وردت مقتضياتها بمدونة الشغل، وما طالتها من تأويلات وانتقادات من الطرفين، كل بمكياله الخاص. سنتطرق في هدا الجزء لعلاقات الشغل الجماعية، على ضوء كل من " المفاوضة الجماعية " و حل نزاعات الشغل الجماعية ، مسلطين الضوء بالأساس على نقط ضعف و قوة المقتضيات القانونية المنظمة لها.
II) علاقات الشغل الجماعية :
ليس هناك تعريفا صريحا ل " علاقات الشغل الجماعية ". فالتمييز بينها وبين "علاقات الشغل الفردية " ليس بالأمر البديهي؛ لكون مواضيعها تتداخل فيما بينها. فان كان إضراب الأجراء، و إغلاق المقاولات، و اتفاقيات الشغل الجماعية، إحدى صورها الواضحة، إلا أنها أحيانا ليست كذلك، وحتى خلال بعض النزاعات التي تبدو ظاهريا جماعية، إلا إنها واقعيا مجموعة من النزاعات الفردية. وما يمكن تناوله حاليا في هذا الصدد، هو ما أثاره الاتحاد العام لمقاولات المغرب حسب المحاور التالية :
- - -ثقافة المفاوضة الجماعية :
ويتضح مما قيل أن" المفاوضة الجماعية " هي حوار دائم، ومستمر، و يجري بشكل دوري بين أطراف العلاقة الشغلية، ولو في غياب أي خلاف بينهما. فهي إذن صمام الأمان، والتلقيح الدوري لتفادي خلافات الشغل الجماعية بشكل استباقي؛ وبذلك، ف " المفاوضة الجماعية " هي فلسفة، و ثقافة، يتشبع بها كل من المؤاجر، و ممثلي الأجراء على حد سواء، على اعتبار أنهما لحمة واحدة، في صورة طرفين في الإنتاج، وليسا قطبين مختلفي الشحنة الانفعالية؛ ضمانا لاستمرارية العلاقات المهنية.
يستفسر الاتحاد العام لمقاولات المغرب، من خلال " الدليل " العملي الذي أصدره لمنخرطيه، حول من هم أطراف " المفاوضة الجماعية " ؟ و ما المقصود من المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا، كطرف في هذه المفاوضة؟ وهل المقصود بالممثل النقابي المنصوص عليه في المادة 470 من مدونة الشغل كطرف ؟ كما يتساءل الاتحاد، عن كيفية التفاوض بتواجد نقابتين إثنتين أكثر تمثيلا بالمقاولة؟ مطالبا بدليل عملي، وتنظيمي، يسهل هدا التفاوض. إضافة إلى مطالبته للوزارة المكلفة بقطاع التشغيل بإعداد نموذج مبسط ل " اتفاقية الشغل الجماعية "، والسهر على تشجيع على إبرامها.
لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا المشار إليها كطرف في" المفاوضة الجماعية " على مستوى المقاولة ، يتعين لذلك الأخذ بعين الاعتبار طبقا للمادة 425 من مدونة الشغل، المنظمة النقابية التي حصلت على 35% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين، والقدرة التعاقدية للنقابة فقط. أي لا مندوبي الأجراء المنتخبين، ولا "الممثل النقابي" يعتبرون أطرافا في المفاوضة بالضرورة، و ما نسبة 35 % إلا شرط يخول للمنظمة النقابية حق المفاوضة الجماعية.
من خلال الصياغة التي جاءت بها هذه المقتضيات، يستعصي علينا الوقوف على قصد المشرع بشرط " القدرة التعاقدية للنقابة ". فهل هو شرط يضاف للشرط الأول لحصول النقابة علي صفة الأكثر تمثيلية أي يتعين التوفر على الشرطين معا؟ أم انه يشترط فقط في حالة عدم حصول أية نقابة علي 35% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين؟ ليصبح الشرط معيارا فاصلا، كدور ثان.
مهما يكن إذن، فالحوار في إطار " المفاوضة الجماعية " يتم مع المنظمة النقابية كهيئة مستقلة عن مؤسسة مندوبي الأجراء، وما الحصول على نسبة 35% من عدد مندوبي العمال إلا شرط، يعطيها صفة الأكثر تمثيلية. أما الممثل النقابي والذي لا يتواجد إلا بالمقاولات التي تشغل 100 أجيرا وما فوق، فهي مؤسسة تمثيلية مستقلة كذلك عن المؤسستين السالفتين الذكر، تنحصر مهمتها في تقديم الملف المطلبي للمشغل، والدفاع عن المطالب الجماعية؛ وإجراء المفاوضات حولها، ثم المساهمة في إبرام الاتفاقيات الجماعية؛ وهي مهام مذكورة على سبيل الحصر، لا تعني " المفاوضة الجماعية " كحوار دائم موضوعها ليس بالضرورة ملفا مطلبيا أو لحل نزاع قائم. لكن هذا لا يمنع حضور " الممثل النقابي" كطرف ب " المفاوضة الجماعية " بصفته كعضو بالمكتب النقابي.
فيما يخص تعدد النقابات الأكثر تمثيلية في نفس المقاولة؛ فالموضوع قد أثير بحدة أثناء التفاوض بين المنظمات النقابية الأكثر تمثيلية علي الصعيد الوطني، و الاتحاد العام لمقاولات المغرب، كطرفين معنيين، للتوافق حول سن مقتضيات مدونة الشغل. فنسبة 35% من عدد مندوبي الأجراء كشرط للحصول على صفة " الأكثر تمثيلية "علي مستوي المقاولة، فقد تم تحديدها بتراض بينهما، بحيث لا تسمح بتواجد إلا نقابتين إثنتين فقط "أكثر تمثيلية" كحد أقصى بالمقاولة. أما على المستوى الوطني، فقد اشترط المشرع حصول المنظمة النقابية على الأقل على 6% من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين وطنيا، في القطاعين العمومي والخاص، وهي نسبة تسمح بإفراز 16 منظمة نقابية أكثر تمثيليةا؛ وإن كان خلال انتخابات مندوبي الأجراء التي جرت سنة 2015، لم تتمكن إلا أربع منظمات نقابية من الحصول على هذه الصفة، مقابل خمسة سنة 2009.
أما عن كيفية إجراء " المفاوضة الجماعية "على مستوى المقاولة بتواجد منظمتين نقابيتين أكثر تمثيلا. فعلى إدارة المقاولة أن تعطي الخيار لهما، للاختيار ما بين التفاوض مع النقابتين معا في آن واحد، في إطار تنظيم إتحادي بينهما. وهو ليس بالأمر الهين، حيث يتطلب مستوي عال من الوعي، والبصيرة، تتمتع بهما المنظمتين النقابيتين، بعيدا عن الحسابات الضيقة، بتغليب مصلحة الأجير فوق كل اعتبار، وهي من الندرة بمكان. والخيار الثاني هو التفاوض مع كل نقابة على حدة. وإن كانت هذه الأخيرة لا تخلو من مخاطر و صعوبات، حيث قد تبقى إحدى المنظمتين في حل مما إلتزمت به النقابة الأخرى مع مشغلهما، مما يجعل هذا الأخير في وضع حرج، فقد يقدم تنازلات، و تحفيزات لأجرائه من دون أن يحصل بالمقابل على سلم اجتماعي. كل هذا يفرز لنا تساؤلا عريضا عما موضوعية شرط الحصول فقط على 35 % للتوفر على صفة النقابة " الأكثر تمثيلية " على مستوى المقاولة، أما كان من الأجدر تحديد هذه النسبة في 51 % مع إمكانية التحالف بين المنظمات النقابية للتوفر على هذه النسبة، وذلك في انتظار توفرنا على عمل نقابي بالمعايير الدولية. فالحوار مع كل نقابة على حدة، هو النهج الذي تسلكه الحكومة للتحاور مع المنظمات النقابية أكثر تمثيلا على المستوى الوطني، في إطار ما يعرف ب " الحوار الاجتماعي"، بسبب العلاقة المتدبدنة بين النقابات، ظاهرها ليس كباطنها. وعلى ذكر "الحوار الإجتماعي" لابد من الإشارة هنا، أنه لا يجب الخلط بينه وبين" المفاوضة الجماعية ". فما يسمى ب " الحوار الاجتماعي"، هو حوار غير ممأسس و بدون سند قانوني، بحيث ليست له مواعيد معينة، ولا مواضيع محددة، بل يخضع فتحه، لما يعرف بالضغط، والضغط المضاد بين الحكومة والمنظمات النقابية، وهذه الوضعية جعلت من " الحوار الاجتماعي " حوارا سياسيا أكثر منه مهنيا. كما أن هذا الأخير يعني كل من القطاع الخاص والعام. أما " المفاوضة الجماعية " فهي حوار ممأسس عن طريق نصوص قانونية، ولا يعني إلا القطاع الخاص. وبذلك يمكن القول أن " المفاوضة الجماعية "على المستوى الوطني لم يسبق لها أن رأت النور، بغض طرف أطرافها.
إن " المفاوضة الجماعية " على مستوى المقاولة، في حاجة إلى مواكبة ومصاحبة من طرف جهاز مختص في المجال، في إطار برنامج ما يعرف بوزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية ب " اليقظة الاجتماعية"، ينبني على مقاربة الإستباقية لتحاشي نزاعات الشغل الجماعية. إضافة إلى الحاجة إلى إصدار دليل عملي يساعد على هذه المأمورية. وعلى تشجيع إبرام اتفاقيات شغل جماعية كما تطالب بذلك الإتحاد العام لمقاولات المغرب..
بالعودة إلى المنظمات النقابية أكثر تمثيلا على الصعيدين الوطني والمقاولاتي،والشروط التي تمنح هذه الصفة، لا باس من إثارة الملاحظتين التاليتين :
* إن نسبة 6% على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي والخاص، اللازمة لحصول المنظمة النقابية على صفة الأكثر التمثيلية على المستوى الوطني، تطرح إشكالية صدور هذا المقتضى بمدونة الشغل، فهو مقتضى صدر خارج مجال تطبيق النص، بالشق المتعلق بتمثيلية الموظفين العموميين، فكيف للمدونة التي تطبق فقط على القطاع الخاص أن تحدد شروط ممثلي القطاع العام للحصول على هذه الصفة، فقد كان من المستحب صدور نص تنظيمي مستقل في الموضوع و ليس قانون ، نظرا للطبيعة التنظيمية للمقتضى.
* جاء في المادة 425 من مدونة الشغل أنه يتعين الأخذ بعين الاعتبار لتحديد المنظمة النقابية أكثر تمثيلا، على الصعيدين الوطني، أو المقاولاتي، القدرة التعاقدية للنقابة. من دون أن يوضح لنا المشرع أين تتجلى هذه القدرة ؟ فهل المقصود بها النقابات التي أبرمت أكبر عدد من اتفاقيات الشغل الجماعية؟ وإن كان كذلك، فهل تؤخذ بعين الاعتبار الاتفاقيات التي انتهت مددها؟ هل يقصد بها البروتوكولات التي تبرمها النقابات مع المشغلين أمام مفتشية الشغل، واللجنتين الإقليمية والوطنية للبحث والمصالحة؟ إن المشرع جانب الموضوع، وهو يحدد شروط النقابة الأكثر تمثيلا .إلا انه تدارك الأمر – على ما يبدو - حين أثار القدرة التعاقدية للمنظمة النقابية، كشرط للحصول على الإعانات التي تقدمها الدولة للنقابات، بالمرسوم رقم 2.04.467 الصادر في 29 دجنبر 2004 بتحديد العناصر التي تمنح على أساسها الإعانات التي تقدمها الدولة لاتحادات النقابات المهنية؛ فحصرها في عدد اتفاقيات الشغل الجماعية الجاري بها العمل. فهل يمكن إسقاط هذا المفهوم على النقابة الأكثر تمثيلا ؟ علما أن هذا المرسوم لا ينظم المادة السالفة الذكر.
2. حل نزاعات الشغل الجماعية :
نزاع الشغل الجماعي حسب مدونة الشغل هو خلاف ناشئ بسبب الشغل، والذي يكون أحد أطرافه منظمة نقابية أو جماعة من الأجراء، يكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء الأجراء، أو يكون أحد أطرافه مشغل واحد أو عدة مشغلين أو منظمة مهنية للمشغلين، ويكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين.
ولتسوية هذه النزاعات يتعين سلك مسطرتي التصالح والتحكيم. تتم الأولى على ثلاث مستويات وهي مفتشية الشغل، واللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة ثم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة. وإذا لم يحصل اتفاق على هذه المستويات يمكن للجنة المعنية إحالة النزاع إلى التحكيم بعد موافقة الأطراف.
هذا وقد حرصت مدونة الشغل على أن تسوى هذه النزاعات داخل آجال محددة في مجموعها 43 يوما كحد أقصى، منذ وضع مقال المحدد لنقط الخلاف بمفتشية الشغل إلى غاية تبليغ الحكم الناتج عن المسطرة التحكيم، وهذه الآجال موزعة كالتالي:
- محاولة التصالح على مستوى مفتشية الشغل : 11 يوما
- محاولة التصالح على مستوى اللجنة الإقليمية للبحث و المصالحة : 11 يوما
- محاولة التصالح على مستوى اللجنة الوطنية للبحث و المصالحة : 10 أيام
- مسطرة التحكيم : 11 يوما
إن مسطرة تسوية نزاعات الشغل الجماعية الواردة بالكتاب السادس من مدونة الشغل، جاءت مقتضياتها محكمة ودقيقة، ومطابقة للمواثيق الدولية. إلا أن أسباب عدم نجاعتها، وتدني مردوديتها فتتجلى فيما يلي:
- عدم الالتزام بالآجالات السالفة الذكر لعدم الوعي بأهميتها، و أهمية عامل الزمن في حل النزاعات، سواء على مستوى مفتشية الشغل أو على مستوى اللجنتين الإقليمية و الوطنية. فكثرة المهام المناط بجهاز التفتيش من مراقبة كمهمة أساسية، ومهام إدارية، وغيرها، وفي غياب جهاز خاص مكلف بحل نزاعات الشغل، فإن الالتزام بهذه الآجال يبقى بعيد المنال، وحل نزاعات الشغل ليس من أولوياته.
* طبقا للمادة 557 من المدونة تحدث لدى كل عمالة أو إقليم لجنة تسمى "اللجنة الإقليمية للبحث و المصالحة" ، يترأسها عامل العمالة أو الإقليم، و تتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة و المنظمات المهنية للمشغلين و المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، ويتولى كتابة اللجنة المندوب الإقليمي المكلف بالشغل. من خلال هذه التركيبة نلاحظ أن هناك نوع من التوازن في تشكيل هذه اللجنة، الثلاثية التمثيل، و بالتساوي، مما يمنحها مصداقية نابعة من توازنها، وما يجعل منها فعلا درجة ثانية للحوار و التفاوض، وهي لجنة قارة تتكون من ممثلين للإدارة و المنظمات المهنية و المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا، و يترأسها عامل العمالة أو الإقليم من دون أن ينيب عنه أحد، كما هو مسموح به باللجنة الوطنية للبحث و المصالحة، التي يرأسها الوزير المكلف بالتشغيل أو من ينوب عنه. وعدم الإنابة باللجنة الإقليمية له ما يبرره و هو الحفاظ على هبة اللجنة التي تحضر إلى جانب أطراف النزاع لمساعدتهم والدفع بهم. إلا أنه وللأسف قل ما يتم تشكيل هذه اللجنة بالشكل السالف الذكر، فغالب الأمر يتكفل بالنزاع رئيس قسم الشؤون الاقتصادية والتنسيق بالعمالة، الذي هو الآخر لديه العديد من المهام ذات الطابع الاقتصادي، و الاجتماعي، على مستوى العمالة تثقل كاهله، لتبقى نزاعات الشغل قليلة الأهمية مقارنة معها، اللهم إذا تعلق الأمر بنزاعات قائمة بقطاعات حيوية كقطاع النقل الحضري، أو النظافة وغيرها. إضافة لعدم توفره على الخبرة الكافية في المجال؛ مما يجعل الحوار على مستوى اللجنة الإقليمية للبحث و المصالحة ، مجرد امتداد لمحاولة التصالح على مستوى الدرجة الأولى، التي لم تسفر عن أي اتفاق.
- أما النزاعات التي تحال على اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة، فهي قليلة العدد، لتعثرها على المستويين الأولين، أو لطول عمرها، الأمر الذي يجعل من احتمال حلها ضئيلا.
* إن الإشراف على محاولة التصالح، يتطلب تقنيات عالية، وإلمام كبير بتدبير النزاعات. ويتم ذلك من طرف مختصين ذوي تكوين عال في المجال، ومتفرغين له. إلا أنه في واقع الأمر، غير ذلك، فالمكلفون بالإشراف على حل نزاعات الشغل على المستويات الثلاث السالفة الذكر، يعتمدون على اجتهاداتهم الشخصية، وبتقنيات بدائية، بمثابة خليط بين المصالحة، والوساطة، والمساعي الحميدة، وأشياء أخرى، وأحيانا متأثرين بنزعات شخصية. إضافة لعدم حرصهم بدقة على تطبيق المبادئ الأولية للإشراف على الحوار، من حياد أثناء التدخلات، ومصداقية في تبني المواقف. مما يقلل من حظهم في التوفق في مهمتهم.
3 - تسريح الأجراء لأسباب اقتصادية آو هيكلية أو تكنولوجية :
يعتبر الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن مسطرة فصل الأجراء من العمل، كلا أو بعضا، لأسباب تكنولوجية، أو هيكلية، أو ما يماثلها، أو لأسباب اقتصادية المنصوص عليها في المادة 66 من مدونة الشغل وما يليها؛ هو إجراء صعب التطبيق. في غياب تام لتفهم السلطات المعنية، وتحملها عبء هذه الصعوبات التي تعرفها المقاولة. فتمكين الأجراء المسرحين من التعويضات الكاملة عن الفصل، ومهلة الإخطار، والضرر في حالة عدم الترخيص بهذا التسريح من طرف السلطات المعنية، يعمق جرح المقاولة؛ وبالخصوص حين تكون في حالة تسوية قضائية بعد تسريح جزئي للأجراء، فآثار هذه التعويضات يكون سلبيا على التزامات المقاولة اتجاه باقي الأجراء المحتفظ بهم بالمقاولة كأجور وغيرها .
إن مقتضيات المادة 66 وما يليها من مدونة الشغل يعود مصدرها من حيث المبدأ إلى المرسوم الملكي رقم 66-314 بتاريخ 14 غشت 1967 بمثابة قانون المتعلق بالإبقاء على نشاط المؤسسات الصناعية والتجارية، وإعفاء مستخدميها الملغى. والذي بموجبه يتوقف إغلاق كل مؤسسة تجارية كانت أو صناعية أو إعفاء مستخدميها كلا أو بعضا، دون تعويضهم بغيرهم في أجل ثمانية أيام، على إذن عامل العمالة أو الإقليم.
ويتضح من خلال القراءة المتأنية لهذا المرسوم من حيث المضمون، والظروف السياسية الداعية لصدوره، وهي حالة الاستثناء التي عرفها المغرب آن ذاك، خلال الفترة المتراوحة مابين 7 يونيو 1965 و 8 يوليو 1970 طبقا للفصل 35 من دستور 1962. فإن الغاية من صدوره هي إبقاء المقاولة على نشاطها لأسباب أمنية آن ذاك، لأن المشرع يسمح من خلال هذا المرسوم بتسريح جميع الأجراء شرط تعويضهم داخل 8 أيام، وبذلك يكون المشغل في وضعية سليمة أمام النظام العام؛ بالإبقاء على نشاط المؤسسة، وما شرط تعويض المسرحين بغيرهم، إلا لضمان استمرارية نشاطها.
وبصدور قانون رقم 99-65، تم توسيع مفهوم النظام العام في هذا المجال، وهو ما أصبح يصطلح عليه بالنظام العام الاجتماعي، ليشمل حماية المقاولة من الإغلاق، والأجراء من التسريح الكلي أو الجزئي على السواء، ويعني ذلك الأجراء المشتغلين بالمقاولات التجارية، أو الصناعية، أو في الاستغلاليات الفلاحية أو الغابوية و توابعها، أو في مقاولات الصناعة التقليدية؛ التي تشغل اعتياديا عشرة أجراء أو أكثر. تبتدئ إجراءات تقليص عدد الأجراء بتبليغ الأمر لمندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم، أو لجنة المقاولة عند وجودها قبل شهر على الأقل من تاريخ الشروع في مسطرة الفصل؛ وبتزويدهم بالمعلومات الضرورية، ثم استشارتهم، والتفاوض معهم من أجل تدارس الإجراءات التي من شأنها أن تحول دون الفصل أو تخفف من آثاره السلبية؛ أي البحث عن حلول بديلة للإجراء المزمع اتخاذه، وذلك باعتبار أن الأجراء شركاء في عملية الإنتاج وليسوا أداة من أدواته، كما هو وارد بديباجة مدونة الشغل. أما في الحالات التي لا تجدي فيها الاستشارات والاقتراحات للوصول لحلول عملية، فإن فصل الأجراء الكلي أو الجزئي يتوقف على إذن يسلمه عامل العمالة أو الإقليم.
إذن فهاجس الأمن الاجتماعي حاضر بين سطور المادة 66 وما يليها من المدونة ،حفاظا على النظام العام، وترسيخا لمبدأ المقاولة المواطنة، وحماية لمتطلبات الأجير المعيشية حتى خلال الفترات الحرجة التي قد تعرفها المقاولة. إضافة إلى حمايته من الصعوبات الاقتصادية الصورية التي قد يتقمصها بعض المستثمرين، للتنصل من التزاماتهم اتجاه أجرائهم، مشغلين يتصرفون في ملكية المقاولة، كملكية مطلقة، لا يترتب عن معاملاتها أية التزامات مع الغير، سواء تعاقدية كانت أم نظامية .
يتبع...