إذا كان الاختصاص عموما، هو ولاية محكمة معينة للبت في نزاع محدد أو صلاحية المحكمة للنظر في دعوى مرفوعة إليها، فتعدد المحاكم وانفراد كل نوع منها بقضايا معينة وضرورة حصر المجال الترابي الذي تمارس فيه كل واحدة سلطتها القضائية هي التي فرضت على كل التشريعات سن قواعد قانونية من شأنه توزيع الاختصاص فيما بين المحاكم على نحو تدرأ من خلاله قيام أي جدل بشأن إسناد سلطة البث في قضية معينة بين محكمة وأخرى.
ويشكل توزيع الاختصاص ضرورة لا مفر منها في ظل تعدد المحاكم من حيث العدد والنوع أو الوظيفة، ولما كان هذا التوزيع التشريعي، قد تتخلله مجموعة من الخروقات المسطرية من قبل أحد طرفي الدعوى، فقد كان لزاما أن يوفر المشرع للطرف الآخر وسيلة إجرائية قضائية بمثابة ضمانة تخوله فرصة طلب رد الأمور إلى نصابها من خلال تقنية الدفع بعدم الاختصاص المحلي أو النوعي.
وإذا كان تنازع الإختصاص بين المحاكم فيما يخص نزاعات الشغل الفردية يتجلى بالأساس بين المحاكم الإبتدائية والمحاكم الإدارية فإننا ارتأينا معالجة هذا الفرع من خلال الإختصاص المحلي (المبحث الأول)، على أن نخصص (المبحث الثاني) للإختصاص النوعي مع ضرورة تركيزنا على هذا الأخير باعتباره يثير العديد من الإشكالات القانونية والقضائية.
المبحث الأول: الإختصاص المحلي
يقصد بالاختصاص المحلي أو المكاني في قضايا نزاعات الشغل الفردية تعيين المحكمة المختصة مكانيا للبت في هذه القضايا واستنادا إلى مقتضيات الفصل 28 من قانون المسطرة المدنية فإن الاختصاص المحلي أو المكاني في دعاوى نزاعات الشغل تكون أمام محكمة موقع إبرام أو تنفيذ عقدة الشغل بالنسبة للعمل خارج المؤسسة، وفي دعاوى الضمان الاجتماعي أمام محكمة موطن المدعى عليه، أما في دعاوى حوادث الشغل فأمام المحكمة التي وقعت الحادثة في دائرة نفوذها غير أنه إذا وقعت الحادثة في دائرة نفوذ محكمة ليست هي محل إقامة الضحية جاز لهذا الأخير أو لذوي حقوقه رفع القضية أمام محل إقامتهم، وفي دعاوى الأمراض المهنية، أمام محل إقامة العامل أو ذوي حقوقه.
هذا وترفع طلبات الضمان وسائر الطلبات الأخرى العارضة والتدخلات، والدعاوى المقابلة، أمام المحكمة المرفوع إليها الطلب الأصلي عدا إذا ثبت بوضوح أن الطلب الأول المقدم أمامها لم يقصد به إلا إبعاد المدعى عليه من محكمته العادية فعندئذ يحال المدعي على من له النظر.
وبقراءة متأنية للفصل 16[1] من قانون المسطرة المدنية يبدو واضحا أن الاختصاص المحلي ليس معلقا بالنظام العام، بل إن موقف المشرع من الدفع بعدم الاختصاص المحلي كان أكثر صراحة ووضوحا إذا لم يشر نهائيا إلى إمكانية الحكم به من قبل قاضي الدرجة الأولى أو المحكمة الابتدائية وهذا على خلاف الاختصاص النوعي الذي أعطى فيه للمحكمة إمكانية الحكم له تلقائيا.
وعليه، يكون الرأي المنطقي وهو الغالب، أن الاختصاص المحلي لا يتعلق بالنظام العام، ويترتب على ذلك عدة نتائج منها:
- على من يتمسك بعدم الاختصاص المحلي أن يثيره قبل كل دفع أو دفاع.
- ليس للمحكمة أن تثير عدم الاختصاص المحلي تلقائيا.
- لا يجوز التمسك بعدم الاختصاص المحلي إلا من قبل صاحب المصلحة فقط.
- يجوز الاتفاق على منح الاختصاص المحلي للمحكمة التي يرتضيها الأطراف تحقيقا لمصالحهم.
وليس للاختصاص المحلي في قانون إحداث المحاكم الإدارية أية خصوصية، سوى اختصاص المحكمة الإدارية بالرباط[2].
المبحث الثاني: الاختصاص النوعي
لعل الاختصاص النوعي هو أكثر الاختصاصات جدلا وتنازعا بين المحاكم، ولذلك ارتأينا التركيز عليه من خلال هذا البحث وإعطائه حيزا هاما من البحث والدراسة، وذلك بغية الإحاطة التامة بكل جوانب هذا الاختصاص، وذلك نظرا للإشكاليات العويصة التي يعرفها بالإضافة إلى الغموض التشريعي فيما يخص الاختصاص في نزاعات الشغل الفردية خاصة حينما تتعلق هذه النزاعات بالمؤسسات العمومية.
ويقصد بالاختصاص النوعي تلك القواعد القانونية التي يهدف من خلالها المشرع، إلى توزيع القضايا انطلاقا من نوعيتها على نفس المحاكم المنتمية إلى نفس الجهة القضائية[3].
وعليه فإذا كان الاختصاص عموما هو صلاحية محكمة ما للبث في نزاع معين فإن عدم الاختصاص بمفهوم المخالفة يظل هو انتفاء تلك الصلاحية.
ويعتبر الدفع بعدم الاختصاص النوعي هو تلك الوسيلة المسطرية التي ينكر بها أحد الأطراف على المحكمة اختصاصها بنظر الدعوى نوعيا، وهو شرط شكلي وجوهري لازم لصحة الإجراءات.
ونظرا لما يثيره هذا الدفع من إشكالية أمام المحاكم خصوصا المحاكم العادية والمحاكم الإدارية، فيما يتعلق بالأولوية في التطبيق، هل الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية، أم الأحكام المشتركة المنصوص عليها في المواد 12 إلى 14 من القانون المنظم للمحاكم الإدارية رقم 41.90؟
وهذه الأحكام سماها المشرع بالأحكام المشتركة[4]، أي تشترك في تطبيقها كل من الجهتين العادية والإدارية، وهي منصوص عليها في المادة 12 وما يليها من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية.
وباطلاعنا على مجموعة من الملفات وكذا العديد من النزاعات السارية على أنظار مختلف المحاكم، فإننا ارتأينا الخوض بالبحث في طبيعة هذه النزاعات وكذا البحث عن الإشكالات المطروحة بخصوص هذه النزاعات والتي تتجلى بالأساس في تنازع الاختصاص بين المحاكم العادية والإدارية (المطلب الثاني) ولكن قبل ذلك سنتطرق للدفع بعدم الاختصاص النوعي وعلاقته بالنظام العام (المطلب الأول) وذلك لتحديد وتبيان صورة واضحة بخصوص هذا الدفع نظرا للإشكالات المثارة بشأنه.
المطلب الأول: الاختصاص النوعي وعلاقته بالنظام العام
فيما يخص الدفع بعدم الاختصاص النوعي وعلاقته بالنظام العام سنعالجه على مستويين، على مستوى قانون المسطرة المدنية (الفقرة الأولى)، ثم على مستوى القانون المحدث للمحاكم الإدارية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: على مستوى قانون المسطرة المدنية
لقد انقسمت آراء الباحثين والممارسين بخصوص هذا النوع وعلى ضوء مقتضيات المادة 16 من قانون المسطرة المدنية إلى فريقين رئيسيين أحدهما متمسك بكونه من النظام العام والآخر يرى عكس ذلك، وفريق ثالث متذبذب بين هذا وذاك.
+ الإتجاه الأول: الذي يعتبره من النظام العام
يرى أنصار هذا الاتجاه، أن هذا الدفع من متعلقات النظام العام ويعتمدون على عدة مبررات يمكن إجمالها فيما يلي:
- أن الفقرة الثانية من الفصل 16 التي تنص على أنه "لا يمكن إثارة هذا الدفع في طور الإستئناف إلا بالنسبة للأحكام الغيابية"، إنما تقصد الدفع بعدم الإختصاص المكاني دون النوعي.[5]
- أنه يمكن لمحكمة الاستئناف إثارة هذا الدفع تلقائيا لأنها مدعوة طبقا للمادة 3 من قانون المسطرة المدنية، لتطبيق القانون الواجب التطبيق ومنه قواعد الاختصاص.[7]
وأن ما يؤكد هذا الطرح هو كون هذا الاختصاص يتعلق بنظام الدولة ككل وبطريقة توزيع الاختصاص بين المحاكم الذي يرتبط بالنظام العام.
+ الاتجاه الثاني: الذي لا يعتبر هذا الدفع من النظام العام
يركز أصحاب هذا الاتجاه على صراحة نص الفصل 16 الذي يتحدث عن الدفعين معا، فما دام أنه لا يمكن إثارته في جميع مراحل التقاضي، وما دام أنه لا يحق للمحكمة إثارته من تلقاء نفسها إلا بالنسبة لمحاكم أول درجة ووجوب إثارته قبل كل دفع أو دفاع فإنه لا يمكن اعتباره من النظام العام.[8]
أضف إلى كل ذلك أن المشرع لو أراد اعتباره من النظام العام لنص على ذلك صراحة فهو منح المحكمة رخصة إثارته تلقائيا، وقصر هذه الرخصة على محاكم أول درجة ولم يلزمها بذلك.
+ الإتجاه الثالث: الذي يقف بين الرأيين
يعتقد هذا الاتجاه أن المشرع من خلال صياغة المادة 16 لم يحسم بشكل واضح في طبيعة هذا الدفع، فلا هو اعتبره من النظام العام ولا هو صرح بعكس ذلك، حيث يرى أصحاب هذا الاتجاه أن هذا الدفع في ظل قانون المسطرة المدنية الحالي يعد من صميم النظام العام بيد أنه لم يفقد كل علاقة به، إلا أنه أصبح أكثر فأكثر أبعد عن النظام العام من كونه أقرب منه، وخلصوا إلى أن الدفع بعدم الاختصاص من نوع خاص.
إلا أنه من جانبنا نرى أن الدفع بعدم الاختصاص النوعي من النظام العام، رغم تذبذب الصياغة التشريعية للمادة 16 من قانون المسطرة المدنية التي يمكن الجزم بأن مقتضياتها لا علاقة لها البتة مع قواعد الاختصاص النوعي، وإنما جاء بها المشرع في الواقع، لمعالجة الدفع بعدم الاختصاص المكاني، ومما يزكي طرحنا ما جاء به القانون المنظم للمحاكم الإدارية من أحكام مشتركة مع المادة 16 تنص صراحة على أن الاختصاص النوعي من النظام العام، وبما أن القانون 41.90 المنظم للمحاكم الإدارية نص خاص فإنه يجّب النص العام فيما يخص الدفع بعدم الاختصاص النوعي.
الفقرة الثانية: على مستوى القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية
عند إحداث المحاكم الإدارية ببلادنا، أصبحت هناك جهتان قضائيتان، كل واحدة تنظر في قضايا تختلف نوعيا عن تلك التي تنظر فيها الجهة القضائية الأخرى، لدى بات من الطبيعي أن يعمل المشرع على سن أحكام تعالج الدفع بعدم الاختصاص النوعي المثار أمام كل من الجهتين القضائيتين العادية والإدارية، وهذه الأحكام سماها المشرع بالأحكام المشتركة، أي تشترك في تطبيقها كل من الجهتين المذكورتين، وهي منصوص عليها في المادة 12 وما يليها من القانون رقم 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية، حيث تبين المادة 12 صراحة أن القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي من قبيل النظام العام.
فمع صراحة هذا النص لم يعد هناك احتمال لإثارة أي تساؤل بخصوص طبيعة هذا الدفع، فهو من صميم النظام العام يمكن للأطراف إثارته في أي مرحلة وعلى المحكمة أن تثيره تلقائيا فهي ليست مخيرة في التصريح باختصاصها من عدمه بل هي ملزمة كلما تبين لها أن البث في الدعوى يعقد لمحكمة أخرى ( ابتدائية، تجارية)، وهو يتماشى مع الاجتهاد القضائي الإداري المعروف بحرصه على صبغة النظام العام التي يكتسبها هذا الدفع في المادة الإدارية.
والمشرع لم يكتفي بإلزام هذه المحاكم بإثارة عدم اختصاصها هذا بل كل محكمة أثير أمامها دفع يروم إسناد الاختصاص للمحاكم الإدارية إلا وتصبح ملزمة بالبث فيه بموجب حكم مستقل ولا يمكنها أن تضمه للموضوع عملا بصريح المادة 13 من نفس القانون ومن باب أولى فهي ملزمة بإثارته تلقائيا.
واستنادا على هذه المقتضيات فقد ذهب بعض الفقه إلى أن مقتضيات المادة 16 المتعلقة بعدم الاختصاص النوعي لم يعد لها محل للتطبيق وأنه قد حلت محلها القواعد المشتركة المنصوص عليها في القانون رقم 41.90 وأن فقرات المادة 16 أصبحت تتعلق فقط بالاختصاص المكاني.
المطلب الثاني: إشكالية الاختصاص في نزاعات المعاشات
تدخل منازعات المعاشات[9] ضمن القضاء الشامل حسب ما ذهب إليه الاجتهاد القضائي قبل إحداث المحاكم الإدارية، وقد ظل الأمر كذلك حتى بعد إنشاء المحاكم الإدارية التي أكدت خصوصية القضاء الشامل بالنسبة لمنازعات المعاشات وعليه نتساءل عن مبررات ودواعي تصنيف دعاوى المعاشات ضمن القضاء الشامل، وما هي سلطات القاضي الإداري في منازعات المعاشات، وماذا عن حدود سلطات القاضي الإداري وهو بصدد البت في منازعات المعاشات.
وقد عرفت منازعات المعاشات إشكاليات على مستوى الجهة القضائية المختصة للبت فيها، غير أنه بالرجوع إلى التنظيم القضائي المغربي والذي عرف عدة تطورات متتالية بدءا من ظهير 21 غشت 1913 إلى مرحلة تأسيس المحاكم الإدارية بموجب القانون رقم 41.90 يمكن القول بأن إشكالية الاختصاص النوعي في مادة المعاشات قد مرت بمرحلتين أساسيتين: مرحلة ما قبل صدور القانون المحدث للمحاكم الإدارية (الفقرة الأولى) ومرحلة ما بعد إحداث المحاكم الإدارية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: نزاعات المعاشات ما قبل إحداث المحاكم الإدارية
فقبل إحداث المحاكم الإدارية كان الاختصاص في المعاشات يعرف تنازعا بين المحاكم العادية والمجلس الأعلى، وذلك نظرا لعدم وضوح النصوص القانونية
.
أولا: اختصاص المحاكم العادية
إن الأساس المحدد لاختصاص المحاكم العادية، في إطار قضائها الشامل في هذه المرحلة لم ينطلق من فراغ بل إنه ابتدأ مع ظهير خاص بالمعاشات، حيث أن النصوص التشريعية التي تحكم المعاشات عهدت إلى القاضي العادي بالفصل بشكل كلي في كل نزاع ينشأ بمناسبة تطبيقها وذلك استنادا إلى الفصل 55 من ظهير فاتح مارس 1930.
ونحن نرى بأن الاختصاص المخول للمحاكم العادية واضح ومشروع وذلك لسببين اثنين:
الأول: يرجع إلى أن النصوص المتعلقة بالمعاشات كانت واضحة في إسناد الاختصاص للمحاكم العادية.
وثانيهما: أن اختصاص المحاكم العادية تفرضه عدم وجود محاكم أخرى متخصصة غير تلك المحاكم التي ينعقد لها الاختصاص الكامل.
فالمحاكم العادية كانت تتبع بالاختصاص في ميدان رواتب التقاعد المدنية عملا بأحكام الفصل 55 من ظهير فاتح مارس 1930 وبذلك كانت مؤهلة للبت في مشروعية القرارات الإدارية الصادرة برفض منح هذه الرواتب.
ثانيا: اختصاص المجلس الأعلى
عمل المغرب على إحداث المجلس الأعلى[10] بموجب ظهير 27 شتنبر 1957 وتم التنصيص على أن من صلاحيته طلبات إلغاء القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية بدعوى الشطط في استعمال السلطة، إلا أن دوره بقي محدودا في منازعات أنظمة المعاشات في ظل الاستمرار بظهير فاتح مارس 1930 وكدا الفصل 8 من ظهير التنظيم القضائي خصوصا وأن الإصلاح الذي عرفته أنظمة المعاشات المدنية والعسكرية لسنة 1971 لم يكن فعالا لعدم تحديده الجهة القضائية المختصة بالمنازعات الناشئة عن تطبيقها مما جعله وفيا للقضاء السابق.
وتجدر الإشارة إلى أن دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة في نزاعات الشغل الفردية، فإن القرار المؤرخ في 25 نونبر 1966[11]، يعد أول لبنة في تطور الاجتهاد القضائي في تكريس اختصاص المجلس الأعلى في هذا المجال حينما يتعلق الأمر بالمؤسسات عمومية، فقد صرح المجلس الأعلى بقبول دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة ضد مقرر بإلغاء عقد خاضع للقانون الخاص لتوظيف عون بالإدارة، حيث أكد المجلس الأعلى أن المقرر صادر عن السلطة إدارية، وأنه يختص بالبت في شأنه بغض النظر عن معرفة ما إذا كان العقد تابعا للقانون الخاص أو للقانون الإداري، لأن ظهير 1957 الذي أسس هذه الدعوى ضد مقررات السلطات الإدارية، لم يقم تمييزا على هذا النحو[12].
بعد ذلك طبق المجلس الأعلى وجهة النظر هذه بشأن مقررات صادرة عن مديري المؤسسات العمومية، الصناعية والتجارية التي تعمل أيضا وفق شروط القانون الخاص، كمكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية سابقا[13]، ومكتب التجارة والتصدير، وغير ذلك من المؤسسات.
وفي هذا الاتجاه أكد المجلس الأعلى هذا الموقف حديثا في قراره رقم 80 في فاتح مارس 1990، والمتعلق بجميلة صاديقي ضد مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية، كما أن المجلس الأعلى كان قد قرر في قراره رقم 96 المؤرخ في 30 ماي 1985 بأن مدير الوكالة المستقلة للنقل العمومي سلطة إدارية، وبأن مقرراته الصادرة في إطار تسيير المرفق العام (العزل) هي قرارات إدارية قابلة للطعن بالإلغاء.
وبتفحص قرارات المجلس الأعلى فيما يخص نزاعات المعاشات يتضح أن دور هذا الأخير كان محدودا في المنازعات المرتبطة بالمعاشات وذلك راجع أساسا إلى نظام وحدة القضاء الذي كان سائدا والذي جعل الاختصاص القضائي في منازعات التقاعد مصنفا بين اختصاص المحاكم العادية ضمن إطار القضاء الشامل واختصاص المجلس الأعلى الذي كان مقتصرا على الطعن بالإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة[14].
هذا فيما يتعلق بالاختصاص في نزاعات المعاشات قبل إحداث المحاكم الإدارية، فهل استطاع المشرع بإحداث المحاكم الإدارية أن يحمي الحق في المعاش ولو بالتقليص من إشكالية الاختصاص؟
الفقرة الثانية: نزاعات المعاشات بعد إحداث المحاكم الإدارية
لقد مثل الإعلان عن إحداث المحاكم الإدارية نقطة تحول كبيرة في تحديد المحكمة المختصة بالنظر في النزاعات الإدارية، ومنها تلك المرتبطة بالتقاعد حيث خول القانون 41.90 سلطة البت في مثل هذه النزاعات.
إن التطرق لاختصاص المحاكم الإدارية في منازعات المعاشات يقتضي منا تناول مسألة انعقاد الاختصاص للمحاكم الإدارية، ثم نطاق وحدود اختصاص المحاكم الإدارية ومدى خضوع منازعات المعاشات للعاملين بالمؤسسات العمومية لاختصاصها.
أولا: اختصاص المحاكم الإدارية
بتاريخ 10 شتنبر 1993 صدر القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية تدعيما لصرح التنظيم القضائي المغربي وخدمة لمبدأ ازدواجية القضاء والقانون، وهكذا نصت المادة 8 من القانون المذكور على أنه "تختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس المستشارين".
ونصت المادة 41 من نفس القانون على ما يلي:
"تختص المحاكم الإدارية بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق:
- القانون رقم 011.71 الصادر في 12 ذي القعدة 1391 (30 ديسمبر 1971) بإحداث نظام المعاشات المدنية ما عدا النزاعات المتعلقة بالفصل 28 منه.
- أنظمة المعاشات والإيرادات والمنح المشار إليها في القانون 4.80 المتعلق بتحسين وضعية المتقاعدين من موظفي الدولة والعاملين بها الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.183 بتاريخ 3 جمادى الثانية 1401 (8 أبريل 1981).
ولا تستثنى من اختصاص المحاكم الإدارية إلا ما يتعلق بالمقتضيات الواردة في الفصل 28 من قانون المعاشات المدنية، حيث تتحول الدولة إلى مدعية فتكون ملزمة بمقاضاة الشخص الذي تسبب في العاهة أمام المحاكم الابتدائية لكونها ترغب في استرداد التعويضات التي دفعتها للمتضرر من جراء أفعال تنسب للشخص المدعى عليه.
وتجدر الإشارة إلى أنه قد تطور البحث عن معيار المادة الإدارية بين استعمال المعيار العضوي[16]، أي تحديد السلطة أو الجماعة العمومية المعنية بالنزاع، وبين اللجوء للمعيار الوظيفي[17]، الذي يفضي إلى تحليل الوضعية موضوع الخلاف أو العمليات المادية أو التصرفات القانونية، أصل النزاع.
ووفقا للنصوص السابقة الذكر فقد صدرت عن القاضي الإداري العديد من الأحكام والقرارات التي تؤكد على أن منازعات المعاشات تندرج ضمن اختصاص المحاكم الإدارية. فقد قضت الغرفة الإدارية في قرارها الصادر بتاريخ 1997.10.09،[18] على أن المادة الثامنة من قانون 41.90 تمنح للمحاكم الإدارية عدة اختصاصات من بينها اختصاص البت في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة.
وفي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمراكش[19] قضت فيه بأن البت في النزاع المتعلق بمعاش الزمانة من اختصاص المحكمة الإدارية وبالتالي يكون الدفع بعدم الإختصاص النوعي غير مركز على أساس ويتعين رده.[20]
ونفس التوجه سار عليه القضاء الإداري فيما يخص بعض النزاعات التي يوجد المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن طرفا فيها، ففي حكم صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط[21]، الصادر بتاريخ 22/2/2005 والمتعلق بالسيد السهلي محمد من جهة، والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن من جهة أخرى، والذي أكد على أن "طلب المدعي يتعلق في شق منه بالمنازعة في مشروعية الضريبة العامة على الدخل التي خضع لها مبلغ التعويض الممنوح للمدعي عن المغادرة الطوعية للعمل، وفي شقه الآخر بتسوية وضعيته المعاشية بعد استفادته من المغادرة المذكورة، وهو ما يجعل المحكمة الإدارية هي الجهة القضائية المختصة بالبت في النزاع، بصريح المادة الثامنة من القانون 41.90 والتي أسندت الاختصاص للمحاكم الإدارية بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وإدارة مجلس النواب والمستشارين، وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضرائب، طالما أن المكتب المدعى عليه هو مؤسسة عمومية تتمتع بالإستقلال الإداري والمالي".
وفي حكم آخر صادر عن نفس المحكمة[22] بتاريخ 26/11/2012 والمتعلق بالسيد محمد بلمدني ضد المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، والذي جاء في حيثياته "وحيث أنه بغض النظر على النشاط الذي يمارسه هذا المكتب فإنه تطبيقا لمقتضيات المادة 8 من القانون 90.41 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية التي تنص على أنه تختص المحاكم الإدارية بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة...، مما يجعل المحكمة الإدارية مختصة للبت في طلب المدعي سيما وأن لفظ العاملين المشار إليه في تلك المادة جاء على إطلاقه ولم يميز بين كبار الموظفين والمحاسبين وباقي فئات المستخدمين".
ونفس التعليل صدر عن المحكمة الإدارية بالرباط فيما يخص قضايا كل من عبد الكريم طيبي[23] ومحمد آيت إيكو[24] وحمو إبراهيمي[25] في مواجهة المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن.
إن الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية يعد من قبيل النظام العام يمكن للأطراف المتنازعة إثارته في جميع مراحل الدعوى ويمكن للجهة القضائية المعروضة عليها القضية أن تثيره تلقائيا حسب مضمون المادة 12 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية.
ثانيا: حدود اختصاص المحاكم الإدارية
إذا كانت المنازعات المرتبطة بالمعاشات بالنسبة للموظفين لا تثير إشكالا فإنه بالنسبة للعاملين بالمؤسسات العمومية قد طرحت إشكالات حول الاختصاص مما خلق ارتباكا حول الجهة المختصة بالبت في المنازعات المتعلقة بهؤلاء.
فبعد إحداث المحاكم الإدارية بموجب القانون 41.90 عمل المشرع على نقل مجموعة من الاختصاصات من المحاكم الابتدائية إلى المحاكم الإدارية وتعتبر هذه الأخيرة وريثا شرعيا لكثير من الاختصاصات التي كانت موكولة للغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى والمحاكم العادية مما أصبح معه من الضرورة معرفة اختصاص كل محكمة لتجنب الحكم بعدم الاختصاص.
وقد شكلت المنازعات المرتبطة بمعاشات العاملين بالمؤسسات العمومية مجالا خصبا لتنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم الابتدائية[26] إن هذا التنازع لم ينطلق من رغبة كل محكمة في توسيع مجال اختصاصها بل أنه يجد مبرراته في غموض بعض المقتضيات القانونية وبالتالي اختلاف تأويلاتها الشيء الذي خلق التباسا على مستوى الاجتهادات القضائية.
إن هذا المقتضى كان ولا يزال محل جدل فقهي وقضائي فماذا يقصد بالنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية؟
ويلاحظ أن المشرع مدد اختصاص المحاكم الإدارية إلى العاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية فهل تختص المحاكم الإدارية بالبت في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للعاملين دون تمييز؟ وهل يستوي الأمر بين العاملين في المؤسسات العمومية الإدارية والعاملين في المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية؟
وإذا كان الإشكال مطروحا على الشكل أعلاه فإن عبارة العاملين الواردة في الفصل 8 من القانون 41.90 أدى إلى اختلاف الفقه والقضاء حول المقصود منها.
لكن استقراء العديد من الأحكام الصادرة عن المحاكم الإدارية المنشورة وغير المنشورة يتبين منها على أن العديد من الأحكام القضائية لا تميز بين المؤسسات العمومية التي تدير مرفقا عاما إداريا والتي لا تطرح أي إشكال بخضوعها للقانون العام والمؤسسات العمومية الاجتماعية والاقتصادية التي تخضع لنظام قانوني مزدوج عام وخاص، إضافة إلى عدم تمييزها كذلك بين فئة العاملين الأطر الذين يشغلون مهام الإدارة والتوجيه والذين يعتبرون موظفين عموميين وفئة العاملين الأجراء الذين طرحوا مجموعة من الإشكالات في منازعات معاشاتهم أمام المحاكم الإدارية.
فبعض أحكام المحاكم الإدارية طبقت النص التشريعي في المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية وذهبت في الاتجاه الذي سار عليه قضاء المجلس الأعلى لعدة سنوات حيث اعتمدت المعيار العضوي لتأسيس اختصاصها بحيث يكفي أن يكون المقرر المطعون فيه صادرا عن مدير مؤسسة عمومية بصفته سلطة إدارية ليكون النزاع الناشئ بين المؤسسة التي يشرف على تسييرها وأحد مستخدميها ذو طبيعة إدارية.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض المحاكم الإبتدائية سايرت توجه المحاكم الإدارية فيما يخص الإختصاص في هذه القضايا، وعلى سبيل المثال الحكم عدد 315 الصادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط[27] بتاريخ 24/03/2011 والمتعلق بالسيد حمو إبراهيم ضد المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، والذي جاء فيه "وحيث إن النزاع يتعلق بنظام التقاعد، وحيث أنه بالرجوع إلى مقتضيات المادتين 8 و41 من القانون رقم 90.41 يتبين أن المشرع قد أعطى الإختصاص بصريح النص للمحكمة الإدارية بحكم أن الإختصاص للنظر في المعاشات المتعلقة بمؤسسة عمومية ومستخدميها ينعقد للمحكمة الإدارية، وحيث أنه تبعا لذلك، يتعين التصريح بعدم اختصاص هذه المحكمة نوعيا للبت في الدعوى".
وفي أحكام أخرى عملت المحاكم الإدارية على التمييز بين المؤسسات العمومية الإدارية والمؤسسات العمومية الاقتصادية وميزت في أحكام أخرى بين النزاعات الفردية للعاملين بالمؤسسات العمومية التي تحكمها قواعد القانون الخاص والنزاعات الناتجة عن القواعد التنظيمية والتي يختص فيها القضاء الإداري.
وعموما فإذا كانت المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري لا تطرح إشكالا بشأن العاملين فيها لأنهم يخضعون لنظام قانوني خاص بها، وأن العلاقة التي تربطهم لا تخضع لقانون الشغل، فإن الإشكال يظل قائما بخصوص العاملين بالمؤسسات العمومية التجارية والصناعية الذين تربطهم بالإدارة علاقة شغل عادية تخضع لقانون الشغل.
ومما سبق يبدو واضحا أن القضاء المغربي غير مستقر بشأن نزاعات المعاشات للعاملين في المؤسسات العمومية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي وفي هذا الصدد فإنني أشاطر الفقه الذي ينادي بضرورة تدخل المشرع المغربي لإعادة صياغة الفقرة 2 من المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية وتحديد معيار واضح لتوزيع الاختصاص بين المحاكم المذكورة فالمادة السابقة جاءت عامة ومطلقة لا تميز بين العاملين الذين يخضعون لنظام أساسي وبين أولئك الذين يخضعون لقانون الشغل.
الهوامش
[1] - والذي ينص على أنه:
" يجب على الأطراف الدفع بعدم الاختصاص المكاني قبل كل دفع أو دفاع.
لا يمكن إثارة هذا الدفع في طور الاستئناف إلا بالنسبة للأحكام الغيابية.
يجب على من يثير الدفع أن يبين المحكمة التي ترفع إليها القضية وإلا كان الطلب غير مقبول.
إذا قبل الدفع رفع الملف إلى المحكمة المختصة التي تكون الإحالة عليها بقوة القانون وبدون صائر.
يمكن الحكم بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من لدن قاضي الدرجة الأولى".
" يجب على الأطراف الدفع بعدم الاختصاص المكاني قبل كل دفع أو دفاع.
لا يمكن إثارة هذا الدفع في طور الاستئناف إلا بالنسبة للأحكام الغيابية.
يجب على من يثير الدفع أن يبين المحكمة التي ترفع إليها القضية وإلا كان الطلب غير مقبول.
إذا قبل الدفع رفع الملف إلى المحكمة المختصة التي تكون الإحالة عليها بقوة القانون وبدون صائر.
يمكن الحكم بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من لدن قاضي الدرجة الأولى".
[2] - فقد نصت المادة 11 من قانون إحداث المحاكم الإدارية على أنه:
"تختص محكمة الرباط الإدارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم".
"تختص محكمة الرباط الإدارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير شريف أو مرسوم وبالنزاعات الراجعة إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشأ خارج دوائر اختصاص جميع هذه المحاكم".
[3] - بعبارة أخرى سلطة المحاكم في الفصل في المنازعات بحسب نوعها.
[4] - ومرد تطبيقها المشترك بين الجهتين المذكورتين، يرجع إلى سببين اثنين:
أولهما: أن المشرع أراد أن يبقي على نظام القضاء الموحد ببلادنا، بحيث أنه لو أراد الازدواجية، لجعل لكل جهة قضائية قواعدها الإجرائية الخاصة بها، لدى فإن الأحكام المشتركة تلزم الجهتين القضائيتين العادية والإدارية، ولا تخص الجهة القضائية الإدارية وحدها، كما سارت عن خطأ بعض الاتجاهات القضائية التي تعتبر أن المحاكم العادية تطبق القواعد المنصوص عليها في الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية، بينما المحاكم الإدارية هي الملزمة بتطبيق القواعد الجديدة المنصوص عليها في المادة 12 وما يليها من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية.
ثانيهما: أن المشرع أتى بتلك القواعد والأحكام المشتركة المتعلقة بالاختصاص النوعي كتدابير وقائية تحمي المحكمة من الوقوع في متاهة تنازع الاختصاص، فلو أن المشرع جعل لكل جهة قضائية قواعدها الإجرائية الخاصة بها، لأصبحنا أمام ازدواجية القضاء ولا اضطر حينئذ المشرع إلى إحداث محكمة التنازع، وهو ما لا يمكن تحققه حاليا أمام الاختيار الذي دأب عليه المغرب منذ مدة والذي ما زال يحافظ عليه إلى الآن وهو وحدة القضاء. (أشار إليه مصطفى التراب، إشكالية الدفع بعدم الاختصاص النوعي بين المحاكم العادية والمحاكم الإدارية، مجلة القضاء والقانون، عدد 146، ص 15-16).
أولهما: أن المشرع أراد أن يبقي على نظام القضاء الموحد ببلادنا، بحيث أنه لو أراد الازدواجية، لجعل لكل جهة قضائية قواعدها الإجرائية الخاصة بها، لدى فإن الأحكام المشتركة تلزم الجهتين القضائيتين العادية والإدارية، ولا تخص الجهة القضائية الإدارية وحدها، كما سارت عن خطأ بعض الاتجاهات القضائية التي تعتبر أن المحاكم العادية تطبق القواعد المنصوص عليها في الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية، بينما المحاكم الإدارية هي الملزمة بتطبيق القواعد الجديدة المنصوص عليها في المادة 12 وما يليها من القانون 41.90 المحدث للمحاكم الإدارية.
ثانيهما: أن المشرع أتى بتلك القواعد والأحكام المشتركة المتعلقة بالاختصاص النوعي كتدابير وقائية تحمي المحكمة من الوقوع في متاهة تنازع الاختصاص، فلو أن المشرع جعل لكل جهة قضائية قواعدها الإجرائية الخاصة بها، لأصبحنا أمام ازدواجية القضاء ولا اضطر حينئذ المشرع إلى إحداث محكمة التنازع، وهو ما لا يمكن تحققه حاليا أمام الاختيار الذي دأب عليه المغرب منذ مدة والذي ما زال يحافظ عليه إلى الآن وهو وحدة القضاء. (أشار إليه مصطفى التراب، إشكالية الدفع بعدم الاختصاص النوعي بين المحاكم العادية والمحاكم الإدارية، مجلة القضاء والقانون، عدد 146، ص 15-16).
[5] - - مصطفى التراب، إشكالية الدفع بعدم الاختصاص النوعي بين المحاكم العادية والمحاكم الإدارية، مجلة القضاء والقانون، عدد 146، ال 7 سنة الثلاثون، ص 12-13.ص 15-16.
[6] - أحمد بلحاج الشاهدي ، الاختصاص النوعي بين الفقرتين 2 و 5 من الفصل 16 وعلاقتها بالنظام العام، مجلة المحامي، عدد 2 س.
[7] - عبد الرحيم الجواهري، إشكالية الفقرة 2 و 5 من الفصل 16 من قانون المسطرة المدنية، مجلة المحامي العدد 1، ص 13.
[8] - محمد صابر، الدفع بعدم الاختصاص النوعي، مجلة المنتدى، العدد 1، سنة 1999، ص 63.
[9] - وبالرجوع إلى المقتضيات القانونية التي تنظم حق الاستفادة من راتب التقاعد _ القانون رقم 011.71 المؤرخ في 30 دجنبر 1971 المتعلق بنظام المعاشات المدنية جريدة رسمية عدد 3087 مكرر، بتاريخ 31 دجنبر 1971 صفحة 3396_ وخاصة الفصل الثاني نجده يعرف المعاش بأنه عبارة عن مبلغ يصرف للموظف أو المستخدم عند انتهاء خدمته بصورة نظامية أو إصابته بعجز ويؤول إلى المستحقين عنه وإلى أبويه بعد وفاته وذلك مقابل المبالغ التي تقتطع من أجرته ومساهمات الدولة أو الجماعات المحلية أو المؤسسة التابع لها.
[10] - محكمة النقض حاليا بعد صدور الدستور الجديد لفاتح يوليوز 2011.
[11] - منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 2، سنة 1968، صفحة 102.
[12] - ميشيل روسي، المنازعات الإدارية بالمغرب، طبعة 1995، صفحة 83.
[13] - المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بعد الإندماج بين مؤسستي مكتب الأبحاث والمساهمات المعدنية والمكتب الوطني للأبحاث والإستثمارات النفطية.
[14] - سفيان زوبع، منازعات التقاعد في الوظيفة العمومية ، بحث لنيل شهادة الماستر في التدبير الإستراتيجي للموارد البشرية في الإدارة والمقاولات، كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية وجدة، السنة الجامعية 2009-2010، صفحة 14.
[15] - محمد الأعرج، المنازعات المتعلقة بتطبيق أنظمة المعاشات في العمل القضائي للمحاكم الإدارية، منشور بمجلة المعيار، العدد 34، ص 111.
[16] - هذا المعيار يبدو أكثر بساطة لأنه يكفي التعرف على الجهة صاحبة الشأن لتحديد الاختصاص، إذا كان القرار أو العملية أو النشاط موضوع الخلاف تحت مراقبة أحد أشخاص القانون العام، فإن الاختصاص يكون إداريا.
[17] - يقتضي اللجوء إلى المعيار الوظيفي لتحديد طبيعة قضية معروضة على القاضي، تحليل مضمون هذه القضية، لأي تحليل مميزات المقرر أو مميزات النشاط الذي كان سببا في النزاع.
[18] - قرار عدد 1427 صادر عن الغرفة الإدارية، بتاريخ 1997.10.09 إبراهيم التازي ضد المكتب الوطني للسكك الحديدية، منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى، العدد المزدوج 53-54 السنة 21 الصفحة 269.
[19] - حكم عدد 385 صادر عن المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 2004.11.01 محمد الجمول ضد الصندوق المغربي للتقاعد، منشور بمجلة القانون والإقتصاد عدد مزدوج 21-22 يناير 2006 الصفحة 149 وما بعدها.
[20] - سعيد الوجداني، مرجع سابق، ص 32-33.
[21] - حكم رقم 258 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 22/02/2005 ملف رقم 814/03، بين السهلي محمد من جهة وبين المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن من جهة ثانية، حكم غير منشور.
[22] - حكم عدد 4318 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 26/11/2012 ملف رقم 155/8/2012، بين محمد بلمدني والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، حكم غير منشور.
[23] - حكم رقم 4412 بتاريخ 03/12/2102 ملف رقم 156/8/2012 الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط، بين عبد الكريم طيبي والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، حكم غير منشور.
[24] - حكم عدد 4414 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 03/12/2012 ملف رقم 158/8/2012، بين محمد آيت إيكو والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، حكم غير منشور.
[25] - حكم عدد 4319 صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 26/11/2012 ملف رقم 159/8/2012، بين حمو إبراهيمي والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، حكم غير منشور.
[26] - محمد الأعرج، مرجع سابق، ص23.
[27] - حكم عدد 315 صادر عن المحكمة الإبتدائية بالرباط بتاريخ 24/3/2011 ملف رقم 1501/461/10، بين حمو إبراهيمي والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، حكم غير منشور.