بتاريخ 28/9/2015 وبعاصمة الانوار باريس ,تنطفئ شمعة اقدم محام في افريقيا, الزميل الاستاد ميير طوليدانو, عميد المحامين المغاربة واحد رموز الحركة الوطنية والحقوقية بالمغرب, الشخصية القانونية التي عايشت مراحل تكون النسق القانوني المغربي في شموليته بدءا بالإصلاحات التي اتت بها سلطات الحماية, والتي شكلت النموذج اليعقوبي للدولة بالمغرب وهو النموذج القائم على مفهوم الدولة القانونية, اي الدولة التي تحكمها قواعد معيارية موضوعة من طرف سلطتها التشريعية المتمثلة في البرلمان .
ففي تحليله للانساق الكبرى للقانون الإنساني والقانون المغربي وهو الملم بفلسفة القانون ومقارنة الاديان قال" ان المقارنة ما بين القانون العبري, والقانون الكنسي, والقانون الاسلامي, الهدف منها استخلاص أحكام تقويمية"،وفي هدا الاطار قال مخاطبا الحضور في المؤتمر السادس عشر للمعهد الدولي للقانون الفرنسي " لم نجتمع لان نقول ما يفرق بيننا، وإنما نحن مجتمعون في إطار الأخوة الإبراهيمية",مضيفا " بان تعداد جميع المشاكل التي تواجه المجتمع المعاصر والادعاء بإعطاء كل مشكل الحل المستخلص من القانون الذي نستعمله هو الشيء الذي لا يسمح به الوقت والحدود المخولة لنا،، ولكن ذلك لا يمنعنا، في نفس الوقت، من توضيح وشرح ان القانون الواجب التطبيق ، هو ذلك القانون الذي اخترناه لتسير عليه العدالة من خلال المحاكم".
رأى المرحوم النور بمدينة الدار البيضاء بتاريخ 13/7/1918 المدينة التي ترعرع بين ظهرانيها وتلقى تعليمه في مؤسساتها التربوية حيث حصل على الباكلوريا قسم الفلسفة سنة 1938. عمل بعدها استاد التاريخ والجغرافيا بثانوية الاطفال بوجدة سنوات 1938_1939.1939_1940, تم غادر بعدها التدريس, واشتعل لدى الخبير السيد الفريد مارتي سنة 1941 , وكان في نفس الوقت يتابع دراسته العليا في القانون, حيث حصل على شهادة الاجازة في الحقوق من مؤسسة الدراسات العليا المغربية, مركز الدراسات القانونية والادارية, بتاريخ 29مارس 1943 ,تقدم بعدها بطلب التقييد بلائحة المحامين المتمرنين بهيئة المحامين بالدار البيضاء, بتاريخ 12ابريل 1943 عين الاستاد كاستون مقررا في ملفه , وبعد التأكد من توفر الشروط القانونية , بت المجلس بقبول طلبه ليقيد بلائحة التمرين بتاريخ 2يونيو 1943 ,قضى المرحوم تمرينه بمكتب الاستاد بونام, وبعد قضاء فترة التمرين, سجل بالجدول الكبير كمحام رسمي بتاريخ 27 دجنبر 1945.
اصبح المرحوم ناشطا سياسيا خلال الحرب العالمية التانية , ومن 1949 الى 1952 رئيسا لتحرير صحيفة ناور واعتنق افكار الوطنية بعد دلك وأسس مع فيليكس ناتان مجلة الصداقة المغربية,
عايش المرحوم ومارس القانون لمغرب الحماية الى اواخر الخمسينات من القرن الماضي, حيث التحق بمهام سياسية وقانونية بتاريخ 1فبراير 1956 بالحكومات الاولى للاستقلال الى تاريخ انتهاء مهامه ,بوزارة الخارجية في 20فبراير 1961, حيث تقدم على اثرها بطلب التسجيل من جديد بجدول الهيئة ,قبل طلبه بتاريخ 30مارس 1961 وفق اعراف وتقاليد المحاماة ,وسجل تحت نفس الرقم المهني الذي حمله مند البداية اي الرقم 3 بجدول هيئة المحامين بالدارالبيضاء , المرحوم كان من الرعيل الاول للوطنيين الدين عايشوا اتفاقية اكس ليبان كما كان من الدين عايشوا تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وترشح باسمه عن دائرة انفا في الانتخابات التشريعية لسنة 1963 حيث خسر الانتخابات في مواجهة ممثل جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية.
و مما يتذكره النقيب الاستاد عمر الخيراوي عن المرحوم الأستاذ طوليدانو، أنه قبل صدور القانون رقم 3.64 بتاريخ 22 رمضان 1384 (26 يناير 1965)، المتعلق بتوحيد المحاكم، فقد كانت اللغة السائدة بالمحاكم العصرية هي اللغة الفرنسية. و بعد صدور هذا القانون، فرض فصله الخامس أن تكون اللغة العربية هي وحدها لغة المداولات والمرافعات والأحكام في المحاكم المغربية، مما خلق صعوبة لكثير من الزملاء الممارسين آنذاك، ومن بينهم بالطبع المرحوم الأستاذ طوليدانو.
ولكون المكاتب لم تكن تتوفر إلا على الآلات الراقنة باللغة الفرنسية، ولقلة وغلاء مثيلاتها باللغة العربية، فقد كانت مقالات ومذكرات الأستاذ طوليدانو، أسوة بكثير من معاصريه، تطبع بالآلة الكاتبة في نصف الصفحة باللغة الفرنسية، و في النصف الآخر باللغة العربية، إلا أنها مكتوبة بخط اليد فقط..
المرحوم حلل الواقع الانساني وحاول ان يجب عن تساؤلات اشكالية من منظور رجل الحقوق الملم بمفهوم العدالة ففي جوابه عن سؤال
ما هي مشاكلنا المعاصرة؟،
انطلق من تعداد المشاكل التي انتهى اليها المجمع الكنسي المجتمع في روما سنة 1983 والتي هي الجوع في العالم, والحرب والسلام, والعدالة الاجتماعية ,والميز العنصري ، مصرا على انه يقبل هذا التعداد ويضيف إليه الهيمنة السياسية للدول الكبرى على الدول الصغرى, والتسلح النووي والاستبداد والتعصب السياسي او الديني، وكره الاجانب والرشوة, والعنف الاجتماعي والعقوبات القاسية وعقوبة الإعدام ومشكلة اللاجئين والعبودية.
ورأى ان المشاكل المعاصرة التي أتى على تعدادها لها قاسم مشترك هو خرق مفهوم العدالة الذي يعني ان يعامل الجميع ككائنات بشرية متساوية.
وفي تحليله للقانون العبري، يرى المرحوم انه لا يقبل أي نوع من التمييز مستشهدا بنص من التلمود أكثر بلاغة في الموضوع حيث قرأ في إيزاي:" افتحوا الأبواب، لتدخل الأمة العادلة والوفية"" وهنا يرى ان النبي لا يقول"" ليدخل الكهان والليفيون والاسرائليون وإنما أمر ان تفتح الأبواب للأمة العادلة والوفية، حتى و لو كانت وثنية، ويقرأ فضلا عن ذلك: هذه باب الخلد، ليدخلها العادلون"" ويرى ان النبي لا يقول: الكهان والليفيون والاسرائليون سوف يدخلونها، وإنما العادلون دون تمييز في الشعائر، ويرى ان صاحب الزبور يقول أيضا: ايها العادلون إقمعوا احد المزامير تشريفا للخلود"" انه لا يدعو بشكل خاص، الاسرائليين للتغني بمجد الخلود، ولكن يتوجه الى العادلين من كل الديانات"" ليكن الخلود صالحا للمحسنين ويرى انه يقرأ أخيرا في الزبور، لا يتوسل الشاعر الملهم الرحمة فقط للكهان والاسرائليين، وإنما للناس الصالحين من كل الأمم مما يستتبع ان وثنيا صالحا يعتبر سواء مع كاهن كبير منحدر من هارون
وحلل المرحوم مفهوم العدالة في القانون العبري ليرى ان للعدالة في العبرية معنى التصديق, وان لها مفهوم آخر هو الإنصاف, والرحمة، لدى فمفهوما العدالة والرحمة يوجدان إذن مرتبطين في التصديق, وكلما استعملت كلمة العدالة، فان ذلك يعني أيضا الإنصاف, ومن اجل ذلك تتحدث الكتب المقدسة عن العدالة, ووجوب الإنصاف والرحمة في نفس الوقت.
مارس المرحوم المحاماة قبل الاستقلال وبعده وكان شاهدا على التحولات القانونية لمغرب الحماية والاستقلال , ويعتبر من عمداء المهنة بدون منازع, مارس المهنة لمدة 73 سنة كان فيها رجل فلسفة القانون خلص الى اننا سواء اعتقدنا بأزمنة الخلاص أم لا، فلنعمل على الأقل في دائرة نشاطنا اليومي وكأن يوما ما قد تأتي فيه، أزمنة العدل والسلام على الأرض.
تم اسقاط اسم الاستاد ميير طوليدانو من جدول هيئة المحامين بالدار البيضاء في اجتماع مجلس الهيئة بتاريخ 8/10/2015 تنفيذا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 78من القانون 08_28 المنظم للمحاماة بالمغرب ليستقر في الضمير الجمعي للمحاماة ,,,,,,,,,,, والى الابد