يعتبر التبرع بالأعضاء فعلا إنسانيا نبيلا يقتضي من المتبرع أن يقوم بكامل قواه العقلية و الجسدية بالتبرع بأعضائه لفائدة المتبرع له الذي قد يكون غير محدد وذلك وفق إجراء ات حددها القانون؛ ولقد عرفت عملية نقل وزع الأعضاء والأنسجة البشرية تطورا هائلا في العالم ، محققة بذلك نجاحات مهمة سواء في المجال الصحي أو العلمي ، الشيء الذي استدعى البحث عن الحكم الشرعي والقانوني لهذه العمليات ، لكن ما يهمنا الان هو عملية التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية ، ولقد قامت تشريعات بعض الدول بتنظيم هذه العمليات ، نظرا لأهميتها في المجال الصحي والعلمي كما أشرنا ، ولقد اتبع المشرع المغربي نفس النهج ، حيث قام بتنظيم عملية التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية وأخدها وزرعها بمقتضى مرسوم رقم 2.01.1643 صادر في 2 شعبان 1423 (9 أكتوبر 2002) بتطبيق القانون 16.98.
بناء على ما سبق سنقسم هذا الموضوع إلي مطلبين ، سنتحدث في الأول عن موقف فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون المغربي من التبرع بالأعضاء ، وسنتطرق في الثاني لإجراء ات عملية التبرع
المطلب الأول : موقف فقهاء الشريعة الإسلامية والقانون المغربي من التبرع بالأعضاء
الفقرة الأولى : موقف فقهاء الشريعة الإسلامية
بداية ينبغي الإشارة إلى أن موضوع التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية و كذا زرعها هو محط اختلاف بين فقهاء الشريعة الإسلامية ،حيث أن هناك اتجاه مؤيد واتجاه معارض ، لكن رغم وجود هذا الإتجاه المعارض ، هناك مجموعة من الأسانيد والحجج التي يستند عليها الإتجاه المؤيد للتبرع بالأعضاء وزرعها ، من هذه الأسانيد، أن زرع الأعضاء والتبرع بها يشكل تفريجا عن كربات المضطرين ، وتجسيدا لمبادئ التكافل والتراحم ، والتضامن بين المسلمين المبنية على البر والتقوى ، ويستدل على ذلك بحديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام : " من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة [1]"، وكذلك قوله (ص) : " من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل[2] ، وهكذا يمكن أن ندخل التبرع ببعض البدن لنفع الغير من باب الصدقة بل هو أعلى أنواع الصدقة وأفضلها
واستند هذا الاتجاه كذلك على مبدأ إنقاذ النفوس وإزالة الضرر وفيه إنقاذ للنفوس من الهلاك ،حيث قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :" ومن أحياها كأنما أحيا الناس جميعا "[3]، إذ لا يجوز لمسلم أن يرى ضررا يقدر على إزالته ولا يفعل ذلك
ولقد صدرت فتاوى تجيز الزرع من الموتى بشرط أن يكونوا قد أذنوا بذلك قبل موتهم ،كقرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي رقم أ د ع 8/8/88 في دورته الرابعة سنة [4]1988
حيث كان المبدأ العام والسائد هو عدم المساس بالموتى إلا أنه تحت دواعي الضرورة تم السماح بنقل الأعضاء من الموتى لفائدة الأحياء لإنقاذ حياتهم ،وذلك وفق شروط معينة سنتحدث عنها تفصيلا في المطلب الثاني
الفقرة الثانية : موقف المشرع المغربي
لقد حدد الشرع المغربي في القانون رقم 16.98 الأعضاء والأنسجة البشرية التي يمكن أخدها وزرعها والتبرع بها ، لكن ما يعاب عليه أنه لم يقم بتحديد المقصود من عملية الزرع خلافا لما ذهب إليه المشرع الفرنسي ولقد قام هذا القانون كما أشرنا سابقا بتحديد كل من الأعضاء البشرية وكذا الأنسجة البشرية وفق لائحة مع قابلية هذه الأخيرة للتعديل بقرار لوزير الصحة، يتخذه باقتراح من المجلس الاستشاري لزرع الأعضاء البشرية؛ وقام هذا القانون كذلك بتحديد الأعضاء والانسجة القابلة للخلف بشكل طبيعي أي أنها قابلة للتجدد ولقد وردت على سبيل الحصر وهي الجلد والنخاع والعظام وهذا مثبت علميا .
ولقد أسهب هذا القانون في التركيز على الوفاة ويتمثل ذلك في التحقق من حصول وفاة دماغية ويتم ذلك بواسطة طبيبين ، وليس بمعيار الموت الظاهري ، لضمان أكبر حماية ممكنة للشخص ضد التجاوزات التي قد تحصل ،وتأمينا لمبدأ المجانية ــــ ذلك أن الإتجار في الأعضاء محرم شرعا وغير قانوني ــــ يخص القانون في المرحلة الأولى المستشفيات العمومية المعتمدة وحدها بالحق في إجراء عمليات الأخذ والزرع ، ما عدا ما يتعلق بزرع القرنية والأعضاء المتجددة طبيعيا ، والتي يقيد القانون المؤسسات التي يسمح لها بإجرائها بشروط صارمة تتمثل في ضرورة أن تكون المؤسسة مرخص لها بمقتضى لائحة يحددها وزير الصحة باقتراح من الهيئة الوطنية للأطباء[5]
وتنص المادة 17 من هذا القانون على مقتضى جد مهم ، حيت منعت على الأشخاص الذين يعانون أو سبق أن عانوا من أمراض قامت هذه المادة بتحديدها من التبرع علما أن لائحة هذه الأمراض قابلة للتجديد والتغيير
وبالتالي فمن خلال استقراء مقتضيات هذا القانون يلاحظ أن المشرع قد أقر وسمح بعملية التبرع بالأعضاء سواء في حياة الشخص أو بعد مماته وذلك عندما يسمح بذلك ووفق شروط معينة ، فحماية للشخص وضمانا لعدم حدوث انتهاكات لحرمة جسده ، أخضع المشرع عملية زرع الأعضاء والتبرع بها لشروط صارمة تضمن حمايته ،هذه الشروط تكوم صارمة بالنسبة للمؤسسات التي تقوم بعملية الزرع أما بالنسبة للمتبرع فيمكن أن يعبر عن نيته في ذلك وفق إجراء ا ت مبسطة تخلو من كل تعقيد ،
المطلب الثاني : إجرا ء ات عملية أخد الأعضاء
لقد فرض المشرع المغربي إجراء ت شكلية لأخد الأعضاء وقبل ذلك لا بد من توافر شروط معينة للقيام بعملية التبرع
إذا كان المشرع قد أجاز التبرع بالأعضاء وأقر مشروعية ذلك فإنه قيد ذلك بمجموعة من الشروط سنذكر منها ما يلي
الفقرة الأولى : شروط يجب توفرها في المتبرع
ــ سلامة المتبرع من الأمراض الوارد ذكرها في المادة 17 من هذا القانون ، إذ أن المتبرع الحامل لإحدى هذه الأمراض سيقوم بنقلها للمتبرع له إذا ما تمت العملية ،
ــ الموافقة الكتابية المسبقة على أخد الأعضاء ، إذ على المتبرع أن يعبر كتابيا عن إرادته في التبرع بأعضائه بعد الممات ، وذلك أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها مقر إقامة المتبرع ،أو أمام قاض المحكمة المذكورة يعينه الرئيس لهذا الغرض ، ويتم التصريح دون صوائر بعدما تتكون لدى القاضي القناعة بأن المتبرع المحتمل يتصرف بإرادة حرة وعن قناعة وإدراك ، ويمكن للمتبرع المحتمل أن يلغي التصريح وفق المسطرة المذكورة ولدى نفس السلطات
ويتم تسجيل التصريح لدى كتابة المحكمة التي توجهه إلى جميع المستشفيات المختصة في أخد الأعضاء من الأموات[6]
الفقرة الثانية : شروط متعلقة بالمؤسسات
ــ أن يكون التبرع مجانيا ، ولغرض علاجي أو علمي ، حيث أن الإتجار في الأعضاء البشرية محرم شرعا ومعاقب عليه قانونا ، وأشارت المادة 21 على أنه يجب على القاضي أو الطبيب المكلف بتلقي تصريح شخص حي بالتبرع بعد وفاته بعضو أو عدة أعضاء، أن يشير في السجل المعد لهذه الغاية إلى الغرض العلاجي أو العلمي من التبرع أو إليهما معا
ــ أن تجرى العملية بالمستشفى العمومي ، حيث أن المشرع أعطى الأولوية للمؤسسات العمومية للقيام بعملية الأخذ
ولقد حدد المشرع مجموعة من الشروط في المادة 5 يجب توفرها في المستشفيات العمومية للقيام بعمليات الأخذ ويجب على المستشفيات العمومية المدنية والعسكرية، المنصوص عليها في المواد 4 و5 و6 ، المعتمدة لإجراء عمليات أخذ وزرع الأعضاء البشرية، أن تتولى حفظ جميع الوثائق المتعلقة بعمليات أخذ الأعضاء والأنسجة البشرية وزرعها، المبينة في القرار المتعلق بقواعد حسن إنجاز عمليات أخذ الأعضاء والأنسجة البشرية وزرعها، المنصوص عليه في المادة 16 من هذا المرسوم.
ويمكن منح الاعتماد للمراكز الاستشفائية الخاصة بناء على طلب من مدير المركز الاستشفائي المعني الذي ستجرى فيه عملية الزرع باقتراح من هيئة الأطباء الوطنية ، مع العلم أن الأعضاء المتبرع بها تكون موجهة لفائدة المستشفيات العمومية
خلاصة القول، أن عملية التبرع بالأعضاء تعتبر عملا إنسانيا نبيلا قد يساهم في إنقاذ حياة الناس ولقد ظهرت أهميته في الآونة الأخيرة ،إذ أن تكاليف بعض الأدوية قد تكون باهضه الثمن بل أن الأمر قد يستدعي إجراء عمليات خطيرة وجد حساسة تتطلب ضرورة وجود متبرعين بالأعضاء لنجاحها وإنقاذ حياة المرضى، وبالتالي فعملية التبرع بالأعضاء تجسد مبدأ التكافل والتضامن والرحمة داخل المجتمع ،ولقد تبين من الناحية الاقتصادية أن معظم حالات الزرع تكون أقل تكلفة من العلاج الدوائي
الهوامش
[1] رواه مسلم والترمذي
[2] رواه مسلم
[3] سورة المائدة الآية 32
[4] ذ.ادريس بلمحجوب ، مجلة القضاء والقانون ص 17،ع 160 ،سنة 2012
[5] ذ.ادريس بلمحجوب ، مجلة القضاء والقانون ع 160 ،سنة 2012
[6] ذ.الشرقاوي الغزواني نور الدين ، مجلة الإشعاع ، ص 142 عدد 22