لم يعد اعتبار التراب المحلي كجزء من المجال الطبيعي ولكن كنظام علاقات مفتوح، وهذا يعني أن التراب المحلي أصبح حجر الزاوية[1]في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية. فالتنمية الاقتصادية تدعمها ديناميات ترابية. كما أن المقاربة الترابية تفرض نفسها لإيجاد حلول أو أجوبة مندمجة. ولهذا تضطلع الجماعات الترابية بدور مهم في مجال التنمية المحلية، لذلك فقد خول لها المشرع المغربي [2]مجموعة من الآليات التي يمكن لها أن تتدخل عن طريقها للنهوض بهذا الدور الحيوي، حيث نص المشرع على أن المجلس الجماعي يدرس المخطط الجماعي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للجماعة ويصوت عليه طبقا لتوجهات وأهداف المخطط الوطني[3]، على اعتبار أنه "مجموع القرارات والتدابير التي يتخذها المجلس الجماعي لبلوغ أهداف تنموية معينة ومحددة في مدة زمنية تتحدد تبعا للمدة الانتخابية والموضوعة في إطار الضوابط القانونية والتنظيمية التي تحددها السلطة المركزية"[4]. واعتبارا لذلك، فإن المجالس الجماعية تضع استراتيجية لتدخلاتها الاقتصادية في حدود وسائلها الخاصة و الوسائل الموضوعة رهن إشارتها اما عن طريق المرافق العمومية التجارية و الصناعية أو من خلال انعاش الاقتصاد المحلي.
فبالرجوع إلى مقتضيات النصوص القانونية المؤطرة للتدخلات الاقتصادية للجماعات الترابية، يلاحظ بأنه ثمة دور تدخلي جديد منح للجماعات الترابية في الميدان الاقتصادي يتجلى في القيام بتنشيط الاقتصاد المحلي. فالميثاق الجماعي رقم 78.00 المعدل بموجب القانون رقم 17.08 ينص في مادته 36 على اختصاص المجالس الجماعية[5] في القيام بالأعمال الكفيلة بتحفيز وإنعاش وتنمية الاقتصاد المحلي و التي تتطلب مجموعة من الوسائل يمكن من ضبط الموارد القائمة، و البحث عن موارد جديدة ، وترشيد صرف تلك الموارد في مشاريع تنموية تساعد على نهوض الجماعة وتحقيق إقلاع اقتصادي متكامل[6].
الفقرة الأولى : الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة :
يعتبر الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة الترابية بمتابة مسؤولية اقتصادية ،والتي تبرز في البرامج الاقتصادية المحلية التي يعدها المجلس بصفته شريكا في التنمية، إما كمساعد للدولة بتثبيته لبنيات استقبال لمشاريع وإما كفاعل محلي يسعى إلى أهداف اقتصادية تتماشى مع خصوصياته. فدائما حسب المادة 36 من الميثاق الجماعي، "يضع المجلس كل التدابير التي من شانها المساهمة في الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة خاصة في مجالات الفلاحة والصناعة والصناعة التقليدية والسياحة والخدمات" ،و التي تتطلب مجموعة من الوسائل كاستراتيجية التخطيط و ألية التسويق الترابي الذي أصبح محددا رئيسيا في استراتيجيات السياسة المحلية، ذلك أن كثيرا من الجماعات الترابية تتوفر على كثير من المؤهلات، التي يمكن أن تجعل منها قطبا اقتصاديا أو سياحيا أو فلاحيا...
أولا : تدابير الرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة
جلي أن المخطط الجماعي للتنمية ينطبع بدور أساسي ومميز في تحفيز وانعاش تنمية الاقتصاد المحلي، والتشغيل. فالمجلس الجماعي يتخذ كل التدابير للرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة وغيرها من التدخلات الكفيلة بالنهوض بالاقتصاد المحلي وذلك عبر مجموعة من الاجراءات العملية :
وضع برنامج تجهيز الجماعة في حدود وسائلها الخاصة والوسائل الموضوعة رهن إشارتها ؛
اقتراح الأعمال الواجب إنجازها بتعاون أو بشراكه مع الدولة والجماعات الترابية الأخرى أو الهيآت العمومية .
إنشاء أو المساهمة في إنشاء البنيات الطرقية، وذلك عن طريق :
إحداث الطرق الجماعية وتوسيعها وترتيبها والمحافظة عليها وصيانتها ؛
التكفل ببناء وصيانة أجزاء الطرق الوطنية والجهوية والإقليمية الواقعة داخل البلديات والمراكز المحددة ؛
الموافقة على القرار المشترك لوزير الداخلية ووزير التجهيز القاضى بترتيب طريق مسجل فى الشبكة الجماعية ضمن الشبكة الوطنية أو الجهوية أو الإقليمية من الشبكة الجماعية ؛
اقتراح تحديد الشبكة الطرقية الجماعية ؛
بناء وتهيئة وتزفيت الطرق والممرات الغير المرتبة الموجودة ضمن تراب الجماعة سواء بالامكانيات الذاتية للجماعات أو بشراكة و تعاون مع الجمعيات المحلية ألمهتمة ؛
إحداث الجسور بالطرق التابعة للجماعة .
القيام بجميع الأعمال الكفيلة بتحفيز وإنعاش تنمية الاقتصاد المحلي والتشغيل والرفع من القدرات الاقتصادية للجماعة في مجالات الفلاحة والصناعة والصناعة التقليدية والسياحة والخدمات.
ومن جهة أخرى و لتطوير قدراتها الصناعية تقوم الجماعة الترابية ب :
بيع مناطق للأنشطة الصناعية للمؤسسات الصناعية بأثمان تشجيعية ،
بيع المناطق الصناعية للمؤسسات الصناعية بأثمان ميسرة؛
المساهمة في إحداث وتهيئة حظائر صناعية ( Parcs industriels ) وبيعها للمؤسسات الصناعية بأثمان تشجيعية.
أما في مجال الصناعة التقليدية تقوم الجماعة الترابية ب:
إبرام اتفاقيات الدعم والتعاون مع الجمعيات العاملة في حقل الصناعات التقليدية سواء منها تلك المتعلقة بالرجال (البناء ، النجارة ، صباغة المباني ،الزليج ، الزجاج ، الترصيص ، الدباغة ، الخرازة ، المصنوعات الجلدية ، الخزف ، النقش على الجبس ، النقش على العود ، الفخار ، صناعة الاجور ، منتوجات النباتات المتجددة كالحصير والقنب والقصابة . وغيرها ) أو تلك المتعلقة بالنساء( الطرز بمختلف أنواعه ، الحلاقه ، الحلويات ، الزرابي ، الحياكة ، الخياطة التقليدية والعصرية ... )؛ وكذا إعداد وتهيئة مشاتل أو قرى خاصة بالصناع التقليديين وكرائها بأثمان ميسرة
في مجال تنمية الاقتصاد المحلي والتشغيل تقوم الجماعة الترابية ب :
انجاز التجهيزات ذات الطبيعة الصناعية والتجارية خاصة أسواق البيع بالجملة والأسواق الجماعية والأسواق الجماعية والمجازر وأماكن بيع الحبوب والسمك والمحطات الطرقية
إحداث وحذف أو تغيير أماكن المعارض أو الأسواق أو تاريخ إقامتها .
المساهمة في مقاولات و شركات التنمية المحلية ذات الفائدة الجماعية أو ذات الفائدة المشتركة بين الجماعات والعمالات والأقاليم والجهات ؛
إحداث مشاتل خاصة بالحرفيين وخاصة حملة الشواهد التقنية المتخصصة وكرائها بأثمان ميسرة
تنظيم ومراقبة الأنشطة التجارية والمهنية غير المنظمة ؛
تنظيم ومراقبة إقامة واستغلال الأثات الحضري لغاية الإشهار بواسطة الإعلانات واللوحات والإعلانات والشعارات بالطريق العمومي وتوابعه وملحقاته ؛
و لتطوير المجال السياحي تقوم الجماعة الترابية ب :
إحداث وتهيئة قرى سياحية ؛
إحداث أو المشاركة في إحداث مخيمات سياحية ؛
إحداث وتهيئة مخيمات للاصطياف بالمواقع ذات الطبيعة السياحية
إعداد وتهيئة منتز هات للمسافرين في المواقع ذات الطبيعة السياحية ؛
إبرام اتفاقيات للتعاون والشراكة مع كل الهيئات والمؤسسات العاملة في الحقل السياحي؛
السهر على احترام الضوابط المتعلقة بسلامه ونظافة الأماكن السياحية وتحديد مواقيت فتحها وإغلاقها ؛
نظيم ومراقبة الفنادق ومنازل الإسكان والإطعام والمساكن المفروشة
.
ثانيا : التسويق الترابي [7]
يعتبر التسويق الترابي محددا رئيسيا في استراتيجيات السياسة الاقتصادية المحلية، وهو مجموع الأنشطة التي يقوم بها الخواص أو الجماعات نفسها بغاية توسيع شبكة الوحدات الإقتصادية المتواجدة بالجماعة عبر جلب أنشطة اقتصادية جديدة[8]، وهو منهجية تدبيرية حديثة لجلب المقاولات لتراب الجماعة وكذا تسهيل أنشطة المقاولات وتسويق صورة جيدة عن الجماعة المعنية بالأمر ساء كانت جماعة حضرية أو قروية، وهو يساعد على وضع استراتيجية تنموية وتشكيل شخصية اقتصادية للجماعة [9]. و كذا الجهد المراد به تقييم التراب وإمكاناته في الأسواق التنافسية، لجعله - أي التراب - ذو مؤهلات جذب فعالة، وهذا النشاط يدبر عموما من طرف وكالات التنمية لصالح السلطات العمومية والقطاع الخاص [10].
كما ينظر للتسويق الترابي باعتباره المجهود المبذول لإضفاء قيمة أكبر على المجال، في الأسواق التنافسية للتأثير في سلوك المستثمرين عن طريق تقديم عرض تظهر قيمته أفضل من تلك المقدمة من طرف المنافسين الآخرين.
فهو بذلك يهتم بشكل أساسي بوضعية ومكانة المنتوج أو الخدمة في نطاق استراتيجي يأخذ بعين الاعتبار وضعية المنافسين والشركاء. مما يفرض على الجماعات الترابية أن تتعامل مع ترابها كمنتوج يحتاج إلى تسويق لدى المستثمرين من خلال إبراز خصائصه والإمكانيات التي يتيحها لكونه يشكل الفضاء الأكثر اندماجية للمستويات الموضوعية والإنسانية والاجتماعية وأصبح يشكل كذلك الإطار الأكثر إجرائية لتنفيذ السياسات العمومية ومتابعتها سواء تعلق الأمر بالمجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو البيئي، الأمر الذي يفرض على الجماعات إعطاء صورة تتسم بجودة التراب وذلك باستغلال خصوصياتها الثقافية والجغرافية وكذا المؤهلات البشرية والاقتصادية، التي تجعل منها قطبا سياحيا أو فلاحيا أو صناعيا... [11] لجذب الاستثمارات الأجنبية، وخلق نوع من الدينامية التنموية التي تعيد رسم معالم المجال، وجعله في الاتجاه الصحيح الذي يخدم التنمية الاقتصادية بالدرجة الأولى ويضمن ، وتقوم هذه الاستراتيجية على جملة من المرتكزات والقواعد وكذا من خلال آليات الجذب التي تتخصص فيها الوكالات والمؤسسات المهتمة بجذب الاستثمارات وتنمية المجالات الترابية [12]، وتتميز هذه الاستراتيجية التسويقية بالتموقع والتميز داخل أسواق المنافسة والتعريف بالتراب، كما تعرف هذه المرحلة باختيار علامة للمجال الترابي، تمكنه من التعبير عن هويته، تنافسيته وأصالته، وتساعده على التموقع .
وبالمزاوجة بين المصطلحين "تسويق"، "التراب" والذي يفيد مبدئيا حسن تسويق المنتوج الترابي، والذي يعني استعراض كل جماعة ترابية ما لديها من مقومات ومؤهلات لجب الرساميل العالمية، وبالتالي البحث عن آليات جديدة لإنعاش الاقتصاد المحلي الذي سوف ينعكس بدوره على مصالح المواطنين، وذلك في ظل سيادة منطق السوق وتقليص مفهوم مجانية الخدمات العمومية أو بالأحرى تآكلها والسير نحو اندحارها.
وتكمن أهمية التسويق الترابي في كونه يجعل من الجماعات الترابية مقاولات حقيقية ذات مردودية مباشرة تمكن من مجاورة الدولة في حل الرهانات المطروحة عليها، وهذا لن نصل إليه إلا باعتماد مقاربات أكثر نضجا وفعالية في صياغة مفهوم نموذجي للمجال ومظاهره، غير أن أهمية تدبير التسويق الترابي لا يجب أن تقف عند هذا الحد، بل عليها أن تنخرط في مسلسل التفاعلات العالمية وما يطبعها من استقطاب الرساميل، لذا فإنه يجب أن يراعى في تدبير التسويق الترابي السهر على تأهيل الجماعات الترابية ، وذلك بإظهار مالها من مؤهلات طبيعية، خاصة وأن المغرب يشهد تنوعا قل نظيره من شواطئ، غابات، جبال، شلالا، وواحات...؛ وتقنية كتوفر المطارات والموانئ، الطرق السيارة...؛ وكذلك العنصر البشري وتحديدا اليد العاملة النشيطة[13].
فبفضل التسويق الترابي تتحسن إمكانية التواصل داخل التراب المحلي الذي ينبغي تحقيق هدفين موضوعيين [14].: هدف خارجي (اقتصادي) يركز على تنمية الجماعات الترابية لجذب المستثمرين، وهدف داخلي (سياسي) يفسر ويشرع لعمل المجالس الجماعية. وهو بذلك يطال الذكاء الترابي للجماعة الترابية الذي يعتبر بمثابة استراتيجية عمومية جماعية لدعم الإنتاج المشترك للتنمية الترابية بواسطة المقاولة [15] - تستعمله كأداة للتحليل العملي من أجل تدبير جيد وتحسين عرض التراب، وهو أيضا آلية للإعلام الجغرافي، فيدخل إذن ضمن استراتيجية التنمية المحلية، ويتعلق الأمر بالتموقع الفعال للمجال المحلي داخل السوق الدولي لهدف جذب الاستثمارات الصناعية والسياحية والتجارية...
فالتسويق الترابي كسلسلة من الإجراءات العملية يهدف إلى إبراز المعالم القوية للتراب وإعطاء صورة إيجابية عن مكوناته والارتقاء به من رقعة مجالية إلى فضاء للتفاعلات وإيواء السياسات التنموية التي تصبوا إليها كل التوجهات والأوراش الإصلاحية وما يفرضه ذلك من ضرورات إشراك كافة الفاعلين والمستويات الترابية، وإبرام اتفاقيات الشراكة والتعاون، والإكثار من فرص الإصغاء وتبادل الآراء واستعمال أفضل للموارد[16].
الفقرة الثانية: إنعاش و تشجيع الاستثمارات الخاصة
من أجل إنعاش و تشجيع الاستثمارات الخاصة يعمل المجلس الجماعي على توفير البنيات التحتية الأساسية للنشاط التجاري التي تعتبر ضرورية لجلب الاستثمارات وتشجيع ودعم المقاولات الخاصة بتوفير التسهيلات و الامكانات الضرورية لذلك.
أولا : إعداد البنيات التحتية للنشاط الاقتصادي
ان إعداد الشروط الملائمة والبيئة المناسبة والمشجعة للنشاط الاقتصادي المحلي يعد من آهم آليات التدخل غير المباشر للجماعات الترابية ، فالأمر يتعلق بالأساس بالمبادرات التي تقرم بها الجماعات الترابية في إطار تأهيل البنيات التحتية للجماعة واعداد التراب المحلي وايجاد المرافق الضرورية المحفزة على الاستثمار، فهذه البنيات تشكل العمود الفقري للاقتصاد المحلي..
ويعرف التجهيز على أنه مجموع العمليات التقنيه والمالية المتميزة، التي تستهدف من خلالها السلطات العمومية أو تحت رعايتها، تنظيم المرافق العامة داخل الجماعة .
وتتجلى أهمية التجهير الجماعي في دوره في تحقيق التنمية الملائمة واستقطاب الاستثمارات لممارسة النشاط الاقتصادي وأداة لتحقيق و إشباع الحاجيات المحلية.
وتقوم الجماعات الترابية بإنشاء التجهيزات التي تدخل في نطاق اختصاصاتها سواء باعتمادها على امكانيتها الذاتية أو بواسطة موارد مالية تحصل عليها في شكل إعانة من الدولة أو في شكل قروض.
وخير مثال يجسد هذه التجهيزات الجماعية، قيام الجماعات الترابية بإعداد مناطق للأنشطة الاقتصادية من أجل استقطاب المقاولات الصغيرة والمتوسطة.
و تضطلع المناطق الصناعية بدور حيوي في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي، سواء على صعيد إنعاش الاقتصاد أو التشغيل بتراب الجماعة، لأجل ذلك بدأت الجماعات الترابية تشارك في إعداد وتجهيز المناطق الصناعية مستندة في ذلك على الاختصاصات الموكولة لها بمقتضى القانون[17]، وذلك بهدف خلق إطار مناسب لاستقبال الاستثمارات المحلية والمشاريع الصناعية بغية تجميعها في منطقة واحدة، تستطيع من خلالها تحقيق نوع من التوازن داخل مجالها الترابي، وبالتالي منع تشتت المناطق الصناعية[18].
فالجماعات الترابية أصبحت مِؤهلة قانونيا لممارسة صلاحيات تهم بشكل مباشر وغير مباشر في المجال الاقتصادي عبر ايجاد وتهيئة وتقوية البنيات الأساسية وإعداد بيئة ملائمة للاستثمار، فاختصاصاتها تطال مختلف العناصر الأساسية لتشجيع القطاع الخاص ء وتخول النصوص القانونية الجماعات الترابية صلاحيات وكما أشير سابقا إنجاز التجهيزات ذات الطبيعة الصناعية والتجارية خاصة أسواق الجملة والأسواق الأسبوعية والمحطات الطرقية بالإضافة إلى الاختصاص الأساسي المتعلق بإحداث وتنظيم المرافق العامة المحلية والبث في طرق تدبيرها وكذا الاختصاصات المنقولة والمتعلقة بالبنيات التحتية ذات الفائدة الجماعية على مختلف الأصعدة، فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية وتشجيع الاستثمار المحلي، كما يمتاز تدخلها بإقرار وبرمجة المشاريع والأوراش المتعلقة بتقوية وتهيئة البنيات الأساسية للأنشطة الاقتصادية (الشبكة الطرقية و التطهير القناطر والقنوات. . .) وذلك بهدف تسهيل عملية استقرار المقاولات في تراب الجماعة وتخفيض تكاليف إنشائها وممارستها لأنشطتها التجارية أو الصناعية .
ثانيا : تحسين ظروف المقاولة و دعم الاستثمار المحلي
ان تنشيط الاستثمار المحلي يعتمد بالأساس على آليات تمكن من الرفع من المستوى التشاركي بتوسيع نشاط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ،وإيجاد فضاء للتشاور بينها وبين المؤسسات البنكية والمؤسسات الأخرى ذات الصلة ببرامج التشغيل والتنمية والاستثمار، و تقديم التسهيلات الضرورية للرفع من مستوى المقاولات و تحفيزها على الاستقرار بتراب الجماعة.
إن إنعاش وتشجيع الاستثمار الخاص، كنشاط حيوي ضمن مجالات التدخل الاقتصادي للجماعات الترابية، كفيل بتحقيق الإقلاع الاقتصادي على الصعيد المحلى، يستلزم من المجالس الجماعية الانخراط في برنامج طموح ومتكامل للعمل على تهيئ بنيات الاستقبال والجذب للاستثمار و الانفتاح على مختلف المتدخلين الاقتصاديين، وبالذات المستثمرين الخواص كفاعل اقتصادي أساسي على المستوى المحلي، في سبيل الوصول إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
و يعتبر العقار عنصرًا أساسيا للاستثمار، ووعاءا لاستقبال الاستثمارات في قطاعات مختلفة. وبناء عليه، فقد أصبح الاستثمار العقاري للجماعات الترابية يحظى بالأولوية ، فالتنمية الشمولية، يتطلب وعاءا عقاريا قد تتوفر عليه أو تعمل على اقتنائه[19]، إما باللجوء إلى مسطرة اقتناء الأراضي إنطلاقا من ميزانيتها الخاصة بعد الحصول على موافقة سلطة الوصايا، إذ يشرع بالتفاوض مع الملاكين مباشرة وفي السهر على تسديد مبلغ الاقتناء بعد حصول الاتفاق بين الطرفين[20]، ولا أحد يجادل في فائدة وإيجابية هذه الوسيلة، لكنها تتسم بالمحدودية، نظرا لضعف اﻹعتمادات المالية التي لابد من التعامل معها بنوع من الذكاء الاقتصادي، كاﻹرتفاع الصاروخي لأسعار العقار، الذي زاد من محدودية السوق العقارية من جهة، وتفشي ظاهرة المضاربة العقارية من جهة ثانية.
ونظرا للعلاقة الجدلية بين العقار والاستثمار، أصبح من اللازم على الجماعات الترابية و تكوين رصيد عقاري، يؤمن عمليات الاستثمار واﻹستقرار السكاني، وهو ما يعرف "بسياسة الاحتياط العقاري".
ويعني الاحتياط العقاري، مجموع الأراضي التي تعمل الدولة أو الجماعات الترابية على اقتنائها من أجل استعمالها عند الحاجة، وإنجاز التجهيزات الأساسية والمرافق، وعمليات التعمير. وتعتبر احتياطية لكونها لا تبرمج استعمالاتها في المدى القريب، كما لا تعرف كيفية استعمالها في المستقبل[21].
إن أكبر تحد يواجه التراب اليوم، يتمثل في صياغة نموذجه التنموي القائم على استغلال الثروات والطاقات المحلية، وإشراك كل الفاعلين المحليين، وتوحيد تدخلاتهم وفق أهداف ومرتكزات هذا النموذج التنموي، وتحقيق الغايات المتوخاة رهين بتشكيل فريق عمل يحظى بدعم سياسي وأغلبية قادرة على ترجمة الالتزامات التي قطعها في برامجه الانتخابية، تتقارب مواقفه بخصوص قضايا محلية ووطنية لخدمة الصالح العام باعتماد مقاربة تندرج في سياق تصور شمولي يرتكز على توفير آليات تجعل من المنتخبين بالمجالس الترابية فاعلين أساسيين في وضع استراتيجيات للتنمية المحلية، يحددون الأولويات والموارد على المدى المتوسط والبعيد ويسهرون على تنفيذها، وإدارة محلية تتوفر على موارد بشرية مؤهلة ومؤطرة كما و كيفا وموارد مالية كافية لتقديم الخدمات الضرورية للسكان وفق أساليب حديثة تستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة.
الهوامش
[1]- محمد اليعقوبي: "المبادئ الكبرى للحكامة المحلية"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 56، 2004.
[2] - انظر عبدالنور الفائز: التدخلات الاقتصادية للجماعات الحضرية ...... ،بحث لنيل شهادة الماستر في القانون العام
[3]- المادة 36 من القانون 78.00 وقانون رقم 17.08 .
[4]- المهدي بنمير: الجماعات المحلية بالمغرب ومسألة التنمية المحلية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، 1995، ص- 98.
[5]- انظر محمد الأعرج: "رئيس المجلس الجماعي في أحكام الميثاق الجماعي الجديد"، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة "مواضيع الساعة"، عدد 44، 2003.
[6] - انظر محمد اليعقوبي: "التصور الجديد لدور المجلس الجماعي على ضوء القانون رقم 78.00"، منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة "مواضيع الساعة"، عدد 44، 2003.
[7] - انظر نجيب المصمودي: التسويق الترابي ورهان التنمية المحلية المندمجة بالمغرب (المقومات - التحديات –الرهانات)،بحث لنيل شهادة الماستر في القانون العام ،2012/2013.
[8] --Chakor (A), : « Le Marketing territorial au servies de la bonne gouvernance locale », REMALD, série : Managements Stratégiques, n° 5, 2004, p. 165.
[9] -Ben Abdelkader (M) , La Communication des collectivités locales, REMALD, n° 19, décembre, 2004, P. 117.
[10] - Benabdelhadi (A), Moussalim (S) : Le marketing territorial : Cas de la région de l'Oriental», REMALD, série « manuels et travaux universitaires », n°93, 2013.p :14
[11] - آمال بلشقر، التسويق الترابي دعامة أساسية للتنمية الجهوية المندمجة، مجلة دراسات ووقائع دستورية وسياسية، العدد التاسع، 2013، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، ص. 72- 73
[12] - بهيجة هسكر، الجماعات المقاولة بالمغرب (الأسس، المقومات والرهانات) مرجع سابق، ص
[13] - كريم لحرش: مغرب الحكامة، التطورات، المقاربات والرهانات، ط. 2، مطبعة كوب بريس، الرباط، 2011، ص. 195- 196.
[14] - Azouaui) H(, « Le Marketing Territorial et Gouvernance Locale au Maroc », publication de la revue marocaine d’audit et de développement, série : « management stratégique » N° 7, 2005, p. 190.
[15]- Benabdelhadi (A), Moussalim (S) : « Le marketing territorial : Cas de la région de l'Oriental», op.cit,p37
[16] - آمال بلشقر: التسويق الترابي دعامة أساسية للتنمية الجهوية المندمجة، المرجع السابق، ص. 78.
[17] - المادة 36 من قانون 78.00هي نفسها في التعديل الجديد.
[18] - الأخضر سعيد: التدخلات الاقتصادية للجماعات المحلية –حالة جماعة المحمدية-، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا، في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، عين الشق الدار البيضاء، السنة الجامعية 1998/1999، ص- 9.
[19] - الهادي مقداد : السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى، مطبعة النجاح الجديدة –الدار البيضاء-، الطبعة الأولى 2000، ص- 193.
[20] - عز الدين الماحي: "اقتناء الأراضي بالتراضي كأداة للانجاز المشاريع الاقتصادية والاجتماعية"، أعمال اليوم الدراسي الذي نظمه مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش وبلدية جليز،تحت عنون "تدبير الأملاك الجماعية وتنمية الرصيد العقاري للجماعات المحلية"، بكلية الحقوق بمراكش، في 9 يناير2001 ، المطبعة دار وليلي للطباعة والنشر مراكش، الطبعة الأولى 2003، ص-106.
[21] - الهادي مقداد: المرجع السابق، ص- 117.