يرمي التحفيظ العقاري إلى جعل العقار المحفظ خاضعا لنظام التحفيظ العقاري الصادر بتاريخ 12 أغسطس 1913، المعدل والمتمم بمقتضى القانون رقم 14.07 وذلك من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد، وتحفيظ العقارات يخضع لمسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به.
وعليه، فإن تقديم مطلب للتحفيظ ممن له الصفة في ذلك أمام المحافظ المختص، لا يعدو أن يكون سوى إدعاء للملك، يمكن أن ينتهي بتأسيس رسم عقاري غير قابل للطعن ونهائي، ويعتبر نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق والتحملات العقارية المترتبة على العقار وقت التحفيظ، كما يمكن أن يكون محل تعرض من طرف كل شخص يدعي حقا على عقار تم طلب تحفيظه، تطبيقا لمقتضيات الفصل 24 من ظهير التحفيظ العقاري.
وهكذا، ونظرا لخطورة قرار التحفيظ فإن المشرع منح لكل شخص إمكانية التعرض على أعمال التحفيظ للحيلولة دون اتخاذ قرار قد يضر بمصالحه أو حقوقه على العقار المراد تحفيظه شريطة أن يرد هذا التعرض داخل الآجل القانوني المحدد بنص الفصل 23 وما يليه من قانون التحفيظ العقاري.
وبما أن مسطرة التحفيظ هي مسطرة إجرائية، يقوم بها المحافظ على الأملاك العقارية، وتحترم بشأنها جميع المراحل القانونية ابتداء من تاريخ قبول الطلب من طرف المحافظ ومرورا بنشر خلاصة المطلب والإشهار الواسع الذي يتخللها لدى الجهات المحددة قانونا، واستدعاء كل الأشخاص المصرح بهم بكيفية قانونية وتحديد ومسح العقار موضوع مطلب التحفيظ ونشر الإعلان عن انتهاء عملية التحديد بعد التوصل بالتصميم العقاري الذي يحدد المساحة النهائية للعقار المطلوب تحفيظه، فإنه قد يحدث أن لا يتدخل المتعرض للمطالبة بحقوقه المتعلقة بالعقار موضوع مسطرة التحفيظ، لسبب عائد إلى القوة القاهرة أو وجود المتعرض خارج أرض الوطن، أو قضائه لعقوبة سالبة للحرية وغيرها من الحالات المشابهة. الشيء الذي تفطن له المشرع وأوجد تبعا لذلك ما يسمى بالتعرض الاستثنائي كضمانة من الضمانات الممنوحة للمتعرض والكفيلة بحماية حقوقه من الضياع قبل اتخاذ قرار تحفيظ العقار.
والتعرض الاستثنائي أو التعرض خارج الأجل، كما يدل عليه اسمه هو ذاك التعرض الذي يعتبر استثناء من القاعدة أو من الأجل القانوني المخصص لقبول التعرضات والمشار إليه أعلاه. وإذا كان التعرض الاستثنائي قبل التعديل الذي جاء به القانون رقم 14.07 من اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية في الحالة التي يكون فيها مطلب التحفيظ لازال بيد المحافظ ولم يحل بعد على المحكمة المختصة للبت في التعرضات المثارة بشأن مسطرة تحفيظه، ومن اختصاص وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية في الحالة التي يحال فيها ملف مطلب التحفيظ على هذه الأخيرة للبت في التعرض أو التعرضات. فإن التعرض الاستثنائي أصبح اليوم ومنذ صدور القانون رقم 14.07 المغير والمتمم للظهير الشريف الصادر بتاريخ 12 أغسطس 1913 المنظم للتحفيظ العقاري، من اختصاص المحافظ على الأملاك العقارية وحده دون غيره، بصريح مقتضيات الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري، شريطة أن لا يكون ملف مطلب التحفيظ قد وجه إلى المحكمة الابتدائية المختصة للفصل في التعرضات التي ضمنت به بصفة نظامية وقانونية.
ولعل أهم ما يسترعي الانتباه في هذا التعديل، هو أن مسألة قبول التعرض الاستثنائي ثم حصرها في جهة المحافظ على الأملاك العقارية دون غيره، كما يمكن لهذا الأخير أن يقبل التعرض الاستثنائي ولو لم يرد على مطلب التحفيظ أي تعرض سابق. فالمشرع وإن سمح بتقديم طلب رام إلى التعرض استثنائيا على مطلب التحفيظ، فإنه بالمقابل أوجب على المتعرض في هذه الحالة أن يدلي للمحافظ على الأملاك العقارية، بالوثائق المبينة للأسباب التي منعته أو التي حالت دون تقديم تعرضه داخل الأجل القانوني، وبالعقود والوثائق المدعمة والمعززة لتعرضه كما يتعين عليه أن يؤدي الرسوم القضائية وحقوق المرافعة أو يثبت حصوله على المساعدة القضائية. وفي هذا ضمانة لمركز طالب التحفيظ في حالة ما إذا أخل طالب التعرض الاستثنائي بما طلب منه.
وترتيبا عليه، فطلب التعرض الاستثنائي قد يكون محل رفض من طرف المحافظ على الأملاك العقارية، فهل يمكن للمتعرض الطعن في ذلك؟ أم أن قرار المحافظ نهائي وغير قابل للطعن؟
بالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 29 المذكور أعلاه، يمكن القول أن المشرع حسم النقاش بخصوص مدى جواز الطعن في قرار المحافظ على الأملاك العقارية القاضي بعدم قبول التعرض الاستثنائي الوارد عليه. حيث اعتبر قراره في هذه الحالة قرارا غير قابل للطعن القضائي.وعليه فتعديل الفصل 29 من ظهير التحفيظ العقاري بموجب القانون رقم 14.07 أثار ومازال يثير العديد من الإشكالات والتساؤلات. فهناك من اعتبره نص غير دستوري ولا يتماشى مع روح دستور المملكة الجديد المعمول به اليوم. في حين ذهب بعض القضاة على مستوى المحاكم الإدارية أنهم يسقبلون الطعن في القرارات الصادرة عن المحافظ على الأملاك العقارية القاضية برفض التعرض الاستثنائي معتبرين ذلك من صميم اختصاصهم وأن قرار المحافظ في هذا الشأن يدخل في زمرة القرارات الإدارية التي تسند إليهم صلاحية مراقبتها.
وحقيقة الأمر أن المشرع المغربي حسم النقاش، فالاختصاص بالقول أن هذا النص غير ستوري يرجع إلى نظر المجلس الدستوري وليس إلى المحاكم الإدارية، ثم إن المشرع سد الباب أمام كل طعن قضائي سواء كان أمام المحاكم الابتدائية باعتبارها ذات الولاية العامة أو المحاكم الإدارية في كل ما لم يسند بنص صريح إلى المحاكم الابتدائية، وبالتالي فلا اجتهاد مع وجود نص صريح، ويبقى من باب أولى على المتعرض سلوك مسطرة التظلم أو الطعن الإداري أمام المحافظ العام، وذلك بمفهوم المخالفة لنص الفقرة الأخيرة من الفصل 29 أعلاه، ولجوء المتعرض إلى المحاكم سواء الابتدائية منها أو الإدارية ما هو إلا إطالة لأمد مسطرة التحفيظ. ففي حالة ما إذا لجأ المتعرض إلى المحكمة للطعن في قرار المحافظ وبلغ هذا الأخير بذلك سيصبح ملزما بالتريث في اتخاذ قرار التحفيظ إلى حين معرفة مآل الطعن المقدم من طرف المتعرض، فتضيع تبعا لذلك مصالح طالب التحفيظ، إذا ما علمنا أن التعرض الاستثنائي ما هو إلا استثناء من الأصل والاستثناء يجب أن لا يتوسع في تفسيره وإطلاقه. صحيح أن المشرع منح للمتعرض ضمانات قانونية لكي لا تتعرض حقوقه للضياع، لكنه يجب على هذا الأخير الاستفادة منها قدر المستطاع كي لا يتعرض بالمقابل مركز طالب التحفيظ للضرر، فيصبح معها التعرض الاستثنائي ذريعة للتعسف والابتزاز بغية حرمان طالب التحفيظ من الحصول على رسم عقاري يضمن ملكيته ويصون حقوقه، فالواقع العملي يعج بالتعرضات الكيدية والتعسفية تصبح معها الضمانات الممنوحة للمتعرض من طرف المشرع مصدر ضرر لطالب التحفيظ، لهذا فإن المشرع وحرصا منه على ضمان التوازن بين مصلحة طالب التحفيظ من جهة، ومصلحة المتعرض من جهة أخرى، خول للمحكمة المختصة كلما ثبت لها أن كل طلب للتحفيظ أو تعرض عليه صدر عن تعسف أو كيد أو سوء نية أن تقضي ضد صاحبه بغرامة مالية لفائدة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية لا يقل مبلغها عن عشرة في المائة من قيمة العقار أو الحق المدعى به، والكل دون المساس بحق الأطراف المتضررة من ذلك في طلب تعويض عادل يجبر الضرر اللاحق بهما.وعلية فالمحكمة المحال عليها ملف مطلب التحفيظ لها صلاحية الحكم تلقائيا بالغرامة والبت عند الاقتضاء في طلبات التعويض وذلك بصريح نص الفصل 48 من ظهير التحفيظ العقاري.