المقدمة
إذا كان بعض الفقه يرى انه ليس من العدالة إطلاق سراح مجرم،ومتابعته في حالة سراح حفاظا على الأمن والاستقرار، فان البعض الاخر يرى انه ليس من العدل اعتقال شخص بريء الى ان تثبث ادانته ويتعين محاكمته في حالة سراح.
هذا ما جعل المشرع المغربي يتدخل ليضع حلا وسطا والمتمثل في المراقبة القضائية من خلال المادة 161ق م ج م والمحددة في ثمانية عشر تدبير او التزام ويبقى فقط على القضاء تفعيلها اولا للحفاظ على حرية الاشخاص في جرائم معينة يظهر ان الاعتقال اللاحتياطي فيها غير ضروري، وثانيا لتخفيف على المؤسسة السجنية من الاكتظاظ غير المجدي.
السؤال الذي يطرح نفسه وهو في حالة الجرائم التي من حيث طبيعتها وانجاز المحاضر بشأنها يجعل المتابعة في حالة اعتقال ،وبعد ذلك صدور حكم او قرار بالبراءة(امام المحكمة)او عدم المتابعة(اذا كنا امام قاضي التحقيق)هل هناك مجال لان يطالب المتهم بالتعويض لسبب الاعتقال الاحتياطي؟في هذا الصدد الفصل 122 من دستورفاتح يوليوز 2011 صريح في هذا الامر حيث جاء فيه "يحق لكل متضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة" وكذلك المادة 573 ق م ج م التي تضمنت ما يلي "يمكن استنادا إلى المقرر الجديد المترتبة عنه براءة المحكوم عليه، وبناء على طلبه الحكم له بتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب الإدانة.
إذا كان ضحية الخطأ القضائي قد توفي، انتقل الحق في رفع طلب التعويض حسب نفس الشروط، إلى زوجه وأصوله وفروعه، ولا يمكن أن يؤول هذا الحق لأقارب آخرين أبعد صلة إلا إذا أدلوا بما يبرر أن ضررا ماديا لحقهم من العقوبة المحكوم بها. يقبل طلب التعويض في سائر مراحل مسطرة المراجعة.
تتحمل الدولة ما يحكم به من تعويضات، على أنه يحق لها الرجــــــوع على الطرف المدني أو الواشي أو شاهد الزور الذين تسببوا بخطئهم في صدور العـــقوبة، وتؤدى التعويضات كما تؤدى مصاريف القضاء الجنائي".وتفعيلا لهذين الفصلين صدر اول حكم قضائي إداري بتاريخ 25-07-2013 يقرر مسؤولية النيابة العامة عن الخــطأ القضائي في الاشراف على السلطة القضائية المتمثل في عدم تنفيذ مقرر المحـــكمة الزجرية باحضار المتابعين بجلسة المحكمة يعد اخــــلال بقواعد المحـــاكمة العادلة الدستورية والقانونية الوطنية والدولية خطأ جسيم قد يرقى الى معاملة مهينة.
لهذا سوف نرى ان شاء الله من خلال تحليانا لهذا الموضوع كيفية رفع الدعوى والشروط الواجب توفرها من اجل الحصول على تعويض في بعض التجارب المقارنة.وكذلك عن من له الحق في المطالبة بالتعويض ومن المسؤول قانونا على اعطاء التعويض.
هذا ما سوف نتطرق الى هذا الموضوع من خلال مبحثين كتالي
المبحث الاول:دعوى وشروط الحصول على التعويض
المبحث الثاني:المتضرر والمسؤول عن التعويض
المبحث الاول : دعوى و شروط حق التعويض
بما أن التعويض حق و يطالب به ، لذا يستوجب تحديد دعوى طلب التعويض ، و بما أن المطالبة بهذا الحق يحمل الدولة أو الشخص المسؤول عن الضرر أعباء التعويض ، لذا يستوجب توافر شروط لاستحقاق هذا تعويض.
المطلب الاول : دعوى الحصول على التعويض
لقد اهتمت مختلف الدول المتقدمة في تشريعاتها المســطرية، بمبدأ التعويض عن الاعتقال الاحتياطي غير المبرر ، خصوصا بعد انعقاد المؤتمر الدولي الســــادس لقانون العقوبات، المنعقد بروما 1953 حيث جاء في التوصية 17 منه على أنه:" يجب على الدولة تعويض المحبوس مؤقتا في حالة ارتكاب خطأ قضائي ظاهر، إذا كـــــانت الظروف تشير إلى أن الحبس أكتسب صفة التعسف " ذلك لأن الجهاز القضائي بوصفه مرفقا عاما يعمل لصالح الجماعة، فإنه اذا تسبب بضرر خاص بأحد أعضاءه فيكون من العدل أن تتحمل الجماعة عبء تعويضه و عليه يكون بذلك للمحبوس خطأ الحق في الــــــتعويض بناءا على الخطأ الاجتماعي الذي تعرض له بوصفه فردا في الجماعة لا بسبب الخطأ في اتخاذ الإجراءات القانونية ضده.
وفي الجزائر أيضا تم تعديل قانون الإجراءات الجزائية فتم الإقرار بالتعويض ،و كأنه مأخوذ تمام من القانون الفرنسي و أساس التعويض يكمن في مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية وهو ما أقره المشرع الدستوري في المادة 49 من دستور الجزائري لسنة 1996 .
و قد تم تقرير هذا المبدأ الدستوري من خلال القانون01/08 المؤرخ في 21 يونيو 2001 و ذلك بإضافة المواد من 137 مكرر إلى 137 مكرر 14 و خص بذلك المتابعات الجزائية التي تنتهي بصدور قرار نهائي في حق الشخص الذي كان محل حبس المؤقت بعدم للمتابعة أو البراءة إذا ما الحق به هذا الحبس ضررا ثابتا و متميزا.
و في مصر أيضا تم تعديل قانون الإجراءات الجنائية بموجب قانون الحبس الاحتياطي الجديد رقم 145 ويتم تقديم طلب التعويض من طرف طالبه أو محاميه بموجب عريضة دعوى موقعة في اجل لا يتعدى ستة أشهر من صيرورة القرار القاضي بعدم المتابعة أو البراءة نهائيا ، ويجب أن تتضمن العريضة وقائع القضية وبعض البيانات المحددة بالمادة 137 مكرر 4 بصفة إلزامية وهي :
-1 تاريخ وطبيعة القرار الذي أمر بالحبس وكذا المؤسسة العقابية التي نفذ فيها.
-2الجهة القضائية التي أصدرت الحكم اوقرار بعدم للمتابعة أو بالبراءة وتاريخ القرار
-3طبيعة الأضرار وقيمة التعويض المطالب به .
-4عنوان المدعى الذي يتلقى فيه التبليغات .
وتودع العريضة مقابل إيصال لدى أمين اللجنة الذي يتولى إرسال نسخة منها إلى العون القضائي للخزينة باعتباره مدعى عليه في هذه الدعوى في أجل 20 يوما من تاريخ استلام العريضة ويطلب أمين اللجنة الملف الجزائي من أمانة ضبط الجهة القضائية التي أصدرت قرار بعدم للمتابعة أو البراءة .
المطلب الثاني: شروط الحصول على التعويض
إن التعويض عن الاعتقال الاحتياطي غير المبرر ليس تلقائيا ولا أكيدا في كل الحالات، بل قيده المشرع الجزائري بشروط منصوص عليها بالمادة 137 مكرر من ق. إ. ج ،ويجب على طالب التعويض استفاءها وذلك إذا كان محل حبس مؤقت غير مبرر انتهى بقرار نهائي قضى بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة وألحق به ضررا ثابتا ومتميزا .
وهذه الشروط تتمثل في التالي :
1- أن يكون طالب التعويض محل حبس مؤقت غير مبرر انتهى في حقه قرار او حكم بعدم المتابعة أو بالبراءة ويقصد به ما عبرت عنه المادة 137 مكرر بأنه كل حبس أمر به خلال متابعة جزائية وانتهت في حقه بصدور قرار نهائي قضى بعدم المتابعة أو بالبراءة والقرار النهائي هو عدم قابليته لأي طريق من طرق الطعن أي حائز لقوة الشيء المقضي فيه .
2- أن يكون الاعتقال الاحتياطي قد ألحق بالشخص ضررا ثابتا ومتميزا والمقصود بهذا الشرط هو تقييد نطاق التعويض من خلال اشتراط المشرع أن يكون الضرر ثابتا ومتميزا وما يزيد من صعوبة تطبيق هذا الشرط أن المشرع الجزائري لم يحدد مفهوما لهذا الضرر الثابت والمتميز وعليه وجب الرجوع إلى تطبيقات للجنة التعويض الفرنسية وكيف عبرت عن أوصاف هذا الضرر فالضرر غير العادي هو ذلك الضرر الذي توجب قواعد العدالة التعويض عنه ،أما الضرر المتميز ذي الخطورة الخاصة فيقصد به أن تقييم الضرر يكون حسب كل حالة بالنسبة لنتائج الحبس المؤقت غير المبرر سواء منها المادية أو المعنوية التي تلحق بالشخص وبتوافر هذين الشرطين فإنه يحق للمضرور من حبسه أن يقدم طلب إلى الجهة المختصة بالتعويض داخل أجل ستة -6- أشهر من صدورالحكم او القرار القاضي بعدم المتابعة أو البراءة نهائيا.
و كذلك القانون الفرنسي حيث نرى انه عالج الموضوع بشكل أدق و أكثر موضوعية فلقد خضع التعويض لجملة من الشروط الواجب توافرها حتى يستطيع الموقوف المتضرر الحصول عليه. فبموجب قانون رقم(70-643 في 17-7-1970) تختلف أحكام دعوى تعويض التوقيف غير المبرر عن دعوى مخاصمة الدولة و حيث أضافت المادة 88 من قانون 15-6-2000 انه يمكن لكل جهة قضائية أصدرت قراراً بمنع المحاكمة أو البراءة أو بعدم المسؤولية أن تمنح تعويضاً للشخص الملاحق ، بناءً من الشخص صاحب المصلحة لتغطية النفقات التي دفعها بسبب رفض الدولة تسديدها. و يقع هذا التعويض على عاتق الدولة و مع ذلك يمكن للجهة القضائية أن تلزم المدعي الشخصي بهذا التعويض عندما يكون هو الذي حرك الدعوى.
أما بالنسبة لشروط التعويض في القانون الفرنسي فهو :
1- أن يكون طالب التعويض صاحب الحق بالتعويض : أن هذا الحق للذين اخضعوا للتوقيف أثناء سير في دعوى رفعت ضدهم و انتهت الدعوى بعدم المحاكمة أو بالبراءة أو عدم المسؤولية ، ويجب أن يكتسب هذا القرار الدرجة القطعية .
و لا يشمل التعويض الذين تم إيقافهم و صدر قرار بعدم مسؤوليتهم بسبب الجنون و العفو العام أو عندما يعترف الشخص بارتكاب جريمة و تم وضعه قيد التوقيف بهدف تجنب ملاحقة الفاعل الحقيقي أي للتستر على الفاعل الحقيقي للجريمة . ولايجوز المطالبة بالتعويض في حالات الحكم بالحبس مع وقف التنفيذ .
2-
وقوع ضرر : يجب أن يكون هناك ضرر بسبب التوقيف و لقد قرر القانون الجديد منح التعويض لإصلاح الضرر معنوي أو مادي لحق بالشخص بسبب توقيفه .
3- تقديم دعوى التعويض:أن التعويض عن التوقيف حق شخصي لذا يجب أن يطالب به من تم إيقافه و سبب له ضرراً مادياً كانت أو معنوية .
المبحث الثاني الثاني:المتضرر و المسؤول عن التعويض
لابد أن يكون للحق صاحب و أن يطالب بهذا الحق ، و يجب أن يكون هناك من يطلب منه هذا الحق ، فالتعويض عن الاعتقال الاحتياطي التعسفي له من يستحقه و من يطالب به ،لهذا يجب أن نتطرق الى الجهتين و من ثم يستوجب الحصول على هذا الحق وجود إجراءات قانونية .
المطلب الاول: صاحب الحق في التعويض
إن صاحب الحق في التعويض هو من تم حبسه بصورة غير قانونية او تعسفاً انتهى في حقه في حقه صدور حكم او قراربعدم للمتابعة أو بالبراءة . ويقصد به ما عبرت عنه المادة 137 مكرر من قانون الإجراءات الجزائية الجزائرية بأنه كل حبس أمر به خلال متابعة جزائية وانتهت في حقه بصدور قرار نهائي قضى بألا وجه للمتابعة أو بالبراءة . والقرار النهائي هو عدم قابليته لأي طريق من طرق الطعن أي حائز لقوة الشيء المقضي به.
و يشترط أن يكون الضرر ثابتا ومتميزا ، وما يزيد من صعوبة تطبيق هذا الشرط أن المشرع الجزائري لم يحدد مفهوما لهذا الضرر الثابت والمتميز وعليه وجب الرجوع إلى تطبيقات للجنة التعويض الفرنسية وكيف عبرت عن أوصاف هذا الضرر فالضرر غير العادي هو ذلك الضرر الذي توجب قواعد العدالة التعويض عنه أما الضرر المتميز ذي الخطورة الخاصة فيقصد به أن تقييم الضرر يكون حسب كل حالة بالنسبة لنتائج الحبس المؤقت غير المبرر سواء منها المادية أو المعنوية التي تلحق بالشخص.
المطلب الثاني : المسؤول قانونيا عن التعويض
كما يتبين من تطبيقات تعويض المتهم الموقوف الحاصل على حكم بالبراءة في فرنسا و المغرب من خلال المادة 573 ق م ج الفقرة 4 هو أن التعويض يتحمله المدعي إذا كانت الدعوى دعوى كيدية أو الشاهد إذا كان قد أدى شهادة زور أدى الى إلحاق الضرر بالموقوف و أما يكون التعويض على الدولة و ذلك بسبب الخطأ القضائي.
1- مسؤولية الدولة
القضاء يمثل مظهرا من مظاهر الدولة و سلطتها، و هو يهدف إلى إقامة العدل، فالقاضي يطبق القوانين التي يصدرها المشرع لتحقيق الخير للمجتمع، فالقاضي كبشر، قد يرتكب أخطاء أثناء ممارسته لعمله، فقد يتعهد قاضي التحقيق شخصا بريئا، و يحبسه على ذمة التحقيق لعدة أسابيع أو أشهر، ثم يتحصل هذا المتهم على أمر بانتفاء وجه الدعوى أو حكم بالبراءة. فمثل هذا العمل قد يلحق ضررا بالشخص الذي كان هو فالحبس، و على هذا فالوظيفة القضائية في الدولة، قد تتسبب في إلحاق أضرار بالمتقاضين. و إزاء هذه الحالة ألا يحق للضحية المطالبة بالتعويضات عن الأضرار التي أصابته ؟
2-المدعي و شاهد زور
أن المدعي (الطرف المدني )او المبلغ أو شاهد الزور يتحملان عبء التعويض و لكن التعويض يعطى للمتهم البريء من طرف الدولة و هي بدورها و سلطتها ترجع على المسبب في الضرر أو في توقيف المتهم ظلما و هذا ما ذهب اليه المشرع الجزائري و الفرنسي و إن كان يجب أن ينص المواد على تحديد مسؤولية الخطأ القضائي الذي يصدر من القضاة و وكلاء النيابة أو على الأقل القائمين بالتحقيق من أعضاء الضبط القضائي؟.
خاتـمـــــــة
- بماان التعويض عن الاخطاء القضائية مقتضى دستوري جديد في بلادنا فانه يجب ان تواكبه تعديلات قانونية من اجل تنزيل الدستور تنزيل كما ارادته الارادة الشعبية التي صوتت عليه باغلبية ساحقة.وكذلك لرفع الغبش على النصوص القانونية الموجودة وذلك خدمة للحكامة القانونية.
- يجب اللجوء إلى بدائل الاعتقال الاحتياطي و نقصد ببدائل نظام المراقبة القضائية المنصوص عليها في المادة 161 ق م ج م وهي تدابير أو التزامات تفرض على المتهم بدلاً من حبسه احتياطيا عند ارتكابه جناية أو جنحة.
- يجب على رجال القضاء ان يعلموا بانه لا يضر العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضرها الاعتداء على حرية الناس والقبض عليهم من دون وجه حق،وذلك تطبقا للمبدا القائل تبرئة مئة متهم خير من ادانة بريىء واحد.