لا أحد ينكر ما يشهده الجسم الإداري في المغرب من تطور ملحوظ في السنوات الأخيرة،وذلك بالموازاة مع تعدد وظائف الدولة التي لم يعد دورها يقتصر على استتباب الأمن وتعزيز السلطة الدفاعية،بل امتد إلى ميادين عديدة في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية تماشيا مع التغييرات المتلاحقة التي تفرض نفسها على المستويين الوطني والدولي.فكان لزاما على الدولة والحالة هذه تحديث الجهاز الإداري ليضطلع بالمهام الجديدة الملقاة على عاتق الدولة،من حيث وظائفه ووسائله وأساليبه. ولقد كان أحد مظاهر ذلك التحديث الأخذ بمزيد من اللامركزية كأساس لتقسيم السلطة بين الجهاز المركزي والجماعات الترابية، لما يحققه هذا الأخير من مزايا ملموسة، بحيث أصبح التنظيم الإداري للدولة المعاصرة يقوم على أساس المزج بين صورتي المركزية واللامركزية ، بنسب تختلف من دولة إلى أخرى حسب ظروف كل منها السياسية والجغرافية والاقتصادية والاجتماعية.
وعن التفريق بين المركزية واللامركزية يقول المفكر الفرنسي أندريه هوريو"أن المركزية سلطوية وحكومية، أما اللامركزية فهي قوة تحريرية ودستورية، واللامركزية هي وسيلة وجود الدولة ، وكيفية بسيطة للتنظيم الداخلي للدولة الموحدة"[1].
فيما يؤكد بورجول بأن اللامركزية تعني جماعة ترابية لها كيان سياسي له قاعدة جغرافية، اجتماعية، اقتصادية وتاريخية والتي تطالب الدولة من أجل وجودها الدائم بشخصيتها واستقلاليتها اللازمة لحماية اختصاصاتها داخل حدودها الترابية في الميادين المحددة لها من طرف الدولة كمؤسسة عليا طبقا للتنظيم الوطني، والذي تدمج فيه الوحدات الترابية الأخرى[2].
تعني المركزية في مفهومها العام التوحيد وعدم التجزئة. أما في مجال التنظيم الإداري، فيقصد بالمركزية توحيد مظاهر النشاط الإداري في الدولة وتجميعها في يد السلطة التنفيذية وفروعها في العاصمة والأقاليم بشكل يسمح بتوحيد النمط الإداري وتجانسه بالنسبة لكل أقاليم الدولة ولعموم شعبها[3]. أما اللامركزية الإدارية، فيقصد بها توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة في العاصمة وبين هيئات الجماعات الترابيةأو المصلحية، وتخضع هذه الهيئات المحلية في ممارسة وظيفتها لإشراف ورقابة الحكومة المركزية[4].
بالنسبة للنظام السياسي الإداري المغربي، فعمله بأسلوب المركزية في تصريف الشؤون الإدارية للدولة تزامن مع فترات حرجة من تاريخ البلاد، وخاصة تجميع القوى للتصدي للأطماع الخارجية من جهة وصيانة الوحدة الداخلية واستتباب الأمن من جهة أخرى[5]. غير أن مطمح دمقرطة المؤسسات، وإيجاد أسلوب لتنظيم المدينة المغربية وتصحيح الاختلالات المجالية، وإدارة شؤونها بأسلوب يكفل تذويب العراقيل التي يطرحها التطور السريع الذي شهدته هذه الأخيرة،وما تمخض عنه من اتساع في حجم الحاجيات وتنوعها، إلى جانب التطلع إلى مواكبة كل التحديات البشرية والسياسية والاقتصادية والتنظيمية والقانونية والسلوكية التي تفرض نفسها على واقع التدبير المحلي اليومي، جعلا المغرب يتبنى سياسة اللامركزية كخيار استراتيجي يروم إقامة نظام فعال لإدارة لاممركزة، يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية المتحجرة[6]، حيث أقدمت السلطات العليا على تقسيم التراب الوطني إلى جماعات ترابية ومنها العمالات والأقاليم إلى قيادات ودوائر حضرية وقروية، كما احتفظت مع ذلك بالبنية الإدارية التقليدية العتيقة من مشيخات وقبائل، الشيء الذي نتج عنه تمازج تولد عنه نموذج مغربي ذي خاصيات جد متميزة، إذ أن صدور ظهير 1960 [7] حول الجماعات الترابية، يعتبر لبنة أولى للبنية الحقيقية للجماعات الترابية الحديثة بعد المحاولة التي جاء بها ظهير 1916 في عهد الحماية. وفي 30 شتنبر 1976[8] صدر الظهير المتعلق بالنظام الجماعي الذي يشكل منعطفا هاما في تاريخ اللامركزية الإدارية[9]، إذ وسع من اختصاصات المجالس الجماعية وأناط برؤسائها مهام جديدة [10] إلا أنه بالرغم من كونه قد شكل الانطلاقة الحقيقية للنظام اللامركزي، أصبح غير كاف من حيث مجال تنفيذه مما جعل التفكير في توسيعه إلى مستوى الجهة يتزايد بحدة، إذ أن الضرورة أصبحت تستلزم وجود مستوى ترابي وإداري وسيط بين السلطة المركزية والجماعات الترابية بغية الإشراف على التخطيط والتفكير للتنمية الجهوية والمحلية. هكذا صدر ظهير 2 أبريل 1997 المنظم للجهات، ثم أعقبه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي الذي عدل وتمم بالقانون رقم17-08 ، وكذلك القانون رقم 79.00 المتعلق بالعمالات والأقاليم.
و قد ذهب الدستور الجديد أبعد من ذلك حين أفرد الباب التاسع للجهات والجماعات الترابية ، إذ استبدل من خلاله مصطلح الجماعات المحلية بالجماعات الترابية. وينص الفصل 135 في هذا الصدد على أن : " الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات و الأقاليم و الجماعات, والجماعات الترابية أشخاص معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطي".
تتمثل البنية الجديدة للتنظيم الجهوي والترابي في تأسيسها على بعد ترابي، كرس التنظيم اللامركزي متعدد المستويات، وبوأ الجهة مكانة الصدارة وخلق آليات جديدة للتعاون والتضامن الترابي، في سبيل توحيد الجهود في المجال التنموي وهو ما كرسه الدستور الجديد عندما اختار تبني توجه إصلاحي يرتكز على المحاور التالية:
- تسمية وتعريف جديد للجهات والجماعات المحلية ببعد ترابي، حيث تم استبدال التسمية القديمة للجماعات المحلية بتسمية جديدة هي الجهات والجماعات الترابية[11]، فإدخال البعد الترابي أصبحت تستدعيه التطورات الموضوعية لزمن العولمة[12]؛أي أنه سيجعل من التراب ليس فقط مجالا للإعداد والتنظيم، بل سيحوله إلى أحد المداخل الجديدة للسياسات العمومية الناجعة، ومحددا مرجعيا وفاعلا في شروط التنمية المجتمعية المأمولة. كما عمل الدستور الجديد على تكريس تعدد المستويات الترابية، حين نص في فصله 135 على أن الجماعات الترابية للملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، ذات الشخصية الاعتبارية والخاضعة للقانون العام، والتي تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية، غير أنه لم يشر إلى مسألة الاستقلال المالي لهذه الوحدات الترابية، كما لم يميز بين الجماعات الحضرية والقروية[13].
إن إنشاء هذه الوحدات ، إذن، يمثل أحسن توزيع للعمل، وأحسن وسيلة لتنمية إدارة مسؤولة تعمل جاهدة على تحويل الجماعة الترابية من مجرد أداة إدارية متعطلة إلى آلية لتحريك المجال ومسايرة تطوره، وتعي ثقل التحديات التي تواجهها و ستواجهها في تلبية حاجيات الساكنة فيما يؤكد بورجول بأن اللامركزية تعني جماعة ترابية لها كيان سياسي له قاعدة جغرافية، اجتماعية، اقتصادية وتاريخية والتي تطالب الدولة من أجل وجودها الدائم بشخصيتها واستقلاليتها اللازمة لحماية اختصاصاتها داخل حدودها الترابية في الميادين المحددة لها من طرف الدولة كمؤسسة عليا طبقا للتنظيم الوطني، والذي تدمج فيه الوحدات الترابية الأخرى[2].
تعني المركزية في مفهومها العام التوحيد وعدم التجزئة. أما في مجال التنظيم الإداري، فيقصد بالمركزية توحيد مظاهر النشاط الإداري في الدولة وتجميعها في يد السلطة التنفيذية وفروعها في العاصمة والأقاليم بشكل يسمح بتوحيد النمط الإداري وتجانسه بالنسبة لكل أقاليم الدولة ولعموم شعبها[3]. أما اللامركزية الإدارية، فيقصد بها توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة في العاصمة وبين هيئات الجماعات الترابيةأو المصلحية، وتخضع هذه الهيئات المحلية في ممارسة وظيفتها لإشراف ورقابة الحكومة المركزية[4].
بالنسبة للنظام السياسي الإداري المغربي، فعمله بأسلوب المركزية في تصريف الشؤون الإدارية للدولة تزامن مع فترات حرجة من تاريخ البلاد، وخاصة تجميع القوى للتصدي للأطماع الخارجية من جهة وصيانة الوحدة الداخلية واستتباب الأمن من جهة أخرى[5]. غير أن مطمح دمقرطة المؤسسات، وإيجاد أسلوب لتنظيم المدينة المغربية وتصحيح الاختلالات المجالية، وإدارة شؤونها بأسلوب يكفل تذويب العراقيل التي يطرحها التطور السريع الذي شهدته هذه الأخيرة،وما تمخض عنه من اتساع في حجم الحاجيات وتنوعها، إلى جانب التطلع إلى مواكبة كل التحديات البشرية والسياسية والاقتصادية والتنظيمية والقانونية والسلوكية التي تفرض نفسها على واقع التدبير المحلي اليومي، جعلا المغرب يتبنى سياسة اللامركزية كخيار استراتيجي يروم إقامة نظام فعال لإدارة لاممركزة، يشكل قطيعة حقيقية مع المركزية المتحجرة[6]، حيث أقدمت السلطات العليا على تقسيم التراب الوطني إلى جماعات ترابية ومنها العمالات والأقاليم إلى قيادات ودوائر حضرية وقروية، كما احتفظت مع ذلك بالبنية الإدارية التقليدية العتيقة من مشيخات وقبائل، الشيء الذي نتج عنه تمازج تولد عنه نموذج مغربي ذي خاصيات جد متميزة، إذ أن صدور ظهير 1960 [7] حول الجماعات الترابية، يعتبر لبنة أولى للبنية الحقيقية للجماعات الترابية الحديثة بعد المحاولة التي جاء بها ظهير 1916 في عهد الحماية. وفي 30 شتنبر 1976[8] صدر الظهير المتعلق بالنظام الجماعي الذي يشكل منعطفا هاما في تاريخ اللامركزية الإدارية[9]، إذ وسع من اختصاصات المجالس الجماعية وأناط برؤسائها مهام جديدة [10] إلا أنه بالرغم من كونه قد شكل الانطلاقة الحقيقية للنظام اللامركزي، أصبح غير كاف من حيث مجال تنفيذه مما جعل التفكير في توسيعه إلى مستوى الجهة يتزايد بحدة، إذ أن الضرورة أصبحت تستلزم وجود مستوى ترابي وإداري وسيط بين السلطة المركزية والجماعات الترابية بغية الإشراف على التخطيط والتفكير للتنمية الجهوية والمحلية. هكذا صدر ظهير 2 أبريل 1997 المنظم للجهات، ثم أعقبه القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي الذي عدل وتمم بالقانون رقم17-08 ، وكذلك القانون رقم 79.00 المتعلق بالعمالات والأقاليم.
و قد ذهب الدستور الجديد أبعد من ذلك حين أفرد الباب التاسع للجهات والجماعات الترابية ، إذ استبدل من خلاله مصطلح الجماعات المحلية بالجماعات الترابية. وينص الفصل 135 في هذا الصدد على أن : " الجماعات الترابية للمملكة هي الجهات والعمالات و الأقاليم و الجماعات, والجماعات الترابية أشخاص معنوية، خاضعة للقانون العام، وتسير شؤونها بكيفية ديمقراطي".
تتمثل البنية الجديدة للتنظيم الجهوي والترابي في تأسيسها على بعد ترابي، كرس التنظيم اللامركزي متعدد المستويات، وبوأ الجهة مكانة الصدارة وخلق آليات جديدة للتعاون والتضامن الترابي، في سبيل توحيد الجهود في المجال التنموي وهو ما كرسه الدستور الجديد عندما اختار تبني توجه إصلاحي يرتكز على المحاور التالية:
- تسمية وتعريف جديد للجهات والجماعات المحلية ببعد ترابي، حيث تم استبدال التسمية القديمة للجماعات المحلية بتسمية جديدة هي الجهات والجماعات الترابية[11]، فإدخال البعد الترابي أصبحت تستدعيه التطورات الموضوعية لزمن العولمة[12]؛أي أنه سيجعل من التراب ليس فقط مجالا للإعداد والتنظيم، بل سيحوله إلى أحد المداخل الجديدة للسياسات العمومية الناجعة، ومحددا مرجعيا وفاعلا في شروط التنمية المجتمعية المأمولة. كما عمل الدستور الجديد على تكريس تعدد المستويات الترابية، حين نص في فصله 135 على أن الجماعات الترابية للملكة هي الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات، ذات الشخصية الاعتبارية والخاضعة للقانون العام، والتي تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية، غير أنه لم يشر إلى مسألة الاستقلال المالي لهذه الوحدات الترابية، كما لم يميز بين الجماعات الحضرية والقروية[13].
الهوامش
[1] HAURIOU(A) , " Précis élémentaire de droit administratif" , 2ème Ed , recueil Sirey Paris 1943, p : 44.
[2] BOURJOL (M( , "Droit administratif " , vol I, Ed.Masson, Paris1972, p : 103.
[3] مليكة الصروخ : " القانون الإداري" دراسة مقارنة، الطبعة السادسة، نونبر 2006. نشر وتوزيع الشركة المغربية للكتاب، ص:79.
[4] مليكة صروخ، مرجع سابق، ص: 91.
[5] حسنة كجي :" دور الجماعات المحلية في حماية وتدبير البيئة"، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية،عدد81- 82، يوليوز– أكتوبر 2008 ، ص:94.
[6] خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء.
[7] حسنة كجي، مرجع سابق، ص: 95.
[8] الجريدة الرسمية عدد3335 مكرر، ل6 شوال 1396، فاتح أكتوبر 1976.
[9] خلافا لميثاق سنة1960 الذي جعل من الجماعة مجرد وحدة إدارية، فإن الميثاق الجماعي لسنة1976 وميثاق سنة2002،قانون رقم00 -78،وكذا ميثاق 17.08 الصادر في فبراير 2009 يعتبر الجماعة بمثابة إطار للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
[10] حسنة كجي، نفس المرجع السابق، ص: 95.
[11] دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم:1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، الصادر بتاريخ 28 شعبان1432 الموافق ل30 يوليوز2011، الباب التاسع.
[12] جمال خلوق: التدبير الترابي بالمغرب: واقع الحال ومطلب التنمية، مطبعة طوب بريس، الرباط، الطبعة الأولى، 2009، ص:9.
[13] الفصل 135 من دستور 2011، مرجع سابق.