بدأت الحكومة الجديدة في العمل الجدي الذي ينم على حركية تبعث على أن هناك أمل ونية حسنة للخروج من المأزق الذي وضعت فيه العدالة المغربية منذ سنين ،لكن يحق لنا أن نطرح أسئلة جوهرية حول توقيت هذا الحوار الوطني حول العدالة ، هل تم في اللحظة المناسبة أم هناك تسرع في الدعوة إليه وهل المناخ الحالي مناسب لهذا الحوار؟ وهل هيئت له الوسائل المدعمة لنجاحه ؟ ثم مع من سيتحاور الفاعلون في قطاع العدل ؟
وبغض الطرف عن نقط موضوع هذا الحوار والتي حددها الدستور المصادق عليه ،والتي لايمكن أن يتجاوزها الحوار لأنه قانون أدنى (قانون تنظيمي).
فإن المعطيات الاولى لبعض اشكال الاحتجاج في قطاع العدل ،وفرت المعلومة الاولية للدولة او الحكومة أو (المصالح المناهضة) لتنقية الاجواء (الاصلاح ) ،المهم ان يبدأ الحوار الوطني قبل أن تحدد الجماعة الفاعلة نقط الحوار ،لترسم حدود الاستقلال المراد للقضاة والقضاء الذي نريد ان نبنيه ،فلنعتمد ارضية فكرية وليست واقعية منبتقة مثلا على توصيات الأجهزة المسيرة للفاعليين الجمعويين ،نحن نريد إعتماد التجاوزات وفضحها لنتخدها منطلقا لتصحيحها وعدم العودة لها ،فالاشياء تعرف بأضدادها ،نبدأ من شفافية إختيار اللجنة التي تشرف على ولوج المتخرجين من الجامعات للمعهد العالي للقضاة إلى شفافية إنهاء خدمة القاضي وإحالته على التقاعد ،فالحوار الوحيد سيكون مع الفاعليين الذين عبروا عن إحتجاجاتهم والتي كانت أول غيث وامل في إعادة التوازنات لميزان العدالة ،ودون إعتماد اية قنوات أخرى غير مضبوطة الاتجاه .
وحتى نكون في الصورة فالقضاة يفرقون بين الحوار الذي يستعمل كبديل عن الرأي العام المباشر (بإعتبار أن شأن القضاء هو شأن الشعب)والآخر الذي يستعمل للتمويه والمغالطة وإعطاء صفة الديموقراطية للعملية ،وتسويقها للرأي العام ، وللرأي الدولي المتتبع لتطورات الاصلاحات السياسية بالبلاد .
فإن اغلب العاملين في قطاع العدل يرون ان الحوار حول منظومة العدالة معروفة نقطه وحدوده مسبقا، ولايمكن ان يتجاوزأو يخالف ماهو مسطر في القانون الاسمى الذي صادق عليه الشعب المغربي بتاريخ فاتح يوليوز 2011 ،فالمسألة تتعلق بقوانين فرعية (تنظيمية ) وتنزيل لمقتضيات الدستور، وبالتالي لايمكن تشبيه الحوار الذي جرى من أجل الدستور بالقوانين التنظيمية للسلطة القضائية ،الذي دعت له وزارة العدل اليوم ، لكون المنظورأو التصور الفكري للحوار يتماثل في عناصره واسسه مع كافة الحوارات التي تجرى لإيجاد حلول لقطاعات ومجالات معينة .
ولابد من التطرق لتوضيح هذه العملية، إذ الحوار يعني شيئين ، إما أنه تشاور ذي معنى ديموقراطي حقيقي ، أو انه تشاور ذي معنى تحكمي إستبدادي، فالأول بغيته الوصول إلى إستقلال السلطة القضائية بالمعنى الحقيقي ،و شفائها من الجرثومة التي أصابتها والتي لا تخرج هنا عن الالتفاف على استقلال القضاء ،وجعله في خدمة النزوات والمصالح بدل تحقيق العدل ،إذن الداء الذي يعاني منه القضاء بالمغرب هو عدم إستقلاليته ،الشيء الذي ادى الى إنعدام ثقة المواطن ،و لابد من أن ينتهي الامر بالتوقيع على عقد تشاركي ،والثاني ينطلق من منظار تحكمي ليوهم المحاوربانه يساهم ندا لند في عناصر العقد التشاركي ،مع ان الحقيقة أنه يخفي أنه يتحكم في منهجية وأسلوب الحوار وكذا نتيجته حسب العناصر الاجتماعية التي يتوخاها ،وُيظهر علنا أنه يتبع منهجا ديموقراطيا ،في حين ان ذوي المصالح المناهضة لتنقية الاجواء وبث الثقة في القضاء تضغط بكل قواها لتحفظ التوازنات ،وتجر نتائجها لكفتها لتتحكم فيها ،وبالتالي نخرج بنتيجة غير متوخات من التشاور، وهي الاحتجاج الذي يبقى الوسيلة الاستثنائية لتحقيق المطالب ،فهل هذه المشاركة ستتم مع كل العاملين في حقل العدالة ام أنها ستتم عبر لجنة غير منتخبة ولاتمثل كافة الفاعليين؟ ،بل إن منهم من يخضع في توجهاته للنقابات والاحزاب السياسية، ثم مع من سيجرى هذا الحوار هل الدولة أم الحكومة ام اصحاب المصالحة المناهضة ؟ بالنسبة للدولة حسم الامر من خلال وضع نقط وحدود حقل العدالة المغربية ،إذ لايمكن التحاورمثلا حول إزالة عائق حرية التعبير للقضاة المنصوص عليه بالفصل 111 من الدستور (واجب التحفظ ....)،وإنما التحاور حول كيفية تنظيم هذا الحق دون الالتفاف عليه ،وهناك امثلة كثيرة ،فالدولة اصبحت خارجة عن هذا الحوار وأنها مجرد مشرف على عدم تجاوز حدود الحقل المرسوم ،تبقى الحكومة الحالية وكذا اصحاب المصالح المناهضة ،ترجح كفة هذه الأخيرة التي بحكم إستمرارها بالعمل في المجال ،وتوفرها على معلومات اولية حول التصور للسلطة القضائية مثلا ( توصيات المجلس الوطني لنادي القضاة بتاريخ 26و 27نوفمبر )وإستمرارها ايضا مدة طويلة في شد الحبل مع كل من يحاول المس بمصالحها ،فخلقت لها خلال تلك المعارك إستراتيجيات تجعلها دائما في منأى عن كل تغيير، مما تبقى معه فاعلة وبقوة ضد كل تغيير يمسها،ويخشى ان تتحكم في مسار هذا الحوار الوطني فنكون كالتي تنقض غزلها............
لابد ان الحكومة الجديدة لتبرهن عن جديتها وعزمها في السير بالحوار الوطني حول العدالة قدما ،ان تهيئ الحقل الذي ستعمل فيه مع القضاة وباقي الفاعلين ،فهو حقل مليئ بالألغام المدسوسة والقابلة لإنفجار في أية لحظة ،ولايمكن ان يلجه أي إنسان قبل تنقيته من طرف الحكومة الحالية، والتي تتوفر على كافة المقومات لذلك ،وإلا انها ستجعل من العاملين في حقل العدالة أليات لكشف وإبطال مفعول الالغام ،وهذه الاخيرة هي الخطوة الاولى التي يجب سلوكها قبل المضي في أي حوار حول العدالة ،فأغلب الجلادين الذين يلبسون المشاكل لضحاياهم ويخلقون لهم مشاكل في مسارهم المهني مازالوا قابعيين في كراسيهم ،وهم سائرون في صنع المشاكل وحلها حسب طريقتهم ،فهم الخصم والحكم ،فكيف للقضاة (المفروض فيهم الاستقلالية والتجرد ) ان يحاوروا ويخرجوا عن صمتهم وجلادوهم مازالوا يشخصون ابصارهم فيهم ليرهبونهم ،فرغم خروج بعض القضاة عن صمتهم وهذه شجاعة وجرأة لوحظت في قضاة شباب فإن شيوخ القضاة بمحكمة النقض لازالوا غير مستعدين للحوار مع من يحمل سيف التسلط ،وكذا أغلب القضاة بمحاكم الاستئناف ،بل إن بعض رؤساء المحاكم مازال يمارس مضايقاته على القضاة لممارسة حقوقهم الجمعوية رغم تنصيص القانون الاسمى على ذلك ،فهل الجو النفسي وحرية التحاور تم توفيرها ،الاجابة طبعا لا ،مما سيحكم على هذا الحوار بالفشل لعدم ندية الاطراف ،ونخشى ان تتم مقاطعته من القضاة الشرفاء ونعود من حيث بدأنا ،لأن الأمر قد يؤخذ من زاوية الانتقائية وتهميش بعض الكفاءات والاطر الفاعلة في حقل العدالة .
لابد لإنجاح هذا الحوار كماقلت ان يهئ له الجو الديموقراطي المناسب ( بتنقية الحقل ) ثم توفير آليات الحوار وأعني بها إما إشراك جميع العاملين في قطاع العدل في هذا الحوار حسب كل فئة من الفئات أو التركيز على إجراء حوار محلي على صعيد كل محكمة إبتدائية او إستئنافية ثم محكمة النقض،ومع ذلك لابد من عقد إجتماعات اولية سواء فئوية أو محلية لوضع النقط موضوع الحوار .
والملاحظة الثانية هو ان نتيجة هذا الحوار من ستحكم فيها هل هم القضاة والفاعليين في حقل العدالة ام الطرف المحاور الآخرو الذي يختفي وراء الادارة المركزية المحركة لهذا الحوار ،يجب لشفافية وديموقراطية وصدق هذا الحوار ان يتحكم فيه القضاة وباقي الفاعليين في حقل العدالة ،بالمساهمة هم انفسهم في صياغة نتائجه بواسطة قوانين تعرض عن البرلمان للمصادقة عليها والله ولي التوفيق.