تمهيد :
تبحث هذه المساهمة عن تحليل مناسب حول ما إذا كان الدستور المغربي الجديد يقوي من دور الجماعات الترابية في تطوير الممارسة الديمقراطية ببلادنا. وبداية نتسائل حول ما إذا كان الدستور يعتبر في حد ذاته ديمقراطية ؟ في هذا الإطار، اليوم، تقريبا كل الدول تتوفر على دستور، إلا أنه وكيفما كان شكله مكتوب أو عرفي فلا يتم إدراجها ضمن خانة الأنظمة الديمقراطية.
ولعل هذه الملاحظة الأخيرة تستدعينا إلى التفكير مجددا في مفهوم الدستور، ولكن في نفس الوقت إلى التساؤل حول الأسس الديمقراطية وما موقع الدستور منها ؟ ومن ثم إلى طرح سؤال كيف يمكن لدستور وإن كان يستجيب إلى تطلعات ديمقراطية لا يضمن بالضرورة الممارسة الديمقراطية ؟[1] وإذا كان الدستور ينص على نمط قديم / حديث من الديمقراطية ( التشاركية) فكيف يمكن تحقيق فعالية هذه المشاركة بالنظر إلى اختلاف المرجعيات المجتمعاتية [2]؟ وهل يمكننا تصور ديمقراطية غير تشاركية وغير دستورية ؟ إن هذه الأسئلة تبدو ضخمة مقابل هذه الورقات القليلة التي نحاول إثارتها في هذه المناسبة، ولكن تبقى مهمة من حيث على الأقل طرحها للقارئ.
عموما هناك اتفاق حول ضرورة وجود الدستور كشرط للتوجه نحو إنشاء نظام ديمقراطي، ولكن هناك أيضا إتفاق حول إستحالة اختزال مفهوم الديمقراطية في وثيقة دستورية، فهناك مشكل تحقيق التطابق بين الواقع وحقيقة المبادئ المعلن عنها في الدستور، وأيضا مشكل موقع وأهمية الدستور داخل الدولة.
إن الدستور يستهدف تثبيت السلطة داخل المجتمع، بمعنى أنه يضع حدودها، ينظمها، ويقرر في طبيعة اختصاصاتها ويحدد الجهاز الذي يمارسها.
ومن المفترض على الدستور أن ينص على مسألة الرقابة المؤسساتية للسلطة والذي يعتبر مبدأ جوهري في الديمقراطية، ومن ثم الرقابة الشعبية على المؤسسات السياسية.
يكرس الدستور أيضا فصل السلط حتى يكون هناك - كما أراد مونتيسكيو - "سلطة تحد من سلطة" (روح القوانين). كذلك، فإن دستور ما يتيح بصورة معينة الوسيلة التي تعبر عن إنعدام الثقة والريبة كسمة جوهرية تميز الديمقراطية وتلازمها - وذلك باعتبار أن مبدأ الديمقراطية يقتضي في الواقع أن لايثق المواطنين بشكل طبيعي واعتباطي في المؤسسات والحكام - بما أنه (أى الدستور) يقوم بموازنة العلاقات بين الحاكمين والمحكومين بإخضاعها للقانون.
كما أن الدستور يقترن بمسألة الشفافية، والتي تعتبر من الرهانات الأساسية للديمقراطية : يتم تسجيل نمط اشتغال الدولة بكامله في وثيقة والتي ينبغي على الشعب التعرف عليها وتكون متاحة الولوج لدى جميع شرائحه، ويمكننا هنا الحديث عن مسألة النشر وإشهار وتفسير الوثيقة الدستورية والتي تعتبر مكسب للأمة، بإعتبارها وسيلة تتيح للشعوب معرفة العلاقات التي تربطهم بحكوماتهم، مجتمعاتهم، تنظيماتهم وغيرهم من الأمم...، كما أن الممارسة السياسية المحلية تعتبر بالنسبة للدساتير الرهان الحديث لكل تحديث للمجتمعات، وبالأساس العمل على إقامة وتطوير رابط بين اللامركزية والديمقراطية، باعتبار أن المشاركة السياسية المحلية من شروط النظام اللامركزي[3].
من جهته، يتميز الدستور المغربي لسنة [4]2011 بالرغبة في التوجه نحو إصلاح عميق ومهيكل للامركزية، يطغى عليه وبالأساس طابع التوجه نحو الجهوية [5]. حيث اعتمد منح الجماعات اللامركزية، بالإضافة إلى الاعتراف الدستوري بوجودها (كما هو الشأن بالنسبة للتجارب الدستورية السابقة )، مركز دستوري، بحيث أن موضوعه الرئيسي يتمثل في تمكينها من الضمانات الضرورية للتعبير عن حريتها أثناء مساهمتها في الفعل العمومي من جهة، والتربية على الديمقراطية المحلية من جهة أخرى. ففي بابه التاسع المعنون « بالجهات والجماعات الترابية الأخرى « يروم هذا الدستور في الواقع، إلى تأسيس دعائم مركز دستوري جديد مكرس للجماعات الترابية.
طوال التاريخ الدستوري المغربي، كانت الوثائق الدستورية محدودة من حيث الاعتراف بوجود جماعات لامركزية دون منحها مركز دستوري حقيقي[6]. أيضا، فقد جاء دستور 2011 في سياق نوعي وخاص يبرر إرادة إعطاء الوحدات الترابية حماية دستورية. من جهة أخرى، فإن الطموح المغربي ببلوغ جهوية متقدمة، والرغبة في إعادة التفكير في مسألة توزيع السلطة بين المركز والمحيط، إضافة إلى الإرادة في توفير حماية أفضل للحريات المحلية ومسعى تأسيس وساطة صلبة ومستدامة بين هذه البنيات المحلية والمواطن لكى لا تضل المطالب ذات الطبيعة المحلية تمر إلى المركز وتقلق الأولويات الوطنية بل وتهددها...، كانت كلها بالتأكيد هواجس من أجل الاتجاه نحو إقامة نظام دستوري مكرس للجماعات الترابية.
ومن خلال نظرة عن كثب، فإن المركز الدستوري للجماعات الترابية يثير ملاحظتين أساسيتين : فالأولى ترتبط بمصدر هذا النظام، بحيث كان واضع الدستور المغربي مطالب بمتابعة توصيات اللجنة الاستشارية للجهوية[7]. أما الثانية، فتتعلق بطبيعة هذا النظام الدستوري، والتي تكشف عن وجود تصور متجانس للامركزية مستمد من التجارب التي تمخضت عن الممارسة، ولكن أيضا الأهداف الجديدة التي تطمح الوثيقة الدستورية بلوغها، وخصوصا تلك المتعلقة بالمشاركة في ممارسة السلطة.
إن هذه المرحلة تظل انتقالية، لكون المركز الدستوري للجماعات الترابية لا يمكن له أن يجد الشكل النهائي إلا بعد التصويت على القانون التنظيمي للفصل 146 من الدستور. فمن خلال أحكام هذه الوثيقة والمكملة للدستور، لكن وبالأساس عبر التدخلات المحتملة والمفترضة للمحكمة الدستورية[8]، يمكن لهذا النظام الدستوري بأن يطفو ويتضح بصورة فعلية.
المبحث الأول. المركز الدستوري الجديد للجماعات الترابية
لقد أعطى الدستور المغربي أهمية خاصة لمسألة اللامركزية كأساس للتنظيم الجديد للدولة، وباعتباره عنصر ضروري لإصلاحها. فحسب الفصل الأول فإن « التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة « . ثم بعد ذلك فالوثيقة الدستورية تضع الأسس الدستورية المتعلقة بتصور جديد لمسألة اللامركزية، وذلك من خلال ثلاث محاور أساسية : ترسيخ المرجعية الديمقراطية (المطلب الأول) مطمح بلوغ تنمية محلية ومتوازنة (المطلب الثاني) والتي تعتبر في مجملها أهداف لابأس من التطرق إليها، في حين أن مسألة تدعيم استقلالية الجماعات الترابية عبر تمكينها من الوسائل الضرورية لممارسة سلطاتها تظل الهاجس المادي لهذا التطور ) المطلب الثالث ).
المطلب الأول . تكريس المرجعية الديمقراطية :
يتجسد تكريس المرجعية الديمقراطية بالنظر إلى مسألة الأصول الديمقراطية لأعضاء الجماعة الترابية ( الفقرة الأولى ) بالإضافة إلى ضرورة إدراج الآليات الدستورية والتي ستسعف المواطنين في المشاركة السياسية ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى. مسألة الشرعية الديمقراطية :
يعكس خيار دسترة اللامركزية الترابية في الدولة الموحدة، الطموح من أجل إرساء نظام أفضل للمشاركة السياسية وتوزيع السلطة، فهذا المعطى هو أيضا في مصلحة وجود فاعل لامركزي ترابي ومستقل من أجل المساهمة في تطوير نظام الديمقراطية المحلية، ونمو مستمر نحو نموذج للمشاركة السياسية، والذي من شأنه إفساح المجال أمام إرادة المحيط للتعبير عن ذاتها. هذا التصور للامركزية ليس نتاج تطور على مستوى مفهوم اللامركزية، ولكن في الوقت الذي يتم فيه دسترة محرك لتطويرها، يكون لدينا النواة الأولية، إذ أن الجماعات الترابية ينظر إليها بالأساس كمساحات مناسبة للتنمية الديمقراطية كما يقول A. DE TOQUEVILE[9].
لقد قام Alexis de TOCQUEVILLE بتقديم رؤية شاملة للحريات المحلية والذي يربطها بالنظام التمثيلي. هذا المؤلف لم يتوقف قط على ترديد فكرة أن الخطأ الكبير لمنظري القرن الثامن عشر والمدرسة الفكرية التي كانت تدعى الإخلاص لأفكار التحرر والدمقرطة، يكمن في الاعتقاد والذي ظل سائدا بإمكانية إقامة نظام تمثيلي ليبرالي، مع الحفاظ (في نفس الوقت) على مسألة تعزيز وتقوية الطابع المركزي للدولة [10]. فبالنسبة إليه، فإن اللامركزية في الواقع وفي نفس الوقت وسيلة لضمان الحرية ( انتخاب الهيئات المحلية يسمح بتثقيف الساكنة ) [11]، و تكملة لنظام التمثيلية وذلك بتنظيمها لقوى مضادة متنوعة.
والملاحظ عموما بأن تكريس الديمقراطية المحلية يطغى على الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الدستور المغربي الجديد، فهذا الأخير قام بالإعلان عن المبادئ الأساسية والتي يجب على السلطات العمومية السهر على ضمان احترامها، وذلك باعتبارها شروط ضرورية من أجل تطوير فعال للمشاركة السياسية وإرساء دعائم الديمقراطية، وبناء على هذا الالتزام جاء الفصل الثاني من الدستور، وذلك بتأكيده المرجعي على أن اختيار الممثلين في المؤسسات المنتخبة يجب أن يكون بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم [12].
ومن المعروف جيدا وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، بأن مسألة الديمقراطية تعتبر تقليديا أساسية بالنسبة للجماعات الترابية، وذلك نظرا لتعاملها مع هذه الوحدات اللامركزية من منظور يعتبرها كإطارات مناسبة ولا غنى عنها للتربية على ممارسة الشؤون المحلية بكيفية مستقلة، مما يشكل نواة الممارسة الديمقراطية على المستوى الوطني من جهة، ومناسبة حقيقية لإشراكها في تدبير الشؤون العمومية من جهة أخرى. في هذا الإطار، يضع الدستور مبدأ أساسي وذلك باعتماده في الفصل 135 على قاعدة جديدة ترتبط بالتأكيد على مسألة الأصول الديمقراطية للنخب المحلية، والتي تختلف في الواقع عن صياغة الفصل 101 من دستور 1996، والذي كان يؤكد على القاعدة التي بموجبها تنتخب « الجماعات المحلية مجالس تتكلف بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبق شروط يحددها القانون« دون توضيح أو تحديد بصورة مباشرة لأصول مجالس الجماعات المحلية. في حين أن الدستور الجديد بموجب الفصل 135 - والذي ينص صراحة في الفقرة الثالثة على أنه « تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر « - يكون على هذا المستوى قد اعتمد قاعدة أساسية ترتبط بأصول النخب المحلية، وهو الشيء الذي يشكل خطوة هامة تؤكد التشبث بهدف تحقيق الديمقراطية المحلية. وعلى الرغم من هذه المبادرة، يبدو من خلال علاقة هذا الفصل بفصول أخرى من نفس الدستور، احتمالية نشوء تناقض والذي يتصل بخيار إقصاء جماعات الأقاليم والعمالات من قاعدة الانتخاب الذي يقوم على الاقتراع العام والمباشر، وهو ما قد يشير إلى وجود تعارض واضح مع مبدأ التسيير الديمقراطي والمكرس هو الأخر بموجب الفقرة الثانية من الفصل 135 [13].
من جهة أخرى، فإذا كان من المؤكد أن اختزال مسألة الديمقراطية المحلية في أصول الأجهزة التي تقوم بتمثيل الجماعات الترابية، يقلص منها ويضعها في إطار ضيق للغاية، فمع ذلك تظل هذه القاعدة تعتبر الشرط الأول من أجل تحقيق التطلعات الديمقراطية، في حين توجد شروط أخرى لا تزال ضرورية. لقد قام الدستور في الواقع بتكريس المبدأ فقط، في حين ترك للمشرع التنظيمي اختصاص تحديد الشروط اللازمة لهذا التسيير الديمقراطي، وهو نفس الأمر بالنسبة للنظام الانتخابي، وكلاهما بموجب قانون تنظيمي [14]. بإمكاننا هنا كذلك افتراض الدور الهام والذي ينبغي على المحكمة الدستورية القيام به أثناء تفسير هذه القاعدة الدستورية، في إطار الإجراءات القانونية بعد التصويت على القانون التنظيمي السالف الذكر.
ترتبط إشكالية الديمقراطية المحلية أيضا بمسألة التمثيلية السياسية المتعلقة بالمرأة، وهو الأمر الذي يضعه الدستور المغربي من بين أهدافه الأساسية، فقد ركز الدستور في الواقع على قضية التأسيس للمساواة بين الرجل والمرأة، فبموجب فصله 19 أصبحت الدولة مسئولة عن تحقيق مبدأ " المناصفة " بينهما ومن أجل إعماله يحيل الدستور على القانون والذي سيقوم بالتفصيل - وحسب الفصل 30 - في المقتضيات التي من شأنها « تشجيع تكافئ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية « [15]. ومن ثم تظهر تمثيلية النساء بالجماعات الترابية كشرط جوهري حتى نتوقع تحقيق مثل هذه الأهداف.
إن مسألة الديمقراطية المحلية من حيث تصورها الواسع، تفترض وجود الآليات والتي من شأنها إتاحة الفرصة للجماعات الترابية للمشاركة في اتخاذ القرار على المستوى الوطني، ويمكن البحث عن حل لهذه الصعوبة بالنظر إلى طبيعة الدولة، من خلال طرح السؤال حول مدى تمثيلية الوحدات اللامركزية على المستوى الوطني. ولقد قام الدستور المغربي قصد تحقيق هذه الغاية بالأخذ وبشكل محافظ بنظام الثنائية البرلمانية مع تمثيلية الجماعات الترابية في المجلس الثاني للبرلمان.
إن هذا الارتباط بالتمثيلية يعطي في الحقيقة، الوسيلة التي من المفترض بواسطتها تمكين الصالح المحلي من الاندماج ضمن الصالح الوطني، ومن ثم لتتواجد الجماعات الترابية ومن خلال ممثليها في موقع يتيح لها المشاركة في تدبير الشأن الوطني. في هذا الإطار، يأتي الفصل 63 من الدستور ليحافظ على المبدأ والذي بموجبه تجري الجماعات الترابية انتخابات لممثليها داخل مجلس المستشارين. هذا بالإضافة إلى التأكيد الدستوري على أن تمثيلية الجهات تحوز 5/1 من الغرفة الثانية، في حين تشكل تمثيلية كل من الجماعات ( الحضرية والقروية) والعمالات والأقاليم نسبة 5/2 من الأعضاء.
بالنظر إلى ضمانه تمثيلية مهمة للجماعات الترابية داخل الغرفة الثانية للبرلمان، يكون الدستور المغربي استهدف إذن تأمين شروط مشاركة البنيات الترابية في ممارسة السلطة التشريعية، وبشكل خاص فيما يتعلق بالمسائل المرتبطة باللامركزية والتنمية المحلية. هذا الهدف الأخير الذي يبدو في غاية الوضوح، وذلك عندما يلزم الفصل 78 من الدستور كل من الحكومة وأعضاء البرلمان أثناء ممارسة السلطة التشريعية، بأن تودع مشاريع القوانين المتعلقة « على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، بالأسبقية لدي مكتب مجلس المستشارين « ، فقد أضحت الجماعات الترابية من خلال هذه الآلية التمثيلية والتي يوظفها النموذج المغربي، ترتبط بشكل غير مباشر بممارسة السلطة التشريعية مع ما يمكن إنتاجه من أثار فورية، وبشكل خاص تلك المتعلقة بمراقبة النشاط الحكومي. إلا أن هذه المبادرة الدستورية لا تخلو بالضرورة من النسبية والتي في جزء كبير منها، مرتبطة بطبيعة النخب المحلية التي من المفترض بأن تضطلع بمثل هذه الأدوار، ولكن مع ذلك تظل هذه الوسيلة الدستورية حقيقية. وبنفس الطريقة، وانطلاقا من هذا المقتضى الدستوري الجديد، بإمكان الجماعات الترابية المشاركة في اتخاذ القرارات الأكثر أهمية والتي تخص تدبير الشؤون الوطنية ( الدولة ).
بهدف تحقيق هذه المهمة السابق الإشارة إليها والتي تبدو واسعة النطاق، يأتي الفصل 137 ليؤكد على مسألة « تساهم الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين « .
الفقرة الثانية. أهمية المشاركة السياسية :
يتميز دستور 2011 ولأول مرة في تاريخ المغرب بالاستناد على مرجعية نظام الديمقراطية التشاركية، فهذا المبدأ والذي كرس بموجب الفصل الأول من الوثيقة الدستورية [16]، يهدف إلى معالجة أوجه القصور والتي اتسم بها النظام التمثيلي، بشكل خاص فيما يتعلق بتأثيره المباشر على مصادرة السلطة (بدون وساطة) من طرف أغلبية سياسية، بالشكل الذي به يقصي وجود الوسيلة التي تعطي للمواطنين حق التدخل في تدبير الشأن العمومي، فبمجرد إنتخاب الممثلين لا يبقى للشعب سوى الخضوع والامتثال، كما لاحظ وعارض ذلك من قبل الفيلسوفJean Jacques Rousseau [17]. ومن أجل إعمال هذا التوجه الأخير، فإن الفصل 15 يفتح أمام المواطنات والمواطنين« الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية« [18].
يمتد هذا التوجه نحو آليات تشاركية أيضا إلى تدبير الجماعات الترابية، وذلك بالنظر إلى وضع الدستور لأساس جديد للامركزية، وذلك باعتباره يحدد في الفقرة 1 من الفصل 139 على أنه « تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها « ، فانطلاقا من هذا التصور العام يعطي الدستور الحق للمواطن والجمعيات على حد سواء بتقديم عرائض. وبالرغم من ذلك، يختزل الدستور هذا الأمر في ضرورة مطالبة مجلس الجماعة الترابية المعنية بإدراج مسألة تدخل ضمن اختصاصه بجدول الأعمال [19]. ومن ثم تظهر محدودية هذه الآلية : وراء الميزة العملية التي توفرها عملية إرساء آليات تشاركية لكل من المواطنين والجمعيات، فإن واقع تقييد هذه التقنية بالإدراج ضمن جدول الأعمال، والتي تدخل ضمن الاختصاصات المقررة للجماعة الترابية ( وكشرط موضوعي) قد يقلل بالكامل من أهمية هذا الإجراء.
من جهة أخرى، فمن المحتمل جدا بأن تظهر حدود أخرى، لكن هذه المرة من طرف المشرع، وذلك في إطار شروط ممارسة حق تقديم العرائض والمنصوص عليه في الفصل 139، بحيث يحيل الدستور على القانون التنظيمي للفصل 146، وهو الأمر الذي يقودنا إلى استنتاج بأن التكريس الفعلي لهذا الحق وكذلك فيما يتعلق بمدى ممارسته، يعتمد بطبيعة الحال على الشروط الواجب توفرها، خصوصا تلك المرتبطة بعدد الموقعين على العريضة من جهة، والمواضيع التي من الممكن تقديم عرائض فيها من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى الإجراءات التي يجب إتباعها من أجل إيداع هذا النوع من العرائض أمام أنظار المجالس الترابية المعنية (الشروط الشكلية).
فإذا كان هذا الحق الدستوري يعتبر مشابها لما جاء به التعديل الدستوري الفرنسي لمارس 2003، وذلك بالنظر إلى ما تنص عليه المادة 72-1 من الدستور الفرنسي والذي يحيل بدوره على القانون التنظيمي للتفصيل في أساليب وإجراءات ممارسة هذا الحق، وذلك مع الاقتصار على الناخبين والمسجلين في اللوائح الانتخابية دون الجمعيات - بخلاف الدستور المغربي -، فهما معا يشتركان في التنصيص على مسألة تقديم هذه العرائض بصورة جماعية، وهو المقتضي الذي لا نجده في دساتير أخرى، فعلى سبيل المثال وبالرجوع إلى الدستور البلجيكي لتاريخ 17 فبراير 1994 وفي فصله 28 نجده يعطي الحق في تقديم العرائض إلى الساكنة، إلا أنه وفي نفس الوقت يمنع ممارسة هذا الحق بطريقة جماعية، وذلك للحيلولة دون وجود أراء انفصالية والتي قد تتخذ من هذه العرائض الوسيلة لتفكيك روابط دولة بلجيكا[20]. وبنفس الصياغة، ويتعلق الأمر هذه المرة بالفصل 11 من دستور دولة النمسا والصادر سنة 1867، والذي ينص بدوره على أن الحق في تقديم العرائض مكفول للجميع، وذلك قبل أن يقرر نفس الفصل بأن العرائض والتي تأتي باسم مجموعة من الساكنة لا تكون سليمة إلا إذا تم تقديمها من طرف تعاونية أو جمعية معترف بها بموجب القانون، وهو الشيء الذي يسعفها في مسألة مراقبة الطرف الذي يحق له تقديم هذه العرائض.
المطلب الثاني. التطلع إلى تنمية محلية متوازنة :
لقد كرس الدستور المغربي الجديد الجماعات الترابية باعتبارها فاعلة في التنمية الاقتصادية ( الفقرة الأولى )، وهو بهذا التوطيد لم يغفل صعوبة هذه المهمة أثناء ربطها بمسؤولية الجماعات الترابية، وإنما حاول التركيز على مسألة تمكينها من الوسائل الضرورية لتحقيق هذا الهدف (الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى. الجماعات الترابية باعتبارها فاعلة في للتنمية :
يروم خيار اللامركزية تحقيق أهداف متعددة، والتي في الغالب ما تتجاوز مجرد تأمين مشاركة الساكنة في تدبير الشأن المحلي المرتبط بها. فالجماعات الترابية تعتبر أيضا كفاعل لا مفر منه من أجل تحقيق تنمية للأقاليم. من هذا المنظور، تبدو التنمية الاقتصادية ذات طبيعة تشاركية بشكل واسع ومشروطة بضرورة إدماج الجماعات الترابية في صيرورة تحقيقها، وإذا كان الأمر هكذا يمكننا القول بأنهما معا ( المشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية ) يشكلان الأسس الغير قابلة للانفصال في اللامركزية. إن هذا التصور للمؤسسات المحلية يمكن ملامسته في الدستور الجديد والذي جعل من التنظيم الترابي وسيلة من أجل تأمين « مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة « [21]. ومن خلال هذا التصور، فإن التنمية الترابية عبر وساطة الجماعات الترابية تعتبر ضرورية لإنجاح كل فعل تنموي.
من جهة أخرى، تبرز مساهمة الجماعات الترابية في حقل التنمية (وحسب التصور الدستوري المغربي) كنتيجة لنشاط مزدوج. فهي بداية، واقع لفعل مستقل من طرف الوحدات اللامركزية وذلك في إطار ممارسة الصلاحيات الخاصة بها، ومن ثم فإن التنمية الترابية تبدو من هذا المنطلق كمنتوج لإستراتيجية يتم إعدادها وإعمالها من طرف الجماعات الترابية، وفي إطار يضمن للجماعات الترابية اختصاصات خاصة ويمنحها حرية في التدبير، ولتحقيق هذه الغاية يكون على الدستور توفير الشروط الضرورية لقيادة هذا النوع من النشاط [22].
إن مساهمة الجماعات الترابية في التنمية الاقتصادية، تبدو ثانيا، باعتبارها نتيجة لإشراك الفاعل الترابي اللامركزي في نشاط الدولة والذي يرتبط بشكل مباشر مع قضايا الجماعة التي ينتمي إليها، ويعتبر هذا المنطق حيوي من أجل تنمية المجالات، وبالنتيجة يظل المحدد الأساسي لتحقيق التنمية على المستوى الوطني. ومن جهته، يضع الدستور المغربي الجديد عنصر أساسي لصيرورة التنمية، وذلك عندما يؤكد وبوضوح على أن الجهات والجماعات الترابية الأخرى تساهم « في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية « [23].
إن مسألة التنمية الترابية تعطي الأولوية لتدخل مختلف الفاعلين اللامركزيين ( الجهات، العمالات، الأقاليم، الجماعات)، وبالمقابل، فإن الالتزام بإنجاح توزيع للصلاحيات بين مختلف فئات هذه الجماعات، يعتبر مرحلة أساسية لإنجاح هذا المشروع في شموليته. على هذا المستوى، قد يعتبر البعض أن منطق التوزيع يجب أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة كل اختصاص، من أجل أن يكون متوافق مع الجماعة المناسبة أو القادرة على إنجاحه، في هذا الإطار تبدو أهمية الدور المفترض في مبدأ التفريع والمكرس لأول مرة بموجب الدستور المغربي، من أجل تحقيق هذا التطابق الضروري [24].
من هذا المنظور، لقد قام الدستور بمنح الجهة دور من الدرجة الأولي وذلك فيما يتعلق بممارسة صلاحيات معينة تدخل في جوهر الاختصاصات الخاصة بهذه الجماعة. إذ بموجب الفصل 143 « تتبوأ الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية « ، وفي الواقع يكتسي هذا المعطى الدستوري الجديد والمتعلق بالجهات أهمية خاصة، وذلك بالنظر إلى إضفائه على الجهة مكانة رئيسية، ومن ثم قد يؤثر ذلك على مبدأ المساواة بين الجماعات الترابية[25]، ومن جهة أخرى، فإن الاعتبارات التقنية وخصوصا تلك المتعلقة بالكفاءة على الفعل وتراتبية الأهداف، إلى جانب طبيعة النخب المحلية، ستكون وبالضرورة محددا أساسيا للمضي قدما في هذا الاتجاه.
الفقرة الثانية. الجماعات الترابية باعتبارها مسؤولة عن التنمية :
بالإضافة إلى مسألة الأساليب المتاحة والسياسات المعتمدة، تعتمد إشكالية التنمية المحلية كذلك على الوسائل والتي ينبغي توفيرها للجماعات الترابية. ووعيا من واضع الدستور المغربي بهذه الضرورة، فقد اعتزم التوجه نحو اعتماد نظام مالي خاص بالجماعات الترابية، وذلك في سبيل تمكينها من الوسائل الضرورية لإنجاح مسيرة التنمية المحلية.
إن الدستور يكرس قاعدة أساسية للمالية المحلية، وذلك عندما يؤكد على ضرورة أن يكون كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له. وبذلك يكون واضع الدستور المغربي قد رأى ضرورة دسترة المبدأ المنصوص عليه في المادة 8 من القانون 97 /46 والمتعلق بالجهات [26]، حيث أصبح ينص الفصل 141 [27] من الدستور على« تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة. كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له « . وتعتبر هذه القاعدة والمتعلقة بضرورة التوافق بين الاختصاصات المنقولة والموارد المرصودة تعتبر أساسية بالنسبة للدولة الموحدة، ليس فقط لإنجاح التنمية الترابية، ولكن بشكل خاص من أجل الرقي باستقلالية الجماعات الترابية في مواجهة كل تدخل وبدون حق للسلطات المركزية في الشؤون المحلية.
من جهة أخرى، وبالنظر إلى طبيعة اللاتوازن المهول للثروات والمتاحة لكل جماعة ترابية، فقد استوحى الدستور تصور تضامني للامركزية والتنمية الجهوية، ومن أجل تحقيق هذه القاعدة، قام بتكريس دستوري لاثنين من المبادئ الأساسية والتكميلية : التضامن والتعاون.
على مستوى التضامن، ينظر إليه من خلال الفصل 136 كأحد المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها اللامركزية الجديدة، وذلك بالشكل الذي يتوافق مع المبدأ الأوسع والمتعلق بالسعي إلى إقامة مجتمع مغربي متضامن [28]. إن تجسيد هذه الفكرة يمر - وفقا للاقتراحات التي تقدمت بها اللجنة الاستشارية للجهوية - عبر دسترة اثنين من الصناديق المخصصة للتنمية الجهوية [29]. وتنظيم هذه الصناديق ( الموارد وكيفيات التسيير ) سيكون من بين مواضيع القانون التنظيمي ( الذي سيصدر مستقبلا طبقا لأحكام الفصل 146 الفقرة السابعة )، وطبقا للمقتضيات الدستورية فهذه الصناديق هي كالتالي :
- صندوق للتأهيل الاجتماعي : له طبيعة مؤقتة، ويهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات.
- صندوق للتضامن بين جهوي : والذي تكون مهمته تأمين توزيع متكافئ للموارد، قصد التقليص من حدة التفاوتات الواضحة بين الجماعات الترابية.
أما التعاون بين الجماعات الترابية فيعتبر لا محيد عنه، وذلك من أجل التصدي لإشكالية توسيع الاختصاصات من جهة، وندرة الموارد من جهة أخرى، وفي هذا الإطار يعطي الفصل 143 الوسيلة والتي بموجبها « كلما تعلق الأمر بانجاز مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية، فإن هذه الأخيرة تتفق على كيفيات تعاونها « . وبدوره فإن الفصل 144 يجعل من مجموعة الجماعات الترابية الأداة القانونية لهذا التعاون من أجل التعاضد في البرامج و الوسائل، وفيما يتعلق بالنظام القانوني وآليات الولوج لهذا الإجراء فهي ومرة أخرى من مواضيع القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية[30].
وتجدر الإشارة إلى أن الدستور المغربي الجديد سجل تحول مثير للاهتمام فيما يتعلق بمفهوم الوظائف الانتخابية، وذلك بتركيزه المتواصل علي ضرورة ربط كل مسؤولية ( خصوصا الانتخابية ) بمسألة المحاسبة. وهو المطلب الذي يشكل الشرط الأساسي لمسألة الحكامة الجيدة التي يؤكد عليها تصدير الدستور، والذي جعل منها واحدة من مرتكزات إقامة دولة حديثة، ومن أجل ترسيخ هذا الهدف، فإن النص الدستوري يضع ولأول مرة مركز دستوري لفائدة المرافق العمومية، والذي يقوم على معايير الجودة، الشفافية والمسؤولية [31]، ويحيل الدستور على ميثاق للمرافق العمومية يحدد مجموع « قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية « [32].
إن الدستور أعطى أيضا أهمية خاصة لمسألة الرقابة المالية الممارسة على الجماعات الترابية، وذلك من خلال منحه مكانة دستورية لكل من المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات حتى تتمكن من إتمام هذا المهام في شموليته [33]، غير أن هذه الإجراءات تفترض أيضا وبالأساس وجود ضمانات كافية لاستقلالية الجماعات الترابية.
المطلب الثالث : التركيز على استقلالية الفاعلين اللامركزيين
إن الحماية الدستورية لهامش الاستقلال المحلي يشكل البعد الأكثر أهمية على مستوى التنظيم اللامركزي الترابي. وللمضي في هذا الاتجاه، فإن الدستور المغربي يكرس مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية [34] (الفقرة الأولى )، ومن أجل تفعيله فقد وضع بعض الأسس الجديدة لتنظيم العلاقة بين الدولة والوحدات اللامركزية (الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى. التكريس الدستوري لهامش الاستقلال : مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية في الدستور المغربي
إذا كان دستور 1996 لم يشر سوى لمبدأ يكتسي طبيعة غامضة وشكلية ( التدبير الديمقراطي للجماعات الترابية)، فإن الدستور الحالي يسجل تقدم بالمقارنة مع الدساتير السابقة، والذي يظهر في سعيه إلى الحفاظ على الاستقلال المحلي ضد أي تدخل ( بدون أساس ) من جانب المركز في الشؤون المحلية. فهذا الخيار يتمثل في مظهر مزدوج، فمن ناحية أولى، فالنص الدستوري يضع « مبدأ التدبير الحر « [35] بين المبادئ التي يرتكز عليها التنظيم الترابي للمملكة، فدسترة هذا المبدأ يعتبر ترجمة مباشرة لإرادة تكريس الجماعات الترابية كوحدات حرة ومستقلة في العلاقة بمصالح الدولة. ومن ناحية أخرى، وامتدادا لهذا المبدأ، فإن الدستور قد احتفظ للجهاز التنفيذي اللامركزي بسلطة تنفيذ مداولات مجالس الجماعات، فالفصل 138 يحدد وبوضوح على أنه « يقوم رؤساء مجالس الجهات، ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى، بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها « ، وهو الشيء الذي يمكن اعتباره كضمانة أولى لحرية الجماعات الترابية في مواجهة الممارسات الشائعة، والمتمثلة في عرقلة الشؤون المحلية من طرف ممثلي السلطة المركزية من جهة، ولتكريس مسؤولية رؤساء هذه المجالس من جهة أخرى. وبالرغم من ذلك ينبغي انتظار تدخل المشرع من خلال القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية، وعلى الخصوص مراقبة دستورية هذا القانون من طرف المحكمة الدستورية، حتى نتمكن من تقييم هذه الضمانات الممنوحة لتأمين مثل هذا الاحترام، إذ أن من بين مواضيعه نجد « شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس « .
إن مبدأ التدبير الحر ينبغي أن يفهم بشكل دقيق ومضبوط، والذي يبدو لأول وهلة بأنه جاء ليضمن ببساطة للجماعة الترابية شروط ممارسة حرة للصلاحيات المحلية دون تدخل للسلطات المركزية أو حتى لجماعات ترابية أخرى [36] . أيضا، فمبدأ التدبير الحر لا يمكنه التعبير إلا داخل الصالح الوطني، فانطلاقا من هذا القيد الثاني، يذكر الدستور في ديباجته وفصله الأول، بالمرجعية التي تقتضي الضرورة المطلقة لاحترام مبدأ الوحدة الوطنية.
الفقرة الثانية . متطلبات هامش الاستقلال : علاقة جديدة بين الدولة
والجماعات الترابية
من أجل تجسيد مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية، فإن الدستور المغربي اعتمد نهجا مباشرا، وذلك بتركيزه أولا، على إنشاء علاقة جديدة بين الوحدات اللامركزية ومصالح الدولة، فمن الآن فصاعدا يجب أن تكون مؤسسة على التعاون وليس الهيمنة، فبمجرد حرمان ممثلي الدولة من التدخل في تنفيذ المداولات التي تعتمدها المجالس، يكون لدينا التجسيد القانوني لهذه العلاقة، وبالمقابل " أفول " السلطة اللامركزية لمؤسسة العامل.
ومع ذلك، فإن النص الدستوري قد أقحم عددا معينا من الالتباسات وهو يساهم في مسألة استقلالية الوحدات اللامركزية، مما قد يشكل تهديد حقيقي لمبدأ التدبير الحر، وبالنتيجة، للحريات المحلية [37]. إذ أن اثنين من مقتضياته على الأقل يمكن أن تقوم بهذا الدور، فالأولى، تتعلق بالفقرة 3 من الفصل 145 والتي تجيز إلى الولاة والعمال مساعدة « رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية « ، فكل شيء إذن يعتمد على التفسير الذي سيمنح لعبارة « يساعد « ، فقد يوجد خطر كبير في أن يفهم هذا الإجراء من طرف ممثل الدولة كقاعدة للتدبير الموازي أو « co - administration « ، ويمكننا هنا استنتاج أهمية الدور الملقى على عاتق المحكمة الدستورية، بدأ من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية، هذا الأخير الذي عليه أن يضبط بدقة « شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها « . إن دور كل من المشرع والمحكمة الدستورية يبدو إذن جوهري ومحدد أساسي، على مستوى توضيح العلاقات الجديدة بين ممثلي الدولة والمجالس التنفيذية اللامركزية.
إن الإجراء الثاني ينبع من الفقرة الثانية لنفس الفصل (146 )، والذي يحدد صلاحيات ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، فحسب هذه الفقرة و » باسم الحكومة، ] ... [ يمارسون المراقبة الإدارية « . إن امتداد هذا المقتضى إلى الجماعات الترابية يشكل في الواقع تناقض صارخ مع مبدأ التدبير الحر، إذ بافتراضه لوجود مراقبة إدارية قد يؤول الأمر إلى حالة من الوصاية المتحكمة في مواجهة البنيات اللامركزية. وبالمقابل، فمن المسلم به أن التطبيق السليم لمبدأ التدبير الحر، يفترض غياب علاقة وصائية بين مصالح الدولة و الجماعات الترابية، ويقترح كبديل المراقبة القضائية. الخطر الذي يهدد الحرية المحلية هو إذن حقيقي.
من جهة أخرى، يجب ألا يغيب عن بالنا بأن مسألة الاستقلال المحلي ترتبط أيضا بمشروع توزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات، إذ أن توزيع الاختصاصات قد يؤدي في العمق إلى تحول مواطن السلطة داخل الدولة، ويقود بلا منازع إلى تكريس للحريات المحلية، لكن يجب أن يكون هذا التوزيع واضح وأن يمنح للجماعات الترابية صلاحيات مهمة.
إن النص الدستوري تجنب الفصل في مسألة توزيع الاختصاصات، وبالفعل فقد أوكل هذه المهمة للسلطة التشريعية من خلال القانون التنظيمي [38]. ومع ذلك، فإن الدستور قد حدد بعض المبادئ العامة التي من المفترض أن تتحكم في الإشكالية الدقيقة لتوزيع الاختصاصات، والمبدأ الأساس في نظر واضع الدستور المغربي والذي أتت به هذه المادة يظل مبدأ التفريع المكرس بموجب الفصل 140 من الدستور، وعملا بهذا المبدأ فإنه لا يجوز منح اختصاص معين للدولة إذا كان يبدو بالنظر لخصائصه وإلى المصالح التي يهدف إليها، يمكن أن يمارس بشكل أفضل من طرف الجماعات الترابية، وبحرية [39].
إن الدستور المغربي يعطي دفعة قوية للعلاقة بين الديمقراطية وتدبير الشأن العام المحلي، والرهان على الجماعات الترابية باعتبارها مؤسسات أصيلة في دمقرطة المجتمع، وذلك من خلال إدراج أليات دستورية تعكس الطموح لبلوغ حد أدنى من مشاركة المواطنين من خلال هذه الوحدات في تدبير القضايا المحلية، وتطوير الديمقراطية المحلية التي عانت ولازالت من اكراهات عديدة تتجاوز ماهو قانوني إلى السياسي والاجتماعي، التنموي، بشري، الثقافي... فلا نغير المجتمع بمقتضيات دستورية والتي بدورها تحتاج إلى الحماية والتثمين من خلال القوانين التنظيمية المكملة، لا تراجعات أخرى قد تفرغها من أهميتها.
الهوامش
تبحث هذه المساهمة عن تحليل مناسب حول ما إذا كان الدستور المغربي الجديد يقوي من دور الجماعات الترابية في تطوير الممارسة الديمقراطية ببلادنا. وبداية نتسائل حول ما إذا كان الدستور يعتبر في حد ذاته ديمقراطية ؟ في هذا الإطار، اليوم، تقريبا كل الدول تتوفر على دستور، إلا أنه وكيفما كان شكله مكتوب أو عرفي فلا يتم إدراجها ضمن خانة الأنظمة الديمقراطية.
ولعل هذه الملاحظة الأخيرة تستدعينا إلى التفكير مجددا في مفهوم الدستور، ولكن في نفس الوقت إلى التساؤل حول الأسس الديمقراطية وما موقع الدستور منها ؟ ومن ثم إلى طرح سؤال كيف يمكن لدستور وإن كان يستجيب إلى تطلعات ديمقراطية لا يضمن بالضرورة الممارسة الديمقراطية ؟[1] وإذا كان الدستور ينص على نمط قديم / حديث من الديمقراطية ( التشاركية) فكيف يمكن تحقيق فعالية هذه المشاركة بالنظر إلى اختلاف المرجعيات المجتمعاتية [2]؟ وهل يمكننا تصور ديمقراطية غير تشاركية وغير دستورية ؟ إن هذه الأسئلة تبدو ضخمة مقابل هذه الورقات القليلة التي نحاول إثارتها في هذه المناسبة، ولكن تبقى مهمة من حيث على الأقل طرحها للقارئ.
عموما هناك اتفاق حول ضرورة وجود الدستور كشرط للتوجه نحو إنشاء نظام ديمقراطي، ولكن هناك أيضا إتفاق حول إستحالة اختزال مفهوم الديمقراطية في وثيقة دستورية، فهناك مشكل تحقيق التطابق بين الواقع وحقيقة المبادئ المعلن عنها في الدستور، وأيضا مشكل موقع وأهمية الدستور داخل الدولة.
إن الدستور يستهدف تثبيت السلطة داخل المجتمع، بمعنى أنه يضع حدودها، ينظمها، ويقرر في طبيعة اختصاصاتها ويحدد الجهاز الذي يمارسها.
ومن المفترض على الدستور أن ينص على مسألة الرقابة المؤسساتية للسلطة والذي يعتبر مبدأ جوهري في الديمقراطية، ومن ثم الرقابة الشعبية على المؤسسات السياسية.
يكرس الدستور أيضا فصل السلط حتى يكون هناك - كما أراد مونتيسكيو - "سلطة تحد من سلطة" (روح القوانين). كذلك، فإن دستور ما يتيح بصورة معينة الوسيلة التي تعبر عن إنعدام الثقة والريبة كسمة جوهرية تميز الديمقراطية وتلازمها - وذلك باعتبار أن مبدأ الديمقراطية يقتضي في الواقع أن لايثق المواطنين بشكل طبيعي واعتباطي في المؤسسات والحكام - بما أنه (أى الدستور) يقوم بموازنة العلاقات بين الحاكمين والمحكومين بإخضاعها للقانون.
كما أن الدستور يقترن بمسألة الشفافية، والتي تعتبر من الرهانات الأساسية للديمقراطية : يتم تسجيل نمط اشتغال الدولة بكامله في وثيقة والتي ينبغي على الشعب التعرف عليها وتكون متاحة الولوج لدى جميع شرائحه، ويمكننا هنا الحديث عن مسألة النشر وإشهار وتفسير الوثيقة الدستورية والتي تعتبر مكسب للأمة، بإعتبارها وسيلة تتيح للشعوب معرفة العلاقات التي تربطهم بحكوماتهم، مجتمعاتهم، تنظيماتهم وغيرهم من الأمم...، كما أن الممارسة السياسية المحلية تعتبر بالنسبة للدساتير الرهان الحديث لكل تحديث للمجتمعات، وبالأساس العمل على إقامة وتطوير رابط بين اللامركزية والديمقراطية، باعتبار أن المشاركة السياسية المحلية من شروط النظام اللامركزي[3].
من جهته، يتميز الدستور المغربي لسنة [4]2011 بالرغبة في التوجه نحو إصلاح عميق ومهيكل للامركزية، يطغى عليه وبالأساس طابع التوجه نحو الجهوية [5]. حيث اعتمد منح الجماعات اللامركزية، بالإضافة إلى الاعتراف الدستوري بوجودها (كما هو الشأن بالنسبة للتجارب الدستورية السابقة )، مركز دستوري، بحيث أن موضوعه الرئيسي يتمثل في تمكينها من الضمانات الضرورية للتعبير عن حريتها أثناء مساهمتها في الفعل العمومي من جهة، والتربية على الديمقراطية المحلية من جهة أخرى. ففي بابه التاسع المعنون « بالجهات والجماعات الترابية الأخرى « يروم هذا الدستور في الواقع، إلى تأسيس دعائم مركز دستوري جديد مكرس للجماعات الترابية.
طوال التاريخ الدستوري المغربي، كانت الوثائق الدستورية محدودة من حيث الاعتراف بوجود جماعات لامركزية دون منحها مركز دستوري حقيقي[6]. أيضا، فقد جاء دستور 2011 في سياق نوعي وخاص يبرر إرادة إعطاء الوحدات الترابية حماية دستورية. من جهة أخرى، فإن الطموح المغربي ببلوغ جهوية متقدمة، والرغبة في إعادة التفكير في مسألة توزيع السلطة بين المركز والمحيط، إضافة إلى الإرادة في توفير حماية أفضل للحريات المحلية ومسعى تأسيس وساطة صلبة ومستدامة بين هذه البنيات المحلية والمواطن لكى لا تضل المطالب ذات الطبيعة المحلية تمر إلى المركز وتقلق الأولويات الوطنية بل وتهددها...، كانت كلها بالتأكيد هواجس من أجل الاتجاه نحو إقامة نظام دستوري مكرس للجماعات الترابية.
ومن خلال نظرة عن كثب، فإن المركز الدستوري للجماعات الترابية يثير ملاحظتين أساسيتين : فالأولى ترتبط بمصدر هذا النظام، بحيث كان واضع الدستور المغربي مطالب بمتابعة توصيات اللجنة الاستشارية للجهوية[7]. أما الثانية، فتتعلق بطبيعة هذا النظام الدستوري، والتي تكشف عن وجود تصور متجانس للامركزية مستمد من التجارب التي تمخضت عن الممارسة، ولكن أيضا الأهداف الجديدة التي تطمح الوثيقة الدستورية بلوغها، وخصوصا تلك المتعلقة بالمشاركة في ممارسة السلطة.
إن هذه المرحلة تظل انتقالية، لكون المركز الدستوري للجماعات الترابية لا يمكن له أن يجد الشكل النهائي إلا بعد التصويت على القانون التنظيمي للفصل 146 من الدستور. فمن خلال أحكام هذه الوثيقة والمكملة للدستور، لكن وبالأساس عبر التدخلات المحتملة والمفترضة للمحكمة الدستورية[8]، يمكن لهذا النظام الدستوري بأن يطفو ويتضح بصورة فعلية.
المبحث الأول. المركز الدستوري الجديد للجماعات الترابية
لقد أعطى الدستور المغربي أهمية خاصة لمسألة اللامركزية كأساس للتنظيم الجديد للدولة، وباعتباره عنصر ضروري لإصلاحها. فحسب الفصل الأول فإن « التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة « . ثم بعد ذلك فالوثيقة الدستورية تضع الأسس الدستورية المتعلقة بتصور جديد لمسألة اللامركزية، وذلك من خلال ثلاث محاور أساسية : ترسيخ المرجعية الديمقراطية (المطلب الأول) مطمح بلوغ تنمية محلية ومتوازنة (المطلب الثاني) والتي تعتبر في مجملها أهداف لابأس من التطرق إليها، في حين أن مسألة تدعيم استقلالية الجماعات الترابية عبر تمكينها من الوسائل الضرورية لممارسة سلطاتها تظل الهاجس المادي لهذا التطور ) المطلب الثالث ).
المطلب الأول . تكريس المرجعية الديمقراطية :
يتجسد تكريس المرجعية الديمقراطية بالنظر إلى مسألة الأصول الديمقراطية لأعضاء الجماعة الترابية ( الفقرة الأولى ) بالإضافة إلى ضرورة إدراج الآليات الدستورية والتي ستسعف المواطنين في المشاركة السياسية ( الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى. مسألة الشرعية الديمقراطية :
يعكس خيار دسترة اللامركزية الترابية في الدولة الموحدة، الطموح من أجل إرساء نظام أفضل للمشاركة السياسية وتوزيع السلطة، فهذا المعطى هو أيضا في مصلحة وجود فاعل لامركزي ترابي ومستقل من أجل المساهمة في تطوير نظام الديمقراطية المحلية، ونمو مستمر نحو نموذج للمشاركة السياسية، والذي من شأنه إفساح المجال أمام إرادة المحيط للتعبير عن ذاتها. هذا التصور للامركزية ليس نتاج تطور على مستوى مفهوم اللامركزية، ولكن في الوقت الذي يتم فيه دسترة محرك لتطويرها، يكون لدينا النواة الأولية، إذ أن الجماعات الترابية ينظر إليها بالأساس كمساحات مناسبة للتنمية الديمقراطية كما يقول A. DE TOQUEVILE[9].
لقد قام Alexis de TOCQUEVILLE بتقديم رؤية شاملة للحريات المحلية والذي يربطها بالنظام التمثيلي. هذا المؤلف لم يتوقف قط على ترديد فكرة أن الخطأ الكبير لمنظري القرن الثامن عشر والمدرسة الفكرية التي كانت تدعى الإخلاص لأفكار التحرر والدمقرطة، يكمن في الاعتقاد والذي ظل سائدا بإمكانية إقامة نظام تمثيلي ليبرالي، مع الحفاظ (في نفس الوقت) على مسألة تعزيز وتقوية الطابع المركزي للدولة [10]. فبالنسبة إليه، فإن اللامركزية في الواقع وفي نفس الوقت وسيلة لضمان الحرية ( انتخاب الهيئات المحلية يسمح بتثقيف الساكنة ) [11]، و تكملة لنظام التمثيلية وذلك بتنظيمها لقوى مضادة متنوعة.
والملاحظ عموما بأن تكريس الديمقراطية المحلية يطغى على الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الدستور المغربي الجديد، فهذا الأخير قام بالإعلان عن المبادئ الأساسية والتي يجب على السلطات العمومية السهر على ضمان احترامها، وذلك باعتبارها شروط ضرورية من أجل تطوير فعال للمشاركة السياسية وإرساء دعائم الديمقراطية، وبناء على هذا الالتزام جاء الفصل الثاني من الدستور، وذلك بتأكيده المرجعي على أن اختيار الممثلين في المؤسسات المنتخبة يجب أن يكون بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم [12].
ومن المعروف جيدا وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، بأن مسألة الديمقراطية تعتبر تقليديا أساسية بالنسبة للجماعات الترابية، وذلك نظرا لتعاملها مع هذه الوحدات اللامركزية من منظور يعتبرها كإطارات مناسبة ولا غنى عنها للتربية على ممارسة الشؤون المحلية بكيفية مستقلة، مما يشكل نواة الممارسة الديمقراطية على المستوى الوطني من جهة، ومناسبة حقيقية لإشراكها في تدبير الشؤون العمومية من جهة أخرى. في هذا الإطار، يضع الدستور مبدأ أساسي وذلك باعتماده في الفصل 135 على قاعدة جديدة ترتبط بالتأكيد على مسألة الأصول الديمقراطية للنخب المحلية، والتي تختلف في الواقع عن صياغة الفصل 101 من دستور 1996، والذي كان يؤكد على القاعدة التي بموجبها تنتخب « الجماعات المحلية مجالس تتكلف بتدبير شؤونها تدبيرا ديمقراطيا طبق شروط يحددها القانون« دون توضيح أو تحديد بصورة مباشرة لأصول مجالس الجماعات المحلية. في حين أن الدستور الجديد بموجب الفصل 135 - والذي ينص صراحة في الفقرة الثالثة على أنه « تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر « - يكون على هذا المستوى قد اعتمد قاعدة أساسية ترتبط بأصول النخب المحلية، وهو الشيء الذي يشكل خطوة هامة تؤكد التشبث بهدف تحقيق الديمقراطية المحلية. وعلى الرغم من هذه المبادرة، يبدو من خلال علاقة هذا الفصل بفصول أخرى من نفس الدستور، احتمالية نشوء تناقض والذي يتصل بخيار إقصاء جماعات الأقاليم والعمالات من قاعدة الانتخاب الذي يقوم على الاقتراع العام والمباشر، وهو ما قد يشير إلى وجود تعارض واضح مع مبدأ التسيير الديمقراطي والمكرس هو الأخر بموجب الفقرة الثانية من الفصل 135 [13].
من جهة أخرى، فإذا كان من المؤكد أن اختزال مسألة الديمقراطية المحلية في أصول الأجهزة التي تقوم بتمثيل الجماعات الترابية، يقلص منها ويضعها في إطار ضيق للغاية، فمع ذلك تظل هذه القاعدة تعتبر الشرط الأول من أجل تحقيق التطلعات الديمقراطية، في حين توجد شروط أخرى لا تزال ضرورية. لقد قام الدستور في الواقع بتكريس المبدأ فقط، في حين ترك للمشرع التنظيمي اختصاص تحديد الشروط اللازمة لهذا التسيير الديمقراطي، وهو نفس الأمر بالنسبة للنظام الانتخابي، وكلاهما بموجب قانون تنظيمي [14]. بإمكاننا هنا كذلك افتراض الدور الهام والذي ينبغي على المحكمة الدستورية القيام به أثناء تفسير هذه القاعدة الدستورية، في إطار الإجراءات القانونية بعد التصويت على القانون التنظيمي السالف الذكر.
ترتبط إشكالية الديمقراطية المحلية أيضا بمسألة التمثيلية السياسية المتعلقة بالمرأة، وهو الأمر الذي يضعه الدستور المغربي من بين أهدافه الأساسية، فقد ركز الدستور في الواقع على قضية التأسيس للمساواة بين الرجل والمرأة، فبموجب فصله 19 أصبحت الدولة مسئولة عن تحقيق مبدأ " المناصفة " بينهما ومن أجل إعماله يحيل الدستور على القانون والذي سيقوم بالتفصيل - وحسب الفصل 30 - في المقتضيات التي من شأنها « تشجيع تكافئ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية « [15]. ومن ثم تظهر تمثيلية النساء بالجماعات الترابية كشرط جوهري حتى نتوقع تحقيق مثل هذه الأهداف.
إن مسألة الديمقراطية المحلية من حيث تصورها الواسع، تفترض وجود الآليات والتي من شأنها إتاحة الفرصة للجماعات الترابية للمشاركة في اتخاذ القرار على المستوى الوطني، ويمكن البحث عن حل لهذه الصعوبة بالنظر إلى طبيعة الدولة، من خلال طرح السؤال حول مدى تمثيلية الوحدات اللامركزية على المستوى الوطني. ولقد قام الدستور المغربي قصد تحقيق هذه الغاية بالأخذ وبشكل محافظ بنظام الثنائية البرلمانية مع تمثيلية الجماعات الترابية في المجلس الثاني للبرلمان.
إن هذا الارتباط بالتمثيلية يعطي في الحقيقة، الوسيلة التي من المفترض بواسطتها تمكين الصالح المحلي من الاندماج ضمن الصالح الوطني، ومن ثم لتتواجد الجماعات الترابية ومن خلال ممثليها في موقع يتيح لها المشاركة في تدبير الشأن الوطني. في هذا الإطار، يأتي الفصل 63 من الدستور ليحافظ على المبدأ والذي بموجبه تجري الجماعات الترابية انتخابات لممثليها داخل مجلس المستشارين. هذا بالإضافة إلى التأكيد الدستوري على أن تمثيلية الجهات تحوز 5/1 من الغرفة الثانية، في حين تشكل تمثيلية كل من الجماعات ( الحضرية والقروية) والعمالات والأقاليم نسبة 5/2 من الأعضاء.
بالنظر إلى ضمانه تمثيلية مهمة للجماعات الترابية داخل الغرفة الثانية للبرلمان، يكون الدستور المغربي استهدف إذن تأمين شروط مشاركة البنيات الترابية في ممارسة السلطة التشريعية، وبشكل خاص فيما يتعلق بالمسائل المرتبطة باللامركزية والتنمية المحلية. هذا الهدف الأخير الذي يبدو في غاية الوضوح، وذلك عندما يلزم الفصل 78 من الدستور كل من الحكومة وأعضاء البرلمان أثناء ممارسة السلطة التشريعية، بأن تودع مشاريع القوانين المتعلقة « على وجه الخصوص، بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية، وبالقضايا الاجتماعية، بالأسبقية لدي مكتب مجلس المستشارين « ، فقد أضحت الجماعات الترابية من خلال هذه الآلية التمثيلية والتي يوظفها النموذج المغربي، ترتبط بشكل غير مباشر بممارسة السلطة التشريعية مع ما يمكن إنتاجه من أثار فورية، وبشكل خاص تلك المتعلقة بمراقبة النشاط الحكومي. إلا أن هذه المبادرة الدستورية لا تخلو بالضرورة من النسبية والتي في جزء كبير منها، مرتبطة بطبيعة النخب المحلية التي من المفترض بأن تضطلع بمثل هذه الأدوار، ولكن مع ذلك تظل هذه الوسيلة الدستورية حقيقية. وبنفس الطريقة، وانطلاقا من هذا المقتضى الدستوري الجديد، بإمكان الجماعات الترابية المشاركة في اتخاذ القرارات الأكثر أهمية والتي تخص تدبير الشؤون الوطنية ( الدولة ).
بهدف تحقيق هذه المهمة السابق الإشارة إليها والتي تبدو واسعة النطاق، يأتي الفصل 137 ليؤكد على مسألة « تساهم الجهات والجماعات الترابية الأخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية، من خلال ممثليها في مجلس المستشارين « .
الفقرة الثانية. أهمية المشاركة السياسية :
يتميز دستور 2011 ولأول مرة في تاريخ المغرب بالاستناد على مرجعية نظام الديمقراطية التشاركية، فهذا المبدأ والذي كرس بموجب الفصل الأول من الوثيقة الدستورية [16]، يهدف إلى معالجة أوجه القصور والتي اتسم بها النظام التمثيلي، بشكل خاص فيما يتعلق بتأثيره المباشر على مصادرة السلطة (بدون وساطة) من طرف أغلبية سياسية، بالشكل الذي به يقصي وجود الوسيلة التي تعطي للمواطنين حق التدخل في تدبير الشأن العمومي، فبمجرد إنتخاب الممثلين لا يبقى للشعب سوى الخضوع والامتثال، كما لاحظ وعارض ذلك من قبل الفيلسوفJean Jacques Rousseau [17]. ومن أجل إعمال هذا التوجه الأخير، فإن الفصل 15 يفتح أمام المواطنات والمواطنين« الحق في تقديم عرائض إلى السلطات العمومية« [18].
يمتد هذا التوجه نحو آليات تشاركية أيضا إلى تدبير الجماعات الترابية، وذلك بالنظر إلى وضع الدستور لأساس جديد للامركزية، وذلك باعتباره يحدد في الفقرة 1 من الفصل 139 على أنه « تضع مجالس الجهات، والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها « ، فانطلاقا من هذا التصور العام يعطي الدستور الحق للمواطن والجمعيات على حد سواء بتقديم عرائض. وبالرغم من ذلك، يختزل الدستور هذا الأمر في ضرورة مطالبة مجلس الجماعة الترابية المعنية بإدراج مسألة تدخل ضمن اختصاصه بجدول الأعمال [19]. ومن ثم تظهر محدودية هذه الآلية : وراء الميزة العملية التي توفرها عملية إرساء آليات تشاركية لكل من المواطنين والجمعيات، فإن واقع تقييد هذه التقنية بالإدراج ضمن جدول الأعمال، والتي تدخل ضمن الاختصاصات المقررة للجماعة الترابية ( وكشرط موضوعي) قد يقلل بالكامل من أهمية هذا الإجراء.
من جهة أخرى، فمن المحتمل جدا بأن تظهر حدود أخرى، لكن هذه المرة من طرف المشرع، وذلك في إطار شروط ممارسة حق تقديم العرائض والمنصوص عليه في الفصل 139، بحيث يحيل الدستور على القانون التنظيمي للفصل 146، وهو الأمر الذي يقودنا إلى استنتاج بأن التكريس الفعلي لهذا الحق وكذلك فيما يتعلق بمدى ممارسته، يعتمد بطبيعة الحال على الشروط الواجب توفرها، خصوصا تلك المرتبطة بعدد الموقعين على العريضة من جهة، والمواضيع التي من الممكن تقديم عرائض فيها من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى الإجراءات التي يجب إتباعها من أجل إيداع هذا النوع من العرائض أمام أنظار المجالس الترابية المعنية (الشروط الشكلية).
فإذا كان هذا الحق الدستوري يعتبر مشابها لما جاء به التعديل الدستوري الفرنسي لمارس 2003، وذلك بالنظر إلى ما تنص عليه المادة 72-1 من الدستور الفرنسي والذي يحيل بدوره على القانون التنظيمي للتفصيل في أساليب وإجراءات ممارسة هذا الحق، وذلك مع الاقتصار على الناخبين والمسجلين في اللوائح الانتخابية دون الجمعيات - بخلاف الدستور المغربي -، فهما معا يشتركان في التنصيص على مسألة تقديم هذه العرائض بصورة جماعية، وهو المقتضي الذي لا نجده في دساتير أخرى، فعلى سبيل المثال وبالرجوع إلى الدستور البلجيكي لتاريخ 17 فبراير 1994 وفي فصله 28 نجده يعطي الحق في تقديم العرائض إلى الساكنة، إلا أنه وفي نفس الوقت يمنع ممارسة هذا الحق بطريقة جماعية، وذلك للحيلولة دون وجود أراء انفصالية والتي قد تتخذ من هذه العرائض الوسيلة لتفكيك روابط دولة بلجيكا[20]. وبنفس الصياغة، ويتعلق الأمر هذه المرة بالفصل 11 من دستور دولة النمسا والصادر سنة 1867، والذي ينص بدوره على أن الحق في تقديم العرائض مكفول للجميع، وذلك قبل أن يقرر نفس الفصل بأن العرائض والتي تأتي باسم مجموعة من الساكنة لا تكون سليمة إلا إذا تم تقديمها من طرف تعاونية أو جمعية معترف بها بموجب القانون، وهو الشيء الذي يسعفها في مسألة مراقبة الطرف الذي يحق له تقديم هذه العرائض.
المطلب الثاني. التطلع إلى تنمية محلية متوازنة :
لقد كرس الدستور المغربي الجديد الجماعات الترابية باعتبارها فاعلة في التنمية الاقتصادية ( الفقرة الأولى )، وهو بهذا التوطيد لم يغفل صعوبة هذه المهمة أثناء ربطها بمسؤولية الجماعات الترابية، وإنما حاول التركيز على مسألة تمكينها من الوسائل الضرورية لتحقيق هذا الهدف (الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى. الجماعات الترابية باعتبارها فاعلة في للتنمية :
يروم خيار اللامركزية تحقيق أهداف متعددة، والتي في الغالب ما تتجاوز مجرد تأمين مشاركة الساكنة في تدبير الشأن المحلي المرتبط بها. فالجماعات الترابية تعتبر أيضا كفاعل لا مفر منه من أجل تحقيق تنمية للأقاليم. من هذا المنظور، تبدو التنمية الاقتصادية ذات طبيعة تشاركية بشكل واسع ومشروطة بضرورة إدماج الجماعات الترابية في صيرورة تحقيقها، وإذا كان الأمر هكذا يمكننا القول بأنهما معا ( المشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية ) يشكلان الأسس الغير قابلة للانفصال في اللامركزية. إن هذا التصور للمؤسسات المحلية يمكن ملامسته في الدستور الجديد والذي جعل من التنظيم الترابي وسيلة من أجل تأمين « مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة « [21]. ومن خلال هذا التصور، فإن التنمية الترابية عبر وساطة الجماعات الترابية تعتبر ضرورية لإنجاح كل فعل تنموي.
من جهة أخرى، تبرز مساهمة الجماعات الترابية في حقل التنمية (وحسب التصور الدستوري المغربي) كنتيجة لنشاط مزدوج. فهي بداية، واقع لفعل مستقل من طرف الوحدات اللامركزية وذلك في إطار ممارسة الصلاحيات الخاصة بها، ومن ثم فإن التنمية الترابية تبدو من هذا المنطلق كمنتوج لإستراتيجية يتم إعدادها وإعمالها من طرف الجماعات الترابية، وفي إطار يضمن للجماعات الترابية اختصاصات خاصة ويمنحها حرية في التدبير، ولتحقيق هذه الغاية يكون على الدستور توفير الشروط الضرورية لقيادة هذا النوع من النشاط [22].
إن مساهمة الجماعات الترابية في التنمية الاقتصادية، تبدو ثانيا، باعتبارها نتيجة لإشراك الفاعل الترابي اللامركزي في نشاط الدولة والذي يرتبط بشكل مباشر مع قضايا الجماعة التي ينتمي إليها، ويعتبر هذا المنطق حيوي من أجل تنمية المجالات، وبالنتيجة يظل المحدد الأساسي لتحقيق التنمية على المستوى الوطني. ومن جهته، يضع الدستور المغربي الجديد عنصر أساسي لصيرورة التنمية، وذلك عندما يؤكد وبوضوح على أن الجهات والجماعات الترابية الأخرى تساهم « في تفعيل السياسة العامة للدولة، وفي إعداد السياسات الترابية « [23].
إن مسألة التنمية الترابية تعطي الأولوية لتدخل مختلف الفاعلين اللامركزيين ( الجهات، العمالات، الأقاليم، الجماعات)، وبالمقابل، فإن الالتزام بإنجاح توزيع للصلاحيات بين مختلف فئات هذه الجماعات، يعتبر مرحلة أساسية لإنجاح هذا المشروع في شموليته. على هذا المستوى، قد يعتبر البعض أن منطق التوزيع يجب أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة كل اختصاص، من أجل أن يكون متوافق مع الجماعة المناسبة أو القادرة على إنجاحه، في هذا الإطار تبدو أهمية الدور المفترض في مبدأ التفريع والمكرس لأول مرة بموجب الدستور المغربي، من أجل تحقيق هذا التطابق الضروري [24].
من هذا المنظور، لقد قام الدستور بمنح الجهة دور من الدرجة الأولي وذلك فيما يتعلق بممارسة صلاحيات معينة تدخل في جوهر الاختصاصات الخاصة بهذه الجماعة. إذ بموجب الفصل 143 « تتبوأ الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية « ، وفي الواقع يكتسي هذا المعطى الدستوري الجديد والمتعلق بالجهات أهمية خاصة، وذلك بالنظر إلى إضفائه على الجهة مكانة رئيسية، ومن ثم قد يؤثر ذلك على مبدأ المساواة بين الجماعات الترابية[25]، ومن جهة أخرى، فإن الاعتبارات التقنية وخصوصا تلك المتعلقة بالكفاءة على الفعل وتراتبية الأهداف، إلى جانب طبيعة النخب المحلية، ستكون وبالضرورة محددا أساسيا للمضي قدما في هذا الاتجاه.
الفقرة الثانية. الجماعات الترابية باعتبارها مسؤولة عن التنمية :
بالإضافة إلى مسألة الأساليب المتاحة والسياسات المعتمدة، تعتمد إشكالية التنمية المحلية كذلك على الوسائل والتي ينبغي توفيرها للجماعات الترابية. ووعيا من واضع الدستور المغربي بهذه الضرورة، فقد اعتزم التوجه نحو اعتماد نظام مالي خاص بالجماعات الترابية، وذلك في سبيل تمكينها من الوسائل الضرورية لإنجاح مسيرة التنمية المحلية.
إن الدستور يكرس قاعدة أساسية للمالية المحلية، وذلك عندما يؤكد على ضرورة أن يكون كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له. وبذلك يكون واضع الدستور المغربي قد رأى ضرورة دسترة المبدأ المنصوص عليه في المادة 8 من القانون 97 /46 والمتعلق بالجهات [26]، حيث أصبح ينص الفصل 141 [27] من الدستور على« تتوفر الجهات والجماعات الترابية الأخرى، على موارد مالية ذاتية، وموارد مالية مرصودة من قبل الدولة. كل اختصاص تنقله الدولة إلى الجهات والجماعات الترابية الأخرى يكون مقترنا بتحويل الموارد المطابقة له « . وتعتبر هذه القاعدة والمتعلقة بضرورة التوافق بين الاختصاصات المنقولة والموارد المرصودة تعتبر أساسية بالنسبة للدولة الموحدة، ليس فقط لإنجاح التنمية الترابية، ولكن بشكل خاص من أجل الرقي باستقلالية الجماعات الترابية في مواجهة كل تدخل وبدون حق للسلطات المركزية في الشؤون المحلية.
من جهة أخرى، وبالنظر إلى طبيعة اللاتوازن المهول للثروات والمتاحة لكل جماعة ترابية، فقد استوحى الدستور تصور تضامني للامركزية والتنمية الجهوية، ومن أجل تحقيق هذه القاعدة، قام بتكريس دستوري لاثنين من المبادئ الأساسية والتكميلية : التضامن والتعاون.
على مستوى التضامن، ينظر إليه من خلال الفصل 136 كأحد المبادئ الأساسية التي ترتكز عليها اللامركزية الجديدة، وذلك بالشكل الذي يتوافق مع المبدأ الأوسع والمتعلق بالسعي إلى إقامة مجتمع مغربي متضامن [28]. إن تجسيد هذه الفكرة يمر - وفقا للاقتراحات التي تقدمت بها اللجنة الاستشارية للجهوية - عبر دسترة اثنين من الصناديق المخصصة للتنمية الجهوية [29]. وتنظيم هذه الصناديق ( الموارد وكيفيات التسيير ) سيكون من بين مواضيع القانون التنظيمي ( الذي سيصدر مستقبلا طبقا لأحكام الفصل 146 الفقرة السابعة )، وطبقا للمقتضيات الدستورية فهذه الصناديق هي كالتالي :
- صندوق للتأهيل الاجتماعي : له طبيعة مؤقتة، ويهدف إلى سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات.
- صندوق للتضامن بين جهوي : والذي تكون مهمته تأمين توزيع متكافئ للموارد، قصد التقليص من حدة التفاوتات الواضحة بين الجماعات الترابية.
أما التعاون بين الجماعات الترابية فيعتبر لا محيد عنه، وذلك من أجل التصدي لإشكالية توسيع الاختصاصات من جهة، وندرة الموارد من جهة أخرى، وفي هذا الإطار يعطي الفصل 143 الوسيلة والتي بموجبها « كلما تعلق الأمر بانجاز مشروع يتطلب تعاون عدة جماعات ترابية، فإن هذه الأخيرة تتفق على كيفيات تعاونها « . وبدوره فإن الفصل 144 يجعل من مجموعة الجماعات الترابية الأداة القانونية لهذا التعاون من أجل التعاضد في البرامج و الوسائل، وفيما يتعلق بالنظام القانوني وآليات الولوج لهذا الإجراء فهي ومرة أخرى من مواضيع القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية[30].
وتجدر الإشارة إلى أن الدستور المغربي الجديد سجل تحول مثير للاهتمام فيما يتعلق بمفهوم الوظائف الانتخابية، وذلك بتركيزه المتواصل علي ضرورة ربط كل مسؤولية ( خصوصا الانتخابية ) بمسألة المحاسبة. وهو المطلب الذي يشكل الشرط الأساسي لمسألة الحكامة الجيدة التي يؤكد عليها تصدير الدستور، والذي جعل منها واحدة من مرتكزات إقامة دولة حديثة، ومن أجل ترسيخ هذا الهدف، فإن النص الدستوري يضع ولأول مرة مركز دستوري لفائدة المرافق العمومية، والذي يقوم على معايير الجودة، الشفافية والمسؤولية [31]، ويحيل الدستور على ميثاق للمرافق العمومية يحدد مجموع « قواعد الحكامة الجيدة المتعلقة بتسيير الإدارات العمومية والجهات والجماعات الترابية والأجهزة العمومية « [32].
إن الدستور أعطى أيضا أهمية خاصة لمسألة الرقابة المالية الممارسة على الجماعات الترابية، وذلك من خلال منحه مكانة دستورية لكل من المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات حتى تتمكن من إتمام هذا المهام في شموليته [33]، غير أن هذه الإجراءات تفترض أيضا وبالأساس وجود ضمانات كافية لاستقلالية الجماعات الترابية.
المطلب الثالث : التركيز على استقلالية الفاعلين اللامركزيين
إن الحماية الدستورية لهامش الاستقلال المحلي يشكل البعد الأكثر أهمية على مستوى التنظيم اللامركزي الترابي. وللمضي في هذا الاتجاه، فإن الدستور المغربي يكرس مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية [34] (الفقرة الأولى )، ومن أجل تفعيله فقد وضع بعض الأسس الجديدة لتنظيم العلاقة بين الدولة والوحدات اللامركزية (الفقرة الثانية ).
الفقرة الأولى. التكريس الدستوري لهامش الاستقلال : مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية في الدستور المغربي
إذا كان دستور 1996 لم يشر سوى لمبدأ يكتسي طبيعة غامضة وشكلية ( التدبير الديمقراطي للجماعات الترابية)، فإن الدستور الحالي يسجل تقدم بالمقارنة مع الدساتير السابقة، والذي يظهر في سعيه إلى الحفاظ على الاستقلال المحلي ضد أي تدخل ( بدون أساس ) من جانب المركز في الشؤون المحلية. فهذا الخيار يتمثل في مظهر مزدوج، فمن ناحية أولى، فالنص الدستوري يضع « مبدأ التدبير الحر « [35] بين المبادئ التي يرتكز عليها التنظيم الترابي للمملكة، فدسترة هذا المبدأ يعتبر ترجمة مباشرة لإرادة تكريس الجماعات الترابية كوحدات حرة ومستقلة في العلاقة بمصالح الدولة. ومن ناحية أخرى، وامتدادا لهذا المبدأ، فإن الدستور قد احتفظ للجهاز التنفيذي اللامركزي بسلطة تنفيذ مداولات مجالس الجماعات، فالفصل 138 يحدد وبوضوح على أنه « يقوم رؤساء مجالس الجهات، ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى، بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها « ، وهو الشيء الذي يمكن اعتباره كضمانة أولى لحرية الجماعات الترابية في مواجهة الممارسات الشائعة، والمتمثلة في عرقلة الشؤون المحلية من طرف ممثلي السلطة المركزية من جهة، ولتكريس مسؤولية رؤساء هذه المجالس من جهة أخرى. وبالرغم من ذلك ينبغي انتظار تدخل المشرع من خلال القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية، وعلى الخصوص مراقبة دستورية هذا القانون من طرف المحكمة الدستورية، حتى نتمكن من تقييم هذه الضمانات الممنوحة لتأمين مثل هذا الاحترام، إذ أن من بين مواضيعه نجد « شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس « .
إن مبدأ التدبير الحر ينبغي أن يفهم بشكل دقيق ومضبوط، والذي يبدو لأول وهلة بأنه جاء ليضمن ببساطة للجماعة الترابية شروط ممارسة حرة للصلاحيات المحلية دون تدخل للسلطات المركزية أو حتى لجماعات ترابية أخرى [36] . أيضا، فمبدأ التدبير الحر لا يمكنه التعبير إلا داخل الصالح الوطني، فانطلاقا من هذا القيد الثاني، يذكر الدستور في ديباجته وفصله الأول، بالمرجعية التي تقتضي الضرورة المطلقة لاحترام مبدأ الوحدة الوطنية.
الفقرة الثانية . متطلبات هامش الاستقلال : علاقة جديدة بين الدولة
والجماعات الترابية
من أجل تجسيد مبدأ التدبير الحر للجماعات الترابية، فإن الدستور المغربي اعتمد نهجا مباشرا، وذلك بتركيزه أولا، على إنشاء علاقة جديدة بين الوحدات اللامركزية ومصالح الدولة، فمن الآن فصاعدا يجب أن تكون مؤسسة على التعاون وليس الهيمنة، فبمجرد حرمان ممثلي الدولة من التدخل في تنفيذ المداولات التي تعتمدها المجالس، يكون لدينا التجسيد القانوني لهذه العلاقة، وبالمقابل " أفول " السلطة اللامركزية لمؤسسة العامل.
ومع ذلك، فإن النص الدستوري قد أقحم عددا معينا من الالتباسات وهو يساهم في مسألة استقلالية الوحدات اللامركزية، مما قد يشكل تهديد حقيقي لمبدأ التدبير الحر، وبالنتيجة، للحريات المحلية [37]. إذ أن اثنين من مقتضياته على الأقل يمكن أن تقوم بهذا الدور، فالأولى، تتعلق بالفقرة 3 من الفصل 145 والتي تجيز إلى الولاة والعمال مساعدة « رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية « ، فكل شيء إذن يعتمد على التفسير الذي سيمنح لعبارة « يساعد « ، فقد يوجد خطر كبير في أن يفهم هذا الإجراء من طرف ممثل الدولة كقاعدة للتدبير الموازي أو « co - administration « ، ويمكننا هنا استنتاج أهمية الدور الملقى على عاتق المحكمة الدستورية، بدأ من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية، هذا الأخير الذي عليه أن يضبط بدقة « شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها « . إن دور كل من المشرع والمحكمة الدستورية يبدو إذن جوهري ومحدد أساسي، على مستوى توضيح العلاقات الجديدة بين ممثلي الدولة والمجالس التنفيذية اللامركزية.
إن الإجراء الثاني ينبع من الفقرة الثانية لنفس الفصل (146 )، والذي يحدد صلاحيات ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، فحسب هذه الفقرة و » باسم الحكومة، ] ... [ يمارسون المراقبة الإدارية « . إن امتداد هذا المقتضى إلى الجماعات الترابية يشكل في الواقع تناقض صارخ مع مبدأ التدبير الحر، إذ بافتراضه لوجود مراقبة إدارية قد يؤول الأمر إلى حالة من الوصاية المتحكمة في مواجهة البنيات اللامركزية. وبالمقابل، فمن المسلم به أن التطبيق السليم لمبدأ التدبير الحر، يفترض غياب علاقة وصائية بين مصالح الدولة و الجماعات الترابية، ويقترح كبديل المراقبة القضائية. الخطر الذي يهدد الحرية المحلية هو إذن حقيقي.
من جهة أخرى، يجب ألا يغيب عن بالنا بأن مسألة الاستقلال المحلي ترتبط أيضا بمشروع توزيع الاختصاصات بين الدولة والجماعات، إذ أن توزيع الاختصاصات قد يؤدي في العمق إلى تحول مواطن السلطة داخل الدولة، ويقود بلا منازع إلى تكريس للحريات المحلية، لكن يجب أن يكون هذا التوزيع واضح وأن يمنح للجماعات الترابية صلاحيات مهمة.
إن النص الدستوري تجنب الفصل في مسألة توزيع الاختصاصات، وبالفعل فقد أوكل هذه المهمة للسلطة التشريعية من خلال القانون التنظيمي [38]. ومع ذلك، فإن الدستور قد حدد بعض المبادئ العامة التي من المفترض أن تتحكم في الإشكالية الدقيقة لتوزيع الاختصاصات، والمبدأ الأساس في نظر واضع الدستور المغربي والذي أتت به هذه المادة يظل مبدأ التفريع المكرس بموجب الفصل 140 من الدستور، وعملا بهذا المبدأ فإنه لا يجوز منح اختصاص معين للدولة إذا كان يبدو بالنظر لخصائصه وإلى المصالح التي يهدف إليها، يمكن أن يمارس بشكل أفضل من طرف الجماعات الترابية، وبحرية [39].
إن الدستور المغربي يعطي دفعة قوية للعلاقة بين الديمقراطية وتدبير الشأن العام المحلي، والرهان على الجماعات الترابية باعتبارها مؤسسات أصيلة في دمقرطة المجتمع، وذلك من خلال إدراج أليات دستورية تعكس الطموح لبلوغ حد أدنى من مشاركة المواطنين من خلال هذه الوحدات في تدبير القضايا المحلية، وتطوير الديمقراطية المحلية التي عانت ولازالت من اكراهات عديدة تتجاوز ماهو قانوني إلى السياسي والاجتماعي، التنموي، بشري، الثقافي... فلا نغير المجتمع بمقتضيات دستورية والتي بدورها تحتاج إلى الحماية والتثمين من خلال القوانين التنظيمية المكملة، لا تراجعات أخرى قد تفرغها من أهميتها.
الهوامش
[1] - هناك اليوم اتفاق مبدئي في الفقه الدستوري بمحدودية دراسة مواضيع القانون الدستوري دون اللجوء إلى مناهج أخرى وفروع معرفية داعمة من الناحية النظرية والعملية، وعلى الخصوص علم السياسة وعلم الإجتماع السياسي، يكفي مثلا طرح مسألة المؤسسات السياسية (بعض المؤلفات تقرنها بالقانون الدستوري كعنوان خاصة تلك المتأثرة بالتوجه الفرانكفوني) والعلاقات بين السلطات، وظاهرة القوة السياسية La puissance politique في النسق السياسي، والممارسات الفوق قانونية Métajuridique خاصة في الدول الحديثة العهد بالنظرية الدستورية، كما ليس هناك ادنى شك في الدور الفعال الذي يقوم به القضاء الدستوري في تطوير القاعدة الدستورية والحياة القانونية داخل الدول، ومن ثم فإن التنصيص على مبادئ للممارسة الديمقراطية في الدستور يقتضي النظر إلى واقع الحياة السياسية الوطنية والمحلية حتى يمكننا إعطاء حكم يستجيب إلى أدنى الشروط العلمية حول درجة دمقرطة مجتمع ما، كما أن عنصر الزمن يلعب دورا أساسيا على هذا المستوى.
[2] - Mostafa JARI, La « démocratie participative » :comment assurer l’efficacité de la participation ?, Etudes, Remald, Série thèmes actuels, N° 52 – 2006, pp : 37-54.
[3] - « Il faut des élections locales pour que le corps électoral prenne conscience de sa souveraineté, parce que, dans les élections générales, il se sent manœuvré par la machine des partis », HAURIOU (M.), Précis de droit constitutionnel, Paris, Sirey, 1923, 1ère 2d., p.246 ; « Décentralisation », pp. 471-491.
[4] - الدستور الجديد للملكة المغربية المراجع بموجب استفتاء فاتح يوليوز 2011، الجريدة الرسمية عدد 5952 مكرر، بتاريخ 14 رجب 1432 ( 17 يونيو 2011 ).
[5] - ZAIR )T.(, Le nouveau statut constitutionnel des collectivites territoriales, Remald, Numéro double 99 - 100 juillet - octobre 2011, p. 21 .
[6] - اليعكوبي محمد، اللامركزية والدستور في المغرب، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 96، يناير - فبراير 2011.
[7] - لم يكن هذا الارتباط إلا بشكل نسبي، فكثيرة هي التوصيات التي صدرت عن هذه اللجنة لم يتم تضمينها في الدستور المغربي، راجع في هذا الشأن تقرير اللجنة.
[8] - « le juge est le seul garant possible d’une liberté «, HAURIOU, « Note sous CE, 20 mars 1901, Casanova «, S. 1901, III, p. 73.
[9] - « c’est pourtant dans la commune que réside la force des peuples libres. les institutions communales sont à la liberté ce que les écoles primaires sont à la science. Elles la mettent à la portée du peuple, elles lui en font gouter l’usage paisible et l’habituent à s’en servir. Sans institutions communales, une nation peut se donner un gouvernement libre, mais elle n’a pas l’esprit de liberté «; TOCQUEVILLE (A.de), De la démocratie en Amérique, op. cit ., t.l , p. 59 .
[10] - BACOT (G.), « L’apport de TOCQUEVILLE aux idées décentralisatrices », in GUELLIC (L.) (textes réunis par), Tocqueville et l’esprit de la démocratie, Paris, les presses de sciences Po, « Fait politique », 2005, p.208.
[11] - TOCQUEVILLE (A.de), De la démocratie en Amérique, op. cit ., t.l , p.59.
[12] - « تختار الأمة ممثليها في المؤسسات بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم « ، الفصل 2، الفقرة الثانية من الدستور المغربي.
[13] - بموجبه فإن « الجماعات الترابية أشخاص اعتبارية، خاضعة للقانون العام، تسير شؤونها بكيفية ديمقراطية « .
[14] - الفصل 146 من الدستور .
[15] - هذه المسألة كانت موضوع العديد من الاقتراحات من طرف اللجنة الاستشارية للجهوية. لتأتي الوثيقة الدستورية فتكرس المبدأ وتترك للقانون إمكانية تحقيق هدف المناصفة.
[16] - الفقرة 2 من الفصل الأول من الدستور تؤكد على أن النظام الدستوري يقوم على أساس « الديمقراطية المواطنة والتشاركية « .
[17] Sitôt que le peuple a élu ses représentants, « il est esclave, il n’est rien » (Du contrat social, III, 15).
[18] - هذا بالإضافة إلى حق تقديم الملتمسات في مجال التشريع، بناء على مقتضيات الفصل الرابع عشر من الدستور الذي ينص على أن "للمواطنات والمواطنين،ضمن شروط وكيفيات يحددها قانون تنظيمي، الحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع"، أنظر مشروع القانون التنظيمي (أو ما تسميه اللجنة بالأرضية القانونية المتعلقة بالحق في تقديم ملتمسات في مجال التشريع) الذي أعدته اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني وأدواره الدستورية الجديدة، والذي تعطي فيه التصور لتنزيل هذا النوع من المشاركة في التشريع من طرف ما تسميهم في الباب الأول "الملتمسون" و"الموقعون"، والذي لم يثم صدوره الرسمي إلى حدود كتابة هذه الورقات، والذي كذلك لا يخلوا من تراجعات وقيود قد تفرغ هذه التقنية من مقاصدها خصوصا مسألة التأسيس لجهوية هذه الممارسة بالنسبة للموقعين والمواضيع بعيدا عن منطق القرب.
[19] - الفقرة الثانية من الفصل 139.
[20] - « Chacun a le droit d’adresser aux autorités publiques des pétitions signées par une ou plusieurs personnes. Les autorités constituées ont seules le droit d’adresser des pétitions en nom collectif ».
- وهي المقتضيات التي تماثل ما جاء به الفصل 27 من دستور دولة لوكسمبورغ.
- وهي المقتضيات التي تماثل ما جاء به الفصل 27 من دستور دولة لوكسمبورغ.
[21] - الفصل 136.
[23]- الفصل 137.
[24] - ينص الفصل 140 من الدستور على أن « للجماعات الترابية، وبناء على مبدأ التفريع، اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة « .
[26] - بموجب هذه المادة، « يكون كل نقل لاختصاص من اختصاصات الدولة أو عبئ من أعبائها إلى الجهات مقترنا وجوبا بتحويل للموارد المطابقة لذلك الاختصاص أو العبئ ولا سيما منها الإعتمادات « .
[27] - تعتبر هذه القاعدة، جوابا مباشرا على الاقتراح المقدم من طرف اللجنة الاستشارية للجهوية بإعطاء هذا المبدأ قيمة دستورية .
[28] - أنظر تصدير النص الدستوري.
[29] - الفصل 142.
[30] - الفقرة 8 من الفصل 146.
[31] - هذا المركز يشكل موضوعا للفصول 154، 155، 157 و 158.
[32] - الفصل 157.
[33] - الفصول 149 و 150.
[34] - هذا المبدأ وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، عرف في الدستور الفرنسي منذ 1946، كما تمخض عنه تطبيقات جعلت منه محور سلطة الجماعات الترابية والحريات المحلية.
[35] - الفصل 136 .
[36] - إن هذه القاعدة لعدم وجود رابط وصائي بين الجماعات الترابية، لقيت اعتراف قانوني منذ وقت طويل، وكرست الآن دستوريا. ففي الواقع، حسب الفصل 143 الفقرة 1 من الدستور الحالي « لا يجوز لأي جماعة ترابية أن تمارس وصايتها على جماعة أخرى« .
[37] - T.ZAIR, le nouveau statut … op, cit. p,26 .
[38] - بموجب الفقرة 4 من الفصل 146.
[39] - وهو التفسير الذي صدر عن المجلس الدستوري الفرنسي، وذلك بمناسبة قراره الشهير :
-CF. Cons. const., 7 juillet 2005, n ° 2005 - 516 DC.
-CF. Cons. const., 7 juillet 2005, n ° 2005 - 516 DC.