MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الدعم العمومي للفعل الجمعوي بالمغرب وسؤال الرقابة المالية ( قراءة في منشور رئيس الحكومة رقم 2014/2 بشأن مراقبة المجلس الأعلى للحسابات لاستخدام الأموال العمومية)

     

الجزء الثاني





الدعم العمومي للفعل الجمعوي بالمغرب وسؤال الرقابة المالية ( قراءة في منشور رئيس الحكومة رقم 2014/2 بشأن مراقبة المجلس الأعلى للحسابات لاستخدام الأموال العمومية)

 
ثانيا : الرقابة المالية كالتزام من الالتزامات  المفروضة على الجمعيات الممنوحة
 
تتعدد آليات حماية المال العمومي بالمغرب وتتنوع طرق وتتبع أوجه صرفه .وبخصوص التمويل العمومي للجمعيات ،فيمكن القول أن هذه الآليات والطرق تختلف باختلاف المتدخلين الرئيسين في عملية الرقابة المالية على الجمعيات ،لكن يبقى الهدف واحدا ،وهو ضمان نجاعة و فعالية هذه الرقابة ،وبالتالي ترسيخ أهداف أخرى من قبيل الشفافية، ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبشكل عام الحكامة الجيدة .        ان قراءة مسارات الرقابة المالية على الفعل الجمعوي ببلادنا تحيلنا على عدة أنماط من الرقابة ومنها:
  • الرقابة القبلية : ويمثلها هنا الآمرون بالصرف المكلفون بدراسة ملفات الجمعيات طالبة الدعم، والقبول بها في حالة مطابقتها للقوانين الجاري بها العمل ،ثم رقابة مديرية الميزانية التابعة لوزارة المالية ،والمخولة بحكم القانون التأشير على اعطاء المنح ،من خلال القيام بعملية صرفها عبر تقديم أذونات الصرف لتأشيرالمراقبة المالية والمحاسب العمومي .
 
  • الرقابة البعدية : وهي الرقابة التي تشرف عليها المفتشية العامة للمالية اما بصفة تلقائية قانونية، أو بناء على طلب من الوزارات الاخرى المعنية بموضوع التمويل العمومي للجمعيات، أو بناء على طلب من مؤسسات التمويل الدولي، ثم المفتشيات العامة للوزارات ، والتي يسند لها القيام بمهام الافتحاص والتدقيق والرقابة المالية على مستوى كل قطاع وزاري تمثله ،ثم أخيرا المحاكم المالية ( المجلس الأعلى للحسابات والمجالس الجهوية للحسابات ) المكلفة بالحرص على حسن استعمال الاموال العمومية ونجاعة صرفها.
 
ان هذه الأنماط من الرقابة هي نتاج تراكم قانوني لابأس به، عرفته بلادنا منذ اصدار الظهير المتعلق بحق تأسيس الجمعيات سنة 1958 وما تلاه من قرارات وقوانين تنحو نفس منحى الرقابة على التمويل العمومي للجمعيات ،وهو مايمكن الوقوف عليه من خلال المحطات التالية:

1- ظهير 1958 المتعلق بتنظيم حق تأسيس الجمعيات : والذي سعى الى النص على الالتزامات المالية القانونية الواجبة على الجمعيات التي تحظى بالدعم العمومي. هكذا نجد الفصل 32 منه ( المعدل والمتمم بمرسوم قانون 28 شتنبر 1992 )يشير الى أنه " يتعين على الجمعيات التي تتلقى دوريا اعانات من احدى الجماعات العمومية ان تقدم ميزانيتها و حساباتها للوزارات التي تمنحها الاعلانات المذكورة. وتضبط بموجب قرار من وكيل وزارة الاقتصاد الوطني في المالية الحسابات التي يجب ان تمسكها الجمعيات المشار اليها ،وكذلك الشروط التي تسلم بمقتضاها الى الوزراء الميزانية و الحسابات المشار اليها في الفقرة الاولى ،وتجري على دفاتر الحسابات مراقبة مفتشي هذه الوزارة. ويعاقب كل وكيل مسؤول عن مخالفات القرار المنصوص عليه في الفقرة اعلاه بغرامة يتراوح قدرها بين 120و1000 درهم ،وتكون الجمعية مسؤولة مدنيا". كما ان الفصل 132 المكرر مرتين من نفس الظهير (والمضاف بالقانون رقم 75.00 ل 23يوليوز2002) يلح على انه" يتعين على الجمعيات التي تتلقى دوريا اعانات يتجاوز مبلغها 10 الاف درهم من احدى الجماعات المحلية او المؤسسات العمومية اوالشركات التي تساهم الدولة او الجماعات و المؤسسات الانفة الذكر في راسمالها كليا او جزئيا ،ان تقدم حساباتها للهيئات التي تمنحها الاعانات المذكورة مع مراعاة مقتضيات القانون المتعلق بمدونة المحاكم المالية. وتحدد بقرار للوزير المكلف بالمالية دفاتر الحسابات التي يجب ان  تمسكها الجمعيات المشار اليها في الفقرة السابقة و تجري على دفاتر الحسابات مراقبة مفتشي  وزارة المالية".

2- قرار وزارة المالية ل 31يناير1959 : وهو القرار المتعلق بالجمعيات التي تتلقى سنويا بصفة مباشرة اوغير مباشرة اعانات مالية من جماعة عمومية ،حيث انه وبالاستناد الى مقتضيات ظهير 1958 المتعلق بضبط حق تأسيس الجمعيات ،فان الفصل الاول من هذا القرار يلح على كون "الجمعيات التي تتلقى سنويا بصفة مباشرة اوغير مباشرة اعانات مالية من جماعة عمومية ،يجب عليها ان تقدم ميزانيتها و حساباتها الى الوزارات التي تمنحها الاعانات المالية  المذكورة من جهة،والى وزارة المالية من جهة اخرى".وبالتالي يمكن القول ان هذا القرار الوزاري شكل الاطار العام المحدد للقواعد المالية الاساسية الواجب التقيد بها للاستفادة من الدعم العمومي ،وعلى رأسها ضبط ميزانية الجمعية بمكوناتها من المصاريف المقررة و المداخيل المتوقعة ،والقيام بمسك محاسبة قانونية ،وضرورة احترام شروط اخرى ،تتعلق بتغطية العجز الحاصل في ماليتها و ليس تمويل جل النفقات الجارية المتعلقة بها ،كما ان هذا القرار و بصفة الزامية يؤكد على ضرورة تقديم نسخ من ميزانية الجمعية الممنوحة و حساباتها المرتبطة بالسنة الفارطة والسنة الجارية ،مع  وجوب تقديم صورة عن الوضع المالي للجمعية ،وفي أية لحظة يطلب منها ذلك من طرف الوزارة و المؤسسة العمومية التي قامت بمنح هذا التمويل العمومي ،مع الخضوع الاجباري لرقابة جهاز المفتشية العامة للمالية. وقد وضع الى جانب هذا القرار الوزاري نظام مالي و محاسبي للجمعيات الممنوحة (عبارة عن نظام نموذجي مرفق به وملحق له) يحدد و بدقة الحسابات واعداد ميزانيات هذه الجمعيات ،وتوضيح المساطر المفروض سلوكها للحصول على المنح و المساعدات التي تدخل في اطار الدعم العمومي. هذا من جهة ،ومن جهة ثانية و قصد تدعيم الترسانة القانونية على هذا المستوى ،تم اصدار ظهير 14ابريل 1960 والذي يتعلق بالمراقبة المالية على المؤسسات العمومية و المؤسسات ذات الامتيازات ،خاصة الفصل السابع منه ،والذي يؤطر الرقابة المحاسبية التي تقوم بها الدولة في حق الجمعيات الممنوحة اوالهيئات الحكومية كالتي تتمتع بالامتيازات.

3- القانون رقم 62.99 ،المتعلق بمدونة المحاكم المالية : و الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.124 بتاريخ 13يونيو2002 ،والذي يحمل كقانون متطور ،مستجدات عديدة مقارنة مع القانون المنسوخ رقم 12.71 والصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.79.175 بتاريخ 14شتنبر1979 و المتعلق بالمجلس الاعلى للحسابات ،والذي أخضع بمقتضى الفصل 73 منه ،الجمعيات الممنوحة لمراقبة التسيير من طرف المجلس الاعلى للحسابات، حيث من الواجب على كل الجمعيات المستفيدة من العون و المساعدة ،تقديم سنويا حساباتها وميزانيتها لهذه الهيئة الممثلة للقضاء المالي .في هذا الصدد نجد الفصل 73 ينص على ما يلي "يمكن للمجلس الاعلى للحسابات ان يجري طبقا للنصوص التنظيمية المعمول بها المراقبة المقررة في الفصل 71 على المقاولات او الجمعيات او كل جهاز اخر يستفيد من مساهمة او مساعدة مالية، كيفما كان نوعها تقدمها الدولة او احدى المؤسسات العامة او الجمعيات المحلية او احد الأجهزة الأخرى الجارية عليها مراقبة المجلس". ان قانون 62.99 جعل من مدونة المحاكم المالية (المجلس الأعلى للحسابات و المجالس الجهوية للحسابات) الية شمولية للمنظومة الوطنية للرقابة العليا للمالية العامة ،علاوة على تبسيطه لاختصاصاتها، والتي أضحت اكثرجلاء ووضوحا (البت في الحسابات و التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية  ومراقبة التسيير ) ، وهي الاختصاصات التي وطدها دستور 2011 ،والذي خصص للقضاء المالي الباب العاشر تحت عنوان " المجلس الاعلى للحسابات" وأورد بشأنه الفصول من 147 الى 150، وأعطى للمجلس الاعلى للحسابات باعتباره الهيئة العليا لمراقبة المالية العمومية للمملكة والمتسمة بالاستقلالية من منطلق ضمانات دستورية كفيلة بذلك، مهمة تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة بالنسبة للدولة والأجهزة العمومية .في هذا السياق تشير الفقرة الثالثة من الفصل 147 من الدستور على مايلي:  " يتولى المجلس الاعلى للحسابات ممارسة المراقبة العليا على تنفيذ قوانين المالية، ويتحقق من سلامة العمليات المتعلقة بمداخيل ومصاريف الاجهزة الخاضعة للمراقبة بمقتضى القانون ويقيم كيفية تدبيرها ويتخذ عند الاقتضاء عقوبات عن كل اخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة " . وكما هو الشأن في دستور 1996 (لا سيما الفصول 96 الى 99) ،والذي أعطى للمجلس الاعلى للحسابات امكانية تقديم المساعدة للبرلمان و الحكومة في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصه بمقتضى القانون ، يؤكد الفصل 148 من الدستور الحالي على ما يلي: " يقدم المجلس الاعلى  للحسابات مساعدته للبرلمان في المجالات المتعلقة بمراقبة المالية العامة ،ويجيب عن الاسئلة و الاستشارات المرتبطة بوظائف البرلمان في التشريع و المراقبة و التقييم المتعلقة بالمالية العامة". و لتضيف الفقرة الثالثة من هذا الفصل على ما يلي " يقدم المجلس الاعلى للحسابات مساعدته للحكومة ،في الميادين التي تدخل في نطاق اختصاصاته بمقتضى القانون". وقبل ذلك و كمستجد دستوري ،تنص الفقرة الثانية على انه" يقدم المجلس الاعلى للحسابات مساعدته للهيئات القضائية". وفضلا على ذلك ،وفي اطار سياسة اللامركزية ،وفي افق اخراج قانون الجهوية الموسعة الى حيز الوجود ،نص الفصل 149(كما هو الشأن بالنسبة لدستور 1996) "تتولى المجالس الجهوية للحسابات مراقبة حسابات الجهات و الجماعات الترابية الاخرى و هيئاتها ،وكيفية قيامها بتدبير شؤونها وتعاقب عند الاقتضاء ،عن كل اخلال بالقواعد السارية على العمليات المذكورة".                        

      ان الوقوف على دسترة القضاء المالي ،تبرز بشكل ملموس مدى الاهمية القصوى التي تم إيلاءها للمحاكم المالية ،بل ومنحها صبغة زجرية في حالة ضبطها لكل اخلال يمكن ان يمس المال العمومي. وبالتالي تحولها من مجرد هيئات مكلفة بالبحث و التحري و انجاز التقارير الى هيئات بامكانها اصدار عقوبات في حالة كشفها لما يستوجب المتابعة والضرب بيد من حديد على المخالفين و الذين قد يثبت في حقهم ذلك ،بما فيهم الجمعيات المستفيدة من الدعم العمومي .في ظل كل هذه السياقات و اعمالا للمبدأ الدستوري المتعلق بربط  المسؤولية بالمحاسبة ،واحتراما لمبادىء الحكامة الجيدة ،أتى منشور رئيس الحكومة رقم 2014/2 بتاريخ 05مارس2014 والموجه لكل من (وزير الدولة ،الوزراء و المندوبين السامين و المندوب العام و المندوب الوزاري) حول موضوع ( مراقبة المجلس الاعلى للحسابات لاستخدام الاموال العمومية) و الهادف بالاساس الى وضع جمعيات المجتمع المدني المستفيدة من التمويل العمومي تحت مجهر الفحص و التدقيق و الرقابة و الاختصاص و الضبط و التقييم ،حيث يحيل المنشور في بدايته على المادة 86 من القانون رقم 62.99 ،المتعلق بمدونة المحاكم المالية ،وهي المادة التي أتت مضمنة في الفرع الثاني من هذا القانون ،تحت عنوان "مراقبة استخدام الاموال العمومية" و التي نصت ما يلي :"يراقب المجلس استخدام الاموال العمومية  التي تتلقاها المقاولات ،المشار اليها في المادة 76 اعلاه ،او الجمعيات اوكل الاجهزة الاخرى التي تستفيد من مساهمة في الرأسمال او من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف الدولة او مؤسسة عمومية او من احد الاجهزة الاخرى الخاضعة لرقابة المجلس مع مراعاة مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في جمادى الاولى1378(15نونبر1958) بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات كما وقع تغييره و تتميمه. وتهدف هذه المراقبة الى التأكد من ان استخدام الاموال العمومية التي تم تلقيها يطابق الاهداف المتوخاة من المساهمة او المساعدة ". ولتضيف المادة 87 من نفس القانون انه "يجب على الاجهزة المشار اليها في المادة السابقة ،ان تقدم الى المجلس الحسابات المتعلقة باستخدام الاموال و المساعدات العمومية الاخرى التي تلقتها ،وذلك حسب الكيفيات و الشروط المنصوص عليها في النصوص التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل". وعلى ضوء هذه المادة يؤكد المنشور رقم2014/2 الى ضرورة "تذكير مختلف الجمعيات المعنية بوجوب ادلاءها للمجلس بالحسابات المتعلقة باستخدام الاموال و المساعدات العمومية التي تستفيد منها". مما يؤشر على كون المنشور جاء ليفعل مقتضيات المادة 87 من قانون62.99 ،ويلح على ضرورة التنفيذ الوجوبي للالتزامات الواردة فيه وكذا مقتضيات المادة 86 الانفة الذكر.                                                                                       وعموما يشكل المنشور الحالي وثيقة تكميلية للدورية السابقة للوزير الاول و المرتبطة بالشراكة سنة 2003 ،وهو المنشورالذي تبرز غاياته في الجرد و الاحصاء و اعداد القوائم و اللوائح وتحديد مكامن الخلل وذلك عبر النص على ضرورة  موافاة المجلس الاعلى للحسابات بما يلي:

  • قوائم الجمعيات المستفيدة من الاعانات التي تمنح لها ،سواء من لدن القطاع الذي تشرف عليه الوزارة المعنية او من طرف المؤسسات و الهيئات العمومية الخاضعة لوصايتها.
  •  مبالغ الاعانات الممنوحة للجمعيات.
  • الاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن مع الجمعيات المعنية.
 
ومن ثم تتجلى غايات هذا المنشور في اضفاء المزيد من الاشراقات على التمويل العمومي للجمعيات وجعل فعل الرقابة عليه سلوكا عاديا روتينيا قادرا على خلق فاعل جمعوي "شفاف" وفعال في انجاز مشاريعه و برامجه التنموية. كل ذلك في اطار تكريس البعد الحكاماتي وجعله واقعا مرتهنا في الحياة الجمعوية لبلادنا. الشيء الذي يعري على احدى الابعاد و الرهانات المرتبطة بهذا المنشور. وهو ما سنحاول ان نناقشه في الجزء الثالث من هذه الدراسة.             
              




الاثنين 7 أبريل 2014
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter