شكلت دعوة جلالة الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2014 " لقياس القيمة الإجمالية للمغرب، ما بين 1999 ونهاية 2013 " مناسبة لفتح النقاش على أوسع أبوابه حول الرأسمال غير المادي للمغرب ، ومن المنتظر أن تفتح الدعوة الملكية نقاشات قطاعية داخل كل المرافق المعنية بالمفهوم لأجل قياس درجة مساهمة كل قطاع وإضافاته لهذا الرأسمال الوطني غير الملموس . ولاخلاف في أن القضاء يشكل أحد أهم العناصر التي يقوم عليها الرأسمال اللامادي للأمم إن لم يكن أهمها على الإطلاق على الأقل هي الحقيقة التي زكاها أحد ألمع السياسين في القرن العشرين ، فعندما إشتكى مستشارو رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل عقب الحرب من خراب البلاد وتأثر إقتصادها وإنهيار بنياتها التحتية سألهم عن القضاء فأشادوا به فقال قولته المعروفة " إذا كان القضاء بخير إذاً بريطانيا بخير ومن الممكن إصلاح كل شيء " ، فهل سنحتاج مع هذا وبعد هذا أن نناقش حجم مساهمة القضاء في تنمية الرأسمال غير المادي للمغرب ؟ لكن مع التسليم بالدورالمحوري للقضاء في هذا المجال، ألا يجدر تقييم الرأسمال غير المادي للقضاء نفسه بإعتبار أن رأسمال الجزء يصب في نهاية المطاف في رأسمال الكل !
قد يعترض معترض فيقول إن تقييم الرأسمال غيرالمادي يفترض بداهة مقابلته برأسمال مادي ملموس ، والقضاء ليس قطاعا إقتصاديا يمكنه أن ينتج قيمة مالية مضافة ، لكن المحاولة تجد مشروعيتها في أن تقييم الرأسمال غير المادي للأمة يستتبع تقييم الرأسمال غير المادي بكل مفرداته وعناصره ، فإذا كان القضاء عنصرا في الرأسمال اللا مادي ، أفلا يكون حريا بنا تقييم الرأسمال غير المادي للقضاء قصد الوقوف على العناصر التي تنمي مساهمته في الرأسمال اللا مادي العام للبلاد ورصد السلبيات التي تعيق مساهمته في هذا الرأسمال
الوطني المجرد ، فأين تكمن إذن ثروة القضاء المغربي ؟
إن متحري الإجابة لا شك سيذهل لتضاؤل الرأسمال غير المادي للقضاء ، فمن جانب يصعب الحديث عن ثرات قضائي مغربي ، فالعمل القضائي محكوم بالتضارب وعدم الاستقرار ونسبة الجودة فيه ضعيفة وحتى جانبه المندرج في خانة الاجتهاد غير مؤثر في محيطه سواء في التثاقف المنشود في علاقة المحاكم ببعضها من جهة وفي علاقتها بالفقه والجامعة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي من جهة ثانية ،
كما لا يمكن القول بتشكل ملامح مدرسة قضائية مغربية على غرار المدارس القضائية المعروفة في العالم ؛ والدليل غياب القضاة المغاربة عن المحاكم التحكيمية الدولية وعن محاكمات جرائم الحرب في روندا ..، وغيرها . وحتى على الصعيد الإقليمي فقد همس أكثر من مسؤول في الإدارت القضائية بدول الخليج العربي بفشل تجربة الاستعانة بالقضاة المغاربة الذين كان عطاؤهم متواضعا ، مقارنة بعطاء باقي الجنسيات العربية الأخرى ، وعلى مستوى بلورة أعراف قضائية مكرسة للمكانة المعنوية والوضع الاعتباري للمهنة ، لن نبالغ إذا قطعنا بالتدهور المضطرد للأعراف القضائية خاصة بعد إنسحاب القضاة الفرنسيين بعيد المغربة في 1965 ، وتناقص أعداد القضاة الفقهاء القادمين من التعليم الإسلامي بمختلف مشاربه ، دون أن نغفل التساهل في معايير الالتحاق بالقضاء ، لدرجة صارت معه أزمة القضاء المغربي في كثير من الفترات أزمة أخلاق .
وأمام كل هذه العوائق لن نرسم صورة سوداوية عن الوضع ، فلا تزال نقطة قوة القضاء المغربي في عنصره البشري ، والشاهد أن تاريخ القضاء في المغرب المعاصر كان دائما تاريخ أشخاص وليس تاريخ المؤسسة ذاتها ، فحين يعبر البعض بشكل جارف عن استقلاليته أو يتعفف عن بعض الممارسات أو يتخذ بعض المواقف الوطنية المشرفة ، فإن ذلك لا يعبر عن إتجاه عام داخل الجهاز، وإنما عن اسثتناءات تؤكد القاعدة ولا تنفيها ، والإيجابي في الأمركله أن تركيبة العنصر البشري داخل الجهاز عرفت تغييرات عميقة في السنوات الأخيرة ، جسدها نمو أعداد الشباب ؛ وإرتفاع نسب حاملي الشواهد العليا ؛ وتصاعد ملحوظ لنسب القضاة المتشبعين بقيم التخليق ، على أن أزمة الموارد البشرية تبقى في سوء توظيفها ، فلا تزال المواقع الأمامية في القيادة وعلى منصات القضاء حكرا على القضاة المضمون ولائهم ، ولا يزال الإصرار ثابتا في استبعاد المتمسكين باستقلاليتهم وعدم توظيفهم للرقي بالعملية القضائية .
ومن النقط التي يمكن إحتسابها في الرأسمال اللا مادي للقضاء بالمغرب ، نقطتان أعتبرهما أساسيتان وهما ؛ تعددية الجمعيات المهنية الممثلة للقضاة ، إذ أظهرت هذه الجمعيات دينامية في مواكبة وتوجيه الشأن القضائي ورفع بعضها سقف المطالب بشكل أحرج السلطة الحكومية ( نادي قضاة المغرب نموذجا ) ، وتتجسد النقطة الايجابية الثانية في أن استقلال القضاء لم يعد شأنا خاصا بالسلطة السياسية وبالقضاة ، وإنما أصبح شأنا مجمتعيا يهم كل أطياف المجتمع ، ورغم اقتصار مضامين المساهمة المجتمعية في هذا المجال على النقد السلبي أكثر من التوجيه البناء ، فإن الظاهرة في عمومها صحية وستساهم مستقبلا في بناء قضاء فاعل ومستقل .
وعلى كون تضاؤل الرأسمال غير المادي للقضاء بالمغرب واقعا لا يرتفع ، فإننا لا نعيره كبير إهتمام إلا إذا جاءتنا ومضات الإنذار من الخارج وآخرها رفض محكمة أوستين ، في غرب ولاية تكساس الامريكية تذييل حكم مغربي بالصيغة التنفيذية في أمريكا بداعي عدم استقلال القضاء بالمغرب ، لذا أعود إلى ما استهللت به الموضوع لأقطع بأن كل نقطة يفقدها القضاء في رأسماله المعنوي لابد ستستنزل من الرأسمال العام غير المادي للبلاد .
إن أزمة القضاء المغربي تلخصها بالبنط العريض جملة واحدة توجز كل شيء هي ؛ الفشل في تنزيل الأمن القضائي على أرض الواقع . خلاصة عقدت من أجلها المناظرات ودبجت بشأنها التقارير ولن تعرف طريقها للمعالجة إلا بالوقوف على ثلاث مستويات أعتبرها جوهرية وحاسمة :
المستوى الأول : الاستقلالية ، وقد أسندت لها قوانين متقدمة سواء في متن الدستور أو خارجه ، لكن تجسيدها على أرض الواقع يتطلب مجهودين كبيرين ؛ أولهما تنحي كل مراكز القوى على اختلاف أطيافها عن التأثير في القضاء . وثانيهما مجهود داخلي يأتي من القضاة
أنفسهم ينمي فيهم الاعتداد باستقلاليتهم والدود عنها ؛
المستوى الثاني : التخليق ، فأكثر ما أضعف الرأسمال المعنوي للقضاء ما يوسم به في الداخل والخارج من إنتشار للرشوة واستغلال النفوذ وسيادة تضارب المصالح وضعف الوزاع الأخلاقي ، والمحقق أن معالجة هذه النقطة لن تكون قطاعية مقتصرة على قطاع العدل
وحده ، وإنما يجب أن تندرج في إطار استراتجية وطنية شمولية هدفها تخليق المجتمع والحياة العامة ؛
المستوى الثالث : الحكامة ، فإذا كنا قد توافقنا على جعل العنصر البشري هو ثروة القضاء المغربي ، فيجب أن يوظف توظيفا رشيدا يراعي حسن التدبير سواء على المستوى الأفقي المتمثل في إسناد المسؤوليات القضائية أو على المستوى العمودي المجسم في توزيع المهام بمختلف المحاكم بما يحقق للمرفق الفعالية ورفع المردودية وجودة الخدمات والتواصل وثقة المرتفقين ، لكن للآسف تدبير الموارد البشرية في معظم القطاع حتى لا نقول في جله محكوم بإعتبارات عتيقة عفا عنها الزمن وهي تناقض في خلفياتها وأهدافها جوهر الخطاب الرسمي نفسه .
قد يعترض معترض فيقول إن تقييم الرأسمال غيرالمادي يفترض بداهة مقابلته برأسمال مادي ملموس ، والقضاء ليس قطاعا إقتصاديا يمكنه أن ينتج قيمة مالية مضافة ، لكن المحاولة تجد مشروعيتها في أن تقييم الرأسمال غير المادي للأمة يستتبع تقييم الرأسمال غير المادي بكل مفرداته وعناصره ، فإذا كان القضاء عنصرا في الرأسمال اللا مادي ، أفلا يكون حريا بنا تقييم الرأسمال غير المادي للقضاء قصد الوقوف على العناصر التي تنمي مساهمته في الرأسمال اللا مادي العام للبلاد ورصد السلبيات التي تعيق مساهمته في هذا الرأسمال
الوطني المجرد ، فأين تكمن إذن ثروة القضاء المغربي ؟
إن متحري الإجابة لا شك سيذهل لتضاؤل الرأسمال غير المادي للقضاء ، فمن جانب يصعب الحديث عن ثرات قضائي مغربي ، فالعمل القضائي محكوم بالتضارب وعدم الاستقرار ونسبة الجودة فيه ضعيفة وحتى جانبه المندرج في خانة الاجتهاد غير مؤثر في محيطه سواء في التثاقف المنشود في علاقة المحاكم ببعضها من جهة وفي علاقتها بالفقه والجامعة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي من جهة ثانية ،
كما لا يمكن القول بتشكل ملامح مدرسة قضائية مغربية على غرار المدارس القضائية المعروفة في العالم ؛ والدليل غياب القضاة المغاربة عن المحاكم التحكيمية الدولية وعن محاكمات جرائم الحرب في روندا ..، وغيرها . وحتى على الصعيد الإقليمي فقد همس أكثر من مسؤول في الإدارت القضائية بدول الخليج العربي بفشل تجربة الاستعانة بالقضاة المغاربة الذين كان عطاؤهم متواضعا ، مقارنة بعطاء باقي الجنسيات العربية الأخرى ، وعلى مستوى بلورة أعراف قضائية مكرسة للمكانة المعنوية والوضع الاعتباري للمهنة ، لن نبالغ إذا قطعنا بالتدهور المضطرد للأعراف القضائية خاصة بعد إنسحاب القضاة الفرنسيين بعيد المغربة في 1965 ، وتناقص أعداد القضاة الفقهاء القادمين من التعليم الإسلامي بمختلف مشاربه ، دون أن نغفل التساهل في معايير الالتحاق بالقضاء ، لدرجة صارت معه أزمة القضاء المغربي في كثير من الفترات أزمة أخلاق .
وأمام كل هذه العوائق لن نرسم صورة سوداوية عن الوضع ، فلا تزال نقطة قوة القضاء المغربي في عنصره البشري ، والشاهد أن تاريخ القضاء في المغرب المعاصر كان دائما تاريخ أشخاص وليس تاريخ المؤسسة ذاتها ، فحين يعبر البعض بشكل جارف عن استقلاليته أو يتعفف عن بعض الممارسات أو يتخذ بعض المواقف الوطنية المشرفة ، فإن ذلك لا يعبر عن إتجاه عام داخل الجهاز، وإنما عن اسثتناءات تؤكد القاعدة ولا تنفيها ، والإيجابي في الأمركله أن تركيبة العنصر البشري داخل الجهاز عرفت تغييرات عميقة في السنوات الأخيرة ، جسدها نمو أعداد الشباب ؛ وإرتفاع نسب حاملي الشواهد العليا ؛ وتصاعد ملحوظ لنسب القضاة المتشبعين بقيم التخليق ، على أن أزمة الموارد البشرية تبقى في سوء توظيفها ، فلا تزال المواقع الأمامية في القيادة وعلى منصات القضاء حكرا على القضاة المضمون ولائهم ، ولا يزال الإصرار ثابتا في استبعاد المتمسكين باستقلاليتهم وعدم توظيفهم للرقي بالعملية القضائية .
ومن النقط التي يمكن إحتسابها في الرأسمال اللا مادي للقضاء بالمغرب ، نقطتان أعتبرهما أساسيتان وهما ؛ تعددية الجمعيات المهنية الممثلة للقضاة ، إذ أظهرت هذه الجمعيات دينامية في مواكبة وتوجيه الشأن القضائي ورفع بعضها سقف المطالب بشكل أحرج السلطة الحكومية ( نادي قضاة المغرب نموذجا ) ، وتتجسد النقطة الايجابية الثانية في أن استقلال القضاء لم يعد شأنا خاصا بالسلطة السياسية وبالقضاة ، وإنما أصبح شأنا مجمتعيا يهم كل أطياف المجتمع ، ورغم اقتصار مضامين المساهمة المجتمعية في هذا المجال على النقد السلبي أكثر من التوجيه البناء ، فإن الظاهرة في عمومها صحية وستساهم مستقبلا في بناء قضاء فاعل ومستقل .
وعلى كون تضاؤل الرأسمال غير المادي للقضاء بالمغرب واقعا لا يرتفع ، فإننا لا نعيره كبير إهتمام إلا إذا جاءتنا ومضات الإنذار من الخارج وآخرها رفض محكمة أوستين ، في غرب ولاية تكساس الامريكية تذييل حكم مغربي بالصيغة التنفيذية في أمريكا بداعي عدم استقلال القضاء بالمغرب ، لذا أعود إلى ما استهللت به الموضوع لأقطع بأن كل نقطة يفقدها القضاء في رأسماله المعنوي لابد ستستنزل من الرأسمال العام غير المادي للبلاد .
إن أزمة القضاء المغربي تلخصها بالبنط العريض جملة واحدة توجز كل شيء هي ؛ الفشل في تنزيل الأمن القضائي على أرض الواقع . خلاصة عقدت من أجلها المناظرات ودبجت بشأنها التقارير ولن تعرف طريقها للمعالجة إلا بالوقوف على ثلاث مستويات أعتبرها جوهرية وحاسمة :
المستوى الأول : الاستقلالية ، وقد أسندت لها قوانين متقدمة سواء في متن الدستور أو خارجه ، لكن تجسيدها على أرض الواقع يتطلب مجهودين كبيرين ؛ أولهما تنحي كل مراكز القوى على اختلاف أطيافها عن التأثير في القضاء . وثانيهما مجهود داخلي يأتي من القضاة
أنفسهم ينمي فيهم الاعتداد باستقلاليتهم والدود عنها ؛
المستوى الثاني : التخليق ، فأكثر ما أضعف الرأسمال المعنوي للقضاء ما يوسم به في الداخل والخارج من إنتشار للرشوة واستغلال النفوذ وسيادة تضارب المصالح وضعف الوزاع الأخلاقي ، والمحقق أن معالجة هذه النقطة لن تكون قطاعية مقتصرة على قطاع العدل
وحده ، وإنما يجب أن تندرج في إطار استراتجية وطنية شمولية هدفها تخليق المجتمع والحياة العامة ؛
المستوى الثالث : الحكامة ، فإذا كنا قد توافقنا على جعل العنصر البشري هو ثروة القضاء المغربي ، فيجب أن يوظف توظيفا رشيدا يراعي حسن التدبير سواء على المستوى الأفقي المتمثل في إسناد المسؤوليات القضائية أو على المستوى العمودي المجسم في توزيع المهام بمختلف المحاكم بما يحقق للمرفق الفعالية ورفع المردودية وجودة الخدمات والتواصل وثقة المرتفقين ، لكن للآسف تدبير الموارد البشرية في معظم القطاع حتى لا نقول في جله محكوم بإعتبارات عتيقة عفا عنها الزمن وهي تناقض في خلفياتها وأهدافها جوهر الخطاب الرسمي نفسه .