مقدمة:
أحمدك اللهم وفاء بربوبيتك، وقياما بحق شكرك، فلك الحمد في الأولى والآخرة. وأصلي وأسلم على نبيك الذي بعثته رحمة للعالمين، فقلت وقولك الحق: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾[1]، وجعلت شريعته خاتمة الشرائع فقلت في محكم تنزيلك: ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين﴾[2]وضمّنتها مبدأ العدل فقلت: ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾[3] .
فمنذ مدة طويلة وكلمة القضاء وإصلاح القضاء تتقاذفها أفواه المفكرين والمختصين. ولا شك اليوم،أن جهاز القضاء المغربي يحضى بأهمية بالغة جعلت منه موضوعا للعديد من الخُطب والرسائل الملكية. إذ لن تجد كلمة في العُشرية الأولى من حُكم جلالة الملك محمد السادس ذُكرت بدون كلل وفي كل مناسبة،أكثر من كلمة "القضاء". والهدف واحد، هو إصلاح القضاء حتى يكون نزيها،مستقلا،مواكبا للتطورات والأزمات التي تعصف بالمجتمع اليومَ وغدا كما هو بالأمس القريب، ومساهما في بناء دولة الحق والقانون.
ومن المجحِف جدا أن نتكلم عن إصلاح القضاء دون أن نلتفت لحق أساسي وجوهري هو حق التقاضي،كأعظم وأقدم حق سواء في التشريع الوضعي أو الإلهي.هذا الحق لا ينال الضمان إلا إذا وجدت سلطة مستقلة ونزيهة،أشخاصها مؤهلون علميا وأخلاقيا.كما أن إحقاق هذا الحق يكون ضربا من المستحيل إذا لم يُثبت صاحبه ما يدعيه.
ومن تم كان الإثبات من مستلزمات حق التقاضي،وركنا ركينا لضمان سير قاطرة العدالة على سكة سوية نحو محطة الحقيقة.
وأهمية الإثبات تكمن في وسائله؛ ذلك أن الأسلوب الذي يتبعه القاضي في الإثبات يتوقف عليه إحقاق الحق ورجحان ميزان العدالة به،وإن فساد الأسلوب في الإثبات يحول دون وصول الناس إلى حقوقهم[4].
ولعل من أهم الوسائل والأساليب التي يعتمدها القاضي في الإثبات،ما يصطلح عليه "بالخبرة".
هذه الأخيرة لطالما سلّطت أضواء الحق على بؤر مبهمة لعدة قضايا أرّقت الرأي العام وأرعبته إلى حين. وما كان للقاضي أن يصل إلى تفسيرات منطقية ومعقولة لهذه القضايا دون الاستعانة بآراء الخبير التي تلعب دور الرحى في الكشف عن الحقيقة. وهذا ليس بانتقاص للقاضي،بل إنه لا تكليف إلا بمُستطاع.فهو رجل خبير في القانون لا خبيرا في العلم المحض.ولو افترضنا في الناس الكمال لما احتاج أحدنا للآخر،وهذا أمر لا يمكن تصوره في عالَم البشر،وإنما هو وقف على الخالق وحده، قال تعالى:﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾. لذا كان لزاما على القاضي باعتباره من بني البشر أن يلجأ إلى أهل الخبرة،سيما في عصر تفاقمت فيه مظاهر الجريمة واستأسدت. وانتشرت فيه ثقافة العنف،وصار العِلم نقمة يستغله مجرمون محترفون حسب أهوائهم.
فالخبرة إذن، فضل لمن كان أهلا لها،عبئ على من ابتُلي بها،لكنها فوق هذا وذاك تاج فوق جبين من يتحلى بها.
والحق نقول، أن أهمية الخبرة ودورها في إثبات الحقائق،يزداد حينما يتعلق الأمر بمجال خصب سريع التقلب كالمجال الجنائي.ذلك أن القاضي الجنائي كثيرا ما تعرض عليه قضايا متشابكة يطغى عليها
الجانب التقني أو العلمي البحت،خاصة إذا كان موضوع هذه القضايا جرائم قتل معقدة،فما يكون منه إلا أنه يَهُب للاستعانة بخبير متخصص في المجال.
ونتيجة لهذا التعاون بين العلم والقضاء،أضحت العدالة اليوم هدفا هيّنا صار في متناول اليد؛ فالقاضي بفراسته واجتهاده،والخبير بعلومه وتقنياته، يتحدان معا لبلوغ هذا الهدف.
وعليه،وانسجاما مع ما سبق بيانه،تبنى المشرع نظام الخبرة في قانون المسطرة المدنية. وهو توجه رشيد يبرز بجلاء وعي المشرع بأهمية الخبرة ودورها في تمكين القاضي من اختصار الكثير من الجهد،واقتصاد الوقت، بغية الوصول إلى الحقيقة والتماس طريق الصواب.
والخبرة الجنائية بالخصوص،تعد الوسيلة المثلى لسير التحقيق وفق الصورة المرجوة.لذا حق علينا القول أن الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات الجنائية وإجراء من إجراءات التحقيق. وهذا الطابع الازدواجي هو الذي جعل مهمة الخبير ضرورية في كثير من المسائل الجنائية بل وحاسمة في معظم الأحيان. صحيح أن هذه الضرورة لا تصل إلى درجة الحتمية، وأن القاضي الجنائي يملك زمام القضية ويتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تقدير الخبرة وفق شروط وضوابط سنعرض لها لاحقا، لكن حسبُنا القول أن الخبرة وسيلة تنويرية إذا خلت من حكم أو من قرار يتوقف عليها، فإن ذلك سيكون إجحافا للعدالة وتَعدّ على الحق. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الأهمية الكبيرة للخبرة كإجراء ازدواجي يفيد في التحقيق وفي الإثبات .
وإذا كنا لا نشك من جهتنا في أي وقت من الأوقات في مدى نجاعة إجراء الخبرة كآلية لتحقيق العدالة. فإن الإشكالية التي آن أوان البحث عن إجابات مقنعة لها هي كالآتي:
هل للخبرة من أثر في حُكم القاضي الجنائي؟
إجابتنا عن هته الإشكالية دفعتنا إلى دراسة السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تقدير تقرير الخبير، وهو الأمر الذي سنستنتج من خلاله في الأخير أثر الخبير من عدمه.
المبحث الأول: ماهية السلطة التقديرية وضوابطها
كمُسَلّمة أولية نقول إن السلطة التقديرية للقاضي الجنائي هي تلك الرخصة التي منحها إياه المشرع الجنائي[5].
وللإحاطة بهذه السلطة لا بد من الوقوف على ماهيتها في مطلب أول، وعلى ضوابطها ومحدداتها في مطلب ثان.
المطلب الأول: ماهية السلطة التقديرية
غالبا ما يحيل مفهوم السلطة التقديرية على مفهوم الاقتناع الذي يؤسس - في المجال الجنائي- على أكبر قدر من اليقين، اعتبارا لكون الأحكام القضائية تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين. وعلى القاضي في سبيل تكوين قناعته،سلوك طريق الاستدلال بالافتراضات الاحتمالية وإعمال معايير الحقيقة...[6]، التي هي غايته أولا وأخيرا . فإذا وصل القاضي إلى "حالة ذهنية" استجمع فيها كافة عناصر وملامح الحقيقة الواقعية، واستقرت هذه العناصر والملامح في وجدانه وارتاح ضميره للصورة الذهنية التي تكونت واستقرت لديه عن تلك الحقيقة، فهنا يمكننا القول أن القاضي وصل إلى "حالة الاقتناع".
بعد هذه التوطئة، نرى أنه قد آن أوان طرح السؤال الآتي: هل يخضع تقرير الخبير لاقتناع القاضي ولسلطته التقديرية على النحو المبيّن آنفا؟ .
نشير في هذا السياق إلى أن تقرير الخبير وإن كان يعد مبدئيا دليلا من أدلة الإثبات في الدعوى، إلا أنه ليس بالدليل القاطع والحاسم فيما يُفرض على القاضي الجنائي فرضا. وإنما هو عبارة عن وثيقة يدخل مضمونها ضمن مجال سلطة القاضي التقديرية. وهذا ما أكدته الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القانون رقم 45.00 التي نصت على الآتي:
« يمكن للمحاكم أن تستعين بآراء الخبراء القضائيين على سبيل الاستئناس دون أن تكون ملزمة لها ».
هذا المقتضى نجد له صدى في القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 26 نونبر 1959 الذي أكد على أن "تقديرات الخبراء القضائيين المعينين لا تلزم محاكم الموضوع".
ومما لاجدال فيه، وطبقا للقواعد الإجرائية العامة ، أنه يبقى دائما من حق قضاة الدرجة الثانية أن يتبنوا الخبرة التي أنجزت على مستوى الدرجة الابتدائية. ولهم حق إلغائها كليا أوجزئيا حسب ما يقتنعون به، بل أكثر من ذلك لهم أن يأمروا بإجراء خبرة جديدة. كلما بدا لهم أن في ذلك فائدة، شريطة "تعليل" مواقفهم التي ارتكزوا عليها في هذا الباب.عملا بما جاء في القرار الصادر عن المجلس الأعلى في 17ماي 1983 ،والذي نص بصريح العبارة على أنه:"...يجب أن يكون كل حكم معللا وإلا كان باطلا..."[7] .
هذا فيما يخص سلطة القضاء الجنائي إزاء تقرير الخبير على مستوى المحاكم الابتدائية. أما محاكم الاستئناف، فهي غير مقيدة بما تضمنه تقرير الخبرة المنجزة في المرحلة الابتدائية. لكن إذا بدا لها العكس، فعليها بالتعليل والتبرير، تحت طائلة تعرّض قرارها للنقض.
بقيت نقطة أخيرة في هذا الباب، هي المتعلقة بمركز وسلطة محكمة النقض من إجراء الخبرة.
هنا نؤكد على أن هذه الأخيرة باعتبارها محكمة قانون، لا يجوز أصلا بصفة مطلقة إجراء خبرة أمامها.
دليلنا في ذلك أن الخبرة لها ارتباط وثيق بالجانب الواقعي الموضوعي للدعوى أكثر من جانبها القانوني.كما لا يمكن مطلقا للخصم في الدعوى أن يجادل ولأول مرة أمام قضاء محكمة النقض في مسائل لم يسبق عرضها أمام قضاء الموضوع
المطلب الثاني: ضوابط ومحددات السلطة التقديرية
رغم سيادة مبدأ حرية القاضي الجنائي في الاقتناع والتقدير وعدم خضوعه لرقابة محكمة النقض. إلا أن هذه الحرية لا ينبغي أن تفهم على أساس أنها حرية مطلقة وغير منضبطة. بل هي حرية لها أصول وضوابط يجب اتباعها حرصا على صيانة الحق، وحفاظا على قدسية وحسن تطبيق القانون. وباختصار شديد يمكن حصر أهم هذه الضوابط فيما يلي:
أولا: تعليل وتسبيب الأحكام:
سبقت الإشارة أعلاه إلى أن تقدير القاضي لتقرير الخبير لا يخضع لرقابة محكمة النقض. لكن هذا لا يمنعها من مراقبة صحة الأسباب التي استدل بها على هذا الاقتناع.
فالتسبيب له أهمية كبيرة، إذ يبين الأسانيد التي بُني عليها الحكم القضائي.وبالتالي يجب أن تكون الأسباب مدونة ومفصلة ومتسقة، فإذا لم تكن كذلك كان الحكم باطلا . لذلك يجب أن يبين الحكم الأدلة التي استند إليها، ويجب أن يرد على الدفوع الجوهرية التي أبداها الخصوم وإلا كان الحُكم قاصرا في التسبيب[8].
ثانيا: استخلاص الاقتناع القضائي بالعقل والمنطق:
يلتزم القاضي بأن يبني اقتناعه على عملية عقلية منطقية تقوم على الاستقراء والاستنباط ينتهي في ختامها إلى نتيجة معينة... .فهو حر في أن يعتقد أو لا يعتقد في قيمة الأدلة المطروحة ولكنه لا يملك التحكم في
هذا الاعتقاد، فاليقين المطلوب عند الاقتناع ليس هو اليقين الشخصي للقاضي المؤسس على هوى عواطفه أو حدسه العاطفي، وإنما هو اليقين القضائي الذي يصل إليه بناء على العقل والمنطق[9].
ثالثا: طرح الدليل للمناقشة:
بطبيعة الحال، يجب أن يستند القاضي في حكمه إلى دليل عُرض في الجلسة علنيا وتمت مناقشته وإلا كان الحكم معيبا يستوجب نقضه.
وهذا ما درج عليه القضاء المغربي من خلال القرار الصادر عن المجلس الأعلى الذي جاء فيه:"...لا يمكن للقاضي أن يبني مقرره إلا على حجج عُرضت أثناء الإجراءات ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامه...[10] . نفس المقتضى أكدته المادة 287 من ق.م.ج.
المبحث الثاني: السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في بعض نماذج الخبرة( الخبرة الطبية)
لم يستفد علم من العلوم من تطبيق عدد هائل من المناهج مثل ما حصل في مادة علم الإجرام[11]. وعلى رأس هذه المناهج"المنهج العلمي التجريـبي" الذي واكب تطور الفعل الإجرامي.
فقد شهد العالم المعاصر تطورا كبيرا في ميدان الجريمة، حيث استغل الجناة ما تيسره لهم ثورة الاتصالات والتطور الهائل في ميدان المعلوميات لاستحداث أنواع جديدة من الجرائم[12]. إلا أن هذا التطور الذي عرفته الساحة الإجرامية، مهّد الطريق لظهور مضاد فعال، يطلق عليه:"الطب الشرعي" .
فالطب الشرعي فرع من فروع الطب يختص في تشخيص سبب الوفاة، الجنائية[13]. وهو الذي يقول : : Gilles trimaille فيه الأستاذ
"La médecine légale est considérée comme «une science spécilale»dont le but final «n`est pas de guérir» mais seulement de «diriger le juge et l`éclairer pour lui faire connaitre la vérité».[14] "
أي أن الهدف من الطب الشرعي أو الخبرة الطبية ليس هو الشفاء، بقدر ما أن الهدف هو إنارة طريق القاضي من أجل معرفة الحقيقة. وتجدر الإشارة إلى أن الخبرة الطبية نظرا لدقتها فهي ليست كمعظم
الخبرات الأخرى التي تقتصر على إبداء مجرد ملاحظات مادية بل إن مجالها يمتد ليشمل مصير الإنسان كبشر[15].
إذن بعد هذه التوطئة التي كان لا بد منها، سوف نقف على التقرير الطبي الشرعي الموجه إلى القضاء (المطلب الأول) ، لننتقل بعد ذلك لبيان قيمته أو حجيته الإقناعية (المطلب الثاني) .
المطلب الأول: التقرير الطبي الشرعي الموجه إلى ساحة القضاء
يعد التقرير الطبي الشرعي واحدا من بين أهم التقارير الموجهة إلى القضاء الجنائي والمتمثلة أساسا في شهادة الوفاة والشهادة الطبية. فالتقرير الطبي الشرعي هو ثمرة ذلك الإجراء القاضي بالخبرة والذي تأمر به السلطات القضائية في مرحلة التحقيق أو خلال مرحلة المحاكمة. ولم يتول المشرع المغربي تحديد شكل
معين ينبغي أن يتقيد به الخبير في صياغته لهذا التقرير، غير أن الدارس له يلاحِظ لأول وهلة العناصر الآتية :
1- الديباجة: ويجب أن تتضمن بدورها جملة من العناصر من بينها: اسم الخبير، وصفته (ما إذا كان جرّاحا أو طبيبا نفسيا)، والجهة الرسمية المنتدِبة له، ونوعية المهمة موضوع الانتداب، وكذا بيان هوية الشخص الذي ستجرى عليه عملية الخبرة... .
2- الوثائق: في هذا الشق من التقرير، يقوم الطبيب بعرض الوثائق التي سُلّمت إليه،على أن يبرز نوعها ومصدر حصوله عليها،واسم الجهة التي سلمته إياها،وتاريخ التسليم[16] .
3- الفحص: في هذا الإطار، يتولى الخبير استعراض مختلف التحقيقات والمعاينات التي قام بها مع إظهار ملاحظاته من خلال الفحص الذي قام به أو من خلال استنطاقه للمشتبه فيه- في حالة الخبرات المنجزة في إطار الطب الشرعي النفسي،كما قد يورد بعض التصريحات التي أفاده بها الضحية من أجل تحديد نتائج مهمته.
4- المناقشة: يقوم الخبير في هذه الفقرة من التقرير بالاستعراض المقتضب لمجمل وقائع النازلة التي انتُدب من أجل إنجاز تقريره الطبي فيها،بعد ذلك يقوم بمناقشة الحالة الطبية للضحية،ليخلص في النهاية إلى مناقشة هذه الحالة من الوجهة الطبية الشرعية.
5- النتيجة: في خاتمة تقريره، يعبر الخبير(الطبيب الشرعي) عن رأيه تجاه الإشكاليات المراد توضيحها،فضلا عن أنه يبين المناهج العلمية التي اعتمدها للوصول إلى النتيجة المرجوة. كما عليه أن يشهد بأنه قام بالمهمة الموكولة إليه بصفة شخصية، على أن يُذيّل التقرير بتوقيعه. وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 205 من ق.م.ج. ثم يودعه بعد ذلك لدى كتابة ضبط المحكمة المعنية.
ليأتي بعد ذلك الدور القضائي الذي سيكون محور نقاشنا في الفقرة الموالية.
المطلب الثاني: القيمة الإقناعية للتقرير الطبي الشرعي
مضى القول أن تقارير الخبراء هي مجرد آراء تقنية، للقاضي أن يستأنس بها أثناء بته في النازلة، وله أن يحيد عنها متى خالفت قناعته. لأن القاضي -كما أسلفنا- لا يقضي إلا وفقا لاقتناعه الصميم واعتقاده الجازم، والحكم بالإدانة لا ينبني على الاستدلال،وإنما ينبني على "الدليل اليقيني القابل للتعليل".
لكل هذه الأسباب وغيرها، استقر الاجتهاد القضائي المغربي على اعتبار أعمال الخبرة ونتائجها المضمّنة بالتقرير الطبي الشرعي غير ملزمة للقاضي ولا تشكل قيدا في تكوين قناعته؛ فله أن يأخذ
بنتائجها ويعتمدها في إصدار حكمه وله أن يستبعدها إلى غيرها من عناصر الدعوى الأخرى مما
قد يعينه على الفصل فيها، ولا شيء عليه في ذلك[17].
وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرار له اعتبر فيه " أن آراء الخبراء المنتدبين من طرف القضاة ليست مفروضة على القاضي"[18] .
وهذا مبدأ عام سرعان ما قيده الاجتهاد القضائي بشرط أساسي يتمثل في تسبيب وتعليل الحكم القاضي باستبعاد تقرير الخبير.هذا ما نفهمه من خلال استقراء القرار رقم 545 المؤرخ في 11فبراير1960 الصادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض) ، الذي جاء فيه (وأقتبس) : "حيث أن تقدير البيانات المضمنة في تقرير خبير وملاءمة الأمر بإجراء خبرة تكميلية يدخل في إطار سلطات قضاة
الموضوع الذين بينوا في هذه القضية مواضع النقض التي حدت بهم إلى استبعاد تقرير الخبير وعللوا مقررهم بملاحظات واقعية لهم فيها السلطة التقديرية ".
بهذا نكون قد أنهينا الشق الأخير من هذا الموضوع.لكن وقبل أن نغلق باب موضوعنا، يبقى علينا حق أخير يلزمنا الوفاء به له، يتعلق الأمر بالخاتمة .
خاتمة:
وأخيرا نصل إلى الخاتمة، وهي على كل حال محاولة تجميعية بأدوات شخصية، نؤكد من خلالها ما ثبت ذكره، ونتدارك فيها ما تعذّر بيانه.
ففي سبيل فهم واستيعاب مفهوم السلطة التقديرية، استطردنا في شرحه من حيث المفهوم والضوابط. فتيسرت لنا دراسة هذه السلطة من زاوية الخبرة الطبية، والتي لاحظنا من خلالها كيف أن نتائج التقرير الطبي لا تقيد القاضي الجنائي، ويمكن أن يطرحها جانبا إذا لم يقتنع بها وجدانه الخالص.
إلا أن المسألة لا يصح أن تُفهم على إطلاقها، وإلا لما كان لأهل الخبرة أثر في حكم القاضي الجنائي
ولما بقيت لموضوعنا هذا قيمة تُذكر أو أهمية تُعتبر.
لكن حَسبُنا القول،أن تقرير الخبير خاصة التقرير الطبي،يبقى له طابع الإلزام متى غاب التعليل والتسبيب في حكم قاضي الموضوع. أما إن حضر التعليل فلا مبرر للإلزام. لأن القاضي حر في تكوين قناعته بناء على ما اقتنع به من أدلة أخرى قد تفوق في حجيتها تقرير الخبير.
ومهما يكن، فإنه لا أحد يستطيع أن ينكر ولو لوهلة، العلاقة الجدلية والوظيفية الوثيقة والمترابطة ما بين القاضي والخبير. فهي علاقة تكامل تهدف إلى تقصّي الحقيقة لتصبح عارية أمام الملأ.
لذلك نناشد بضرورة الاعتناء بسلك الخبراء كسلك مساعد للقضاء، وإن كان المشرع المغربي قد استجاب لبعض مطالب الخبراء؛ فوضع إطارا قانونيا خاصا لعمل هؤلاء، من خلال إصدار القانون 45.00 المنظم للمهنة.
غير أن هذه "الإضافة التشريعية" - في نظري- لم تصل بعد إلى مستوى "الطفرة التشريعية". ولن تصل إلى هذا المستوى ما دمنا لا نراهن على إشراك كل الفاعلين في إصلاح منظومة العدالة. وعلى رأس هؤلاء الفاعلين، الخبراء القضائيين.
إلا أننا ومن هذا المنبر، نُثمّن ما قامت به بلادنا من مجهودات قيمة في سبيل إصلاح وتطوير مهنة الخبير من خلال منحها الاعتراف الصريح والواضح. وهذا وحده كان يشكل مطلبا أساسيا للعديد من الخبراء. وهذه ليست مجاملة ولا إثراء، وإنما هو واقع بدليل نصي. وإن كان هذا لا يمنعنا من القول أن مهنة الخبير – خاصة ذاك الذي له علاقة بالقضاء الجنائي- في حاجة ماسة إلى تعديل شامل للقانون المنظّم، بنصوص تتضمن إجراءات وتدابير لتعزيز نزاهة المهنة وتخليقها. فظاهرة التلاعب في المحاضر والتقارير التي ينجزها بعض الخبراء، إما عن جهل أو سوء نية، تشكل خطورة كبيرة على المؤسسات الديمقراطية في البلاد، ومنها مؤسسة القضاء. من غير أن ننسى المتضرر الأول والأخير، وهو المتقاضي، الذي قد يجد
نفسه ضحية النفوذ في عالم السلطة والمال. فالخبير أصبح لا يُنسب للمهنة إلا بالاسم، أو لأنه لا يعطي للفتوى المطلوبة منه ما تستحق من جدّ وعناية. أو لأنه يبيع ضميره لمن يدفع أكثر...
وحبّذا لو يتم إحداث هيئة قضائية مكوّنة تكوينا متخصصا عاليا في كل محكمة،تكون تابعة لوزارة العدل والحريات،يخضع أعضائها لظهير 24 فبراير 1958م المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية،
بحيث تكون مهمتها رقابية محضة. حتى إذا ما عُرض على القاضي تقرير خبير منتدب، يحيله مباشرة على هته الهيئة التي لا ريب في أنها ستكون أهلا لاكتشاف مكامن الصحة أو الخلل فيه، وبالتالي تقرير مصداقيته من عدمها. والهدف - بطبيعة الحال- من كل هذا، إنما هو نشر الشفافية في ارتباط وثيق بإصلاح السلطة القضائية وعصرنتها، توطيدا لأسس الديمقراطية، وتحقيقا للأمن القضائي، فضلا عن ترسيخ الثقة اللازمة بين المتقاضي ومرفق القضاء بما يحقق التنمية الشاملة في هذا البلد. إذ لا يمكن للقضاء أن ينال المكانة الجديرة به، إلا إذا اكتسب ثقة المتقاضي التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال ما يتحلى به القضاة من نزاهة وتجرد واستقامة واستقلال عن أي تدخل أو تأثير.
وصدق جلالة الملك محمد السادس - نصره الله – يوم قال: "...وإننا لنعتبر أن استقلال القاضي بمعناه الحق... لا تكفله الوسائل القانونية مهما كانت متوافرة وإنما يكفله قبل كل شيء الميثاق الذي بينه وبين ضميره، فهو رقيبه الذاتي الدائم والوسيلة المثلى لتحصين نفسه من كل تأثير أو انحراف وهو يقوم برسالته النبيلة...".
والحق أنني كلما توقفت على هذا الخطاب،كلما تذكرت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - الذي كان قوّاما بالقسط والعدل حتى على نفسه، فَظَلّ مِثالُه مُلهما لبعضنا، ومحرجا لمعظمنا، والأجيال لن تتوقف عن المقارنة. وهي مقارنة قاسية، قاسية بالفعل.
وأخيرا، فإنه رغم الجهد الذي بدلناه، فإننا لا نزعم أننا أشرفنا الغاية، فقد وقفنا دون حد الكمال الذي ناشدناه، وهو وَقْفٌ على الخالق وحده وجميعا أمامه نتهالك. ولا نملك إلا أن نلتمس العذر من القارئ
على ما يجده من أوجه القصور، وما يكتشفه من عيب أو خطأ هو في البشر صفة لازمة. وحسبُنا أن يكون هذا العمل بداية على درب جاد وحافل بالعطاء .
أحمدك اللهم وفاء بربوبيتك، وقياما بحق شكرك، فلك الحمد في الأولى والآخرة. وأصلي وأسلم على نبيك الذي بعثته رحمة للعالمين، فقلت وقولك الحق: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾[1]، وجعلت شريعته خاتمة الشرائع فقلت في محكم تنزيلك: ﴿ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين﴾[2]وضمّنتها مبدأ العدل فقلت: ﴿وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾[3] .
فمنذ مدة طويلة وكلمة القضاء وإصلاح القضاء تتقاذفها أفواه المفكرين والمختصين. ولا شك اليوم،أن جهاز القضاء المغربي يحضى بأهمية بالغة جعلت منه موضوعا للعديد من الخُطب والرسائل الملكية. إذ لن تجد كلمة في العُشرية الأولى من حُكم جلالة الملك محمد السادس ذُكرت بدون كلل وفي كل مناسبة،أكثر من كلمة "القضاء". والهدف واحد، هو إصلاح القضاء حتى يكون نزيها،مستقلا،مواكبا للتطورات والأزمات التي تعصف بالمجتمع اليومَ وغدا كما هو بالأمس القريب، ومساهما في بناء دولة الحق والقانون.
ومن المجحِف جدا أن نتكلم عن إصلاح القضاء دون أن نلتفت لحق أساسي وجوهري هو حق التقاضي،كأعظم وأقدم حق سواء في التشريع الوضعي أو الإلهي.هذا الحق لا ينال الضمان إلا إذا وجدت سلطة مستقلة ونزيهة،أشخاصها مؤهلون علميا وأخلاقيا.كما أن إحقاق هذا الحق يكون ضربا من المستحيل إذا لم يُثبت صاحبه ما يدعيه.
ومن تم كان الإثبات من مستلزمات حق التقاضي،وركنا ركينا لضمان سير قاطرة العدالة على سكة سوية نحو محطة الحقيقة.
وأهمية الإثبات تكمن في وسائله؛ ذلك أن الأسلوب الذي يتبعه القاضي في الإثبات يتوقف عليه إحقاق الحق ورجحان ميزان العدالة به،وإن فساد الأسلوب في الإثبات يحول دون وصول الناس إلى حقوقهم[4].
ولعل من أهم الوسائل والأساليب التي يعتمدها القاضي في الإثبات،ما يصطلح عليه "بالخبرة".
هذه الأخيرة لطالما سلّطت أضواء الحق على بؤر مبهمة لعدة قضايا أرّقت الرأي العام وأرعبته إلى حين. وما كان للقاضي أن يصل إلى تفسيرات منطقية ومعقولة لهذه القضايا دون الاستعانة بآراء الخبير التي تلعب دور الرحى في الكشف عن الحقيقة. وهذا ليس بانتقاص للقاضي،بل إنه لا تكليف إلا بمُستطاع.فهو رجل خبير في القانون لا خبيرا في العلم المحض.ولو افترضنا في الناس الكمال لما احتاج أحدنا للآخر،وهذا أمر لا يمكن تصوره في عالَم البشر،وإنما هو وقف على الخالق وحده، قال تعالى:﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا﴾. لذا كان لزاما على القاضي باعتباره من بني البشر أن يلجأ إلى أهل الخبرة،سيما في عصر تفاقمت فيه مظاهر الجريمة واستأسدت. وانتشرت فيه ثقافة العنف،وصار العِلم نقمة يستغله مجرمون محترفون حسب أهوائهم.
فالخبرة إذن، فضل لمن كان أهلا لها،عبئ على من ابتُلي بها،لكنها فوق هذا وذاك تاج فوق جبين من يتحلى بها.
والحق نقول، أن أهمية الخبرة ودورها في إثبات الحقائق،يزداد حينما يتعلق الأمر بمجال خصب سريع التقلب كالمجال الجنائي.ذلك أن القاضي الجنائي كثيرا ما تعرض عليه قضايا متشابكة يطغى عليها
الجانب التقني أو العلمي البحت،خاصة إذا كان موضوع هذه القضايا جرائم قتل معقدة،فما يكون منه إلا أنه يَهُب للاستعانة بخبير متخصص في المجال.
ونتيجة لهذا التعاون بين العلم والقضاء،أضحت العدالة اليوم هدفا هيّنا صار في متناول اليد؛ فالقاضي بفراسته واجتهاده،والخبير بعلومه وتقنياته، يتحدان معا لبلوغ هذا الهدف.
وعليه،وانسجاما مع ما سبق بيانه،تبنى المشرع نظام الخبرة في قانون المسطرة المدنية. وهو توجه رشيد يبرز بجلاء وعي المشرع بأهمية الخبرة ودورها في تمكين القاضي من اختصار الكثير من الجهد،واقتصاد الوقت، بغية الوصول إلى الحقيقة والتماس طريق الصواب.
والخبرة الجنائية بالخصوص،تعد الوسيلة المثلى لسير التحقيق وفق الصورة المرجوة.لذا حق علينا القول أن الخبرة وسيلة من وسائل الإثبات الجنائية وإجراء من إجراءات التحقيق. وهذا الطابع الازدواجي هو الذي جعل مهمة الخبير ضرورية في كثير من المسائل الجنائية بل وحاسمة في معظم الأحيان. صحيح أن هذه الضرورة لا تصل إلى درجة الحتمية، وأن القاضي الجنائي يملك زمام القضية ويتمتع بسلطة تقديرية واسعة في تقدير الخبرة وفق شروط وضوابط سنعرض لها لاحقا، لكن حسبُنا القول أن الخبرة وسيلة تنويرية إذا خلت من حكم أو من قرار يتوقف عليها، فإن ذلك سيكون إجحافا للعدالة وتَعدّ على الحق. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الأهمية الكبيرة للخبرة كإجراء ازدواجي يفيد في التحقيق وفي الإثبات .
وإذا كنا لا نشك من جهتنا في أي وقت من الأوقات في مدى نجاعة إجراء الخبرة كآلية لتحقيق العدالة. فإن الإشكالية التي آن أوان البحث عن إجابات مقنعة لها هي كالآتي:
هل للخبرة من أثر في حُكم القاضي الجنائي؟
إجابتنا عن هته الإشكالية دفعتنا إلى دراسة السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في تقدير تقرير الخبير، وهو الأمر الذي سنستنتج من خلاله في الأخير أثر الخبير من عدمه.
المبحث الأول: ماهية السلطة التقديرية وضوابطها
كمُسَلّمة أولية نقول إن السلطة التقديرية للقاضي الجنائي هي تلك الرخصة التي منحها إياه المشرع الجنائي[5].
وللإحاطة بهذه السلطة لا بد من الوقوف على ماهيتها في مطلب أول، وعلى ضوابطها ومحدداتها في مطلب ثان.
المطلب الأول: ماهية السلطة التقديرية
غالبا ما يحيل مفهوم السلطة التقديرية على مفهوم الاقتناع الذي يؤسس - في المجال الجنائي- على أكبر قدر من اليقين، اعتبارا لكون الأحكام القضائية تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والتخمين. وعلى القاضي في سبيل تكوين قناعته،سلوك طريق الاستدلال بالافتراضات الاحتمالية وإعمال معايير الحقيقة...[6]، التي هي غايته أولا وأخيرا . فإذا وصل القاضي إلى "حالة ذهنية" استجمع فيها كافة عناصر وملامح الحقيقة الواقعية، واستقرت هذه العناصر والملامح في وجدانه وارتاح ضميره للصورة الذهنية التي تكونت واستقرت لديه عن تلك الحقيقة، فهنا يمكننا القول أن القاضي وصل إلى "حالة الاقتناع".
بعد هذه التوطئة، نرى أنه قد آن أوان طرح السؤال الآتي: هل يخضع تقرير الخبير لاقتناع القاضي ولسلطته التقديرية على النحو المبيّن آنفا؟ .
نشير في هذا السياق إلى أن تقرير الخبير وإن كان يعد مبدئيا دليلا من أدلة الإثبات في الدعوى، إلا أنه ليس بالدليل القاطع والحاسم فيما يُفرض على القاضي الجنائي فرضا. وإنما هو عبارة عن وثيقة يدخل مضمونها ضمن مجال سلطة القاضي التقديرية. وهذا ما أكدته الفقرة الأخيرة من المادة الثانية من القانون رقم 45.00 التي نصت على الآتي:
« يمكن للمحاكم أن تستعين بآراء الخبراء القضائيين على سبيل الاستئناس دون أن تكون ملزمة لها ».
هذا المقتضى نجد له صدى في القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 26 نونبر 1959 الذي أكد على أن "تقديرات الخبراء القضائيين المعينين لا تلزم محاكم الموضوع".
ومما لاجدال فيه، وطبقا للقواعد الإجرائية العامة ، أنه يبقى دائما من حق قضاة الدرجة الثانية أن يتبنوا الخبرة التي أنجزت على مستوى الدرجة الابتدائية. ولهم حق إلغائها كليا أوجزئيا حسب ما يقتنعون به، بل أكثر من ذلك لهم أن يأمروا بإجراء خبرة جديدة. كلما بدا لهم أن في ذلك فائدة، شريطة "تعليل" مواقفهم التي ارتكزوا عليها في هذا الباب.عملا بما جاء في القرار الصادر عن المجلس الأعلى في 17ماي 1983 ،والذي نص بصريح العبارة على أنه:"...يجب أن يكون كل حكم معللا وإلا كان باطلا..."[7] .
هذا فيما يخص سلطة القضاء الجنائي إزاء تقرير الخبير على مستوى المحاكم الابتدائية. أما محاكم الاستئناف، فهي غير مقيدة بما تضمنه تقرير الخبرة المنجزة في المرحلة الابتدائية. لكن إذا بدا لها العكس، فعليها بالتعليل والتبرير، تحت طائلة تعرّض قرارها للنقض.
بقيت نقطة أخيرة في هذا الباب، هي المتعلقة بمركز وسلطة محكمة النقض من إجراء الخبرة.
هنا نؤكد على أن هذه الأخيرة باعتبارها محكمة قانون، لا يجوز أصلا بصفة مطلقة إجراء خبرة أمامها.
دليلنا في ذلك أن الخبرة لها ارتباط وثيق بالجانب الواقعي الموضوعي للدعوى أكثر من جانبها القانوني.كما لا يمكن مطلقا للخصم في الدعوى أن يجادل ولأول مرة أمام قضاء محكمة النقض في مسائل لم يسبق عرضها أمام قضاء الموضوع
المطلب الثاني: ضوابط ومحددات السلطة التقديرية
رغم سيادة مبدأ حرية القاضي الجنائي في الاقتناع والتقدير وعدم خضوعه لرقابة محكمة النقض. إلا أن هذه الحرية لا ينبغي أن تفهم على أساس أنها حرية مطلقة وغير منضبطة. بل هي حرية لها أصول وضوابط يجب اتباعها حرصا على صيانة الحق، وحفاظا على قدسية وحسن تطبيق القانون. وباختصار شديد يمكن حصر أهم هذه الضوابط فيما يلي:
أولا: تعليل وتسبيب الأحكام:
سبقت الإشارة أعلاه إلى أن تقدير القاضي لتقرير الخبير لا يخضع لرقابة محكمة النقض. لكن هذا لا يمنعها من مراقبة صحة الأسباب التي استدل بها على هذا الاقتناع.
فالتسبيب له أهمية كبيرة، إذ يبين الأسانيد التي بُني عليها الحكم القضائي.وبالتالي يجب أن تكون الأسباب مدونة ومفصلة ومتسقة، فإذا لم تكن كذلك كان الحكم باطلا . لذلك يجب أن يبين الحكم الأدلة التي استند إليها، ويجب أن يرد على الدفوع الجوهرية التي أبداها الخصوم وإلا كان الحُكم قاصرا في التسبيب[8].
ثانيا: استخلاص الاقتناع القضائي بالعقل والمنطق:
يلتزم القاضي بأن يبني اقتناعه على عملية عقلية منطقية تقوم على الاستقراء والاستنباط ينتهي في ختامها إلى نتيجة معينة... .فهو حر في أن يعتقد أو لا يعتقد في قيمة الأدلة المطروحة ولكنه لا يملك التحكم في
هذا الاعتقاد، فاليقين المطلوب عند الاقتناع ليس هو اليقين الشخصي للقاضي المؤسس على هوى عواطفه أو حدسه العاطفي، وإنما هو اليقين القضائي الذي يصل إليه بناء على العقل والمنطق[9].
ثالثا: طرح الدليل للمناقشة:
بطبيعة الحال، يجب أن يستند القاضي في حكمه إلى دليل عُرض في الجلسة علنيا وتمت مناقشته وإلا كان الحكم معيبا يستوجب نقضه.
وهذا ما درج عليه القضاء المغربي من خلال القرار الصادر عن المجلس الأعلى الذي جاء فيه:"...لا يمكن للقاضي أن يبني مقرره إلا على حجج عُرضت أثناء الإجراءات ونوقشت شفاهيا وحضوريا أمامه...[10] . نفس المقتضى أكدته المادة 287 من ق.م.ج.
المبحث الثاني: السلطة التقديرية للقاضي الجنائي في بعض نماذج الخبرة( الخبرة الطبية)
لم يستفد علم من العلوم من تطبيق عدد هائل من المناهج مثل ما حصل في مادة علم الإجرام[11]. وعلى رأس هذه المناهج"المنهج العلمي التجريـبي" الذي واكب تطور الفعل الإجرامي.
فقد شهد العالم المعاصر تطورا كبيرا في ميدان الجريمة، حيث استغل الجناة ما تيسره لهم ثورة الاتصالات والتطور الهائل في ميدان المعلوميات لاستحداث أنواع جديدة من الجرائم[12]. إلا أن هذا التطور الذي عرفته الساحة الإجرامية، مهّد الطريق لظهور مضاد فعال، يطلق عليه:"الطب الشرعي" .
فالطب الشرعي فرع من فروع الطب يختص في تشخيص سبب الوفاة، الجنائية[13]. وهو الذي يقول : : Gilles trimaille فيه الأستاذ
"La médecine légale est considérée comme «une science spécilale»dont le but final «n`est pas de guérir» mais seulement de «diriger le juge et l`éclairer pour lui faire connaitre la vérité».[14] "
أي أن الهدف من الطب الشرعي أو الخبرة الطبية ليس هو الشفاء، بقدر ما أن الهدف هو إنارة طريق القاضي من أجل معرفة الحقيقة. وتجدر الإشارة إلى أن الخبرة الطبية نظرا لدقتها فهي ليست كمعظم
الخبرات الأخرى التي تقتصر على إبداء مجرد ملاحظات مادية بل إن مجالها يمتد ليشمل مصير الإنسان كبشر[15].
إذن بعد هذه التوطئة التي كان لا بد منها، سوف نقف على التقرير الطبي الشرعي الموجه إلى القضاء (المطلب الأول) ، لننتقل بعد ذلك لبيان قيمته أو حجيته الإقناعية (المطلب الثاني) .
المطلب الأول: التقرير الطبي الشرعي الموجه إلى ساحة القضاء
يعد التقرير الطبي الشرعي واحدا من بين أهم التقارير الموجهة إلى القضاء الجنائي والمتمثلة أساسا في شهادة الوفاة والشهادة الطبية. فالتقرير الطبي الشرعي هو ثمرة ذلك الإجراء القاضي بالخبرة والذي تأمر به السلطات القضائية في مرحلة التحقيق أو خلال مرحلة المحاكمة. ولم يتول المشرع المغربي تحديد شكل
معين ينبغي أن يتقيد به الخبير في صياغته لهذا التقرير، غير أن الدارس له يلاحِظ لأول وهلة العناصر الآتية :
1- الديباجة: ويجب أن تتضمن بدورها جملة من العناصر من بينها: اسم الخبير، وصفته (ما إذا كان جرّاحا أو طبيبا نفسيا)، والجهة الرسمية المنتدِبة له، ونوعية المهمة موضوع الانتداب، وكذا بيان هوية الشخص الذي ستجرى عليه عملية الخبرة... .
2- الوثائق: في هذا الشق من التقرير، يقوم الطبيب بعرض الوثائق التي سُلّمت إليه،على أن يبرز نوعها ومصدر حصوله عليها،واسم الجهة التي سلمته إياها،وتاريخ التسليم[16] .
3- الفحص: في هذا الإطار، يتولى الخبير استعراض مختلف التحقيقات والمعاينات التي قام بها مع إظهار ملاحظاته من خلال الفحص الذي قام به أو من خلال استنطاقه للمشتبه فيه- في حالة الخبرات المنجزة في إطار الطب الشرعي النفسي،كما قد يورد بعض التصريحات التي أفاده بها الضحية من أجل تحديد نتائج مهمته.
4- المناقشة: يقوم الخبير في هذه الفقرة من التقرير بالاستعراض المقتضب لمجمل وقائع النازلة التي انتُدب من أجل إنجاز تقريره الطبي فيها،بعد ذلك يقوم بمناقشة الحالة الطبية للضحية،ليخلص في النهاية إلى مناقشة هذه الحالة من الوجهة الطبية الشرعية.
5- النتيجة: في خاتمة تقريره، يعبر الخبير(الطبيب الشرعي) عن رأيه تجاه الإشكاليات المراد توضيحها،فضلا عن أنه يبين المناهج العلمية التي اعتمدها للوصول إلى النتيجة المرجوة. كما عليه أن يشهد بأنه قام بالمهمة الموكولة إليه بصفة شخصية، على أن يُذيّل التقرير بتوقيعه. وفقا لما هو منصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 205 من ق.م.ج. ثم يودعه بعد ذلك لدى كتابة ضبط المحكمة المعنية.
ليأتي بعد ذلك الدور القضائي الذي سيكون محور نقاشنا في الفقرة الموالية.
المطلب الثاني: القيمة الإقناعية للتقرير الطبي الشرعي
مضى القول أن تقارير الخبراء هي مجرد آراء تقنية، للقاضي أن يستأنس بها أثناء بته في النازلة، وله أن يحيد عنها متى خالفت قناعته. لأن القاضي -كما أسلفنا- لا يقضي إلا وفقا لاقتناعه الصميم واعتقاده الجازم، والحكم بالإدانة لا ينبني على الاستدلال،وإنما ينبني على "الدليل اليقيني القابل للتعليل".
لكل هذه الأسباب وغيرها، استقر الاجتهاد القضائي المغربي على اعتبار أعمال الخبرة ونتائجها المضمّنة بالتقرير الطبي الشرعي غير ملزمة للقاضي ولا تشكل قيدا في تكوين قناعته؛ فله أن يأخذ
بنتائجها ويعتمدها في إصدار حكمه وله أن يستبعدها إلى غيرها من عناصر الدعوى الأخرى مما
قد يعينه على الفصل فيها، ولا شيء عليه في ذلك[17].
وهذا ما أكده المجلس الأعلى في قرار له اعتبر فيه " أن آراء الخبراء المنتدبين من طرف القضاة ليست مفروضة على القاضي"[18] .
وهذا مبدأ عام سرعان ما قيده الاجتهاد القضائي بشرط أساسي يتمثل في تسبيب وتعليل الحكم القاضي باستبعاد تقرير الخبير.هذا ما نفهمه من خلال استقراء القرار رقم 545 المؤرخ في 11فبراير1960 الصادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض) ، الذي جاء فيه (وأقتبس) : "حيث أن تقدير البيانات المضمنة في تقرير خبير وملاءمة الأمر بإجراء خبرة تكميلية يدخل في إطار سلطات قضاة
الموضوع الذين بينوا في هذه القضية مواضع النقض التي حدت بهم إلى استبعاد تقرير الخبير وعللوا مقررهم بملاحظات واقعية لهم فيها السلطة التقديرية ".
بهذا نكون قد أنهينا الشق الأخير من هذا الموضوع.لكن وقبل أن نغلق باب موضوعنا، يبقى علينا حق أخير يلزمنا الوفاء به له، يتعلق الأمر بالخاتمة .
خاتمة:
وأخيرا نصل إلى الخاتمة، وهي على كل حال محاولة تجميعية بأدوات شخصية، نؤكد من خلالها ما ثبت ذكره، ونتدارك فيها ما تعذّر بيانه.
ففي سبيل فهم واستيعاب مفهوم السلطة التقديرية، استطردنا في شرحه من حيث المفهوم والضوابط. فتيسرت لنا دراسة هذه السلطة من زاوية الخبرة الطبية، والتي لاحظنا من خلالها كيف أن نتائج التقرير الطبي لا تقيد القاضي الجنائي، ويمكن أن يطرحها جانبا إذا لم يقتنع بها وجدانه الخالص.
إلا أن المسألة لا يصح أن تُفهم على إطلاقها، وإلا لما كان لأهل الخبرة أثر في حكم القاضي الجنائي
ولما بقيت لموضوعنا هذا قيمة تُذكر أو أهمية تُعتبر.
لكن حَسبُنا القول،أن تقرير الخبير خاصة التقرير الطبي،يبقى له طابع الإلزام متى غاب التعليل والتسبيب في حكم قاضي الموضوع. أما إن حضر التعليل فلا مبرر للإلزام. لأن القاضي حر في تكوين قناعته بناء على ما اقتنع به من أدلة أخرى قد تفوق في حجيتها تقرير الخبير.
ومهما يكن، فإنه لا أحد يستطيع أن ينكر ولو لوهلة، العلاقة الجدلية والوظيفية الوثيقة والمترابطة ما بين القاضي والخبير. فهي علاقة تكامل تهدف إلى تقصّي الحقيقة لتصبح عارية أمام الملأ.
لذلك نناشد بضرورة الاعتناء بسلك الخبراء كسلك مساعد للقضاء، وإن كان المشرع المغربي قد استجاب لبعض مطالب الخبراء؛ فوضع إطارا قانونيا خاصا لعمل هؤلاء، من خلال إصدار القانون 45.00 المنظم للمهنة.
غير أن هذه "الإضافة التشريعية" - في نظري- لم تصل بعد إلى مستوى "الطفرة التشريعية". ولن تصل إلى هذا المستوى ما دمنا لا نراهن على إشراك كل الفاعلين في إصلاح منظومة العدالة. وعلى رأس هؤلاء الفاعلين، الخبراء القضائيين.
إلا أننا ومن هذا المنبر، نُثمّن ما قامت به بلادنا من مجهودات قيمة في سبيل إصلاح وتطوير مهنة الخبير من خلال منحها الاعتراف الصريح والواضح. وهذا وحده كان يشكل مطلبا أساسيا للعديد من الخبراء. وهذه ليست مجاملة ولا إثراء، وإنما هو واقع بدليل نصي. وإن كان هذا لا يمنعنا من القول أن مهنة الخبير – خاصة ذاك الذي له علاقة بالقضاء الجنائي- في حاجة ماسة إلى تعديل شامل للقانون المنظّم، بنصوص تتضمن إجراءات وتدابير لتعزيز نزاهة المهنة وتخليقها. فظاهرة التلاعب في المحاضر والتقارير التي ينجزها بعض الخبراء، إما عن جهل أو سوء نية، تشكل خطورة كبيرة على المؤسسات الديمقراطية في البلاد، ومنها مؤسسة القضاء. من غير أن ننسى المتضرر الأول والأخير، وهو المتقاضي، الذي قد يجد
نفسه ضحية النفوذ في عالم السلطة والمال. فالخبير أصبح لا يُنسب للمهنة إلا بالاسم، أو لأنه لا يعطي للفتوى المطلوبة منه ما تستحق من جدّ وعناية. أو لأنه يبيع ضميره لمن يدفع أكثر...
وحبّذا لو يتم إحداث هيئة قضائية مكوّنة تكوينا متخصصا عاليا في كل محكمة،تكون تابعة لوزارة العدل والحريات،يخضع أعضائها لظهير 24 فبراير 1958م المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية،
بحيث تكون مهمتها رقابية محضة. حتى إذا ما عُرض على القاضي تقرير خبير منتدب، يحيله مباشرة على هته الهيئة التي لا ريب في أنها ستكون أهلا لاكتشاف مكامن الصحة أو الخلل فيه، وبالتالي تقرير مصداقيته من عدمها. والهدف - بطبيعة الحال- من كل هذا، إنما هو نشر الشفافية في ارتباط وثيق بإصلاح السلطة القضائية وعصرنتها، توطيدا لأسس الديمقراطية، وتحقيقا للأمن القضائي، فضلا عن ترسيخ الثقة اللازمة بين المتقاضي ومرفق القضاء بما يحقق التنمية الشاملة في هذا البلد. إذ لا يمكن للقضاء أن ينال المكانة الجديرة به، إلا إذا اكتسب ثقة المتقاضي التي لا يمكن تحقيقها إلا من خلال ما يتحلى به القضاة من نزاهة وتجرد واستقامة واستقلال عن أي تدخل أو تأثير.
وصدق جلالة الملك محمد السادس - نصره الله – يوم قال: "...وإننا لنعتبر أن استقلال القاضي بمعناه الحق... لا تكفله الوسائل القانونية مهما كانت متوافرة وإنما يكفله قبل كل شيء الميثاق الذي بينه وبين ضميره، فهو رقيبه الذاتي الدائم والوسيلة المثلى لتحصين نفسه من كل تأثير أو انحراف وهو يقوم برسالته النبيلة...".
والحق أنني كلما توقفت على هذا الخطاب،كلما تذكرت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه - الذي كان قوّاما بالقسط والعدل حتى على نفسه، فَظَلّ مِثالُه مُلهما لبعضنا، ومحرجا لمعظمنا، والأجيال لن تتوقف عن المقارنة. وهي مقارنة قاسية، قاسية بالفعل.
وأخيرا، فإنه رغم الجهد الذي بدلناه، فإننا لا نزعم أننا أشرفنا الغاية، فقد وقفنا دون حد الكمال الذي ناشدناه، وهو وَقْفٌ على الخالق وحده وجميعا أمامه نتهالك. ولا نملك إلا أن نلتمس العذر من القارئ
على ما يجده من أوجه القصور، وما يكتشفه من عيب أو خطأ هو في البشر صفة لازمة. وحسبُنا أن يكون هذا العمل بداية على درب جاد وحافل بالعطاء .
الهوامش
[1] - سورة الأنبياء،الآية: 107.
[2] - سورة الأحزاب،الآية:40.
[3] - سوة النساء،الآية:58.
[4] - محمود شمس الدين عبد الأمير الخزاعي،رجوع القاضي إلى أهل الخبرة في الفقه الإسلامي،مجلة الأنبار للعلوم الإسلامية،العدد الرابع،المجلد الأول لسنة 2009، ص 102 .
[5] - صحيفة الوسط البحرينية، العدد 2290، 13 دجنبر2008م ،الموافق لـ 14ذي الحجة 1429هـ .
[6] - خروفة غانية ، مرجع سابق، ص: 80 .
[7] - قرار عدد 3054، ورد بمجلة الواحة القانونية، العدد الثاني،2004 ، ص : 131 .
[8] - ممدوح خليل البحر، نطاق حرية القاضي الجنائي في تكوين قناعته الوجدانية ، مجلة الشريعة والقانون، العدد 21، يونيو2004 ، ص: 345 .
[9] - خروفة غانية، مرجع سابق، ص : 103 .
[10]- قرار عدد 1090 صادر عن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بتاريخ 19 دجنبر1988 ، في الملف الجنحي عدد 9080/97، منشور بمجلة الواحة القانونية ، عدد 2، 2004، ص : 84 .
[11] - أستاذنا عبد السلام بنحدو، مبادئ علم الإجرام: دراسة في الشخصية الإجرامية ، طبعة 1999، ص: 78 .
[12] - بهاء الدين بناني، قانون مكافحة غسل الأموال، المجلة الإلكترونية لندوات محاكم فاس، العدد السادس،يناير 2008 ، ص : 89 .
[13] - الموسوعة الإلكترونية الحرة " ويكيبيديا ": طب_شرعيar.wikipedia.org/wiki/
[14]- L`expertise médico-légale face aux perversions : instrument ou argument de la justice? , Gilles Trimaille, Revue internationale interdisciplinaire, numéro 60 . Disponible sur le site web suivante : droitcultures.revues.org/2270
64- Adolphe Ruolt , L`expertise Medico-Légale, Imprimerie Najah el Jadida, Casablanca , P: 3
[16]- غالبا ما يكون موضوع هذه الوثائق شواهد طبية أولية مرفقة بملف التقاضي .
[17] - عبد الكافي ورياشي ، حجية التقرير الطبي في الإثبات أمام القضاء الجنائي، مقال منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 70، شتنبر- أكتوبر 2006 ، ص : 81 .
[18]- قرار رقم 685 ، صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 30يونيو1960 ، أورده عبد الكافي ورياشي في المرجع السابق ، ص : 81 .