ان المشرع المغربي ورغبة منه في تيسير الاجراءات الجنائية وتبسيطها قد عمد من خلال المنظومة الجنائية الحالية وخاصة في الشق الاجرائي منها ، الى استحداث أليات بديلة قادرة على التعاطي والتصدي لأحد أهم الظواهر الاجرامية ارتفاعا على مستوى معدلات اقترافها ألا وهى ظاهرة الجنوح البسيط ، والتي أبانت عن عجز المنظومة القضائية في التصدي لها، عجز أتى كنتيجة للأزمة التي شهدتها السياسة الجنائية بفعل استعمال السلاح العقابي كألية لمواجهة هذه الظاهرة الاجرامية وكذا فشل المؤسسات السجنية بالقيام بدورها الاصلاحي ، مما أدى الى نتائج وخيمة في مقدمتها الارتفاع الملحوظ في معدلات الجريمة بموازاة مع ارتفاع حالات العود لارتكابها .
وأمام هذا الوضع ، لم يعد للمشرع الا خيار الانفتاح على رهانات وتحديات قادرة على مسايرة هذا المد الاجرامي من خلال سنه في ظل المسطرة الجنائية الحالية لمفهوم جديد للعدالة ، يعمل على فتح قناة للتواصل مع الفاعل الأساسي للجريمة وهو المجرم في مقابل الحد من سياسة التجريم والعقاب، هذا النهج التشريعي الذي أبان عنه قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003 فيما يخص الأخذ بتقنية الصلح لمواجهة ظاهرة الجنوح البسيط ، والتي أبانت الممارسة العملية لها عن عجزها في مواكبة هذه الظاهرة الاجرامية نظرا للعديد من الصعوبات التي تأرجحت بين سوء صياغة النص واقتباسه دون مراعاة للبيئة التي ستحتضنه.
وبالرغم من الفشل الذريع الذي أبانت عنه مسطرة الصلح في ظل قانون المسطرة الجنائية الحالي، والذي أدى بالمشرع الى اعادة النظر في هذه المنظومة من خلال اعادة رسم ملامح جديدة للعدالة التصالحية والعمل على توسيع هامشها كتوجه جديد قد تبنته مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية ، هذا التوجه قد أتي كاستجابة فعلية للعديد من المرجعيات في مقدمتها الخطب الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وكذا الورش الاصلاحي الذي أشرف عليه والذي توج بصدور ميثاق اصلاح منظومة العدالة وغيرها .
ومن باب المقارنة ، تجدر الاشارة الى أن هناك العديد من التشريعات التي كانت السباقة للأخذ بمؤسسة الصلح كألية بديلة لمواجهة ظاهرة الجنوح البسيط في مقدمتها المشرع المصري بالنسبة للتشريعات العربية والمشرع الفرنسي لنظيرتها اللاتينية وغيرها ، ومن هنا يمكننا اثارة الاشكالية التالية :
ماهي معالم التنظيم التي تبنتها التشريعات المقارنة فيما يخص نهجها لمؤسسة الصلح الجنائي ؟ وهل ألية الصلح في ظل التوجه الجديد لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية قادرة على التصدي لظاهرة الجنوح البسيط ؟
وسنحاول الاجابة عن هذه التساؤلات وفق التقسيم الاتي:
أولا: معالم التنظيم في التشريعات المقارنة ) الصلح الجنائي نموذجا)
ثانيا: التوجه الجديد لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية في مجال الصلح بين مظاهر الفعالية والقصور(التشريع المغربي)
أولا: معالم التنظيم في التشريعات المقارنة ) الصلح الجنائي نموذجا)
لقد أخذت العديد من التشريعات الجنائية سواء العربية أو الأجنبية بالصلح الجنائي كبديل في الجرائم ، لذا ومن أجل الوقوف على معالم التنظيم عند هذه التشريعات سنكتفي بادراج بعض النماذج وذلك بالاقتصار على التجربة الفرنسية اللاتينية وكذا نظيرتها التجربة المصرية ، وذلك على الشكل الأتي :
وتجدر الاشارة الى أن معالم التنظيم في التشريع المصري لم تقف عند الجنح والمخالفات المحددة بموجب المادة 18 ، بل تعداها ليشمل جرائم أخرى ذات ارتباط بالمجال الاقتصادي .
ثانيا : التوجه الجديد لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية في مجال الصلح بين الفعالية والقصور (التشريع المغربي)
لقد عمد المشرع المغربي اسوة بالعديد من التشريعات المقارنة وفي مقدمتها النموذج الفرنسي على الأخذ بألية الصلح الجنائي كبديل عن الدعوى العمومية ، وذلك من خلال ما تضمنته مقتضيات المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الذي أبانت عن مفهوم جديد للعدالة يكتسي طابع التصالح ، لكن سرعان مابدى هذا المفهوم يندثر بمجرد بدء مسلسل التنزيل الفعلي لمضامين المسطرة الجنائية منذ سنة 2003 الى يومنا هذا ، وذلك راجع بالأساس الى الأسس التي بنيت عليها مقتضيات المادة 41 أو ما يمكن الاصطلاح عليها بالمادة التصالحية تكريسا للمفهوم الجديد للعدالة بارتباط بالمادة السالفة الذكر .
الأمر الذي حدى بالمشرع الى اعادة تصحيح وجهة هذه المادة من خلال ادراج هذا المفهوم ضمن الأهداف الاستراتيجية الكبرى لميثاق اصلاح منظومة العدالة ، وبالتالي الاعلان عن مسودة مشروع تحمل في طياتها توجها جديدا فيما يخص العدالة التصالحية وذلك من خلال المقاربة الجديدة الذي اعتمدتها لألية الصلح ، والذي أبانت عن مواطن فعالية من شانها الرقي بمسطرة الصلح الى تحقيق الأهداف المرجوة منها ،وفي المقابل أيضا أبانت عن مظاهر قصور من شأنها الحد من مستوى الفعالية المرجوة ، وتتجلى هذه المكامن في :
يمكن القول أنه اذا كان توجه المشرع المغربي في مجال الصلح الجنائي قد أتى كرد فعل عن الأزمة التي شهدتها السياسة الجنائية فيما يخص التصدي لظاهرة الجنوح البسيط ، فانه سرعان ماأبان هذا التوجه عن عجزه أيضا مما حدى بالمشرع الى تبني مقاربة جديدة في ظل مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية حملت بين طياتها توجها حديثا لألية الصلح رغم القصرالتي لازالت تتخلل ثناياها وبالمقابل أيضا الانفتاح على احدى التقنيات البديلة (الوساطة الجنائية) دون التدقيق في طرحها ، الأمر الذي أصبح يتعين معه مراجعة هذه المقتضيات المنظمة قصد ضمان الفعالية والنجاعة المرجوة من سلوك مسطرة الصلح الجنائي .
المراجع المعتمدة:
وأمام هذا الوضع ، لم يعد للمشرع الا خيار الانفتاح على رهانات وتحديات قادرة على مسايرة هذا المد الاجرامي من خلال سنه في ظل المسطرة الجنائية الحالية لمفهوم جديد للعدالة ، يعمل على فتح قناة للتواصل مع الفاعل الأساسي للجريمة وهو المجرم في مقابل الحد من سياسة التجريم والعقاب، هذا النهج التشريعي الذي أبان عنه قانون المسطرة الجنائية لسنة 2003 فيما يخص الأخذ بتقنية الصلح لمواجهة ظاهرة الجنوح البسيط ، والتي أبانت الممارسة العملية لها عن عجزها في مواكبة هذه الظاهرة الاجرامية نظرا للعديد من الصعوبات التي تأرجحت بين سوء صياغة النص واقتباسه دون مراعاة للبيئة التي ستحتضنه.
وبالرغم من الفشل الذريع الذي أبانت عنه مسطرة الصلح في ظل قانون المسطرة الجنائية الحالي، والذي أدى بالمشرع الى اعادة النظر في هذه المنظومة من خلال اعادة رسم ملامح جديدة للعدالة التصالحية والعمل على توسيع هامشها كتوجه جديد قد تبنته مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية ، هذا التوجه قد أتي كاستجابة فعلية للعديد من المرجعيات في مقدمتها الخطب الملكية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وكذا الورش الاصلاحي الذي أشرف عليه والذي توج بصدور ميثاق اصلاح منظومة العدالة وغيرها .
ومن باب المقارنة ، تجدر الاشارة الى أن هناك العديد من التشريعات التي كانت السباقة للأخذ بمؤسسة الصلح كألية بديلة لمواجهة ظاهرة الجنوح البسيط في مقدمتها المشرع المصري بالنسبة للتشريعات العربية والمشرع الفرنسي لنظيرتها اللاتينية وغيرها ، ومن هنا يمكننا اثارة الاشكالية التالية :
ماهي معالم التنظيم التي تبنتها التشريعات المقارنة فيما يخص نهجها لمؤسسة الصلح الجنائي ؟ وهل ألية الصلح في ظل التوجه الجديد لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية قادرة على التصدي لظاهرة الجنوح البسيط ؟
وسنحاول الاجابة عن هذه التساؤلات وفق التقسيم الاتي:
أولا: معالم التنظيم في التشريعات المقارنة ) الصلح الجنائي نموذجا)
ثانيا: التوجه الجديد لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية في مجال الصلح بين مظاهر الفعالية والقصور(التشريع المغربي)
أولا: معالم التنظيم في التشريعات المقارنة ) الصلح الجنائي نموذجا)
لقد أخذت العديد من التشريعات الجنائية سواء العربية أو الأجنبية بالصلح الجنائي كبديل في الجرائم ، لذا ومن أجل الوقوف على معالم التنظيم عند هذه التشريعات سنكتفي بادراج بعض النماذج وذلك بالاقتصار على التجربة الفرنسية اللاتينية وكذا نظيرتها التجربة المصرية ، وذلك على الشكل الأتي :
- التجربة الفرنسية في مجال الصلح الجنائي (معالم التنظيم)
- معالم التنظيم في التشريع المصري (الصلح الجنائي )
وتجدر الاشارة الى أن معالم التنظيم في التشريع المصري لم تقف عند الجنح والمخالفات المحددة بموجب المادة 18 ، بل تعداها ليشمل جرائم أخرى ذات ارتباط بالمجال الاقتصادي .
ثانيا : التوجه الجديد لمسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية في مجال الصلح بين الفعالية والقصور (التشريع المغربي)
لقد عمد المشرع المغربي اسوة بالعديد من التشريعات المقارنة وفي مقدمتها النموذج الفرنسي على الأخذ بألية الصلح الجنائي كبديل عن الدعوى العمومية ، وذلك من خلال ما تضمنته مقتضيات المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الذي أبانت عن مفهوم جديد للعدالة يكتسي طابع التصالح ، لكن سرعان مابدى هذا المفهوم يندثر بمجرد بدء مسلسل التنزيل الفعلي لمضامين المسطرة الجنائية منذ سنة 2003 الى يومنا هذا ، وذلك راجع بالأساس الى الأسس التي بنيت عليها مقتضيات المادة 41 أو ما يمكن الاصطلاح عليها بالمادة التصالحية تكريسا للمفهوم الجديد للعدالة بارتباط بالمادة السالفة الذكر .
الأمر الذي حدى بالمشرع الى اعادة تصحيح وجهة هذه المادة من خلال ادراج هذا المفهوم ضمن الأهداف الاستراتيجية الكبرى لميثاق اصلاح منظومة العدالة ، وبالتالي الاعلان عن مسودة مشروع تحمل في طياتها توجها جديدا فيما يخص العدالة التصالحية وذلك من خلال المقاربة الجديدة الذي اعتمدتها لألية الصلح ، والذي أبانت عن مواطن فعالية من شانها الرقي بمسطرة الصلح الى تحقيق الأهداف المرجوة منها ،وفي المقابل أيضا أبانت عن مظاهر قصور من شأنها الحد من مستوى الفعالية المرجوة ، وتتجلى هذه المكامن في :
- مظاهر الفعالية :
وتتجلى أولى مظاهر الفعالية ، في الحسم في أولى الاشكاليات التي كانت تشكل بدورها أحد مكامن النقص والفراغ التي تشوب مقتضيات المادة 41 والتي تنعكس سلبا على مستوى عمل هذه الألية ، وذلك فيما يخص اشكالية "ايراد الجرائم التي يجوز الصلح بشأنها على سبيل الحصر" والتي كانت قبل مجيء المسودة تعرف عدة تجاوزات من قبيل فتح باب المصالحة بشأن جرائم ماسة بالنظام العام ( السكر العلني البين ، استهلاك المخدرات ..) ، الأمر الذي تم تداركه في ظل التوجه الجديد للصلح الجنائي وفق المادة 41 من المسودة .
- التنازل عن أحد أهم الشروط المعرقلة لسير مسطرة الصلح والمتمثلة بالأساس في الموافقة المبدئية لوكيل الملك على أطوار الصلح ، والاقتصار في ظل التوجه الجديد على تراضي الأطراف كشرط جوهري لسلوك مسطرة الصلح الجنائي .
- المعطى الجديد للعدالة التصالحية في ظل المسودة تعدى حدود اختصاص جهاز النيابة العامة ليشمل أحد المحطات الأساسية التي يمكن للدعوى العمومية أن يكتب لها المرور منه ألا وهو التحقيق الاعدادي ، بحيث أصبح بامكان قاضي التحقيق أن يعمل بعد تحققه من اجراء الصلح وموافقة النيابة العامة عليه وذلك بعد احالة الملف لها من أجل تقديم ملتمسها في الموضوع ، بأمرايقاف سير اجراءات التحقيق وذلك في مقابل أداء المعني بالأمر لغرامة صلحية لاتتجاوز قيمتها نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة موضوع التحقيق .
- وتبقى من بين التمظهرات الايجابية التي تبناها التوجه الجديد للصلح الجنائي في ظل المسودة ، التقليص الى حد كبير من حجم الاجراءات التي كانت متبعة في ظل مسطرة الصلح وذلك من خلال التخلي عن الموافقة النهائية لرئيس المحكمة ، وبالمقابل الاعتراف بالحجية والقوة الثبوتية لمحضر الصلح المنجز والمصادق عليه من طرف جهاز النيابة العامة .
- مظاهر القصور :
- من بين أولى مكامن القصور، توسيع مجال الصلح ليشمل جرائم لم يكن على المشرع أن يدرجها ضمن خانة الجرائم التي يجوز بشأنها الصلح نظرا لخطورتها على المجتمع ، بحيث كان على المشرع عوض فتح باب المصالحة بشانها أن يعمل على التشديد في زجرها ، ويتعلق الأمرهنا بجريمة السرقة المنصوص عليها في الفصل 505، وجريمة النصب المنصوص عليها في الفصل 540، وجريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في الفصلين 547 و 549، وجريمة إخفاء شيء متحصل من جناية أو جنحة .
- الانفتاح على رهان الوساطة الجنائية في ظل المسودة لم يأتي كامل المعالم من حيث التنظيم سواء فيما يخص المركز القانوني للشخص الوسيط وكذا الشروط اللازم توفرها فيه والواجبات الملقاة على عاتقه مما أدى الى فقدان هذه الألية للطابع المؤسساتي التي ينبغي أن تكون عليه .
يمكن القول أنه اذا كان توجه المشرع المغربي في مجال الصلح الجنائي قد أتى كرد فعل عن الأزمة التي شهدتها السياسة الجنائية فيما يخص التصدي لظاهرة الجنوح البسيط ، فانه سرعان ماأبان هذا التوجه عن عجزه أيضا مما حدى بالمشرع الى تبني مقاربة جديدة في ظل مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية حملت بين طياتها توجها حديثا لألية الصلح رغم القصرالتي لازالت تتخلل ثناياها وبالمقابل أيضا الانفتاح على احدى التقنيات البديلة (الوساطة الجنائية) دون التدقيق في طرحها ، الأمر الذي أصبح يتعين معه مراجعة هذه المقتضيات المنظمة قصد ضمان الفعالية والنجاعة المرجوة من سلوك مسطرة الصلح الجنائي .
المراجع المعتمدة:
- محمد السيد عرفه : "التحكيم والصلح وتطبيقاتهما في المجال الجنائي" ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض 1427ه- 2006 م.
- يوسف بنباصر: " أزمة مسطرة الصلح في القانون والقضاء المغربي ، رصد ميداني لحصيلة التطبيق ، وقراءة في أسباب الأزمة والحلول المقترحة لمعالجتها "، مجلة الواحة القانونية ، العدد 2 الطبعة 2006.
- حمزة التريد : "مقاربة جديدة للصلح الجنائي في ظل مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية " ، مقال منشور بموقع العلوم القانونية .
- فريد السموني : " مقارنة بين مقتضيات القانون الجديد للمسطرة الجنائية المغربي وبين قانون المسطرة الجنائية الفرنسي " ، مقال منشور بموقع القانونية ، تحت عدد : 15.
- ظهير شريف رقم 1.02.255 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر 2002) بتنفيذ القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية.
- مسودة مشروع قانون يقضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية.