تتبع الدول في تنظيمها للرقابة القضائية على أعمال الإدارة أحد الأسلوبين التاليين: إما أن تعهد إلى القضاء العادي (المحاكم العادية) بالفصل في جميع المنازعات على إخلاف طبيعتها إدارية أو مدنية ، وهو الأسلوب المتبع في الدول الأنجلوساكسونية (نظام وحدة القضاء)، وإما أن تعهد بتلك الرقابة إلى جهة القضاء الإداري حيث تتولى محاكم متخصصة الفصل في المنازعات الإدارية ، وهو الأسلوب الذي تنهجه فرنسا والدول التي نحت نحوها (نظام ازدواجية القضاء).
وبالنسبة للمغرب طرح التساؤل لدى إحداث المحاكم الإدارية سنة 1993 حول ما إذا كان بهذا المولود قد دخل عهد ازدواجية القضاء، وتجدد طرح التساؤل لما أحدثت محاكم الاستئناف الإدارية سنة 2006. لكن الخلاف ظل قائما بين أوساط الفقه والباحثين بين اتجاه يعتبر أن عهد وحدة القضاء قد ولى بإحداث محاكم ابتدائية وأخرى استئنافية متخصصة في المنازعات الإدارية ، واتجاه آخر يعتبر أن النظام القضائي المغربي لا يزال مطبوعا بطابع الوحدة مادامت محكمة النقض هي الجهة القضائية العليا بالنسبة لمختلف محاكم المملكة وأيضا لعدم وجود مسطرة خاصة بالمنازعات الإدارية تطبق أمام القضاء الإداري.
فوفقا لهذا الاتجاه، وفي انتظار استكمال الصرح المؤسساتي باستحداث مجلس الدولة كهيئة قضائية عليا بالنسبة للقضاء الإداري، وسن مقتضيات خاصة بالمساطر أمام المحاكم الإدارية ، يبقى النظام القضائي ببلادنا متسم بالازدواجية على مستوى محاكم الموضوع وبالوحدة على مستوى قمة الهرم القضائي.
وبعيدا عن هذا النقاش الفقهي، يتفق الجميع على أن إحداث المحاكم الإدارية ببلادنا شكل ثورة مهمة في التنظيم القضائي لتدشينها لعهد التخصص القضائي.
غير أن إحداث المحاكم الإدارية وما تطلبه من تدخل تشريعي لتوزيع الاختصاص لم يسلم من مشاكل كثيرا ما كانت موضع انتقاد. وقد ازداد الوضع حدة مع إحداث المحاكم التجارية وتدخل المشرع مرة أخرى لوضع حدود اختصاص هذه الأخيرة.
وهذا الارتباك أو القصور التشريعي في موضوع توزيع الاختصاص بين المحاكم والجهات القضائية المختلفة ناتج عن المقاربة التجزيئية وانعدام النظرة الشمولية للموضوع إلى حد تناقض وتعارض المقتضيات القانونية.
فبخصوص المحاكم الإدارية، إذا كان الفصل الثامن من القانون رقم 41.90 هو الأساس المحدد لمجال اختصاص هذه المحاكم، فإن عدة فصول أخرى من نفس القانون جاءت لتكملة هذا التحديد سواء بالتوسيع أو التقييد. كما أن موادا أخرى من قانون المسطرة المدنية ظلت تحكم الموضوع ، وتعقد المشكل أكثر بعد صدور قوانين أخرى نظمت جانبا من الموضوع أو لم تقم بتحديد الجهات القضائية المختصة بالمنازعات التي تثيرها ، مما فتح الباب على مصراعيه على اختلاف التفسيرات وتعدد التأويلات وتضارب الآراء وتناقض الاجتهادات... مما كان له بالغ الأثر على الأمن القضائي.
هكذا لم تحدد القواعد المؤطرة للاختصاص النوعي بدقة معايير توزيع هذا الاختصاص بين المحاكم الإدارية وباقي المحاكم ، كما لم تتفق على تحديد طبيعة هذا الاختصاص وعلاقته بالنظام العام ولم تفرد أحكاما موحدة بشأن إشكاليات تنازع الاختصاص والدفع بعدم الاختصاص والإحالة بعد الحكم بعدم الاختصاص ...وقد انعكس هذا الأمر على العمل القضائي الذي بقي مطبوعا بالتردد والتباين في الاجتهادات القضائية.
فرغم مرور أزيد من عشرين سنة على إحداث المحاكم الإدارية ببلادنا لا زالت العديد من القضايا والمنازعات موضع تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية وغيرها من المحاكم الأخرى رغم كل المحاولات التي تقوم بها محكمة النقض لتوحيد الاجتهادات وتقريب هوة الاختلاف في التأويل والتفسير. لذلك لا مناص من تدخل تشريعي لتحديد معايير توزيع الاختصاص وضبط مجال تدخل الجهات القضائية المختلفة وأيضا تدقيق وتوحيد القواعد التي ستحكم البت في تنازع الاختصاص النوعي على مستوى المسطرة أو الموضوع.
لذلك فموضوع هذا البحث "الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية بين التقييد والتوسيع" يكتسي أهمية كبرى سواء على المستوى النظري أو العملي.
فعلى المستوى النظري, تتجلى أهميته في كون تشكيل القضاء الإداري عامة, والاختصاص الموكول له للفصل في نزاعات غالبا ما لا يكون أطرافها متساويان (الإدارة كطرف قوي والمواطن كطرف ضعيف) على وجه الخصوص, شكل طفرة نوعية في مجال حماية حقوق وحريات المواطنين ضد تعسف وجور الإدارة.
أما الأهمية العملية فتتجلى أساسا في كونه مرتبط بالواقع العملي للعمل القضائي المتمثل في معرفة ولاية كل جهة قضائية على حدة في المادة الإدارية وإلى أي حد تختص بذلك, خصوصا أن الصعوبة في تحديد المحكمة المختصة للنظر في الدعوى قد تتجاوز المتقاضي ومحاميه لتصل إلى المحكمة التي تكون ملزمة بالبحث في المعايير المحددة لاختصاص كل محكمة على حدة, يضاف إلى ذلك أن هاته المعايير تخلق إشكالا كبيرا لاتسامها بالغموض والقصور, والنتيجة الطبيعية لذلك هي قيام حالات تنازع الاختصاص النوعي, وهو ما أضحى يعيق عمل المحاكم بشكل كبير.
كما يلاحظ الكم الهائل من القضايا والملفات المعروضة على القضاء والتي صعب الحسم فيها بالنظر إلى طبيعتها الخاصة والمختلطة.
انطلاقا من المعطيات الواردة أعلاه فإن موضوع الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية بين التقييد والتوسيع يثير الإشكالية التالية: كيف عالج القضاء الإداري جوانب اختصاصه النوعي في ظل محدودية النص القانوني وتشعب المنازعة الإدارية؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية المحورية مجموعة من الإشكاليات الفرعية نتساءل من خلالها عن:
إن طبيعة إشكالية هذا البحث وكذلك الطبيعة العملية له شكلت دورا أساسيا في اختيار وتحديد المنهج الذي سيتم إتباعه. ومن هذا المنطلق استعنا في بحثنا بمجموعة من المناهج على الشكل التالي:
الفصل الأول: نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم .
الفصل الثاني: تنازع الاختصاص النوعي بين المحاكم في ضوء العمل القضائي .
الفصل الأول: نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم
المبحث الأول: التنظيم التشريعي للاختصاص النوعي للمحاكم
معايير توزيع الاختصاص النوعي بين المحاكم
يقتضي أخد بعض الدول بنظام القضاء المزدوج توزيع الاختصاص بين جهتي القضاء العادي والإداري, أي بيان فئات المنازعات القضائية التي تندرج ضمن اختصاص كلا الجهتين القضائيتين وهو ما يعرف بالتحديد التشريعي للاختصاص النوعي, لذلك نجد أن المشرع حدد الاختصاص النوعي للمحاكم الابتدائية العادية بموجب الفصل 18 من ق.م.م.
فيتبين من خلال قراءة هذا الفصل أن المحاكم الابتدائية هي صاحبة الولاية العامة للنظر في كافة القضايا ما لم يكن هناك نص صريح يمنح الاختصاص لمحكمة أخرى.
كما أنه يلاحظ أنه رغم إحداث المحاكم الإدارية والتجارية فلازال المشرع يدرج ضمن هذا الفصل القضايا التجارية والإدارية.
أما فيما يخص الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية والتجارية, فهو محدد بموجب المواد 8-9-11 من القانون المحدد لها.
فنستنتج من خلال هذه الاختصاصات أن المنازعات التي تختص بالبت فيها المحاكم الإدارية إما أن تقدم في إطار دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة, وذلك بالنسبة لكل قرار إداري, وكدا للقرارات القابلة للانفصال عن العملية التعاقدية, وإما تقدم في إطار القضاء الشامل بالنسبة لباقي المنازعات الإدارية الأخرى.
لكن الملاحظ أن الاختصاصات الواردة بالمادة 8 جد واسعة وبالتالي تعطي سلطات واسعة للقاضي الإداري.
لذلك طرح إشكال حول مدى اعتبار الاختصاصات الواردة بهذه المادة على سبيل المثال أم الحصر ؟
فاختلفت أراء الفقه بشأن ذلك, ومن وجهة نظرنا المتواضعة نعتبر أن تلك الاختصاصات واردة على سبيل الحصر, فلو أراد المشرع اعتبارها على سبيل المثال لأورد عبارة "وتختص أيضا المحاكم الإدارية في جميع المنازعات الإدارية".
أما فيما يخص الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية فهو محدد بموجب المادة 5 من القانون المحدث لها.
الاختصاص النوعي وعلاقته بالنظام العام
أما بالنسبة لمدى تعلق الاختصاص النوعي بالنظام العام, فتجد على مستوى التشريع أن هناك تضارب ما بين النصوص المنظمة له.
مابين الفصل 16 من ق.م.م الذي باستثناء إمكانية الدفع بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من طرف قاضي الدرجة الأولى, أن المشرع في الفقرات الأربع الأولى من الفصل 16 ساوى ما بين الدفع بعدم الاختصاص بنوعيه المحلي والنوعي, فكما هو معلوم أن موجبات النظام العام تقتضي توافر إمكانية إثارة هذا الدفع في إي مرحلة من مراحل التقاضي.
أما فيما يخص المادة 12 من ق.م.م.إ فقد اعتبرت بشكل صريح القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي من النظام العام.
أما بالنسبة للقانون المحدث للمحاكم التجارية فإنه لم يتم التنصيص على تعلق الاختصاص النوعي بالنظام العام. لكن بالرجوع إلى الفقرة 7 من المادة 5 من نفس القانون نجدها تعطي الإمكانية للتاجر وغير التاجر من أجل الاتفاق على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية.
فمن خلال هذه الفقرة نستنتج أن الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية يعتبر من النظام العام إذا تعلق الأمر بمنازعة بين تاجرين وليس كذلك إذا كان أحد أطراف النزاع شخصا مدنيا.
توجهات الفقه بشأن طبيعة الاختصاص النوعي
فالفقه بدوره انقسم إلى ثلاث اتجاهات :
اتجاه أول : يعتبر الاختصاص النوعي من النظام العام استنادا على المادة 12 من ق.م.م.إ ومن المبررات التي يقدمها :
هو أن المشرع بموجب الفصل 16 من ق.م.م لم يميز بين الاختصاص النوعي والمكاني.
أن ما نص عليه المشرع بموجب ق.م.م.إ بشأن الاختصاص النوعي هو إلغاء ضمني لمقتضيات الفصل 16 من ق.م.م استنادا إلى الفصل 474 ق.ل.ع والذي مضمونة أنه إذا كان القانون الجديد متعارض مع القانون السابق فإنه يلغيه.
اتجاه ثاني : يرفض اعتبار الاختصاص النوعي من النظام العام مستندا على مقتضيات الفصل 16 من ق.م.م وكذا الفقرة 7 من المادة 5 من ق.م.م.ت.
اتجاه ثالث : وهو القائل بضرورة التوفيق بين النصوص القانونية المنظمة للدفع بعدم الاختصاص النوعي, ومن المبررات التي قدمها:
أن المشرع لو أراد نسخ الفصلين 16 و 17 من ق.م.م كما قال الاتجاه الأول لجاء بمادة صريحة في الأحكام الختامية من القانون م.م.إ نسخ بها الفصلين السابقي الذكر.
يضيف هذا الاتجاه أنه على المحاكم العادية أن تراعي أحكام المادتين 12 و 13 من ق.م.م.إ متى عرضت على أنظارها قضية ذات طبيعة إدارية, وما دون ذلك تطبق أحكام الفصل 16 و 17 من ق.م.م.
أما على مستوى القضاء فنجد أن محكمة النقض قد اتخذت موقفا موحدا في رقابتها على جميع المحاكم سواء العادية أو المتخصصة معتبرة في ذلك على أن الاختصاص النوعي من النظام العام.
وخلاصة القول أن الانقسام في المواقف بين اعتبار الاختصاص النوعي من النظام العام أو عدم اعتباره كذلك يلزم تدخل المشرع لحسم الخلاف بإدخال تعديل على مقتضيات الفصل 16 من ق.م.م بعدما أتى بمقتضيات تخالفها بموجب ق.م.م.إ لتفادي تضارب النصوص القانونية بصدد نفس المسائل المنظمة للاختصاص النوعي.
المبحث الثاني: تنازع الاختصاص على ضوء الاختصاص النوعي
مفهوم وصور تنازع الاختصاص النوعي
نجد أن المشرع تعرض لتنازع الاختصاص في الفصل 300 من ق.م.م الذي ينص على أنه:"يكون هناك مجال لتنازع الاختصاص إذا أصدرت عدة محاكم في نزاع واحد قرارات غير قابلة للطعن صرحت فيها باختصاصها أو عدم اختصاصها فيه".
فمن خلال هذا الفصل نستنتج أن من صور تنازع الاختصاص نجد:
فمن أسباب تنازع الاختصاص نجد :
فبالنسبة له نجده يتميز بازدواجية التنظيم القانوني في كل من ق.م.م وكذا ق.م.م.إ ثم ق.م.م.ت لكن بمقتضيات مخالفة لبعضها البعض ومتناقضة في أحيان كثيرة.
الحكم في الدفع بعدم الاختصاص النوعي
نجد المشرع أعطى بموجب الفصل 17 من ق.م.م الاختيار للمحاكم للفصل في الدفع بعدم الاختصاص النوعي إما بموجب حكم مستقل أو بالضم إلى الجوهر.
لكن المادة 12 من ق.م.م.إ أوجبت البت بحكم مستقل في الدفع بعدم الاختصاص النوعي. لكن غياب أي جزاء قانوني على عدم احترام هذا المقتضى دفع ببعض المحاكم إلى ضمه إلى الموضوع.
فمن خلال هذه المقتضيات هناك من يتساءل حول ما إذا أثير أمام محكمة ابتدائية عادية دفع بعدم الاختصاص النوعي لفائدة المحكمة الإدارية, هل تطبق أحكام الفصل 17 من ق.م.م أم أنها تكون ملزمة بتطبيق مقتضيات المادة 13 من ق.م.م.إ فهذا الجواب الأخير هو الصائب وهو ما عبرت عنه محكمة النقض في أحد القرارات الصادرة عنها.
الطعن في الحكم في الدفع بعدم الاختصاص النوعي
فبالنسبة للجهة المختصة بالفصل في تنازع الاختصاص, فهناك تضارب مابين قانون م.م.إ الذي يستند هذه المهمة لمحكمة النقض, ومابين القانون م.م.ت الذي يسند مهمة الفصل في التنازع لمحكمة الاستئناف التجارية.
لذلك ونظرا لهذا التضارب يمكن القول أنه لابد من خلق غرفة خاصة بمحكمة النقض (على الأقل مرحليا) يتم استئناف أمامها جميع الأحكام الصادرة عن مختلف محاكم المملكة (عادية- تجارية- إدارية) مما يؤدي إلى الحد من تنازع الاختصاص بعد توحد جهة استئناف الأحكام الصادرة في الاختصاص.
مراحل دعوى تنازع الاختصاص النوع
بالنسبة لمراحل تنازع الاختصاص فهي تمر بمرحلتين: تتعلق الأولى بالقبول أو عدم القبول, أما الثانية فتتعلق بالبت في مشكل التنازع.
أثار الدفع بعدم الاختصاص
وقف الخوض في موضوع الدعوى : وذلك لتفادي تعارض قرار محكمة النقض في الحالة التي تقتضي فيها بعدم اختصاص تلك المحكمة وما ستحكم به هذه الأخيرة في الدعوى.
الإحالة بعد التصريح بعدم الاختصاص النوعي.
أحكام الإحالة
فأحكام الإحالة تعرف ازدواجية في التنظيم القانوني لها بين (ق.م.م) و (ق.م.م.إ) ثم (ق.م.م.ت).
فتناقض المقتضيات المتعلقة بالإحالة جعلت محاكم المملكة تختلف في الأخذ بالإحالة من عدمه بعد التصريح بعدم اختصاصها نوعيا ومرد ذلك عدم الانسجام الذي يطبع تكريس المشرع لها.
وهو الأمر الذي جعل التساؤل يطرح حول القوة الملزمة للإحالة :
فهناك من التشريعات من نصت صراحة على فرض حكم الإحالة على المحكمة المحال إليها الدعوى ولم يسمح لها بإعادة الدعوى لمصدرها إذا رأت رأيا مخالفا.
إلا أن المشرع المغربي لم يفرض هذه الإحالة على المحاكم المحال إليها, وهو ما جعل مواقف الفقه والقضاء تتضارب بصدد ذلك.
أما على مستوى الفقه:
فالاتجاه الأول : يرى أن الاختصاص يستمد من النص القانوني لا من قرار الإحالة وبالتالي يتعين على المحكمة المحال عليها الملف أن تعيد النظر في مدى اختصاصها.
أما الاتجاه الثاني : فيرى أن الإحالة ملزمة للمحكمة المحال عليها وذلك حسما لتردد الدعوى الواحدة بين أكثر من محكمة وحتى لا يتحمل المدعي مشقة رفع الدعوى من جديد وجهد جديد ووقت ضائع.
أما على مستوى القضاء : فقد انقسم بدوره إلى اتجاهين إذ غالبا ما تحيل المحاكم العادية على المحاكم الإدارية لكن هذه الأخيرة استقرت على عدم قبول الإحالة وإرجاع الملف إلى المحكمة المحيلة وقبولها فقط من محكمة إدارية أخرى قضي بعدم اختصاصها محليا.
وخلاصة القول أنه رغم ما يمكن تسجيله عن تجربة القضاء المزدوج (على المستوى الأدنى) من إيجابيات في طار القانون المحدث للمحاكم الإدارية, فإننا نرى بأن التضارب مابين النصوص القانونية المنظمة للدفع بعدم الاختصاص النوعي يساهم بشكل كبير في عرقلة السير العادي للتقاضي.
الفصل الثاني: تنازع الاختصاص النوعي بين المحاكم في ضوء العمل القضائي
المبحث الأول : تجليات تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم الابتدائية
لقد حاولنا من خلال بحثنا رصد بعض تجليات تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والإداري ومن هذه النماذج:
القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص
فلقد شكل تطور هيئات خاصة للقيام بتنفيذ مهام المرفق العام تأثيرا على مفهوم السلطة الإدارية باعتبار صدور قرارات إدارية عن هيئات غير إدارية في إطار قيامها بنشاط مرفق عام مناطه خدمة المصلحة العامة.
لذلك فقد أبان المعيار العضوي الذي كان يؤخذ به لتمييز المنازعة الإدارية عن المنازعة العادية وذلك من خلال وجود الإدارة كطرف في النزاع عن قصوره وهذا ما أدى بالتالي إلى انهياره.
وبذلك أخذ القضاء بتطبيق المعيار المادي (أي النظر إلى موضوع النزاع ), وبالتالي اعتبر القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص قرارات إدارية قابلة للطعن بالإلغاء بشرط أن يكون ذلك مرتبطا بتسيير مرفق عام تم استعمال امتيازات السلطة العامة.
فمجال القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص تشكل مجالا خصبا لتنازع الاختصاص مابين المحاكم الإدارية والمحاكم الابتدائية العادية, حيث أنه بالنظر إلى الشخص المصدر للقرار يتبين أنه شخص يخضع للقانون الخاص وبالتالي لاختصاص القضاء العادي, لكن بالنظر للعمل الإداري الذي يقوم به أي تسيير مرفق عام يتبين أنه يخضع للقانون العام وبالتالي لاختصاص القضاء الإداري.
ازدواجية الرقابة القضائية على قرارات المحافظ العقاري
تعرف القرارات الصادرة عن المحافظ العقاري ازدواجية في الرقابة حيث تخضع لاختصاص القضاء العادي طبقا للفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري وذلك بالنسبة لقرار رفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه.
كذلك تكون قراراته خاضعة لاختصاص القضاء الإداري طبقا للمادة 8 من ق.م.م.إ باعتباره موظفا عمومي.
كما أن الاختصاص في دعاوى تعويض المتضرر من قرارات المحافظ العقاري تخضع لرقابة المحاكم الابتدائية بالنسبة لأخطائه الشخصية, ولرقابة القضاء الإداري بالنسبة لأخطائه المصلحية, لكن الصعوبة تدق في تكييف الخطأ.
لذلك فازدواجية الرقابة تكون نتيجتها غالبا تنازع الاختصاص ما بين الجهات التي تتقاسم ذلك الاختصاص وهو ما يجسده الواقع العملي للمحاكم.
إشكالية الاختصاص القضائي في المنازعات العقدية
إن الدولة كشخص عام تحتاج في سبيل القيام بتحقيق بعض أهدافها العامة أو الخاصة من الدخول في علاقات تعاقدية مع الأفراد والمؤسسات عامة كانت أو خاصة مما يثير إشكالية الجهة المختصة في حالة نشوب نزاع ما. ومن العقود التي أثارت مشكل تنازع الاختصاص نذكر عقود الامتياز- التدبير المفوض- عقود البيع والشراء- عقود النقل...
تنازع الاختصاص في نزاعات معاشات العاملين في المؤسسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية
القضاء المغربي غير مستقر بشأن نزاعات معاشات العاملين في المؤسسات العمومية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي وفي هذا الصدد لابد من تدخل المشرع المغربي لإعادة صياغة الفقرة الثانية من المادة 8 من ق.م.م.إ فهذه المادة جاءت عامة ومطلقة لا تميز بين العاملين اللذين يخضعون لنظام أساسي وبين أولئك الذين يخضعون لقانون الشغل.
كما أن الضرورة تستدعي تدخل المشرع لتعديل الفصل 71 من ظهير 1972 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي خاصة عبارة المحكمة المختصة والتي تبقى واسعة وفضفاضة مع تحديد المحكمة المختصة بشكل واضح وصريح.
المبحث الثاني: تمظهرات تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية
تثير العلاقات التعاقدية المتنوعة الأطراف ( شخص عام- خاص) إشكالات فيما يخص تحديد الجهة المختصة بالبت في النزاعات الناشئة بينهما. مما يطرح حالات عديدة من تنازع الاختصاص مابين جهتي القضاء المتخصص الإداري والتجاري.
بحيث تشكل عقود المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية مجالا خصبا لتنازع الاختصاص. فتوجه يدفع باختصاص المحاكم التجارية باعتبار تلك المؤسسات تقوم بأنشطة تجارية.
في حين أن توجه أخر يقضي باختصاص المحاكم الإدارية لكون تلك المؤسسة ولو أنها تقوم بأنشطة تجارية إلا أنها تستعمل في تصرفاتها امتيازات السلطة العامة كما أنها بتسيير مرفق عام يؤدي منفعة عامة.
كما تشكل بعض نماذج الصفقات العمومية التي تبرمها الإدارة مع الخواص خاصة التجار مجالا خصبا لتنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والتجارية بسبب ما لهذه العقود من طبيعة تجارية ولكون أحد أطرافها من أشخاص القانون العام, وبذلك شكل التعاقد بواسطة سندات الطلب إشكالية الجهة المختصة بالبت في المنازعة المترتبة عنه بحيث ظل القضاء الإداري ولزمن طويل يعتبر التعاقد بواسطة سندات الطلب من العقود الخاصة للإدارة. أيضا نجد عقود التوريدات لفائدة الشخص العام.
لقد أصبح تقاسم الاختصاص بين أنواع المحاكم في العديد من الحالات يصعب ضبطه فالمتقاضي قد لا يعرف الباب الذي يجب أن يطرقه. مما يكون نتيجته رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة وبالتالي يتم الدفع بعدم الاختصاص لفائدة محكمة أخرى.
كما أن خضوع بعض المنازعات لازدواجية رقابية كان السبب في بروز حالات عديدة من تنازع الاختصاص لأن ذلك يخلق خلطا والتباسا لدى المتقاضي حول الجهة المختصة بالبت في النزاع.
لذلك فتنازع الاختصاص النوعي نتيجة حتمية لتعدد وتنوع المحاكم داخل التنظيم القضائي للمملكة ولازدواجية الرقابة.
كما أن بعض الموضوعات تدق التفرقة فيها, حيث يقتضي المنطق خضوعها في جانب منها للقانون الخاص واختصاص المحاكم العادية بنظرها, وفي جانب أخر للقانون الإداري وبالتالي اختصاص المحاكم الإدارية.
وبالنسبة للمغرب طرح التساؤل لدى إحداث المحاكم الإدارية سنة 1993 حول ما إذا كان بهذا المولود قد دخل عهد ازدواجية القضاء، وتجدد طرح التساؤل لما أحدثت محاكم الاستئناف الإدارية سنة 2006. لكن الخلاف ظل قائما بين أوساط الفقه والباحثين بين اتجاه يعتبر أن عهد وحدة القضاء قد ولى بإحداث محاكم ابتدائية وأخرى استئنافية متخصصة في المنازعات الإدارية ، واتجاه آخر يعتبر أن النظام القضائي المغربي لا يزال مطبوعا بطابع الوحدة مادامت محكمة النقض هي الجهة القضائية العليا بالنسبة لمختلف محاكم المملكة وأيضا لعدم وجود مسطرة خاصة بالمنازعات الإدارية تطبق أمام القضاء الإداري.
فوفقا لهذا الاتجاه، وفي انتظار استكمال الصرح المؤسساتي باستحداث مجلس الدولة كهيئة قضائية عليا بالنسبة للقضاء الإداري، وسن مقتضيات خاصة بالمساطر أمام المحاكم الإدارية ، يبقى النظام القضائي ببلادنا متسم بالازدواجية على مستوى محاكم الموضوع وبالوحدة على مستوى قمة الهرم القضائي.
وبعيدا عن هذا النقاش الفقهي، يتفق الجميع على أن إحداث المحاكم الإدارية ببلادنا شكل ثورة مهمة في التنظيم القضائي لتدشينها لعهد التخصص القضائي.
غير أن إحداث المحاكم الإدارية وما تطلبه من تدخل تشريعي لتوزيع الاختصاص لم يسلم من مشاكل كثيرا ما كانت موضع انتقاد. وقد ازداد الوضع حدة مع إحداث المحاكم التجارية وتدخل المشرع مرة أخرى لوضع حدود اختصاص هذه الأخيرة.
وهذا الارتباك أو القصور التشريعي في موضوع توزيع الاختصاص بين المحاكم والجهات القضائية المختلفة ناتج عن المقاربة التجزيئية وانعدام النظرة الشمولية للموضوع إلى حد تناقض وتعارض المقتضيات القانونية.
فبخصوص المحاكم الإدارية، إذا كان الفصل الثامن من القانون رقم 41.90 هو الأساس المحدد لمجال اختصاص هذه المحاكم، فإن عدة فصول أخرى من نفس القانون جاءت لتكملة هذا التحديد سواء بالتوسيع أو التقييد. كما أن موادا أخرى من قانون المسطرة المدنية ظلت تحكم الموضوع ، وتعقد المشكل أكثر بعد صدور قوانين أخرى نظمت جانبا من الموضوع أو لم تقم بتحديد الجهات القضائية المختصة بالمنازعات التي تثيرها ، مما فتح الباب على مصراعيه على اختلاف التفسيرات وتعدد التأويلات وتضارب الآراء وتناقض الاجتهادات... مما كان له بالغ الأثر على الأمن القضائي.
هكذا لم تحدد القواعد المؤطرة للاختصاص النوعي بدقة معايير توزيع هذا الاختصاص بين المحاكم الإدارية وباقي المحاكم ، كما لم تتفق على تحديد طبيعة هذا الاختصاص وعلاقته بالنظام العام ولم تفرد أحكاما موحدة بشأن إشكاليات تنازع الاختصاص والدفع بعدم الاختصاص والإحالة بعد الحكم بعدم الاختصاص ...وقد انعكس هذا الأمر على العمل القضائي الذي بقي مطبوعا بالتردد والتباين في الاجتهادات القضائية.
فرغم مرور أزيد من عشرين سنة على إحداث المحاكم الإدارية ببلادنا لا زالت العديد من القضايا والمنازعات موضع تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية وغيرها من المحاكم الأخرى رغم كل المحاولات التي تقوم بها محكمة النقض لتوحيد الاجتهادات وتقريب هوة الاختلاف في التأويل والتفسير. لذلك لا مناص من تدخل تشريعي لتحديد معايير توزيع الاختصاص وضبط مجال تدخل الجهات القضائية المختلفة وأيضا تدقيق وتوحيد القواعد التي ستحكم البت في تنازع الاختصاص النوعي على مستوى المسطرة أو الموضوع.
لذلك فموضوع هذا البحث "الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية بين التقييد والتوسيع" يكتسي أهمية كبرى سواء على المستوى النظري أو العملي.
فعلى المستوى النظري, تتجلى أهميته في كون تشكيل القضاء الإداري عامة, والاختصاص الموكول له للفصل في نزاعات غالبا ما لا يكون أطرافها متساويان (الإدارة كطرف قوي والمواطن كطرف ضعيف) على وجه الخصوص, شكل طفرة نوعية في مجال حماية حقوق وحريات المواطنين ضد تعسف وجور الإدارة.
أما الأهمية العملية فتتجلى أساسا في كونه مرتبط بالواقع العملي للعمل القضائي المتمثل في معرفة ولاية كل جهة قضائية على حدة في المادة الإدارية وإلى أي حد تختص بذلك, خصوصا أن الصعوبة في تحديد المحكمة المختصة للنظر في الدعوى قد تتجاوز المتقاضي ومحاميه لتصل إلى المحكمة التي تكون ملزمة بالبحث في المعايير المحددة لاختصاص كل محكمة على حدة, يضاف إلى ذلك أن هاته المعايير تخلق إشكالا كبيرا لاتسامها بالغموض والقصور, والنتيجة الطبيعية لذلك هي قيام حالات تنازع الاختصاص النوعي, وهو ما أضحى يعيق عمل المحاكم بشكل كبير.
كما يلاحظ الكم الهائل من القضايا والملفات المعروضة على القضاء والتي صعب الحسم فيها بالنظر إلى طبيعتها الخاصة والمختلطة.
انطلاقا من المعطيات الواردة أعلاه فإن موضوع الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية بين التقييد والتوسيع يثير الإشكالية التالية: كيف عالج القضاء الإداري جوانب اختصاصه النوعي في ظل محدودية النص القانوني وتشعب المنازعة الإدارية؟
وتتفرع عن هذه الإشكالية المحورية مجموعة من الإشكاليات الفرعية نتساءل من خلالها عن:
- كيف نظم المشرع المغربي الاختصاص النوعي للمحاكم الابتدائية العادية, وكذا المحاكم المتخصصة (الإدارية والتجارية)؟
- هل استطاع مشرع قانون المسطرة المدنية وقانون إنشاء المحاكم الإدارية وقانون إنشاء المحاكم التجارية ضبط قواعد الاختصاص النوعي أم أن هذه القوانين الثلاث كانت عقبة أمام ضبط هذا التنازع ؟
- إلى أي حد يؤدي ارتباط أحكام الدفع بعدم الاختصاص النوعي بمرجعيتين تشريعيتين مختلفتين إلى وجود ازدواجية في تركيبة النظام القانوني لهذا الدفع؟
- ما هي الصعوبات العملية التي أبانت عنها التطبيقات القضائية لأحكام الدفع بعدم الاختصاص النوعي, سواء بسبب هذه الازدواجية أم بسبب المقتضيات التشريعية الجديدة لواقع التنظيم القضائي الراهن ولطبيعة نظام توزيع الاختصاص به؟
- ما هي طبيعة الدفع بعدم الاختصاص النوعي في مختلف النصوص القانونية المنظمة له على اعتبار الاختلاف الواضح في هذه النقطة بين قانون المسطرة المدنية والقانون المحدث للمحاكم الإدارية وقانون المحاكم التجارية؟ ثم إلى أي حد توفق المشرع في خلق الانسجام بين تلك النصوص بخصوص إجراءات الفصل في الدفع المذكور سواء فيما يتعلق بشروط إثارته أو مسطرة البت فيه أو الجهة المختصة بالنظر في الطعون الموجهة ضد الحكم الفاصل فيه؟
- وإلى أي حد استطاع الاجتهاد القضائي المغربي رسم حدود تدخل المحاكم الإدارية وباقي المحاكم العادية؟
- ما مدى قصور المعايير المعتمدة لتحديد اختصاص القضاء الإداري؟
إن طبيعة إشكالية هذا البحث وكذلك الطبيعة العملية له شكلت دورا أساسيا في اختيار وتحديد المنهج الذي سيتم إتباعه. ومن هذا المنطلق استعنا في بحثنا بمجموعة من المناهج على الشكل التالي:
- المنهج القانوني التحليلي وفق مقاربة قانونية للموضوع, أي ببحثه في محددات ثلاث تشكل أساس الدراسات القانونية في شموليتها, بدءا من النص القانوني, ومرورا بالتحليل الفقهي له, ثم انتهاءا بالتطبيق القضائي, إذ عملنا على تحليل مختلف النصوص المتعلقة بالاختصاص النوعي في التشريع المغربي, وتوظيف أراء الفقه المهتم منها, باعتماد أحسنها وترجيح أقربها إلى المنطق القانوني السليم ولفلسفة المشرع, كما أننا حاولنا تدعيم مختلف محاور هذا البحث بتحليل مجموعة من الأحكام والقرارات القضائية, قصد الاقتراب من تطبيق القضاء المغربي للنصوص المتعلقة بالاختصاص النوعي وكشف مساره في الموضوع, من أجل الخروج بمعايير يمكن الاستناد عليها للفصل في الدفع بعدم الاختصاص النوعي.
- المنهج المقارن وذلك بهدف عدم الاقتصار في دراستنا هذه على نظام قضائي واحد, المتمثل في القضاء الإداري المغربي, بل إلقاء الضوء على بعض الأحكام القضائية في فرنسا وذلك لاقتناعنا بأن الإلمام بهذه الأحكام من شأنه أن يساعدنا على الإلمام بالموضوع.
الفصل الأول: نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم .
الفصل الثاني: تنازع الاختصاص النوعي بين المحاكم في ضوء العمل القضائي .
الفصل الأول: نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم
المبحث الأول: التنظيم التشريعي للاختصاص النوعي للمحاكم
معايير توزيع الاختصاص النوعي بين المحاكم
يقتضي أخد بعض الدول بنظام القضاء المزدوج توزيع الاختصاص بين جهتي القضاء العادي والإداري, أي بيان فئات المنازعات القضائية التي تندرج ضمن اختصاص كلا الجهتين القضائيتين وهو ما يعرف بالتحديد التشريعي للاختصاص النوعي, لذلك نجد أن المشرع حدد الاختصاص النوعي للمحاكم الابتدائية العادية بموجب الفصل 18 من ق.م.م.
فيتبين من خلال قراءة هذا الفصل أن المحاكم الابتدائية هي صاحبة الولاية العامة للنظر في كافة القضايا ما لم يكن هناك نص صريح يمنح الاختصاص لمحكمة أخرى.
كما أنه يلاحظ أنه رغم إحداث المحاكم الإدارية والتجارية فلازال المشرع يدرج ضمن هذا الفصل القضايا التجارية والإدارية.
أما فيما يخص الاختصاص النوعي للمحاكم الإدارية والتجارية, فهو محدد بموجب المواد 8-9-11 من القانون المحدد لها.
فنستنتج من خلال هذه الاختصاصات أن المنازعات التي تختص بالبت فيها المحاكم الإدارية إما أن تقدم في إطار دعوى الإلغاء لتجاوز السلطة, وذلك بالنسبة لكل قرار إداري, وكدا للقرارات القابلة للانفصال عن العملية التعاقدية, وإما تقدم في إطار القضاء الشامل بالنسبة لباقي المنازعات الإدارية الأخرى.
لكن الملاحظ أن الاختصاصات الواردة بالمادة 8 جد واسعة وبالتالي تعطي سلطات واسعة للقاضي الإداري.
لذلك طرح إشكال حول مدى اعتبار الاختصاصات الواردة بهذه المادة على سبيل المثال أم الحصر ؟
فاختلفت أراء الفقه بشأن ذلك, ومن وجهة نظرنا المتواضعة نعتبر أن تلك الاختصاصات واردة على سبيل الحصر, فلو أراد المشرع اعتبارها على سبيل المثال لأورد عبارة "وتختص أيضا المحاكم الإدارية في جميع المنازعات الإدارية".
أما فيما يخص الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية فهو محدد بموجب المادة 5 من القانون المحدث لها.
الاختصاص النوعي وعلاقته بالنظام العام
أما بالنسبة لمدى تعلق الاختصاص النوعي بالنظام العام, فتجد على مستوى التشريع أن هناك تضارب ما بين النصوص المنظمة له.
مابين الفصل 16 من ق.م.م الذي باستثناء إمكانية الدفع بعدم الاختصاص النوعي تلقائيا من طرف قاضي الدرجة الأولى, أن المشرع في الفقرات الأربع الأولى من الفصل 16 ساوى ما بين الدفع بعدم الاختصاص بنوعيه المحلي والنوعي, فكما هو معلوم أن موجبات النظام العام تقتضي توافر إمكانية إثارة هذا الدفع في إي مرحلة من مراحل التقاضي.
أما فيما يخص المادة 12 من ق.م.م.إ فقد اعتبرت بشكل صريح القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي من النظام العام.
أما بالنسبة للقانون المحدث للمحاكم التجارية فإنه لم يتم التنصيص على تعلق الاختصاص النوعي بالنظام العام. لكن بالرجوع إلى الفقرة 7 من المادة 5 من نفس القانون نجدها تعطي الإمكانية للتاجر وغير التاجر من أجل الاتفاق على إسناد الاختصاص للمحكمة التجارية.
فمن خلال هذه الفقرة نستنتج أن الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية يعتبر من النظام العام إذا تعلق الأمر بمنازعة بين تاجرين وليس كذلك إذا كان أحد أطراف النزاع شخصا مدنيا.
توجهات الفقه بشأن طبيعة الاختصاص النوعي
فالفقه بدوره انقسم إلى ثلاث اتجاهات :
اتجاه أول : يعتبر الاختصاص النوعي من النظام العام استنادا على المادة 12 من ق.م.م.إ ومن المبررات التي يقدمها :
هو أن المشرع بموجب الفصل 16 من ق.م.م لم يميز بين الاختصاص النوعي والمكاني.
أن ما نص عليه المشرع بموجب ق.م.م.إ بشأن الاختصاص النوعي هو إلغاء ضمني لمقتضيات الفصل 16 من ق.م.م استنادا إلى الفصل 474 ق.ل.ع والذي مضمونة أنه إذا كان القانون الجديد متعارض مع القانون السابق فإنه يلغيه.
اتجاه ثاني : يرفض اعتبار الاختصاص النوعي من النظام العام مستندا على مقتضيات الفصل 16 من ق.م.م وكذا الفقرة 7 من المادة 5 من ق.م.م.ت.
اتجاه ثالث : وهو القائل بضرورة التوفيق بين النصوص القانونية المنظمة للدفع بعدم الاختصاص النوعي, ومن المبررات التي قدمها:
أن المشرع لو أراد نسخ الفصلين 16 و 17 من ق.م.م كما قال الاتجاه الأول لجاء بمادة صريحة في الأحكام الختامية من القانون م.م.إ نسخ بها الفصلين السابقي الذكر.
يضيف هذا الاتجاه أنه على المحاكم العادية أن تراعي أحكام المادتين 12 و 13 من ق.م.م.إ متى عرضت على أنظارها قضية ذات طبيعة إدارية, وما دون ذلك تطبق أحكام الفصل 16 و 17 من ق.م.م.
أما على مستوى القضاء فنجد أن محكمة النقض قد اتخذت موقفا موحدا في رقابتها على جميع المحاكم سواء العادية أو المتخصصة معتبرة في ذلك على أن الاختصاص النوعي من النظام العام.
وخلاصة القول أن الانقسام في المواقف بين اعتبار الاختصاص النوعي من النظام العام أو عدم اعتباره كذلك يلزم تدخل المشرع لحسم الخلاف بإدخال تعديل على مقتضيات الفصل 16 من ق.م.م بعدما أتى بمقتضيات تخالفها بموجب ق.م.م.إ لتفادي تضارب النصوص القانونية بصدد نفس المسائل المنظمة للاختصاص النوعي.
المبحث الثاني: تنازع الاختصاص على ضوء الاختصاص النوعي
مفهوم وصور تنازع الاختصاص النوعي
نجد أن المشرع تعرض لتنازع الاختصاص في الفصل 300 من ق.م.م الذي ينص على أنه:"يكون هناك مجال لتنازع الاختصاص إذا أصدرت عدة محاكم في نزاع واحد قرارات غير قابلة للطعن صرحت فيها باختصاصها أو عدم اختصاصها فيه".
فمن خلال هذا الفصل نستنتج أن من صور تنازع الاختصاص نجد:
- التنازع الإيجابي: ويتحقق عندما تدعي محكمتان تابعتان لجهتي القضاء العادي والإداري الاختصاص بنظر ذات النزاع.
- التنازع السلبي: ويتحقق بصدور حكمين من جهتي القضاء العادي والإداري بعدم اختصاص كل منهما بنظر ذات الموضوع.
- تعارض الأحكام: أي صدور حكمين متعارضين من الجهتين القضائيتين في نفس الموضوع مما يستحيل تنفيذهما, ففي هذه الحالة قرر المشرع بموجب الفصل 390 من ق.م.م الاختصاص لمحكمة النقض لإبطال عند الاقتضاء دون إحالة أحد الأحكام المقدمة إليها طبقا للإجراء المنصوص عليه في الفصل 354 من نفس القانون.
فمن أسباب تنازع الاختصاص نجد :
- القصور التشريعي (المفارقة ما بين القوانين).
- صعوبة التمييز بين أشخاص القانون العام وأشخاص القانون الخاص.
- تدخل الدولة (الخوصصة)...
- طبقا للفصل 300 من ق.م.م فإنه لقبول طلب الفصل في تنازع الاختصاص يجب توفر ما يلي:
- وجود التنازع بصدد دعوى واحدة أي اتحاد الخصوم والموضوع والسبب.
- أن تكون الدعوى قد رفعت أمام جهتين مختلفتين.
- أن يكون الحكم الصادر قد بت في الاختصاص بحكم حاسم دون التعرض لموضوع الدعوى.
- يجب أن يكون تنازع الاختصاص قد تولد عن حكمين أو أكثر لم لم يعودا قابلين لأي طعن.
فبالنسبة له نجده يتميز بازدواجية التنظيم القانوني في كل من ق.م.م وكذا ق.م.م.إ ثم ق.م.م.ت لكن بمقتضيات مخالفة لبعضها البعض ومتناقضة في أحيان كثيرة.
الحكم في الدفع بعدم الاختصاص النوعي
نجد المشرع أعطى بموجب الفصل 17 من ق.م.م الاختيار للمحاكم للفصل في الدفع بعدم الاختصاص النوعي إما بموجب حكم مستقل أو بالضم إلى الجوهر.
لكن المادة 12 من ق.م.م.إ أوجبت البت بحكم مستقل في الدفع بعدم الاختصاص النوعي. لكن غياب أي جزاء قانوني على عدم احترام هذا المقتضى دفع ببعض المحاكم إلى ضمه إلى الموضوع.
فمن خلال هذه المقتضيات هناك من يتساءل حول ما إذا أثير أمام محكمة ابتدائية عادية دفع بعدم الاختصاص النوعي لفائدة المحكمة الإدارية, هل تطبق أحكام الفصل 17 من ق.م.م أم أنها تكون ملزمة بتطبيق مقتضيات المادة 13 من ق.م.م.إ فهذا الجواب الأخير هو الصائب وهو ما عبرت عنه محكمة النقض في أحد القرارات الصادرة عنها.
الطعن في الحكم في الدفع بعدم الاختصاص النوعي
فبالنسبة للجهة المختصة بالفصل في تنازع الاختصاص, فهناك تضارب مابين قانون م.م.إ الذي يستند هذه المهمة لمحكمة النقض, ومابين القانون م.م.ت الذي يسند مهمة الفصل في التنازع لمحكمة الاستئناف التجارية.
لذلك ونظرا لهذا التضارب يمكن القول أنه لابد من خلق غرفة خاصة بمحكمة النقض (على الأقل مرحليا) يتم استئناف أمامها جميع الأحكام الصادرة عن مختلف محاكم المملكة (عادية- تجارية- إدارية) مما يؤدي إلى الحد من تنازع الاختصاص بعد توحد جهة استئناف الأحكام الصادرة في الاختصاص.
مراحل دعوى تنازع الاختصاص النوع
بالنسبة لمراحل تنازع الاختصاص فهي تمر بمرحلتين: تتعلق الأولى بالقبول أو عدم القبول, أما الثانية فتتعلق بالبت في مشكل التنازع.
أثار الدفع بعدم الاختصاص
وقف الخوض في موضوع الدعوى : وذلك لتفادي تعارض قرار محكمة النقض في الحالة التي تقتضي فيها بعدم اختصاص تلك المحكمة وما ستحكم به هذه الأخيرة في الدعوى.
الإحالة بعد التصريح بعدم الاختصاص النوعي.
أحكام الإحالة
فأحكام الإحالة تعرف ازدواجية في التنظيم القانوني لها بين (ق.م.م) و (ق.م.م.إ) ثم (ق.م.م.ت).
فتناقض المقتضيات المتعلقة بالإحالة جعلت محاكم المملكة تختلف في الأخذ بالإحالة من عدمه بعد التصريح بعدم اختصاصها نوعيا ومرد ذلك عدم الانسجام الذي يطبع تكريس المشرع لها.
وهو الأمر الذي جعل التساؤل يطرح حول القوة الملزمة للإحالة :
فهناك من التشريعات من نصت صراحة على فرض حكم الإحالة على المحكمة المحال إليها الدعوى ولم يسمح لها بإعادة الدعوى لمصدرها إذا رأت رأيا مخالفا.
إلا أن المشرع المغربي لم يفرض هذه الإحالة على المحاكم المحال إليها, وهو ما جعل مواقف الفقه والقضاء تتضارب بصدد ذلك.
أما على مستوى الفقه:
فالاتجاه الأول : يرى أن الاختصاص يستمد من النص القانوني لا من قرار الإحالة وبالتالي يتعين على المحكمة المحال عليها الملف أن تعيد النظر في مدى اختصاصها.
أما الاتجاه الثاني : فيرى أن الإحالة ملزمة للمحكمة المحال عليها وذلك حسما لتردد الدعوى الواحدة بين أكثر من محكمة وحتى لا يتحمل المدعي مشقة رفع الدعوى من جديد وجهد جديد ووقت ضائع.
أما على مستوى القضاء : فقد انقسم بدوره إلى اتجاهين إذ غالبا ما تحيل المحاكم العادية على المحاكم الإدارية لكن هذه الأخيرة استقرت على عدم قبول الإحالة وإرجاع الملف إلى المحكمة المحيلة وقبولها فقط من محكمة إدارية أخرى قضي بعدم اختصاصها محليا.
وخلاصة القول أنه رغم ما يمكن تسجيله عن تجربة القضاء المزدوج (على المستوى الأدنى) من إيجابيات في طار القانون المحدث للمحاكم الإدارية, فإننا نرى بأن التضارب مابين النصوص القانونية المنظمة للدفع بعدم الاختصاص النوعي يساهم بشكل كبير في عرقلة السير العادي للتقاضي.
الفصل الثاني: تنازع الاختصاص النوعي بين المحاكم في ضوء العمل القضائي
المبحث الأول : تجليات تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم الابتدائية
لقد حاولنا من خلال بحثنا رصد بعض تجليات تنازع الاختصاص بين القضاء العادي والإداري ومن هذه النماذج:
القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص
فلقد شكل تطور هيئات خاصة للقيام بتنفيذ مهام المرفق العام تأثيرا على مفهوم السلطة الإدارية باعتبار صدور قرارات إدارية عن هيئات غير إدارية في إطار قيامها بنشاط مرفق عام مناطه خدمة المصلحة العامة.
لذلك فقد أبان المعيار العضوي الذي كان يؤخذ به لتمييز المنازعة الإدارية عن المنازعة العادية وذلك من خلال وجود الإدارة كطرف في النزاع عن قصوره وهذا ما أدى بالتالي إلى انهياره.
وبذلك أخذ القضاء بتطبيق المعيار المادي (أي النظر إلى موضوع النزاع ), وبالتالي اعتبر القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص قرارات إدارية قابلة للطعن بالإلغاء بشرط أن يكون ذلك مرتبطا بتسيير مرفق عام تم استعمال امتيازات السلطة العامة.
فمجال القرارات الصادرة عن أشخاص القانون الخاص تشكل مجالا خصبا لتنازع الاختصاص مابين المحاكم الإدارية والمحاكم الابتدائية العادية, حيث أنه بالنظر إلى الشخص المصدر للقرار يتبين أنه شخص يخضع للقانون الخاص وبالتالي لاختصاص القضاء العادي, لكن بالنظر للعمل الإداري الذي يقوم به أي تسيير مرفق عام يتبين أنه يخضع للقانون العام وبالتالي لاختصاص القضاء الإداري.
ازدواجية الرقابة القضائية على قرارات المحافظ العقاري
تعرف القرارات الصادرة عن المحافظ العقاري ازدواجية في الرقابة حيث تخضع لاختصاص القضاء العادي طبقا للفصل 96 من ظهير التحفيظ العقاري وذلك بالنسبة لقرار رفض تقييد حق عيني أو التشطيب عليه.
كذلك تكون قراراته خاضعة لاختصاص القضاء الإداري طبقا للمادة 8 من ق.م.م.إ باعتباره موظفا عمومي.
كما أن الاختصاص في دعاوى تعويض المتضرر من قرارات المحافظ العقاري تخضع لرقابة المحاكم الابتدائية بالنسبة لأخطائه الشخصية, ولرقابة القضاء الإداري بالنسبة لأخطائه المصلحية, لكن الصعوبة تدق في تكييف الخطأ.
لذلك فازدواجية الرقابة تكون نتيجتها غالبا تنازع الاختصاص ما بين الجهات التي تتقاسم ذلك الاختصاص وهو ما يجسده الواقع العملي للمحاكم.
إشكالية الاختصاص القضائي في المنازعات العقدية
إن الدولة كشخص عام تحتاج في سبيل القيام بتحقيق بعض أهدافها العامة أو الخاصة من الدخول في علاقات تعاقدية مع الأفراد والمؤسسات عامة كانت أو خاصة مما يثير إشكالية الجهة المختصة في حالة نشوب نزاع ما. ومن العقود التي أثارت مشكل تنازع الاختصاص نذكر عقود الامتياز- التدبير المفوض- عقود البيع والشراء- عقود النقل...
تنازع الاختصاص في نزاعات معاشات العاملين في المؤسسات العمومية الاقتصادية والاجتماعية
القضاء المغربي غير مستقر بشأن نزاعات معاشات العاملين في المؤسسات العمومية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي وفي هذا الصدد لابد من تدخل المشرع المغربي لإعادة صياغة الفقرة الثانية من المادة 8 من ق.م.م.إ فهذه المادة جاءت عامة ومطلقة لا تميز بين العاملين اللذين يخضعون لنظام أساسي وبين أولئك الذين يخضعون لقانون الشغل.
كما أن الضرورة تستدعي تدخل المشرع لتعديل الفصل 71 من ظهير 1972 المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي خاصة عبارة المحكمة المختصة والتي تبقى واسعة وفضفاضة مع تحديد المحكمة المختصة بشكل واضح وصريح.
المبحث الثاني: تمظهرات تنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والمحاكم التجارية
تثير العلاقات التعاقدية المتنوعة الأطراف ( شخص عام- خاص) إشكالات فيما يخص تحديد الجهة المختصة بالبت في النزاعات الناشئة بينهما. مما يطرح حالات عديدة من تنازع الاختصاص مابين جهتي القضاء المتخصص الإداري والتجاري.
بحيث تشكل عقود المؤسسات العمومية الصناعية والتجارية مجالا خصبا لتنازع الاختصاص. فتوجه يدفع باختصاص المحاكم التجارية باعتبار تلك المؤسسات تقوم بأنشطة تجارية.
في حين أن توجه أخر يقضي باختصاص المحاكم الإدارية لكون تلك المؤسسة ولو أنها تقوم بأنشطة تجارية إلا أنها تستعمل في تصرفاتها امتيازات السلطة العامة كما أنها بتسيير مرفق عام يؤدي منفعة عامة.
كما تشكل بعض نماذج الصفقات العمومية التي تبرمها الإدارة مع الخواص خاصة التجار مجالا خصبا لتنازع الاختصاص بين المحاكم الإدارية والتجارية بسبب ما لهذه العقود من طبيعة تجارية ولكون أحد أطرافها من أشخاص القانون العام, وبذلك شكل التعاقد بواسطة سندات الطلب إشكالية الجهة المختصة بالبت في المنازعة المترتبة عنه بحيث ظل القضاء الإداري ولزمن طويل يعتبر التعاقد بواسطة سندات الطلب من العقود الخاصة للإدارة. أيضا نجد عقود التوريدات لفائدة الشخص العام.
لقد أصبح تقاسم الاختصاص بين أنواع المحاكم في العديد من الحالات يصعب ضبطه فالمتقاضي قد لا يعرف الباب الذي يجب أن يطرقه. مما يكون نتيجته رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة وبالتالي يتم الدفع بعدم الاختصاص لفائدة محكمة أخرى.
كما أن خضوع بعض المنازعات لازدواجية رقابية كان السبب في بروز حالات عديدة من تنازع الاختصاص لأن ذلك يخلق خلطا والتباسا لدى المتقاضي حول الجهة المختصة بالبت في النزاع.
لذلك فتنازع الاختصاص النوعي نتيجة حتمية لتعدد وتنوع المحاكم داخل التنظيم القضائي للمملكة ولازدواجية الرقابة.
كما أن بعض الموضوعات تدق التفرقة فيها, حيث يقتضي المنطق خضوعها في جانب منها للقانون الخاص واختصاص المحاكم العادية بنظرها, وفي جانب أخر للقانون الإداري وبالتالي اختصاص المحاكم الإدارية.