MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




الطبيعة القانونية لاختصاصات الهيئة المغربية لسوق الرساميل بين الاختصاصات الادارية و القضائية

     

ياسين المفيد
طالب باحث بماستر قانون الأعمال و المقاولات
جامعة محمد الخامس – السويسي
كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية
الرباط



الطبيعة القانونية لاختصاصات الهيئة المغربية لسوق الرساميل بين الاختصاصات الادارية و القضائية

مقدمة :

 
يلعب الاقتصاد دورا أساسيا في حياة المجتمعات ، حيث يساهم في خلق توازن بين أطياف المجتمع ، و من هذا المنطلق برز اهتمام التشريعات الحديثة بتنظيم المجال الاقتصادي بنصوص تتماشى و خصوصية الظرفية الحالية .
و يشكل الجانب المالي القلب النابض لأي اقتصاد كيفما كانت مرجعيته ، خصوصا اذا اتخذ من النظام الاقتصادي الليبيرالي مذهبا أساسيا يعتمد على مبادئه  و  يشتغل بمؤسساته ، و من هنا برزت الحاجة الى التوفر على سوق مالية قوية باعتبارها من أهم مؤسسات النظام الليبيرالي الرأسمالي .
و لا شك أن تطور القيم المنقولة و تعدد أشكالها و تنوع المتدخلين في مجالها أضحى واقعا تعرفه الأسواق المالية الشيء الذي فرض على المشرع التدخل من أجل ضمان الأمان و النزاهة و الشفافية في المعاملات المبرمة داخل السوق المالي .
و لا يجادل أحد في القول بأن المغرب بدوره قطع أشواطا هامة في السنوات الأخيرة في اصلاح منظومة السوق المالي الوطني برمتها ، حيث همت الاصلاحات الجوهرية مختلف المجالات ، مكنت من تعزيز الاطار القانوني للسوق المالي من خلال اعتماد قوانين تهدف بالأساس الى تحسين سيولة سوق الرساميل ، اضافة الى تقوية و توسيع سلطات الرقابة .
و في هذا الصدد صدر الظهير المتعلق بمجلس القيم المنقولة
[1]، و اعتبرها القانون مؤسسة عامة تتمتع بالشخصية المعنوية و بالاستقلال المالي ، عهد اليها مهمة السهر على سير أسواق القيم المنقولة على أحسن وجه و التأكد من احترام المتدخلين في هذا المجال للقوانين و الأنظمة الجاري بها العمل .
و نظرا للمكانة التي أصبح يحظى بها هذا الجهاز ، و الذي يلعب دور الدركي داخل منظومة القطاع المالي بالمغرب و الذي يعتبر صاحب الولاية  العامة تم اصدار القانون المتعلق بالهيئة المغربية لسوق الرساميل
[2] .هذا الأخير الذي دعم و عزز استقلالية الهيئة و تم توسيع مهامه على أوسع نطاق ، حيث تم تحويل النظام العام الأساسي لهذه الهيئة من مؤسسة عمومية الى شخص معنوي عمومي حتى يتسنى لها أداء مهامها بكل استقلالية كبنك المغرب الذي يعتبر صاحب الولاية العامة على النشاط البنكي بالمغرب.
اذا يمكن القول على أن البحث في هذا الموضوع يكتسي أهمية بارزة ان على المستوى النظري من خلال النصوص القانونية المنظمة له و مقارنتها مع الظهير الملغى لمجلس القيم المنقولة ، و كذلك على المستوى العملي من خلال الاختصاصات الجديدة التي أصبحت الهيئة تمارسها .
و بناءا على المقتضيات القانونية الواردة في القانون 43.12 المتعلق بالهيئة المغربية لسوق الرساميل ،  يحق التساؤل بقوة حول الطبيعة القانونية لاختصاصات الهيئة المغربية لسوق الرساميل  حتى يتسنى لنا تصنيفها هل تدخل في اطار الاختصات الادارية أم القضائية ؟
من خلال هذه الاشكالية المطروحة  نقترح خطة البحث التالية لمعالجة هذا الموضوع :
أولا :  طبيعة الاختصاصات المسندة للهيئة المغربية لسوق الرساميل
ثانيا : طبيعة القرارات الصادرة عن الهيئة و مسطرة الطعن فيها
 
 
 

أولا :  طبيعة الاختصاصات المسندة للهيئة المغربية لسوق الرساميل

 
اذا كانت اختصاصات الرقابة هي المهمة الأصلية لمجلس القيم المنقولة و التي حلت  محلها الهيئة المغربية لسوق الرساميل ، فان الاضطلاع بها لوحدها لا يرقى به ليعتبر هيئة ضبط بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، فلكي تعتبر هيئة ضبطية يتعين مدها بمجموعة من الصلاحيات ، فهناك صلاحيات تتخذها الهيئة بما لها من سلطة في ضمان تقييد الفاعلين بالقوانين و الأنظمة المعمول بها و تأمين سلامة المعاملات و هو ما يطلق عليه بالسلطة التنظيمية (I) اضافة الى الصلاحيات المخولة للهيئة كسلطة تأديبية من خلال اجراءات التحري و التحقيق و البحث عن المخالفات ثم توقيع العقوبات (II).
 

I – السلطة التنظيمية للهيئة المغربية لسوق الرساميل

 
يعتبر تنظيم السوق المالي من أبرز المهام التي  تمكن من ضبط المعاملات في سوق البورصة ، حيث أن هذا التنظيم يعني من جهة خلق جو ملائم للاشتثمار و من جهة أخرى تأسيسا للعلاقة التي تربط بين مختلف المتدخلين في السوق المالية ، و لهذا السبب منح المشرع المغربي منذ اصداره للظهير المنظم لمجلس القيم المنقولة  مجموعة من الصلاحيات المرتبطة بتنظيم حسن سير السوق و التي عززها باصدار الظهير المنظم للهيئة المغربية لسوق الرساميل .
و في سبيل قيام الهيئة بمهمتها التنظيمية ، خول لها المشرع اساسا مهمة اصدار الدوريات ، و ذلك طبقا للمادة السادسة من القانون 43.12 السالف الذكر و التي تعتبر من أهم الوسائل القانونية التي منحها القانون لهذه الهيئة  و التي تطبق على مختلف الهيئات و الأشخاص الخاضعين لمراقبتها و المشار اليهم في المادة 4 من نفس القانون .
كما تجدر الاشارة أساسا على أن كل الاجراءات المرتبطة باعداد هذه الدوريات تحدد في النظام العام للهيئة المغربية لسوق الرساميل المنصوص عليه في المادة 21 من القانون 43.12 . و من هذا المنطلق يحق التساؤل حول القيمة القانونية  التي تم اسنادها لهذه الدوريات التي تمارس بها الهيئة سلطتها التنظيمية ؟
مما يجب التأكيد عليه أن الاهتمام بهذه الدوريات و ان كانت يصدرها مجلس القيم منذ انشائه،  لم يتم الا مع اصدار قانون 23.01
[3] و كذا النظام العام للمجلس و قد تم اعطائها أهمية كبرى باصدار القانون 43.12 الجديد ، حيث عمل المشرع على اعطاء هذه الدوريات قوة قانونية كبرى و صلت الى حد الالزام باحترامها و المعاقبة على عدم الامتثال لها.[4]  
حيث نجد المادة 8 من القانون 43.12 السالف الذكر نصت على أن رئيس الهيئة يصدر عقوبات في حق كل شخص أو هيئة خاضعة لمراقبة الهيئة و ذلك في حالة الاخلال بالقواعد الأخلاقية أو قواعد الممارسة المهنية المنصوص عليها في الدوريات الصادرة عن الهيئة ، اذ نجد أن هذه العقوبات تتفاوت بين الانذار و التوبيخ مع امكانية توقيع عقوبة مالية.
اذن يتضح مما سبقت الاشارة اليه أن الهيئة المغربية لسوق الرساميل تتمتع بسلطات تنظيمية واسعة تتجلى في اصدار الدوريات ذات القوة الملزمة و المعاق على مخالفتها.
من هنا يمكن التساؤل حول مدى اعطاء المشرع للهيئة سلطة التشريع خصوصا اذا علمنا أن هذه الدوريات تجتمع فيها خصائص العمومية و الالزام و العقاب عند عدم الامتثال، مع العلم أن هذه الدوريات تخضع وجوبا للمصادقة من طرف وزير المالية و تنشر في الجريدة الرسمية .
[5] ما يجعل من عموم المواطنين ملزمين بأحكامها و يتم الاحتجاج بها ضدهم.
لكن بالتنقيب أكثر في المقتضيات القانونية المنظمة لها ، نجد أن الفقرة الخامسة من المادة السادسة من القانون 43.12 نص صراحة على أن قواعد الدوريات لا يجوز لها بتاتا أن تتعارض مع القواعد و الاجراءات المذكورة مع الأحكام التشريعية و التنظيمية الجاري بها العمل أو تغييرها أو نسخها بصفة مباشرة أو غير مباشرة . اذن  فهذه ادوريات لها دور تكميلي و توضيحي .
[6]   كون هذه الدوريات انما تستمد قوتها القانونية في الواقع من النصوص التشريعية و التنظيمية التي تصدر لأجل توضيحها و ازالة الغموض عنها ، و ما يزكي هذا الطرح أنها لا تكون نافذة ألا بعد المصادقة عليها من طرف وزير المالية .
بالاضافة الى صلاحية اصدار الدوريات التي تعتبر مظهرا حقيقيا لممارسة السلطة التنظيمية المخولة لها وفقا للمواد 6و 7 و 8 من القانون 43.12 المشار اليه آنفا ، تباشر الهيئة بصورة تبعية نوعا آخر من هذه السلطة في اطار مساعدة الحكومة في تنظيم السوق المالية و ضمان حسن سيرها
[7] .
اذ تختص هذه الهيئة بالاضافة الى كونه قنطرة العبور الضرورية في وضع النظام العام لبوصة القيم
[8]و كذا النظام العام للوديع المركزي [9] ، بوضع نظامها العام المنصوص عليها في المادة 21 من القانون 43.12 .
هذا النظام العام الذي لا يدخل حيز التنفيذ الا بعد دراسته من قبل مجلس الادارة ثم عرضه على الادارة المتمثلة في وزير المالية قصد المصادقة عليه و الذي ينشر وجوبا بالجريدة الرسمية ،  و يشمل هذا النظام بوجه عام :
- قواعد الاخلاق المهنية المطبقة على مستخدميها و على أعضاء مجلس ادارتها و على أعضاء المجلس التأديبي
- كيفيات سير مجلس الادارة و كذا مسطرة منح التعويضات التي يمكن صرفها لأعضائه
- كيفيات سير المجلس التأديبي
- كيفيات دراسة الملفات من طرف المجلس الـتأديبي
-كيفيات اعداد الدوريات(...) ، و غيرها من الاختصاصات
[10].
اضافة الى كل ما سبق فلقد تم تعزيز دور الهيئة المغربية لسوق الرساميل  في الرقابة و التنظيم من خلال مختلف السلطات التأديبية المخولة لها ، و هذا ما سيكون موضوع النقطة الموالية .


II- طبيعة اجراءات التحري و التحقيق في ظل قانون
43.12

 
ان اقرار أحقية الهيئة المغربية سوق الرساميل في المراقبة القبلية كوسيلة للوقاية من المخاطر التي تهدد سلامة المعاملات و شفافيتها وحده لا يكفي ، بل ان الحاجة تبقى ماسة الى تمكنه من الوسائل القانونية و التقنية  الأكثر فعالية ، فاذا كانت المراقبة القبلية تهدف كاها الى فحص المعلومات و الوثائق الصادرة عن الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور الى الاكتتاب العام و شركات البورصة و هيئات التوظيف الجماعي للقيم المنقولة ، الا أن الهيئة قد تجد نفسها مطالبة بضبط بعض الحالات التي تعتبر أعمالا معاقب عليها جنائيا[11].
و اذا كانت هذه المهام تبدو تكميلية بالنسبة لأعمال المراقبة الادارية ، الا أنها ضرورية و مرغوب فيها كون الهيئة تعد أكثر تأهيلا لانجاز هذه الأبحاث لما تتوفر عليه من امكانيات تقنية و فنية و بشرية للا ضطلاع بهذه المهمة ، حيث أن وضعيتها القانونية و المؤسساتية كجهاز للمراقبة و كهيئة استشارية ، تؤهلها لمعرفة اتجاهات السوق و الاطلاع على ما تعتري تصرفات المتدخلين من ممارسات تخل أو من شأنها الاخلال بمبادئ سير المعاملات .
و اعتبارا كذلك لكون الهيئة المغربية لسوق الرساميل نقطة العبور الضرورية لمختلف المعلومات و البيانات المعدة للنشر للجمهور ، تستطيع ضبط مختلف التجاوزات المخلة بحسن سير السوق المالي . و من أجل ذلك  أوجد المشرع المغربي سواء في الظهير الملغى المتعلق بمجلس القيم المنقولة أو في ظل القانون  رقم 43.12 صلاحية ضبط التجاوزات التي رفعها الى مصاف الجرائم و اجراء الأبحاث الجنائية بشأنها و التي تهدف الى التثبت من ارتكاب بعض الجرائم و جمع الأدلة عنها و البحث عن مرتكبها و التي تعتبر من صميم اختصاصات ضباط الشرطة القضائية .
و هكذا و استنادا الى مقتضيات المواد من 34 الى 41 من القانون 43.12 السالف الذكر ، يتبين لنا بجلاء أن القانون أسند للهيئة المغربية لسوق الرساميل لأجل البحث عن المخالفات مهام الشرطة القضائية و التي جاءت لتنضاف الى الاستثناءات المقررة بموجب الفقرة الأخيرة من المادة 19 من قانون المسطرة الجنائية .
و بالرجوع الى المادة 34 من القانون 43.12 السالف الذكر نجده أعطى هذه الاختصاصات للمأمورون المنتدبون لهذا الغرض من لدن الهيئة ، و قد نص القانون على مجموعة من الشروط الضرورية الواجب توفرها فيهم ، حيث من الضروري أن يكونوا محلفين أن يحملوا بطاقة مهنية تسلمها لهم الهيئة ، اضافة الى وجوب أداء اليمين و ذلك طبقا لمقتضيات الظهير الشريف
[12] المتعلق بأداء اليمين من لدن الأعوان محرري المحاضر.
و تحقيقا لنفس الهدف ، يمكن للمأمورون المنتدبون لهذا الغرض اجراء ابحاث وفق الشروط الشار اليها أعلاه لدى أشخاص تربطهم بالأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور الى الاكتتاب في أسهمها أو سنداتها علاقة قانونية أو مالية تجعل منهم مجموعة ذات مصالح مشتركة .
كما يجوز لهم بمناسبة قيامهم بمهامهم ، أن يدخلوا أي مكان من الأماكن المعدة لأغراض مهنية و يطلعوا على جميع الاوراق و الوثائق التي يرون فيها فائدة  و يحصلوا على نسخ منها
[13].
و قد تم تعزيز هذه الصلاحيات بصدور القانون 43.12 من خلال تمكبن المأمورون من الاستماع لكل شخص يمكن له أن يدلي لهم بمعلومات مرتبطة بمهمتهم علاوة على تحرير المحضر في الحال و يم توقيعه من كل الأطراف التي شملها الاجراء مع عدم امكانية الاحتجاج بالمقتضيات المتعلقة بالسر المهني على مأموري الهيئة المغربية لسوق الرساميل في اطار مزاولة مهامهم.
اضافة الى ذلك فقد خول لهم القانون
[14] اجراء التفتيش و الحجز و الختم قصد البحث عن وثائق ، لكن هذه الاجراءات كلها رهينة باحترام الأحكام المحددة قانونا المنصوص عليها سواء في هذا القانون نفسه أو في اطار القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية ، و ذلك من خلال ضرورة اخذ ترخيص من وكيل الملك بشأن كل تفتيش داخل الأماكن و كذا ضرورة احترام اوقات التفتيش المنصوص عليها في المادة 37 من القانون 43.12.
اذا و بعد الاطلالة السريعة و الموجزة على مختلف الاجراءات التي منحت للهيئة المغربية لسوق الرساميل يتبين الدور الذي تلعبه هذه الأخيرة في مجال الضبط  و البحث الشيء الذي يوحي بأن هذه الاختصاصات نفسها التي يتمتع بها ضباط الشرطة القضائية في اطار البحث التمهيدي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية ، مما يدل ‘لى أن هؤلاء المأمورون أعطى لهم القانون صفة ضباط الشرط القضائية .
و بعد ما يتم ضبط هذه المخالفات من طرف المأمورين وفق الاجراءات السابقة ، فان الهيئة المغربية لسوق الرساميل تتخذ العقوبات التأديبية المنصوص عليها في القانون أو متابعة مرتكبيها لدى الجهاز القضائي اذاكانت تتعدى نطاق سلطاته التأديبية . فالهيئة تختص فقط بالعقوبات التأديبية الصادرة عن هيئة ادارية ، أما العقوبات الجنائية فهي من صميم القضاء الذي يبقى له الصلاحية التامة لتطبيقها
[15].  و يظهرهذا  من خلال المادة 41 من القانون 43.12 التي تنص على ضرورة احالة كل المخالفات التي تم ضبطها من قبل الرئيس الى وكيل الملك المختص ، و بالاضافة الى امكانية تدخل رئيس المحكمة المختص بصفته قاضبا للمستعجلات من خلال الاجراءات التحفضية التي يأمر بها .
لكن بالرغم من كل هذا يتبين أن الهيئة المغربية لسوق الرساميل من خلال العقوبات التي تصدرها و من خلال تركيبة المجلس التأديبي الذي يرأسه العضو القاضي
[16] ، فيمكن وصفها على أنها هيئة ادارية شبه قضائية

ثانيا : طبيعة القرارات الصادرة عن الهيئة و مسطرة الطعن فيها

 
ان الهيئة المغربية لسوق الرساميل باعتبارها هيئة ادارية تتمتع بالشخصية المعنوية ، تصدر مجموعة من القرارات بمناسبة مزاولتها لمهامها مما يطرح معه تحديد طبيعة هذه القرارات القانونية هل هي قرارات ادارية أم لا تعدوا أن تكون كذلك (I) و أمام امكانية اتصاف هذه القرارات بالامشروعية تعين التدخل لالغائها وذلك من خلال الجهة المختصة ((II

I  -  الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل

 
لقد جاء في القانون المتعلق بالهيئة المغربة لسوق الرساميل مجموعة من الأعمال التي تتخذها الهيئة من جانب واحد تشكل مصدر صعوبة لتحديد طبيعتها القانونية و كذا النظام الجاري[17] عليها  "كالمنع" و "الرفض"  بالنسبة للتأشيرة المطلوبة قبل القيام بأي دعوة للجمهور للاكتتاب في أسهمه أو "طلب" الاطلاع على الوثائق و غيرها ...
و من هذا المنطلق يجب التمييز بين المقررات الفردية المتعلقة بنشر المعلومات و تأمين حسن سير السوق و بين المقررات الفردية ذات الصبغة التأديبية .
فالأولى تثير التساؤل حول أساس و مبررات سلطة الهيئة في اصدار قرارات فردية بالأمر أو المنع أو الترخيص من جانب واحد ، و الواقع أنه في حالة وجود نص قانوني يخول للهيئة صلاحية توجيه هذه القرارات للقيام بأعمالها أو مباشرة بعض الاجراءات بالنسبة للأشخاص الخاضعين لرقابتها ، فان الهيئة تستمد سلطة اصدار القرارات من النص القانوني نفسه بصرف النظر عن وجود أو عدم وجود علاقة رئاسية بينه و بين المعنيين بالأمر .
و لمعرفة طبيعة هذه القرارات يجب التعرف أولا على طبيعة الهيئة القانونية و تعريف القرار الادارب كي يتسنى لنا الحسم في هذه الطبيعة ، حيث أن الهيئة المغربية أصبحت لها صفة شخص معنوي عمومي و أصبحت مسطرة تعيين رئيسها لمسطرة التعيين في المناصب العليا ، اضافة الى أن القرارات الصادرة عنها تخضع للمصادقة من طرف الادارة ، الشيء الذي لا يدع مجالا للشك بأنها هيئة  ادارية بامتياز.
أما مفهوم القرار الاداري فقد تم تعريفه على أنه عمل قانوني يصدر عن الارادة المنفردة للادارة و لا يتوقف نفاذه على موافقة من ينطبق عليهم
[18]. و قد عرفه القضاء بأنه افصاح جهة الادارة في الشكل الذي يحدده القانون عن ارادتها الملزمة بما لها من سلطة عامة بمقتضى القوانين و اللوائح ، بقصد احداث أثر قانوني معين متى كان ممكنا و جائزا و كان الباعث عليه  مصلحة عامة .
اذا انطلاقا من كل ما سبق ذكر بشأن مفهوم القرارات الاداري و طبيعة الهيئة ، و مقارنتها مع القرارات تصدرها هذه الأخيرة ، يتبين بجلاء أنها قرارات ادارية بامتياز ولا أحد يشك في ذلك ، و ذلك لكون الهيئة سلطة ادارية تصدر قرارات فردية لا يتوقف الموافقة عليها من قبل المعنيين بها لنفاذها ، و كذلك فهو يعتبر عمل قانوني يستمد قوته من النصوص القانونية و التي تحدث مجموعة من الآثار القانونية تجاه الأطراف المعنية بالقرار .
و من بين القرارات الادارية  الترخيص بدعوة الجمهور الى الاكتتاب في أسهم أو سندات شخص معنوي أو منعه استنادا على ماله من صلاحية منح أو رفض التأشير على بيان المعلومات المطلوب لهذا الغرض ، و كذا طلب نشر استدراكات و الادلاء ببيانات توضيحية أو مبررات أو معلومات تكميلية و طلب الاطلاع على الوثائق من قبل مراقبي الحسابات للشهادة على صحة المعلومات ، و كذلك الأمر بتسخيرهم لفحص هذه الوثائق .
أما المقررات الفردية ذات الصبغة التأديبية التي تم تخويلها للهيئة و ذلك من خلال اعطاء الرئيس سلطة اصدار عقوبات تأديبية متمثلة في الانذار و التوبيخ أو العقوبة المالية غير المتجاوزة لمبلغ 200.000 درهم أو هما معا في حق كل شخص أو هيئة أخلت بالقواعد الأخلاقية للممارسة المهنة التي تنص عليها الدوريات الصادرة عن الهيئة .حيث لا يمكن اعتبارها بتاتا قرارات قضائية كونها ليست صادرة عن جهاز قضائي ، بل هي اختصاصات ادارية محضة خاضعة لرقابة الادارة .
و أمام هذه الاختصاصات التي عززت مهام الهيئة المغربية لسوق الرساميل المتمثلة في القرارات المختلفة ، فانها لا تخلو من خطورة كونها قرارات غير شرعية من خلال شطط الهيئة في استعمال سلطتها ، الشيء الذي ذهب بالمشرع الى خلق امكانية الطعن في هذه القرارات كلما استدعى الأمر ذلك و هذا ما سيكون موضوع تحليل في النقطة الموالية .


II- الطعن في القرارات الصادرة عن الهيئة المغربية لشوق الرساميل

 
تعتبر دعوى الالغاء الوسيلة القضائية الوحيدة التي يستطيع بها الطاعن بواسطتها التوجه الى جهة قضائية مطالبا بالغاء قرار غير شرعي صادر عن سلطة ادارية وتتمتع هذه الدعوى الأخرى بخصوصيات و مميزات تجعلها متميزة عن باقي الدعاوى الأخرى و تجعلها في نفس الوقت مجهولة من قبل أغلب الأفراد رغم أنها تشكل أحسن أنواع الرقابة على الادارة و أوفاها ضمانا لحقوقهم و حرياتهم .[19]
و الهيئة المغربية لسوق الرساميل بعتبارها شخص معنوي عمومي تتمتع بالاستقلال المالي ، و تعتبر المقررات الصادرة عنها قرارات ادارية كما سبقت الاشارة الى ذلك و تخضع بهذه الصفة حسب الأحوال للطعن بالالغاء من أجل الشطط في استعمال السلطة أو عدم الشرعية .
فدعوى الشطط في في استعمال السلطة عي الوسيلة القضائية التي تمكن القاضي من مراقبة عمل الادارة قصد الغاء قراراتها .
[20]فهي اذا دعوى قضائية ترفع لأجل المطالبة بالغاء القرارات الصادرة عن الهيئة الادارية و المتسمة بعدم الشرعية.
و بالرجوع الى القانون 43.12 السالف الذكر نجد أن المادة 56 منه هي المادة الفريدة التي نظمت هذا الشأن حيث نصت بأنه " يمكن الطعن لأجل الشطط في استعمال السلطة في القرارات الصادرة عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل في اطار مزاولة مهامه أمام المحكمة الادارية بالرباط" و هذا ليس بمقتضى جديد داخل جاء به هذا القانون بل نجد له مثيلا و بنفس العبارات في المادة 35-1 من الظهير 1.93.212 المتعلق بمجلس القيم المنقولة .
و هذا الطعن الذي يمكن ممارسته ممن توفرت فيه الشروط المنصوص عليها في القواعد العامة
[21] حتى ولو لم يرد بشأنه نص خاص ، يجب تقديمه أمام المحكمة الادارية بالرباط وفق المسطرة المعمول بها في القانون المنظم للمحاكم الادارية .
و تجدر الاشارة أنه و ان لم يحدد القانون مضمون و نوع الشطط الذي يمكن الاعتماد  عليه من اجل الغاءه ، فان القضاء جرى على الغاء القرارات المشوبة بعيب عدم الاختصاص أو مخالف لاجراءات الشكل و المسطرة التي الزم القانون باحترامها في ممارسة بعض الصلاحيات و كذا مخالفة القانون بوجه عام في استعمال السلطة أو عدم وجود سبب أو عدم مشروعيته.
[22]
 
 
 
 


خاتمة:

 
يتضح من خلال النقط التي سبقت مقاربتها ،أن الوضع القانوني للهيئة المغربية لسوق الرساميل يطرح اشكالات عميقة تلقي بضلالها على المهام الموكولة لها بغرض ضبط السوق المالي في أوسع نطاقه .
فاذا كان الشكل القانوني لايطرح أية اشكالية باعتبارها هيئة ادارية تتمتع بالشخصية المعنوية مستقلة ماليا و اداريا الا من حيث الوصاية التي تمارسها الادارة وهذا هو مربط الفرس في علاقة السلطة التنفيذية بالهيئة المغربية لسوق الرساميل ، فالاشكال يطرح نفسه حول دعم استقلالية الهيئة عن كل الجهات المؤثرة الشيء الذي يدعم صلاحياتها مما يدفع بها في القريب العاجل الى بسط مناخ ملائم لتحريك الرساميل بكل بساطة و سهولة و في اطار متناه من الطمأنينة و الشفافية .


 

لائحة المراجع:

 
الكتب

  • أحمد أيت الطالب : التنظيم القانوني للسوق المالية (البنيات و الفاعلون ) ، مطبعة المعارف الجديدة ، ط أولى 2006.
  • محمد الأعرج : القانون الاداري المغربي ، الجزء الأول ، منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية و التنمية ، مطبعة دار النشر المغربية ، ط الثانية 2010.
  • عبد الله حداد : القضاء الاداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الادارية ، مطابع منشورات عكاظ الرباط ، الطبعة الثانية 1995.
  • - سلمان الطماوي : قضاء الالغاء ، دار الفكر العربي ، الطبعة الرابعة 1967
  • بلهاشمي محمد التسولي و رافع عبد الوهاب : مقاضاة الشخص المعنوي العام ي اطار القانون المحدث للمحاكم الادارية ، المطبعة و الوراقة الوطنية ، مراكش ، الطبعة الأولى1995
الرسائل و الأطروحات
  • عمر العسري : تحريك أسواق الرساميل و استراتيجية تنشيط الاستثمار بالمغرب ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية .عين الشق الدار البيضاء 2001.
  • ياسين اوداوود : تعزيز استقلالية مجلس القيم المنقولة في ضبط السوق المالية ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال و المقاولات ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية-جامعة محمد V –السويسي –الرباط ، السنة الجامعية 2008/2009.
  • سميرة أمر الله : تدخل الدولة في قطاع البورصة بالمغرب , رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، وحدة البحث : تدبير الشأن  العام ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية-جامعة محمد V –السويسي –الرباط ، السنة الجامعية 2008/2009.
  • عصام عبد الله ملحم : البورصة و عملية تداول  الأسهم ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، كلية الحقوق أكدال ، الرباط ، 2006
  • - HASSNAE TGUARGUIRA : etude comparative de la régulation des marchés boursiers par le CDVM et la  SEC , Memoire pour l’obtention du Master en droit economique et des affaires , FSJES , université Med V souissi Rabat , 2008
 
القوانين

  • ظهير شريف 1.13.21 صادر في فاتح جمادى الأولى 1434 (13 مارس 2013) بتنفيذ القانون رقم 43.12 المتعلق بالهيئة  المغربية لسوق الرساميل  ج.ر عدد 6142 جمادى الأولى 1434( 11 أبريل 2013)
  • ظهير شريف رقم 212.93.1 بمثابة قانون متعلق بمجلس لقيم المنقولة و المعلومات المطلوبة الى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور الى الاكتتاب في أسهمها أو سنداتها صادر في ربيع الآخر 1414 (21 شتنبر 1993) ج.ر عدد 4233 بتاريخ 6 أكتوبر 1993 ص 1390
  • القانون 35.96 المتعلق باحداث وديع مركزي و تأسيس نظام عام لقيد بعض القيم في الحساب كما غير و تمم بالقانون 43.02(21 أبريل 2004
  • القانون 41.90 المحدث بموجبه للمحاكم الادارية الصادر بتنفيذ الظهير رقم 225.91.1 بتاريخ 22ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993).
 

الفهرس

 
مقدمة : 1
أولا :  طبيعة الاختصاصات المسندة للهيئة المغربية لسوق الرساميل 5
I – السلطة التنظيمية للهيئة المغربية لسوق الرساميل 5
II- طبيعة اجراءات التحري و التحقيق في ظل قانون 43.12 9
ثانيا : طبيعة القرارات الصادرة عن الهيئة و مسطرة الطعن فيها 13
I  -  الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن الهيئة المغربية لسوق الرساميل 13
II- الطعن في القرارات الصادرة عن الهيئة المغربية لشوق الرساميل 16
خاتمة: 18
لائحة المراجع: 19
الفهرس. 22
 
 



[1] - ظهير شريف رقم 212.93.1 بمثابة قانون متعلق بمجلس لقيم المنقولة و المعلومات المطلوبة الى الأشخاص المعنوية التي تدعو الجمهور الى الاكتتاب في أسهمها أو سنداتها صادر في ربيع الآخر 1414 (21 شتنبر 1993) ج.ر عدد 4233 بتاريخ 6 أكتوبر 1993 ص 1390
[2] - ظهير شريف 1.13.21 صادر في فاتح جمادى الأولى 1434 (13 مارس 2013) بتنفيذ القانون رقم 43.12 المتعلق بالهيئة  المغربية لسوق الرساميل  ج.ر عدد 6142 جمادى الأولى 1434( 11 أبريل 2013)
[3] - القانون 23.01 الصادر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 17.04.1 بتاريخ 1 ربيع الأول 1425 ( 21 أبريل 2004) ج ر عدد 5270 بتاريخ 26 أبريل 2004 ص 1834 و المعدل ب القانون 36.05 و 44.06
[4] - ياسين اوداوود : تعزيز استقلالية مجلس القيم المنقولة في ضبط السوق المالية ، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون الأعمال و المقاولات ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية-جامعة محمد V –السويسي –الرباط ، السنة الجامعية 2008/2009، ص 103
[5] - المادة 7 من القانون 43.12
[6] - HASSNAE TGUARGUIRA : etude comparative de la régulation des marchés boursiers par le CDVM et la  SEC , Memoire pour l’obtention du Master en droit economique et des affaires , FSJES , université Med V souissi Rabat , 2008  p 41.
[7] - أحمد أيت الطالب : التنظيم القانوني للسوق المالية (البنيات و الفاعلون ) ، مطبعة المعارف الجديدة ، ط أولى 2006 ص 440
[8] - الفقرة الأولى من المادة 7 المكررة من الظهير معتبر بمثابة قانون 211.93.1
[9] -المادة 8 من القانون 35.96 المتعلق باحداث وديع مركزي و تأسيس نظام عام لقيد بعض القيم في الحساب كما غير و تمم بالقانون 43.02(21 أبريل 2004).
[10]- المادة 21 من القانون 43.12
[11] - سميرة أمر الله : تدخل الدولة في قطاع البورصة بالمغرب , رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام ، وحدة البحث : تدبير الشأن  العام ، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية-جامعة محمد V –السويسي –الرباط ، السنة الجامعية 2008/2009، ص 70
[12] -ظهير شريف صادر في 5 جمادى الآخرة 1332 ( فاتح ماي 1914)
[13] - سميرة أمر الله : مرجع سابق ، ص 71
[14]  - عصام عبد الله ملحم : البورصة و عملية تداول  الأسهم ، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، كلية الحقوق أكدال ، الرباط ، 2006 ص 50
[15] -عمر العسري : تحريك أسواق الرساميل و استراتيجية تنشيط الاستثمار بالمغرب ، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية .عين الشق الدار البيضاء 2001 ، ص 192
[16] -المادة 19 من القانون 43.12
[17]  - أحمد أيت الطالب : م س ، ص 442
[18] - محمد الأعرج : القانون الاداري المغربي ، الجزء الأول ، منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية و التنمية ، مطبعة دار النشر المغربية ، ط الثانية 2010 ، ص 199
[19] - عبد الله حداد : القضاء الاداري المغربي على ضوء القانون المحدث للمحاكم الادارية ، مطابع منشورات عكاظ الرباط ، الطبعة الثانية 1995 ، ص 63
[20] - سلمان الطماوي : قضاء الالغاء ، دار الفكر العربي ، الطبعة الرابعة 1967 ، ص 381
[21] - المادة 8 من القانون 41.90 المحدث بموجبه للمحاكم الادارية الصادر بتنفيذ الظهير رقم 225.91.1 بتاريخ 22ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993).
[22] - بلهاشمي محمد التسولي و رافع عبد الوهاب : مقاضاة الشخص المعنوي العام ي اطار القانون المحدث للمحاكم الادارية ، المطبعة و الوراقة الوطنية ، مراكش ، الطبعة الأولى1995 ص 156.




الاربعاء 12 مارس 2014

عناوين أخرى
< >

الاربعاء 3 يوليوز 2024 - 21:18 التوقيع الإلكتروني في ضوء القانون 43.20


تعليق جديد
Twitter