يعد موضوع الطلبة الأساتذة من المواضيع التي أثيرت في الآونة الاخيرة , و الذي إنضاف الى سلسلة من المواضيع التي اعتبر الإحتجاج و التظاهر المشروع محورها الأساسي شأنها في ذلك شأن موضوع الطلبة الأطباء الذي يمكن القول على أنه مرضوع أسدل الستار عليه نسبيا .
و لعل القاسم المشترك بين كل من ملف الطلبة الأطباء و الطلبة الأساتذة هو سبب خروجهما للاحتجاج و التظاهر ألا و هو التقنين المنظم أو المرتقب أن ينظم كلاهما , إلا أن اختلافهما يتجلى في كون احتجاج الطلبة الأطباء كان مناطه مشروع قانون كان قيد المناقشة و هو ما جعله حضي بثأثير التظاهر الذي دام لأسابيع عديدة , و حقق المبتغى وما توخاه المحتجون .
بينما احتجاج الطلبة الأساتذة مناطه هو مرسومين وزاريين صودق عليهما في شهر يوليوز المنصرم مما يجعل هذا الاحتجاج يوصف إن صح القول بالإحتجاج بأثر رجعي, و لعل في مصادقة المجلس الحكومي على هذين المرسومين في تلك الفترة من شهر يوليوز , و التي اقترنت بالعطلة التي خلالها كان لم يعلن بعد عن لوائح الناجحين نهائيا لولوج المراكز الجهوية لمهن التربية و التكوين , حيلة ونية مبيتة حتى لا يصطدم المرسومين بواقع الإحتجاج الذي من شأنه أن يعرقل المصادقة عليهما, أو يؤدي لإسقاط ما تضمنه المرسومين من إجحاف في حق الطلبة الأساتذة خاصة, و منظومة التعليم عامة, و التي بإقرار مثل هذه القوانين المنظمة لها و لأطرها المرتقبة, تجعل متصفحها يكاد يجزم أن قطاع التعليم ببلدنا لا يعرف ذرة مشاكل, و الحال أنه من القطاعات التي تزخر بمشاكل بالجملة من خصاص في الأطر و هشاشة في البنية التحتية و اكتظاظ و ... كلها مشاكل خاطئ من ظن أنه بإقرار المرسومين الجديدين سيتم الحد من إحداها .
و بالرجوع إلى المقتضيات المهمة التي تضمنها المرسوم رقم 2.15.588 و التي أشعلت فتيل الإحتجاح في صفوف الطلبة الأساتذة بالمراكز الجهوية للتربية و التكوين , نجد ما يتعلق بفصل التكوين عن التوظيف هذا الأخير الذي يجعلنا نطرح عدة تساؤولات حول الغاية من التنصيص على مثل هذا المقتضى في الوقت الذي تعاني منظومتنا التعليمية من خصاص مهول , و في الوقت الذي جل الدراسات والإحصائيات الدولية التي تعنى بمستويات التعليم تصنفنا في مراتب متأخرة في ذيل الترتيب جنبا إلى جنب بدول لم تربط بعد بشبكة الماء و الكهرباء .
فهل إقرار مثل هذه المقتضيات يندرج في إطار سياسة التقشف التي تنهجها الحكومة !!
وإن صح ذلك فإن الأصل هو أنه لا مجال للتقشف في قطاع حيوي كالتعليم شأنه في ذلك شأن قطاع الصحة و ذلك لإرتباطهما بنمو البلد وصحة مواطنيه , أم هذا يندرج في إطار ما أصبح يتعلق برفع الدولة ليدها عن بعض القطاعات لتخفيف العبئ عليها و هذا ما صرح به السيد رئيس الحكومة في أكثر من مناسبة , و بالتالي إقرار مثل هذا يكون ما هو لغرض تمهيد الطريق و تيسير الظروف للوبي الخصخصة حتى تكون أمامه كل الظروف المناسبة للتخفيف عن الدولة من حدة بعض القطاعات, مما ستكون معه أمام خريجي المراكز الجهوية للتربية و التكوين أحضان القطاع الخاص بالدرجة الأولى أهون من الانتظار لولوج القطاع العام .
ثم إضافة للمرسوم السالف الذكر نجد أن وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني أتت بمرسوم ثاني رقم 2.15.589 ليعدل المرسوم رقم 2.11.672 الذي صدر سنة 2011 و الذي لم يعمر طويلا , مما يستنتج معه أن كل حكومة تشرع قوانين على المقاس لقطاع التعليم خلال ولايتها الحكومية دون الأخذ بعين الإعتبار ما سيفسر عنه من آثار في حق مختلف مكونات المجتمع .
فإقرار هذا المرسوم الجديد الذي جاء بدوره بمقتضى اعتبر النقطة التي أفاضت الكأس , و التي تتمثل في إلغاء المادة 23 من المرسوم السابق2.11.672 و التي كانت تنص على تقاضي المرشحين المقبولين نهائيا لولوج مراكز مهن التربية و التكوين لمبلغ ما مجموعة حوالي 2455 درهم شهريا طوال السنة الكاملة ,هذه المادة التي أقرت من باب الرأفة بهؤلاء المتكونين بعدما كان أجرهم قبل إقرارهذا المرسوم يحدد في حدود مبلغ 550 درهم شهريا . إلا أن المرسوم عاد من جديد ليقرر إلغاء المادة 23 من مرسوم رقم 2.11.677 و التي نجد تبرير إلغاءها لدى الوزارة الوصية على القطاع بكونها من باب ترشيد النفقات و على اعتبار أنها تشكل إهدار للمال العام, و الحال أن الإهدار الحقيقي لهذا المال يتم دون حسيب أو رقيب.
أما ترشيد صرفه على حساب أبناء الطبقة الفقيرة و المتوسطة من هذا الوطن و التي تعتبر الأكثر إقبالا على المراكز الجهوية للتربية و التكوين , و مكافأتها بمبلغ هزيل لا يتجاوز 1200 درهم وليس خلال السنة كاملة فإنه ما هو إلا في إطار ما يمكن تسميتة ب " وهم الإصلاح على حساب الطرف الضعيف "