لقد أثار انتباهي ما نشر في الصحافة حول القرار موضوع هذا التعليق ،والمكتوب بالبند العريض على واجهة الغلاف الملون لمجلة "عدالة جوست " بعنوان قرار حديث للمجلس الأعلى :ولوج مهنة المحاماة بلا رسوم .بالإضافة الى عناوين استفهامية جانبية في الصفحات الداخلية ،أمثال :هل سترجع مجالس هيئآت المحامين ملايين الدراهم المستخلصة من ذوي الحقوق ؟ .وهل تطالب النقابات المنضوية تحت لواء جمعية هيئآت المحامين باعادة النظر ليبت المجلس الأعلى بجميع غرفه لترسيخ الإجتهاد القضائي القار ؟ [1].وكذلك في جريدة "العلم " حيث أثارت كون قرار المجلس الأعلى حسم في موضوع فرض واجبات الإنخراط لهيئة المحامين للمرشحين لولوج مهنة المحاماة ،وأن هذا القرار لاشك سيثير جدلا [2] .كما ان السيد مدير مجلة رحاب المحاكم ورئيس تحريرها الدكتور عبد الله درميش وصف هذا القرار في كلمته قبل البداية ، بالقرار المبدئي وذو أهمية والصادر عن هرم القضاء المغربي[3] ، ونظرا لأهميته فقد تم نشره في هذه المجلة بالإضافة الى مجلات قانونية مغربية أخرى [4].
وفعلا ، فلقد بدأ هذا الموضوع يثير نقاشا ولكن دون مواقف لحد الآن ،اذ أن مكتب جمعية هيئآت المحامين بالمغرب المنعقد بالدار البيضاء يوم 24/7/2010 ناقش موضوع قرار المجلس الأعلى المتعلق بواجبات الإنخراط ،من طرف أعضاء مكتب الجمعية . ولعل النقاش ما زال مستمرا ،ومساهمة مني في هذا المجال ارتأيت كتابة تعليق على قرار المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) هذا ،حيث صدر القرار بتاريخ 6/4/2010 تحت عدد 1499 قضى بنقض وابطال القرار المطعون فيه على أساس انه ليس في المادة 5 ولا في المادة 85 من قانون المحاماة ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسم الإنخراط على المرشح لمهنة المحاماة وفق مقرر مجلس الهيئة ، الأمر الذي كان معه القرار المطعون فيه معللا تعليلا فاسدا الموازي لإنعدامه مما عرضه للنقض والإبطال [5] .
وهذا القرار يطرح إشكاليتين قانونيتين:الأولى تتعلق بعدم اعتبار المجلس الأعلى لمصدر من مصادر القانون المدني ،وهو مصدر العرف الخاص بمهنة المحاماة .والثانية تتعلق بالنظام الداخلي لهيئة المحامين وعدم اعتباره ايضا من طرف المجلس الأعلى في حل اشكالية النازلة . وقبل تحليل الإشكاليتين لابد من تقديم عرض موجز لوقائع النازلة .
عرض موجز للوقائع :
بتاريخ 26/10/2006 قدم الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بطنجة مقالا الى غرفة المشورة بنفس المحكمة ،طعن بمقتضاه في القرار الصادر عن مجلس هيئة المحامين بطنجة في اجتماعه المنعقد بتاريخ 4/10/2006 بشأن مراجعة واجبات الإنخراط في الهيئة المذكورة والمحدد لواجب انخراط المحامين الرسميين المنتقلين من هيئآت اخرى في مبلغ 150 الف درهم ،والمعفين من شهادة الأهلية والتمرين في 200 الف درهم ،والمحامين الأجانت والوافدين من هيئآت اجنبية في 300 الف درهم ،والمحامين المتمرنين الملتحقين بالهيئة في 60 الف درهم، والوافدين من هيئآت اخرى في 80 الف درهم، والوافدين من الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص في 100 الف درهم .وقد ارتكز الوكيل العام في طعنه على المبالغة في الرفع من واجب الإنخراط الذي من شأنه ان يخلق حاجزا أمام الراغبين في ولوج المهنة ممن تتوفر فيهم الشروط المتطلبة قانونا وان تسد الباب في وجه العديد ممن تتوفر فيهم شروط الإنضمام الى مهنة المحاماة أو لمحامين مغاربة أو اجانب منتقلين من هيئآت اخرى واجاب نقيب هيئة المحامين بطنجة بان قرار المجلس يعتبر قرارا اداريا يطعن فيه أمام المحاكم الإدارية واحتياطيا في الموضوع فان المشرع المغربي منح مجلس الهيئة صلاحية اصدار القرار المستأنف بمقتضى المادة 85 من ظهير 14/10/1996 وان القرار وان كان غير مبرر فذلك راجع لسلطته المطلقة وان ذلك تقتضيه اقساط التأمين الصحي وتأمين الأخطاء المهنية اللتين تعرفان الزيادة سنويا والحالة الإقتصادية عرفت ارتفاع الأسعار بشكل مهول وان معاينة البطلان تتعلق فقط بحالة الإخلال بالنظام العام أو التنافي مع المقتضيات التشريعية الأمر الذي لا ينطبق على النازلة .فاصدرت المحكمة القرار المطعون فيه بالنقض من طرف الوكيل العام للملك في الوسيلة الفريدة بانعدام التعليل وسوء تطبيق القانون ؛ ذلك انه خالف المدلول القانوني للمادة 85 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة ولم يبين كيف استخلص احقية المجلس في اصدار هذا القرار بصورة مطلقة سيما وان القرار المذكور تعمد اخفاء الأسباب المفضية الى الرفع من قيمة واجبات الإنخراط دون توضيح ادنى سبب سوى اثراء النقابة على حساب المنتسبين اليها الغاية منه الحد من الراغبين في الإنتساب الى المهنة بفرض مبلغ تعجيزي يمنع الكثيرين من الإنتساب اليها وهو محضور قانونا لأن مجلس الهيئة لا يملك حق منع احد من الإنتماء اليها اذا ما توفرت فيه المؤهلات المشترطة قانونا ، ومن المعلوم ان الغاية من ايجاد مجلس الهيئة هي الإشراف والمراقبة على تسيير المهنة حفاظا على اصالتها وصونا لها من عبث العابثين بها والدفاع عن هيبتها حتى لا تخرج عن النطاق التي اسست من اجله . ولذلك فان الرفع من واجبات الإنخراط الى القدر المشار اليه سيؤدي لا محالة الى تعطيل المهنة باقتصارها على الفئة الميسورة لا محالة دون باقي الراغبين الذين يحدوهم الأمل في الإنضمام اليها حسبما تنص عليه المادة الأولى من القانون المنظم لها ،مما سيؤدي الى احتكار المهنة ،وهو أمر مناف لما توخاه المشرع من وراء احداث هذه النقابات .
وعلل المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) قراره على اساس ان القرار اعتمد في قضائه على ان القاعدة المستمدة من الفقرة 5 من المادة 85 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة بتاريخ 10/9/1993 المعدلة والمتممة بظهير 10/8/1996 ان مجلس الهيئة يتولى زيادة على الإختصاصات المسندة اليه للنظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة مهمة تحديد واجبات الإشتراكات وان القاعدة المستمدة من نص المادة 86 من نفس الظهير ان المداولات أو المقررات التي يتخذها أو تجريها الجمعية العمومية أو مجلس الهيئة لا تعتبر باطلة بحكم القانون الا اذا كانت خارج نطاق اختصاصها او خلافا للمقتضيات القانونية أو كان من شأنها ان تخل بالنظام العام ويكون لمحكمة الإستئناف معاينة بطلانها بناء على ملتمس الوكيل العام للملك ،وبالرجوع الى المقرر المطعون فيه يتبين انه اتخذ في نطاق الإختصاص المشار اليه بالفقرة 5 أعلاه وليس فيه ما يخالف القانون او يخل بالنظام العام ،في حين ان المادة 85 المشار اليها تقضي بانه يتولى مجلس الهيئة زيادة على الإختصاصات المسندة اليه للنظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة المهام التالية :5 ـ ادارة اموال الهيئة وتحديد واجبات الإشتراك وابرام عقود التأمين عن المسؤولية المهنية لأعضائها مع مؤسسة مقبولة للتأمين .وان واجب الإشتراك هو المبلغ المالي أو الخدمات الذي تحدده الجمعة أو النقابة لمساهمة أعضائها في تحمل أعباء تسييرها بينما نازلة الحال لا تتعلق بعضو ينتمي الى الهيئة وانما بشخص أجنبي عنها يطالب بالإنخراط فيها وان المبالغ المشار اليها في المقرر المطعون فيه تتعلق بشروط القبول في التسجيل في الهيئة وهي لا تندرج ضمن مقتضيات الفقرة المذكورة . وان المادة 5 من الظهير المذكور ليس في شروطها ولا في المادة 85 المذكورة ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسم الإنخراط على المرشح لمهنة المحاماة وفق مقرر مجلس الهيئة .
وبهذا الرأي يكون المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) قد تجاهل وأهمل مصدرا من مصادر القانون ،واجب التطبيق في ميدان المحاماة ،ألا وهو العرف .كما انه يكون أيضا قد تجاهل قواعد النظام الداخلي لمهنة المحاماة لحل اشكالية رسم الإنخراط .
أولا : تجاهل المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) للعرف كمصدر للقانون لحل اشكالية رسم الإنخراط في مهنة المحاماة .
إن أول ما ينبغي الوقوف عنده في تناول موضوع العرف كمصدر من مصادر القانون هو معرفة ما
المقصود بالعرف في الإطار اللغوي وفي الاصطلاح الفقهي ،بالإضافة الى أنواعه والمركز الذي يحتله
ضمن مصادر القانون ليس في القانون المغربي فحسب بل حتى في بعض التشريعات العربية .
ففي لسان العرب : العرف والعارفة والمعروف واحد ضد النكر ،وهو كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه .
ويطلق على كل عال مرتفع ، ومن ثم أطلقوا على أوائل الرياح وأعاليها أعرافا . ويطلق على شعر عنق الفرس، وعرف الديك، ويطلق على موج البحر.
وأصحاب الأعراف قيل هم الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار، وقيل هم الأنبياء..
والأعراف أيضا سورة من سور القرآن الكريم، سميت بذلك لورود لفظة "الأعراف" فيها. وهي من أطول السور المكية وآياتها 206 آية ..
وإذا فتحت عين كلمة العرف يصبح المعنى الريح الطيبة، وان كسرتها سارت بمعنى الصبر.. وعلى هذا الأساس يكون قد غلب ورود الكلمة في ما ارتفع من المجسمات وكرم من المعاني .
وقد وردت كلمة الأعراف في القرآن الكريم بصيغة المصدر إفرادا وجمعا في قوله تعالى"خذ العفو
وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" [6] ،وفي قوله تعالى: "وعلى الأعراف رجال..."وفي قوله تعالى :"والمرسلات عرفا.."وهي بمعنى المعروف. ،وقوله سبحانه وتعالى:"خذ العفو "أمر له عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق، أي خذ بالسهل اليسير في معاملة الناس ومعاشرتهم،قال ابن كثير وهذا أشهر الأقوال ويشهد له قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم :"إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك" و"أمر بالعرف" أي بالمعروف ، والجميل المستحسن من الأقوال والأفعال ، و "أعرض عن الجاهلين" أي لا تقابل السفهاء بمثل سفههم بل أحلم عليهم، قال القرطبي: وهذا وإن كان خطابا لنبيه عليه الصلاة والسلام فهو تأديب لجميع خلقه [7] . وفي الحديث النبوي الشريف: "أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة" .
ب) الإصطلاح الفقهي للعرف :
أما في اصطلاح الفقهاء فقد عرف بتعاريف منها: ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول .
وقد جاء في تعريفه من طرف وزارة العدل بأنه :"مجموعة من القواعد العامة المعتادة، والتي فرضت شيئا فشيئا ،فصارت راسخة متأصلة في مجتمع ما ،واعتبرت واجبة الإحترام ولازمة التطبيق كالقانون [8] .
ويتألف العرف من عنصرين : عنصر مادي يقوم على العادة التي ألفها الناس واستمروا عليها فترة طويلة من الزمن ،وعنصر معنوي أو نفسي يقوم على اعتقاد الناس بأن هذه العادة التي استمروا فيها مدة طويلة ، باتت إلزامية ويصعب عليهم الالتفاف عليها بسهولة .
فالعرف الخاص هو العرف الذي تعارفت عليه جماعة من الناس ،كطائفة من الطوائف أو طبقة
اجتماعية معينة لا تتعلق الا بها ، وليس ملزما على بقية الجماعات ،كالعرف المتبع عند استقبال
الضيوف ..كما ان الأمر قد يتعلق بعرف محلي يروج في منطقة من البلد دون أخرى وقد يكون خاصا بفئة دون أخرى كفئة المهنيين أو الموظفين أو المجتمع النسوي أو الرجالي وهكذا [9] .
والعرف العملي هو العرف الذي يستمر عليه الناس سحابة من الزمان في تعاطيهم العملي مع بعضهم البعض ..
اما العرف القولي فهو ما تعارف عليه الناس في تسمية الأشياء باسماء معينة أو بتسمية أولادهم [10].
فالأعراف حسب المعاجم السوسيلوجية هي أنماط السلوك الجمعي التي تنتقل من جيل إلى جيل،
وتستمر فترة طويلة حتى تثبت وتستقر وتصل إلى درجة اعتراف الأجيال المتعاقبة بها ،وقد تصبح
جزءا من القوانين .
هذا وقد لخص مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت [11] ،من 1 الى 6 جمادي الأولى 1409 هـ الموافق 15ديسمبر 1988 م موضوع العرف في قراره رقم 9 بما يلي :"
أولا: يراد بالعرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك ،وقد يكون معتبرا شرعا أو غير معتبر .
ثانيا: العرف ان كان خاصا فهو معتبر عند أهله وان كان عاما فهو معتبر في حق الجميع .
ثالثا: العرف المعتبر شرعا هو ما استجمع الشروط الآتية :
رابعا: ليس للفقيه – مفتيا كان أو قاضيا – الجمود على المنقول في كتب الفقهاء من غير
مراعاة تبدل الأعراف .
أ ) في التشريع المصري :
في التشريع المصري نجد أن الفقرة الثانية من المادة الأولى من التقنين المدني تنص على أنه :"اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه ،حكم القاضي بمقتضى العرف ،فاذا لم يوجد، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية ،فاذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة " .
وفي هذا الصدد تقول مذكرة المشروع التمهيدي :" ان الفقرة الثانية تعرض لحالة نقص التشريع فتحيل القاضي مبدئيا الى العرف وهي في ذلك تتفق مع الفقرة 2 من المادة 1 من التقنين المدني السويسري .والواقع أن العرف هو المصدر الذي يلي التشريع في المرتبة فمن الواجب أن يلجأ اليه
القاضي مباشرة ان افتقد النص ...فالعرف هو المصدر الشعبي الأصيل الذي يتصل اتصالا مباشرا بالجماعة ويعتبر وسيلتها الفطرية لتنظيم تفاصيل المعاملات ومقومات المعايير التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشعبها أو استعصائها على النص .ولذلك ظل هذا المصدر وسيظل الى جانب التشريع مصدرا تكميليا خصبا لا يقف انتاجه عند حدود المعاملات التجارية بل يتناول المعاملات التي تسري
في شأنها قواعد القانون المدني وسائر فروع القانون الخاص والعام على السواء [12] .
وقد أكد القضاء المصري على انه لا يجوز التحدي بالعرف الا اذا لم يوجد نص تشريعي . وهكذا فقد قررت محكمة النقض المصرية من ان :" النص في المادة الأولى من القانون المدني على ان تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها .فاذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف مفاده أنه ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ لا يجوز التحدي بالعرف الا اذا لم يوجد نص تشريعي " [13] .
وكذلك حكمت ايضا من ان تقدير قيام العرف هو من سلطة محكمة الموضوع دون رقابة لمحكمة النقض عليها [14] .
وبالفعل، فان قانون المحاماة المصري يحتوي نصوصا صريحة وواضحة في مجال رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة ،وبالتالي لا يلجأ الى تطبيق العرف في هذا الصدد .ذلك ان مقتضيات المادة 13 في فقرتها السابعة من قانون المحاماة المصري رقم 17 لسنة 1983 تنص على أنه :"يشترط في من يطلب قيد اسمه في الجدول العام أن يسدد رسم القيد والإشتراك السنوي طبقا لأحكام هذا القانون".كما أشارت المادة 166/1 منه على أن موارد النقابة العامة تتكون اساسا من رسوم القيد بجداول النقابة .بينما حددت المادة 167 منه مبلغ رسوم التسجيل سواء للقيد بالجدول العام أو بغيره من الجداول الأخرى أمام مختلف درجات المحاكم [15] .
ب ) في التشريع الكويتي :
أما في التشريع الكويتي نجد أن المادة الأولى من قانون التجارة تقابل المادة الأولى من القانون المدني المصري [16] ، وبذلك يكون ترتيب العرف كمصدر للقانون بعد التشريع .غير أنه لا يمكن اللجوء الى تطبيق العرف بشأن رسم الإنخراط لكون قانون المحاماة الكويتي رقم 42/64 المعدل بقانون 30/68 و62/96 نص على هذا المقتضى صراحة في المادة 14 منه والتي تقول :" على طالب القيد أن يؤدي عند طلب قيد اسمه في الجدول العام أو أحد الجداول الملحقة به رسم القيد المقرر للجدول الذي يطلب قيد اسمه فيه ،مع رسوم القيد بالجداول السابقة اذا لم يكن قد أداها ". كما حددت نفس هذه المادة مبلغ رسم القيد في الجداول المختلفة .
ج ) في التشريع المغربي :
وأما في التشريع المغربي فقد اكتفى المشرع ببيان الرتبة التي يحتلها العرف بالنسبة لقواعد القانون ؛ وهكذا فقد أعطى الفصل 475 من ظهير الإلتزامات والعقود الأولوية للقانون على العرف ، اذ نص على انه :" لا يسوغ للعرف والعادة أن يخالفا القانون ان كان صريحا " .وهنا يلاحظ ان المشرع سوى بين العرف والعادة في معناهما ، واشترط المشرع العمل بالعرف والعادة ،أن لا يخالفا القانون بنص صريح لا غموض فيه .فلا يرجع للعرف والعادة الا اذا لم يوجد نص في القانون يطبق في النازلة خصوصا اذا كان النص صريحا لا غموض فيه .ويلاحظ ان المشرع في هذا الفصل أعطى الأولوية للتشريع على العرف [17] .
هذا، وقد قرر القضاء المغربي من أن العرف هو قاعدة قانونية يفترض في القاضي العلم به ويطبقه على النازلة المعروضة عليه ولا يحتاج الى اثبات من أطراف الدعوى .وأضاف قائلا ،وفى المادة التجارية هو مصدر مهم للقواعد التي تنظم المعاملات لما تتطلبه هذه الخيرة من سرعة وثقة ومرونة. ولذلك فالمحكمة عندما الزمت الطاعنة باثبات العلاقة التعاقدية كتابة مستبعدة تمسكها بالعرف والمعززبشهادة
صادرة عن الغرفة الصناعية والتجارية تكون قد أساءت تعليل قرارها وعرضته للنقض [18] .
كما حكم ايضا من انه لا يعمل بالعرف اذا خالف قاعدة شرعية [19] . وقرر قصر واجب الإثبات على من يدعي العادة وليس على من يدعي العرف [20] .
وبالفعل ، فان قانون المحاماة المطبق على النازلة موضوع هذا التعليق الصادر في 10/9/1993 والمعدل والمتمم بظهير 10/8/1996 وكذلك قانون المحاماة الجديد رقم 28/08 الصادر بتاريخ 6/11/2008 (ج.ر.عدد 5680 بتاريخ 6/11/2008 ص 4044 وما بعدها ) فانهما لم يتضمنا الإشارة الى رسم الإنخراط ،وجاء النص فيهما فقط على واجب الإشتراك .وهذا الوضع هو الذي كانت عليه ايضا القوانين المنضمة لمهنة المحاماة في المغرب بدءا بقانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 13/8/1913 في الفصول من 34 الى 47 ومرورا بظهيري 10/1/1924 و 18/5/1959 ومرسوم 19/12/1968 اذ أن هذه القوانين كلها التزم فيه المشرع الصمت والسكوت بشأن رسم الإنخراط ،ولم يتعرض له بأي شيئ . فهل معنى هذا أنه استبعد أو منع أداء رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة ؟ ، أم أنه تركها لما جرى به العمل أو لما تعارفت عليه هيئآت المحامين بالمغرب ؟ .
وقبل الجواب على هذا السؤال لابد من الإشارة الى مقتضيات الفصل 14 من نظام هيئة المحامين بالدار البيضاء لأهميته التاريخية ،مع ابداء ملاحظات حوله :
وللإشارة فان نظام هيئة المحامين بالدار البيضاء آنذاك ، تقرر بتاريخ 9/1/1917 وفي نفس التاريخ تقرر نظام مماثل بهيئة المحامين بوجدة [22] ، بينما نظام هيئة المحامين بالرباط تقرر في 17/3/1917. وهذه الأنظمة كانت كلها بناء على مقتضيات الفصل الرابع من ظهير 18/11/1916 المتعلق بتمثيل الأطراف أمام العدالة الفرنسية[23] ،والذي جاء فيه ما يلي:" تحدد محكمة الإستئناف نظاما لمهنة المحاماة بالنسبة لكل نقابة للمحاماة بالمغرب وذلك بموجب مقرر تتخذه بجمعيتها العمومية وبعد الإستماع الى الوكيل العام " .
ب ) ملاحظات حول الفصل 14 من نظام هيئة المحامين بالدار البيضاء :
أما الملاحظات التي ينبغي اثارتها حول الفصل 14 المذكور أعلاه فهي التالية :
أولا : ان جميع الأنظمة الداخلية لنقابات المحامين بالمغرب كانت تقرر من طرف الجمعية العمومية لمحكمة الإستئناف بالرباط ؛أي كانت بيد القضاة .
ثانيا : إن القضاة بالجمعية العمومية لمحكمة الإستئناف بالرباط هم الذين قرروا مبدأ رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة منذ 1917 .
ثالثا : إن قضاة محكمة الإستئناف بالرباط كان لهم وحدهم آنذاك الإختصاص بشأن فرض وتحديد
رسم الإنخراط من أجل الولوج الى مهنة المحاماة كلما نشأت نقابة للمحامين في جهة ما .
رابعا : حدد قضاة محكمة الإستئناف بجمعيتهم العمومية بتاريخ 9/1/1917 أول مبلغ للإنخراط في مهنة المحاماة وكان مقداره 100 فرنك للمحامي الرسمي و50 فرنكا للمحامي المتمرن .
خامسا : طبق أداء رسم الدخول المحدد لمهنة المحاماة بأثر رجعي على جميع المحامين المقيدين قبل صدور النظام أي قبل تاريخ 9 يناير 1917 .
سادسا : استمر هذا النظام مدة تزيد عن سبع سنوات ،وتم الغاؤه بمقتضى الفصل 77 من ظهير 10 يناير 1924 المتعلق بتنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة .
وبعد هذه الملاحظات، يبدو أن الهيئآت التي أسست بعد كل من هيئآت الدار البيضاء والرباط و وجدة، كهيئة المحامين بمراكش وهيئة فاس سنة 1929 ، فانه ومباشرة بعد انتخاب أعضاء المجلس بهيئة فاس عقد اجتماعه الأول في 26/6/1929 وتقرر فيه أن يشرع أمين المال فورا باستخلاص واجبات الإنتساب والإشتراكات تطبيقا للنظام الداخلي المصادق عليه،وقد تبنت الجمعية العمومية التأسيسية النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط كنظام داخلي لهيئة المحامين بفاس[24] .
ولعل استخلاص رسم الإنخراط للولوج الى مهنة المحاماة ،بدأ منذ تلك الحقبة من الزمن واستمر بدون انقطاع الى الآن بالنسبة لهيئآت المحامين التي كانت متواجدة آنذاك والتي أنشأت بعد ذلك والى ما هو عليه الوضع الآن بالمغرب، حيث تكاثرت وأصبح عددها 17 هيئة . وبطبعة الحال فان الوضع اختلف الآن وأصبح مبلغ رسم الإنخراط للولوج لمهنة المحاماة قد ارتفعت قيمته بفعل قرارات مجالس الهيئآت نظرا لتغير الظروف الإقتصادية والإجتماعية والديمغرافية ..وعلى سبيل المثال فقط فان مبلغ رسوم الإنخراط بهيئة المحامين بفاس سنة 1951 كان 1000 فرنك ، وتدرج في الصعود الى أن
وصل سنة 2006 عشرين الف درهم [25] .
وكلما كانت مجالس هيئآت المحامين تقرر رفع سقف مبلغ الإنخراط لولوج مهنة المحاماة إلا وكانت احيانا تتعرض قراراتها هذه الى الطعن أمام محكمة الإستئناف سواء من طرف الوكيل العام بها (ب) أو من طرف المعني بالأمر، أي المرشح لمهنة المحاماة والذي يريد الإنتساب اليها (أ) .
أ) طعن المرشح لمهنة المحاماة في مقرر مجلس الهيئة :
في هذه الحالة،فان محاكم الإستئناف التي تبت في الطعن ،غالبا ما تذهب الى أن الأمر يعود لإختصاص مجلس الهيئة وبالتالي ترفض الطعن أو تعدل قرار مجلس الهيئة ؛ وفي هذا الصدد فقد قررت محكمة الإستئناف بوجدة من أنه عملا بالفصل 89 من القانون الداخلي لهيئة المحامين بوجدة فان تحديد واجب الإنخراط والإشتراك يعود لسلطة مجلس الهيئة ،الذي حدد في مقرره بتاريخ 31/8/1983 واجب الإنخراط في ثلاثين الف درهم [26] . وكذلك قررت محكمة الإستئناف بالرباط من أن قانون مهنة المحاماة لم ينص على الإعفاء من واجب الإنخراط أو تخفيظه ولم ينظم شكل الطعن فيه .وان النظر في أداء واجب الإنخراط إيجابا أو سلبا من اختصاص مجلس هيئة المحامين والقرار الصادر بشأن ذلك يكون قابلا للطعن مبدئيا وفق مقتضيات المادة 90 من قانون المحاماة . وبما أن الطلب المذكور تابع للطلب الأصلي ومندمج فيه بحيث ان اداء الواجب عن الإنخراط يدخل ضمن شروط التقييد بالجدول لذا ينبغي قبول الطلب ما دام الطلب الأصلي مقبولا.وان واجب الإنخراط اشترطه القانون الداخلي ولم يجعل له سقفا أعلى ولا أدنى فهذا يعني ان تقدير الواجب المذكور متروك لسلطة مجلس الهيئة وحده ولا رقابة عليه في ذلك الا لضميره وحسن تدبيره بما يراعي مصالح الهيئة والمنخرطين فيها ،وقررت المحكمة بناء على ذلك ،الغاء مقرر الرفض الضمني وتسجيل الطالب وارجاع الملف الى مجلس الهيئة لتقدير واجب الإنخراط على ضوء هذا القرار[27] .
أما محكمة الإستئناف بالقنيطرة فقد حكمت بتقييد الطاعن في لائحة المحامين المتمرنين بهيئة المحامين بالقنيطرة على أساس أنه استوفى حميع الشروط القانونية ،بعدما ناقشت المحكمة كون الطالب باعتباره غير موظف فقد أدى واجب التسجيل في لائحة المتمرنين المحددة في 500 درهم كمصاريف تقديم الطلب ومبلغ 10000 درهم عن قبول الطلب ،ومبلغ اداء الإشتراك لمدة ثلاث سنوات [28] .
وأما محكمة الإستئناف بفاس فقد عدلت قرار مجلس الهيئة بحيث حكمت بتأييد المقرر الصادر عن مجلس الهيئة بفاس بتاريخ 1/3/2006 في مبدئه مع تعديله بالتخفيض من المبلغ المحدد للمحامي الوافد من هيئة أخرى وكذا المعفى من التمرين وتحديده في مبلغ مائة الف درهم لكل صنف دون تمييز[29] .
ب ) طعن الوكيل العام في مقرر مجلس الهيئة :
أما في هذه الحالة المتعلقة بالطعن الذي يرفعه الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف ،فان هذه المحكمة هي التي تبت فيه ـ وهو نادر الوقوع ـ كما هو الشأن في نازلتنا هذه ،أي الطعن الذي تقدم به الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بطنجة ،فان هذه المحكمة قضت برفضه وبالتالي أقرت مقرر مجلس الهيئة .ولعل هذا الطعن هو الأول من نوعه ـ على ما أعتقد ـ بينما الطعون في الحالة الأخرى ،كما سبق بيانه آنفا فهو متعدد .غير أن الأمر لم يقف عند قرار محكمة الإستئناف بطنجة ،بل وصل الى المجلس الأعلى بسبب طلب النقض المرفوع من طرف الوكيل العام بها ، وبطبيعة الحال فان المجلس الأعلى أصدر قراره كما هو مبين أعلاه ، وهو موضوع هذا التعليق ، متجاهلا من الناحية القانونية امكانية اعتماده على العرف . ولكنه لم يفعل ذلك بالرغم من أن قانون الإلتزامات والعقود واضح في هذا الباب ؛أي أنه عندما لا يجد القاضي نصا يعتمده ويطبقه على نازلة ما ،فانه يرجع في ذلك الى العرف باعتباره من مصادر القانون المرتب بعد التشريع .فكلما وجد القاضي نقصا في التشريع يلجأ الى هذا المصدر ، وفي ذلك تطبيق للقانون .فمن طبق القانون في نازلتنا هذه ياترى ، محكمة الإستئناف بطنجة أم المجلس الأعلى ؟ .
فقرار محكمة الإستئناف بطنجة عدد 186/07 الصادر في 24/10/2007 في الملف ع 274/7/3 (قرار غير منشور ) ارتكز على كون المقرر المطعون فيه سليما من الناحية القانونية ولم يشبه اي عيب من العيوب المؤدية الى بطلانه ،وبالتالي يكون الطلب الرامي الى معاينة بطلانه غير مرتكز على اساس قانوني سليم وينبغي رفضه . وبهذا يكون قرار محكمة الإستئناف رغم نقضه من طرف المجلس الأعلى قد أصاب وطبق القانون في شموليته خلاف ما فعل قرار المجلس الأعلى من اعتبار واهتمام بالصيغة القانونية الضيقة الواردة في المادة 85 من قانون المحاماة لسنة 1993 .
ذلك أن قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) موضوع هذا التعليق صرح من أن المادة 5 من الظهير المذكور (ظهير 10/9/1993 ) ليس في شروطها ولا في المادة 85 المذكورة ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسم الإنخراط على المرشح لمهنة المحاماة .بمعنى أن قانون المحاماة في الفصلين المذكورين في قرار المجلس الأعلى لم ينصا على رسم الإنخراط ،بل ان نصوص قانون المحاماة بأكمله لم يتعرض لهذا المقتضى ، بل أكثر من ذلك فان جميع القوانين المتعلقة بتنظيم مهنة المحاماة منذ سنة 1913 الى الآن لم يتم النص فيها على رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة . فهل هذا يعني منع فرض هذا الرسم من طرف مجالس الهيئآت على كل مرشح يريد الولوج اليها ؟ .قطعا لا ،ذلك لأنه ومنذ زمن بعيد أي أكثر من تسعة عقود وهذا الرسم مفروض على كل منخرط وعلى كل من أراد الإنخراط في مهنة المحاماة ، فبدءا من سنة1917 تقرر هذا الرسم على كل من أراد الإنتساب الى هيئة من هيئآت المحامين بالمغرب ،واستمر هذا الرسم المفروض كما استمر أيضا تقديره وتغيير سقفه من طرف مجالس الهيئآت مواكبة لتغير الظروف الإقتصادية والإجتماعية للمجتمع الى الآن .وهذا المشوار الطويل الذي سارت فيه كل هيئآت المحامين بالمغرب ،ألا يعتبر عرفا واجب التطبيق من طرف القضاء ؟ . ان محاكم الإستئناف كما رأينا طبقته على نوازل من مثل نازلتنا هذه ، وفي تطبيقها له بطبيعة الحال تطبيقا للقانون ،بينما المحكمة الموكول اليها مراقبة تطبيق القانون والتي توجد على قمة هرم التنظيم القضائي المغربي تجاهلت مراقبة وتطبيق القانون ، ولم تعر أي اهتمام للمتعارف عليه عند فئآت معينة وخاصة من أفراد المجتمع المغربي، ألا وهي الهيئآت المهنية الخاصة بالمحامين ،بل الغت جانبا مهما من تاريخ تطبيق هذه الجزئية على سائر المرشحين لولوج مهنة المحاماة في المغرب.
وللإشارة فان ما سبق ذكره بشأن رسم الإنخراط منذ بداية تعامل مجموعة من أفراد المجتمع المغربي به ،وهم فئة المحامين والمرشحين لمهنة المحاماة بدون منازعات في هذا الشأن ،بل باستقرار المعاملة والإحترام، مع الإنسجام التام بالقواعد المكتوبة ،وأيضا الإنسجام مع النظام العام وقواعد الدين والأخلاق والآداب،مما جعل الإعتقاد بالزاميته يسود لدى هذه الفئة من المجتمع ، ولأكثر من أربعة عقود مما يشكل معه ركني العرف المادي والمعنوي . ولقد أصبح هذا العرف مكتسبا قوته الملزمة من النص القانوني الذي يحيل عليه في قانون المحاماة ،كما سيأتي توضيحه بعد حين ، وأيضا من تطبيقات القضاء له كما بينا أعلاه [30] . وبطبيعة الحال فباستكمال العرف لأركانه وشروطه يصبح العرف قانونا ،ومن الواجب على القاضي تطبيقه من تلقاء نفسه في الدعوى المرفوعة أمامه . وذلك لأنه يفترض في القاضي العلم بالقانون أيا كان مصدره ولا يلتزم الخصوم بالتالي باثباته بل يتعين على القاضي البحث عنه ،وتطبيقه من تلقاء نفسه [31] .
هذا وبالإضافة الى ذلك ،فان قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) تجاهل أيضا قواعد النظام الداخلى لمهنة المحاماة بشأن حل اشكالية رسم الإنخراط ، وهي تتضمن الأعراف والتقاليد الخاصة بمهنة المحاماة ،ونظر الى مقتضيات المادة 85 من قانون المحاماة نظرة ضيقة وليست شمولية .
ثانيا : تجاهل المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) لقواعد النظام الداخلي لمهنة المحاماة لحل اشكالية رسم الإنخراط في مهنة المحاماة :
لم يتعرض قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) موضوع هذا التعليق الى النظام الداخلي لهيئآت المحامين بالرغم من ان هذا النظام يحتوي على قواعد مهنة المحاماة وتقاليدها وأعرافها وبالرغم من أنه كذلك فهو ذو طبيعة الزامية بين افراد الهيئة سواء المنتسبين أو الذين يودون الإنتساب اليها ،وخاصة ما تعرضت له بشأن رسم الإنخراط .
1) أصل ونشأة النظام الداخلي لهيئآت المحامين :
لما صدر ظهير 12/8/1913 بخصوص قانون المسطرة المدنية اثناء الحماية والذي جاء في بابه الثاني
تنظيم لمهنة المحاماة آنذاك ، لم يكن بعد قد نظمت المهنة داخليا اي لم يكن هناك اي نظام داخلي
لمهنة المحاماة لعدم وجود هيئة ، وكان يوجد فقط النقيب حسب التعيين او الانتخاب لقلة المحامين
في دائرة محكمة الاستئناف وعددهم 7 ( ف 39 م م قبل التعديل وبعده بظهير 4/5/1920 ) ، وكان للقضاء الفرنسي بالمغرب آنذاك سلطة التعيين والبحث والتاديب وتهيئ الجدول في هذا الميدان . بل كان له ايضا سلطة تحديد نظام داخلي لمهنة المحاماة ، اذ ان محكمة الاستئناف بالرباط هي التي حددت اول نظام داخلي لهيئة المحامين لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 9/1/1917 تنفيذا للفصل الرابـع من ظهير 18/11/1916 بشان تمثيل الاطراف امام العدالة الفرنسية الذي ورد فيه ما يلي :" تحدد محكمة الاستئناف نضاما لمهنة المحاماة بالنسبة لكل نقابة للمحاماة بالمغرب وذلك بموجب مقرر تتخذه بجمعيتها العمومية وبعد الاستمـاع الى الوكيل العام " . وانشأت محكمة الاستئناف ايضا نظاما داخليا لهيئة المحامين بوجدة بنفس التاريخ المذكور بينما نشأ أول نظام داخلي لهيئة المحامين بالرباط بتاريخ 17/ 3/ 1917 وهذه الانظمة الداخلية الثلاثة لكل من الدار البيضاء وجدة والرباط هي نظام واحد بفصول وقواعد موحدة ، وقد تضمنت هذه الانظمة الموحدة 16 فصلا. ومن جملة ما ورد في هذا النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط آنذاك انه لا يمكن لعدة محامين ان يشتركوا في ادارة مكتب واحد ولا ان يمارسو مهنتهم في نفس المحل ،ومع ذلك فانه لا يمنع على محام متمرن او حتى محام مقيد بالجدول بان يشتغل عند زميل له سواء بمقابل او بدون عوض شريطة ان لايكتسب هناك زبناء شخصيين.(ف7 من النظام) كما جاء في هذا النظام اعتبار النقيب هو امين مال الهيئة ( ف 15 ) وبالنسبة لاتعاب المحامي اوجب هذا النظام على المحامين ان يطالبوا ما امكن بتادية اتعابهم مسبقا وبالمصاريف التي هم مدعوون لتقديمها وهم ملزمون بتسليم وصل عن كل مبلغ ياخذونه (ف 9). هذا فضلا عن تأسيس رسم الإنخراط في الهيئة وتحديد مبلغه سواء للمحامي الرسمي أو للمحامي المتمرن كما سبق بيانه أعلاه .
ولكن النظام الداخلي بدأ،ومنذ صدور ظهير 10 يناير 1924 المتعلق بتنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة ، يستقل عن السلطة القضائية من حيث النشاة والتحديد ، اذ اصبحت مجالس هيئآت المحامين هي التي تحدد نظامها الداخلي داخل اجل ستة اشهر من تاريخ نشر هذا الظهير المتعلق بقانون المحاماة،وعند عدم قيام احدى الهيئآت بتحديد نظامها داخل الاجل المذكور،فان هذا النظام يتم تحديده من طرف محكمة الاستئناف ( ف 51 من ظهير 10/1/1924 ) .
وقد نهج ظهير 18/ 5/ 1959 بشان تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة نفس النهج الذي سلكه الظهير السابق بشان تحديد النظام الداخلي من طرف مجلس هيئة المحامين ( ف 53 ) .
اما النظام الداخلي لهيئة المحامين بمنطقة الشمال التي كانت خاضعة للحماية الاسبانية ، فكان يحرر هذا النظام من طرف مجلس ادارة النقابة الذي كان يتكون من نقيب وثلاث نواب وامين الصندوق ومحاسب وكاتب الضبط ، وبعد ذلك يطرح هذا النظام على اطلاع الجلسة العمومية بقصد المصادقة عليه وذلك كما بينـه القانـون الاساسي المنظم لادارة شؤون نقابة المحامين بتطوان والمصادق عليه بموجب الظهير الخليفي المؤرخ في 13 دجمبر 1935 في الفصل 36 منه .
وايضا فان مجلس هيئة المحامين لدى المحكمة الدولية بطنجة آنذاك كان هو الذي يقوم بوضع
نظامه الداخلي على اساس ان يعرض على الجمعية العامة للقضاة للمصادقة عليه ( ف 49 من
ظهير 10 يونيه 1953 بشان اعادة تنظيم المحكمة الدولية بطنجة ) ، وفعلا فقد صادقت الجمعية العمومية للقضاة الرسميين لدى المحكمة المختلطة في جلستها المنعقدة بتاريخ 20 دجمبر 1949 على النظام الداخلي ، وذلك تطبيقا لمقتضيات الفقرة 4 من الفصل 16 من ظهير 16 فبراير 1924 بشان التنظيم القضائي الدولي بطنجة ، ومنحت مجلس هيئة المحامين اجل شهرين من نشر هذا النظام لوضع مقتضيات نظامه الداخلي لدى المحكمة الدولية على اساس ان يعرض على مجلس للقضاة قصد المصادقة عليه مع توجيه نسخة منه الى القضاة وكتاب الضبط والمحامين مع الاشارة الى ان كل تغيير فيه يجب ان يصادق عليه مجلس القضاة ( ف 12 من نظام هيئة المحامين بطنجة المصادق عليه في 20/12/1949 ) .
ولما صدر المرسوم الملكي بمثابة قانون بتاريخ 19 دجمبر 1968 بشان تنظيم نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة نص في فصله 53 على انه يتعين على كل نقابة ان تضع نظامها الداخلي في الثلاثة اشهر الموالية لتاريخ نشر هذا القانون مع ايداع نسخة منه بكتابة الضبط لكل محكمة اقليمية توجد لديها نقابة . كما نص على انه اذا تاخرت نقابة ما عن وضع نظامها الداخلي في الاجل المعين قامت محكمة الاستئناف بوضعه ، وفعلا وضمن الاجل المحدد فان جمعية هيئآت المحامين بالمغرب قامت بوضع نظام داخلي موحد لجميع الهيئات صودق عليه من طرف الجمعية العامة التي انعقدت في 8 ابريل 1969 . ويعتبر هذا النظام الداخلي الموحد هو الوحيد الذي كان معمولا به في سائر نقابات المحامين بالمغرب الى ان حلت محله انظمة داخلية بالنسبة للنقابات بالمغرب مختلفة في شكلها ومتحدة في مضمونها لكونها كلها اخذت من مصدر واحد وهو مشروع النظام الداخلي الذي هيأه مكتب جمعية هيئآت المحامين بالمغرب على اثر صدور قانون المحاماة رقم 19/79 الصادر بتاريخ 18/11/1979 ، ونفس الشئ تم من طرف مكتب الجمعية المذكور على اثر صدور الظهير المنظم لمهنة المحاماة والصادر في 10/9/1993 ، والذي اخذ منه مجلس هيئة المحامين بالرباط نظامه الداخلي بعد مناقشات وجلسات مطولة الى ان صادق عليه بتاريخ 12/1/1995 وكذلك فعلت هيئآت كل من القنيطرة وطنجة والدار البيضاء ...
وفي اطار قانون المحاماة الجديد الصادر في 6/11/2008 قانون رقم 28.08 ،فان جمعية هيئآت المحامين بالمغرب ،هيأت مشروعا موحدا للنظام الداخلي لهيئآت المحامين بالمغرب [32] ، وبطبيعة الحال فقد استقت منه كل من هيئة أكادير وخريبكة ،على سبيل المثال ،نظامهما الداخلي . فما هي اذا طبيعة النظام الداخلي،هل هو مجرد نظام ام تشريع مكمل لقانون المحاماة ؟ .
2) طبيعة النظام الداخلي لهيئآت المحامين :
ان طبيعة النظام الداخلي تتحدد بالاهمية التي يمنحها المشرع لهذا النظام ، فمنذ صدور اول قانون تنظيمي لمهنة المحاماة بتاريخ 10/1/1924 والى اليوم نجد ان المشرع اولى اهمية خاصة للنظام الداخلي في بعض النصوص ، وهكذا فان ظهير 10 يناير 1924 اكد في عدة فصول منه على اهمية النظام الداخلي واحال عليه في عدة ا مور كما يلي : تقييد المحامين في الجدول حسب ترتيب اقدميتهم (ف 4).تحديد حقوق وواجبات المحامي الشرفي ( ف 7 ) .تحديد زمن الانتخابات العامة والجزئية ( ف 15 ). تنظيم المشاركة في اعمال التمرين ( ف 24 ).تنظيم صندوق للتامين من اجل ضمان مسؤولية اعضائها المهنية ( ف 30 ) . تنظيم شكل الدفتر اليومي للمبالغ المتقاضاة او المؤداة من طرف المحامي ( ف 46 ).وجوب تعليق النظام الداخلي بكتابات الضبط وبمكاتب المحاكم الفرنسية انذاك وبالمحل المخصص للمحامين بالمحكمة مع ايداع نسخة منه بكتابة الضبط لكل محكمة وايضا توجيه نسخة منه الى الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف والى الوكيل العام والى رئيس المحكمة والى الوكيل مندوب الحكومة (ف51 ) .تعليق النظام الداخلي الى جانب الظهير على حد سواء في الاماكن المخصصة للمحامين (ف76) .
وقد نهج ظهير 18/ 5/ 1959 بشان تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة الموالي للظهير
السابق في الصدور والذي حل محله،نفس النهج الذي سلكه سابقه بشان الاحالة على النظام الداخلي مضيفا احالة اخرى على النظام الداخلي فيما يخص ابرام شركة بين المحامين ( ف 50 ) .
ولما صدر مرسوم 18/ 12/ 1968 المنظم لمهنة المحاماة بعد ذلك كان يعتمد كثيرا على النظام الداخلي في عدة امور اشار اليها المشرع صراحة واحال في تنظيمها من الناحية التشريعية على النظام الداخلي وهي نفسها المشار اليها في كل من الظهيرين السابقين ظهير 10/1/1924 وظهير 18/5/ 1959 ، وقد اشار اليها في الفصول التالية : 5 ، 8 ، 17 ،41 ، 42 ، 43 ، 50 ، 53 ، 72 . بينما لم يعتمد قانون المحاماة الصادر بتاريخ 18/11/1979( قانون 19-79 ) نفس النهـج في الاحالة على النظام الداخلي ماعدا احالة واحدة هي احالة الفصل 20 والتي اشار فيها المشرع بصريح العبارة الى اعتبار النظام الداخلي قانونا ،والذي نص في فقرته الثالثة على ما يلي : يتم هذا التقييد حسب الترتيب في الاقدمية طبقا للفصل 115 من هذا القانون ولمقتضيات القانون الداخلي المنصوص عليه في الفصل 106 . وغير خاف ان المشرع في قانون 19 - 79 المشار اليه هو الذي اناط بمجلس هيئة المحامين مهمة وضع وتعديل النظام الداخلي على اساس ان يكون هذا النظام ، نظاما مهنيا متناسقا مع قواعد مزاولة المهنة تناسقا تاما ، وبذلك يكون قد فوضه بصفة قانونية ،وخوله سلطة تشريعية تخضع لمراقبة الوكيل العام للملك .
اما في قانون المحاماة الصادر بتاريخ 10/9/1993 فقد اناط المشرع بمهام مجلس الهيئـة وضع النظام الداخلي وتعديله وفق ما يتطلبه تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها واعرافها (ف 85 / 3 ). فتكليف المشرع مجلس الهيئة بهذه المهمة المتعلقة بوضع النظام الداخلي وتعديله حسب متطلبات تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها واعرافها ، يكون قد احال بصفة مطلقة على مختلف الميادين المنظمة جزئيا من طرف المشرع ، وبالتالي تعتبر هذه المهمة بمثابة تفويض لاصدار تشريع تكميلي لقانون المحاماة . وفي هذا الصدد فان محكمة النقض المصرية اعتبرت النظام الداخلي لنقابة الدقهلية هو نظام يتصف بصفة التشريع المكمل لقانون المحاماة ،وذلك في القرار الصادر عنها بتاريخ 18/5/1978 حيث جاء فيه ما يلي :" تنص المادة 37 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 68 المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 70 على ان يتولى شؤون النقابة الفرعية مجلس يؤلف من رئيس وستة اعضاء ،وناطت المادة 38 من القانون سالف الذكر بمجلس النقابة اقتراح النظام الداخلي للنقابة ونقابتها الفرعية وما يرى ادخاله عليها من تعديلات ،واختصت المادة التاسعة الجمعية العمومية بالتصديق على النظام الداخلي للنقابة اجراءات تشكيل اللجان الفرعية ومجالسها واختصاصها ، ومن تم فان موافقة مجلس النقابة العامة على النظام الداخلي لنقابة الدقهلية بجلسة 5/10/1972 وتصديق الجمعية العمومية على هذا النظام بجلسة 6/10/1972 يسبغ على هذا النظام صفة التشريع المكمل لقانون المحاماة طالما ان هذا النظام قد صدر بمقتضى التفويض المخول لمجلس النقابة والجمعية العمومية بنصوص القانون وفي حدود هذا التفويض"[33] .
ولكن بالرغم من هذا فان المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) اعتبر النظام الداخلي للمحامين هو مجرد تعبير عن ارادة هيئة من هيآت المحامين فقط ، وصرح بانه لئن لم يسبق للوكيل العام للملك ان تقدم بدعوى رئيسية ترمي الى معاينة بطـلان الفصل 111 من النظام الداخلي حسب المسطرة المنصوص عليها في الفصل 116 من الظهير السابق المنظم للمحاماة الا ان ذلك لا يمنع كل معني بالأمر من اثارة عدم قانونية وبطلان الفصل 111 عن طريق الدفع ، كما انه لا يمنـع المحكمة من ابعاد تطبيقه لمخالفته للقانون اذ من واجب المحاكم ان تثير تلقائيا كل مـا يخالـف القانون [34] .
وبطبيعة الحال فانه وان كان النظام الداخلي هو مجرد تعبير عن ارادة هيئة من هيآت المحامين ، حسب تعبير المجلس الأعلى ، فان هذا التعبير امر به المشرع نفسه وحسب متطلبات تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها واعرافها ؛ذلك أن النظام الداخلي يعتبر أصلا مدونة للسلوك والواجبات والحقوق وتحديد العلاقات التنظيمية التي تربط المحامي بالهيئة ،وهو لا يتضمن فقط النصوص التنظيمية ،بل يتضمن قواعد مستوفاة من تقاليد الهيئة وأعرافها ،فنظام الهيئة هو نظام متعدد المصادر ،تحكمه
النصوص التشريعية والتنظيمية ،وقواعد المهنة
والأعراف والتقاليد [35] .وبصفة عامة فان القانون الداخلي لهيئة المحامين يعتبر مكملا لقانون المهنة مما يجعله للمحامين لما يتضمنه من ضوابط وأعراف وتقاليد واجبة التطبيق (أمر الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بالرباط ع 50 بتاريخ 28/10/2004 ملف تحديد الأتعاب ع 1/2004/3 غير منشور ) .
كما أنه بالإضافة الى ذلك فان أعراف وتقاليد المحاماة ،كانت غير مكتوبة وتنتقل من جيل الى جيل مع حرص كل جيل على اتباعها واحترامها الى أن تدخل المشرع لتقنين بعض تلك الأعراف حتى لا تضيع ،ونظرا لكثرتها كان يحيل عليها في النظام الداخلي [36] .
وبطبيعة الحال، فان النظام الداخلي لكل هيئة من هيئآت المحامين بالمغرب هو تشريع مكمل ،يحتوي قواعد مهنية وتقاليد وأعراف أرستها الجماعات والأفراد المهنية منذ أن عرف الفصل في المنازعات بين الأفراد والجماعات في المجتمع المغربي ،وهو يجد تطبيقه أيضا حتى على مجرد طالبي الولوج الى مهنة المحاماة . وهكذا فقد طبقت محكمة الإستئناف بالدار البيضاء مقتضيات من النظام الداخلي لهيئة المحامين بالدار البيضاء على مرشح لمهنة المحاماة وقبلت طلبه بعدما ألغت مقرر مجلس الهيئة وأمرت بتقييده بجدول الهيئة ابتداء من تاريخ تقديمه للطلب ،غير أن المجلس الأعلى نقض جزئيا هذا القرار ،وتصدى وصرح بأن تاريخ تقييد المرشح هو تاريخ أدائه اليمين ،وذلك على أساس:" أن النظام الداخلي لهيئة المحامين بالدار البيضاء ينص بصفة صريحة في فصله الثاني على أن المحامين يسجلون في الجداول بالترتيب حسب أقدميتهم وتعتبر الأقدمية ابتداء من تاريخ قبولهم باحدى جداول هيئآت المغرب ،ومنذ تاريخ أدائهم لليمين على حالة وجوب أدائها " .وأضاف قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) :" وغير خاف أن النظام الداخلي للهيئة هو تطبيق للقانون المنظم للهيئة ،وله بالتالي حكمه بمقتضى الفصل 116 من القانون المذكور " [37] . وكذلك طبقت محاكم الإستئناف مقتضيات هذا النظام الداخلي سواء ما تعلق بأداء واجب الإشتراك أو بأداء رسم الإنخراط وغيرها من الواجبات المالية كمصاريف تقديم الطلب ، كما رأينا سابقا ، ولهذا فان ما ذهب اليه قرار المجلس الأعلى المعلق عليه في هذا الصدد ،لا يخضع للواقع ومخالف للقانون في شموله لجوانبه المهنية والتنظيمية والتقليدية والعرفية ،ذلك أنه حتى المادة 86 المعتمد عليها تؤكد على أن معاينة البطلان لا تكون الا اذا كانت مداولات المجلس ومقرراته خارج نطاق اختصاصاته أو خلافا لمقتضيات القانون أو مخالفة للنظام العام ،وكل هذه الحدود القانونية احترمت في اتخاذ مقرر مجلس الهيئة برفع رسم الإنخراط كونه قانوني ومنصوص عليه في نظامها الداخلي ،ومتعارف عليه منذ عقود مضت ، ولم تخرقه المحاكم التي عرض عليها الأمر منذ سنوات وسنوات ،اذ لا يخلوا نظام من الأنظمة الداخلية لكل الهيئآت بالمغرب من التنصيص على أداء رسم الإنخراط وعلى تعديله ان اقتضى الحال ذلك .فمنذ تطبيق النظام الداخلي الموحد من طرف الهيئآت – وقبله كذلك – جاء النص على فرض رسم الإنخراط في الفصل 28 منه كما يلي :" ان كل محام مقيد بالجدول وكل محام متدرب يجب عليه أن يؤدي لصندوق الهيئة رسم الإنخراط وواجب الإشتراك السنوي . ان رسم الإنخراط وكذا واجب الإشتراك يقدران ويغيران من طرف مجلس الهيئة بعد استشارة الجمعية العمومية.."[38]
أما في مشروع النظام الداخلي الموحد الذي هيأته جمعية هيئآت المحامين بالمغرب على اثر صدور
قانون المحاماة الجديد قانون( 28.08) فقد جاءت مقتضياته تؤكد بأنه على كل مرشح طلب الولوج
الى هيئة المحامين ،أن يدلي بوصل أداء رسم الإنخراط (م 3 و 78 ) .كما أكدت الفقرة الأولى من
المادة 106 من المشروع على أنه :" يتعين على كل محام أو مرشح للتمرين تقدم بطلب يرمي الى تقييده بجدول الهيئة أة بلائحة التمرين أن يؤدي لصندوق الهيئة واجب الإنخراط الذي لا يقبل أي اعفاء أو تجزئة " [39] .
وفضلا عن ذلك كله،فان القاعدة الكلية تقول :" إن الأصل في الأفعال والأقوال والأشياء الإباحة، بمعنى أن القصد من المعاملات رعاية مصالح الناس ،فكل ما يحقق مصالحهم يكون مباحا . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور وهبة الزحيلي :" ان هناك فرق بين العبادات والمعاملات .أما العبادات فيجب ورود الشرع بها.وأما المعاملات ومنها العقود فلا تتطلب ورود الشرع بها . فيكفي في صحتها ألا تحرمها الشريعة استصحابا للمبدإ الأصولي ، وهو أن الأصل في الأفعال والأقوال والأشياء هو الإباحة " [40] .
فسكوت المشرع بشأن النص على فرض رسم الإنخراط في قوانين المحاماة السابقة والمتعاقبة والحالية (أي سنة 1993) ،لا يعني المنع مطلقا ،وانما يعني الإباحة طبقا للقاعدة المذكورة ،وفي هذا الإطار كذلك ، فانه عندما يتعلق الأمر بالقوانين الشكلية ،فان كل ما لم يرده نص خاص يحمل على المنع عكس القوانين الموضوعية ،لأن القانون الشكلي يرسم طريقا معينا يتعين سلوكه ،فاذا كان الأصل في الأفعال الإباحة بالنسبة لقانون الموضوع فان الأصل فيها المنع بالنسبة لقانون الشكل [41] .
فهل ،بعد هذا ،يجوز القول بأن الأمر حسم فيه المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) ،ولا يمكن استخلاص هذه الواجبات الا بنص تشريعي يتدخل فيه المشرع لفرض مثل هذه الواجبات ،كما هو بالنسبة لأقدم هيئة منظمة في المغرب والتي فرضت على مزاوليها ضمانة مالية ؟ . بل وهل يجوز القول كذلك، بان من صلاحيات المجلس الأعلى تجاوز المنازعة في رفع الوجيبة بدون تبرير ،لأن الأمر يتعلق بالنظام العام ، ولا يمكن للنظام الداخلي للهيئة أن يخالف الظهير المنظم للهيئة ويضيف شرطا جديدا
،الذي هو من صلاحيات المشرع ؟ [42] .
أعتقد،انه لا يمكن الركون الى هذه الآراء ،وقد سبق للرد عليها ما ورد مفصلا ومبحوثا أعلاه .
واضيف الى ذلك ،وقبل الختم ، بان المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) نفسه وقبل تاريخ صدور هذا القرار موضوع هذا التعليق ، قرر من انه :"يتعين على طالب التسجيل في الجدول ان يؤدي رسوم التسجيل وفق ما هو مسطر في النظام الداخلي وان لم يقع التنصيص عليه في قانون المهنة " [43] . وهذا القرار هو بطبيعة الحال متناقض مع القرار موضوع هذا التعليق ، وكذلك القرار الذي سار في نفس اتجاه هذا الأخير والصادر بتاريخ 1/11/2012 الذي أكد :" أن ليس في القانون المنظم لمهنة المحاماة ما يسمح لمجلس الهيئة فرض رسم الإنخراط على المرشح لمهنة المحاماة " [44] .
وبالرغم من دفاع محكمة الإستئناف عن القرار موضوع هذا التعليق بقولها :" ان قرار محكمة النقض عدد 1499 بتاريخ 5/4/2010 الذي قرر عدم مشروعية المطالبة باداء واجب الإنخراط انما صدر في اطار قانون 1993 الملغي والذي لم يكن يتضمن نصا مماثلا للمادة 20 من قانون رقم 08/28 [45] ، فانه بالرغم من ذلك يؤاخذ عليه أنه لم يطبق القانون اذ ان القوانين تكون ،مبدئيا ، قابلة للتطبيق الفوري. ولعل هذه المؤاخذة هي نفسها التي نسجلها على قرار محكمة الإستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 16/12/2010 حيث قرر الغاء القرار الصادر عن مجلس هيئة المحامين بطنجة بتاريخ 4/10/2006 بمراجعة واجبات الإنخراط .. [46] ، وذلك بعدما احيل عليها الملف اثر نقضه من طرف المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) حسب القرار موضوع هذا التعليق ، بعلة :" ان المحكمة وانقيادا مع تعليل المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بخصوص احقية مجلس هيئة المحامين في اتخاذ قرار بالرفع من واجبات الإنخراط تبين لها ان القرار المطعون فيه مخالف للضوابط القانونية مما يكون معه الطعن المقدم
من طرف الوكيل العام لمعاينة البطلان مبرر من الناحية القانونية " . والغريب في هذا القرار الصادر عن محكمة الإستئناف بالرباط انه كان مبنيا من حيث الموضوع على كون السيد الوكيل العام ركز اوجه طعنه في المبالغة في الرفع من واجبات الإنخراط دون مبرر مع ما يترتب من اثراء النقابة على حساب المنتسب اليها وفرض مبلغ تعجيزي من شأنه منع الراغبين في ولوج المهنة رغم توفرهم هلى الشروط المتطلبة قانونا وان الظروف العامة للبلد لم يطرأ عليها أي تغيير من شأنه تبرير الرفع من واجبات الإنخراط .. أي ان الطعن كان مناقشا فقط لإستكثار المبلغ المحدد كرسم للإنخراط لولوج مهنة المحاماة ..
وهذه القضية لا زالت مستمرة امام محكمة النقض اثر الطعن في قرار محكمة الإستئناف بالرباط من قبل مجلس هيئة المحامين بطنجة .
ولم يبق في ختام هذا التعليق سوي اثارة نقطة مهمة ، وهي أنه أصبح الأمر الآن ملحا أكثر من ذي قبل ، امكانية تدخل المشرع لحل هذه الإشكالية المطروحة في هذا الميدان وبالتالي تعديل الفقرة الرابعة من المادة 91 من قانون 28.08 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة وجعله مناسبا مع حجم الإشكالية بهدف الغائها وذلك بالنص صراحة على أن من اختصاص مجلس الهيئة أيضا فرض وتعديل رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة .
وليس معنى هذا إغلال مجلس هيئة المحامين عن استخلاص رسم الإنخراط للولوج الى مهنة المحاماة ،الى حين تعديل المادة المذكورة آنفا ،بل ،وفي جميع الأحوال ،فان الوضع سيبقى كما هو عليه الآن في جميع مجالس هيئآت المحامين بالمغرب بشأن استخلاص رسم الإنخراط لإختصاص المجلس بذلك ،بنص صريح في قانون المحاماة الحالي ،حيث جاءت الفقرة الثانية من المادة 20 منه تنص على ما يلي :" يبت مجلس الهيئة في طلبات التسجيل في الجدول بعد استكمال عناصر البحث داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ ايداع الطلب وأداء واجب الإنخراط " .
الخميسات في 16/8/2015
الطيـب بن لمـقدم
وفعلا ، فلقد بدأ هذا الموضوع يثير نقاشا ولكن دون مواقف لحد الآن ،اذ أن مكتب جمعية هيئآت المحامين بالمغرب المنعقد بالدار البيضاء يوم 24/7/2010 ناقش موضوع قرار المجلس الأعلى المتعلق بواجبات الإنخراط ،من طرف أعضاء مكتب الجمعية . ولعل النقاش ما زال مستمرا ،ومساهمة مني في هذا المجال ارتأيت كتابة تعليق على قرار المجلس الأعلى(محكمة النقض حاليا) هذا ،حيث صدر القرار بتاريخ 6/4/2010 تحت عدد 1499 قضى بنقض وابطال القرار المطعون فيه على أساس انه ليس في المادة 5 ولا في المادة 85 من قانون المحاماة ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسم الإنخراط على المرشح لمهنة المحاماة وفق مقرر مجلس الهيئة ، الأمر الذي كان معه القرار المطعون فيه معللا تعليلا فاسدا الموازي لإنعدامه مما عرضه للنقض والإبطال [5] .
وهذا القرار يطرح إشكاليتين قانونيتين:الأولى تتعلق بعدم اعتبار المجلس الأعلى لمصدر من مصادر القانون المدني ،وهو مصدر العرف الخاص بمهنة المحاماة .والثانية تتعلق بالنظام الداخلي لهيئة المحامين وعدم اعتباره ايضا من طرف المجلس الأعلى في حل اشكالية النازلة . وقبل تحليل الإشكاليتين لابد من تقديم عرض موجز لوقائع النازلة .
عرض موجز للوقائع :
بتاريخ 26/10/2006 قدم الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بطنجة مقالا الى غرفة المشورة بنفس المحكمة ،طعن بمقتضاه في القرار الصادر عن مجلس هيئة المحامين بطنجة في اجتماعه المنعقد بتاريخ 4/10/2006 بشأن مراجعة واجبات الإنخراط في الهيئة المذكورة والمحدد لواجب انخراط المحامين الرسميين المنتقلين من هيئآت اخرى في مبلغ 150 الف درهم ،والمعفين من شهادة الأهلية والتمرين في 200 الف درهم ،والمحامين الأجانت والوافدين من هيئآت اجنبية في 300 الف درهم ،والمحامين المتمرنين الملتحقين بالهيئة في 60 الف درهم، والوافدين من هيئآت اخرى في 80 الف درهم، والوافدين من الوظيفة العمومية أو القطاع الخاص في 100 الف درهم .وقد ارتكز الوكيل العام في طعنه على المبالغة في الرفع من واجب الإنخراط الذي من شأنه ان يخلق حاجزا أمام الراغبين في ولوج المهنة ممن تتوفر فيهم الشروط المتطلبة قانونا وان تسد الباب في وجه العديد ممن تتوفر فيهم شروط الإنضمام الى مهنة المحاماة أو لمحامين مغاربة أو اجانب منتقلين من هيئآت اخرى واجاب نقيب هيئة المحامين بطنجة بان قرار المجلس يعتبر قرارا اداريا يطعن فيه أمام المحاكم الإدارية واحتياطيا في الموضوع فان المشرع المغربي منح مجلس الهيئة صلاحية اصدار القرار المستأنف بمقتضى المادة 85 من ظهير 14/10/1996 وان القرار وان كان غير مبرر فذلك راجع لسلطته المطلقة وان ذلك تقتضيه اقساط التأمين الصحي وتأمين الأخطاء المهنية اللتين تعرفان الزيادة سنويا والحالة الإقتصادية عرفت ارتفاع الأسعار بشكل مهول وان معاينة البطلان تتعلق فقط بحالة الإخلال بالنظام العام أو التنافي مع المقتضيات التشريعية الأمر الذي لا ينطبق على النازلة .فاصدرت المحكمة القرار المطعون فيه بالنقض من طرف الوكيل العام للملك في الوسيلة الفريدة بانعدام التعليل وسوء تطبيق القانون ؛ ذلك انه خالف المدلول القانوني للمادة 85 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة ولم يبين كيف استخلص احقية المجلس في اصدار هذا القرار بصورة مطلقة سيما وان القرار المذكور تعمد اخفاء الأسباب المفضية الى الرفع من قيمة واجبات الإنخراط دون توضيح ادنى سبب سوى اثراء النقابة على حساب المنتسبين اليها الغاية منه الحد من الراغبين في الإنتساب الى المهنة بفرض مبلغ تعجيزي يمنع الكثيرين من الإنتساب اليها وهو محضور قانونا لأن مجلس الهيئة لا يملك حق منع احد من الإنتماء اليها اذا ما توفرت فيه المؤهلات المشترطة قانونا ، ومن المعلوم ان الغاية من ايجاد مجلس الهيئة هي الإشراف والمراقبة على تسيير المهنة حفاظا على اصالتها وصونا لها من عبث العابثين بها والدفاع عن هيبتها حتى لا تخرج عن النطاق التي اسست من اجله . ولذلك فان الرفع من واجبات الإنخراط الى القدر المشار اليه سيؤدي لا محالة الى تعطيل المهنة باقتصارها على الفئة الميسورة لا محالة دون باقي الراغبين الذين يحدوهم الأمل في الإنضمام اليها حسبما تنص عليه المادة الأولى من القانون المنظم لها ،مما سيؤدي الى احتكار المهنة ،وهو أمر مناف لما توخاه المشرع من وراء احداث هذه النقابات .
وعلل المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) قراره على اساس ان القرار اعتمد في قضائه على ان القاعدة المستمدة من الفقرة 5 من المادة 85 من الظهير المنظم لمهنة المحاماة بتاريخ 10/9/1993 المعدلة والمتممة بظهير 10/8/1996 ان مجلس الهيئة يتولى زيادة على الإختصاصات المسندة اليه للنظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة مهمة تحديد واجبات الإشتراكات وان القاعدة المستمدة من نص المادة 86 من نفس الظهير ان المداولات أو المقررات التي يتخذها أو تجريها الجمعية العمومية أو مجلس الهيئة لا تعتبر باطلة بحكم القانون الا اذا كانت خارج نطاق اختصاصها او خلافا للمقتضيات القانونية أو كان من شأنها ان تخل بالنظام العام ويكون لمحكمة الإستئناف معاينة بطلانها بناء على ملتمس الوكيل العام للملك ،وبالرجوع الى المقرر المطعون فيه يتبين انه اتخذ في نطاق الإختصاص المشار اليه بالفقرة 5 أعلاه وليس فيه ما يخالف القانون او يخل بالنظام العام ،في حين ان المادة 85 المشار اليها تقضي بانه يتولى مجلس الهيئة زيادة على الإختصاصات المسندة اليه للنظر في كل ما يتعلق بممارسة مهنة المحاماة المهام التالية :5 ـ ادارة اموال الهيئة وتحديد واجبات الإشتراك وابرام عقود التأمين عن المسؤولية المهنية لأعضائها مع مؤسسة مقبولة للتأمين .وان واجب الإشتراك هو المبلغ المالي أو الخدمات الذي تحدده الجمعة أو النقابة لمساهمة أعضائها في تحمل أعباء تسييرها بينما نازلة الحال لا تتعلق بعضو ينتمي الى الهيئة وانما بشخص أجنبي عنها يطالب بالإنخراط فيها وان المبالغ المشار اليها في المقرر المطعون فيه تتعلق بشروط القبول في التسجيل في الهيئة وهي لا تندرج ضمن مقتضيات الفقرة المذكورة . وان المادة 5 من الظهير المذكور ليس في شروطها ولا في المادة 85 المذكورة ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسم الإنخراط على المرشح لمهنة المحاماة وفق مقرر مجلس الهيئة .
وبهذا الرأي يكون المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) قد تجاهل وأهمل مصدرا من مصادر القانون ،واجب التطبيق في ميدان المحاماة ،ألا وهو العرف .كما انه يكون أيضا قد تجاهل قواعد النظام الداخلي لمهنة المحاماة لحل اشكالية رسم الإنخراط .
أولا : تجاهل المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) للعرف كمصدر للقانون لحل اشكالية رسم الإنخراط في مهنة المحاماة .
إن أول ما ينبغي الوقوف عنده في تناول موضوع العرف كمصدر من مصادر القانون هو معرفة ما
المقصود بالعرف في الإطار اللغوي وفي الاصطلاح الفقهي ،بالإضافة الى أنواعه والمركز الذي يحتله
ضمن مصادر القانون ليس في القانون المغربي فحسب بل حتى في بعض التشريعات العربية .
الإطار اللغوي والإصطلاحي للعرف وأنواعه :
الإطار اللغوي للعرف
يطلق لفظ العرف لغة على الشيء المعروف المألوف المستحسن .وللمادة معان كثيرة تحوم حول هذا المعنى العام ،وتختلف باختلاف تركيبها وموقعها من سياق الكلام . ففي لسان العرب : العرف والعارفة والمعروف واحد ضد النكر ،وهو كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه .
ويطلق على كل عال مرتفع ، ومن ثم أطلقوا على أوائل الرياح وأعاليها أعرافا . ويطلق على شعر عنق الفرس، وعرف الديك، ويطلق على موج البحر.
وأصحاب الأعراف قيل هم الملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار، وقيل هم الأنبياء..
والأعراف أيضا سورة من سور القرآن الكريم، سميت بذلك لورود لفظة "الأعراف" فيها. وهي من أطول السور المكية وآياتها 206 آية ..
وإذا فتحت عين كلمة العرف يصبح المعنى الريح الطيبة، وان كسرتها سارت بمعنى الصبر.. وعلى هذا الأساس يكون قد غلب ورود الكلمة في ما ارتفع من المجسمات وكرم من المعاني .
وقد وردت كلمة الأعراف في القرآن الكريم بصيغة المصدر إفرادا وجمعا في قوله تعالى"خذ العفو
وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" [6] ،وفي قوله تعالى: "وعلى الأعراف رجال..."وفي قوله تعالى :"والمرسلات عرفا.."وهي بمعنى المعروف. ،وقوله سبحانه وتعالى:"خذ العفو "أمر له عليه الصلاة والسلام بمكارم الأخلاق، أي خذ بالسهل اليسير في معاملة الناس ومعاشرتهم،قال ابن كثير وهذا أشهر الأقوال ويشهد له قول جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم :"إن الله يأمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك" و"أمر بالعرف" أي بالمعروف ، والجميل المستحسن من الأقوال والأفعال ، و "أعرض عن الجاهلين" أي لا تقابل السفهاء بمثل سفههم بل أحلم عليهم، قال القرطبي: وهذا وإن كان خطابا لنبيه عليه الصلاة والسلام فهو تأديب لجميع خلقه [7] . وفي الحديث النبوي الشريف: "أهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة" .
ب) الإصطلاح الفقهي للعرف :
أما في اصطلاح الفقهاء فقد عرف بتعاريف منها: ما استقر في النفوس من جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول .
وقد جاء في تعريفه من طرف وزارة العدل بأنه :"مجموعة من القواعد العامة المعتادة، والتي فرضت شيئا فشيئا ،فصارت راسخة متأصلة في مجتمع ما ،واعتبرت واجبة الإحترام ولازمة التطبيق كالقانون [8] .
ويتألف العرف من عنصرين : عنصر مادي يقوم على العادة التي ألفها الناس واستمروا عليها فترة طويلة من الزمن ،وعنصر معنوي أو نفسي يقوم على اعتقاد الناس بأن هذه العادة التي استمروا فيها مدة طويلة ، باتت إلزامية ويصعب عليهم الالتفاف عليها بسهولة .
أنواع العرف :
والعرف أنواع مختلفة: عرف خاص و عرف عملي وعرف قولي . فالعرف الخاص هو العرف الذي تعارفت عليه جماعة من الناس ،كطائفة من الطوائف أو طبقة
اجتماعية معينة لا تتعلق الا بها ، وليس ملزما على بقية الجماعات ،كالعرف المتبع عند استقبال
الضيوف ..كما ان الأمر قد يتعلق بعرف محلي يروج في منطقة من البلد دون أخرى وقد يكون خاصا بفئة دون أخرى كفئة المهنيين أو الموظفين أو المجتمع النسوي أو الرجالي وهكذا [9] .
والعرف العملي هو العرف الذي يستمر عليه الناس سحابة من الزمان في تعاطيهم العملي مع بعضهم البعض ..
اما العرف القولي فهو ما تعارف عليه الناس في تسمية الأشياء باسماء معينة أو بتسمية أولادهم [10].
فالأعراف حسب المعاجم السوسيلوجية هي أنماط السلوك الجمعي التي تنتقل من جيل إلى جيل،
وتستمر فترة طويلة حتى تثبت وتستقر وتصل إلى درجة اعتراف الأجيال المتعاقبة بها ،وقد تصبح
جزءا من القوانين .
هذا وقد لخص مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت [11] ،من 1 الى 6 جمادي الأولى 1409 هـ الموافق 15ديسمبر 1988 م موضوع العرف في قراره رقم 9 بما يلي :"
أولا: يراد بالعرف ما اعتاده الناس وساروا عليه من قول أو فعل أو ترك ،وقد يكون معتبرا شرعا أو غير معتبر .
ثانيا: العرف ان كان خاصا فهو معتبر عند أهله وان كان عاما فهو معتبر في حق الجميع .
ثالثا: العرف المعتبر شرعا هو ما استجمع الشروط الآتية :
- أن لا يخالف الشريعة ،فان خالف العرف نصا شرعيا أو قاعدة من قواعد الشريعة فانه عرف فاسد .
- أن يكون العرف مطردا (مستمرا) أو غالبا .
- أن يكون العرف قائما عند انشاء التصرف .
- أن لا يصرح المتعاقدان بخلافه ،فان صرحا بخلافه فلا يعتد به .
مراعاة تبدل الأعراف .
مركز العرف كمصدر من مصادر القانون وتطبيقاته في القانون المقارن .
ان المشرع في القانون المدني المصري واضح بشأن ترتيب العرف بعد التشريع وتطبيقه في حالة وجود نقص في التشريع من طرف القضاء ،وكذلك الوضع بشأن رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة شأنه في ذلك شأن المشرع الكويتي خلاف المشرع المغربي . أ ) في التشريع المصري :
في التشريع المصري نجد أن الفقرة الثانية من المادة الأولى من التقنين المدني تنص على أنه :"اذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه ،حكم القاضي بمقتضى العرف ،فاذا لم يوجد، فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية ،فاذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة " .
وفي هذا الصدد تقول مذكرة المشروع التمهيدي :" ان الفقرة الثانية تعرض لحالة نقص التشريع فتحيل القاضي مبدئيا الى العرف وهي في ذلك تتفق مع الفقرة 2 من المادة 1 من التقنين المدني السويسري .والواقع أن العرف هو المصدر الذي يلي التشريع في المرتبة فمن الواجب أن يلجأ اليه
القاضي مباشرة ان افتقد النص ...فالعرف هو المصدر الشعبي الأصيل الذي يتصل اتصالا مباشرا بالجماعة ويعتبر وسيلتها الفطرية لتنظيم تفاصيل المعاملات ومقومات المعايير التي يعجز التشريع عن تناولها بسبب تشعبها أو استعصائها على النص .ولذلك ظل هذا المصدر وسيظل الى جانب التشريع مصدرا تكميليا خصبا لا يقف انتاجه عند حدود المعاملات التجارية بل يتناول المعاملات التي تسري
في شأنها قواعد القانون المدني وسائر فروع القانون الخاص والعام على السواء [12] .
وقد أكد القضاء المصري على انه لا يجوز التحدي بالعرف الا اذا لم يوجد نص تشريعي . وهكذا فقد قررت محكمة النقض المصرية من ان :" النص في المادة الأولى من القانون المدني على ان تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها .فاذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف مفاده أنه ـ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة ـ لا يجوز التحدي بالعرف الا اذا لم يوجد نص تشريعي " [13] .
وكذلك حكمت ايضا من ان تقدير قيام العرف هو من سلطة محكمة الموضوع دون رقابة لمحكمة النقض عليها [14] .
وبالفعل، فان قانون المحاماة المصري يحتوي نصوصا صريحة وواضحة في مجال رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة ،وبالتالي لا يلجأ الى تطبيق العرف في هذا الصدد .ذلك ان مقتضيات المادة 13 في فقرتها السابعة من قانون المحاماة المصري رقم 17 لسنة 1983 تنص على أنه :"يشترط في من يطلب قيد اسمه في الجدول العام أن يسدد رسم القيد والإشتراك السنوي طبقا لأحكام هذا القانون".كما أشارت المادة 166/1 منه على أن موارد النقابة العامة تتكون اساسا من رسوم القيد بجداول النقابة .بينما حددت المادة 167 منه مبلغ رسوم التسجيل سواء للقيد بالجدول العام أو بغيره من الجداول الأخرى أمام مختلف درجات المحاكم [15] .
ب ) في التشريع الكويتي :
أما في التشريع الكويتي نجد أن المادة الأولى من قانون التجارة تقابل المادة الأولى من القانون المدني المصري [16] ، وبذلك يكون ترتيب العرف كمصدر للقانون بعد التشريع .غير أنه لا يمكن اللجوء الى تطبيق العرف بشأن رسم الإنخراط لكون قانون المحاماة الكويتي رقم 42/64 المعدل بقانون 30/68 و62/96 نص على هذا المقتضى صراحة في المادة 14 منه والتي تقول :" على طالب القيد أن يؤدي عند طلب قيد اسمه في الجدول العام أو أحد الجداول الملحقة به رسم القيد المقرر للجدول الذي يطلب قيد اسمه فيه ،مع رسوم القيد بالجداول السابقة اذا لم يكن قد أداها ". كما حددت نفس هذه المادة مبلغ رسم القيد في الجداول المختلفة .
ج ) في التشريع المغربي :
وأما في التشريع المغربي فقد اكتفى المشرع ببيان الرتبة التي يحتلها العرف بالنسبة لقواعد القانون ؛ وهكذا فقد أعطى الفصل 475 من ظهير الإلتزامات والعقود الأولوية للقانون على العرف ، اذ نص على انه :" لا يسوغ للعرف والعادة أن يخالفا القانون ان كان صريحا " .وهنا يلاحظ ان المشرع سوى بين العرف والعادة في معناهما ، واشترط المشرع العمل بالعرف والعادة ،أن لا يخالفا القانون بنص صريح لا غموض فيه .فلا يرجع للعرف والعادة الا اذا لم يوجد نص في القانون يطبق في النازلة خصوصا اذا كان النص صريحا لا غموض فيه .ويلاحظ ان المشرع في هذا الفصل أعطى الأولوية للتشريع على العرف [17] .
هذا، وقد قرر القضاء المغربي من أن العرف هو قاعدة قانونية يفترض في القاضي العلم به ويطبقه على النازلة المعروضة عليه ولا يحتاج الى اثبات من أطراف الدعوى .وأضاف قائلا ،وفى المادة التجارية هو مصدر مهم للقواعد التي تنظم المعاملات لما تتطلبه هذه الخيرة من سرعة وثقة ومرونة. ولذلك فالمحكمة عندما الزمت الطاعنة باثبات العلاقة التعاقدية كتابة مستبعدة تمسكها بالعرف والمعززبشهادة
صادرة عن الغرفة الصناعية والتجارية تكون قد أساءت تعليل قرارها وعرضته للنقض [18] .
كما حكم ايضا من انه لا يعمل بالعرف اذا خالف قاعدة شرعية [19] . وقرر قصر واجب الإثبات على من يدعي العادة وليس على من يدعي العرف [20] .
وبالفعل ، فان قانون المحاماة المطبق على النازلة موضوع هذا التعليق الصادر في 10/9/1993 والمعدل والمتمم بظهير 10/8/1996 وكذلك قانون المحاماة الجديد رقم 28/08 الصادر بتاريخ 6/11/2008 (ج.ر.عدد 5680 بتاريخ 6/11/2008 ص 4044 وما بعدها ) فانهما لم يتضمنا الإشارة الى رسم الإنخراط ،وجاء النص فيهما فقط على واجب الإشتراك .وهذا الوضع هو الذي كانت عليه ايضا القوانين المنضمة لمهنة المحاماة في المغرب بدءا بقانون المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 13/8/1913 في الفصول من 34 الى 47 ومرورا بظهيري 10/1/1924 و 18/5/1959 ومرسوم 19/12/1968 اذ أن هذه القوانين كلها التزم فيه المشرع الصمت والسكوت بشأن رسم الإنخراط ،ولم يتعرض له بأي شيئ . فهل معنى هذا أنه استبعد أو منع أداء رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة ؟ ، أم أنه تركها لما جرى به العمل أو لما تعارفت عليه هيئآت المحامين بالمغرب ؟ .
وقبل الجواب على هذا السؤال لابد من الإشارة الى مقتضيات الفصل 14 من نظام هيئة المحامين بالدار البيضاء لأهميته التاريخية ،مع ابداء ملاحظات حوله :
مقتضيات الفصل 14 من نظام هئية المحامين بالدار البيضاء [21] :
ينص الفصل 14 من نظام هيئة المحامين لدى المحكمة الإبتدائية بالدار البيضاء الذي تداولت عليه محكمة الإستئناف بالرباط بتاريخ 9/1/1917 تنفيذا للفصل الرابع من ظهير 18/11/1916 على ما يلي :" يؤدي كل محام مقيد في الجدول لصندوق الهيئة رسم الدخول المقدر في 100 فرنك وكل محام متمرن رسم الدخول المحدد في 50 فرنك ،والمحامون الذين أدوا رسم الدخول المنحصر في 50 فرنك لأجل قبولهم في التمرين لا يجب عليهم أن يدفعوا سوى 50 فرنك أثناء قبولهم بالجدول . يدفع المحامون المقيدون بالجدول لصندوق الهيئة واجب اشتراك قدره 50 فرنك عن كل سنة قضائية ويدفع المحامون المتمرنون واجب اشتراك قدره 30 فرنك عن نفس المدة . ويجب على المحامين المقيدين قبل صدور هذا النظام أن يؤدوا داخل أجل شهرين ابتداء من تاريخ دخوله حيز التنفيذ رسوم الدخول المنصوص عليها أعلاه ،وتخفض بالثلث واجبات الإشتراك عن السنة القضائية 1916 ـ 1917 ". وللإشارة فان نظام هيئة المحامين بالدار البيضاء آنذاك ، تقرر بتاريخ 9/1/1917 وفي نفس التاريخ تقرر نظام مماثل بهيئة المحامين بوجدة [22] ، بينما نظام هيئة المحامين بالرباط تقرر في 17/3/1917. وهذه الأنظمة كانت كلها بناء على مقتضيات الفصل الرابع من ظهير 18/11/1916 المتعلق بتمثيل الأطراف أمام العدالة الفرنسية[23] ،والذي جاء فيه ما يلي:" تحدد محكمة الإستئناف نظاما لمهنة المحاماة بالنسبة لكل نقابة للمحاماة بالمغرب وذلك بموجب مقرر تتخذه بجمعيتها العمومية وبعد الإستماع الى الوكيل العام " .
ب ) ملاحظات حول الفصل 14 من نظام هيئة المحامين بالدار البيضاء :
أما الملاحظات التي ينبغي اثارتها حول الفصل 14 المذكور أعلاه فهي التالية :
أولا : ان جميع الأنظمة الداخلية لنقابات المحامين بالمغرب كانت تقرر من طرف الجمعية العمومية لمحكمة الإستئناف بالرباط ؛أي كانت بيد القضاة .
ثانيا : إن القضاة بالجمعية العمومية لمحكمة الإستئناف بالرباط هم الذين قرروا مبدأ رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة منذ 1917 .
ثالثا : إن قضاة محكمة الإستئناف بالرباط كان لهم وحدهم آنذاك الإختصاص بشأن فرض وتحديد
رسم الإنخراط من أجل الولوج الى مهنة المحاماة كلما نشأت نقابة للمحامين في جهة ما .
رابعا : حدد قضاة محكمة الإستئناف بجمعيتهم العمومية بتاريخ 9/1/1917 أول مبلغ للإنخراط في مهنة المحاماة وكان مقداره 100 فرنك للمحامي الرسمي و50 فرنكا للمحامي المتمرن .
خامسا : طبق أداء رسم الدخول المحدد لمهنة المحاماة بأثر رجعي على جميع المحامين المقيدين قبل صدور النظام أي قبل تاريخ 9 يناير 1917 .
سادسا : استمر هذا النظام مدة تزيد عن سبع سنوات ،وتم الغاؤه بمقتضى الفصل 77 من ظهير 10 يناير 1924 المتعلق بتنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة .
وبعد هذه الملاحظات، يبدو أن الهيئآت التي أسست بعد كل من هيئآت الدار البيضاء والرباط و وجدة، كهيئة المحامين بمراكش وهيئة فاس سنة 1929 ، فانه ومباشرة بعد انتخاب أعضاء المجلس بهيئة فاس عقد اجتماعه الأول في 26/6/1929 وتقرر فيه أن يشرع أمين المال فورا باستخلاص واجبات الإنتساب والإشتراكات تطبيقا للنظام الداخلي المصادق عليه،وقد تبنت الجمعية العمومية التأسيسية النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط كنظام داخلي لهيئة المحامين بفاس[24] .
ولعل استخلاص رسم الإنخراط للولوج الى مهنة المحاماة ،بدأ منذ تلك الحقبة من الزمن واستمر بدون انقطاع الى الآن بالنسبة لهيئآت المحامين التي كانت متواجدة آنذاك والتي أنشأت بعد ذلك والى ما هو عليه الوضع الآن بالمغرب، حيث تكاثرت وأصبح عددها 17 هيئة . وبطبعة الحال فان الوضع اختلف الآن وأصبح مبلغ رسم الإنخراط للولوج لمهنة المحاماة قد ارتفعت قيمته بفعل قرارات مجالس الهيئآت نظرا لتغير الظروف الإقتصادية والإجتماعية والديمغرافية ..وعلى سبيل المثال فقط فان مبلغ رسوم الإنخراط بهيئة المحامين بفاس سنة 1951 كان 1000 فرنك ، وتدرج في الصعود الى أن
وصل سنة 2006 عشرين الف درهم [25] .
وكلما كانت مجالس هيئآت المحامين تقرر رفع سقف مبلغ الإنخراط لولوج مهنة المحاماة إلا وكانت احيانا تتعرض قراراتها هذه الى الطعن أمام محكمة الإستئناف سواء من طرف الوكيل العام بها (ب) أو من طرف المعني بالأمر، أي المرشح لمهنة المحاماة والذي يريد الإنتساب اليها (أ) .
أ) طعن المرشح لمهنة المحاماة في مقرر مجلس الهيئة :
في هذه الحالة،فان محاكم الإستئناف التي تبت في الطعن ،غالبا ما تذهب الى أن الأمر يعود لإختصاص مجلس الهيئة وبالتالي ترفض الطعن أو تعدل قرار مجلس الهيئة ؛ وفي هذا الصدد فقد قررت محكمة الإستئناف بوجدة من أنه عملا بالفصل 89 من القانون الداخلي لهيئة المحامين بوجدة فان تحديد واجب الإنخراط والإشتراك يعود لسلطة مجلس الهيئة ،الذي حدد في مقرره بتاريخ 31/8/1983 واجب الإنخراط في ثلاثين الف درهم [26] . وكذلك قررت محكمة الإستئناف بالرباط من أن قانون مهنة المحاماة لم ينص على الإعفاء من واجب الإنخراط أو تخفيظه ولم ينظم شكل الطعن فيه .وان النظر في أداء واجب الإنخراط إيجابا أو سلبا من اختصاص مجلس هيئة المحامين والقرار الصادر بشأن ذلك يكون قابلا للطعن مبدئيا وفق مقتضيات المادة 90 من قانون المحاماة . وبما أن الطلب المذكور تابع للطلب الأصلي ومندمج فيه بحيث ان اداء الواجب عن الإنخراط يدخل ضمن شروط التقييد بالجدول لذا ينبغي قبول الطلب ما دام الطلب الأصلي مقبولا.وان واجب الإنخراط اشترطه القانون الداخلي ولم يجعل له سقفا أعلى ولا أدنى فهذا يعني ان تقدير الواجب المذكور متروك لسلطة مجلس الهيئة وحده ولا رقابة عليه في ذلك الا لضميره وحسن تدبيره بما يراعي مصالح الهيئة والمنخرطين فيها ،وقررت المحكمة بناء على ذلك ،الغاء مقرر الرفض الضمني وتسجيل الطالب وارجاع الملف الى مجلس الهيئة لتقدير واجب الإنخراط على ضوء هذا القرار[27] .
أما محكمة الإستئناف بالقنيطرة فقد حكمت بتقييد الطاعن في لائحة المحامين المتمرنين بهيئة المحامين بالقنيطرة على أساس أنه استوفى حميع الشروط القانونية ،بعدما ناقشت المحكمة كون الطالب باعتباره غير موظف فقد أدى واجب التسجيل في لائحة المتمرنين المحددة في 500 درهم كمصاريف تقديم الطلب ومبلغ 10000 درهم عن قبول الطلب ،ومبلغ اداء الإشتراك لمدة ثلاث سنوات [28] .
وأما محكمة الإستئناف بفاس فقد عدلت قرار مجلس الهيئة بحيث حكمت بتأييد المقرر الصادر عن مجلس الهيئة بفاس بتاريخ 1/3/2006 في مبدئه مع تعديله بالتخفيض من المبلغ المحدد للمحامي الوافد من هيئة أخرى وكذا المعفى من التمرين وتحديده في مبلغ مائة الف درهم لكل صنف دون تمييز[29] .
ب ) طعن الوكيل العام في مقرر مجلس الهيئة :
أما في هذه الحالة المتعلقة بالطعن الذي يرفعه الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف ،فان هذه المحكمة هي التي تبت فيه ـ وهو نادر الوقوع ـ كما هو الشأن في نازلتنا هذه ،أي الطعن الذي تقدم به الوكيل العام لدى محكمة الإستئناف بطنجة ،فان هذه المحكمة قضت برفضه وبالتالي أقرت مقرر مجلس الهيئة .ولعل هذا الطعن هو الأول من نوعه ـ على ما أعتقد ـ بينما الطعون في الحالة الأخرى ،كما سبق بيانه آنفا فهو متعدد .غير أن الأمر لم يقف عند قرار محكمة الإستئناف بطنجة ،بل وصل الى المجلس الأعلى بسبب طلب النقض المرفوع من طرف الوكيل العام بها ، وبطبيعة الحال فان المجلس الأعلى أصدر قراره كما هو مبين أعلاه ، وهو موضوع هذا التعليق ، متجاهلا من الناحية القانونية امكانية اعتماده على العرف . ولكنه لم يفعل ذلك بالرغم من أن قانون الإلتزامات والعقود واضح في هذا الباب ؛أي أنه عندما لا يجد القاضي نصا يعتمده ويطبقه على نازلة ما ،فانه يرجع في ذلك الى العرف باعتباره من مصادر القانون المرتب بعد التشريع .فكلما وجد القاضي نقصا في التشريع يلجأ الى هذا المصدر ، وفي ذلك تطبيق للقانون .فمن طبق القانون في نازلتنا هذه ياترى ، محكمة الإستئناف بطنجة أم المجلس الأعلى ؟ .
فقرار محكمة الإستئناف بطنجة عدد 186/07 الصادر في 24/10/2007 في الملف ع 274/7/3 (قرار غير منشور ) ارتكز على كون المقرر المطعون فيه سليما من الناحية القانونية ولم يشبه اي عيب من العيوب المؤدية الى بطلانه ،وبالتالي يكون الطلب الرامي الى معاينة بطلانه غير مرتكز على اساس قانوني سليم وينبغي رفضه . وبهذا يكون قرار محكمة الإستئناف رغم نقضه من طرف المجلس الأعلى قد أصاب وطبق القانون في شموليته خلاف ما فعل قرار المجلس الأعلى من اعتبار واهتمام بالصيغة القانونية الضيقة الواردة في المادة 85 من قانون المحاماة لسنة 1993 .
ذلك أن قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) موضوع هذا التعليق صرح من أن المادة 5 من الظهير المذكور (ظهير 10/9/1993 ) ليس في شروطها ولا في المادة 85 المذكورة ما يعطي لمجلس الهيئة فرض رسم الإنخراط على المرشح لمهنة المحاماة .بمعنى أن قانون المحاماة في الفصلين المذكورين في قرار المجلس الأعلى لم ينصا على رسم الإنخراط ،بل ان نصوص قانون المحاماة بأكمله لم يتعرض لهذا المقتضى ، بل أكثر من ذلك فان جميع القوانين المتعلقة بتنظيم مهنة المحاماة منذ سنة 1913 الى الآن لم يتم النص فيها على رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة . فهل هذا يعني منع فرض هذا الرسم من طرف مجالس الهيئآت على كل مرشح يريد الولوج اليها ؟ .قطعا لا ،ذلك لأنه ومنذ زمن بعيد أي أكثر من تسعة عقود وهذا الرسم مفروض على كل منخرط وعلى كل من أراد الإنخراط في مهنة المحاماة ، فبدءا من سنة1917 تقرر هذا الرسم على كل من أراد الإنتساب الى هيئة من هيئآت المحامين بالمغرب ،واستمر هذا الرسم المفروض كما استمر أيضا تقديره وتغيير سقفه من طرف مجالس الهيئآت مواكبة لتغير الظروف الإقتصادية والإجتماعية للمجتمع الى الآن .وهذا المشوار الطويل الذي سارت فيه كل هيئآت المحامين بالمغرب ،ألا يعتبر عرفا واجب التطبيق من طرف القضاء ؟ . ان محاكم الإستئناف كما رأينا طبقته على نوازل من مثل نازلتنا هذه ، وفي تطبيقها له بطبيعة الحال تطبيقا للقانون ،بينما المحكمة الموكول اليها مراقبة تطبيق القانون والتي توجد على قمة هرم التنظيم القضائي المغربي تجاهلت مراقبة وتطبيق القانون ، ولم تعر أي اهتمام للمتعارف عليه عند فئآت معينة وخاصة من أفراد المجتمع المغربي، ألا وهي الهيئآت المهنية الخاصة بالمحامين ،بل الغت جانبا مهما من تاريخ تطبيق هذه الجزئية على سائر المرشحين لولوج مهنة المحاماة في المغرب.
وللإشارة فان ما سبق ذكره بشأن رسم الإنخراط منذ بداية تعامل مجموعة من أفراد المجتمع المغربي به ،وهم فئة المحامين والمرشحين لمهنة المحاماة بدون منازعات في هذا الشأن ،بل باستقرار المعاملة والإحترام، مع الإنسجام التام بالقواعد المكتوبة ،وأيضا الإنسجام مع النظام العام وقواعد الدين والأخلاق والآداب،مما جعل الإعتقاد بالزاميته يسود لدى هذه الفئة من المجتمع ، ولأكثر من أربعة عقود مما يشكل معه ركني العرف المادي والمعنوي . ولقد أصبح هذا العرف مكتسبا قوته الملزمة من النص القانوني الذي يحيل عليه في قانون المحاماة ،كما سيأتي توضيحه بعد حين ، وأيضا من تطبيقات القضاء له كما بينا أعلاه [30] . وبطبيعة الحال فباستكمال العرف لأركانه وشروطه يصبح العرف قانونا ،ومن الواجب على القاضي تطبيقه من تلقاء نفسه في الدعوى المرفوعة أمامه . وذلك لأنه يفترض في القاضي العلم بالقانون أيا كان مصدره ولا يلتزم الخصوم بالتالي باثباته بل يتعين على القاضي البحث عنه ،وتطبيقه من تلقاء نفسه [31] .
هذا وبالإضافة الى ذلك ،فان قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) تجاهل أيضا قواعد النظام الداخلى لمهنة المحاماة بشأن حل اشكالية رسم الإنخراط ، وهي تتضمن الأعراف والتقاليد الخاصة بمهنة المحاماة ،ونظر الى مقتضيات المادة 85 من قانون المحاماة نظرة ضيقة وليست شمولية .
ثانيا : تجاهل المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) لقواعد النظام الداخلي لمهنة المحاماة لحل اشكالية رسم الإنخراط في مهنة المحاماة :
لم يتعرض قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) موضوع هذا التعليق الى النظام الداخلي لهيئآت المحامين بالرغم من ان هذا النظام يحتوي على قواعد مهنة المحاماة وتقاليدها وأعرافها وبالرغم من أنه كذلك فهو ذو طبيعة الزامية بين افراد الهيئة سواء المنتسبين أو الذين يودون الإنتساب اليها ،وخاصة ما تعرضت له بشأن رسم الإنخراط .
1) أصل ونشأة النظام الداخلي لهيئآت المحامين :
لما صدر ظهير 12/8/1913 بخصوص قانون المسطرة المدنية اثناء الحماية والذي جاء في بابه الثاني
تنظيم لمهنة المحاماة آنذاك ، لم يكن بعد قد نظمت المهنة داخليا اي لم يكن هناك اي نظام داخلي
لمهنة المحاماة لعدم وجود هيئة ، وكان يوجد فقط النقيب حسب التعيين او الانتخاب لقلة المحامين
في دائرة محكمة الاستئناف وعددهم 7 ( ف 39 م م قبل التعديل وبعده بظهير 4/5/1920 ) ، وكان للقضاء الفرنسي بالمغرب آنذاك سلطة التعيين والبحث والتاديب وتهيئ الجدول في هذا الميدان . بل كان له ايضا سلطة تحديد نظام داخلي لمهنة المحاماة ، اذ ان محكمة الاستئناف بالرباط هي التي حددت اول نظام داخلي لهيئة المحامين لدى المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 9/1/1917 تنفيذا للفصل الرابـع من ظهير 18/11/1916 بشان تمثيل الاطراف امام العدالة الفرنسية الذي ورد فيه ما يلي :" تحدد محكمة الاستئناف نضاما لمهنة المحاماة بالنسبة لكل نقابة للمحاماة بالمغرب وذلك بموجب مقرر تتخذه بجمعيتها العمومية وبعد الاستمـاع الى الوكيل العام " . وانشأت محكمة الاستئناف ايضا نظاما داخليا لهيئة المحامين بوجدة بنفس التاريخ المذكور بينما نشأ أول نظام داخلي لهيئة المحامين بالرباط بتاريخ 17/ 3/ 1917 وهذه الانظمة الداخلية الثلاثة لكل من الدار البيضاء وجدة والرباط هي نظام واحد بفصول وقواعد موحدة ، وقد تضمنت هذه الانظمة الموحدة 16 فصلا. ومن جملة ما ورد في هذا النظام الداخلي لهيئة المحامين بالرباط آنذاك انه لا يمكن لعدة محامين ان يشتركوا في ادارة مكتب واحد ولا ان يمارسو مهنتهم في نفس المحل ،ومع ذلك فانه لا يمنع على محام متمرن او حتى محام مقيد بالجدول بان يشتغل عند زميل له سواء بمقابل او بدون عوض شريطة ان لايكتسب هناك زبناء شخصيين.(ف7 من النظام) كما جاء في هذا النظام اعتبار النقيب هو امين مال الهيئة ( ف 15 ) وبالنسبة لاتعاب المحامي اوجب هذا النظام على المحامين ان يطالبوا ما امكن بتادية اتعابهم مسبقا وبالمصاريف التي هم مدعوون لتقديمها وهم ملزمون بتسليم وصل عن كل مبلغ ياخذونه (ف 9). هذا فضلا عن تأسيس رسم الإنخراط في الهيئة وتحديد مبلغه سواء للمحامي الرسمي أو للمحامي المتمرن كما سبق بيانه أعلاه .
ولكن النظام الداخلي بدأ،ومنذ صدور ظهير 10 يناير 1924 المتعلق بتنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة ، يستقل عن السلطة القضائية من حيث النشاة والتحديد ، اذ اصبحت مجالس هيئآت المحامين هي التي تحدد نظامها الداخلي داخل اجل ستة اشهر من تاريخ نشر هذا الظهير المتعلق بقانون المحاماة،وعند عدم قيام احدى الهيئآت بتحديد نظامها داخل الاجل المذكور،فان هذا النظام يتم تحديده من طرف محكمة الاستئناف ( ف 51 من ظهير 10/1/1924 ) .
وقد نهج ظهير 18/ 5/ 1959 بشان تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة نفس النهج الذي سلكه الظهير السابق بشان تحديد النظام الداخلي من طرف مجلس هيئة المحامين ( ف 53 ) .
اما النظام الداخلي لهيئة المحامين بمنطقة الشمال التي كانت خاضعة للحماية الاسبانية ، فكان يحرر هذا النظام من طرف مجلس ادارة النقابة الذي كان يتكون من نقيب وثلاث نواب وامين الصندوق ومحاسب وكاتب الضبط ، وبعد ذلك يطرح هذا النظام على اطلاع الجلسة العمومية بقصد المصادقة عليه وذلك كما بينـه القانـون الاساسي المنظم لادارة شؤون نقابة المحامين بتطوان والمصادق عليه بموجب الظهير الخليفي المؤرخ في 13 دجمبر 1935 في الفصل 36 منه .
وايضا فان مجلس هيئة المحامين لدى المحكمة الدولية بطنجة آنذاك كان هو الذي يقوم بوضع
نظامه الداخلي على اساس ان يعرض على الجمعية العامة للقضاة للمصادقة عليه ( ف 49 من
ظهير 10 يونيه 1953 بشان اعادة تنظيم المحكمة الدولية بطنجة ) ، وفعلا فقد صادقت الجمعية العمومية للقضاة الرسميين لدى المحكمة المختلطة في جلستها المنعقدة بتاريخ 20 دجمبر 1949 على النظام الداخلي ، وذلك تطبيقا لمقتضيات الفقرة 4 من الفصل 16 من ظهير 16 فبراير 1924 بشان التنظيم القضائي الدولي بطنجة ، ومنحت مجلس هيئة المحامين اجل شهرين من نشر هذا النظام لوضع مقتضيات نظامه الداخلي لدى المحكمة الدولية على اساس ان يعرض على مجلس للقضاة قصد المصادقة عليه مع توجيه نسخة منه الى القضاة وكتاب الضبط والمحامين مع الاشارة الى ان كل تغيير فيه يجب ان يصادق عليه مجلس القضاة ( ف 12 من نظام هيئة المحامين بطنجة المصادق عليه في 20/12/1949 ) .
ولما صدر المرسوم الملكي بمثابة قانون بتاريخ 19 دجمبر 1968 بشان تنظيم نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة نص في فصله 53 على انه يتعين على كل نقابة ان تضع نظامها الداخلي في الثلاثة اشهر الموالية لتاريخ نشر هذا القانون مع ايداع نسخة منه بكتابة الضبط لكل محكمة اقليمية توجد لديها نقابة . كما نص على انه اذا تاخرت نقابة ما عن وضع نظامها الداخلي في الاجل المعين قامت محكمة الاستئناف بوضعه ، وفعلا وضمن الاجل المحدد فان جمعية هيئآت المحامين بالمغرب قامت بوضع نظام داخلي موحد لجميع الهيئات صودق عليه من طرف الجمعية العامة التي انعقدت في 8 ابريل 1969 . ويعتبر هذا النظام الداخلي الموحد هو الوحيد الذي كان معمولا به في سائر نقابات المحامين بالمغرب الى ان حلت محله انظمة داخلية بالنسبة للنقابات بالمغرب مختلفة في شكلها ومتحدة في مضمونها لكونها كلها اخذت من مصدر واحد وهو مشروع النظام الداخلي الذي هيأه مكتب جمعية هيئآت المحامين بالمغرب على اثر صدور قانون المحاماة رقم 19/79 الصادر بتاريخ 18/11/1979 ، ونفس الشئ تم من طرف مكتب الجمعية المذكور على اثر صدور الظهير المنظم لمهنة المحاماة والصادر في 10/9/1993 ، والذي اخذ منه مجلس هيئة المحامين بالرباط نظامه الداخلي بعد مناقشات وجلسات مطولة الى ان صادق عليه بتاريخ 12/1/1995 وكذلك فعلت هيئآت كل من القنيطرة وطنجة والدار البيضاء ...
وفي اطار قانون المحاماة الجديد الصادر في 6/11/2008 قانون رقم 28.08 ،فان جمعية هيئآت المحامين بالمغرب ،هيأت مشروعا موحدا للنظام الداخلي لهيئآت المحامين بالمغرب [32] ، وبطبيعة الحال فقد استقت منه كل من هيئة أكادير وخريبكة ،على سبيل المثال ،نظامهما الداخلي . فما هي اذا طبيعة النظام الداخلي،هل هو مجرد نظام ام تشريع مكمل لقانون المحاماة ؟ .
2) طبيعة النظام الداخلي لهيئآت المحامين :
ان طبيعة النظام الداخلي تتحدد بالاهمية التي يمنحها المشرع لهذا النظام ، فمنذ صدور اول قانون تنظيمي لمهنة المحاماة بتاريخ 10/1/1924 والى اليوم نجد ان المشرع اولى اهمية خاصة للنظام الداخلي في بعض النصوص ، وهكذا فان ظهير 10 يناير 1924 اكد في عدة فصول منه على اهمية النظام الداخلي واحال عليه في عدة ا مور كما يلي : تقييد المحامين في الجدول حسب ترتيب اقدميتهم (ف 4).تحديد حقوق وواجبات المحامي الشرفي ( ف 7 ) .تحديد زمن الانتخابات العامة والجزئية ( ف 15 ). تنظيم المشاركة في اعمال التمرين ( ف 24 ).تنظيم صندوق للتامين من اجل ضمان مسؤولية اعضائها المهنية ( ف 30 ) . تنظيم شكل الدفتر اليومي للمبالغ المتقاضاة او المؤداة من طرف المحامي ( ف 46 ).وجوب تعليق النظام الداخلي بكتابات الضبط وبمكاتب المحاكم الفرنسية انذاك وبالمحل المخصص للمحامين بالمحكمة مع ايداع نسخة منه بكتابة الضبط لكل محكمة وايضا توجيه نسخة منه الى الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف والى الوكيل العام والى رئيس المحكمة والى الوكيل مندوب الحكومة (ف51 ) .تعليق النظام الداخلي الى جانب الظهير على حد سواء في الاماكن المخصصة للمحامين (ف76) .
وقد نهج ظهير 18/ 5/ 1959 بشان تنظيم هيئة المحامين ومزاولة مهنة المحاماة الموالي للظهير
السابق في الصدور والذي حل محله،نفس النهج الذي سلكه سابقه بشان الاحالة على النظام الداخلي مضيفا احالة اخرى على النظام الداخلي فيما يخص ابرام شركة بين المحامين ( ف 50 ) .
ولما صدر مرسوم 18/ 12/ 1968 المنظم لمهنة المحاماة بعد ذلك كان يعتمد كثيرا على النظام الداخلي في عدة امور اشار اليها المشرع صراحة واحال في تنظيمها من الناحية التشريعية على النظام الداخلي وهي نفسها المشار اليها في كل من الظهيرين السابقين ظهير 10/1/1924 وظهير 18/5/ 1959 ، وقد اشار اليها في الفصول التالية : 5 ، 8 ، 17 ،41 ، 42 ، 43 ، 50 ، 53 ، 72 . بينما لم يعتمد قانون المحاماة الصادر بتاريخ 18/11/1979( قانون 19-79 ) نفس النهـج في الاحالة على النظام الداخلي ماعدا احالة واحدة هي احالة الفصل 20 والتي اشار فيها المشرع بصريح العبارة الى اعتبار النظام الداخلي قانونا ،والذي نص في فقرته الثالثة على ما يلي : يتم هذا التقييد حسب الترتيب في الاقدمية طبقا للفصل 115 من هذا القانون ولمقتضيات القانون الداخلي المنصوص عليه في الفصل 106 . وغير خاف ان المشرع في قانون 19 - 79 المشار اليه هو الذي اناط بمجلس هيئة المحامين مهمة وضع وتعديل النظام الداخلي على اساس ان يكون هذا النظام ، نظاما مهنيا متناسقا مع قواعد مزاولة المهنة تناسقا تاما ، وبذلك يكون قد فوضه بصفة قانونية ،وخوله سلطة تشريعية تخضع لمراقبة الوكيل العام للملك .
اما في قانون المحاماة الصادر بتاريخ 10/9/1993 فقد اناط المشرع بمهام مجلس الهيئـة وضع النظام الداخلي وتعديله وفق ما يتطلبه تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها واعرافها (ف 85 / 3 ). فتكليف المشرع مجلس الهيئة بهذه المهمة المتعلقة بوضع النظام الداخلي وتعديله حسب متطلبات تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها واعرافها ، يكون قد احال بصفة مطلقة على مختلف الميادين المنظمة جزئيا من طرف المشرع ، وبالتالي تعتبر هذه المهمة بمثابة تفويض لاصدار تشريع تكميلي لقانون المحاماة . وفي هذا الصدد فان محكمة النقض المصرية اعتبرت النظام الداخلي لنقابة الدقهلية هو نظام يتصف بصفة التشريع المكمل لقانون المحاماة ،وذلك في القرار الصادر عنها بتاريخ 18/5/1978 حيث جاء فيه ما يلي :" تنص المادة 37 من قانون المحاماة رقم 61 لسنة 68 المعدل بالقانون رقم 65 لسنة 70 على ان يتولى شؤون النقابة الفرعية مجلس يؤلف من رئيس وستة اعضاء ،وناطت المادة 38 من القانون سالف الذكر بمجلس النقابة اقتراح النظام الداخلي للنقابة ونقابتها الفرعية وما يرى ادخاله عليها من تعديلات ،واختصت المادة التاسعة الجمعية العمومية بالتصديق على النظام الداخلي للنقابة اجراءات تشكيل اللجان الفرعية ومجالسها واختصاصها ، ومن تم فان موافقة مجلس النقابة العامة على النظام الداخلي لنقابة الدقهلية بجلسة 5/10/1972 وتصديق الجمعية العمومية على هذا النظام بجلسة 6/10/1972 يسبغ على هذا النظام صفة التشريع المكمل لقانون المحاماة طالما ان هذا النظام قد صدر بمقتضى التفويض المخول لمجلس النقابة والجمعية العمومية بنصوص القانون وفي حدود هذا التفويض"[33] .
ولكن بالرغم من هذا فان المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) اعتبر النظام الداخلي للمحامين هو مجرد تعبير عن ارادة هيئة من هيآت المحامين فقط ، وصرح بانه لئن لم يسبق للوكيل العام للملك ان تقدم بدعوى رئيسية ترمي الى معاينة بطـلان الفصل 111 من النظام الداخلي حسب المسطرة المنصوص عليها في الفصل 116 من الظهير السابق المنظم للمحاماة الا ان ذلك لا يمنع كل معني بالأمر من اثارة عدم قانونية وبطلان الفصل 111 عن طريق الدفع ، كما انه لا يمنـع المحكمة من ابعاد تطبيقه لمخالفته للقانون اذ من واجب المحاكم ان تثير تلقائيا كل مـا يخالـف القانون [34] .
وبطبيعة الحال فانه وان كان النظام الداخلي هو مجرد تعبير عن ارادة هيئة من هيآت المحامين ، حسب تعبير المجلس الأعلى ، فان هذا التعبير امر به المشرع نفسه وحسب متطلبات تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها واعرافها ؛ذلك أن النظام الداخلي يعتبر أصلا مدونة للسلوك والواجبات والحقوق وتحديد العلاقات التنظيمية التي تربط المحامي بالهيئة ،وهو لا يتضمن فقط النصوص التنظيمية ،بل يتضمن قواعد مستوفاة من تقاليد الهيئة وأعرافها ،فنظام الهيئة هو نظام متعدد المصادر ،تحكمه
النصوص التشريعية والتنظيمية ،وقواعد المهنة
والأعراف والتقاليد [35] .وبصفة عامة فان القانون الداخلي لهيئة المحامين يعتبر مكملا لقانون المهنة مما يجعله للمحامين لما يتضمنه من ضوابط وأعراف وتقاليد واجبة التطبيق (أمر الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بالرباط ع 50 بتاريخ 28/10/2004 ملف تحديد الأتعاب ع 1/2004/3 غير منشور ) .
كما أنه بالإضافة الى ذلك فان أعراف وتقاليد المحاماة ،كانت غير مكتوبة وتنتقل من جيل الى جيل مع حرص كل جيل على اتباعها واحترامها الى أن تدخل المشرع لتقنين بعض تلك الأعراف حتى لا تضيع ،ونظرا لكثرتها كان يحيل عليها في النظام الداخلي [36] .
محتويات النظام الداخلي بشأن رسم الإنخراط :
ومقتضيات المادة 85 من ظهير 1993 التي اعتمدها قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) موضوع هذا التعليق ،هي مطابقة للمادة 91/2 من قانون المحاماة الجديد، قانون( 28.08 ) والتي جاء فيها :" وضع النظام الداخلي للهيئة وتعديله ،وفق ما يتطلبه تطبيق قواعد المهنة وتقاليدها وأعرافها ،مع تبليغه الى الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف والوكيل العام للملك لديها،وايداع نسخة منه بكتابة الهيئة،وكتابة ضبط محكمة الإستئناف " . وبطبيعة الحال، فان النظام الداخلي لكل هيئة من هيئآت المحامين بالمغرب هو تشريع مكمل ،يحتوي قواعد مهنية وتقاليد وأعراف أرستها الجماعات والأفراد المهنية منذ أن عرف الفصل في المنازعات بين الأفراد والجماعات في المجتمع المغربي ،وهو يجد تطبيقه أيضا حتى على مجرد طالبي الولوج الى مهنة المحاماة . وهكذا فقد طبقت محكمة الإستئناف بالدار البيضاء مقتضيات من النظام الداخلي لهيئة المحامين بالدار البيضاء على مرشح لمهنة المحاماة وقبلت طلبه بعدما ألغت مقرر مجلس الهيئة وأمرت بتقييده بجدول الهيئة ابتداء من تاريخ تقديمه للطلب ،غير أن المجلس الأعلى نقض جزئيا هذا القرار ،وتصدى وصرح بأن تاريخ تقييد المرشح هو تاريخ أدائه اليمين ،وذلك على أساس:" أن النظام الداخلي لهيئة المحامين بالدار البيضاء ينص بصفة صريحة في فصله الثاني على أن المحامين يسجلون في الجداول بالترتيب حسب أقدميتهم وتعتبر الأقدمية ابتداء من تاريخ قبولهم باحدى جداول هيئآت المغرب ،ومنذ تاريخ أدائهم لليمين على حالة وجوب أدائها " .وأضاف قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) :" وغير خاف أن النظام الداخلي للهيئة هو تطبيق للقانون المنظم للهيئة ،وله بالتالي حكمه بمقتضى الفصل 116 من القانون المذكور " [37] . وكذلك طبقت محاكم الإستئناف مقتضيات هذا النظام الداخلي سواء ما تعلق بأداء واجب الإشتراك أو بأداء رسم الإنخراط وغيرها من الواجبات المالية كمصاريف تقديم الطلب ، كما رأينا سابقا ، ولهذا فان ما ذهب اليه قرار المجلس الأعلى المعلق عليه في هذا الصدد ،لا يخضع للواقع ومخالف للقانون في شموله لجوانبه المهنية والتنظيمية والتقليدية والعرفية ،ذلك أنه حتى المادة 86 المعتمد عليها تؤكد على أن معاينة البطلان لا تكون الا اذا كانت مداولات المجلس ومقرراته خارج نطاق اختصاصاته أو خلافا لمقتضيات القانون أو مخالفة للنظام العام ،وكل هذه الحدود القانونية احترمت في اتخاذ مقرر مجلس الهيئة برفع رسم الإنخراط كونه قانوني ومنصوص عليه في نظامها الداخلي ،ومتعارف عليه منذ عقود مضت ، ولم تخرقه المحاكم التي عرض عليها الأمر منذ سنوات وسنوات ،اذ لا يخلوا نظام من الأنظمة الداخلية لكل الهيئآت بالمغرب من التنصيص على أداء رسم الإنخراط وعلى تعديله ان اقتضى الحال ذلك .فمنذ تطبيق النظام الداخلي الموحد من طرف الهيئآت – وقبله كذلك – جاء النص على فرض رسم الإنخراط في الفصل 28 منه كما يلي :" ان كل محام مقيد بالجدول وكل محام متدرب يجب عليه أن يؤدي لصندوق الهيئة رسم الإنخراط وواجب الإشتراك السنوي . ان رسم الإنخراط وكذا واجب الإشتراك يقدران ويغيران من طرف مجلس الهيئة بعد استشارة الجمعية العمومية.."[38]
أما في مشروع النظام الداخلي الموحد الذي هيأته جمعية هيئآت المحامين بالمغرب على اثر صدور
قانون المحاماة الجديد قانون( 28.08) فقد جاءت مقتضياته تؤكد بأنه على كل مرشح طلب الولوج
الى هيئة المحامين ،أن يدلي بوصل أداء رسم الإنخراط (م 3 و 78 ) .كما أكدت الفقرة الأولى من
المادة 106 من المشروع على أنه :" يتعين على كل محام أو مرشح للتمرين تقدم بطلب يرمي الى تقييده بجدول الهيئة أة بلائحة التمرين أن يؤدي لصندوق الهيئة واجب الإنخراط الذي لا يقبل أي اعفاء أو تجزئة " [39] .
وفضلا عن ذلك كله،فان القاعدة الكلية تقول :" إن الأصل في الأفعال والأقوال والأشياء الإباحة، بمعنى أن القصد من المعاملات رعاية مصالح الناس ،فكل ما يحقق مصالحهم يكون مباحا . وفي هذا الصدد ، يقول الدكتور وهبة الزحيلي :" ان هناك فرق بين العبادات والمعاملات .أما العبادات فيجب ورود الشرع بها.وأما المعاملات ومنها العقود فلا تتطلب ورود الشرع بها . فيكفي في صحتها ألا تحرمها الشريعة استصحابا للمبدإ الأصولي ، وهو أن الأصل في الأفعال والأقوال والأشياء هو الإباحة " [40] .
فسكوت المشرع بشأن النص على فرض رسم الإنخراط في قوانين المحاماة السابقة والمتعاقبة والحالية (أي سنة 1993) ،لا يعني المنع مطلقا ،وانما يعني الإباحة طبقا للقاعدة المذكورة ،وفي هذا الإطار كذلك ، فانه عندما يتعلق الأمر بالقوانين الشكلية ،فان كل ما لم يرده نص خاص يحمل على المنع عكس القوانين الموضوعية ،لأن القانون الشكلي يرسم طريقا معينا يتعين سلوكه ،فاذا كان الأصل في الأفعال الإباحة بالنسبة لقانون الموضوع فان الأصل فيها المنع بالنسبة لقانون الشكل [41] .
فهل ،بعد هذا ،يجوز القول بأن الأمر حسم فيه المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) ،ولا يمكن استخلاص هذه الواجبات الا بنص تشريعي يتدخل فيه المشرع لفرض مثل هذه الواجبات ،كما هو بالنسبة لأقدم هيئة منظمة في المغرب والتي فرضت على مزاوليها ضمانة مالية ؟ . بل وهل يجوز القول كذلك، بان من صلاحيات المجلس الأعلى تجاوز المنازعة في رفع الوجيبة بدون تبرير ،لأن الأمر يتعلق بالنظام العام ، ولا يمكن للنظام الداخلي للهيئة أن يخالف الظهير المنظم للهيئة ويضيف شرطا جديدا
،الذي هو من صلاحيات المشرع ؟ [42] .
أعتقد،انه لا يمكن الركون الى هذه الآراء ،وقد سبق للرد عليها ما ورد مفصلا ومبحوثا أعلاه .
واضيف الى ذلك ،وقبل الختم ، بان المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) نفسه وقبل تاريخ صدور هذا القرار موضوع هذا التعليق ، قرر من انه :"يتعين على طالب التسجيل في الجدول ان يؤدي رسوم التسجيل وفق ما هو مسطر في النظام الداخلي وان لم يقع التنصيص عليه في قانون المهنة " [43] . وهذا القرار هو بطبيعة الحال متناقض مع القرار موضوع هذا التعليق ، وكذلك القرار الذي سار في نفس اتجاه هذا الأخير والصادر بتاريخ 1/11/2012 الذي أكد :" أن ليس في القانون المنظم لمهنة المحاماة ما يسمح لمجلس الهيئة فرض رسم الإنخراط على المرشح لمهنة المحاماة " [44] .
وبالرغم من دفاع محكمة الإستئناف عن القرار موضوع هذا التعليق بقولها :" ان قرار محكمة النقض عدد 1499 بتاريخ 5/4/2010 الذي قرر عدم مشروعية المطالبة باداء واجب الإنخراط انما صدر في اطار قانون 1993 الملغي والذي لم يكن يتضمن نصا مماثلا للمادة 20 من قانون رقم 08/28 [45] ، فانه بالرغم من ذلك يؤاخذ عليه أنه لم يطبق القانون اذ ان القوانين تكون ،مبدئيا ، قابلة للتطبيق الفوري. ولعل هذه المؤاخذة هي نفسها التي نسجلها على قرار محكمة الإستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 16/12/2010 حيث قرر الغاء القرار الصادر عن مجلس هيئة المحامين بطنجة بتاريخ 4/10/2006 بمراجعة واجبات الإنخراط .. [46] ، وذلك بعدما احيل عليها الملف اثر نقضه من طرف المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) حسب القرار موضوع هذا التعليق ، بعلة :" ان المحكمة وانقيادا مع تعليل المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) بخصوص احقية مجلس هيئة المحامين في اتخاذ قرار بالرفع من واجبات الإنخراط تبين لها ان القرار المطعون فيه مخالف للضوابط القانونية مما يكون معه الطعن المقدم
من طرف الوكيل العام لمعاينة البطلان مبرر من الناحية القانونية " . والغريب في هذا القرار الصادر عن محكمة الإستئناف بالرباط انه كان مبنيا من حيث الموضوع على كون السيد الوكيل العام ركز اوجه طعنه في المبالغة في الرفع من واجبات الإنخراط دون مبرر مع ما يترتب من اثراء النقابة على حساب المنتسب اليها وفرض مبلغ تعجيزي من شأنه منع الراغبين في ولوج المهنة رغم توفرهم هلى الشروط المتطلبة قانونا وان الظروف العامة للبلد لم يطرأ عليها أي تغيير من شأنه تبرير الرفع من واجبات الإنخراط .. أي ان الطعن كان مناقشا فقط لإستكثار المبلغ المحدد كرسم للإنخراط لولوج مهنة المحاماة ..
وهذه القضية لا زالت مستمرة امام محكمة النقض اثر الطعن في قرار محكمة الإستئناف بالرباط من قبل مجلس هيئة المحامين بطنجة .
ولم يبق في ختام هذا التعليق سوي اثارة نقطة مهمة ، وهي أنه أصبح الأمر الآن ملحا أكثر من ذي قبل ، امكانية تدخل المشرع لحل هذه الإشكالية المطروحة في هذا الميدان وبالتالي تعديل الفقرة الرابعة من المادة 91 من قانون 28.08 المتعلق بتنظيم مهنة المحاماة وجعله مناسبا مع حجم الإشكالية بهدف الغائها وذلك بالنص صراحة على أن من اختصاص مجلس الهيئة أيضا فرض وتعديل رسم الإنخراط لولوج مهنة المحاماة .
وليس معنى هذا إغلال مجلس هيئة المحامين عن استخلاص رسم الإنخراط للولوج الى مهنة المحاماة ،الى حين تعديل المادة المذكورة آنفا ،بل ،وفي جميع الأحوال ،فان الوضع سيبقى كما هو عليه الآن في جميع مجالس هيئآت المحامين بالمغرب بشأن استخلاص رسم الإنخراط لإختصاص المجلس بذلك ،بنص صريح في قانون المحاماة الحالي ،حيث جاءت الفقرة الثانية من المادة 20 منه تنص على ما يلي :" يبت مجلس الهيئة في طلبات التسجيل في الجدول بعد استكمال عناصر البحث داخل أجل أربعة أشهر من تاريخ ايداع الطلب وأداء واجب الإنخراط " .
الخميسات في 16/8/2015
الطيـب بن لمـقدم
[1] مجلة عدالة جوست ،العدد الأول ،يوليوز 2010 ص 6و7 .
[2] جريدة العلم ع 21682 بتاريخ 2/6/2010 ص 7 .
[3] مجلة رحاب المحاكم العدد 6 يونيه 2010 ،مع الإشارة الى أن القرار منشور بالصفحة 102 منها .
[4] مجلة الإشعاع عدد 37/38 ص 290 . ومجلة القضاء والقانون ع 158 ص 153 .
[5] قرار المجلس الأعلى بتاريخ 6/4/2010 منشور بمجلة عدالة جوست ع 1 يوليوز 2010 ص 6 .
[6] آية 99 سورة الأعراف .
[7] محمد علي الصابوني ، صفوة التفاسير ، المجلد الأول ص 488 .
[8] وزارة العدل ،شرح قانون الإلتزامات والعقود،الكتاب الول ،ج1 المطابع الفرنسية والمغربية الرباط ص 16 .
[9] رجاء ناجي مكاوي ،مدخل للعلوم القانونية ،دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع،الرباط 2004 ط 2 ص 195 .
[10] جرجس جرجس،معجم المصطلحات الفقهيه والقانونية ،الدار العالمية للكتاب،بيروت 1996 ص 237و238 .
[11] وهبة الزحيلي ،الفقه الإسلامي وأدلته ،دار الفكر ، دمشق – سوربة 2006 ط 9 ج 7 ص 5164 .
[12] مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني ،وزارة العدل،الجزء الأول،مطبعة دار الكتاب العربي ،القاهرة ،ص 187 و188 .
[13] طعن رقم 482 لسنة 39 جلسة 23/2/1977 س28ص 1511 ،حسن الفكهاني و عبد المنعم حسني ، الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية ،الإصدار المدني ،اصدار الدار العربية للموسوعات ،القاهرة 1982 الجزء 8 قاعدة 645 ص 305 .
[14] طعن رقم 283 لسنة 23 ق جلسة 18/4/1957 س8 ص 426 حسن الفكهاني ،الموسوعة م.س،قادة 633 ص 301 .
[15] تنص المادة 167 : على المحامي أن يؤدي عند التقدم بطلب قيد اسمه في الجدول العام أو باحدى الجداول الملحقة به رسم القيد المقرر للجدول الذي يريد قيد اسمه به مع رسوم القيد بالجداول السابقة اذا لم يكن قد أداها .وتكون رسوم القيد كالتالي : 60 جنيه للقيد بالجدول العام: على أن يزاد على هذا الرسم الى خمسة أمثاله اذا تجاوزت سن طالب القيد أربعين سنة ،ويزاد الى عشرة أمثاله اذا تجاوزت سنه خمسين،ويزاد الى الف جنيه اذا تجاوزت سنه الستين . 80 جنيه للقيد بجدول المحامين المقبولين أمام المحاكم الإبتدائية . 120 جنيه للقيد بجدول المحامين المقبولين أمام محاكم الإستئناف . 180 جنيه للقيد بجداول المحامين المقبولين أمام محكمة النقض . 60 جنيه للإعادة الى الجدول ما لم يكن قد مضى على نقله الى جدول غير المشتغلين أكثر من خمس عشر سنة فتسري بشأنه الرسوم المقررة بالجدول العام .
[16] أنور العمروسي ،الجزء الأول من التعليق على نصوص القانون المدني المعدل بمذاهب الفقه ،موسوعة القضاء والفقه للدول العربية ،الدار العربية للموسوعات ،القاهرة 1982 ج 105 ص 2 .
[17] عبد الكريم شهبون،الشافي في شرح قانون الإلتزامات والعقود المغربي ،الكتاب الأول ،ج3 ص540.و رجاء ناجي م.س،ص 213.و وزارة العدل المغربية م.س،ص 16 .
[18] قرار المجلس الأعلى ع 2224 بتاريخ 14/11/2001 ،التقرير السنوي للمجلس الأعلى لسنة 2001 ص 135 .
[19] قرار المجلس الأعلى ع 203 بتاريخ 24/4/1968 ،مجموعة قرارات المجلس الأعلى ،المادة المدنية ،1966ـ1982 ص 513 .
[20] قرار المجلس الأعلى ع èçé بتاريخ 11/7/2007 مجلة قضاء المجلس الأعلى ع 69 ص 119 .
[21] الجريدة الرسمية ع 222 بتاريخ 22/1/1917 ص 87 ( بالفرنسية ) .
[22] الجريدة الرسمية ع 222 بتاريخ 22/1/1917 ص 88 ( بالفرنسية ) .
[23] الجريدة الرسمية ع 188 بتاريخ 4/12/1916 .
[24] كتاب هيئة المحامين بفاس 1929 ـ 2008 ،اعداد مجلس هيئة المحامين بفاس ،ج1 ص 23 .
[25] كتاب هيئة المحامين بفاس ،م.س،ص 204 .
[26] قرار محكمة الإستئناف بوجدة ع 1200 بتاريخ 8/11/1983 انظر الطيب بن لمقدم ،المحاماة في العمل القضائي ،طبع وتوزيع ونشر دار السلام الرباط 2005 قاعدة رقم 244 ص 115 .
[27] قرار محكمة الإستئناف بالرباط ع 4 بتاريخ 24/1/2001 ،الطيب بن لمقدم م.س،قاعدة رقم 107 ص 49 .
[28] قرار محكمة الإستئناف بالقنيطرة ع 15 بتاريخ 25/7/2000 مجلة الإشعاع عدد 23 ص 150 وما بعدها .
[29] قرار محكمة الإستئناف بفاس ع 1385/2006 بتاريخ 1/11/2006 كتاب هيئة المحامين بفاس م.س،ص 205 .
[30] انظر رجاء ناجي مكاوي ،م.س،ص 194 وما بعدها .و ادريس العلوي العبدلاوي ،أصول القانون ،ج الأول نظرية القانون ،مطبعة دار القلم بيروت 1971 ص 575 وما بعدها .
[31] ادريس العلوي العبدلاوي،م.س،ص 584 .
[32] منشور بمجلة رسالة المحاماة ع 30/31 ص 355 وما بعدها .
[33] طعن رقم 665 س 46 الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية حسن الفكهاني وعبد المنعم حسني ،م.س، ج 8 قاعدة رقم 1608 ص 777 .
[34] قرار المجلس الأعلى ع 22 بتاريخ 23/1/1986 ملف اداري ع 7139/84 .
[35] عبد الواحد جعفر ،قواعد مهنة المحاماة ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء 1999 ص 218 .
[36] خالد خالص ،اصلاح قانون المحاماة دفاعا عن المهنة والمهنية ،طبع دار أبي رقراق للطباعة والنشر ،الرباط 2008 ص 195 .
[37] قرار المجلس الأعلى ع 336 بتاريخ 6/2/1989 مجموعة قرارات المجلس الأعلى ،المادة المدنية 1983- 1991 ج2 من اعداد ادريس ملين ص 547 .
[38] النظام الداخلي الموحد ، منشور في مجلة المحاماة ع 5 ،مارس 1970 ص 58 وما بعدها .
[39] مشروع النظام الداخلي الموحد ،مجلة رسالة المحاماة ع 30/31 ص 355 وما بعدها .
[40] وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته ، دار الفكر ،دمشق – سورية 2006 ط9 ج 4 ص 3049 .
[41] قرار محكمة الإستئناف بالناظور ،ملف ع 111/00 بتاريخ 19/6/2001 مجلة رسالة الدفاع عدد 3 ،غشت 2002 ص 185 وما بعدها .
[42] محمد عنبر في مقاله، المجلس الأعلى يحسم في المساهمة المالية المفروضة لولوج مهنة المحاماة ، جريدة العلم ع 21682 بتاريخ 2/6/2010 ص 7 .
[43] قرار 184 بتاريخ 12/3/2008 المحاماة من حلال العمل القضائي ،د.عمر ازوكار ،مطبعة النجاح الجديدة ،الددار البيضاء 2012 ص213 .
[44] قرار ع 544 بتاريخ 1/11/2012 (الغرفة الإدارية ) مجلة ق.ق.عدد 162 س 2013 ص 152 .
[45] قرار ع 794 بتاريخ 18/4/2012 المحاماة من خلال العمل القضائي ،م.س،ص 435 .
[46] قرار ع 124 بتاريخ 16/12/2010 ملف رقم 80/1124/2010 (غير منشور ) .