إن ما يعرفه الوضع السياسي بالمغرب الآن، خاصة بعد تقديم 5 من وزراء حزب الإستقلال لإستقالتهم إلى رئيس الحكومة، زاد من تعميق أزمة الحكومة التي كانت بادية منذ البداية، رغم المحاولات المتكرر للحزب القائد للتحالف الحكومي لإنكارها، هذا ما يدفعنا إلى ضرورة إعادة طرح النقاش الدستوري حول الفصل 47، المتعلق بتشكيل الحكومة والذي جاء بمستجدات عديدة في هذا الصدد، حيث يحيلنا إلى دور مختلف الفاعلين السياسيين في هذه العملية، خاصة الملك بإعتباره أهمهم.
وحتى نتمكن من فهم ما يجري ونكون فكرة ولو بسيطة حول السناريوهات المحتمل أن يلجأ إليها العدالة والتنمية ونتائجها، سنحاول في البداية الوقوف على عملية تشكيل الحكومة والتعديلات التي جاء بها دستوري 2011، ثم تحليل الوضع من الناحية الدستورية.
فبالرجوع إلى الفصل 24 من دستور 1996 نجده صريحا في تحديد طريقة تشكيل الحكومة وإعفائها، حيث قضى بأن الملك هو الذي يعيين من يراه مناسبا ليشغل منصب الوزير الأول، بغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية، إذ يعمل الملك وبملء إرادته على اختيار الشخص القادر على تحقيق الأغلبية، كما يضمن الفصل 24 للملك حق تعيين باقي اعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، ولا يوجد في النص ما يلزم الملك بالتقييد باقتراحات الوزير الأول، لذا يمكنه رفضها إن هو أراد ذلك، وهذا ما وضحه خطاب الملك الحسن الثاني المؤرخ بتاريخ 6 نونبر 1994 حيث أشار إلا أنه بإمكان الملك رفض الأشخاص المقترحين من طرف الوزير الأول.
كما يضمن الفصل 24 للملك حق إعفاء أعضاء الحكومة من مهامهم، والذي اعتبره اختصاصا خالصا للملك، بل وله الحق في وضع حد لحياة الحكومة بإعفائها من مهامها بناءا على استقالتها او بمبادرة منه، مما يعني أن الحكومة في ظل دستور 1996 كانت مسؤولة أمام الملك إلى جانب مسؤوليتها أمام البرلمان باعتبار أن مهامه تشمل مراقبة عمل الحكومة.
أما في ما يخص تنصيب الحكومة ففي ظل دستور 1996 بعد تعيين الحكومة من طرف البرلمان يتقدم الوزير الأول بعرض برنامج حكومته على البرلمان بمجلسيه في جلس واحدة، ويتم التصويت عليه من طرف مجلس النواب لوحده، ولكي تصبح الحكومة منصبة وبالتالي تباشر مهامها كسلطة تنفيذية ينبغي أن لا تصوت الأغلبية المطلقة ضد برنامجها، حتى وإن لم تتمكن من تحقيق غالبية الأصوات المعبر عنها بالمجلس، حيث أن الممتنعين عن التصويت والغائبين، يتم اعتبارهم كما لو صوتوا لصالح الحكومة.
بهذه الطريقة إذن كانت الحكومة تعين وتنصب في ظل دستور 1996، أما بالنسبة لمقتضيات الدستور الجديد، فقد طرأت العديدة من التغيرات على عملية تنصيب الحكومة، ذهب البعض إلى حد اعتبارها قفزة نوعية مهمة في النظام السياسي والدستوري المغربي، بل هناك من قال بأن جوهر الدستور يمكن في التعديلات التي طرأت على هذه المسألة، والتي ارتقت بالمغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية ذات النظام البرلماني، فهل فعلا يمكن الحديث عن طريقة ديمقراطية في تعيين الحكومة وتنصيبها وإعفائها في ظل الدستور الجديد؟ وهل حق تم تقييد صلاحيات الملك في هذه المسألة؟ وهل من شأن الطريقة المعتمدة حاليا إقرار مبدأ الديمقراطية بين الأحزاب السياسية وخلق جو من المنافسة السياسية حول السلطة؟ وهل فعلا الطريقة الحاليو في تنصيب الحكومة تراعي مختلف الحالات التي يمكن أن تسقط فيها الحكومة؟ ..... وغيرها من الأسلئة الجوهرية التي يمكن أن تتبادر إلى ذهن كل مهتم بالشأن السياسي بالمغرب، وحتى نجيب عنها ينبغي العودة إلى الفصل 47 والفصل 88 من الدستور التدقيق فيهما بشكل كبير حتى يتسنى لنا فهم الامور على أحسن وجه.
عند الوقوف على مقتضيات الفصل 47 من الدستور 2011 نجد أنه أكد على أن الملك يعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر الانتخابات بناءا على نتائجها، مما يفيد بأن حرية الملك في تعيين رئيس الحكومة لم تعد مطلقة كما كان الحال في الدستور السابق، بل مقيدة حيث لا يحق له منح رئاسة الحكومة لأي شخص كان، عدا الذي ينتمي إلى الحزب المتصدر للانتخابات، ويلاحظ أنه بمقتضى هذه الفقرة فالملك غير ملزم باختيار شخص معين – الأمين العام مثلا- كما أن عهد الحكومة التيقنوقراطية قد ولى، إضافة إلى أن الفقرة الثانية تمنح الملك حق تعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها ولا يوجد في النص ما يفرض على الملك ضرورة التقييد باقتراحات الرئيس، مما يمكننا من القول بأن مضمون خطاب 6 نونبر 1994 الذي ألقاه الحسن الثاني لازال ساري المفعول.
وبالنسبة لتنصيب الحكومة فعلى عكس ما كان معمولا به في دستور 1996، أصبح من المفروض على الحكومة أن تتقدم أمام مجلسي البرلمان في جلسة مشتركة من أجل تقديم برنامجها الحكومي، ولا تعتبر منصبة إلا إذا صوتت الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب لصالح برنامجها الحكومي، أن أنه في حالة غياب بعض البرلمانيين أو امتناعهم عن التصويت يتم اعتبارهم كما لو صوتوا ضد البرنامج الحكومي، مما يفرض على الحكومة ضرورة البحث عن تحالفات متينة من أجل تحقيق الأغلبية داخل المجلس، وإلا فإن مآلها هو السقوط.
أما فيما يتعقل بمسألة إعفاء الحكومة، فالفقرة الثالثة منحت الملك حق إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم بعد استشارت رئيس الحكومة، لكن السؤال المطروح، هو هل من حق رئيس الحكومة الاعتراض على قرار الملك؟ أم أن الاستشارة تبقى شكلية فقط؟ كما منحت الفقرة الرابعة لرئيس الحكومة حق طلب إعفاء أحد أعضائها أو أكثر من الملك بناءا على استقالتهم أو بمبادرة منه، لكن هنا كذلك يبقى السؤال مطروحا، إذا كان طلب الإعفاء الذي قدمه رئيس الحكومة للملك جاء بمبادرة منه، فهل يحق للمك رفض الطلب؟ إذا ما تقد أحد أعضاء الحكومة للرئيس بإستقالة فهل يحق له أو للملك رفضها؟، أما الفقرة الخامسة فقد أكدت أن استقالة رئيس الحكومة، يساوي إعفاء الحكومة كاملة من مهامها من لدن الملك، في حين أقرت الفقرة السابعة والأخيرة بأن الحكومة المنتهية مهامها تواصل تصريف الأمور الجارية إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
يلاحظ من خلال الوقوف على مسألة تعيين الحكومة وإعفائها أن صلاحية الملك في هذا الصدد قد تقلصت، مادام يعد ملزما بتعيين الرئيس من الحزب المتصدر، ومادامت صلاحيات الرئيس توسعت فيما يخص إعفاء الحكومة، لكن الأمر الذي يثير الاستفهام هو أن من خلال مقتضيات الفصل 47 لم يعد بإمكان الملك إعفاء الحكومة بأكملها أو إقالة رئيسها، هذا الأمر الذي إعتبره البعض بأنه نقط إيجابية سجلت في هذا الفصل، مما يعني أن مسؤولية الحكومة أمام الملك لم تعد كما كانت عليه في دستور 1996، لكن بمجرد العودة إلى الفصل 51 الذي منح الملك حق حل أحد مجلسي البرلمان أو هما معا، نجد أن الملك بإمكانه إسقاط الحكومة انطلاقا من هذا الفصل، مما يعني أن الملك لازال قادرا على التحكم في مصير الحكومة.
صحيح أنه من خلال قراءة الفصل 24 من دستور 1996 و الفصل 47 من دستور 2011 يمكن القول بأن اختصاصات الملك تم تقليصها فيما يتعلق بمسألة تعيين الحكومة وإعفائها، لكن حينما نتعمق في التدقيق بمقتضيات الفصل 47 وباستحضار الأسئلة التي طرحناها أعلاه نجد أن دور الملك رغم ما طرأ عليه من تعديلات في هذا الجانب، لازال قويا كفاية مما يجعله يلعب دورا مركزيا في هذا الصدد.
لنعد الآن إلى الأسئلة التي طرحتها في ما سبق، في حالة ما إذا رئيس الحكومة، رفض إستقالة وزراء الإستقلال، ماذا سيحدث؟ حسب الفصل 47 لا يوجد ما يفرض على رئيس الحكومة أن يقبل إستقالات الوزراء، لكن إذا ما تجرأ ورفضها سيكون أمام إشكال سياسي عميق وصعب جدا، والمتمثل في وجود وزراء ينتمون إلى حزب معارض وهذا ما سيجلنا أمام حكومة أقلية أو حكومة هجينة 6 من وزرائها في المعارضة الأمر الذي يؤكد أن بنكيران لن يتجرأ على هذا الخيار، لكن إذا ما رفض الملك الإستقالات بعد أن تعرض عليه، أكيد أنه في هذه الحالة دستورية لا يحق لرئيس الحكومة الإعتراض على إختيار الملك ولن يبقى أمامه أي خيار غير اللجوء إلى تقديم إستقالته أو الإستمرار بحكومة أقلية.
وهكذا يبقى أمام العدالة والتنمية خياران البحث عن حزب معارض من أجل إنقاذ حكومته، وبعد المواقف التي أصدرها كل من الإتحاد الإشتراكي والأصالة والمعاصرة بعدم المشاركة في هذه الحكومة لا يبقى أمامه غير الأحرار على إعتبار أن الإتحاد الدستوري لم يحصل على عدد المقاعد الكافي لتحقيق الأغلبية، فكيف إذا يمكن لبنكيران أن يبرر تحالفه مع مزوار خاصة وانه سبق وأن أصدر منه هو وبعض قياديي حزبه مواقف صارمة متهمين إياه بالفساد، وبتقاضي تعويضات كثيرة تحت الطاولة، وصرح بأن مزوار فاشل وأنه لا يرضى على نفسه أن يكون في حكومة يوجد فيها مزوار، أم أن بنكيران سيرفع شعار الضرورات تبيح المحضورة ويقبل بدخول الأحرار ضاربا عرض الحائط كل تصريحاته ومواقفه ومتراجعا عنها، مما سيفقده حتما ما تبقى له من مصداقية وشعبية لدى المغاربة.
أما خيار الذهاب إلى الإنتخابات المبكرة، فهذا ممكن ومقبول إلى حد بعيد، لكن هو الأخر يفرض علينا الوقوف عند نتائجه.
لنفرض أنه تم تفعيل هذا الخيار، وتم إنجاز الإنتخابات في أقل من 60 يوما حسب الفصل 97، فهناك إحتمالان، إما أن يتصدر العدالة والتنمية هذا الإنتخابات أو لا، ففي الحالة الأولى يجب على الحزب البحث عن تحالف جديد لتشكيل حكومة جديدة، طبعا الإستقلال لن يخوض غمار تحالف أخر مع العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة لن يرضى على نفسه دخول التحالف مادام رفض الآن إنقاذ هذه الحكومة، الإتحاد الإشتراكي كذلك من الصعب أن يقبل بالتحالف فموقفه كان واضحا، الأحرار إذا ما رفض التحالف حاليا أكيد أنه سيرفضه مستقبلا آللهم إذا ما حدث ما لم يكن في الحسبان، إذا فالعدالة سكون عاجزة عن تكوين أغلبية جديدة، وسنكون أما إشكال دستوري، أي أما ضرورة إعادة الإنتخابات مرة أخرى، أو لنفرض أن الأحرار تحالفوا فسنكون أمام حكومة ضعيفة نوعا ما من السهل إسقاطها، وهكذا سيبرز إلى السطح إشكال دستوري حيث ستصطدم الحكومة بالفصل 98 والذي يمنع حل المجلس الذي يلي المجلس المنحل إلا يعد مرور سنة، فما المخرج إذا؟
وفي حالة حصول على الأغلبية من طرف أحد الأحزاب التي كانت تكون تحالف الكتلة، فهل سنجد أنفسنا أمام هيمنة الكتلة من جديد؟؟ فما جدوى إسقاطها في السابق حينما كانت بقيادة الإستقلال؟؟؟
وحتى نتمكن من فهم ما يجري ونكون فكرة ولو بسيطة حول السناريوهات المحتمل أن يلجأ إليها العدالة والتنمية ونتائجها، سنحاول في البداية الوقوف على عملية تشكيل الحكومة والتعديلات التي جاء بها دستوري 2011، ثم تحليل الوضع من الناحية الدستورية.
فبالرجوع إلى الفصل 24 من دستور 1996 نجده صريحا في تحديد طريقة تشكيل الحكومة وإعفائها، حيث قضى بأن الملك هو الذي يعيين من يراه مناسبا ليشغل منصب الوزير الأول، بغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات التشريعية، إذ يعمل الملك وبملء إرادته على اختيار الشخص القادر على تحقيق الأغلبية، كما يضمن الفصل 24 للملك حق تعيين باقي اعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، ولا يوجد في النص ما يلزم الملك بالتقييد باقتراحات الوزير الأول، لذا يمكنه رفضها إن هو أراد ذلك، وهذا ما وضحه خطاب الملك الحسن الثاني المؤرخ بتاريخ 6 نونبر 1994 حيث أشار إلا أنه بإمكان الملك رفض الأشخاص المقترحين من طرف الوزير الأول.
كما يضمن الفصل 24 للملك حق إعفاء أعضاء الحكومة من مهامهم، والذي اعتبره اختصاصا خالصا للملك، بل وله الحق في وضع حد لحياة الحكومة بإعفائها من مهامها بناءا على استقالتها او بمبادرة منه، مما يعني أن الحكومة في ظل دستور 1996 كانت مسؤولة أمام الملك إلى جانب مسؤوليتها أمام البرلمان باعتبار أن مهامه تشمل مراقبة عمل الحكومة.
أما في ما يخص تنصيب الحكومة ففي ظل دستور 1996 بعد تعيين الحكومة من طرف البرلمان يتقدم الوزير الأول بعرض برنامج حكومته على البرلمان بمجلسيه في جلس واحدة، ويتم التصويت عليه من طرف مجلس النواب لوحده، ولكي تصبح الحكومة منصبة وبالتالي تباشر مهامها كسلطة تنفيذية ينبغي أن لا تصوت الأغلبية المطلقة ضد برنامجها، حتى وإن لم تتمكن من تحقيق غالبية الأصوات المعبر عنها بالمجلس، حيث أن الممتنعين عن التصويت والغائبين، يتم اعتبارهم كما لو صوتوا لصالح الحكومة.
بهذه الطريقة إذن كانت الحكومة تعين وتنصب في ظل دستور 1996، أما بالنسبة لمقتضيات الدستور الجديد، فقد طرأت العديدة من التغيرات على عملية تنصيب الحكومة، ذهب البعض إلى حد اعتبارها قفزة نوعية مهمة في النظام السياسي والدستوري المغربي، بل هناك من قال بأن جوهر الدستور يمكن في التعديلات التي طرأت على هذه المسألة، والتي ارتقت بالمغرب إلى مصاف الدول الديمقراطية ذات النظام البرلماني، فهل فعلا يمكن الحديث عن طريقة ديمقراطية في تعيين الحكومة وتنصيبها وإعفائها في ظل الدستور الجديد؟ وهل حق تم تقييد صلاحيات الملك في هذه المسألة؟ وهل من شأن الطريقة المعتمدة حاليا إقرار مبدأ الديمقراطية بين الأحزاب السياسية وخلق جو من المنافسة السياسية حول السلطة؟ وهل فعلا الطريقة الحاليو في تنصيب الحكومة تراعي مختلف الحالات التي يمكن أن تسقط فيها الحكومة؟ ..... وغيرها من الأسلئة الجوهرية التي يمكن أن تتبادر إلى ذهن كل مهتم بالشأن السياسي بالمغرب، وحتى نجيب عنها ينبغي العودة إلى الفصل 47 والفصل 88 من الدستور التدقيق فيهما بشكل كبير حتى يتسنى لنا فهم الامور على أحسن وجه.
عند الوقوف على مقتضيات الفصل 47 من الدستور 2011 نجد أنه أكد على أن الملك يعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر الانتخابات بناءا على نتائجها، مما يفيد بأن حرية الملك في تعيين رئيس الحكومة لم تعد مطلقة كما كان الحال في الدستور السابق، بل مقيدة حيث لا يحق له منح رئاسة الحكومة لأي شخص كان، عدا الذي ينتمي إلى الحزب المتصدر للانتخابات، ويلاحظ أنه بمقتضى هذه الفقرة فالملك غير ملزم باختيار شخص معين – الأمين العام مثلا- كما أن عهد الحكومة التيقنوقراطية قد ولى، إضافة إلى أن الفقرة الثانية تمنح الملك حق تعيين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها ولا يوجد في النص ما يفرض على الملك ضرورة التقييد باقتراحات الرئيس، مما يمكننا من القول بأن مضمون خطاب 6 نونبر 1994 الذي ألقاه الحسن الثاني لازال ساري المفعول.
وبالنسبة لتنصيب الحكومة فعلى عكس ما كان معمولا به في دستور 1996، أصبح من المفروض على الحكومة أن تتقدم أمام مجلسي البرلمان في جلسة مشتركة من أجل تقديم برنامجها الحكومي، ولا تعتبر منصبة إلا إذا صوتت الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب لصالح برنامجها الحكومي، أن أنه في حالة غياب بعض البرلمانيين أو امتناعهم عن التصويت يتم اعتبارهم كما لو صوتوا ضد البرنامج الحكومي، مما يفرض على الحكومة ضرورة البحث عن تحالفات متينة من أجل تحقيق الأغلبية داخل المجلس، وإلا فإن مآلها هو السقوط.
أما فيما يتعقل بمسألة إعفاء الحكومة، فالفقرة الثالثة منحت الملك حق إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهامهم بعد استشارت رئيس الحكومة، لكن السؤال المطروح، هو هل من حق رئيس الحكومة الاعتراض على قرار الملك؟ أم أن الاستشارة تبقى شكلية فقط؟ كما منحت الفقرة الرابعة لرئيس الحكومة حق طلب إعفاء أحد أعضائها أو أكثر من الملك بناءا على استقالتهم أو بمبادرة منه، لكن هنا كذلك يبقى السؤال مطروحا، إذا كان طلب الإعفاء الذي قدمه رئيس الحكومة للملك جاء بمبادرة منه، فهل يحق للمك رفض الطلب؟ إذا ما تقد أحد أعضاء الحكومة للرئيس بإستقالة فهل يحق له أو للملك رفضها؟، أما الفقرة الخامسة فقد أكدت أن استقالة رئيس الحكومة، يساوي إعفاء الحكومة كاملة من مهامها من لدن الملك، في حين أقرت الفقرة السابعة والأخيرة بأن الحكومة المنتهية مهامها تواصل تصريف الأمور الجارية إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
يلاحظ من خلال الوقوف على مسألة تعيين الحكومة وإعفائها أن صلاحية الملك في هذا الصدد قد تقلصت، مادام يعد ملزما بتعيين الرئيس من الحزب المتصدر، ومادامت صلاحيات الرئيس توسعت فيما يخص إعفاء الحكومة، لكن الأمر الذي يثير الاستفهام هو أن من خلال مقتضيات الفصل 47 لم يعد بإمكان الملك إعفاء الحكومة بأكملها أو إقالة رئيسها، هذا الأمر الذي إعتبره البعض بأنه نقط إيجابية سجلت في هذا الفصل، مما يعني أن مسؤولية الحكومة أمام الملك لم تعد كما كانت عليه في دستور 1996، لكن بمجرد العودة إلى الفصل 51 الذي منح الملك حق حل أحد مجلسي البرلمان أو هما معا، نجد أن الملك بإمكانه إسقاط الحكومة انطلاقا من هذا الفصل، مما يعني أن الملك لازال قادرا على التحكم في مصير الحكومة.
صحيح أنه من خلال قراءة الفصل 24 من دستور 1996 و الفصل 47 من دستور 2011 يمكن القول بأن اختصاصات الملك تم تقليصها فيما يتعلق بمسألة تعيين الحكومة وإعفائها، لكن حينما نتعمق في التدقيق بمقتضيات الفصل 47 وباستحضار الأسئلة التي طرحناها أعلاه نجد أن دور الملك رغم ما طرأ عليه من تعديلات في هذا الجانب، لازال قويا كفاية مما يجعله يلعب دورا مركزيا في هذا الصدد.
لنعد الآن إلى الأسئلة التي طرحتها في ما سبق، في حالة ما إذا رئيس الحكومة، رفض إستقالة وزراء الإستقلال، ماذا سيحدث؟ حسب الفصل 47 لا يوجد ما يفرض على رئيس الحكومة أن يقبل إستقالات الوزراء، لكن إذا ما تجرأ ورفضها سيكون أمام إشكال سياسي عميق وصعب جدا، والمتمثل في وجود وزراء ينتمون إلى حزب معارض وهذا ما سيجلنا أمام حكومة أقلية أو حكومة هجينة 6 من وزرائها في المعارضة الأمر الذي يؤكد أن بنكيران لن يتجرأ على هذا الخيار، لكن إذا ما رفض الملك الإستقالات بعد أن تعرض عليه، أكيد أنه في هذه الحالة دستورية لا يحق لرئيس الحكومة الإعتراض على إختيار الملك ولن يبقى أمامه أي خيار غير اللجوء إلى تقديم إستقالته أو الإستمرار بحكومة أقلية.
وهكذا يبقى أمام العدالة والتنمية خياران البحث عن حزب معارض من أجل إنقاذ حكومته، وبعد المواقف التي أصدرها كل من الإتحاد الإشتراكي والأصالة والمعاصرة بعدم المشاركة في هذه الحكومة لا يبقى أمامه غير الأحرار على إعتبار أن الإتحاد الدستوري لم يحصل على عدد المقاعد الكافي لتحقيق الأغلبية، فكيف إذا يمكن لبنكيران أن يبرر تحالفه مع مزوار خاصة وانه سبق وأن أصدر منه هو وبعض قياديي حزبه مواقف صارمة متهمين إياه بالفساد، وبتقاضي تعويضات كثيرة تحت الطاولة، وصرح بأن مزوار فاشل وأنه لا يرضى على نفسه أن يكون في حكومة يوجد فيها مزوار، أم أن بنكيران سيرفع شعار الضرورات تبيح المحضورة ويقبل بدخول الأحرار ضاربا عرض الحائط كل تصريحاته ومواقفه ومتراجعا عنها، مما سيفقده حتما ما تبقى له من مصداقية وشعبية لدى المغاربة.
أما خيار الذهاب إلى الإنتخابات المبكرة، فهذا ممكن ومقبول إلى حد بعيد، لكن هو الأخر يفرض علينا الوقوف عند نتائجه.
لنفرض أنه تم تفعيل هذا الخيار، وتم إنجاز الإنتخابات في أقل من 60 يوما حسب الفصل 97، فهناك إحتمالان، إما أن يتصدر العدالة والتنمية هذا الإنتخابات أو لا، ففي الحالة الأولى يجب على الحزب البحث عن تحالف جديد لتشكيل حكومة جديدة، طبعا الإستقلال لن يخوض غمار تحالف أخر مع العدالة والتنمية، والأصالة والمعاصرة لن يرضى على نفسه دخول التحالف مادام رفض الآن إنقاذ هذه الحكومة، الإتحاد الإشتراكي كذلك من الصعب أن يقبل بالتحالف فموقفه كان واضحا، الأحرار إذا ما رفض التحالف حاليا أكيد أنه سيرفضه مستقبلا آللهم إذا ما حدث ما لم يكن في الحسبان، إذا فالعدالة سكون عاجزة عن تكوين أغلبية جديدة، وسنكون أما إشكال دستوري، أي أما ضرورة إعادة الإنتخابات مرة أخرى، أو لنفرض أن الأحرار تحالفوا فسنكون أمام حكومة ضعيفة نوعا ما من السهل إسقاطها، وهكذا سيبرز إلى السطح إشكال دستوري حيث ستصطدم الحكومة بالفصل 98 والذي يمنع حل المجلس الذي يلي المجلس المنحل إلا يعد مرور سنة، فما المخرج إذا؟
وفي حالة حصول على الأغلبية من طرف أحد الأحزاب التي كانت تكون تحالف الكتلة، فهل سنجد أنفسنا أمام هيمنة الكتلة من جديد؟؟ فما جدوى إسقاطها في السابق حينما كانت بقيادة الإستقلال؟؟؟