حمل مشروع الجهوية الموسعة آمالا عريضة، انتهت بنصوص قانونية تطرح عدة تساؤلات حول مدى ملامستها لمستوى تطلعات المشرع الدستوري، وحتى لا ننطلق من أحكام مسبقة، سنحاول استقراء هذا النص (مشروع القانون التنظيمي رقم 14.111 يتعلق بالجهات) في علاقة مؤسسة الجهة بمحيطها المؤسساتي والاجتماعي، لنتأكد من مدى إعمال مفهوم الجهوية بشكل أفقي، ونعتقد أن علاقة مؤسسة الجهة بهذا المحيط يتم الكثير منه من إما مع القضاء، أو في علاقتها بالمركز، أو كذلك علاقتها بمؤسسة الوالي، ثم علاقتها بالمواطن، وقراءة طبيعة هذه العلاقات وتفاصيلها هي التي ستحدد مفهوم الصدارة و دور الجهة ومدى قدرتها على ترجمة البعد الجهوي باعتباره مصدر الشرعية الانتخابية لهذه المؤسسة، وسيقتصر هذا المقال حول علاقة مؤسسة الجهة مع القضاء بتقاطع مع دور الوالي في انتظار التطرق لباقي العلاقات في حلقات مقبلة.
وهكذا ارتأينا أن نتحدث أولا على طبيعة علاقة الجهة بالقضاء لكون القضاء سلطة، وطبيعة العلاقة مع هذه السلطة يجب أن تكون محدودة في حسم الخلافات والنزاعات، غير أننا نلاحظ أن النص التشريعي تمدد كثيرا في دور القضاء إلى درجة توريطه في بعض الاختصاصات التي كان يجب أن يكون بمنأى عنها، وحتى نتبين ذلك سنرسم تفاصيل هذه العلاقة من خلال مشروع القانون التنظيمي للجهة، فما هي هذه العلاقة؟ وما طبيعتها؟ وما مدى حدودها؟.
يمكن الجزم مسبقا أن نص مشروع القانون الجديد للجهات قد جازف كثيرا في علاقة مؤسسة الجهة بمؤسسة القضاء، بل إنه توسع بشكل كبير في الاختصاصات التي منحت للقضاء في علاقته بإدارة الجهة، وأصبحنا نلاحظ وجودا قضائيا مطردا في تفاصيل اشتغال المجلس الجهوي، ليصبح عنصرا فاعلا في التأثير على دور الجهة ومدى استمرارية بعض من أجهزتها زمنيا، متجشما عبأ إيجاد حلول لبعض القضايا المستعصية التي قد تكون لها أبعادا سياسية أو انتخابوية، علما أن عمل الجهة يستند على ما هو تنظيمي من منطلقات سياسية.
ولابد من الملاحظة بادئ ذي بدأ أن مؤسسة الجهة لا تختزل فقط في مؤسسة محجمة في إقليم جغرافي معين أو مجال ترابي محدود، بل يجب النظر إليها كمؤسسة رسمية مكونة لجزء من هياكل الدولة لها مهام جهوية لكنها تشتغل ببعد وطني في إطار وحدة الدولة، لذلك فقرارات الجهة وبرامجها لا تتقزم بشكل محدود داخل ما هو مرسوم لها جغرافيا كجماعة ترابية، ولكنها تساهم في بناء الاقتصاد الوطني وحسن سيره، و تساهم في بلورة طبيعة إدارة السلطة التنفيذية وانسجامها على المستوى الوطني والمؤسساتي، وهذا ما يجعل إحالة كثير من النزاعات التي تهم مؤسسة الجهة على المحاكم الإدارية الجهوية لما يتضمن من إقليمية قضائية مناهضة لدلالة البعد الوطني لدور الجهة، قد يخلق إرباكا في كثير من التفاصيل التي سيتدخل فيها القضاء بين الجهات من جهة، وبين الجهة والمركز من جهة أخرى.
لذلك يجب التعامل مع تدخل القضاء في علاقته بالجهات على مستويين: على المستوى المحلي أي المحكمة الإدارية وعلى المستوى الوطني أي الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، وهذا نتيجة عادية بالنظر إلى طبيعة بعض القرارات سواء التي يتخذها الوزير أو التي يتخذها الوالي، باعتبارها قرارات تنظيمية تتم بتفويض من السيد رئيس الحكومة صاحب السلطة التنظيمية دستوريا، فالمفوض له يستمد شرعيته من مانح التفويض والذي يجعل قرارات أولائك في الأصل هي قرارات رئيس الحكومة، وقرارات هذا الأخير مادامت تهم المجال الوطني (لكون ما يسري على جهة تنظيميا يسري على باقي الجهات الأخرى)، لا يمكن الطعن فيها إلا أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، ونعني هنا الطعن الذي يهم مجال الاختصاص والنزاعات المرتبطة به وكذلك أسباب حل المجلس أو عزل المستشار عضو مجلس الجهة وغيرها من القضايا التي يجب أن يتوحد فيها الاجتهاد وطنيا احتراما لمبدأ المساواة بين الجهات ولما لها كذلك من دلالات وطنية تهم تعامل المركز مع الجهة، أما القضايا الأخرى التي تهم السير العادي وبعض الجزئيات، فيمكن للمحاكم الإدارية المحلية أن تبث فيها، وإذا تم إعمال إجراءات الطعن فستحال في يوم من الأيام على الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ليتوحد فيها الاجتهاد.
و خارج هذه الملاحظة الأولية سنلاحظ مواضيع أخرى تتسم بنوع من الخلط بين المفاهيم القضائية في مواجهة بعضها البعض، إذ أن النص أخلط بين القاضي الاستعجالي والبث القضائي بشكل يتسم بنوع الاستعجال بتحديد أجل زمني محدد لإنهاء المسطرة، وشتان بينهما، ففي مشروع القانون التنظيمي للجهات يشير إلى القاضي الاستعجالي في المادة 44 حول حق تعرض الوالي على نقطة من نقط جدول الأعمال وكذلك فيما يخص العزل (المادة 67)، ثم فيما يهم الحلول (المادة 79 )، و فيما يخص تعرض الوالي على قرارات الجهة (المادة 114) و فيما يخص تحصيل الديون المستحقة (المادة 237)، وتظل النصوص الأخرى تهم المحكمة الإدارية دون منح الاختصاص للقضاء الاستعجالي، مثل التجريد (المادة 54) وعزل أعضاء المجلس وحل مجلس الجهة بسبب عدم حسن سيره (المادة 66) وسحب التعويضات (المادة 71) وحل المجلس بسبب رفض القيام بأعماله (المادة 75)، والطعن في عدم شرعية قرارات رئيس الجهة (المادة 76).
ومن تم يتبين لنا أن مشروع القانون التنظيمي الخاص بالجهات حاول أن يقرر في المجالات التي تدخل في اختصاصات القضاء الاستعجالي دون غيره حسب طبيعة النزاع وموضوعه، غير أنه حينما منح الاختصاص للقضاء الاستعجالي مستحضرا حسن سير المرفق العمومي يكون قد أخل بشكل ضمني وجزئي بحقوق الدفاع كما سيتبين ذلك في نصوص المسطرة المدنية التي تنظم مجال القضاء الاستعجالي، ذلك أن المادة 151 من قانون المسطرة المدنية التي حددت مسطرة البث في النوازل، نصت كذلك على أن إمكانية عدم استدعاء الأطراف من طرف القاضي إذا كانت حالة الاستعجال القصوى، (وهذا يعود إلى تقديره)، وهذا النص يستمد مشروعيته من مقتضيات المادة 152 من قانون المسطرة المدنية التي اعتبرت أن الأوامر الاستعجالية لا تبث إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر، والنص مشروع الجهة لم يستوعب المجال المحدود للقضاء الاستعجالي، فمنحه مجموعة من الاختصاصات مما قد يشكل مساسا بحقوق الدفاع والمساواة بين الأطراف، بل أصبح مخلا بالضمانات الممنوحة لحسن إعمال مبدأ التدبير الحر، ليتحول القضاء من ضامن إلى معول في يد الوالي للانقضاض على اختصاصات الجهة أو لتطويقها أكثر بحجة شرعية القضاء في حماية استقلالية الجهة وفي وضعنا هذا فهو حق، فهو حق يراد به باطل.
وبغض النظر على موضوع المسطرة وحقوق الدفاع فإن المواضيع التي يمكن للوالي أو غيره إحالتها على القضاء تثير كثيرا من الالتباسات، إذ سنلاحظ أن المادة 23 من المشروع نصت على أنه في حالة انقطاع الرئيس على مزاولة مهامه يتم توجيه إعذار من الوالي له داخل أجل 7 أيام، وهو نفس الآجل الذي يمنح للموظفين في إطار الوظيفة العمومية، فإن إحالته على القضاء الاستعجالي يكون موضوعها المعاينة فقط دون البث في مدى شرعية القرار واحترامه لمبدأ التناسب الذي يمكن أن يكون موضوع دعوى عادية في إطار إلغاء القرارات الإدارية للوالي، والذي ستعرف عائقا كبيرا لكون القضاء الاستعجالي حينما يقبل المعاينة يصبح لها قوة إتباتية يصعب على قاضي الموضوع أن يناقشها أو يبعدها خاصة وأنها ستكون سند لمشروعية قرارات الرئيس وسيقوم القاضي بهذا الإجراء بصفته القاضي الاستعجالي، مما سيجعلنا أمام سؤال قانوني هل هذه المعاينة ستتم من خلال البث في المراسلات أو بطريقة أخرى؟.
ويبدو أن هناك خلط في هذا الاختصاص الممنوح للقضاء، لكون المعاينات هي التأكد من حالة مادية لوضع ما أو فعل معين يتم من خلال عناصر مادية يحرر حولها محضر وفي مدة زمنية معينة، والقضاء الاستعجالي حينما سيعاين هذه الحالة ليس له سوى الاطلاع فقط على الوثائق المدلى بها من طرف الوالي أو شهادة الشهود، في حين أن المعاينة هي حالة مادية تتم في زمن ومكان معينين ويجب أن تتم وفقا للفصل 148 من قانون المسطرة المدنية أو المادة 19 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، حيث تتم هذه المعاينات التي هي إثبات حال بشكل لا يمس بحقوق الأطراف، لكون هذه المعاينة المحتملة والتي قد تستند افتراضا على وثائق إدارية أو شهادة الشهود لابد أن تكون موضوع مناقشة تواجهية وافتحاص للوثائق ومدى جدية وسائل الإثبات وشرعيتها، وهي مسألة تتجاوز مفهوم المعاينة الذي هو أصلا نقل حالة واقعية من خلال تصور سطحي، خاصة وأننا أمام موضوع يهم مؤسسة دستورية لا يمكن أن نقرر استمرار رئيسها من عدمه من خلال إثبات حال دون مناقشة التفاصيل، فهل يمكن أن نحول معاينة رئيس المحكمة إلى تصرف قضائي بات في الموضوع لنلغي مركزا قانونيا دون مناقشة الأسباب والمسببات ودون احترام حقوق الدفاع و الاستماع إلى الأطراف؟ فهل يعتبر انتقال القاضي إلى مكتب الرئيس في غيابه ومعاينته فارغا مبررا لإقالة الرئيس؟ وبأي موجب يمكن أن يصبح الوالي والي أمر رئيس الجهة يأمره باتخاذ هذا الإجراء أو ذاك وإلا اعتبر في حالة انقطاع وتخلي عن مهامه؟ ذلك أن الانقطاع عن المهام الذي هو مغادرة غير قانونية للمنصب، هو تصرف يمتد في الزمن وله انعكاسات تنظيمية وسياسية ومؤسساتية وناتج عن موقف مسبق معبر عنه علنيا أو ضمنيا ويحتاج إلى مناقشات قانونية قصد البث فيه والتثبت من وجوده وامتداداه التنظيمي والزمني، بينما النص جاء مقتصرا ليقرر أنه مجرد المعاينة تنهي مهام الرئيس الذي ينتخب استنادا على عدة مراحل لنورط بعد ذلك الدولة في انتخابات جديدة.
إن هذا التوجه نحو القضاء الاستعجالي سيتم توظيفه بشكل مناقض لمفهوم القضاء الإداري نفسه، ذلك أن المادة 44 من النص التي منحت للوالي حق التعرض على نقطة في جدول الأعمال لعدم اختصاص المجلس البت فيها، هو تعرض على مرحلة تحضيرية والمبدأ العام في القضاء الإداري أنه يبت في القرارات النهائية بينما جدول الأعمال مجرد مرحلة تحضيرية لا ترقى إلى مستوى القرار لكونه قابلا للقبول أو الرفض ويحتاج إلى موافقة المجلس قبل أن تترتب عنه نتائج عملية، وبالتالي حق الاعتراض هذا يتسم بنوع من التحقير اتجاه مؤسسة المجلس الذي يمكن له ذاتيا وأثناء المناقشة للنقطة موضوع الاختلاف أن يلاحظ إشكالية الاختصاص ويقرر وجودها من عدمه وذلك قبل أن يدرج موضوعها، لكون مفهوم التدبير الحر ليس هو فقط إدارة الشؤون المادية، ولكن كذلك بلورة تصور عملي مشروع لمفهوم الاختصاصات من الناحية القانونية.
ولأن الاختصاص من القضايا التي تتسم بالخطورة وبالحساسية الدستورية فإن موضوعه لا يجب أن يبث فيه قاض من المحكمة الإدارية، لكونه تفسير وإعمال لنصوص قانون تنظيمي يجاور النص الدستوري بأقل درجة وأن تفسير هذا النص قد يتضارب بين محكمتين أو أكثر في ربوع المملكة، ولهذا اتجه البعض نحو منح هذا الاختصاص إلى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى حتى يتم توحيد الاجتهاد فيما يهم إعمال النص التنظيمي وطنيا، ونعتقد أن هذا الاختصاص يجب أن يمنح وفقا للفصل 132 من الدستور إلى المحكمة الدستورية، لكوننا نشرع قانونا تنظيميا يمكنه أن يمنح هذا الاختصاص إلى المحكمة الدستورية.
إن اختصاص القضاء الاستعجالي سيعطى له حجم سياسي يتجاوز قدراتها الوطنية خاصة من خلال المادة 76 من مشروع قانون الجهة حين نصت على مبدأ الحلول، و هنا تطرح إشكالية كبرى لها خطورتها و دلالتها، لكون النص يتكلم على امتناع المجلس على القيام بالأعمال المنوطة به، و هذه الجملة لها دلالات مختلفة و قد يكون فعل الامتناع نهائيا، و قد يكون هذا الامتناع ناتج عن الاختلاف حول طبيعة القرار أي (اختلاف حول سير مجلس الجهة)، ذلك أن الوالي يمكنه أن يحور و يحول الخلاف حول طبيعة القرار المرتبط بالاختصاص إلى صورة من صور الامتناع، و هكذا يتم توظيف النص عند الاختلاف بتكييفه امتناعا، أي أن الوالي عندما يختلف مع رئيس الجهة في موضوع معين يحوله إلى امتناع و يحل بقوة القانون محل رئيس مجلس الجهة، وهذا الفعل يخل بالقيمة الدستورية لمفهوم الجهوية، بل إنه يضرب في العمق توازن السلط والنسق الدستوري، وإذاك سيتم ضرب مبدأ التدبير الحر و استقلالية المؤسسة والمبدأ الدستوري للجهوية، وهذا الخلاف قد تكون له تشعبات و معطيات تدبيرية معقدة، إلا أن النص قرر أن يمنح اختصاص البث في ذلك إلى القاضي الاستعجالي، و سيكون على هذا الأخير في هذه الحالة الالتزام بفحص طلب الوالي، هل هو ناتج عن امتناع الرئيس أم عن اختلاف في الرؤى و في طبيعته و في شكل تنفيذ القرار موضوع الخلاف؟ فنورط القضاء في نقاش سياسي و خلافات تدبيريه لها خلفيات سياسية وذات لبوس قانوني، في حين القاضي محاصرا بالجواب عن سؤال فريد و هو : هل هناك إخلال بالسير العادي للمرفق نتج عنه مساس بمصالح المواطنين مما يجعله في موقع الحكم الذي يقرر من هي الجهة المسؤولة؟ فإما أن يكون الوالي فيرفض له الطلب أو يكون رئيس المجلس ويقضي بالحلول، وهذه الأخيرة صعبة المراس لكون الممارسة الديمقراطية الجهوية قد تكون ضحية دكتاتورية الحلول.
إن الانتقال إلى الاختصاصات التي منحها المشروع لقضاء الموضوع لا خلاف معها إلا من حيث مدى إيجابية إحالة النوازل على القضاء الإداري دون الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أو المحكمة الدستورية حسب الحالة، و نعتقد أن تحديد المدة الزمنية للقاضي قصد البث في النزاع تنم على نوع من المساس باستقلاليته بناء على قناعته، لأن إلزام القاضي في الخضوع إلى عنصر الزمن المنصوص عليه قانونا قد يكون على حساب جودة الأحكام وعدالتها، ذلك أنه بتفحصنا للمادة 54 من مشروع قانون الجهة نجد أنه في موضوع التجريد أو العزل حدد للقضاء آجالات محدودة لأنها مسطرة، علما أن قاضي الموضوع هو من له هذا التقدير و لا يمكن القول في نفس النص أن للمحكمة حق تقدير حالة الاستعجال من عدمها، حتى لا تكون منفذا للمساس بحقوق الدفاع وإعمال مبدأ التواجهية.
كما أن المادة 71 من نفس المشروع منحت آجال شهر لعزل أعضاء المكتب وسحب التفويضات، ونفس الشيء تنص عليه المادة 75 بالنسبة لحل المجلس وإن لم تحدد آجلا لذلك، وأعتقد أنه فيما يخص حل المجلس فهو موضوع له خطورته ونتائج قانونية على المسار السياسي للدولة، لذلك يتعين إحالة هذا النزاع على الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وفق أسباب محددة.
وعليه يتبين أن العلاقة بين القضاء والمجلس الجهوي في حقيقتها وسيلة بين يدي الوالي وليست ضمانة للمجلس كما يريد أن يوحي البعض، مما يتعين إعادة النظر في إعمال القضاء الاستعجالي منه و قضاء الموضوع، ليكونا وسيلة للإنصاف ولحسن إعمال القانون ولحماية للمسار الديمقراطي الجهوي وكذلك لعامل التوازن بين سلطة انتخابية جهوية في شخص المجلس ورئيسه من جهة وسلطة تنظيمية جهوية في شخص الوالي الذي ليس سوى ممثلا للسلطة التنفيذية للحكومة والتنظيمية لرئيسها من جهة أخرى، وأن تنصيص المشروع على اختصاصات القضاء وعلى شكل ممارسة مهامه يتسم بكثير من التحايل اللغوي الذي قد يخل بدور القضاء واستقلاليته ودوره في حماية المؤسسات والإعمال السليم للقانون وحسن تطبيق الدستور.
إن الحكم على طبيعة دور القضاء في مجال اشتغال الجهة يتم بكثير التحريف التشريعي، لكون مهام القضاء كان يجب أن تتم وفقا لدعم الجهة وحمايتها والحفاظ على وجودها وطرق استمراريتها وتقوية ركائزتها وضمان استقلاليتها، وليس أن يكون بوابة لتدبير الجهة من الداخل.
إن هذا الانحراف التشريعي يثير كثيرا من المخاوف حول استقلالية القضاء وحول وحدة تفسير النصوص القانونية من طرف القضاء الإداري عند البث في النوازل، وسنعاين هذا عمليا عند ما تصارع الجهة في توسيع مجال اشتغالها ورغبة المركز من خلال الوالي في تقزيم دور الجهة، خاصة إذا كان هناك اختلاف في الانتماء في ما يدير الجهة و من يدير السلطة التنفيذية، أي بمعنى آخر سيكون هناك اختلاف في البرامج وحتى في التصورات ولأن الجهة جزء من مكونات تنفيذ السياسات العامة، سنلاحظ أن بعض الجهات المنتمية لنفس التيار المهمين على السلطة التنفيذية ستعيش وضعا مريحا بينما بعض الجهات التي تنمي إلى أحزاب ذات برامج مختلفة ستعيش وضعيتين، وضعية المكتوب الملزمة به قانونا ووضعية الممارس الذي يرغب في تنفيذ برنامج حزبه جهويا، لذلك يجب التفكير في آلية تعلو الجميع وتضمن التوازن وتعالج الاختلالات من خلال التحكيم وهي سلطة جلالة الملك في إطار مؤسساتي تنظيمي ليس سوى المجلس الأعلى للجهات تحت رئاسة جلالته وسنتطرق للموضوع في وقت آخر.
وهكذا ارتأينا أن نتحدث أولا على طبيعة علاقة الجهة بالقضاء لكون القضاء سلطة، وطبيعة العلاقة مع هذه السلطة يجب أن تكون محدودة في حسم الخلافات والنزاعات، غير أننا نلاحظ أن النص التشريعي تمدد كثيرا في دور القضاء إلى درجة توريطه في بعض الاختصاصات التي كان يجب أن يكون بمنأى عنها، وحتى نتبين ذلك سنرسم تفاصيل هذه العلاقة من خلال مشروع القانون التنظيمي للجهة، فما هي هذه العلاقة؟ وما طبيعتها؟ وما مدى حدودها؟.
يمكن الجزم مسبقا أن نص مشروع القانون الجديد للجهات قد جازف كثيرا في علاقة مؤسسة الجهة بمؤسسة القضاء، بل إنه توسع بشكل كبير في الاختصاصات التي منحت للقضاء في علاقته بإدارة الجهة، وأصبحنا نلاحظ وجودا قضائيا مطردا في تفاصيل اشتغال المجلس الجهوي، ليصبح عنصرا فاعلا في التأثير على دور الجهة ومدى استمرارية بعض من أجهزتها زمنيا، متجشما عبأ إيجاد حلول لبعض القضايا المستعصية التي قد تكون لها أبعادا سياسية أو انتخابوية، علما أن عمل الجهة يستند على ما هو تنظيمي من منطلقات سياسية.
ولابد من الملاحظة بادئ ذي بدأ أن مؤسسة الجهة لا تختزل فقط في مؤسسة محجمة في إقليم جغرافي معين أو مجال ترابي محدود، بل يجب النظر إليها كمؤسسة رسمية مكونة لجزء من هياكل الدولة لها مهام جهوية لكنها تشتغل ببعد وطني في إطار وحدة الدولة، لذلك فقرارات الجهة وبرامجها لا تتقزم بشكل محدود داخل ما هو مرسوم لها جغرافيا كجماعة ترابية، ولكنها تساهم في بناء الاقتصاد الوطني وحسن سيره، و تساهم في بلورة طبيعة إدارة السلطة التنفيذية وانسجامها على المستوى الوطني والمؤسساتي، وهذا ما يجعل إحالة كثير من النزاعات التي تهم مؤسسة الجهة على المحاكم الإدارية الجهوية لما يتضمن من إقليمية قضائية مناهضة لدلالة البعد الوطني لدور الجهة، قد يخلق إرباكا في كثير من التفاصيل التي سيتدخل فيها القضاء بين الجهات من جهة، وبين الجهة والمركز من جهة أخرى.
لذلك يجب التعامل مع تدخل القضاء في علاقته بالجهات على مستويين: على المستوى المحلي أي المحكمة الإدارية وعلى المستوى الوطني أي الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، وهذا نتيجة عادية بالنظر إلى طبيعة بعض القرارات سواء التي يتخذها الوزير أو التي يتخذها الوالي، باعتبارها قرارات تنظيمية تتم بتفويض من السيد رئيس الحكومة صاحب السلطة التنظيمية دستوريا، فالمفوض له يستمد شرعيته من مانح التفويض والذي يجعل قرارات أولائك في الأصل هي قرارات رئيس الحكومة، وقرارات هذا الأخير مادامت تهم المجال الوطني (لكون ما يسري على جهة تنظيميا يسري على باقي الجهات الأخرى)، لا يمكن الطعن فيها إلا أمام الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى، ونعني هنا الطعن الذي يهم مجال الاختصاص والنزاعات المرتبطة به وكذلك أسباب حل المجلس أو عزل المستشار عضو مجلس الجهة وغيرها من القضايا التي يجب أن يتوحد فيها الاجتهاد وطنيا احتراما لمبدأ المساواة بين الجهات ولما لها كذلك من دلالات وطنية تهم تعامل المركز مع الجهة، أما القضايا الأخرى التي تهم السير العادي وبعض الجزئيات، فيمكن للمحاكم الإدارية المحلية أن تبث فيها، وإذا تم إعمال إجراءات الطعن فستحال في يوم من الأيام على الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى ليتوحد فيها الاجتهاد.
و خارج هذه الملاحظة الأولية سنلاحظ مواضيع أخرى تتسم بنوع من الخلط بين المفاهيم القضائية في مواجهة بعضها البعض، إذ أن النص أخلط بين القاضي الاستعجالي والبث القضائي بشكل يتسم بنوع الاستعجال بتحديد أجل زمني محدد لإنهاء المسطرة، وشتان بينهما، ففي مشروع القانون التنظيمي للجهات يشير إلى القاضي الاستعجالي في المادة 44 حول حق تعرض الوالي على نقطة من نقط جدول الأعمال وكذلك فيما يخص العزل (المادة 67)، ثم فيما يهم الحلول (المادة 79 )، و فيما يخص تعرض الوالي على قرارات الجهة (المادة 114) و فيما يخص تحصيل الديون المستحقة (المادة 237)، وتظل النصوص الأخرى تهم المحكمة الإدارية دون منح الاختصاص للقضاء الاستعجالي، مثل التجريد (المادة 54) وعزل أعضاء المجلس وحل مجلس الجهة بسبب عدم حسن سيره (المادة 66) وسحب التعويضات (المادة 71) وحل المجلس بسبب رفض القيام بأعماله (المادة 75)، والطعن في عدم شرعية قرارات رئيس الجهة (المادة 76).
ومن تم يتبين لنا أن مشروع القانون التنظيمي الخاص بالجهات حاول أن يقرر في المجالات التي تدخل في اختصاصات القضاء الاستعجالي دون غيره حسب طبيعة النزاع وموضوعه، غير أنه حينما منح الاختصاص للقضاء الاستعجالي مستحضرا حسن سير المرفق العمومي يكون قد أخل بشكل ضمني وجزئي بحقوق الدفاع كما سيتبين ذلك في نصوص المسطرة المدنية التي تنظم مجال القضاء الاستعجالي، ذلك أن المادة 151 من قانون المسطرة المدنية التي حددت مسطرة البث في النوازل، نصت كذلك على أن إمكانية عدم استدعاء الأطراف من طرف القاضي إذا كانت حالة الاستعجال القصوى، (وهذا يعود إلى تقديره)، وهذا النص يستمد مشروعيته من مقتضيات المادة 152 من قانون المسطرة المدنية التي اعتبرت أن الأوامر الاستعجالية لا تبث إلا في الإجراءات الوقتية ولا تمس بما يمكن أن يقضي به في الجوهر، والنص مشروع الجهة لم يستوعب المجال المحدود للقضاء الاستعجالي، فمنحه مجموعة من الاختصاصات مما قد يشكل مساسا بحقوق الدفاع والمساواة بين الأطراف، بل أصبح مخلا بالضمانات الممنوحة لحسن إعمال مبدأ التدبير الحر، ليتحول القضاء من ضامن إلى معول في يد الوالي للانقضاض على اختصاصات الجهة أو لتطويقها أكثر بحجة شرعية القضاء في حماية استقلالية الجهة وفي وضعنا هذا فهو حق، فهو حق يراد به باطل.
وبغض النظر على موضوع المسطرة وحقوق الدفاع فإن المواضيع التي يمكن للوالي أو غيره إحالتها على القضاء تثير كثيرا من الالتباسات، إذ سنلاحظ أن المادة 23 من المشروع نصت على أنه في حالة انقطاع الرئيس على مزاولة مهامه يتم توجيه إعذار من الوالي له داخل أجل 7 أيام، وهو نفس الآجل الذي يمنح للموظفين في إطار الوظيفة العمومية، فإن إحالته على القضاء الاستعجالي يكون موضوعها المعاينة فقط دون البث في مدى شرعية القرار واحترامه لمبدأ التناسب الذي يمكن أن يكون موضوع دعوى عادية في إطار إلغاء القرارات الإدارية للوالي، والذي ستعرف عائقا كبيرا لكون القضاء الاستعجالي حينما يقبل المعاينة يصبح لها قوة إتباتية يصعب على قاضي الموضوع أن يناقشها أو يبعدها خاصة وأنها ستكون سند لمشروعية قرارات الرئيس وسيقوم القاضي بهذا الإجراء بصفته القاضي الاستعجالي، مما سيجعلنا أمام سؤال قانوني هل هذه المعاينة ستتم من خلال البث في المراسلات أو بطريقة أخرى؟.
ويبدو أن هناك خلط في هذا الاختصاص الممنوح للقضاء، لكون المعاينات هي التأكد من حالة مادية لوضع ما أو فعل معين يتم من خلال عناصر مادية يحرر حولها محضر وفي مدة زمنية معينة، والقضاء الاستعجالي حينما سيعاين هذه الحالة ليس له سوى الاطلاع فقط على الوثائق المدلى بها من طرف الوالي أو شهادة الشهود، في حين أن المعاينة هي حالة مادية تتم في زمن ومكان معينين ويجب أن تتم وفقا للفصل 148 من قانون المسطرة المدنية أو المادة 19 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، حيث تتم هذه المعاينات التي هي إثبات حال بشكل لا يمس بحقوق الأطراف، لكون هذه المعاينة المحتملة والتي قد تستند افتراضا على وثائق إدارية أو شهادة الشهود لابد أن تكون موضوع مناقشة تواجهية وافتحاص للوثائق ومدى جدية وسائل الإثبات وشرعيتها، وهي مسألة تتجاوز مفهوم المعاينة الذي هو أصلا نقل حالة واقعية من خلال تصور سطحي، خاصة وأننا أمام موضوع يهم مؤسسة دستورية لا يمكن أن نقرر استمرار رئيسها من عدمه من خلال إثبات حال دون مناقشة التفاصيل، فهل يمكن أن نحول معاينة رئيس المحكمة إلى تصرف قضائي بات في الموضوع لنلغي مركزا قانونيا دون مناقشة الأسباب والمسببات ودون احترام حقوق الدفاع و الاستماع إلى الأطراف؟ فهل يعتبر انتقال القاضي إلى مكتب الرئيس في غيابه ومعاينته فارغا مبررا لإقالة الرئيس؟ وبأي موجب يمكن أن يصبح الوالي والي أمر رئيس الجهة يأمره باتخاذ هذا الإجراء أو ذاك وإلا اعتبر في حالة انقطاع وتخلي عن مهامه؟ ذلك أن الانقطاع عن المهام الذي هو مغادرة غير قانونية للمنصب، هو تصرف يمتد في الزمن وله انعكاسات تنظيمية وسياسية ومؤسساتية وناتج عن موقف مسبق معبر عنه علنيا أو ضمنيا ويحتاج إلى مناقشات قانونية قصد البث فيه والتثبت من وجوده وامتداداه التنظيمي والزمني، بينما النص جاء مقتصرا ليقرر أنه مجرد المعاينة تنهي مهام الرئيس الذي ينتخب استنادا على عدة مراحل لنورط بعد ذلك الدولة في انتخابات جديدة.
إن هذا التوجه نحو القضاء الاستعجالي سيتم توظيفه بشكل مناقض لمفهوم القضاء الإداري نفسه، ذلك أن المادة 44 من النص التي منحت للوالي حق التعرض على نقطة في جدول الأعمال لعدم اختصاص المجلس البت فيها، هو تعرض على مرحلة تحضيرية والمبدأ العام في القضاء الإداري أنه يبت في القرارات النهائية بينما جدول الأعمال مجرد مرحلة تحضيرية لا ترقى إلى مستوى القرار لكونه قابلا للقبول أو الرفض ويحتاج إلى موافقة المجلس قبل أن تترتب عنه نتائج عملية، وبالتالي حق الاعتراض هذا يتسم بنوع من التحقير اتجاه مؤسسة المجلس الذي يمكن له ذاتيا وأثناء المناقشة للنقطة موضوع الاختلاف أن يلاحظ إشكالية الاختصاص ويقرر وجودها من عدمه وذلك قبل أن يدرج موضوعها، لكون مفهوم التدبير الحر ليس هو فقط إدارة الشؤون المادية، ولكن كذلك بلورة تصور عملي مشروع لمفهوم الاختصاصات من الناحية القانونية.
ولأن الاختصاص من القضايا التي تتسم بالخطورة وبالحساسية الدستورية فإن موضوعه لا يجب أن يبث فيه قاض من المحكمة الإدارية، لكونه تفسير وإعمال لنصوص قانون تنظيمي يجاور النص الدستوري بأقل درجة وأن تفسير هذا النص قد يتضارب بين محكمتين أو أكثر في ربوع المملكة، ولهذا اتجه البعض نحو منح هذا الاختصاص إلى الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى حتى يتم توحيد الاجتهاد فيما يهم إعمال النص التنظيمي وطنيا، ونعتقد أن هذا الاختصاص يجب أن يمنح وفقا للفصل 132 من الدستور إلى المحكمة الدستورية، لكوننا نشرع قانونا تنظيميا يمكنه أن يمنح هذا الاختصاص إلى المحكمة الدستورية.
إن اختصاص القضاء الاستعجالي سيعطى له حجم سياسي يتجاوز قدراتها الوطنية خاصة من خلال المادة 76 من مشروع قانون الجهة حين نصت على مبدأ الحلول، و هنا تطرح إشكالية كبرى لها خطورتها و دلالتها، لكون النص يتكلم على امتناع المجلس على القيام بالأعمال المنوطة به، و هذه الجملة لها دلالات مختلفة و قد يكون فعل الامتناع نهائيا، و قد يكون هذا الامتناع ناتج عن الاختلاف حول طبيعة القرار أي (اختلاف حول سير مجلس الجهة)، ذلك أن الوالي يمكنه أن يحور و يحول الخلاف حول طبيعة القرار المرتبط بالاختصاص إلى صورة من صور الامتناع، و هكذا يتم توظيف النص عند الاختلاف بتكييفه امتناعا، أي أن الوالي عندما يختلف مع رئيس الجهة في موضوع معين يحوله إلى امتناع و يحل بقوة القانون محل رئيس مجلس الجهة، وهذا الفعل يخل بالقيمة الدستورية لمفهوم الجهوية، بل إنه يضرب في العمق توازن السلط والنسق الدستوري، وإذاك سيتم ضرب مبدأ التدبير الحر و استقلالية المؤسسة والمبدأ الدستوري للجهوية، وهذا الخلاف قد تكون له تشعبات و معطيات تدبيرية معقدة، إلا أن النص قرر أن يمنح اختصاص البث في ذلك إلى القاضي الاستعجالي، و سيكون على هذا الأخير في هذه الحالة الالتزام بفحص طلب الوالي، هل هو ناتج عن امتناع الرئيس أم عن اختلاف في الرؤى و في طبيعته و في شكل تنفيذ القرار موضوع الخلاف؟ فنورط القضاء في نقاش سياسي و خلافات تدبيريه لها خلفيات سياسية وذات لبوس قانوني، في حين القاضي محاصرا بالجواب عن سؤال فريد و هو : هل هناك إخلال بالسير العادي للمرفق نتج عنه مساس بمصالح المواطنين مما يجعله في موقع الحكم الذي يقرر من هي الجهة المسؤولة؟ فإما أن يكون الوالي فيرفض له الطلب أو يكون رئيس المجلس ويقضي بالحلول، وهذه الأخيرة صعبة المراس لكون الممارسة الديمقراطية الجهوية قد تكون ضحية دكتاتورية الحلول.
إن الانتقال إلى الاختصاصات التي منحها المشروع لقضاء الموضوع لا خلاف معها إلا من حيث مدى إيجابية إحالة النوازل على القضاء الإداري دون الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى أو المحكمة الدستورية حسب الحالة، و نعتقد أن تحديد المدة الزمنية للقاضي قصد البث في النزاع تنم على نوع من المساس باستقلاليته بناء على قناعته، لأن إلزام القاضي في الخضوع إلى عنصر الزمن المنصوص عليه قانونا قد يكون على حساب جودة الأحكام وعدالتها، ذلك أنه بتفحصنا للمادة 54 من مشروع قانون الجهة نجد أنه في موضوع التجريد أو العزل حدد للقضاء آجالات محدودة لأنها مسطرة، علما أن قاضي الموضوع هو من له هذا التقدير و لا يمكن القول في نفس النص أن للمحكمة حق تقدير حالة الاستعجال من عدمها، حتى لا تكون منفذا للمساس بحقوق الدفاع وإعمال مبدأ التواجهية.
كما أن المادة 71 من نفس المشروع منحت آجال شهر لعزل أعضاء المكتب وسحب التفويضات، ونفس الشيء تنص عليه المادة 75 بالنسبة لحل المجلس وإن لم تحدد آجلا لذلك، وأعتقد أنه فيما يخص حل المجلس فهو موضوع له خطورته ونتائج قانونية على المسار السياسي للدولة، لذلك يتعين إحالة هذا النزاع على الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى وفق أسباب محددة.
وعليه يتبين أن العلاقة بين القضاء والمجلس الجهوي في حقيقتها وسيلة بين يدي الوالي وليست ضمانة للمجلس كما يريد أن يوحي البعض، مما يتعين إعادة النظر في إعمال القضاء الاستعجالي منه و قضاء الموضوع، ليكونا وسيلة للإنصاف ولحسن إعمال القانون ولحماية للمسار الديمقراطي الجهوي وكذلك لعامل التوازن بين سلطة انتخابية جهوية في شخص المجلس ورئيسه من جهة وسلطة تنظيمية جهوية في شخص الوالي الذي ليس سوى ممثلا للسلطة التنفيذية للحكومة والتنظيمية لرئيسها من جهة أخرى، وأن تنصيص المشروع على اختصاصات القضاء وعلى شكل ممارسة مهامه يتسم بكثير من التحايل اللغوي الذي قد يخل بدور القضاء واستقلاليته ودوره في حماية المؤسسات والإعمال السليم للقانون وحسن تطبيق الدستور.
إن الحكم على طبيعة دور القضاء في مجال اشتغال الجهة يتم بكثير التحريف التشريعي، لكون مهام القضاء كان يجب أن تتم وفقا لدعم الجهة وحمايتها والحفاظ على وجودها وطرق استمراريتها وتقوية ركائزتها وضمان استقلاليتها، وليس أن يكون بوابة لتدبير الجهة من الداخل.
إن هذا الانحراف التشريعي يثير كثيرا من المخاوف حول استقلالية القضاء وحول وحدة تفسير النصوص القانونية من طرف القضاء الإداري عند البث في النوازل، وسنعاين هذا عمليا عند ما تصارع الجهة في توسيع مجال اشتغالها ورغبة المركز من خلال الوالي في تقزيم دور الجهة، خاصة إذا كان هناك اختلاف في الانتماء في ما يدير الجهة و من يدير السلطة التنفيذية، أي بمعنى آخر سيكون هناك اختلاف في البرامج وحتى في التصورات ولأن الجهة جزء من مكونات تنفيذ السياسات العامة، سنلاحظ أن بعض الجهات المنتمية لنفس التيار المهمين على السلطة التنفيذية ستعيش وضعا مريحا بينما بعض الجهات التي تنمي إلى أحزاب ذات برامج مختلفة ستعيش وضعيتين، وضعية المكتوب الملزمة به قانونا ووضعية الممارس الذي يرغب في تنفيذ برنامج حزبه جهويا، لذلك يجب التفكير في آلية تعلو الجميع وتضمن التوازن وتعالج الاختلالات من خلال التحكيم وهي سلطة جلالة الملك في إطار مؤسساتي تنظيمي ليس سوى المجلس الأعلى للجهات تحت رئاسة جلالته وسنتطرق للموضوع في وقت آخر.