مقدمة:
التوثيق العصري هو الذي يبين عناصر كل اتفاقية ، وينظم سيرها ويرشد إلى المكملات التي تضمن استمرار أثر مفعولها وتحسم مادة النزاع بين أطرافها،فهو وسيلة لإثبات الحقوق الشخصية وكسب الحقوق العينية بمختلف أنواعها، وحفظ أسرار الناس ونقل ملكية بعضهم البعض بالطرق المشروعة ، وبالتالي فان التوثيق العصري له قواعد تبين لكل عاقد ماله من حقوق وما عليه من واجبات للمتعاقدين .
ويعتبر عقد الحماية المبرم بين المغرب وفرنسا في 30 ماي 1913 بداية التغيير والتطور في ظهور معالم هذا النظام الذي عُرف في البداية بالتوثيق الفرنسي ، و الذي لَقِيَ من العدول الموثقين مقاومة شديدة على اعتبار أن الموثقين كانوا يعملون بالتنافس مع العدول غداة الاستقلال في 8مارس 1956 في مادَتي الأحوال الشخصية والميراث الإسلامي والمعاملات في العقار الغير المحفظ ، إلى حين صدور قانون 5 يناير 1965 ( قانون توحيد وتعريب ومغربة القضاء ) ، حيث أصبح يحمل اسم التوثيق العصري مع احتفاظه بالاختصاص النوعي التالي :
القانون الدولي الخاص .
تأسيس التسيير القانوني وتغيير شركات الأشخاص والأموال .
المعاملات في العقار المحفظ أو الذي هو في طور التحفيظ العقاري .
فما هي قواعد مهنة التوثيق ؟ وما هي الحدود الممكنة للرقي بهذه المهنة؟ وهل مزاولة هذه المهنة مازالت محصورة في أشخاص محددين أم أنها توسعت لتشمل فئات أخرى ؟ وماهي شروط الالتحاقبمهنة التوثيق؟ وماهي حقوق و التزامات الموثق ؟ وما هي وضعية الأموال المودعة في ديوان الموثق ؟ وما هي القيمة القانونية للوثائق الرسمية التي يُحَرِرُها الموثق ؟
هذه كلها إشكالات سنحاول التطرق إليهامن خلال ظهير 22نونبر 2011، وعليه ارتأينا أن نقسم عرضنا هذا إلى مبحثين على الشكل التالي :
المبحث الأول : القواعد العامة لمهنة التوثيق وفق ظهير 22 نونبر 2011 :
المبحث الثاني : وضعية الأموال المودعة عند الموثق والحجية القانونية للوثائق الرسمية :
*المبحث الأول :للقواعد العامة لمهنة التوثيق وفق ظهير 22 نونبر 2011 :
مما لاشك فيه أن القانون الجديد للتوثيق قد جاء بمجموعات من المستجدات ترمي إلى الرقي بالمهنة وذل من خلال تحديد شروط الالتحاق بالمهنة ( المطلب الأول ) ، واختصاصات الموثق ( المطلب الثاني ) .
المطلب الأول : شروط الالتحاق بمهنة التوثيق العصري :
من أجل الظفر بمهنة التوثيق اشترط المشرع مجموعة من الشروط، حيث سمح لأول مرة لفئات جديدة من أجل الولوج لهذه المهنة بعدما أن كانت محصورة في فئات بعينها ،على المرشح استيفاء شروط متعددة للالتحاق بمهنة التوثيق تتعلق خاصة بالجنسية الفرنسية والسن وحسن الأخلاق والسلوك والكرامة والكفاءة المهنية حسب الفقرة السابعة من الفصل الثاني من ظهير 4 ماي 1925 المتعلق بمهنة التوثيق العصري , والصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 23 يونيو 1925 .
لكن يجب لفت الانتباه إلى أن هذه الشروط أصبح غير معمول بها الآن بالمغرب , إذ يكفي أن يكون المرشح حاصل على الإجازة في الحقوق – شعبة القانون الخاص – وباللغة الفرنسية ( مع عدم إقصاء المجازين في الحقوق بالغة العربية , الراغبين في ولوج هذه المهنة ) وأن يحصل على الموافقة من عند أحد الموثقين لقضاء فترة التدريب بمكتبه .
أما القانون الجديد[1] ، فقد نصت المادة 2 بأنه يتقيد الموثق في سلوكه المهني بمبادئ الأمانة و النزاهة والتجرد والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة، كما أن المادة 3 من هذا القانون نصت على الشروط الآتية :
وهي أن يكون الشخص الذي يود الولوج لهذه المهنة أن يكون مغربيا وبالغا من العمر 23 سنة على ألا يتجاوز 45 سنة باستثناء المحافظون ومفتشو إدارة الضرائب وقدماء القضاة وقدماء المحامين وأساتذة التعليم العالي.
والرأي فيما نرى بأن هذا السن المحدد في هذا القانون هو خروج عن سن الرشد القانوني كما هو محدد في جميع القوانين الوطنية وهو 18 سنة، وبذلك يستشف أن السن الرشد المنصوص عليه في قانون التوثيق هو خروج عن الإجماع القانوني الوطني ، وبذلك فإنه يعتبر تمييزا الذي لا طائل منه.
واشترطالقانون الجديد كذلك أن يكون الشخص الذي يود الانخراط في المهنة أن يكون حاصلا على الإجازة في الحقوق ومتمتعا بحقوقه المدنية والوطنية ومتمتعا بالقدرة اللازمة لممارسة المهنة، وغير محكوم عليه من أجل جناية أوجنحة ، واستثنى المشرع الجنح غير العمدية، وأن يكون الشخص غير صادر في حقه وفي إطار الوظيفة العمومية أو المهن الحرة عقوبات نهائية تأديبية أو إدارية بالإقالة أو التشطيب أو العزل أو الإحالة على التقاعد أو سحب الإذن أو الرخصة، فهل سحب رخصة السياقة من شأنه منع الشخص من الانخراط في مهنة التوثيق؟
فالأمر ممكن مادام أن هذه الفقرة جاءت عامة دون تقييد، واشترط المشرع كذلك أن يتم اجتياز مباراة الانخراط في مهنة التوثيق دون تحديد لنظام المباراة، إذ نصت الفقرة الأخيرة من المادة6 إلى أنه يحدد بنص تنظيمي نظام المباراة، وفي انتظار ذلك يجب الرجوع إلى ظهير 4ماي 1925 والذي نص على أنه
بعد حصول المرشح على شهادة الليسانس وحسب نص الفصل 6 من ظهير 4 ماي 1925 , وقبوله لقضاء فترة تدريب تطبيقي مهني بديوان أحد الموثقين لفترة تتراوح بين 4 و 6 سنوات غير مقطوعة أو بانقطاع لا يتعدى 3 أشهر، ثم اجتيازه لامتحانين مهنيين تطبيقيين :
الأول :ويسمى امتحان للحصول على صفة كاتب أول بعد سنتين على الأقل من التدريب .
وحسب الفقرة 2 من الفصل 10 يؤدى هذا الامتحان في شقيه الكتابي والشفوي أمام لجنة تتكون من قاضي لدى محكمة الاستئناف، يعينه الوكيل العام بموافقة موثقين اثنين من الرباط والبيضاء ، ونتيجة الاختبار يجب أن تصدر معللة بعد مداولة اللجنة المكلفة .
الثاني :ويسمى }الامتحان المهني{ وهو مفتوح بالخصوص وعلى سبيل التحديد والحصر لحاملي لقب " كاتب أول " أي حاملي شهادة الليسانس في الحقوق بالإضافة إلى شهادة مدرسة التوثيق .
ويؤدى هذا الامتحان أمام لجنة يترأسها قاضي برتبة رئيس غرفة استئنافية أو مستشار محكمة الاستئناف يعينه الرئيس الأول لهذه المحكمة الذي يشرف بنفسه عليها وكذا موثقين اثنين أحدهما من الرباط والثاني من الدار البيضاء .[2]
وتتلخص موضوعات الامتحانات فيما يلي :
الأول :عبارة عن اختبار تطبيقي كتابي , يحرر المرشح خلاله عقدين توثيقيين ، يتعلق موضوعه بالنظام القضائي والإداري للمملكة، وكذا تشريع التسجيل والتنبر ونظام تحفيظ الملكية العقارية بالمحافظة على الأملاك العقارية والرهون .
الثاني : عبارة عن اختبار شفاهي على شكل عروض تفسيرية وتحليلية لمعرفة مخزون المعلومات القانونية والمعرفية لدى المرشح . ويجب التنبيه إلى أن الامتحان الشفوي دقق على ضرورة أن يكون موضوعه يدور حول المعارف القانونية التي لها علاقة مباشرة بمهنة التوثيقالعصري .
وبقيت الإشارة إلى أنه يعفى من التمرين ومن الامتحان كل من موظفي التسجيل والمفتشين الأساسين للإدارة والمفتشين المساعدين الذين مارسوا على الأقل 6 سنوات من العمل وكذا المحافظين ونوابهم.
أما الموثقون الذين سبق لهم أن مارسوا المهنة خارج المملكة فلا يتوجب عليهم إلا قضاء فترة تمرين لمدة 6 أشهر لدى ديوان موثق من الرباط أو الدار البيضاء يعينه لهم الوكيل العام .
وقبل الشروع في الممارسة يتعين على كل موثق أداء اليمين القانونية أمام المحكمة الابتدائية أو أمام محكمة الاستئناف لمقر ديوانه، كما يتعين عليه إيداع نموذج إمضاء والأحرف الأولى المصغرة ( الفصل السادس من ظهير 4 ماي 1925 ) . [3]
وقد أعفى القانون الجديد من المباراة المحافظون من الأملاك العقارية الحاصلون على الإجازة في الحقوق والذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة لمدة لا تقل عن 10 سنوات ، ومفتشو إدارة الضرائب المكلفون بالتسجيل الحاصلون على الإجازة في الحقوق، والذين زاولوا مهامهم كذلك بهذه الصفة لمدة لاتقل عن 10 سنوات، أي 10 سنوات فأكثر، قدماء القضاة من الدرجة الأولى ، فما المقصود بقدماء القضاة؟
هل قصد القانون الجديد بأنه يتم الاختيار فيما بين القضاة من الدرجة الأولى ، حيث يكون أقدمهم هو لمن له الحق في ولوج هذه المهنة؟
إذا كان القانون الجديد نص بصراحة على المدد الكافية لولوج المهنة بالنسبة للفئات السالفة الذكر ، فإنه بالنسبة لفئات القضاة والمحامون قد أضفى عليهم صفة القدماء ، فهل قصد هذا القانون بالقدماء من اللذين زاولوا 10 سنوات بصفتهم قضاة من الدرجة الأولى أم بصفتهم محامون مقبولين للترافع أمام المجلس الأعلى، أم 15 سنة كما هو الشأن بالنسبة لأساتذة التعليم العالي.
وقد أعفى المشرع هذه الفئات من المباراة، ولكن لم يعفهم من التمرين، ولا ندري ما القيمة المضافة التي يمكن أن يكتسبها هؤلاء من التمرين، مادام هؤلاء قد مارسوا وتمرسوا على التوثيق ونظروا له، فأي فائدة يمكن أن يجنيها من جلوسهم سنة من أجل التمرين؟؟؟
وجدير بالإشارة إلى أنه ثم إحداث الغرفة الوطنية للتوثيق العصري , ثم تضمن القانون الجديد وإعادة التنظيم إحداث هيئة يطلق عليها اسم الهيئة الوطنية للموثقين التي أنيطت به مهمات اختصاصات تأديبية وتمثيلية ، وذلك من المادة 97 إلى المادة 104 ، كما تم التنصيص على هيئتين الأولى تسمى المجلس الوطني ويكون مقرها بالرباط والثانية تسمى المجالس الجهوية للموثقين على صعيد دائرة محكمة الاستئناف أو أكثر.
المطلب الثاني: حقوق والتزامات الموثقين :
جاء في المادة 15 من قانون التوثيق الجديد بأن للموثق الحق في أتعاب يحدد مبلغها وطريفة استيفائها.
كما أعطت المادة17 الحق للموثق التغيب إذا عاقه عائق , شريطة أن لا تتعدى المدة 15 يوما على أن يقوم بإشعار المجلس الجهوي للموثقين والوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف ، وإذا كان الموثق مضطرا للتغيب لأكثر من 15 يوما، عين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف المعين بدائرة نفوذها بناء على ملتمسه موثقا أخر للنيابة عنه.
الترقية والتقاعد
لا يشير نظام التوثيق بالمغرب كما هو الحال كذلك بالنسبة للتشريعات التوثيقية الأوربية على أي مراقبة تأييم المعلومات المعرفية للموثق المعين , إذ يبقى على الموثق أن يعمل جاداً على مستوى المعلومات الوطنية والدولية لتحسينها وتطويرها بالمزيد من الاطلاع والتأييم والبحث من أجل إنجاز عمل أكثر فاعلية وجودة .
وقد كان قد نص الفصل 18 من ظهير التوثيق العصري المعدل بمقتضيات ظهير 16 فبراير 1937 على إمكانية ترقية الموثق حيث أقر ضمنياً "لا يمكن تسمية أي موثق في ديوان أكثر مردودية أو تغيير ديوان بناءً على طلبه , إلا بعد إبداء رأي لجنة مختصة " .
كما أنه لا يتمتع الموثق بأي نظام إجباري للضمان ضد الأمراض ولا على حد أقصى للسن من أجل الإحالة على التقاعد باستثناء تحديد السن الأدنى لمزاولة مهنة التوثيق العصري والمحدد في 23 سنة بعدما كان محددا في 25 سنة كاملة في القانون الملغى.
أما أهم الالتزامات التي يتحمل بها الموثق العصري هي أموال الغير المودعة لديه , بحيث لا يمكن للموثق بالمغرب أن يحتفظ في ديوانه إلا بالأموال المتعلقة بنشاط وظيفته , وعلى وجه التحديد بعقود توثيقية تلقاها أو حررها أو التي هي في طور ذلك , كما يجب عليه ألا يسلم ثمن البيع للبائع إلا بعد إتمام البيع وتقييد السجلات العقارية في المحافظة باسم المشتري والحصول على إيراد ضرائبي جبائي نهائي .
والموثق يبقى مسئولا شخصيا وماليا عن الأضرار الناجمة عن أخطاء ه وأخطاء معاونيه ومتمرنيه , ويلزمه التأمين عن هذه المسؤولية، ويبرم الموثق عقد التأمين قبل الشروع في ممارسة مهامه، ويلزم بالإدلاء كل سنة بما يفيد استمرار اكتتابه فيه تحت طائلة المتابعة التأديبية ويحدد بنص تنظيمي الحد الأدنى للتأمين ، وقد كان القانون الملغى قد أقر لهذه الغاية صندوقا يسمى أموال التأمين , يمول باقتطاع نسبة %5من الأموال المدفوعة من طرفه لخزينة الدولة طبقا للفصل 39 من ظهير 4 ماي1925 .
كما جعل المشرع من الوثيقة التي يحررها الموثق تكتسب صفة الرسمية والحجية القانونية بمجرد تحريرها ، وهكذا فقد نصت المادة 48 من قانون التوثيق الجديد على أنه تكون للعقود والمحررات التي ينجزها الموثق وفقا لمقتضيات هذا القانون الصبغة الرسمية المقررة في قانون الالتزامات والعقود.
وتجدر الإشارة إلى أن أهم ماجاء به هذا القانون وهو أنه تحرر العقود والمحررات باللغة العربية وجوبا ، إلا أن المشرع ما أطاه باليد اليمنى سحبه باليد اليسرى ، حيث سمح للأطراف من اختيار تحريرها بلغة أخرى، وبذلك فإن المشرع في المادة 42 قد أفرغها من محتواها، وبالتالي فإن التنصيص على وجوب تحرير العقودباللغة العربية مجرد ذر الرماد في العيون مادام أن جل الموثقين يحررون العقود باللغة الفرنسية.
مما لاشك فيهأن مسطرة المراقبة القانونية من أهم المساطر في عمل الموثقين العصريين، ولعل أهميتها تستوجبُها المصالح التي يؤتمن عليها الموثقين , ومن ناحية أخرى مقرونة بالعديد من الجزاءات التي تكون كعقوبة على الإخلال والتهاون بهذه المسطرة .
ومسطرة المراقبة متعددة الأوجه فمنها ما يقوم به أعوان التفتيش العام من وزارة المالية بحيث يحق لهم أن يتحققوا من محاسبة كل موثق بمراجعة الملفات , من حيث صحتها والرسوم المؤداة عنها , ومن أجل سير هذه الرقابة في أحسن الظروف لهؤلاء الأعوان المطالبة بإحضار كافة الحجج اللازمة لسير التحقيق والتأكد من سلامة المحررات .
وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن المراقبة لها وجهين : مراقبة قانونية وأخرى مراقبة مالية ، كما يعود الاختصاص بهذه المراقبة لجهتين مختلفتين ،وعمل كل جهة مرتبط بعملالأخرى، وتظهر المراقبة بصورة قانونية وفعلية من خلال عمل النيابة العامة والتي تقوم بمراقبة العقود من حيث احترام الشروط، وهناك مراقبة ثانية تقوم بها وزارة المالية في صورة تفقدية لمكاتب الموثقين العصريين، في كل مرة يصل إلى علمها وقوع مخالفة ما .
ويجب التنبيه أن وزارة المالية لا يمكن لها القيام بهذه العملية إلا بعد الحصول على إذن بذلك ، ورفقة رئيس المجلس الجهوي، ويجب التأكيد أن هذه الوزارة لا تراقب إلا الأمور المالية كمدى التزام الموثق بأداء الضرائب المترتبة عن العقود ، وكذا بمدى التزامه بتسجيل العقود التي يبرمها في سجلاته.
ومن بين الإجراءات القانونية التي اقرها المشرع لحماية الأطراف المتعاقدة، و زجرا بالمقابل للموثقين المخلين بالتزاماتهم ما ذكره المشرع على سبيل الحصر، إذ قسم العقوبات إلى عقوبات من درجة تصدرها اللجنة المشار إليها في المادة 11 من قانون التوثيق الجديد المثارة تلقائيا من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعين بدائرة نفوذها الموثق طبقا للمادة 73 من قانون التوثيق .
وهناك عقوبات تصدر بناء على ملتمس يقدم من طرف رئيس المجلس الجهوي إلى الوكيل العام للملك.
*المبحث الثاني : وضعية الأموال المودعة عند الموثق والحجية القانونية للوثائق الرسمية
المطلب الأول : حياة ديوان الموثق ووضعية الأموال عنده :
يصعب تحديد عدد أو نسبة متوسطة للمساعدين في الحياة اليومية لديوان التوثيق ، وقد أقر ت المادة 59 الموثق من الاشتراك مع موثقين آخرين إذا كانوا معينين في نفس دائرة نفوذ محكمة الاستئناف، ولا يجوز أن تكتسي هذه المشاركة شكل شركة تجارية.
إن الموثق في المغرب وكما هو الحال عليه في فرنسا لا يحق له سوى الاحتفاظ في ديوانه على الأموال المتعلقة الخاصة بنشاط وظيفته وخاصة تلك العقود التوثيقية التي تلقاها وحررها، ولهذا فلا يحق له أن يسلم ثمن البيع للبائع إلا بعد إتمام البيع وتقييده في السجلات العقارية في المحافظة باسم المشتري .
وتطبق بالمغرب نفس القواعد المتواجدة في هذا الصدد بمختلف تشريعات الدول الغربية، وهكذا تخضع العقود التوثيقية لواجبات التسجيل وتقيض عليها كذلك ما يسمى بــــ الرسوم التوثيقية وهومحدد حسب جدول أقرته الدولة ، وهورسم إجباري على الجميع وبالتالي يستبعد أي ممارسة للمنافسة بين الموثقين العصريين، هذا نظرياً وان كان من الناحية التطبيقية نجد بعض الموثقين وخاصة المبتدئين منهم لا يلتزمون بهذا الرسم الإجباري وذلك بهدف كسب مزيد من الزبناء .
المطلب الثاني : الحجية القانونية للوثائق الرسمية وأنواعها :
للمتعاقدين كل الحرية في الاختيار بين العقد التوثيقي الرسمي والعقد العرفي ، واختيارهم للعقد الرسمي قد يكون أساساً بدافع إضفاء الصبغة الرسمية على اتفاقهما لتكون له القوة القاهرة، وهذا ما يؤكده الفصل 419 من قانون الالتزامات والعقود الذي نص بأنه : " الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره، وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور . "
وهنا تظهر القيمة الحقيقية للوثائق التي يحررها الموثق، فقد جاء في المادة 48 على أنه تكون للعقود و المحررات التي ينجزها الموثق وفقا لمقتضيات هذا القانون الصبغة الرسمية المقررة في قانون الالتزامات والعقود، وهذا ما نص عليه الفصل21 من ظهير 4 ماي 1925الملغى على أنه" لا يتعين لصلاحية عقد توثيقي الحاجة إلى موثق ثاني " .
وتحرير الوثائق من طرف الموثقين العصريين يمكن التمييز فيه بين إجراءين، التلقي الانفرادي ومسطرة تلقي الإشهاد .
وخلافاً للتوثيق العدلي حيث يتلقى الإشهاد عدلان ويخاطب عليه قاضالتوثيق، فان الإشهاد في التوثيق العصري يقع من طرف موثق واحد، وبدون أي مراقبة قضائية باستثناء الوثيقة التي يحررها الموثق من أجل تقديمها لسلطات بلد أخر، حيث لابد من المصادقة عليها من طرف النيابة العامة ومصالح وزارة الخارجية .
ويعمل بهذه الوثائق كوثائق رسمية بنص القانون ولا يطعن فيها إلا بالزور .
ويحرر العقد تحت مسؤولية الموثق دون انقطاع أو بشر أو إصلاح في صلبه أو إقحام أو كتابة بين السطور أو إلحاق أو تشطيب أو تر بياض باستثناء مايفصل الفقرات والبنود، وفي هده الحالة يوضع خط على البياض.
وترقم جميع الصفحات ويشار إلى عددها في أخر العقد، ويجب تصحيح الأخطاء والإغفالات بواسطة إحالات تدون إما في الهامش أو في أسفل الصفحة طبقا للمادة 41 من قانون التوثيق الجديد.
خاتمة:
أصبح تأثير الوظيفة التوثيقية ذو أهمية قصوى، حتى أن المتعاقدين وكذا محافظو الأملاك العقارية قد أصبحوا يدقون بجرأة وفي كل المناسبات الرسمية والندوات التعريفية ناقوس الخطر من الكوارث المتعددة الناجمة عن إبرام المحررات العرفية والتي تحوم خاصة حول :
أغلاط متصاعد ومتعمدة أو عن سهو .
غياب كامل لمسؤولية محرريها .
قلة في محتواها .
ولذلك يتعين في كل عقد ذا صبغة عقارية يخضع للنشر في السجلات العقارية أن يتلقى ويحرر على الشكل الرسمي .
وكل عقود الحياة القانونية للشركات يتعين نشرها في السجلات التجارية والعقارية أن تضاف لعقد يعاين إيداعها من ضمن أصول عقود موثق .
الهوامش
[1] ظهير شريف رقم 179.11.1 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 الموافق 22 نونبر 2011 بتنفيذ القانون رقم 09.32 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998.27 ذي الحجة 4132 الموافق 24 نوفمبر 2011 ص 5611.
[2] - ظهير 4 ماي 1925 المنظم لمهنة التوثيق العصري .
[3]- الحسين الصفريوي . الوجيز في قانون وظيفة التوثيق العصري دون ذكر الطبعة والمطبعة، ص 213 .
التوثيق العصري هو الذي يبين عناصر كل اتفاقية ، وينظم سيرها ويرشد إلى المكملات التي تضمن استمرار أثر مفعولها وتحسم مادة النزاع بين أطرافها،فهو وسيلة لإثبات الحقوق الشخصية وكسب الحقوق العينية بمختلف أنواعها، وحفظ أسرار الناس ونقل ملكية بعضهم البعض بالطرق المشروعة ، وبالتالي فان التوثيق العصري له قواعد تبين لكل عاقد ماله من حقوق وما عليه من واجبات للمتعاقدين .
ويعتبر عقد الحماية المبرم بين المغرب وفرنسا في 30 ماي 1913 بداية التغيير والتطور في ظهور معالم هذا النظام الذي عُرف في البداية بالتوثيق الفرنسي ، و الذي لَقِيَ من العدول الموثقين مقاومة شديدة على اعتبار أن الموثقين كانوا يعملون بالتنافس مع العدول غداة الاستقلال في 8مارس 1956 في مادَتي الأحوال الشخصية والميراث الإسلامي والمعاملات في العقار الغير المحفظ ، إلى حين صدور قانون 5 يناير 1965 ( قانون توحيد وتعريب ومغربة القضاء ) ، حيث أصبح يحمل اسم التوثيق العصري مع احتفاظه بالاختصاص النوعي التالي :
القانون الدولي الخاص .
تأسيس التسيير القانوني وتغيير شركات الأشخاص والأموال .
المعاملات في العقار المحفظ أو الذي هو في طور التحفيظ العقاري .
فما هي قواعد مهنة التوثيق ؟ وما هي الحدود الممكنة للرقي بهذه المهنة؟ وهل مزاولة هذه المهنة مازالت محصورة في أشخاص محددين أم أنها توسعت لتشمل فئات أخرى ؟ وماهي شروط الالتحاقبمهنة التوثيق؟ وماهي حقوق و التزامات الموثق ؟ وما هي وضعية الأموال المودعة في ديوان الموثق ؟ وما هي القيمة القانونية للوثائق الرسمية التي يُحَرِرُها الموثق ؟
هذه كلها إشكالات سنحاول التطرق إليهامن خلال ظهير 22نونبر 2011، وعليه ارتأينا أن نقسم عرضنا هذا إلى مبحثين على الشكل التالي :
المبحث الأول : القواعد العامة لمهنة التوثيق وفق ظهير 22 نونبر 2011 :
المبحث الثاني : وضعية الأموال المودعة عند الموثق والحجية القانونية للوثائق الرسمية :
*المبحث الأول :للقواعد العامة لمهنة التوثيق وفق ظهير 22 نونبر 2011 :
مما لاشك فيه أن القانون الجديد للتوثيق قد جاء بمجموعات من المستجدات ترمي إلى الرقي بالمهنة وذل من خلال تحديد شروط الالتحاق بالمهنة ( المطلب الأول ) ، واختصاصات الموثق ( المطلب الثاني ) .
المطلب الأول : شروط الالتحاق بمهنة التوثيق العصري :
من أجل الظفر بمهنة التوثيق اشترط المشرع مجموعة من الشروط، حيث سمح لأول مرة لفئات جديدة من أجل الولوج لهذه المهنة بعدما أن كانت محصورة في فئات بعينها ،على المرشح استيفاء شروط متعددة للالتحاق بمهنة التوثيق تتعلق خاصة بالجنسية الفرنسية والسن وحسن الأخلاق والسلوك والكرامة والكفاءة المهنية حسب الفقرة السابعة من الفصل الثاني من ظهير 4 ماي 1925 المتعلق بمهنة التوثيق العصري , والصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 23 يونيو 1925 .
لكن يجب لفت الانتباه إلى أن هذه الشروط أصبح غير معمول بها الآن بالمغرب , إذ يكفي أن يكون المرشح حاصل على الإجازة في الحقوق – شعبة القانون الخاص – وباللغة الفرنسية ( مع عدم إقصاء المجازين في الحقوق بالغة العربية , الراغبين في ولوج هذه المهنة ) وأن يحصل على الموافقة من عند أحد الموثقين لقضاء فترة التدريب بمكتبه .
أما القانون الجديد[1] ، فقد نصت المادة 2 بأنه يتقيد الموثق في سلوكه المهني بمبادئ الأمانة و النزاهة والتجرد والشرف وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة، كما أن المادة 3 من هذا القانون نصت على الشروط الآتية :
وهي أن يكون الشخص الذي يود الولوج لهذه المهنة أن يكون مغربيا وبالغا من العمر 23 سنة على ألا يتجاوز 45 سنة باستثناء المحافظون ومفتشو إدارة الضرائب وقدماء القضاة وقدماء المحامين وأساتذة التعليم العالي.
والرأي فيما نرى بأن هذا السن المحدد في هذا القانون هو خروج عن سن الرشد القانوني كما هو محدد في جميع القوانين الوطنية وهو 18 سنة، وبذلك يستشف أن السن الرشد المنصوص عليه في قانون التوثيق هو خروج عن الإجماع القانوني الوطني ، وبذلك فإنه يعتبر تمييزا الذي لا طائل منه.
واشترطالقانون الجديد كذلك أن يكون الشخص الذي يود الانخراط في المهنة أن يكون حاصلا على الإجازة في الحقوق ومتمتعا بحقوقه المدنية والوطنية ومتمتعا بالقدرة اللازمة لممارسة المهنة، وغير محكوم عليه من أجل جناية أوجنحة ، واستثنى المشرع الجنح غير العمدية، وأن يكون الشخص غير صادر في حقه وفي إطار الوظيفة العمومية أو المهن الحرة عقوبات نهائية تأديبية أو إدارية بالإقالة أو التشطيب أو العزل أو الإحالة على التقاعد أو سحب الإذن أو الرخصة، فهل سحب رخصة السياقة من شأنه منع الشخص من الانخراط في مهنة التوثيق؟
فالأمر ممكن مادام أن هذه الفقرة جاءت عامة دون تقييد، واشترط المشرع كذلك أن يتم اجتياز مباراة الانخراط في مهنة التوثيق دون تحديد لنظام المباراة، إذ نصت الفقرة الأخيرة من المادة6 إلى أنه يحدد بنص تنظيمي نظام المباراة، وفي انتظار ذلك يجب الرجوع إلى ظهير 4ماي 1925 والذي نص على أنه
بعد حصول المرشح على شهادة الليسانس وحسب نص الفصل 6 من ظهير 4 ماي 1925 , وقبوله لقضاء فترة تدريب تطبيقي مهني بديوان أحد الموثقين لفترة تتراوح بين 4 و 6 سنوات غير مقطوعة أو بانقطاع لا يتعدى 3 أشهر، ثم اجتيازه لامتحانين مهنيين تطبيقيين :
الأول :ويسمى امتحان للحصول على صفة كاتب أول بعد سنتين على الأقل من التدريب .
وحسب الفقرة 2 من الفصل 10 يؤدى هذا الامتحان في شقيه الكتابي والشفوي أمام لجنة تتكون من قاضي لدى محكمة الاستئناف، يعينه الوكيل العام بموافقة موثقين اثنين من الرباط والبيضاء ، ونتيجة الاختبار يجب أن تصدر معللة بعد مداولة اللجنة المكلفة .
الثاني :ويسمى }الامتحان المهني{ وهو مفتوح بالخصوص وعلى سبيل التحديد والحصر لحاملي لقب " كاتب أول " أي حاملي شهادة الليسانس في الحقوق بالإضافة إلى شهادة مدرسة التوثيق .
ويؤدى هذا الامتحان أمام لجنة يترأسها قاضي برتبة رئيس غرفة استئنافية أو مستشار محكمة الاستئناف يعينه الرئيس الأول لهذه المحكمة الذي يشرف بنفسه عليها وكذا موثقين اثنين أحدهما من الرباط والثاني من الدار البيضاء .[2]
وتتلخص موضوعات الامتحانات فيما يلي :
الأول :عبارة عن اختبار تطبيقي كتابي , يحرر المرشح خلاله عقدين توثيقيين ، يتعلق موضوعه بالنظام القضائي والإداري للمملكة، وكذا تشريع التسجيل والتنبر ونظام تحفيظ الملكية العقارية بالمحافظة على الأملاك العقارية والرهون .
الثاني : عبارة عن اختبار شفاهي على شكل عروض تفسيرية وتحليلية لمعرفة مخزون المعلومات القانونية والمعرفية لدى المرشح . ويجب التنبيه إلى أن الامتحان الشفوي دقق على ضرورة أن يكون موضوعه يدور حول المعارف القانونية التي لها علاقة مباشرة بمهنة التوثيقالعصري .
وبقيت الإشارة إلى أنه يعفى من التمرين ومن الامتحان كل من موظفي التسجيل والمفتشين الأساسين للإدارة والمفتشين المساعدين الذين مارسوا على الأقل 6 سنوات من العمل وكذا المحافظين ونوابهم.
أما الموثقون الذين سبق لهم أن مارسوا المهنة خارج المملكة فلا يتوجب عليهم إلا قضاء فترة تمرين لمدة 6 أشهر لدى ديوان موثق من الرباط أو الدار البيضاء يعينه لهم الوكيل العام .
وقبل الشروع في الممارسة يتعين على كل موثق أداء اليمين القانونية أمام المحكمة الابتدائية أو أمام محكمة الاستئناف لمقر ديوانه، كما يتعين عليه إيداع نموذج إمضاء والأحرف الأولى المصغرة ( الفصل السادس من ظهير 4 ماي 1925 ) . [3]
وقد أعفى القانون الجديد من المباراة المحافظون من الأملاك العقارية الحاصلون على الإجازة في الحقوق والذين زاولوا مهامهم بهذه الصفة لمدة لا تقل عن 10 سنوات ، ومفتشو إدارة الضرائب المكلفون بالتسجيل الحاصلون على الإجازة في الحقوق، والذين زاولوا مهامهم كذلك بهذه الصفة لمدة لاتقل عن 10 سنوات، أي 10 سنوات فأكثر، قدماء القضاة من الدرجة الأولى ، فما المقصود بقدماء القضاة؟
هل قصد القانون الجديد بأنه يتم الاختيار فيما بين القضاة من الدرجة الأولى ، حيث يكون أقدمهم هو لمن له الحق في ولوج هذه المهنة؟
إذا كان القانون الجديد نص بصراحة على المدد الكافية لولوج المهنة بالنسبة للفئات السالفة الذكر ، فإنه بالنسبة لفئات القضاة والمحامون قد أضفى عليهم صفة القدماء ، فهل قصد هذا القانون بالقدماء من اللذين زاولوا 10 سنوات بصفتهم قضاة من الدرجة الأولى أم بصفتهم محامون مقبولين للترافع أمام المجلس الأعلى، أم 15 سنة كما هو الشأن بالنسبة لأساتذة التعليم العالي.
وقد أعفى المشرع هذه الفئات من المباراة، ولكن لم يعفهم من التمرين، ولا ندري ما القيمة المضافة التي يمكن أن يكتسبها هؤلاء من التمرين، مادام هؤلاء قد مارسوا وتمرسوا على التوثيق ونظروا له، فأي فائدة يمكن أن يجنيها من جلوسهم سنة من أجل التمرين؟؟؟
وجدير بالإشارة إلى أنه ثم إحداث الغرفة الوطنية للتوثيق العصري , ثم تضمن القانون الجديد وإعادة التنظيم إحداث هيئة يطلق عليها اسم الهيئة الوطنية للموثقين التي أنيطت به مهمات اختصاصات تأديبية وتمثيلية ، وذلك من المادة 97 إلى المادة 104 ، كما تم التنصيص على هيئتين الأولى تسمى المجلس الوطني ويكون مقرها بالرباط والثانية تسمى المجالس الجهوية للموثقين على صعيد دائرة محكمة الاستئناف أو أكثر.
المطلب الثاني: حقوق والتزامات الموثقين :
جاء في المادة 15 من قانون التوثيق الجديد بأن للموثق الحق في أتعاب يحدد مبلغها وطريفة استيفائها.
كما أعطت المادة17 الحق للموثق التغيب إذا عاقه عائق , شريطة أن لا تتعدى المدة 15 يوما على أن يقوم بإشعار المجلس الجهوي للموثقين والوكيل العام للملك لمحكمة الاستئناف ، وإذا كان الموثق مضطرا للتغيب لأكثر من 15 يوما، عين الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف المعين بدائرة نفوذها بناء على ملتمسه موثقا أخر للنيابة عنه.
الترقية والتقاعد
لا يشير نظام التوثيق بالمغرب كما هو الحال كذلك بالنسبة للتشريعات التوثيقية الأوربية على أي مراقبة تأييم المعلومات المعرفية للموثق المعين , إذ يبقى على الموثق أن يعمل جاداً على مستوى المعلومات الوطنية والدولية لتحسينها وتطويرها بالمزيد من الاطلاع والتأييم والبحث من أجل إنجاز عمل أكثر فاعلية وجودة .
وقد كان قد نص الفصل 18 من ظهير التوثيق العصري المعدل بمقتضيات ظهير 16 فبراير 1937 على إمكانية ترقية الموثق حيث أقر ضمنياً "لا يمكن تسمية أي موثق في ديوان أكثر مردودية أو تغيير ديوان بناءً على طلبه , إلا بعد إبداء رأي لجنة مختصة " .
كما أنه لا يتمتع الموثق بأي نظام إجباري للضمان ضد الأمراض ولا على حد أقصى للسن من أجل الإحالة على التقاعد باستثناء تحديد السن الأدنى لمزاولة مهنة التوثيق العصري والمحدد في 23 سنة بعدما كان محددا في 25 سنة كاملة في القانون الملغى.
أما أهم الالتزامات التي يتحمل بها الموثق العصري هي أموال الغير المودعة لديه , بحيث لا يمكن للموثق بالمغرب أن يحتفظ في ديوانه إلا بالأموال المتعلقة بنشاط وظيفته , وعلى وجه التحديد بعقود توثيقية تلقاها أو حررها أو التي هي في طور ذلك , كما يجب عليه ألا يسلم ثمن البيع للبائع إلا بعد إتمام البيع وتقييد السجلات العقارية في المحافظة باسم المشتري والحصول على إيراد ضرائبي جبائي نهائي .
والموثق يبقى مسئولا شخصيا وماليا عن الأضرار الناجمة عن أخطاء ه وأخطاء معاونيه ومتمرنيه , ويلزمه التأمين عن هذه المسؤولية، ويبرم الموثق عقد التأمين قبل الشروع في ممارسة مهامه، ويلزم بالإدلاء كل سنة بما يفيد استمرار اكتتابه فيه تحت طائلة المتابعة التأديبية ويحدد بنص تنظيمي الحد الأدنى للتأمين ، وقد كان القانون الملغى قد أقر لهذه الغاية صندوقا يسمى أموال التأمين , يمول باقتطاع نسبة %5من الأموال المدفوعة من طرفه لخزينة الدولة طبقا للفصل 39 من ظهير 4 ماي1925 .
كما جعل المشرع من الوثيقة التي يحررها الموثق تكتسب صفة الرسمية والحجية القانونية بمجرد تحريرها ، وهكذا فقد نصت المادة 48 من قانون التوثيق الجديد على أنه تكون للعقود والمحررات التي ينجزها الموثق وفقا لمقتضيات هذا القانون الصبغة الرسمية المقررة في قانون الالتزامات والعقود.
وتجدر الإشارة إلى أن أهم ماجاء به هذا القانون وهو أنه تحرر العقود والمحررات باللغة العربية وجوبا ، إلا أن المشرع ما أطاه باليد اليمنى سحبه باليد اليسرى ، حيث سمح للأطراف من اختيار تحريرها بلغة أخرى، وبذلك فإن المشرع في المادة 42 قد أفرغها من محتواها، وبالتالي فإن التنصيص على وجوب تحرير العقودباللغة العربية مجرد ذر الرماد في العيون مادام أن جل الموثقين يحررون العقود باللغة الفرنسية.
مما لاشك فيهأن مسطرة المراقبة القانونية من أهم المساطر في عمل الموثقين العصريين، ولعل أهميتها تستوجبُها المصالح التي يؤتمن عليها الموثقين , ومن ناحية أخرى مقرونة بالعديد من الجزاءات التي تكون كعقوبة على الإخلال والتهاون بهذه المسطرة .
ومسطرة المراقبة متعددة الأوجه فمنها ما يقوم به أعوان التفتيش العام من وزارة المالية بحيث يحق لهم أن يتحققوا من محاسبة كل موثق بمراجعة الملفات , من حيث صحتها والرسوم المؤداة عنها , ومن أجل سير هذه الرقابة في أحسن الظروف لهؤلاء الأعوان المطالبة بإحضار كافة الحجج اللازمة لسير التحقيق والتأكد من سلامة المحررات .
وهذا ما يدفعنا إلى القول بأن المراقبة لها وجهين : مراقبة قانونية وأخرى مراقبة مالية ، كما يعود الاختصاص بهذه المراقبة لجهتين مختلفتين ،وعمل كل جهة مرتبط بعملالأخرى، وتظهر المراقبة بصورة قانونية وفعلية من خلال عمل النيابة العامة والتي تقوم بمراقبة العقود من حيث احترام الشروط، وهناك مراقبة ثانية تقوم بها وزارة المالية في صورة تفقدية لمكاتب الموثقين العصريين، في كل مرة يصل إلى علمها وقوع مخالفة ما .
ويجب التنبيه أن وزارة المالية لا يمكن لها القيام بهذه العملية إلا بعد الحصول على إذن بذلك ، ورفقة رئيس المجلس الجهوي، ويجب التأكيد أن هذه الوزارة لا تراقب إلا الأمور المالية كمدى التزام الموثق بأداء الضرائب المترتبة عن العقود ، وكذا بمدى التزامه بتسجيل العقود التي يبرمها في سجلاته.
ومن بين الإجراءات القانونية التي اقرها المشرع لحماية الأطراف المتعاقدة، و زجرا بالمقابل للموثقين المخلين بالتزاماتهم ما ذكره المشرع على سبيل الحصر، إذ قسم العقوبات إلى عقوبات من درجة تصدرها اللجنة المشار إليها في المادة 11 من قانون التوثيق الجديد المثارة تلقائيا من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعين بدائرة نفوذها الموثق طبقا للمادة 73 من قانون التوثيق .
وهناك عقوبات تصدر بناء على ملتمس يقدم من طرف رئيس المجلس الجهوي إلى الوكيل العام للملك.
*المبحث الثاني : وضعية الأموال المودعة عند الموثق والحجية القانونية للوثائق الرسمية
المطلب الأول : حياة ديوان الموثق ووضعية الأموال عنده :
يصعب تحديد عدد أو نسبة متوسطة للمساعدين في الحياة اليومية لديوان التوثيق ، وقد أقر ت المادة 59 الموثق من الاشتراك مع موثقين آخرين إذا كانوا معينين في نفس دائرة نفوذ محكمة الاستئناف، ولا يجوز أن تكتسي هذه المشاركة شكل شركة تجارية.
إن الموثق في المغرب وكما هو الحال عليه في فرنسا لا يحق له سوى الاحتفاظ في ديوانه على الأموال المتعلقة الخاصة بنشاط وظيفته وخاصة تلك العقود التوثيقية التي تلقاها وحررها، ولهذا فلا يحق له أن يسلم ثمن البيع للبائع إلا بعد إتمام البيع وتقييده في السجلات العقارية في المحافظة باسم المشتري .
وتطبق بالمغرب نفس القواعد المتواجدة في هذا الصدد بمختلف تشريعات الدول الغربية، وهكذا تخضع العقود التوثيقية لواجبات التسجيل وتقيض عليها كذلك ما يسمى بــــ الرسوم التوثيقية وهومحدد حسب جدول أقرته الدولة ، وهورسم إجباري على الجميع وبالتالي يستبعد أي ممارسة للمنافسة بين الموثقين العصريين، هذا نظرياً وان كان من الناحية التطبيقية نجد بعض الموثقين وخاصة المبتدئين منهم لا يلتزمون بهذا الرسم الإجباري وذلك بهدف كسب مزيد من الزبناء .
المطلب الثاني : الحجية القانونية للوثائق الرسمية وأنواعها :
للمتعاقدين كل الحرية في الاختيار بين العقد التوثيقي الرسمي والعقد العرفي ، واختيارهم للعقد الرسمي قد يكون أساساً بدافع إضفاء الصبغة الرسمية على اتفاقهما لتكون له القوة القاهرة، وهذا ما يؤكده الفصل 419 من قانون الالتزامات والعقود الذي نص بأنه : " الورقة الرسمية حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي الذي حررها بحصولها في محضره، وذلك إلى أن يطعن فيها بالزور . "
وهنا تظهر القيمة الحقيقية للوثائق التي يحررها الموثق، فقد جاء في المادة 48 على أنه تكون للعقود و المحررات التي ينجزها الموثق وفقا لمقتضيات هذا القانون الصبغة الرسمية المقررة في قانون الالتزامات والعقود، وهذا ما نص عليه الفصل21 من ظهير 4 ماي 1925الملغى على أنه" لا يتعين لصلاحية عقد توثيقي الحاجة إلى موثق ثاني " .
وتحرير الوثائق من طرف الموثقين العصريين يمكن التمييز فيه بين إجراءين، التلقي الانفرادي ومسطرة تلقي الإشهاد .
وخلافاً للتوثيق العدلي حيث يتلقى الإشهاد عدلان ويخاطب عليه قاضالتوثيق، فان الإشهاد في التوثيق العصري يقع من طرف موثق واحد، وبدون أي مراقبة قضائية باستثناء الوثيقة التي يحررها الموثق من أجل تقديمها لسلطات بلد أخر، حيث لابد من المصادقة عليها من طرف النيابة العامة ومصالح وزارة الخارجية .
ويعمل بهذه الوثائق كوثائق رسمية بنص القانون ولا يطعن فيها إلا بالزور .
ويحرر العقد تحت مسؤولية الموثق دون انقطاع أو بشر أو إصلاح في صلبه أو إقحام أو كتابة بين السطور أو إلحاق أو تشطيب أو تر بياض باستثناء مايفصل الفقرات والبنود، وفي هده الحالة يوضع خط على البياض.
وترقم جميع الصفحات ويشار إلى عددها في أخر العقد، ويجب تصحيح الأخطاء والإغفالات بواسطة إحالات تدون إما في الهامش أو في أسفل الصفحة طبقا للمادة 41 من قانون التوثيق الجديد.
خاتمة:
أصبح تأثير الوظيفة التوثيقية ذو أهمية قصوى، حتى أن المتعاقدين وكذا محافظو الأملاك العقارية قد أصبحوا يدقون بجرأة وفي كل المناسبات الرسمية والندوات التعريفية ناقوس الخطر من الكوارث المتعددة الناجمة عن إبرام المحررات العرفية والتي تحوم خاصة حول :
أغلاط متصاعد ومتعمدة أو عن سهو .
غياب كامل لمسؤولية محرريها .
قلة في محتواها .
ولذلك يتعين في كل عقد ذا صبغة عقارية يخضع للنشر في السجلات العقارية أن يتلقى ويحرر على الشكل الرسمي .
وكل عقود الحياة القانونية للشركات يتعين نشرها في السجلات التجارية والعقارية أن تضاف لعقد يعاين إيداعها من ضمن أصول عقود موثق .
الهوامش
[1] ظهير شريف رقم 179.11.1 صادر في 25 من ذي الحجة 1432 الموافق 22 نونبر 2011 بتنفيذ القانون رقم 09.32 المتعلق بتنظيم مهنة التوثيق المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5998.27 ذي الحجة 4132 الموافق 24 نوفمبر 2011 ص 5611.
[2] - ظهير 4 ماي 1925 المنظم لمهنة التوثيق العصري .
[3]- الحسين الصفريوي . الوجيز في قانون وظيفة التوثيق العصري دون ذكر الطبعة والمطبعة، ص 213 .