الخطبة هي تواعد بين رجل وامرأة على إبرام عقد الزواج والتمهيد له، وهي مقدمة تتمثل وضيفتها الأساسية في بحث الرجل عن المرأة التي تناسبه وبحث المرأة عن الرجل الذي يناسبها، ونظرا لأهميتها خصها المشرع المغربي أسوة بمجموعة من التشريعات العربية المختلفة من خلال مجموعة من الفصول وخاصة الفصل 156 والذي يطرح عدة إشكالات يتجادل بها طرفين واحد متشبت بالشريعة الإسلامية والأعراف والتقاليد الحميدة مستندا في أمره على إرادة الخالق في الحفاظ على النوع الإنساني في الأرض بقوله تعالى "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبت منها رجالا كثيرا ونساءا" .
والآخر حداثي متفتح، غير أن الخاسر الأكبر بين الاثنين هم الأولاد انفتاح زائد يؤدي إلى علاقات مشبوعة، إنغلاق ظلامي يؤدي إلى حرمان الفرد من أهم شيء في الكون ألا وهو النسب وبالتالي فالسؤال الفريد الذي يطرح نفسه وخاصة في المادة 156 ما هي الآثار التي حددها المشرع وما هو التكييف القانوني للخطبة من خلال المادة 156 وكذلك من خلال الشريعة الإسلامية؟
إن أهم المذاهب الإسلامية أجمعت على أن الخطبة وعد بالزواج غير ملزم وأن الوعد ليس له قوة العقد إطلاقا ، وإذا نظرنا إلى مفهوم الوعد في القانون المدني فنرى أنه لا يرقى إلى درجة العقد وأنه لا ينشئ أي التزام إتجاه صادره ولا يترتب عليه أي آثار قانونية وبالتالي فالشريعة الإسلامية كانت قاطعة عندما وضعت ضوابط لثبوت النسب لا يجوز الخروج عليها ولا التنازل عنها ولا الاتفاق على مخالفتها، وذلك تحقيقا لاستقرار العائلة وثبات الأنساب وعدم اختلاطها أو التلاعب على مخالفتها وما مؤسسة الزواج إلا الحصن الحصين لذلك باعتباره يتمثل في أنه رباط وميثاق غليظ، والخطبة كما عرفها المشرع مجرد تواعد ولا يرقى إلى درجة الزواج غير أن المشرع والتفافا منه حول مضمون الخطبة والمقصود بها فقد كيفها ورفعها إلى درجة عقد الزواج لأنه أدخل مفاهيم مرتبطة بعقد الزواج كالإيجاب والقبول وقراءة الفاتحة وكذلك الصداق والواقع أن الخطبة في التكيف القانوني والشرعي إنما وعد لا تكتسب الطبيعة الإلزامية غير أن المشكلة الأساسية تتضح عندما يكون هناك اتصال جنسي بين الخاطب والمخطوبة هذا الاتصال نتج عنه مولود.
من البديهيات في الشريعة الإسلامية أن أي اتصال خارج مؤسسة الزواج يعد ضربا من ضروب الزنى، غير أن المشرع المغربي في تعديلاته من خلال مدونة الأسرة قد حدف عبارة وليست بزواج عن المادة 156 ليكون معه قد أراد رفع الخطبة إلى درجة زواج لكي يضفي الشرعية الدينية على الآثار المترتبة عن الخطبة وخاصة الحمل فمن وجهة نظري المتواضعة كان صائبا من جهة ومن جهة أخرى فتح باب جهنم عليه وضرب عرض الحائط النصوص القطعية الدلالة، إذ أنه كان أكثر حرصا على الحفاظ على حقوق الأطفال إذ يبدو أن حرمان الفرد من النسب يعني حرمانه من أهم حقوقه على الإطلاق وإلحاق حيف وظلم به والمس بهويته، مما قد يؤدي به إلى الضياع بوجه أو بآخر، ورغم أن المبدأ والواقع أنه مولود من شخصين أب وأم غير أن الذي يثير الاستفهام وكذلك التعجب أن المشرع كان أكثر حرصا على حقوق الأطفال في حين تغاضى عن حق الأم بأن لم ينص على توثيق عقد الزواج أو بالأحرى توثيق (عقد الخطبة).
وبالتالي فقد عاقب المرأة على سقوطها في ذلك أما الشيء الآخر السلبي الذي جاءت به المادة 156 أنه سيفتح الباب على مصراعيه إلى مجموعة من العلاقات المشبوهة والتي سيحاول أصحابها الالتفاف عليها لإخراجها إلى واقع شرعي إذ أن الفصل 156 من المدونة جاء فيه أنه في الحالة التي تتم الخطبة ولا يبرم عقد الزواج ويتحقق حمل فينسب للخاطب المولود، ففي الحالة التي لا يوجد فيها لا خطبة ولا زواج إذ يمكن للطرفين الالتفاف على هذا النص وإضفاء الشرعية على علاقتهما الغير بريئة.
وبالتالي فعلى المشرع أن يكون صريحا مع نفسه ومع الجتمع وعليه أن لا يدخل الشريعة الإسلامية في هاته المتاهات وعليه أن يكون أكثر حرصا على تطبيق قواعدها إذ أن الإسلام يحرص على بناء مجتمعات متماسكة يمر من علاقات شرعية تحت غطاء الزواج ولا غير ذلك، فيه تنتج الأسرة السليمة، وتحفظ الأنساب من الاختلاط وهذا لا يتحقق إلا إذا جاء التناسل البشري بطريق الزواج الشرعي ومن تم نظم الإسلام العلاقة الزوجية وضبط الأنساب وحرم الزنى وأفرد لها عقوبات قاسية.
تاريخ التوصل: 15 يونيو 2012
تاريخ النشر: 19 يونيو 2012