تعتبر المتعة من بين أهم الآثار الناجمة عن الفرقة بين الزوجين و ذلك لمساهمتها في جبر ضرر المطلقة و تطييب خاطرها باعتبارها عطاء يبدله المطلق إلى مطلقته قصد التخفيف من آثار الطلاق عليها ، و من هذا المنطلق أكدت الشريعة الإسلامية و كذا القوانين الوضعية على أحقية المرأة في المتعة .
الشيء الذي سنحاول الوقوف عليه من خلال المحورين المواليين :
المحور الأول : أحكام المتعة في الفقه الإسلامي
شرع الإسلام المتعة للتخفيف من الألم و الضرر الذي يلحق المطلقة ، باعتبارها مال يعطيه المطلق لمطلقته تعويضا لها عما يصيبها من ضرر حال أو مستقبل نتيجة إعمال حقه في إيقاع الطلاق ، و قد أجمع الفقهاء على مشروعيتها إلا أنهم اختلفوا من حيث وجوبها أو عدمه .
فالإمام مالك رحمه الله يرى أن المتعة للمطلقة مستحبة غير مستحقة و يستند في رأيه على قوله تعالى : " و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين " [1] ، و قوله عز من قائل : " و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " [2] ، ثم قوله تعالى : " فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا " [3] .
فالأمر و الطلب في هذه الآيات محمول عند المالكية على الندب و الإحسان لأن الله سبحانه و تعالى قيده في موضعين بالتقوى و الإحسان ، و القاعدة أن الواجبات لا تقييد فيها بل تجب على الكافة ، و الموضع الذي لم يرد فيه تقييد يحمل على المقيد لأن القاعدة في نصوص الشريعة أن المطلق يحمل على المقيد .[4]
أما عن أحقية المرأة في المتعة فقد جاء في المذهب المالكي أنه ليس التي طلقت و لم يدخل بها إذا كان قد سمي لها صداق متعة ، و لا للمبارئة و لا للمفتدية و لا للمصالحة و لا للملاعنة متعة كان قد دخل بهن أم لا .
فالمتعة هي لكل امرأة اختار الزوج طلاقها و لا خيار لها فيه ، لأن المختارة لا تحتاج جبرا ، و ليست للمطلقة قبل الدخول و لا لمن كان الطلاق بسببها كالمختلعة و اللاعنة لأنه مضاف إليها فلا تجبر منه في الفراق جبرا ، و إنما يجبر الزوج على ما كان من جهته ، و لا للمجبرة إذا اختارت لأنها غير منكسرة .[5]
و هكذا يتضح من أقوال فقهاء المالكية أن المخالعة و المفتدية و المصالحة و المسمى لها الصداق لا متعة لها سواء طلقت قبل الدخول أو بعده .
أما التي لم يسمى لها و طلقت قبل الدخول فلها المتعة عوض نصف الصداق ، و أما المطلقة بعد الدخول لها المتعة على سبيل الندب و الاستحباب لا على سبيل الوجوب .
أما التي يكون الطلاق من جانبها و هي مجبرة عليه فلها المتعة على سبيل النذب ، أما إذا لم تتبث أنها مجبرة فلا متعة لها . [6]
و هو خلاف ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رحمه الله الذي اعتبر أن المتعة واجبة استنادا لقوله تعالى : " و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " [7] .
فالله عز وجل أضاف المتعة إلى المطلقة بلام التمليك ثم قال : " حقا " و ذلك دليل على المتقين .
ثم قوله تعالى : " و متعوهن " و هو فعل أمر و الأمر يكون للوجوب ، و كذا قوله تعالى : " على المتقين " فكلمة على تفيد الوجوب و المراد بالمتقين المنقادين لحكم الشرع .[8]
و هو ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله الذي اعتبر أن المتعة واجبة لكل مطلقة لم يسمى لها الصداق و لا فرض لها بعد العقد فإذا طلقت قبل الدخول فلا يجب لها الصداق و إنما تجب لها المتعة لقوله عز من قائل : " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفريضوا لهن فريضة و متعوهن " .[9]
كما تجب المتعة لكل مطلقة بعد الدخول سمي لها المهر أو لم يسمى و ذلك لقوله تعالى :
" وللمطلقات متاع بالمعروف " ،[10] حيث ورد لفظ المطلقات في الآية الكريمة على عمومه إلا ما خصه في المطلقة قبل الدخول دون أن يكون لها مهر مسمى .[11]
و هو نفس مسلك الإمام أحمد ابن حنبل الذي اعتبر أن المتعة تجب على كل زوج لكل زوجة طلقت قبل الدخول دون أن يفرض لها مهر ، كما تستحق المتعة كل مطلقة غير التي يفرض لها مهر قبل الدخول ، حيث أوجب تعالى المتعة لغير المفروض لهن الصداق و نصف الصداق المسمى للمفروض لهن و هو ما يدل على اختصاص كل قسم بحكمه.[12]
المحور الثاني : المتعة في القوانين الوضعية العربية
تختلف أحكام المتعة باختلاف قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية :
فبالرجوع إلى القانون المغربي فإنه و بتفحصنا لمدونة الأحوال الشخصية الملغاة لسنة 1957 نجدها تنص في المادة 60 منها على أنه : " يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره و حالها ، إلا التي سمي لها الصداق و طلقت قبل الدخول " .
إلا أن هذا الفصل ألغي بمقتضى ظهير 10/09/1993 ليحل محله الفصل 52 مكرر من نفس المدونة و الذي نص على أن : " يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره و حالها ، إلا التي سمي لها الصداق و طلقت قبل الدخول " .
و الملاحظ أنها نفس الصيغة المنصوص عليها ضمن الفصل 60 الملغى ، إلا أن المشرع أضاف فقرة ثانية إلى الفصل 52 مكرر و التي جاء فيها : " إذا ثبت للقاضي أن الزوج طلق بدون مبرر مقبول تعين عليه أن يراعي عند تقدير المتعة ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار " .
و بهذا يكون المشرع قد ألزم القاضي عند تقدير المتعة بأن يراعي ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار نتيجة تعسف الزوج في توقيع الطلاق دون أن يوسع من حق المرأة في استحقاق المتعة .[13]
غير أنه و بصدور مدونة الأسرة نجد المشرع قد تجاوز هذه الثغرة التي شابت مدونة الأخوال الشخصية و المتمثلة أساسا في تضييق استفادة المطلقة من المتعة ، و ذلك عندما لم يعلق الاستفادة من الحق المذكور على شروط معينة ، حيث نصت المادة 84 في فقرتها الأولى على أنه : " تشمل مستحقات الزوجة : الصداق المؤخر إن وجد ، و نفقة العدة ، و المتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج و الوضعية المالية للزوج و أسباب الطلاق ، و مدى تعسف الزوج في توقيعه " .
أما عن القانون الجزائري [14]فنجد أنه لم ينص على حق المطلقة في المتعة بل أشار فقط إلى حقها في التعويض عند تعسف الزوج في توقيع الطلاق ، حيث نصت المادة 52 من قانون الأسرة الجزائري لسنة 2005 على أنه : " إذا تبين للقاضي تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها " .
فهل يعني ذلك أنه ليس من حق المطلقة الاستفادة من المتعة في إطار القانون الجزائري ؟؟
يبدو أن هذا الإشكال سبق و أن طرح أمام القضاء الجزائري ليقرر استحقاق المطلقة للمتعة اعتمادا على قواعد الشريعة الإسلامية التي تخولها هذا الحق ، وفقا لإحالة المادة 222 من قانون الأسرة الجزائري على الشريعة الإسلامية في كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون .
إذ جاء في قرار للمحكمة العليا ما يلي : " من المقرر شرعا أن توابع انحلال العصمة واجبة للمطلقة قبل مطلقها ، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للأحكام الشرعية .
و لما كان ثابتا في قضية الحال أن المجلس القضائي لما قضى بتأييد الحكم المستأنف مع عدم الحكم للزوجة المطلقة بالمتعة يكون بقضائة كما فعل خالف القانون ، و متى كان ذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه " . [15]
و الرأي فيما نعتقد أن قرار المحكمة العليا جاء صائبا ، استنادا إلى أن حق المطلقة في المتعة ثابت في أحكام شريعتنا الغراء لقوله عز من قائل في سورة البقرة الآية 240: " و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "و غيرها من الآيات التي نصت صراحة على هذا الحق و التي سبق بسطها أعلاه .
أما عن المشرع التونسي فإنه و برجوعنا إلى مجلة الأحوال الشخصية التونسية [16]نجدها تنص في الفقرة الثالثة من الفصل 31 منها على أنه : " يحكم بالطلاق :
و في هاته الصورة الأخيرة يقرر الحاكم ما تتمتع به الزوجة من الغرامات المالية لتعويض الضرر الحاصل لها أو ما تدفعه هي للزوج من تعويضات ".
و هو ما يوضح أن المشرع التونسي ربط تمتيع الزوجة بحصول الضرر ، كما خول الزوج في المقابل الحق في التعويض عن الأضرار التي تلحقه من الزوجة .
الشيء الذي يؤكد أن الحق في المتعة حسب هذا القانون يدور وجودا و عدما حول تحقق الضرر.
إلا أن التعديل[17] الذي أدخل على الفصل 31 حدف لفظ المتعة و اقتصر على حق كل من الزوجين في التعويض عن الضرر، مع النص على حق المطلقة في جراية تدفع لها مشاهرة بعد انقضاء العدة ، و يستمر حقها في قبضها إلى حين وفاتها أو تغيير وضعيتها الإجتماعية بزواجها مرة ثانية .
و بتفحصنا لقانون الأحوال الشخصية المصري[18] نجده ينص في المادة 18 مكرر على أن : " الزوجة المدخول بها في زواج صحيح ، إذا طلقها زوجها دون رضاها و لا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها ، متعة تقدر بنفقة سنتين على اللأقل ... "
إذ يلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع المصري منح القضاء سلطة تقديرية لتحديد مبلغ المتعة إلا أنه قيد هذه السلطةبحد أدنى لا يمكن للقضاء النزول عنه و المحدد في مبلغ نفقة سنتين ، كما تجدر الإشارة إلى أن العرف في مصر جرى على تقدير مبلغ المتعة في نسبة خمسة و عشرين في المائة من راتب الزوج لمدة أربعة و عشرين شهرا .
الهوامش
الشيء الذي سنحاول الوقوف عليه من خلال المحورين المواليين :
المحور الأول : أحكام المتعة في الفقه الإسلامي
شرع الإسلام المتعة للتخفيف من الألم و الضرر الذي يلحق المطلقة ، باعتبارها مال يعطيه المطلق لمطلقته تعويضا لها عما يصيبها من ضرر حال أو مستقبل نتيجة إعمال حقه في إيقاع الطلاق ، و قد أجمع الفقهاء على مشروعيتها إلا أنهم اختلفوا من حيث وجوبها أو عدمه .
فالإمام مالك رحمه الله يرى أن المتعة للمطلقة مستحبة غير مستحقة و يستند في رأيه على قوله تعالى : " و متعوهن على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين " [1] ، و قوله عز من قائل : " و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " [2] ، ثم قوله تعالى : " فمتعوهن و سرحوهن سراحا جميلا " [3] .
فالأمر و الطلب في هذه الآيات محمول عند المالكية على الندب و الإحسان لأن الله سبحانه و تعالى قيده في موضعين بالتقوى و الإحسان ، و القاعدة أن الواجبات لا تقييد فيها بل تجب على الكافة ، و الموضع الذي لم يرد فيه تقييد يحمل على المقيد لأن القاعدة في نصوص الشريعة أن المطلق يحمل على المقيد .[4]
أما عن أحقية المرأة في المتعة فقد جاء في المذهب المالكي أنه ليس التي طلقت و لم يدخل بها إذا كان قد سمي لها صداق متعة ، و لا للمبارئة و لا للمفتدية و لا للمصالحة و لا للملاعنة متعة كان قد دخل بهن أم لا .
فالمتعة هي لكل امرأة اختار الزوج طلاقها و لا خيار لها فيه ، لأن المختارة لا تحتاج جبرا ، و ليست للمطلقة قبل الدخول و لا لمن كان الطلاق بسببها كالمختلعة و اللاعنة لأنه مضاف إليها فلا تجبر منه في الفراق جبرا ، و إنما يجبر الزوج على ما كان من جهته ، و لا للمجبرة إذا اختارت لأنها غير منكسرة .[5]
و هكذا يتضح من أقوال فقهاء المالكية أن المخالعة و المفتدية و المصالحة و المسمى لها الصداق لا متعة لها سواء طلقت قبل الدخول أو بعده .
أما التي لم يسمى لها و طلقت قبل الدخول فلها المتعة عوض نصف الصداق ، و أما المطلقة بعد الدخول لها المتعة على سبيل الندب و الاستحباب لا على سبيل الوجوب .
أما التي يكون الطلاق من جانبها و هي مجبرة عليه فلها المتعة على سبيل النذب ، أما إذا لم تتبث أنها مجبرة فلا متعة لها . [6]
و هو خلاف ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رحمه الله الذي اعتبر أن المتعة واجبة استنادا لقوله تعالى : " و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين " [7] .
فالله عز وجل أضاف المتعة إلى المطلقة بلام التمليك ثم قال : " حقا " و ذلك دليل على المتقين .
ثم قوله تعالى : " و متعوهن " و هو فعل أمر و الأمر يكون للوجوب ، و كذا قوله تعالى : " على المتقين " فكلمة على تفيد الوجوب و المراد بالمتقين المنقادين لحكم الشرع .[8]
و هو ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله الذي اعتبر أن المتعة واجبة لكل مطلقة لم يسمى لها الصداق و لا فرض لها بعد العقد فإذا طلقت قبل الدخول فلا يجب لها الصداق و إنما تجب لها المتعة لقوله عز من قائل : " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفريضوا لهن فريضة و متعوهن " .[9]
كما تجب المتعة لكل مطلقة بعد الدخول سمي لها المهر أو لم يسمى و ذلك لقوله تعالى :
" وللمطلقات متاع بالمعروف " ،[10] حيث ورد لفظ المطلقات في الآية الكريمة على عمومه إلا ما خصه في المطلقة قبل الدخول دون أن يكون لها مهر مسمى .[11]
و هو نفس مسلك الإمام أحمد ابن حنبل الذي اعتبر أن المتعة تجب على كل زوج لكل زوجة طلقت قبل الدخول دون أن يفرض لها مهر ، كما تستحق المتعة كل مطلقة غير التي يفرض لها مهر قبل الدخول ، حيث أوجب تعالى المتعة لغير المفروض لهن الصداق و نصف الصداق المسمى للمفروض لهن و هو ما يدل على اختصاص كل قسم بحكمه.[12]
المحور الثاني : المتعة في القوانين الوضعية العربية
تختلف أحكام المتعة باختلاف قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية :
فبالرجوع إلى القانون المغربي فإنه و بتفحصنا لمدونة الأحوال الشخصية الملغاة لسنة 1957 نجدها تنص في المادة 60 منها على أنه : " يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره و حالها ، إلا التي سمي لها الصداق و طلقت قبل الدخول " .
إلا أن هذا الفصل ألغي بمقتضى ظهير 10/09/1993 ليحل محله الفصل 52 مكرر من نفس المدونة و الذي نص على أن : " يلزم كل مطلق بتمتيع مطلقته إذا كان الطلاق من جانبه بقدر يسره و حالها ، إلا التي سمي لها الصداق و طلقت قبل الدخول " .
و الملاحظ أنها نفس الصيغة المنصوص عليها ضمن الفصل 60 الملغى ، إلا أن المشرع أضاف فقرة ثانية إلى الفصل 52 مكرر و التي جاء فيها : " إذا ثبت للقاضي أن الزوج طلق بدون مبرر مقبول تعين عليه أن يراعي عند تقدير المتعة ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار " .
و بهذا يكون المشرع قد ألزم القاضي عند تقدير المتعة بأن يراعي ما يمكن أن يلحق الزوجة من أضرار نتيجة تعسف الزوج في توقيع الطلاق دون أن يوسع من حق المرأة في استحقاق المتعة .[13]
غير أنه و بصدور مدونة الأسرة نجد المشرع قد تجاوز هذه الثغرة التي شابت مدونة الأخوال الشخصية و المتمثلة أساسا في تضييق استفادة المطلقة من المتعة ، و ذلك عندما لم يعلق الاستفادة من الحق المذكور على شروط معينة ، حيث نصت المادة 84 في فقرتها الأولى على أنه : " تشمل مستحقات الزوجة : الصداق المؤخر إن وجد ، و نفقة العدة ، و المتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج و الوضعية المالية للزوج و أسباب الطلاق ، و مدى تعسف الزوج في توقيعه " .
أما عن القانون الجزائري [14]فنجد أنه لم ينص على حق المطلقة في المتعة بل أشار فقط إلى حقها في التعويض عند تعسف الزوج في توقيع الطلاق ، حيث نصت المادة 52 من قانون الأسرة الجزائري لسنة 2005 على أنه : " إذا تبين للقاضي تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها " .
فهل يعني ذلك أنه ليس من حق المطلقة الاستفادة من المتعة في إطار القانون الجزائري ؟؟
يبدو أن هذا الإشكال سبق و أن طرح أمام القضاء الجزائري ليقرر استحقاق المطلقة للمتعة اعتمادا على قواعد الشريعة الإسلامية التي تخولها هذا الحق ، وفقا لإحالة المادة 222 من قانون الأسرة الجزائري على الشريعة الإسلامية في كل ما لم يرد النص عليه في هذا القانون .
إذ جاء في قرار للمحكمة العليا ما يلي : " من المقرر شرعا أن توابع انحلال العصمة واجبة للمطلقة قبل مطلقها ، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للأحكام الشرعية .
و لما كان ثابتا في قضية الحال أن المجلس القضائي لما قضى بتأييد الحكم المستأنف مع عدم الحكم للزوجة المطلقة بالمتعة يكون بقضائة كما فعل خالف القانون ، و متى كان ذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه " . [15]
و الرأي فيما نعتقد أن قرار المحكمة العليا جاء صائبا ، استنادا إلى أن حق المطلقة في المتعة ثابت في أحكام شريعتنا الغراء لقوله عز من قائل في سورة البقرة الآية 240: " و للمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين "و غيرها من الآيات التي نصت صراحة على هذا الحق و التي سبق بسطها أعلاه .
أما عن المشرع التونسي فإنه و برجوعنا إلى مجلة الأحوال الشخصية التونسية [16]نجدها تنص في الفقرة الثالثة من الفصل 31 منها على أنه : " يحكم بالطلاق :
- عند رغبة الزوج إن شاء الطلاق أو مطالبة الزوجة به
و هو ما يوضح أن المشرع التونسي ربط تمتيع الزوجة بحصول الضرر ، كما خول الزوج في المقابل الحق في التعويض عن الأضرار التي تلحقه من الزوجة .
الشيء الذي يؤكد أن الحق في المتعة حسب هذا القانون يدور وجودا و عدما حول تحقق الضرر.
إلا أن التعديل[17] الذي أدخل على الفصل 31 حدف لفظ المتعة و اقتصر على حق كل من الزوجين في التعويض عن الضرر، مع النص على حق المطلقة في جراية تدفع لها مشاهرة بعد انقضاء العدة ، و يستمر حقها في قبضها إلى حين وفاتها أو تغيير وضعيتها الإجتماعية بزواجها مرة ثانية .
و بتفحصنا لقانون الأحوال الشخصية المصري[18] نجده ينص في المادة 18 مكرر على أن : " الزوجة المدخول بها في زواج صحيح ، إذا طلقها زوجها دون رضاها و لا بسبب من قبلها تستحق فوق نفقة عدتها ، متعة تقدر بنفقة سنتين على اللأقل ... "
إذ يلاحظ من خلال هذه المادة أن المشرع المصري منح القضاء سلطة تقديرية لتحديد مبلغ المتعة إلا أنه قيد هذه السلطةبحد أدنى لا يمكن للقضاء النزول عنه و المحدد في مبلغ نفقة سنتين ، كما تجدر الإشارة إلى أن العرف في مصر جرى على تقدير مبلغ المتعة في نسبة خمسة و عشرين في المائة من راتب الزوج لمدة أربعة و عشرين شهرا .
الهوامش
[1] سورة البقرة الآية 235
[2] سورة البقرة الآية 240
[3] سورة الأحزاب الآية 48
[4] مدونة الفقه المالكي و أدلته ، تأليف الدكتور صادق عبد الرحمان الغرياني ، الجزء الثالث ، مؤسسة الريان للطباعة و النشر و التوزيع ، بدون طبعة ، ص 82 .
[5] الدخيرة : لشهاب الدين أحمد بن ادريس القرافي ، الجزء الرابع ، تحقيق الأستاذ محمد بو خبزة ، دار الغرب الإسلامي ، الطبعة الأولى لسنة 1994 ، ص 449 .
[6] ابراهيم بحماني : مدى استحقاق المتعة والتعويض في قضايا التطليق للشقاق ، مقال منشور بمجلة محكمة الإستئناف بالدار البيضاء ، العدد الثاني لسنة 2012 ، ص 142 .
[7] سورة البقرة الآية 240 .
[8] المبسوط : لشمس الدين السرخسي ، الجزء السادس ، دار المعرفة بيروت لبنان، بدون طبعة ، ص 61 .
[9] سورة البقرة الآية 235 .
[10] سورة البقرة الآية 240 .
[11] الحاوي الكبير في فقه المذهب الشافعي لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري ، الجزء التاسع ، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ، الطبعة الأولى لسنة 1994 ، ص 548 .
[12] المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني : لعبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي ، الجزء السادس ، دار الفكر العربي للنشر بيروت ، الطبعة الأولى لسنة 1405 ه ، ص 717/718 .
[13]
[14] أمر رقم 02ـ05 المؤرخ في 27 فبراير 2005 .
[15] قرار بدون رقم في الملف عدد 57752المؤرخ في 25/12/1989 غير منشور .
[16] أمر مؤرخ في 13 أوت 1956 .
[17] القانون عدد 7 لسنة 1981 المؤرخ في 18 صفر 1981 .
[18] قانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985 .