المحاماة، مهنة حرة مستقلة، تحمل في طياتها رسالة إنسانية سامية، شريفة ونبيلة، رسالة مبادئ ومواقف، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة، وفي إرساخ دولة القانون وكفالة حق الدفاع، عن حياة وحريات وشرف وكرامة وأموال المواطنين. ويتقيد المحامون من تم بمبدأي الحرية والاستقلال عند ممارستهم لمهنة المحاماة ولا سلطان عليهم في ذلك إلا ضمائرهم.
إلا أن المحاماة وإن كانت مهنة حرة، يمارسها أصحابها وهم أحرار ومستقلين، فانه وجب التأكيد كذلك، على أن المحاماة مهنة منظمة، تتطلب لممارستها الى جانب المؤهلات، مثل التعليم والشواهد والتكوين والتدريب والكفاءة والتسجيل في الجدول، ضوابط وآليات لتنظيمها، وتتطلب أيضا أخلاقيات معينة، على المحامين التحلي بها، حماية لهم وللمجتمع، وللرسالة الإنسانية والاجتماعية المنوطة بهم.
فإذا كان للكلام آدابه، وللباس آدابه، وللطعام آدابه، وللشراب آدابه، وللمشي آدابه وللجلوس آدابه وحتى للعب والهزل آدابه...، فإن لكل مهنة من المهن آدابها وأعرافها وتقاليدها. والمحاماة كرسالة وكفن وكمهنة، لها أخلاقها وآدابها وقواعدها النابعة من تاريخها ومن أعرافها وتقاليدها.
ويمكن التعريف بالأخلاقيات أو بالأخلاق المهنية، - ويقال لها بالإنجليزية Professionnal ethics وبالفرنسية L’éthique professionnelle - بأنها مجموعة من القيم والأخلاق والمبادئ والمعايير السلوكية، التي اتفق المحامون حولها كقواعد ملزمة لهم، يحرصون على احترامها، لأنها تساعدهم على سلاسة تدبير شؤونهم عند ممارساتهم المهنية.
وتعتبر الأخلاقيات فئة فرعية من منظومة الاخلاق، التي تعد الركيزة الأساسية للحياة داخل الجماعة، باعتبارها الموجه الرئيسي لسلوك الانسان، نحو حياة اجتماعية يطبعها التميز بكل ما هو إيجابي، من أجل التعايش والاستقرار والاحترام والتضامن والسلام.
ودون الدخول في التفاصيل، فإن الاخلاقيات المهنية، التي تتقاطع في الكثير من محتواها مع الاخلاق بصفة عامة، تتلخص في ممارسة المهنة في إطار الشرف والنزاهة والوفاء والصدق والأمانة والكرامة والعزة والوقار والاعتدال والتواضع والشجاعة والمروءة والصبر والاحترام وسلامة الصدر وغيرها من الصفات المتميزة... ناهيك عن الالتزامات المهنية الأخرى، التي تقع أيضا على كاهل المحامي كالاستقلال و الالتزام بعدم افشاء السر المهني وسرية التحقيق، والتحفظ والتكتم، والابتعاد عن تنازع المصالح، وعن السمسرة، وما تقتضيه باقي الضوابط والأعراف والتقاليد المرتبطة بعلاقات المحامي بالعاملين معه بمكتبه وبموكليه وبأجهزة هيئته وبزملائه وبالقضاة وكتاب الضبط وبغيرهم.
ويمكن الجزم، بأن تفحص الحالة التي توجد عليها اليوم مهنة المحاماة في المغرب، تؤكد لا محالة على وجود خلل في مدى احترام وإتباع القواعد الصحيحة من قبل شريحة من ذوينا، إذ لا يمكن الكلام عن وحدة المحامين وتماسكهم وقوتهم، في غياب احترامهم أولا وأخيرا لقواعد وقيم ومبادئ أعراف موحدة تحكم سلوكهم.
ويمكن القول بأن المجتمع المهني، على بينة تامة من وجود أزمة ثقة اتجاه المحامين، نتجت لا محالة عن الهوة الكبيرة التي صارت بين الأخلاقيات والممارسة المهنية. كما أن المهنيون واعون قبل غيرهم، بضرورة الرجوع لاحترام الأخلاقيات والتمسك بها وبجل الضوابط والأعراف والتقاليد، نظرا لما أصبحت تعرفه مهنة المحاماة من تسيب وفوضى تسيء إلى العدالة بصفة عامة، والى المهنة والمهنيين بصفة خاصة.
ويتوقف الرجوع الى الممارسات المهنية الصحيحة على تخليق مهنة المحاماة، بتظافر جهود الجميع، بدأ بعدم اعتبارها من قبل الدولة سوقا لتشغيل عطالة الجامعات المغربية، وعدم تكرار ضخ الأعداد المهولة للمتمرنين التي عرفتها السنوات القليلة الماضية إلا وفق إمكانيات الدولة لتكوينهم والهيئات لتأطيرهم، حتى لا تصبح المحاماة مهنة من لا مهنة له، ووضع شروط صارمة لمن يريد ولوجها ترتكز أساسا على الكفاءة ونقاء السريرة والتشبع بقيمها ومبادئها، الى جانب الشروط العلمية والإدارية المتبقية.
ولابد للدولة أن تتحمل مسؤوليتها أيضا في تكوين المحامي المغربي بإخراج المعهد العالي لتكوين المحامين للوجود، تكون به شعبة للأخلاقيات المهنية، وإقرار "مدونة السلوك" أو "مدونة الأخلاقيات" نحتكم اليها جميعا، وتنظيم دورات للتكوين المستمر في هذا الباب من قبل المعهد المذكور.
كما لا يمكن الحديث عن تطهير مهنة المحاماة من جميع الشوائب التي تحيط بها، ومحاربة الفساد والمفسدين، والوقاية من الانحراف التي يسلكه بعض المحامين، أمام ضعف التأطير الأخلاقي من قبل بعض الاسر، ومن قبل بعض المدارس، وبعض المحيطات الاجتماعية، إضافة الى بعض الهيئات التي تتفادى التأطير والتقويم ولا تأخذ الاخلاقيات والتخليق مأخذ الجد.
ويمكن القول أيضا بأن بعض القضاء لا يساعد هو الآخر في تخليق مهنة المحاماة، إذ تجده يقضي بتسجيل من رفضته بعض مجالس الهيئات لأسباب مرتبطة بالشرف والنزاهة، ويبرأ أحيانا من تبث فساده أو يخفف من العقوبات التأديبية التي تقررها بعض المجالس بشكل غير مفهوم، الخ
ولم تجد بعض الهيئات بعد سبلا للحد من تبديد بعض المحامين للودائع، واحتكار بعضهم لبعض الملفات، كالسير والشغل ونزع الملكية وغيرها، التي يلعب فيها السماسرة دورا محوريا لجلبها لمكاتب بعض المحامين دون غيرها، ناهيك عن الكتاب العموميون الذين صاروا يحتكرون تحرير العقود، ليضع عليها بعض المحامين توقيعاتهم وأختامهم، دون الحديث على الفوضى العارمة التي تعرفها بعض المواقع الالكترونية وبعض وسائل التواصل الاجتماعي بسبب بعض المحامين، وطريقة تعامل البعض الآخر مع بعض مكونات اسرة العدالة، ونخص بالذكر هنا بعض القضاة وبعض كتاب الضبط وبعض الخبراء وغيرهم من المشبوه في أمرهم، حيث يتخلى هؤلاء المحامين مطلقا عن شرفهم واستقلالهم وكبريائهم ووقارهم ونزاهتهم وكرامتهم ليلعبوا دور الوساطة لا دور الدفاع، حيث لا يمكن الكلام اليوم بتاتا عن تكافؤ الفرص بين محام يستعمل السمسرة لجلب الملفات والرشوة لكسبها وآخر يوقع ويؤشر على ما يصنعه الغير وآخر لا يبارح منصات التواصل الاجتماعي وميكروفونات المواقع الالكترونية ويستخدم المؤثرين هنا وهناك لجلب الزبناء وحتى لجمع الاتعاب على سبيل المثال لا الحصر مع محام على خلق ملتزم باحترام قوانين واخلاقيات مهنته.
وأعتقد بانه من الصعب أن نتحدث اليوم عن "مهنة النبلاء" أمام عدم استحضار البعد الأخلاقي لمهنة المحاماة وشرفها وقدسية رسالتها وقيمها الراسخة، لأنه مهما وصلت عصرنة المهنة من رقمنة وتكنلوجية في تدبير شؤونها، ومهما كسبنا مستقبلا من معارك مرتبطة بتوسيع لصلاحيات المحامي وحذف مؤسسة الوكيل القضائي، وبسن الزامية المحامي حتى على الدولة والإدارات العمومية، وبتخصص المحامين، وكسب النيابة أمام المحاكم الدولية، وأمام لجن حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المكاسب، فإن المعركة الحقيقية التي يجب علينا أن نتجند لها جميعا وأن نكسبها، هي معركة التخليق لتحصين المحامين من بعض الممارسات الماسة بشرف المهنة ووقارها.
وباعتبار أن الفساد صار ظاهرة عامة في مجتمعنا، ولم يعد يقتصر على مهنة دون أخرى، بل وينخر العديد من القطاعات الحيوية الأخرى في البلاد، فإن المعركة الحقيقية للتخليق، التي أصبحت ضرورة ملحة ومستعجلة بشهادة لجنة النموذج التنموي الجديد في تقريرها -، تنطلق أساسا من صحوة الضمائر والإرادة الحقيقية للاستثمار في العنصر البشري. ولن يتم ذلك إلا بتحمل الاسر لمسؤوليتها على تربية الأبناء على الاخلاق، وتلقينهم للتربية المدنية والاجتماعية، وتجويد وتحديث التعليم بجميع مستوياته، وترسيخ قيم المواطنة وجميع المبادئ التي تساعد على العيش المشترك، والنهوض بالبحث العلمي وتحفيز الكفاءات العلمية العالية الحقيقية لا المصطنعة.
ولا بد للهيئات أن تتحمل مسؤوليتها في المواكبة الأخلاقية، أمام ما آل اليه المشهد المهني من تردي، وذلك بالمراقبة المستمرة والتقويم والتأديب عند الضرورة، مع إحداث لجنة الأخلاقيات داخل مجالس الهيئات، ومداومين بالمحاكم، وإقرار آليات متطورة لمعالجة شكايات المواطنين. ووجب التفكير أيضا في سن فصل سلطة المتابعة عن سلطة التأديب وربما التفكير في مجالس تأديبية مستقلة عن المجالس الإدارية، بها رواد وقيدومين بعيدين عن الهاجس الانتخابي المصلحي الذي خرب مهنة المحاماة بالمغرب، وغيرها من الإصلاحات الممكنة.
ويبقى التخليق في جميع الأحوال، رهان استراتيجي عام، لا ينحصر في مهنة المحاماة، بل يجب أن يصبح الهم الأول للمجتمع المغربي برمته، من أجل بلورة خطة شاملة لمحاربة كافة أشكال الانحراف والفساد في سلوك الافراد الموكول لهم القيام بمهام معينة سواء داخل منظومة العدالة أو خارجها، لنصل الى تخليق حقيقي للحياة العادية والعملية، ومن تم الى تعزيز الرأسمال البشري، ليكون هذا التخليق هو الرافعة الأساسية للارتقاء بالمهنة، بهدف ارجاع الثقة اليها والى ممارسيها من قبل المستهلكين للقانون، ومن أجل بسط أرضية تساعد على تكافؤ الفرص أمام المحامين، وتفتح المجال من تم أمام تنافسية الكفاءات.
إلا أن المحاماة وإن كانت مهنة حرة، يمارسها أصحابها وهم أحرار ومستقلين، فانه وجب التأكيد كذلك، على أن المحاماة مهنة منظمة، تتطلب لممارستها الى جانب المؤهلات، مثل التعليم والشواهد والتكوين والتدريب والكفاءة والتسجيل في الجدول، ضوابط وآليات لتنظيمها، وتتطلب أيضا أخلاقيات معينة، على المحامين التحلي بها، حماية لهم وللمجتمع، وللرسالة الإنسانية والاجتماعية المنوطة بهم.
فإذا كان للكلام آدابه، وللباس آدابه، وللطعام آدابه، وللشراب آدابه، وللمشي آدابه وللجلوس آدابه وحتى للعب والهزل آدابه...، فإن لكل مهنة من المهن آدابها وأعرافها وتقاليدها. والمحاماة كرسالة وكفن وكمهنة، لها أخلاقها وآدابها وقواعدها النابعة من تاريخها ومن أعرافها وتقاليدها.
ويمكن التعريف بالأخلاقيات أو بالأخلاق المهنية، - ويقال لها بالإنجليزية Professionnal ethics وبالفرنسية L’éthique professionnelle - بأنها مجموعة من القيم والأخلاق والمبادئ والمعايير السلوكية، التي اتفق المحامون حولها كقواعد ملزمة لهم، يحرصون على احترامها، لأنها تساعدهم على سلاسة تدبير شؤونهم عند ممارساتهم المهنية.
وتعتبر الأخلاقيات فئة فرعية من منظومة الاخلاق، التي تعد الركيزة الأساسية للحياة داخل الجماعة، باعتبارها الموجه الرئيسي لسلوك الانسان، نحو حياة اجتماعية يطبعها التميز بكل ما هو إيجابي، من أجل التعايش والاستقرار والاحترام والتضامن والسلام.
ودون الدخول في التفاصيل، فإن الاخلاقيات المهنية، التي تتقاطع في الكثير من محتواها مع الاخلاق بصفة عامة، تتلخص في ممارسة المهنة في إطار الشرف والنزاهة والوفاء والصدق والأمانة والكرامة والعزة والوقار والاعتدال والتواضع والشجاعة والمروءة والصبر والاحترام وسلامة الصدر وغيرها من الصفات المتميزة... ناهيك عن الالتزامات المهنية الأخرى، التي تقع أيضا على كاهل المحامي كالاستقلال و الالتزام بعدم افشاء السر المهني وسرية التحقيق، والتحفظ والتكتم، والابتعاد عن تنازع المصالح، وعن السمسرة، وما تقتضيه باقي الضوابط والأعراف والتقاليد المرتبطة بعلاقات المحامي بالعاملين معه بمكتبه وبموكليه وبأجهزة هيئته وبزملائه وبالقضاة وكتاب الضبط وبغيرهم.
ويمكن الجزم، بأن تفحص الحالة التي توجد عليها اليوم مهنة المحاماة في المغرب، تؤكد لا محالة على وجود خلل في مدى احترام وإتباع القواعد الصحيحة من قبل شريحة من ذوينا، إذ لا يمكن الكلام عن وحدة المحامين وتماسكهم وقوتهم، في غياب احترامهم أولا وأخيرا لقواعد وقيم ومبادئ أعراف موحدة تحكم سلوكهم.
ويمكن القول بأن المجتمع المهني، على بينة تامة من وجود أزمة ثقة اتجاه المحامين، نتجت لا محالة عن الهوة الكبيرة التي صارت بين الأخلاقيات والممارسة المهنية. كما أن المهنيون واعون قبل غيرهم، بضرورة الرجوع لاحترام الأخلاقيات والتمسك بها وبجل الضوابط والأعراف والتقاليد، نظرا لما أصبحت تعرفه مهنة المحاماة من تسيب وفوضى تسيء إلى العدالة بصفة عامة، والى المهنة والمهنيين بصفة خاصة.
ويتوقف الرجوع الى الممارسات المهنية الصحيحة على تخليق مهنة المحاماة، بتظافر جهود الجميع، بدأ بعدم اعتبارها من قبل الدولة سوقا لتشغيل عطالة الجامعات المغربية، وعدم تكرار ضخ الأعداد المهولة للمتمرنين التي عرفتها السنوات القليلة الماضية إلا وفق إمكانيات الدولة لتكوينهم والهيئات لتأطيرهم، حتى لا تصبح المحاماة مهنة من لا مهنة له، ووضع شروط صارمة لمن يريد ولوجها ترتكز أساسا على الكفاءة ونقاء السريرة والتشبع بقيمها ومبادئها، الى جانب الشروط العلمية والإدارية المتبقية.
ولابد للدولة أن تتحمل مسؤوليتها أيضا في تكوين المحامي المغربي بإخراج المعهد العالي لتكوين المحامين للوجود، تكون به شعبة للأخلاقيات المهنية، وإقرار "مدونة السلوك" أو "مدونة الأخلاقيات" نحتكم اليها جميعا، وتنظيم دورات للتكوين المستمر في هذا الباب من قبل المعهد المذكور.
كما لا يمكن الحديث عن تطهير مهنة المحاماة من جميع الشوائب التي تحيط بها، ومحاربة الفساد والمفسدين، والوقاية من الانحراف التي يسلكه بعض المحامين، أمام ضعف التأطير الأخلاقي من قبل بعض الاسر، ومن قبل بعض المدارس، وبعض المحيطات الاجتماعية، إضافة الى بعض الهيئات التي تتفادى التأطير والتقويم ولا تأخذ الاخلاقيات والتخليق مأخذ الجد.
ويمكن القول أيضا بأن بعض القضاء لا يساعد هو الآخر في تخليق مهنة المحاماة، إذ تجده يقضي بتسجيل من رفضته بعض مجالس الهيئات لأسباب مرتبطة بالشرف والنزاهة، ويبرأ أحيانا من تبث فساده أو يخفف من العقوبات التأديبية التي تقررها بعض المجالس بشكل غير مفهوم، الخ
ولم تجد بعض الهيئات بعد سبلا للحد من تبديد بعض المحامين للودائع، واحتكار بعضهم لبعض الملفات، كالسير والشغل ونزع الملكية وغيرها، التي يلعب فيها السماسرة دورا محوريا لجلبها لمكاتب بعض المحامين دون غيرها، ناهيك عن الكتاب العموميون الذين صاروا يحتكرون تحرير العقود، ليضع عليها بعض المحامين توقيعاتهم وأختامهم، دون الحديث على الفوضى العارمة التي تعرفها بعض المواقع الالكترونية وبعض وسائل التواصل الاجتماعي بسبب بعض المحامين، وطريقة تعامل البعض الآخر مع بعض مكونات اسرة العدالة، ونخص بالذكر هنا بعض القضاة وبعض كتاب الضبط وبعض الخبراء وغيرهم من المشبوه في أمرهم، حيث يتخلى هؤلاء المحامين مطلقا عن شرفهم واستقلالهم وكبريائهم ووقارهم ونزاهتهم وكرامتهم ليلعبوا دور الوساطة لا دور الدفاع، حيث لا يمكن الكلام اليوم بتاتا عن تكافؤ الفرص بين محام يستعمل السمسرة لجلب الملفات والرشوة لكسبها وآخر يوقع ويؤشر على ما يصنعه الغير وآخر لا يبارح منصات التواصل الاجتماعي وميكروفونات المواقع الالكترونية ويستخدم المؤثرين هنا وهناك لجلب الزبناء وحتى لجمع الاتعاب على سبيل المثال لا الحصر مع محام على خلق ملتزم باحترام قوانين واخلاقيات مهنته.
وأعتقد بانه من الصعب أن نتحدث اليوم عن "مهنة النبلاء" أمام عدم استحضار البعد الأخلاقي لمهنة المحاماة وشرفها وقدسية رسالتها وقيمها الراسخة، لأنه مهما وصلت عصرنة المهنة من رقمنة وتكنلوجية في تدبير شؤونها، ومهما كسبنا مستقبلا من معارك مرتبطة بتوسيع لصلاحيات المحامي وحذف مؤسسة الوكيل القضائي، وبسن الزامية المحامي حتى على الدولة والإدارات العمومية، وبتخصص المحامين، وكسب النيابة أمام المحاكم الدولية، وأمام لجن حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة وغيرها من المكاسب، فإن المعركة الحقيقية التي يجب علينا أن نتجند لها جميعا وأن نكسبها، هي معركة التخليق لتحصين المحامين من بعض الممارسات الماسة بشرف المهنة ووقارها.
وباعتبار أن الفساد صار ظاهرة عامة في مجتمعنا، ولم يعد يقتصر على مهنة دون أخرى، بل وينخر العديد من القطاعات الحيوية الأخرى في البلاد، فإن المعركة الحقيقية للتخليق، التي أصبحت ضرورة ملحة ومستعجلة بشهادة لجنة النموذج التنموي الجديد في تقريرها -، تنطلق أساسا من صحوة الضمائر والإرادة الحقيقية للاستثمار في العنصر البشري. ولن يتم ذلك إلا بتحمل الاسر لمسؤوليتها على تربية الأبناء على الاخلاق، وتلقينهم للتربية المدنية والاجتماعية، وتجويد وتحديث التعليم بجميع مستوياته، وترسيخ قيم المواطنة وجميع المبادئ التي تساعد على العيش المشترك، والنهوض بالبحث العلمي وتحفيز الكفاءات العلمية العالية الحقيقية لا المصطنعة.
ولا بد للهيئات أن تتحمل مسؤوليتها في المواكبة الأخلاقية، أمام ما آل اليه المشهد المهني من تردي، وذلك بالمراقبة المستمرة والتقويم والتأديب عند الضرورة، مع إحداث لجنة الأخلاقيات داخل مجالس الهيئات، ومداومين بالمحاكم، وإقرار آليات متطورة لمعالجة شكايات المواطنين. ووجب التفكير أيضا في سن فصل سلطة المتابعة عن سلطة التأديب وربما التفكير في مجالس تأديبية مستقلة عن المجالس الإدارية، بها رواد وقيدومين بعيدين عن الهاجس الانتخابي المصلحي الذي خرب مهنة المحاماة بالمغرب، وغيرها من الإصلاحات الممكنة.
ويبقى التخليق في جميع الأحوال، رهان استراتيجي عام، لا ينحصر في مهنة المحاماة، بل يجب أن يصبح الهم الأول للمجتمع المغربي برمته، من أجل بلورة خطة شاملة لمحاربة كافة أشكال الانحراف والفساد في سلوك الافراد الموكول لهم القيام بمهام معينة سواء داخل منظومة العدالة أو خارجها، لنصل الى تخليق حقيقي للحياة العادية والعملية، ومن تم الى تعزيز الرأسمال البشري، ليكون هذا التخليق هو الرافعة الأساسية للارتقاء بالمهنة، بهدف ارجاع الثقة اليها والى ممارسيها من قبل المستهلكين للقانون، ومن أجل بسط أرضية تساعد على تكافؤ الفرص أمام المحامين، وتفتح المجال من تم أمام تنافسية الكفاءات.