رفعت المحكمة الجنائية الدولية بالأمر باعتقال نتانياهو ووزيره في الحرب غلانت، رأس القانون الدولي ورأس القضاء الدولي عاليا، رغم المناورات والدسائس الصهيو/امريكية، وصدر الأمر باإعتقال ضدا على من أرادوا وضع المحكمة وقضاتها تحت اقدامهم أمام العالم، ومنهم مجرمي الحرب بالكيان الصهيوني و حكام البيت الأبيض والبانتاغون الأمريكي المشاركون والحلفاء مع عصابات الكيان، وكل من ناصرهم ومن والاهم وسار في تأييدهم .
و يرجع بنا أمر الدائرة التمهيدية للمحكمة بالامر بإلقاء القبض على مُجرميْ الحرب بالكيان في نونبر 2024 لثمانين عاما للوراء ليذكرنا بشهر نونبر 1944 ، أي باول محاكمة تاريخية كبرى في العالم وهي محاكمة نورنبورغ لكبار القادة السياسيين والعسكريين النازيين الضالعين في جرائم الحرب وما تلاها من محاكمات لعدد من مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية مثل موريس بالون MAURICE PAPON في أكتوبر 1997 وغيره…
اليوم المحكمة الجنائية الدولية تتكلم، وتعلن قرارها التاريخي بالقبض على بعض مجرمي الحرب عمداء الإبادة والعدوان بالكيان الصهيونى على غزة ولبنان ، رغم أنف أولئك الذين هددوا المحكمة و غَضِبوا على المدعي العام بها وعلى قضاتها، و من قاطعوها ومن منعوا التمويل عنها ومن أطلقوا عليها نيران الحقد و التهكم والانتقاص من قيمتها ولا زالوا إلى اليوم، دون أن يعيروا للعدالة الدولية أي حساب… .
لقد صَدَقَوا، ولم تذهب جهود أولئك الذين رحلوا بشكاياتهم و بدعاويهم و بملفاتهم و بوسائل الإثبات إلى مدينة لاهاي مقر المحكمة، من محاميات ومحامين ومن منظمات حقوقية وانسانية محلية واقليمية ودولية، ومن نساء ورجال الإعلام والصحافة بكل أصنافها من أجل مقاضاة المجرمين، وقدموها للمدعي العام وعرضوا الأسباب والوثائق والصور وحتى ومعها عشرات الالاف من أرواح الأطفال تحت الأنقاض و وسط القصف، وصَدَق كذلك كل من وفقوا في عشرات المئات من تظاهرات واحتجاجات في كل أنحاء العالم تأييد ومناصرة للغزاويين، كلهم وغيرهم اليوم يستبشرون بساعة الإعتقال وينتظرها عهم عالم الأحرار بالعالم…
و اليوم سيتأكد لمن طَبعَ أو تحالف أو اعترف بالكيان الصهيونى و أركان جيوشه القتلة، بأنه سقط في فخ المجرمين الذين لم يكونوا قبل اليوم و لن يكونوا بعد اليوم، لا حلفاء دبلوماسيين و لا اصدقاء في الإنسانية و لا مفاوضين سياسيين و لا ….، و تأكد له أن نبتانياهو و غلانت على رأس عصابة لا تتوقف عن ارتكاب أخطر الجرائم التي أسست من أجلها المحكمة الجنائية الدولية وقبلها المحاكم الخاصة بيوغوسلافيا و برواندا ومحكمة نورانبورغ، و انه لن يأتي منهم لا سلام ولا وقف نار و لا ضمان حياة وأمن المدنيين ولا حماية للمنشآت او المدارس او المستشفيات …
و بقرار المحكمة الجنائية الدولية أمس الخميس، تَحقق لشعوب العالم الطموحة للسلام و للنظام العالمي العادل، وتحقق للشعبين الفلسطيني واللبناني و لضحايا العدوان الصهيوني ومعهم الإنسانية كلها الانتصار الثاني بعد الانتصار الأول على الكيان أمام محكمة العدل الدولية في فبراير الماضي، ومن هنا سيكون هذا الحدث موضوعا مثيرا لمراكز البحوث السوسيو سياسية و الاستراتيجية و الجامعات العلمية ومعاهد الأبحاث في السياسات الدولية وغيرها، ومحور للنافس على بحث و تحليل واستعراض ظاهرة الإرهابي نبتانياهو و وزيره السابق غلانت، وموقع هذا الحدث وآثاره و أهميته في سياق صراع مسلح طويل ما بين شعب يقاوم من أجل بقائه وتحرره وبناء دولته، ومستعمر محتل استوطن وطرد السكان من وطنهم…
أن أسئلة كثيرة تزاحمنا وسط ما اثاره الأمر بالاعتقال ضد مجرمَيْ حرب من مستوى نتانياهو وغلانت، ومنها كيف سيتفاعل الحكام العرب مع قرار الاعتقال وموقعه على خيار التطبيع مع الكيان ؟ وما موقفهم من الكيان الصهيوني المعترف به من لدنهم بعد أن تأكدوا من الحقيقة التي حاولوا تجاهلها، وهي علمهم بأنهم تعاملوا مع مسؤول ينتمي لعصابة اجرامية؟ وبعد أن تأكد لهم بقرار أكبر محكمة جنائية دولية بالعالم أن من يترأس العصابة هو مجرم حرب كبير وجرائمه هي جرائم كيان بكل معانيه القانونية.
وفي هذا الموضوع بالذات، من حق الشعب الشعوب بالعالم أن يسألوا حكامهم، ومن واجب الحاكم أن يجيبوا عن تساؤلات شعوبهم، حول رأيهم في قرار المحكمة وهل هم مستعدون التعامل الإيجابي معه والتعاون لتنفيذه واعتقال المجرمين؟ وهل سيقبلون التبليغ عن المجرميْن إن وطئت قدماهما بلدا من بلدانهم؟ ، وهل سيقومون باستقبالهم أو يقبلون طلب اللجوء السياسي لديهم في عواصم بلدانهم ؟ وأخيرا هل سيخضعون للشرعية الدولية ولقرار محكمة هي بالأساس من منظومة هيئة الأمم المتحدة من المفروض عليهم الامتثال وتوجهاتها.
بالمغرب، لنا كمواطنين وحقوقيين وأحزاب ومؤسسات حق سماع صوت المسؤولين و معرفة الموقف السياسي للسلطات الحكومية من قرار المحكمة الجنائية الدولية، فليس الموضوع حكومي، حكومي لا يعني المواطنين ، بل هو قضية مصيرية تعني المغاربة وكرامة المغاربة و سمعة المغاربة الذين يقفون لمواجهة الإرهاب كيفما كانت جنسيته وجنسية من يمارسونه.
وهنا، انتظر كما ينتظر الكثيرون، و اتمنى في نفس الوقت وبعد هذا الحدث القانوني الكبير الذي أتى من لاهاي عاصمة العدالة العالمية، أن يُعلن المسؤولون بالحكومة المغربية بواسطة رئيسها وأمام البرلمان بغرفتيه، عن قرارين اثنين وهما قرار إلغاء و انهاء تطبيع المغرب مع الكيان الاجرامي وترحيل ممثله من الرباط، والثاني هو قرار المصادقة على نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية والالتزام بقواعد عملها وتسييرها، ومن هنا سيبدأ تاريخ المغرب الجديد مع العدالة الدولية ومع الإنهاء من الإفلات من العقاب.
وفي انتظار ذلك ، عليكم بالحكومة الا تنسوا، فإننا كمواطنين لم ننس، أننا بالمغرب فقدنا مغربيات ومغاربة من سكان فلسطين بالضفة و القطاع خلال كل الحروب المعلنة من الكيان الصهيوني ، وهؤلاء لهم الحق على المغرب وعلى حكومته في الحماية وضمان حقوقهم في العدالة، و بالتالي يبقى من واجب رئيس الحكومة إن يوجه طلب تحريك المتابعة للسلطة القضائية ضد رئيس الكيان الصهيوني ورئيس وزرائه وأركان حربه، كما يبقى من واجب النيابة العامة فتح بحث ضد عصابة الإجرام بالكيان ومع غيرهم وفتحه حتى ضد مجهولين، لأن القانون المغربي يساعدها على فتح المسطرة في مواجهة جرائم ارتكبت خارج التراب المغربي، ما دام بعض ضحايا جرائمهم هم مغاربة اصابتهم طائرات الكيان وقُتلوا بأسلحة الإرهابيين بالكيان بزعامة نتانياهو .
واخيرا فان أسوأ أنواع الظلم الاعتقاد بأن هناك عدل، ولا شك أن تنفيذ أمر الاعتقال الصادر عن المحكمة الجنائية وترحيل نتانياهو وغلانت للمحكمة وايداعهما السجن واطلاق محاكمتهما، قد يجعلنا نقول بأن العدالة احسن سلاح ضد الظلم، فما علينا أفرادا ومجتمعا محليا ودوليا إلا الإنتصار لقرار المحكمة الجنائية الدولية حتى لا يحسب علينا أننا انتصرنا للمجرمين ولكيان الأبارتيد.