يعيش المشهد السياسي المغربي مخاضا عسيرا مند الإعلان عن دستور2011، وتبدو تجليات هذا المخاض في ارتباك مختلف الأحزاب السياسة في التعامل مع هذا السياق الجديد المليء بالمستجدات التي تفرض على جميع المكونات السياسية والمجتمعية البرهنة على مصداقيتها في الدفاع عن المصلحة العليا للوطن.
وفي إطار قراءة السياق العام الذي أفرز التطورات السالف ذكرها نستحضر الدور الهام للحراك الذي عرفتها وتعرفه الدول المغاربية من ثورات واحتجاجات ، مما يؤكد وبشكل قاطع إرتفاع منسوب الوعي السياسي والرغبة في التغيير لدى هذه المجتمعات وخصوصا لدى فئات الشباب .
وقد عرف المغرب بدوره حراكا اجتماعيا وتحولا مهما، تتقاسم زعامته طرفين مهمين بل وحريصين على السير قدما نحو الأفضل ، إذ يجسد جلالة الملك الطرف الأول بينما يجسد الشباب المغربي الطرف الثاني مما أعطى تناغما وانسجاما مع روح التغيير الذي انخرط فيه المجتمع المغربي، ويمكن اعتبار خطاب 9 مارس 2011 كبداية انطلاق لثورة إصلاحية تنموية شبابية بقيادة ملكية ،فاقت أفق البرامج الحزبية الفاقدة للمسة الإبداع والابتكار في مجال الإصلاح والتطور( بل حتى مجرد التفكير في الإصلاح ).
ومازالت الأحزاب المغربية لم تستفق من هول الصدمة التي أحدثها مضمون الخطاب التاريخي ل 9 مارس 2011، إذ جاء محملا بحلول لمجمل الإشكالات الكبرى التي تتحاشى الأحزاب السياسية الدخول في مناقشتها ، باعتبارها إشكالات ليس لها ارتباط وثيق بخدمة المصالح الحزبية الضيقة من جهة، ومن جهة أخرى لكونها إصلاحات تجاوزت مستوى تفكير وتطلعات أحزابنا الفاقدة لحس الإبداع والإبتكار، الذي يتماشى مع متطلبات الصيرورة التاريخية للفكر السياسي المعاصر.
وقد توج الخطاب الملكي بوضع دستور جديد 2011 ، قيل عنه والعهدة على الأحزاب السياسية أنه من بين الدساتير الراقية في العالم ، كما أن مختلف الأطياف السياسية أشادت بروح هذا الدستور، شكلا ومضمونا .
ولأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية ، أشار المشرع المغربي إلى مجموعة من المستجدات والتي كانت فيما قبل مغيبة عن ذهنية الأحزاب السياسية ، أو ربما كان حضورها موسميا يرتبط بالحملات الانتخابية في إطار التنابز السياسي الهجين.
ودون الخوض في قراءة كل المستجدات سنقتصر فقط على إبداء بعض الملاحظات على مبدأ فصل السلطات كركن من أركان النظام الديمقراطي، فلأول مرة قام المشرع المغربي بوضع السلطات الثلاثة ( التشريعية- التنفيذية - القضائية) في أبواب متتالية في الدستور،وذلك بعد الرقي بالقضاء إلى سلطة قائمة الذات ، وكما هو معلوم أن كل سلطة تتميز بخصوصيات هندسية وعضوية تميزها عن غيرها، وترتبط فيما بينها بعلاقة مبنية على احترام القانون و خدمة الشأن العام والسهر على تنمية المغرب والمحافظة على استقراره ، والتفاني في العمل بدل التضحية بالمصلحة العليا للوطن مقابل الحفاظ على المصالح الشخصية الضيقة .
كما عرفت السلطة التنفيذية إعادة الترميم تماشيا مع الأنظمة الديمقراطية العالمية،إذ أصبحت مؤسسة رئيس الحكومة تستمد قوتها من مضامين الدستور الجديد، ولها من الصلاحيات ما يجعلها تتولى تنفيذ وتدبير الشأن العام في أريحية تامة دون اعتبار السلاحف والقنافد كعوائق التدبير لما يزيد عن سنيين من عمر الحكومة الحالية.
إن الإشكالية التي تطرحها مؤسسة رئيس الحكومة في المغرب، (في أولى صيغها بعد الدستور الجديد) ترتبط بالسيد الرئيس كشخص من جهة، ثم كمسؤول على تدبير الشأن العام للبلاد خلال فترة ولايته من جهة ثانية، ويمكن تلخيص هذه الإشكالية في شخصنة الحكومة كسلطة تنفيذية، مما يدفع للتساؤل حول ما إذا كانت مؤسسة رئيس الحكومة آلية للتنزيل السليم للدستور أم مجرد عائق لهذا التنزيل ؟
أولا : شخصنة مؤسسة رئاسة الحكومة
تعتبر الشخصية من المفاهيم الفلسفية التي نالت حظها من النقاش والجدل الفكري والفلسفي، سواء حول أنماطها وجوهرها وتفاعلها مع الصيرورة التاريخية للأحداث والوقائع ، فإما أن تكون الشخصية فاعلة في تاريخ الحدث أو موضوع الحدث في حد ذاته .
وبالرجوع إلى مؤسسة رئاسة الحكومة وما لها من رمزية وطنية في أنظار المغاربة ، والآمال المعقودة عليها من أجل الاستجابة لمطالبة المواطنين، نطرح التساؤل التالي هل رئيس الحكومة في تصرفاته كمسؤول حكومي وسياسي يجسد حقيقة مكانة المؤسسة الحكومية التي خرجت من الحزب الفائز في الانتخابات ؟
إن تدبير الشأن العام وتولي تدبير أمور البلاد والعباد تقتضي أن يكون المسؤول وطنيا وغيورا على المصلحة العليا لوطنه ، لا أن يسعى إلى استجداء عطف الآخر ونيل رضاه، وهذا ما لم يتحقق في رئيس حكومتنا هداه الله .
وتعتبر المدة التي قضتها الحكومة الحالية كافية لتوجيه بعض النقد لمن يرأسها ، والذي منحه دستور 2011 صلاحيات واسعة لكنها تحتاج إلى شخصية وطنية قوية وغيورة على المصلحة العليا للوطن وهذا ما تفتقر إليه مؤسسة رئاسة الحكومة ، التي تسعى إلى نيل رضى الآخر ولو كان ذلك على حساب التضحية بالوطن ، والغريب في الأمر أن خطاب 9 مارس 2011 جاء بحمولة إصلاحية بقيادة جلالة الملك مبرمجة على المضي قدما بالمغرب نحو سلم الدول الديمقراطية لكن و نظرا للتأثير السلبي لمرحلة الفكر الأبوي البطريركي على تنشئة السيد رئيس الحكومة، فإنه مازال لم يستسغ فكرة أنه رئيس حكومة للبلد وليس رب أسرة .
و إذا كان ماكس فيبر ميز بين ثلاثة نماذج من المشروعية السياسية و هي: المشروعية التاريخية ، المشروعية الكاريزماتية، المشروعية العقلانية ،فإن مؤسسة رئاسة الحكومة في ظل دستور 2011 خارجة عن هذا التصنيف إذ ربما أغفل ماكس فيبر نوع آخر من المشروعية ألا وهي " المشروعية الشعبوية أو الزنقوية " التي عرفت أوجها في ظل أول رئاسة حكومة لما بعد دستور 2011 .
إن شخصنة تدبير الشأن العام أو الممارسة السياسية في المغرب تعد من بين العراقيل التي تحول دون التنزيل السليم للدستور الذي جاء بمستجدات اعتبرها الجميع بمثابة ثورة حقيقية وسلمية وحضارية ،أضف إلى ذلك أن مسايرة التنمية الشاملة والإنخراط في السياق الكوني الحداثي بمختلف أنساقه لا يمكن بلوغه من خلال مؤسسات لا تفرق بين تدبير الشأن العام وتدبير شؤون الأسرة (مثل مؤسسة رئاسة الحكومة في نسختها الحالية )، والتي ضيعت من الزمن ما يزيد عن سنتين في تبادل السب والقذف كسابقة في المشهد السياسي المغربي ، وكل هذه التصرفات الصبيانية من أجل الإبقاء على شعوية الحزب الحاكم ولو على حساب القدرة الشرائية للمواطنين ، في تجاهل تام للمرجعية الإسلامية للحزب.
وإذا كانت الشخصنة كشبح يلاحق السيد رئيس الحكومة في حله وترحاله وفي ممارساته اليومية فعلى الأقل في دواليب الدولة ومؤسساتها عليه استحضار حرمة الأماكن فلكل مقام مقال، حتى يحس المواطن المغربي أنه أدلى بصوته من أجل اختيار رئيس حكومة وليس من أجل اختيار مواطن فائز.
ثانيا : شخصنة المسؤولية
لقد جاء في فصول الدستور الجديد مبدأ الحكامة الجيدة المبني على ربط المسؤولية بالمحاسبة، مما يعني أن السيد رئيس الحكومة مسؤول عن نتائج حكومته خلال ولايتها الحالية، لكن قبل ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب معرفة المسؤول عن الحكومة هل الملك أم رئيس الحكومة الذي يربط السلطة التنفيذية مباشرة بجلالة الملك متجاوزا الصلاحيات المخولة له دستوريا في وضع برنامج سياسي، والإنخراط في التنزيل السليم للدستور بغية الاستجابة لانتظارات المواطنين أو على الأقل الناخبين الذين صوتوا على السيد رئيس الحكومة و أمين عام حزب العدالة والتنمية ( باعتباره وحسب تعبيره ليس رئيس حكومة لكل المغاربة وإنما للمصوتين عليه فقط).
إن تقلد المسؤولية في جميع البلدان ليس تشريفا أو مكافأة بقدر ما هو تكليف مع أداء الحساب في حينه، فرئاسة الحكومة كمؤسسة تقتضي تمثيل الدولة المغربية داخليا وخارجيا أحسن تمثيل وتستدعي التحلي بالوطنية والصدق، فيكفينا من الهرطقة والسفسطائية التي تنم عن تجاهل تام للمصلحة العليا للوطن، فالسيد رئيس الحكومة مكلف وليس مشرف في منصبه الحكومي فاليوم عمل وغدا حساب، وغدا حساب بلا عمل ، فماذا أعد السيد الرئيس ليوم الحساب؟ أليس من العيب والعار أن تكون أول مؤسسة رئيس حكومة عائقا للتنزيل السليم لدستور2011؟ ومن العيب أيضا أن يتم تمييع عمل السلطة التنفيذية خصوصا في نسختها الأولى والتي عرفت خروج حزب الإستقلال كأبرز مكونات هذه الحكومة .
إن العيوب العالقة بتدبير الشأن العام والتي تعود في أسبابها إلى شخصنة المسؤولية وعدم التميز بين تسيير الشأن العام وتسيير الشأن الحزبي، توضح بشكل قاطع أن الأحزاب السياسية المغربية لم تعد صالحة في صيغتها ووضعها الراهن للمشاركة في تدبير أمور هذا البلد وعاجزة أيضا عن إرساء أسس النظام الديمقراطي ، بل لم تعد قادرة على مواكبة ايقاع الديمقراطية التشاركية عوض الديمقراطية التمثيلية .
وختاما نتمنى أن يحظى المغاربة كمواطنين بمسؤولين سياسيين وطنيين غيورين على المصلحة العليا لهذا البلد، واستخلاص الدروس والعبر مما يقع في بلدان الجوار التي عرفت الثورات خلال الربيع العربي، ويبقى الوطن للجميع دون مزايدات شخصية وسياسوية ، فالمواطنة غير قابلة للشخصنة .
وفي إطار قراءة السياق العام الذي أفرز التطورات السالف ذكرها نستحضر الدور الهام للحراك الذي عرفتها وتعرفه الدول المغاربية من ثورات واحتجاجات ، مما يؤكد وبشكل قاطع إرتفاع منسوب الوعي السياسي والرغبة في التغيير لدى هذه المجتمعات وخصوصا لدى فئات الشباب .
وقد عرف المغرب بدوره حراكا اجتماعيا وتحولا مهما، تتقاسم زعامته طرفين مهمين بل وحريصين على السير قدما نحو الأفضل ، إذ يجسد جلالة الملك الطرف الأول بينما يجسد الشباب المغربي الطرف الثاني مما أعطى تناغما وانسجاما مع روح التغيير الذي انخرط فيه المجتمع المغربي، ويمكن اعتبار خطاب 9 مارس 2011 كبداية انطلاق لثورة إصلاحية تنموية شبابية بقيادة ملكية ،فاقت أفق البرامج الحزبية الفاقدة للمسة الإبداع والابتكار في مجال الإصلاح والتطور( بل حتى مجرد التفكير في الإصلاح ).
ومازالت الأحزاب المغربية لم تستفق من هول الصدمة التي أحدثها مضمون الخطاب التاريخي ل 9 مارس 2011، إذ جاء محملا بحلول لمجمل الإشكالات الكبرى التي تتحاشى الأحزاب السياسية الدخول في مناقشتها ، باعتبارها إشكالات ليس لها ارتباط وثيق بخدمة المصالح الحزبية الضيقة من جهة، ومن جهة أخرى لكونها إصلاحات تجاوزت مستوى تفكير وتطلعات أحزابنا الفاقدة لحس الإبداع والإبتكار، الذي يتماشى مع متطلبات الصيرورة التاريخية للفكر السياسي المعاصر.
وقد توج الخطاب الملكي بوضع دستور جديد 2011 ، قيل عنه والعهدة على الأحزاب السياسية أنه من بين الدساتير الراقية في العالم ، كما أن مختلف الأطياف السياسية أشادت بروح هذا الدستور، شكلا ومضمونا .
ولأول مرة في تاريخ الدساتير المغربية ، أشار المشرع المغربي إلى مجموعة من المستجدات والتي كانت فيما قبل مغيبة عن ذهنية الأحزاب السياسية ، أو ربما كان حضورها موسميا يرتبط بالحملات الانتخابية في إطار التنابز السياسي الهجين.
ودون الخوض في قراءة كل المستجدات سنقتصر فقط على إبداء بعض الملاحظات على مبدأ فصل السلطات كركن من أركان النظام الديمقراطي، فلأول مرة قام المشرع المغربي بوضع السلطات الثلاثة ( التشريعية- التنفيذية - القضائية) في أبواب متتالية في الدستور،وذلك بعد الرقي بالقضاء إلى سلطة قائمة الذات ، وكما هو معلوم أن كل سلطة تتميز بخصوصيات هندسية وعضوية تميزها عن غيرها، وترتبط فيما بينها بعلاقة مبنية على احترام القانون و خدمة الشأن العام والسهر على تنمية المغرب والمحافظة على استقراره ، والتفاني في العمل بدل التضحية بالمصلحة العليا للوطن مقابل الحفاظ على المصالح الشخصية الضيقة .
كما عرفت السلطة التنفيذية إعادة الترميم تماشيا مع الأنظمة الديمقراطية العالمية،إذ أصبحت مؤسسة رئيس الحكومة تستمد قوتها من مضامين الدستور الجديد، ولها من الصلاحيات ما يجعلها تتولى تنفيذ وتدبير الشأن العام في أريحية تامة دون اعتبار السلاحف والقنافد كعوائق التدبير لما يزيد عن سنيين من عمر الحكومة الحالية.
إن الإشكالية التي تطرحها مؤسسة رئيس الحكومة في المغرب، (في أولى صيغها بعد الدستور الجديد) ترتبط بالسيد الرئيس كشخص من جهة، ثم كمسؤول على تدبير الشأن العام للبلاد خلال فترة ولايته من جهة ثانية، ويمكن تلخيص هذه الإشكالية في شخصنة الحكومة كسلطة تنفيذية، مما يدفع للتساؤل حول ما إذا كانت مؤسسة رئيس الحكومة آلية للتنزيل السليم للدستور أم مجرد عائق لهذا التنزيل ؟
أولا : شخصنة مؤسسة رئاسة الحكومة
تعتبر الشخصية من المفاهيم الفلسفية التي نالت حظها من النقاش والجدل الفكري والفلسفي، سواء حول أنماطها وجوهرها وتفاعلها مع الصيرورة التاريخية للأحداث والوقائع ، فإما أن تكون الشخصية فاعلة في تاريخ الحدث أو موضوع الحدث في حد ذاته .
وبالرجوع إلى مؤسسة رئاسة الحكومة وما لها من رمزية وطنية في أنظار المغاربة ، والآمال المعقودة عليها من أجل الاستجابة لمطالبة المواطنين، نطرح التساؤل التالي هل رئيس الحكومة في تصرفاته كمسؤول حكومي وسياسي يجسد حقيقة مكانة المؤسسة الحكومية التي خرجت من الحزب الفائز في الانتخابات ؟
إن تدبير الشأن العام وتولي تدبير أمور البلاد والعباد تقتضي أن يكون المسؤول وطنيا وغيورا على المصلحة العليا لوطنه ، لا أن يسعى إلى استجداء عطف الآخر ونيل رضاه، وهذا ما لم يتحقق في رئيس حكومتنا هداه الله .
وتعتبر المدة التي قضتها الحكومة الحالية كافية لتوجيه بعض النقد لمن يرأسها ، والذي منحه دستور 2011 صلاحيات واسعة لكنها تحتاج إلى شخصية وطنية قوية وغيورة على المصلحة العليا للوطن وهذا ما تفتقر إليه مؤسسة رئاسة الحكومة ، التي تسعى إلى نيل رضى الآخر ولو كان ذلك على حساب التضحية بالوطن ، والغريب في الأمر أن خطاب 9 مارس 2011 جاء بحمولة إصلاحية بقيادة جلالة الملك مبرمجة على المضي قدما بالمغرب نحو سلم الدول الديمقراطية لكن و نظرا للتأثير السلبي لمرحلة الفكر الأبوي البطريركي على تنشئة السيد رئيس الحكومة، فإنه مازال لم يستسغ فكرة أنه رئيس حكومة للبلد وليس رب أسرة .
و إذا كان ماكس فيبر ميز بين ثلاثة نماذج من المشروعية السياسية و هي: المشروعية التاريخية ، المشروعية الكاريزماتية، المشروعية العقلانية ،فإن مؤسسة رئاسة الحكومة في ظل دستور 2011 خارجة عن هذا التصنيف إذ ربما أغفل ماكس فيبر نوع آخر من المشروعية ألا وهي " المشروعية الشعبوية أو الزنقوية " التي عرفت أوجها في ظل أول رئاسة حكومة لما بعد دستور 2011 .
إن شخصنة تدبير الشأن العام أو الممارسة السياسية في المغرب تعد من بين العراقيل التي تحول دون التنزيل السليم للدستور الذي جاء بمستجدات اعتبرها الجميع بمثابة ثورة حقيقية وسلمية وحضارية ،أضف إلى ذلك أن مسايرة التنمية الشاملة والإنخراط في السياق الكوني الحداثي بمختلف أنساقه لا يمكن بلوغه من خلال مؤسسات لا تفرق بين تدبير الشأن العام وتدبير شؤون الأسرة (مثل مؤسسة رئاسة الحكومة في نسختها الحالية )، والتي ضيعت من الزمن ما يزيد عن سنتين في تبادل السب والقذف كسابقة في المشهد السياسي المغربي ، وكل هذه التصرفات الصبيانية من أجل الإبقاء على شعوية الحزب الحاكم ولو على حساب القدرة الشرائية للمواطنين ، في تجاهل تام للمرجعية الإسلامية للحزب.
وإذا كانت الشخصنة كشبح يلاحق السيد رئيس الحكومة في حله وترحاله وفي ممارساته اليومية فعلى الأقل في دواليب الدولة ومؤسساتها عليه استحضار حرمة الأماكن فلكل مقام مقال، حتى يحس المواطن المغربي أنه أدلى بصوته من أجل اختيار رئيس حكومة وليس من أجل اختيار مواطن فائز.
ثانيا : شخصنة المسؤولية
لقد جاء في فصول الدستور الجديد مبدأ الحكامة الجيدة المبني على ربط المسؤولية بالمحاسبة، مما يعني أن السيد رئيس الحكومة مسؤول عن نتائج حكومته خلال ولايتها الحالية، لكن قبل ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب معرفة المسؤول عن الحكومة هل الملك أم رئيس الحكومة الذي يربط السلطة التنفيذية مباشرة بجلالة الملك متجاوزا الصلاحيات المخولة له دستوريا في وضع برنامج سياسي، والإنخراط في التنزيل السليم للدستور بغية الاستجابة لانتظارات المواطنين أو على الأقل الناخبين الذين صوتوا على السيد رئيس الحكومة و أمين عام حزب العدالة والتنمية ( باعتباره وحسب تعبيره ليس رئيس حكومة لكل المغاربة وإنما للمصوتين عليه فقط).
إن تقلد المسؤولية في جميع البلدان ليس تشريفا أو مكافأة بقدر ما هو تكليف مع أداء الحساب في حينه، فرئاسة الحكومة كمؤسسة تقتضي تمثيل الدولة المغربية داخليا وخارجيا أحسن تمثيل وتستدعي التحلي بالوطنية والصدق، فيكفينا من الهرطقة والسفسطائية التي تنم عن تجاهل تام للمصلحة العليا للوطن، فالسيد رئيس الحكومة مكلف وليس مشرف في منصبه الحكومي فاليوم عمل وغدا حساب، وغدا حساب بلا عمل ، فماذا أعد السيد الرئيس ليوم الحساب؟ أليس من العيب والعار أن تكون أول مؤسسة رئيس حكومة عائقا للتنزيل السليم لدستور2011؟ ومن العيب أيضا أن يتم تمييع عمل السلطة التنفيذية خصوصا في نسختها الأولى والتي عرفت خروج حزب الإستقلال كأبرز مكونات هذه الحكومة .
إن العيوب العالقة بتدبير الشأن العام والتي تعود في أسبابها إلى شخصنة المسؤولية وعدم التميز بين تسيير الشأن العام وتسيير الشأن الحزبي، توضح بشكل قاطع أن الأحزاب السياسية المغربية لم تعد صالحة في صيغتها ووضعها الراهن للمشاركة في تدبير أمور هذا البلد وعاجزة أيضا عن إرساء أسس النظام الديمقراطي ، بل لم تعد قادرة على مواكبة ايقاع الديمقراطية التشاركية عوض الديمقراطية التمثيلية .
وختاما نتمنى أن يحظى المغاربة كمواطنين بمسؤولين سياسيين وطنيين غيورين على المصلحة العليا لهذا البلد، واستخلاص الدروس والعبر مما يقع في بلدان الجوار التي عرفت الثورات خلال الربيع العربي، ويبقى الوطن للجميع دون مزايدات شخصية وسياسوية ، فالمواطنة غير قابلة للشخصنة .