MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




المناخ الاجتماعي و مفتشية الشغل

     

عماد يعقوبي




تنقسم علاقة الشغل إلى قسمين :

             - علاقة الشغل الفردية
              - علاقة الشغل الجماعية

يمكن التعبير عن القسم الأول بأنه القسم الذي تندرج ضمنه تلك العلاقات التي تربط بين الأجير باعتباره فردا مع مشغله، وتتأسس بشكل مبدئي على مبدأ التبعية والامتثال من قبل الأجير لقاء تسليم أجر وضمان باقي الحقوق القانونية من قبل المشغل.

أما القسم الثاني فهو ذلك القسم الذي يتعامل فيه الأجراء باعتبارهم جماعة مع مشغلهم إما لتطوير وضعيتهم الجماعية أو للدفاع جماعة عن حقوق قانونية أو مكتسبة.

ولكل قسم من القسمين منهجية تعامل خاصة به، إذ أن القسم الأول يتطلب في الأحوال العادية توجيه الأوامر والتعليمات للأجير لإنجاز شغل مقابل أجر كما سبقت الإشارة، وقد يستدعي في حالة النزاع تدخل مفتشية الشغل من أجل تسوية حبية لأسباب النزاع، وفي حالة تعذرها يمكن اللجوء إلى القضاء لأجل الفصل والبث فيه بناء على ما هو معروف في أنظمة التقاضي وانسجاما مع قواعد العدالة. فيما يتطلب القسم الثاني التفاوض والإقناع، وقد يتطور إلى صراع قوى مما يستلزم تدخل عدة هيئات تتمثل أساسا في مفتشية الشغل والسلطة المحلية وقد يصل الأمر إلى تدخل وزارة التشغيل أو التحكيم.

وتكتسي العلاقات الجماعية أو ما يسمى بالعلاقات المهنية أو المناخ الاجتماعي، بحسب اختلاف التسميات، أهمية بالغة الخطورة بحيث قد تؤثر على الأمن والاستقرار الاجتماعيين وقد يخلق آثارا وخيمة على الاستثمار والحركية الاقتصادية مما ينعكس على فرص الشغل و التشغيل في نهاية المطاف.
و لعل الدور الذي تمارسه مفتشية الشغل في مجال تدبير المناخ الاجتماعي هو دور ذو أهمية قصوى باعتباره يتحرك ضمن إطار من حدين هما الحقوق والحريات الأساسية في العمل و بنفس القدر ضمان نمو المقاولة واستمراريتها وبعبارة أخرى تجد مفتشية الشغل نفسها مدفوعة بهم اقتصادي اجتماعي يرتكز على حماية مصلحتين تبدوان متضاربتين لكنهما في الحقيقة متكاملتان:

- مصلحة الأجراء من خلال ضمان حقوقهم ( الأجر، الضمان الاجتماعي، الصحة والسلامة في الشغل، ...الخ)؛
- مصلحة المقاولة على أساس اعتبارين: - تطوير وتنمية النشاط الاقتصادي وهو ما قد ينعكس على الاعتبار الثاني؛
                                          - الحفاظ على مناصب الشغل القائمة وتنمية حجم اليد العاملة مستقبلا.

و إذا كانت مدونة الشغل قد نصت في مادتها 532 على اختصاصات مفتشي الشغل بالشكل التالي:

1- السهر على تطبيق الأحكام التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالشغل.
2- إعطاء المشغلين والأجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل لمراعاة الأحكام القانونية.
3- إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها.
4- إجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية.

و يمكن بناء على هذا التحديد مضافا إليه مقتضيات مسطرة تسوية نزاعات الشغل الجماعية تصنيف اختصاصات مفتش الشغل ضمن أصناف ثلاثة كبرى:

- الاختصاص الإعلامي أو التواصلي.

- الاختصاص الوقائي.

- الاختصاص العلاجي.

و فيما يلي توضيح لكل منها في ارتباطها مع المناخ الاجتماعي.

I- الاختصاص التواصلي:

يقوم مفتش الشغل بعمل تواصلي قوامه الإعلام بأي نقص في تطبيق تشريع الشغل إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل وقد يصل أحيانا إلى نقله إلى القضاء للبث فيه واتخاذ الإجراءات القانونية المفروض القيام بها في حالة المخالفة.
كما يقوم بإرشاد ونصح وإعطاء التعليمات القانونية اللازمة للمشغلين والأجراء على حد سواء.
ولعله من نافلة القول الحديث عن أهمية المعلومات في ضمان حركية هادئة وتطور سليم للمناخ الاجتماعي. بحيث يمكن إرجاع أغلب التوترات التي تمس العلاقات المهنية إلى الجانب الإعلامي أو المعلومات إما لعدم الإحاطة بها أو لقصور في إدراكها أو تفاوت في فهمها أو اختلاف في تفسيرها.
وهكذا وبناء على الدور الإعلامي لمفتش الشغل يجد كلا طرفي علاقة الإنتاج نفسيهما بحاجة إلى تدخل مفتشية الشغل إلا أن هذا الدور يتفاوت في ظهوره و اختفائه على المستوى التشريعي.
لقد نصت مدونة الشغل وأرست دعائم نظام قانوني اتفاقي. فقد حددت الحدود الدنيا لحقوق الأجراء لكنها فتحت بابا واسعا نحو تحسينها عبر تقنية المفاوضة الجماعية ونظام الاتفاقية الجماعية.
فإذا كان المشرع الاجتماعي المغربي قد عرف في المادة 92 من مدونة الشغل المفاوضة الجماعية بكونها "الحوار الذي يجري بين ممثلي المنظمات الأكثر تمثيلية أو الاتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة، و بين مشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى"، فإنه مع ذلك حدد دور السلطة الحكومية المكلفة بالشغل بموجب المادة 99 في توفير الإحصاءات والبيانات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية وغيرها لتسهيل إجراء المفاوضة الجماعية. كما أن نسخة من محضر نتائج المفاوضة الجماعية توَجَّه إلى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل.
هذا بالإضافة إلى إحداث مجلس المفاوضة الجماعية والذي يرأسه الوزير المكلف بالشغل، وحدد الهدف منه في تطوير وتشجيع الاتفاقيات الجماعية وتعميمها. وكذلك إعطاء الرأي والتفسير للمقتضيات المرتبطة بالاتفاقيات الجماعية.
وعموما يتضح من خلال تحليل المقتضيات التشريعية الخاصة بالمفاوضة الجماعية أن دور مفتش الشغل هو دور قناة الاتصال و ليس إطارا للتدبير، إلا أنه على المستوى الواقعي يبقى له دور المسهل وقد يصل أحيانا إلى دور القوة الاقتراحية استنادا إلى خبرته وعلاقاته مع الطرفين المعنيين. هذا من جانب تسهيل التفاوض وتدعيمه. إلا أن هناك جانبا لا يقل أهمية وهو المتمثل في تبليغ المصلحة المركزية (مديرية الشغل) شهريا عن وضعية المناخ الاجتماعي سواء كان هادئا أو قليل الهيجان أو عاصفا، مع تفاصيل النزاعات الجماعية وأوضاع الإضرابات وأسبابها وآراء الطرفين وعدد أيام الشغل الضائعة. ولا حاجة للتأكيد على أهمية هذه العملية نظرا لما تسلطه من ضوء على الزوايا البعيدة عن نظر المصالح المركزية حتى تدخل في حساباتها عند مراجعة النصوص القانونية أو التنظيمية ذات الصلة بعالم الشغل.
ولما كان الدور الاتصالي لمفتش الشغل ذا بعد توضيحي للنصوص، فإنه يتكامل بذلك مع دور آخر لا يقل أهمية في اختصاصات مفتشي الشغل وله تأثير مهم في تدبير المناخ الاجتماعي، والمقصود به الدور الوقائي.

II -الدور الوقائي و المناخ الاجتماعي :

مما لا شك فيه أن درء المشاكل أفضل من تدبيرها. و أفضل السبل لذلك هو التيقظ لمسبباتها و هو ما يستدعي من مفتشية الشغل القيام بدور وقائي و لم لا استباقي لأي توتر اجتماعي.
يندرج هذا الدور في أصل وجود مفتشية الشغل، فزيارات المراقبة والتفتيش هي لرصد مدى احترام وتطبيق تشريع الشغل من قبل المشغلين ومدى مراعاة شروط الصحة والسلامة في الشغل، وعدم المس بالحقوق الأساسية في الشغل و المتمثلة أساسا في :
                   - احترام الحرية النقابية
                    - عدم التمييز بين الرجل و المرأة في الأجر
                    - عدم تشغيل الأطفال
ويمكن التمثيل على الدور الوقائي لمفتش الشغل باشتراط المشرع موافقة المفتش على أي إجراء يهدف إلى نقل أو توقيف أو فصل مندوب الأجراء أو نائبه (م 457) مع توفير نفس الحماية لكل من الممثل النقابي(م 472) و طبيب الشغل (م 313).
ولما كانت الجهود الوقائية قابلة للتجاوز بمعنى أنها لا تكون دائما كافية للحؤول دون وقوع المشاكل والتي تتطور إلى نزاعات فإن مفتش الشغل يضطلع إذ ذاك بدور علاجي ينحو نحو التسوية والمصالحة.

III-الدور العلاجي لمفتش الشغل و المناخ الاجتماعي: تسوية نزاعات الشغل الجماعية

عرفت مدونة الشغل في المادة 549 نزاعات الشغل الجماعية بكونها كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية أو مجموعة من الأجراء.
و يكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء الأجراء. كما تعد النزاعات التي يكون أحد أطرافها مشغل أو عدة مشغلين أو منظمة نقابية و يكون هدفها الدفاع عن مصالح هذه الأطراف.
و قد حددت المدونة مستويات التدخل لحل هذه الخلافات في المستويات التالية:

         - مفتش الشغل
         - المندوب الإقليمي للتشغيل
         - اللجنة الإقليمية للبحث و المصالحة
         - اللجنة الوطنية للبحث و المصالحة
         - التحكيم

لقد حددت المادة 552 الحالة التي يتدخل فيها مفتش الشغل باعتبارها الحالة التي يهم فيها النزاع الجماعي مقاولة واحدة بحيث إن النزاع الجماعي الذي يهم عدة مقاولات يكون راجعا إلى مندوب التشغيل. و إذا حللنا مواد المدونة ذات الصلة بحل نزاعات الشغل الجماعية نجدها تنظر إلى مستويات وهيئات الحل من خلال مختلف مراحل تطور النزاع، نستخلص أن نية المشرع هي إسناد النظر في النزاعات الجماعية في مرحلتها الابتدائية إلى مفتش الشغل مع كل ما تعنيه هذه المرحلة سواء من حيث حدة النزاع أو عدد النقاط الخلافية التي تشكل جوهر النزاع. ولعل في ذلك نوعا من الاعتماد على طبيعة عمل مفتشية الشغل والعلاقات التي تنسجها مع مختلف أطراف العلاقات المهنية، والمعلومات التي تحوزها بشأن طبيعة المقاولة وظروفها.

إلا أن هذا الاعتماد وإن كان مراعيا لكل تلك الاعتبارات فإنه ليس مؤيدا بصلاحيات قانونية أو بمقتضيات عقابية كما هو الحال بالنسبة للمستويات والهيئات الأخرى المخولة حل النزاعات الجماعية.

ذلك أن المدونة تمنح كلا من رئيس اللجنة الإقليمية أو اللجنة الوطنية والمحكم صلاحيات إجراء البحوث والتحريات الضرورية للاطلاع على ظروف النزاع وجزئياته ولتجميع مختلف المعلومات الخاصة به لكي يتسنى حله، في حين أن هذه الصلاحية ليست ممنوحة لا لمفتش الشغل و لا لمندوب التشغيل وإن كان الأخير مكلفا بكتابة اللجنة الإقليمية للبحث و المصالحة.

كما أن عدم حضور أحد طرفي النزاع في مرحلة عرض النزاع على مفتشية الشغل ل يترتب عنه أي مقتضى عقابي إزاء المتغيب عكس ما يقع بخصوص المراحل اللاحقة إذ يحرر محضر التغيب ويحال على مندوب التشغيل الذي يحيله على القضاء، وقد يترتب عن ذلك غرامة ضد المقترف تتراوح ما بين عشرة آلاف إلى عشرين ألف درهم. وهي نفس الغرامة التي تفرض في حالة الامتناع عن تزويد المستويات الأخرى بالمعلومات التي تطلبها (المادة 585 م.ش.).
وعموما فإن تدخل مفتشية الشغل في حل نزاعات الشغل الجماعية هو من الأهمية بحيث يجب تدعيمه و تأييده بمزيد من الصلاحيات و المقتضيات القانونية الكافية واللازمة حتى يتسنى له القيام بما يستلزمه توفير الجو المناسب لنمو الاستثمار و اضطلاع المقاولة بمسؤوليتها الاجتماعية.






الاربعاء 12 مارس 2014

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter