كثر الحديث في القوانين عن مدى احترامها للنظام العام والآداب العامة اللتين تعتبران فكرتان مرنتان يعتمد عليهما في سياق ركب التطور الذي عرفه المجتمع، ورغم أنهما لم تلقيا تعريفا واضحا، فإن هذا ما يجعل الاستعصاء على تقديم تعريف لهما من أهم الأمور الذي جعلت التشبث بهما أمرا معقولا، والرضوخ لهما فعلا واجبا، والناموس الأدبي المستقر في مجتمع معين لاشك أنه واجب الاتباع والخروج عنه خروج عن ما تعارف عليه المجتمع حتى أصبح يشكل قاعدة مجتمعية أو لربما عرف تعارف عليه الأفراد.
والمستهلك فرد من المجتمع الاستهلاكي الذي يفرض فيه إتباع الناموس الأدبي المتعارف عليه في كل منطقة على حدة، فلا تكاد تجد مجتمع إلا وله من الآداب ما ليس في غيره رغم أن الدين يبقى المتحكم الأول في هذه الروابط التي قد تقوم بين أفراد المجتمع، وشتان بين هذا وذاك - والتذكير به هنا ليس من باب المقارنة وإنما من باب الاستشهاد - والتنوير الذي يقوم على أساسه مجموع الروابط العقدية الاستهلاكية الغزيرة، فمنهم من أخذ على عاتقه توفير الطعام والملبس ومنهم من نحى نحو تقديم خدمات النقل والصيانة، والبعض ركن لتوفير منتوج إلكتروني، وعموما كل ما يحتاج إليه الطرف الثاني الذي أخذ على عاتقه تلبية مختلف الحاجيات التي يحتاج إليه كمستهلك.
غير أن التساؤل الذي يطرح في هذا الشأن ما هو الناموس الأدبي الواجب في هاته الروابط؟ والآثار التي يمكن أن يرتبها الناموس الأدبي؟
لمعالجة هاته الأسئلة، ارتأت الدراسة الاعتماد على محورين اثنين يتم من خلالها تسليط الضوء في المحور الأول على دور الناموس الأدبي في مجال الروابط الاستهلاكية، وتخصيص المحور الثاني لآثار الناموس الأدبي في مجال الروابط الاستهلاكية.
المحور الأول: دور الناموس الأدبي في مجال الروابط الاستهلاكية
للناموس الأدبي أدوار جمة لا تحصى ولا تعد في تنظيم سلوكيات المجتمع[1]، وحتى قبل ظهور القانون، وتسن مجموعة من القواعد الأخلاقية لدى المجتمعات الاستهلاكية.
وتمثلات عدة تسن من خلال تلك النواميس الأدبية التي تهدف إلى ضبط العلاقة بين المستهلك والمورد حتى لا يشعر المجتمع الاستهلاكي بأن التشريع وحده هو من ينظم العلاقات التعاقدية الاستهلاكية المجراة بدون إشعار ولا تفكير مسبق ما يجعل الحاجة إلى النواميس الأدبية ضرورة ملحة.
ولا شك أن قيام البائع بوضع السلعة المبلولة في الأسفل غش لا يجب السكوت عنه، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من غش فليس مني}[2]، ويقاس على هذا الأمر كل غش استجلى وظهر فالناموس الأدبي يعارض كل غش، ويجعل المجتمع حسيب نفسه لمعارضة من عارض هذا الناموس الأدبي الذي كان يقوم به المحتسب كوظيفة دينية تقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأزمنة الخوالي منذ أن كانت السيدة سمراء بنت نهيك الأسدية رضي الله عنها أدركت رسول الله وعُمِّرَتْ، وكانت تمرُّ في الأسواق، وتأمرُ بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها، قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ﴾[3].
وعدم إظهار مساوئ السلع فعل ممنوع، و بيع مادة معرضة للشمس يجب أن تحتفظ بدرجة برودة معينة من شأن أشعة الشمس أن تعرضها للتلف وتصبح بالتالي خطيرة على صحة الإنسان، وبقاء منتوج مدة طويلة لدى البائع حتى تصبح صلاحية الاستهلاك منتهية، والأدهى من ذلك أن يتم استبدال تاريخها مما يضر صحة المستهلك وتدهور حالته، والتي قد لا تظهر إلا بعد فوات مدة طويلة من الزمن، وعدم احترام الضوابط المرعية في كيفية الذبح، وعدم ذكر اسم الله عليها، والتبرك بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى قبل البيع، واتقاء الله في الثمن المعروض به للبيع، ومنع الزيادة في الأسعار دون توافق متبادل ومتراض، وعدم زيادة الثلث في البيع، وضمان مراقبة السلع من آليات المراقبة اللازمة لذلك، وعدم احترام الاعتماد الصحي والمراقبة البيطرية للمقتنيات الدوائية والصيدلية، وتوفير الخدمة المعقولة واستعمال الأدوات حسب قيمتها المعروضة في السوق دون احتيال، والتعهد بإرجاع السلعة ورد الثمن أو استبدالها ببضاعة أخرى متى كانت معيبة أو ناقصة أو يشوبها أي خلل.
هذا فيض من غيض، ازداد معه تطلب الأدب في الممارسات الاستهلاكية لما كثرت البيوع عن بعد وخارج المحلات التجارية والبيع الالكتروني، مما أصبح التعاقد ينتقل من التعاقد عن طريق الأبدان للتعاقد عن طريق الأذهان، وانتشار الشبكات العنكبوتية والهواتف وباقي وسائل الاتصال العجيبة في عصرنا هذا، كل هذا وأشياء أخرى مما يقوم به التاجر الصدوق الأمين والذي وصف به كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري:" التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".
ولا يتقي الله إلا صاحب خلق ودماثة النفس والصبر على البلاء، كلها أدوار للناموس الأدبي التي تعمل عملها وتستشرى بين الناس وتصبح ورقة رابحة في كل معاملة سوف تجرى مستقبلا، وكلما راعت البشرية لهذه المنغصات التي للأسف يخطو خطاها الكثيرون من أجل إرضاء نزعتهم وإشباع غايتهم والوصول إلى مال حرام، فكيف لا يكون حرام وأنت تعرف يقينا بأنك بعت سلعة منتهية الصلاحية، وكيف لا وأنت تبيع سلعة مسروقة أو منتهية وأخذ المال منها، فبائع الخمر الذي يفسد الشباب ويخرب العقول هل هذا مال المكتسب منها حلال!
إن الاقتضاء بالناموس الأدبي من قبل مجتمع ما دلالة قوية على تشبعه بالدين الإسلامي ولا خوف عليه، ولا يحتاج إلى قانون ليعرفه مكارم الأخلاق، فما هو الأثر الذي يخلقه الناموس الأدبي يا ترى في المجتمعات؟
المحور الثاني: آثار الناموس الأدبي في مجال الروابط الاستهلاكية
كثرت الأدوار التي يقوم بها الناموس الأدبي، لينبه على أن الأمر لا يحتاج إلى قواعد يسترشد بها، وحتى إلى مبادئ استهلاكية يسير على خطاها الأفراد وقبل ذلك التشريعات التي سنت نصوصا استلهمت الكثير من النواميس الأدبية التي لم تدون وعملت فعلتها في التشريعات والأكيد أن آثار النواميس الأدبية في كل الروابط الاستهلاكية يميط اللثام على قصر التشريعات ودونية الحيل التي أبيحت في الأوساط المجتمعية، وأزاح الثقة والمصداقية عن كثير من الشركات التي أصبحت للآسف تتاجر في الأرواح لا يهمنا الجانب الإنساني، وإنما عظمت النزوات والرغبات في جلب المزيد والمزيد من الأرباح.
ولعل من أهم الآثار التي تترتب على التشبث بالناموس الأدبي تلقائيا من لدن المجتمع القابع في شهوة التذوق والنهل بلا اعتبار ولا حدود توقف رغباته واحتياجاته، ومن تم يحين وقت الاهتداء إلى الفطرة السليمة التي تقمع الغش.
قمع الغش أولى الخطوات نحو توفير ناموس أدبي وازن داخل المجتمعات، انطلاقا من كون الغش يفسد كل شيء، وفي الحديث النبوي من غشنا ليس منا كما مر معنا، ويكفي أن تعتبر كل الاعتبار لهذا القول، فهل تريد بعملك المغشوش أن تكون خارجا عن مجتمعك، فيولد النفور منك بهذا العمل الشنيع، مقتفيا أثرا غير الذي يرغب به الإسلام فيك، فلن يقبل منك وأن تعلم علم اليقين أن حضن الإسلام ليس كمثله شيء، فبادر إلى اتقاء الشبهات ودرء الغش ما استطعت، ولا تكليف عليك إن لم تقصد أذية الناس، فالخطأ غير المتعمد له من المساوئ ما تكفل به الإسلام، وهو أدنى من الخطأ المتعمد أو القتل المتعمد.
تم من الآثار التي تنتج عن الاقتضاء بالناموس الأدبي رضا المستهلك عن ما يستهلكه، وهذا يستتبع توفير المظاهر الحمائية للمستهلك ومنها اتقاء كل ما يعيب الرضا من تدليس وإكراه وغبن واستغلال وهي أمور تناولها قانون حماية المستهلك رقم 08-31 من خلال الفقرة الثانية من المادة 15 التي أحالت بكيفية غير مباشرة على الفصول 39 إلى 56 من ظهير الالتزامات والعقود بل وجعلت تطبيقها على بعض وسائل الإثبات كسندات الطلب والفاتورات وأذون الضمان والقوائم أو أذون التسليم والأوراق أو التذاكر أمرا مرغوبا فيه، على اعتبار أن الإثبات الغير مشوب بعيوب الرضا من شأنه أن يقوي السند المعتمد عليه ويجعل الروابط قائمة على أساس سليم، ومتى استشكل شرطا من الشروط المتفاوض بشأنها فإن الاهتداء إلى الدليل السليم خير غاية يتجند بها المستهلك للحصول على حقه.
والناموس الأدبي يعمل عمله في الروابط الاستهلاكية إذا ما نظرنا إلى الأثر الضعيف للمستهلك، فالمستهلك الجاهل والضعيف بقواعد الاستهلاك إذا ما لجأ إلى القضاء من أجل الحصول على من ينصفه، فإن الناموس الأدبي يقف معه من حيث ارتكان القاضي إليه والتشبث به كأحد أهم الآثار التي يحسب لها كلحسبان. فالناموس الأدبي غاية تدرك ولا تترك، ومغبة التقصير في تركها يولد الويلات المستشارات اليوم في مجتمعاتنا.
أي حال صار إليه المجتمع الاستهلاكي، يخاف أفراده من أزمات وكوارث وهو تمرس وتغول في النزوح إلى أكبر أزمة عبر التاريخ، وصار حاله كحال الملتجأ إلى من يصعق لكي يستفيق من أزمة قلبية، والظن أن اللجوء إلى تكثيف التشبث بالناموس الأدبي هو الفيصل في التقليل من الأمراض والقلق والضيق الذي هم بالمستهلك.
فهلا اعتبرنا.
والمستهلك فرد من المجتمع الاستهلاكي الذي يفرض فيه إتباع الناموس الأدبي المتعارف عليه في كل منطقة على حدة، فلا تكاد تجد مجتمع إلا وله من الآداب ما ليس في غيره رغم أن الدين يبقى المتحكم الأول في هذه الروابط التي قد تقوم بين أفراد المجتمع، وشتان بين هذا وذاك - والتذكير به هنا ليس من باب المقارنة وإنما من باب الاستشهاد - والتنوير الذي يقوم على أساسه مجموع الروابط العقدية الاستهلاكية الغزيرة، فمنهم من أخذ على عاتقه توفير الطعام والملبس ومنهم من نحى نحو تقديم خدمات النقل والصيانة، والبعض ركن لتوفير منتوج إلكتروني، وعموما كل ما يحتاج إليه الطرف الثاني الذي أخذ على عاتقه تلبية مختلف الحاجيات التي يحتاج إليه كمستهلك.
غير أن التساؤل الذي يطرح في هذا الشأن ما هو الناموس الأدبي الواجب في هاته الروابط؟ والآثار التي يمكن أن يرتبها الناموس الأدبي؟
لمعالجة هاته الأسئلة، ارتأت الدراسة الاعتماد على محورين اثنين يتم من خلالها تسليط الضوء في المحور الأول على دور الناموس الأدبي في مجال الروابط الاستهلاكية، وتخصيص المحور الثاني لآثار الناموس الأدبي في مجال الروابط الاستهلاكية.
المحور الأول: دور الناموس الأدبي في مجال الروابط الاستهلاكية
للناموس الأدبي أدوار جمة لا تحصى ولا تعد في تنظيم سلوكيات المجتمع[1]، وحتى قبل ظهور القانون، وتسن مجموعة من القواعد الأخلاقية لدى المجتمعات الاستهلاكية.
وتمثلات عدة تسن من خلال تلك النواميس الأدبية التي تهدف إلى ضبط العلاقة بين المستهلك والمورد حتى لا يشعر المجتمع الاستهلاكي بأن التشريع وحده هو من ينظم العلاقات التعاقدية الاستهلاكية المجراة بدون إشعار ولا تفكير مسبق ما يجعل الحاجة إلى النواميس الأدبية ضرورة ملحة.
ولا شك أن قيام البائع بوضع السلعة المبلولة في الأسفل غش لا يجب السكوت عنه، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {من غش فليس مني}[2]، ويقاس على هذا الأمر كل غش استجلى وظهر فالناموس الأدبي يعارض كل غش، ويجعل المجتمع حسيب نفسه لمعارضة من عارض هذا الناموس الأدبي الذي كان يقوم به المحتسب كوظيفة دينية تقوم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأزمنة الخوالي منذ أن كانت السيدة سمراء بنت نهيك الأسدية رضي الله عنها أدركت رسول الله وعُمِّرَتْ، وكانت تمرُّ في الأسواق، وتأمرُ بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها، قال تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْـخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْـمُفْلِحُونَ﴾[3].
وعدم إظهار مساوئ السلع فعل ممنوع، و بيع مادة معرضة للشمس يجب أن تحتفظ بدرجة برودة معينة من شأن أشعة الشمس أن تعرضها للتلف وتصبح بالتالي خطيرة على صحة الإنسان، وبقاء منتوج مدة طويلة لدى البائع حتى تصبح صلاحية الاستهلاك منتهية، والأدهى من ذلك أن يتم استبدال تاريخها مما يضر صحة المستهلك وتدهور حالته، والتي قد لا تظهر إلا بعد فوات مدة طويلة من الزمن، وعدم احترام الضوابط المرعية في كيفية الذبح، وعدم ذكر اسم الله عليها، والتبرك بنعم الله التي لا تعد ولا تحصى قبل البيع، واتقاء الله في الثمن المعروض به للبيع، ومنع الزيادة في الأسعار دون توافق متبادل ومتراض، وعدم زيادة الثلث في البيع، وضمان مراقبة السلع من آليات المراقبة اللازمة لذلك، وعدم احترام الاعتماد الصحي والمراقبة البيطرية للمقتنيات الدوائية والصيدلية، وتوفير الخدمة المعقولة واستعمال الأدوات حسب قيمتها المعروضة في السوق دون احتيال، والتعهد بإرجاع السلعة ورد الثمن أو استبدالها ببضاعة أخرى متى كانت معيبة أو ناقصة أو يشوبها أي خلل.
هذا فيض من غيض، ازداد معه تطلب الأدب في الممارسات الاستهلاكية لما كثرت البيوع عن بعد وخارج المحلات التجارية والبيع الالكتروني، مما أصبح التعاقد ينتقل من التعاقد عن طريق الأبدان للتعاقد عن طريق الأذهان، وانتشار الشبكات العنكبوتية والهواتف وباقي وسائل الاتصال العجيبة في عصرنا هذا، كل هذا وأشياء أخرى مما يقوم به التاجر الصدوق الأمين والذي وصف به كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الترمذي عن أبي سعيد الخدري:" التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".
ولا يتقي الله إلا صاحب خلق ودماثة النفس والصبر على البلاء، كلها أدوار للناموس الأدبي التي تعمل عملها وتستشرى بين الناس وتصبح ورقة رابحة في كل معاملة سوف تجرى مستقبلا، وكلما راعت البشرية لهذه المنغصات التي للأسف يخطو خطاها الكثيرون من أجل إرضاء نزعتهم وإشباع غايتهم والوصول إلى مال حرام، فكيف لا يكون حرام وأنت تعرف يقينا بأنك بعت سلعة منتهية الصلاحية، وكيف لا وأنت تبيع سلعة مسروقة أو منتهية وأخذ المال منها، فبائع الخمر الذي يفسد الشباب ويخرب العقول هل هذا مال المكتسب منها حلال!
إن الاقتضاء بالناموس الأدبي من قبل مجتمع ما دلالة قوية على تشبعه بالدين الإسلامي ولا خوف عليه، ولا يحتاج إلى قانون ليعرفه مكارم الأخلاق، فما هو الأثر الذي يخلقه الناموس الأدبي يا ترى في المجتمعات؟
المحور الثاني: آثار الناموس الأدبي في مجال الروابط الاستهلاكية
كثرت الأدوار التي يقوم بها الناموس الأدبي، لينبه على أن الأمر لا يحتاج إلى قواعد يسترشد بها، وحتى إلى مبادئ استهلاكية يسير على خطاها الأفراد وقبل ذلك التشريعات التي سنت نصوصا استلهمت الكثير من النواميس الأدبية التي لم تدون وعملت فعلتها في التشريعات والأكيد أن آثار النواميس الأدبية في كل الروابط الاستهلاكية يميط اللثام على قصر التشريعات ودونية الحيل التي أبيحت في الأوساط المجتمعية، وأزاح الثقة والمصداقية عن كثير من الشركات التي أصبحت للآسف تتاجر في الأرواح لا يهمنا الجانب الإنساني، وإنما عظمت النزوات والرغبات في جلب المزيد والمزيد من الأرباح.
ولعل من أهم الآثار التي تترتب على التشبث بالناموس الأدبي تلقائيا من لدن المجتمع القابع في شهوة التذوق والنهل بلا اعتبار ولا حدود توقف رغباته واحتياجاته، ومن تم يحين وقت الاهتداء إلى الفطرة السليمة التي تقمع الغش.
قمع الغش أولى الخطوات نحو توفير ناموس أدبي وازن داخل المجتمعات، انطلاقا من كون الغش يفسد كل شيء، وفي الحديث النبوي من غشنا ليس منا كما مر معنا، ويكفي أن تعتبر كل الاعتبار لهذا القول، فهل تريد بعملك المغشوش أن تكون خارجا عن مجتمعك، فيولد النفور منك بهذا العمل الشنيع، مقتفيا أثرا غير الذي يرغب به الإسلام فيك، فلن يقبل منك وأن تعلم علم اليقين أن حضن الإسلام ليس كمثله شيء، فبادر إلى اتقاء الشبهات ودرء الغش ما استطعت، ولا تكليف عليك إن لم تقصد أذية الناس، فالخطأ غير المتعمد له من المساوئ ما تكفل به الإسلام، وهو أدنى من الخطأ المتعمد أو القتل المتعمد.
تم من الآثار التي تنتج عن الاقتضاء بالناموس الأدبي رضا المستهلك عن ما يستهلكه، وهذا يستتبع توفير المظاهر الحمائية للمستهلك ومنها اتقاء كل ما يعيب الرضا من تدليس وإكراه وغبن واستغلال وهي أمور تناولها قانون حماية المستهلك رقم 08-31 من خلال الفقرة الثانية من المادة 15 التي أحالت بكيفية غير مباشرة على الفصول 39 إلى 56 من ظهير الالتزامات والعقود بل وجعلت تطبيقها على بعض وسائل الإثبات كسندات الطلب والفاتورات وأذون الضمان والقوائم أو أذون التسليم والأوراق أو التذاكر أمرا مرغوبا فيه، على اعتبار أن الإثبات الغير مشوب بعيوب الرضا من شأنه أن يقوي السند المعتمد عليه ويجعل الروابط قائمة على أساس سليم، ومتى استشكل شرطا من الشروط المتفاوض بشأنها فإن الاهتداء إلى الدليل السليم خير غاية يتجند بها المستهلك للحصول على حقه.
والناموس الأدبي يعمل عمله في الروابط الاستهلاكية إذا ما نظرنا إلى الأثر الضعيف للمستهلك، فالمستهلك الجاهل والضعيف بقواعد الاستهلاك إذا ما لجأ إلى القضاء من أجل الحصول على من ينصفه، فإن الناموس الأدبي يقف معه من حيث ارتكان القاضي إليه والتشبث به كأحد أهم الآثار التي يحسب لها كلحسبان. فالناموس الأدبي غاية تدرك ولا تترك، ومغبة التقصير في تركها يولد الويلات المستشارات اليوم في مجتمعاتنا.
أي حال صار إليه المجتمع الاستهلاكي، يخاف أفراده من أزمات وكوارث وهو تمرس وتغول في النزوح إلى أكبر أزمة عبر التاريخ، وصار حاله كحال الملتجأ إلى من يصعق لكي يستفيق من أزمة قلبية، والظن أن اللجوء إلى تكثيف التشبث بالناموس الأدبي هو الفيصل في التقليل من الأمراض والقلق والضيق الذي هم بالمستهلك.
فهلا اعتبرنا.
[1] فالغاية الأساسية للناموس الأدبي توجيه الخطاب للمجتمع عامة، وهو ديدن مسايرة الأفراد لتلك النواميس المزروعة داخل الوسط المعاش بعناية حتى تتبع وتصبح قواعد لا يمكن بأي حال من الأحوال الغض عنها.
[2] عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرّ على صُبْرَة طعام، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ( ما هذا يا صاحب الطعام؟ ) ، قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ( أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غشّ فليس مني) رواه مسلم
[3] سورة آل عمران الآية 104.