مقدمة
تكتسي سياسة إعداد التراب الأهمية البالغة، بل والدعامة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة بمختلف مكوناتها ومرتكزاتها ، من خلال الاستغلال العقلاني للمجال. إذ تعتبر في هذا الصدد بمثابة سياسة عمومية تسعى إلى خلق الشروط الموضوعية لتنمية متوازنة للمجال الجغرافي للدولة عبر التخفيف من الفوارق الجهوية والتحكم في توجيه الاستثمارات وضبط النمو الديمغرافي والهجرة القروية المكثفة ، وكذا التقليص من آثارها السلبية على المجالات الحضرية كالتوسع العمراني العشوائي، وكل ذلك في إطار إرساء توازن شمولي ومعقلن بين المجالين الحضري والقروي.
والتعمير هنا له ارتباطه القوي بإعداد التراب، حيث يعتبر من ضمن الأدوات المركزية والأساسية لتنفيذ السياسات العمومة على المستوى المحلي، إذ يفيد في هذا الصدد حسب J.M.Auby &R.Ducos-Ader " مجموعة من الإجراءات التقنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن تعمل على تحقيق نمو متناسق ومنسجم، عقلاني وإنساني للكثل العمرانية"، كما يعرفه Jaquignon أيضا بأنه " فن تهيئة المدن أو بالأحرى علم المدن أو علم الكثل العمرانية التي تظهر تكاملا واستمرارية، والمعدة إما للسكن أو للعمل أو التبادل الإجتماعي" ، أما Gaston فقد اعتبره " علما وفنا وفلسفة أيضا "، ويعرفه معجم Larousse بأنه" مجموع القواعد القانونية التي تسمح للسلطات العمومية بمراقبة واستعمال المجال في الوسط الحضري"
إن هذا التعدد في المفاهيم التي تعرضت لمصطلح التعمير جعلت بعض الباحثين يعتبرونه بمفهومه الحديث والواسع مفهوما جامعا فهو يشكل " علما وفنا وقانونا وسياسة من السياسات العامة التي توظف قصد التدخل في عدة ميادين مترابطة".
فهو علم لأنه ينبني على ضوابط ومعايير وقواعد تقنية نابعة من المنظور الهندسي وما تتطلبه من أشكال ومواصفات.
وهو فن لارتباطه بعمليات الإبداع والابتكار حيث الحاجة الملحة في ضرورة استحضار الجانب الجمالي في تشييد العمران.
ويعتبر قانونا نظرا لمستوى التأطير التشريعي له ،عبر وضع قواعد قانونية وتنظيمية تهدف إلى تنظيم هذا القطاع الحيوي.
وأخيرا فهو يعتبر سياسة كونه ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة يتم وضعها لتحقيق عدة أهداف تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية
ومنه واستجماعا لما سبق يمكن القول بأن التعمير هو " مجموع المقتضيات والضوابط القانونية والفنية والتشاركية المستحضرة لمنطق التدبير الجيد والمحكم، والهادف إلى تحقيق نمو متناسق ورشيد للتجمعات- المستوطنات- البشرية، وذلك عبر تحقيق نوع من التوافق بين البيئة والعمران" .
فهو هنا – التعمير- لا يهتم بتنظيم المجال فحسب بل يتجاوز ذلك إلى الاهتمام بتوسعه، عبر السعي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تكمل بعضها البعض نظرا لترابطها الوظيفي، والتي يمكن تلخيصها في الآتي:
الأهداف الاجتماعية: القائمة على استحضار الجانب الوظيفي لتنظيم المجال، حيث تخويل السكان بكل شرائحهم، الحياة في إطار إنساني ملائم من الناحية الصحية، وفي ظروف بيئية مرضية عبر تجهيز هذه المجالات بالتجهيزات الأساسية ومن ثمة المساهمة في تقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
الأهداف الاقتصادية: والتي تأخذ تمظهرات متعددة، لكن يمكن ذكر بعضها في كون أن الحياة الإقتصادية تحتاج إلى إرساء وثائق تعميرية تضمن التوزيع المتوازن للأنشطة الاقتصادية والصناعية، وفي هذا السياق فإن سياسة التعمير تسعى إلى توفير البنية التحتية لهذه الأنشطة من تجهيزات أساسية ومرافق وخلق مناطق صناعية قادرة على استقطاب رؤوس الأموال وتنمية وتشجيع الاستثمارات.
الأهداف الأمنية: إذ أن المقاربة الأمنية تعتبر من ضمن المقاربات المركزية التي ترتكز عليها سياسة التعمير، فالمدينة باعتبارها نسق شمولي أو إطار عام تلعب فيه شبكات الطرق والمواصلات والماء الصالح للشرب، والمجسدة للمقاربة الصحية في ميدان التعمير، دورا أمنيا وبالتالي تحقيق نوع من الارتباط الوظيفي لمجموع الأهداف السابقة مع الأهداف الأمنية.
وأخير الأهداف الجمالية: حتى يظهر المجال بمظهر أكثر تنسيقا وتنظيما، ومن تم التعبير عن ثقافة مجتمعية معينة .
غير أن المفارقة هنا تكمن في أن هناك اختلاف في مقاربة التعمير بين الدول المتقدمة والمتخلفة، فإذا كان ينظر له كعامل منظم ومهيكل في الدول الغربية، ومن تم اعتباره كعملية وقائية ومستقبلية أيضا، فإنه في الدول النامية لا يعدو أن يكون عملية علاجية وقائية. وفي هذا دلالة على أن سياسة التعمير في الحالة الأولى تعتبر تنظيم وفي الثانية تعتبر تسوية لوضع قائم، وبالتالي إعادة تنظيم كل ما تم إنجازه سواء من قبل أو من بعد ، والمغرب كدولة نامية لا يخرج عن هذا الإطار في النظر إلى ميدان التعمير كمخرج لأزمات قائمة، وليس كمقاربة وعملية وقائية استباقية.
ومنه فإن أهمية الموضوع تبرز من كون أن اتساع وتيرة التوسع العمراني- باعتباره أحد مكونات الظاهرة العمرانية وأبرز تجلياتها – وتعقد مشاكل المدينة المغربية وتزايد حدة التحديات التي تواجهها وتضارب المصالح التي تؤطر ميدان التعمير، أمور أصبحت تستوجب ليس فقط وضع ضوابط قانونية تنظم هذا القطاع، بل نجد أن الأمر أصبح يتطلب إحداث هياكل مؤسساتية تستطيع بلورة مجموع الأهداف المسطرة ومن تم تجاوز وتسوية المشاكل العمرانية.
إن الرغبة في تجاوز مجموع هذه المشاكل والصعوبات سواء في بعدها القانوني والتنظيمي أو في بعدها النوعي ، ستضطر السلطات العمومية إلى إحداث مؤسسات عمومية أطلق عليها اسم الوكالات الحضرية، وهي مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي، وتخضع لوصاية الدولة المالية والإدارية، إذ يشمل نطاق اختصاصها عمالة أو عدة عمالات أو أقاليم ، حيث تعتبر في هذا الصدد كأول تجديد نوعي في البنية الإدارية المشرفة على قطاع التعمير محليا.
إن الهدف من إحداث هذا النوع من المؤسسات هو إعادة التوازن والنظام إلى ميدان التعمير، عبر تأطيره وضمان التحكم فيه وتوطيد أهدافه المسطرة في وثائق التعمير خصوصا التوجيهية منها، وكذا إعادة الهيكلة والتنظيم والتنمية المنسجمة للتجمعات السكنية .
إن أهمية الموضوع الذي نحن بصدد تناوله تنبع كذلك من أن ميدان التعمير يشكل مجالا خصبا لتضارب المصالح، ومن تم استيعاب مجموع هذه المصالح عبر تحقيق التوازنات.
فالوكالات الحضرية تعتبر كميدان مركزي تلتقي فيه مجموع هذه المصالح المتضاربة والمتشعبة بحيث نجد :
الملاك العقاريين الذين لا يهدفون إلا إلى تحقيق الربح .
الطبقات الفقيرة والتي لا تبحث سوى عن إطار ملائم للعيش الكريم.
السلطات العمومية التي تعتبر فوق الهيئتين باعتبارها تهدف إلى تحقيق التوازن بينها والاستقرار الذي يعد ضرورة لكل تنمية مستدامة.
كما تنبع أهمية الوكالات الحضرية من كونها تعتبر مساعدا تقنيا للجماعات المحلية وكذا عموم المتدخلين العموميين والخواص في قطاع التعمير محليا.
إن المغرب اليوم يعيش في مجال التعمير تجربة ما يعرف ب"الجيل الثاني" من الوكالات الحضرية التي بدأت تعمم تدريجيا على مختلف الجهات بعد أن برهن عن نجاحه مع أول تجربة من خلال الوكالة الحضرية للدار البيضاء في سنة 1984. وهو نجاح جاء رغم وجود مجموعة من الصعوبات التي كانت تعيق عمل هذه المؤسسات من قبيل ضعف الاندماج بشكل مباشر وفعال في بيئتها المحلية ، وكذا بسبب عوامل موضوعية ارتبطت بصعوبة تفهم شركائها لطبيعة المهام الموكولة إليها خصوصا الجماعات المحلية.
من هذا المنطلق إذن يأتي اختيارنا لهذه المؤسسة العمومية كموضوع للدراسة حيث اخترنا الوكالة الحضرية لسطات كنموذج للدراسة نظرا لأهمية المؤسسة في البناء المؤسساتي اللامركزي ، وكذلك لأهمية الدور المنوط بها والموكول إليها على المستوى المحلي في إدارة ميدان التعمير.
وقد كان لهذا الاختيار دوافع أحدهما موضوعي يتمثل في أن دراسة موضوع "الوكالات الحضرية وتدبير ميدان التعمير -حالة الوكالة الحضرية لسطات-" ينبع من كون أن الدراسات حول ميدان التعمير والمؤسسات الفاعلة والمسؤولة عن تدبيره ظلت لفترة طويلة محتكرة من طرف الجغرافيين وأصحاب التخصصات التقنية (كالمهندسين)، أما القانونيين الذين حاولوا ولوج هذا الميدان فقد قاموا به في إطار القانون الإداري الشيء الذي جعلها تتصف بنوع من "الجمود" نظرا لإغفال زاوية العلوم الإدارية. وهو معطى أفرز صعوبة منهجية في تعاملنا مع هذا الموضوع، حيث أن جل هذه الدراسات التي وقفنا عليها لم تخرج عن الطبيعة التقنية والمسطرية في تناولها لميدان التعمير، ومن تم غياب المقاربة المندمجة المرتكزة على توظيف حقول معرفية أخرى تسعف في التحليل والنقد وطرح الحلول البديلة في إطارها العام.
أما الدافع الذاتي لاختيارنا هذا فهو الميل أكثر للبحث الميداني والرغبة في الاحتكاك أكثر بواقع الإدارة المغربية بغية الاستفادة والتعلم خصوصا في إطار انفتاح الجامعة على محيطها السوسيو-إداري.
وعلى هذا الأساس فإننا نعتقد أن دراسة هذا الموضوع تحتل مكانة بارزة في التفكير العلمي والأكاديمي، وبالتالي فإن مقاربة موضوع الوكالات الحضرية وتدبير ميدان التعمير- حالة الوكالة الحضرية لسطات-، يتطلب التفكير عبر عدة مستويات، خصوصا أن الأمر يرتبط بمجالين اثنين، مجال نظري ويتعلق بحجم الدور المنوط بالوكالات الحضرية في تدبيرها وتدخلها في ميدان التعمير إضافة إلى طبيعة العلاقات التي تجمعها مع مختلف الفرقاء المحليين والذين يتدخلون بشكل أو بآخر في إحدى مستويات التعمير ( التخطيط العمراني/ التدبير العمراني)، ومجال تطبيقي ميداني يتضمن دراسة حالة معينة وهي حالة الوكالة الحضرية لسطات ، ومنه فإن الإشكالية المركزية التي سنحاول الإجابة عنها في معرض تناولنا لهذا الموضوع تتمثل في:
إلى أي حد استطاعت / تستطيع الوكالات الحضرية النجاح في تدبير ناجع لميدان التعمير على المستوى المحلي؟
أكيد أن الإجابة على هذا الإشكال المركزي ستتفرع عليه مجموعة من التساؤلات الفرعية أبرزها :
هل في إحداث الوكالات الحضرية كمؤسسات عمومية تشتغل على المستوى المحلي دلالة على فشل البنيات الإدارية السابقة لها في التعامل مع ميدان التعمير؟
ماهي أهم وطبيعة الأدوار الموكولة لهذه البنيات الجديدة على مستوى التخطيط والتدبير العمرانيين؟
ماذا عن الإطار العلائقي لهذه المؤسسات مع مختلف الفاعلين في الميدان على المستوى المحلي؟
وما هي السمة المؤطرة لهذه العلاقات : الإقصاء أم التكامل؟
هل من قيمة مضافة استطاعت أن تحققها الوكالة الحضرية لسطات في تدبيرها لميدان التعمير على مستوى جهة الشاوية ورديغة ؟ (باعتبارها نموذج للدراسة)
أم أن طابع المحدودية ظل هو المؤطر لهذه البنية؟
ما هي أهم وأبرز تجليات هذه الإكراهات والحدود؟
وهل من رؤية بديلة – خصوصا مع مشروع مدونة التعمير- يمكن أن تساهم في كسب رهان الحكامة العمرانية؟
الأكيد أن الإجابة على مجموع هذه التساؤلات، وتلك التي ستتبلور من خلال الخوض في تحليل الموضوع تقتضي أن نتناول بالدرس والتحليل عدد من القضايا المترابطة فيما بينها لاستجلاء المحددات القانونية والتنظيمية وأيضا المؤسساتية لميدان التعمير من خلال الوقوف على تجربة الوكالة الحضرية لسطات كنموذج لدراسة الحالة التي سنتناولها في هذا البحث.
وعليه فإن دراسة من هذا القبيل تستوجب استحضار مجموعة من المناهج قصد صياغة مقاربة علمية حول الوكالات الحضرية وتدخلاتها في ميدان التعمير، وهو معطى سيجعلنا نعمد إلى توظيف مجموعة من المناهج أبرزها:
المنهج البنائي الوظيفي: ترجع تسمية هذه الاتجاهات إلى استخدامها لمفهومي البناء والوظيفة في فهم المجتمع وتحليله من خلال مقارنته وتشبيهه بالكائن العضوي، ويقصد بالبناء مجموع العلاقات الاجتماعية المتباينة التي تتكامل وتنسق من خلال الأدوار الاجتماعية، فيما يقصد بالوظيفة ذلك الدور الذي يسهم به الجزء في الكل . من هذا المنطلق فإن دراسة الوكالات الحضرية كبناء يقوم بمجموعة من الوظائف والأدوار، يستلزم التعامل معه انطلاقا من المنهج البنائي الوظيفي، والوظيفة هنا ليس بمفهومها الضيق والتقليدي الذي يحيل على الاختصاص من وجهة نظر قانونية، بقدر ما تحيل إلى الدور الذي يعني الاستعانة بحقول معرفية أخرى كالتاريخ والاقتصاد والسوسيولوجيا، وبالتالي فهم أعمق لما تطرحه الإشكالية .
منهج دراسة الحالة : إن أهم صفات منهج دراسة الحالة هو التعمق في بحث الحالة المدروسة، سواء كانت فردا أم أسرة أم تنظيما اجتماعيا، وتتبع وضعيتها منذ نشوئها مرورا بمراحل تطورها، فهو لا يقتصر على جمع المعلومات وتصنيفها بل يتابع الحالة في مختلف مراحلها ويحلل المعلومات، ومنهج دراسة الحالة يستعين بأدوات البحث المختلفة من ملاحظة ومقابلة و غير ذلك. من هنا ارتأينا إلى الاستعانة بأدوات هذا المنهج في دراستنا هذه مقتنعين من أن اعتماده يفيد في الإحاطة بأبعاد الموضوع بشكل حقيقي ودقيق ومفصل.
المقترب الإحصائي: والذي سيسعفنا في تحليل المعطيات الرقمية التي سيتم الحصول عليها، ومن تم تحليلها تحليلا علميا يمكن من خلاله إعطاء صورة حقيقية وموضوعية للنتائج المحصل عليها، وعبر ذلك كله الإجابة عن فعالية أو عدم فعالية الوكالات الحضرية في تدبيرها لميدان التعمير.
انطلاقا من كل ذلك سنحاول تناول هذا الموضوع وفق التصميم التالي:
الفـصل الأول:الوكالات الحضرية كتجديد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير على المستوى المحلي
الفـصل الثاني:الوكالات الحضرية بين الــواقع والطموحات
- دراسة حالة الوكالة الحضرية لسطات -
الفـصل الأول:الوكالات الحضرية كتجديد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير على المستوى المحلي
تعتبر قضايا التعمير اليوم من بين الإشكاليات الإستراتيجية المؤسسة للفعل التنموي، إذ أصبح ينظر إليها كإحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها التنمية عموما والتنمية العمرانية على وجه الخصوص.
والتنمية هنا ليست بالعملية العفوية أو التلقائية، بقدر ما تمثل تلك العملية الإرادية المستندة إلى التدبير الجيد والقائم على التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة والرقابة، والتي – التنمية- لابد لها كذلك من وسائل مالية وطاقات بشرية ، وعلى وجه الخصوص هياكل مؤسساتية قادرة على بلورة مختلف الاستراتيجيات على أرض الواقع ومن تم كسب الرهانات المسطرة والمأمولة.
من هنا جاءت الوكالات الحضرية كضرورة ملحة،تفرض نفسها للنهوض بقطاع التعمير عبر جعله دافعا وداعما للتنمية المحلية ابتداء، والوطنية الشاملة انتهاء، ومن تم تجاوز مختلف الاختلالات التي كان يعرفها هذا القطاع.
انطلاقا من كل هذا سنحاول أن نتناول في هذا الفصل أهم الاختصاصات والأدوار التي حددها المشرع لهذه البنية، خصوصا على مستوى التخطيط والتدبير العمرانيين باعتبارهما محددين رئيسيين لتأسيس تنمية عمرانية قائمة على الانسجام المجالي محليا(المبحث الأول)، وباعتبار الوكالات الحضرية أدوات مؤسساتية للفعل العمومي على هذا المستوى – المحلي-، فمن المؤكد قيام علاقات تفاعلية بينها و مجموعة من الفرقاء والمتدخلين في ميدان التعمير، حيث اختلاف وجهات النظر والرؤى وأيضا المصالح، ومن تم ضرورة التموضع الصحيح ضمن مجموع هؤلاء الفاعلين عبر وظيفة تكاملية قائمة على التنسيق والتشاور لا الإقصاء (المبحث الثاني).
المبحث الأول: أسس ومحددات تدخل الوكالات الحضرية في ميدان التعمير
إن رصد الأدوار التي يمكن أن تلعبها الوكالات الحضرية في ميدان التعمير محليا، لا يمكن الوقوف عليها إلا عبر محورين أساسين:
الأول وهو التخطيط العمراني وما يمثله من رهانات إستراتيجية تحمل مجموعة من التصورات النظرية الهادفة إلى تنظيم وتأطير المجال، وعبره تحقيق التنمية المستدامة والشاملة من خلال وثائق التعمير في بعديها التقديري والتنظيمي النافذ وما تتطلبه هذه الوثائق من إمكانيات مالية وبشرية وتقنية قادرة على صنع وبلورة الرهانات المجتمعية في شكل مخططات تعميرية (المطلب الأول).
والمحور الثاني الذي يتجسد مع التدبير العمراني باعتباره الأداة الأساسية التي يتم عبرها تفعيل البرامج والتصورات "النظرية " التي تم تسطيرها في التخطيط العمراني، وهي مرحلة معقدة نظرا لتداخل وتضارب المصالح عبرها(العامة والخاصة)، ولكونها كذلك هي المحدد والمعيار الأساسي لتقييم نجاح أو فشل أية سياسة تعميرية من خلال وثائق التعمير (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الوكالات الحضرية وفاعلية التدخل في التخطيط العمراني
الأكيد أن التحكم في المجال من أجل تنظيمه وتوجيه توسعه وتحديد التوجهات العامة لتأطيره، يفترض وجود سند أو إطار قانوني تعتمد عليه الإدارة المكلفة بذلك في كل تدخلاتها التخطيطية والهادفة لتنظيم المجال، والنابعة أساسا من قانون التعمير كإطار تنظيمي يسمح لها في الواقع بالتوفر على الوسائل القانونية المحددة لآليات التدخل العمومي في مجال التخطيط.
والتخطيط بوجه عام يفيد التدبير الرامي لمواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفا لتحقيق أهداف محدودة أو كما يعرفه هنري فايول Henri Fayol بأنه " التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له" .
ومنه فإن التخطيط العمراني يبقى كأحد أبرز أوجه وأنواع التخطيط، باعتباره يشكل العنصر الأساسي في الإدارة العمرانية ، حيث يفيد في هذا الصدد " تدخل الإدارة بأدوات منهجية ووثائق مرجعية لتنظيم استعمال المجال وتقنين أو تحديد هذا الاستعمال لكل منطقة من مناطقه وتخصيص وظيفة لكل منها قصد تحقيق تكامل بين أجزائه وانسجام أطرافه وبالتالي حسن تنظيمه وتعميره" . وبناء عليه نعتقد أنه لرصد حجم ومستوى تدخل الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني (الفرع الثاني)، ينبغي الوقوف أولا على أدوات وآليات التخطيط العمراني، والذي تعتبر وثائق التعمير من أهم مرتكزاته (الفرع الأول).
الفرع الأول: الآليات التقنية للتخطيط العمراني
تعتبر وثائق التعمير بمثابة الآليات والأدوات الهامة لبلورة تخطيط عمراني منسجم وفعال ، حيث يمكننا التمييز في هذا الصدد،عند تناولنا لوثائق التعمير بين وثيقة التعمير التقديري كتجسيد فعلي للتخطيط الاستراتيجي على مستوى التخطيط العمراني، حيث تحديد الاختيارات والتوجهات العامة للتهيئة والتي تتجسد مع المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية (فقرة أولى).ثم وثائق التعمير التنظيمي النافذ والذي يمكن تسميته في هذا الصدد بالتخطيط الإجرائي على اعتبار أنه يقوم بالتحديد الدقيق لاستعمال الأراضي والتجهيزات والمرافق العمومية التي سيتم إنجازها(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: وثيقة التعمير التقديري
يعتبر التعمير التقديري بمثابة توجهات عامة وتصورات مستقبلية لما سيصبح عليه المجال، على الأمدين المتوسط والبعيد، حيث المميز لهذا النوع من التعمير كونه يهتم بشكل أساسي بوضع الخطوط العامة لتهيئة المجال وتبيان التجهيزات الأساسية الكبرى التي سيتم انجازها بداخله، وعليه فإن هذا النوع من التعمير يبقى ذو غاية توقعية وتقديرية نظرا للمدة التي يهتم بها والمحددة في 25 سنة.
وتبقى الإشارة إلى أن هذا النوع من التعمير – التقديري – يبقى حديث النشأة في التجربة المغربية ، على اعتبار أن سلطات الحماية كانت تهتم أكثر بالتعمير التنظيمي ذو الطبيعة الآنية والمباشرة –بهدف تحقيق أهدافها الاستعمارية التي رسمها مهندسوها في مجالي التعمير والإسكان - ومن تم عدم الاهتمام بالجانب التقديري الذي يعتمد على التخطيط المستقبلي والشمولي في معالجة المشاكل باستثناء المدن الرئيسية التي كان يتعامل معها بنوع من الإستراتيجية التعميرية، انطلاقا من ظهيري 1914و 1952 المتعلقين بالتعمير، وهو الأمر الذي أدى إلى انعدام التوازن الجغرافي بين مختلف المناطق في مغرب الاستقلال . هذا الأخير – المغرب- الذي سيجد نفسه مضطرا لتدارك الأمر عبر ضرورة خلق أدوات وآليات جديدة ترتكز على النظرة الإستراتيجية في التعامل مع ميدان التعمير ومن تم إفراز المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية ، الذي سيعتبر التجسيد الفعلي للتعمير التقديري/ التوجيهي.
وعليه : ماهي أهم أهداف وآثار هذه الوثيقة على المجال المحلي ؟
1- مفهوم وأهداف المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية :
يعتبر المخطط التوجيهي بمثابة وثيقة تعميرية ذات طابع توجيهي ، تطبق على رقعة أرضية تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية نظرا لحجم الترابط القائم بين مكوناتها في المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية .
غير أن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها عند تناولنا للمخطط التوجيهي هو أن القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، لم يحدد أي شروط أو معايير تستوجبها مسطرة وضع هذا المخطط بل أعطى المشرع للإدارة المغربية المكلفة بالتعمير سلطة تقديرية في اتخاذ القرار حيث نجد أن المادة 2من القانون 12-90 نصت على أن المخطط يطبق على"...رقعة أرضية تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية بسبب الترابط القائم بين مكوناتها..." على عكس التجربة الفرنسية التي تأخذ بالمعيار الإحصائي (العددي) والذي يتمثل في أن المشرع يلزم تزويد المدن التي يفوق عدد سكانها 10.000 نسمة بمخطط توجيهي، في حين يترك للإدارة الفرنسية هامش السلطة التقديرية فيما يتعلق بالتجمعات السكنية التي لا يصل عدد سكانها إلى العدد المطلوب لكن عملية تنميتها تتطلب تزويدها بمثل هذا المخطط .
وفيما يتعلق بأهداف المخطط فهي تتوزع بين:
الهدف العام: والمتمثل في تنسيق أعمال التهيئة التي يقوم بها جميع المتدخلين بما فيهم الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة والهيئات التي تحصل على مساعدات أو مساهمات مالية من الدولة والجماعات المحلية .
الهدف الخاص: والذي نجد أن المخطط يتبنى عبره نمط خاص بالنسبة للمجال المدروس بهدف تجاوز مختلف المشاكل الممكن أن تحدث مستقبلا.
هذا الهدف الذي تبقى أهم محاوره في :
تحديد اختيارات التهيئة التي يتطلبها تحقيق تنمية متناسقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للرقعة الأرضية المعنية.
تحديد المناطق العمرانية الجديدة و تاريخ السماح بالقيام بعمليات عمرانية فيها.
تحديد الأغراض العامة المخصصة لها الأراضي وتعيين المناطق الزراعية والغابوية والسكنية وكثافتها، وكذا المناطق الصناعية والسياحية والتجارية.
تحديد المناطق والمساحات الخضراء الرئيسية.
تحديد التجهيزات الكبرى.
تحديد القطاعات التي يجب القيام بإعادة هيكلتها أو تجديدها أو بهما معا..
2- مضمون وآثار المخطط التوجيهي
إن المخطط التوجيهي يحدد بشكل عام التوجهات الأساسية لتهيئة المجال العمراني المحلي على مدى 25 سنة، وهو بذلك ذو طبيعة تقديرية حيث يهتم بالأساس برسم التطورات المستقبلية على المدى البعيد للنسيج العمراني، وكذا تنسيق عمليات التهيئة بالمناطق المراد تنميتها وهو هنا لا يضع قواعد محددة أو قيود أو ارتفاقات معينة على أراضي معينة.
فهو يحتوي على خرائط تتعلق باستعمال الأراضي وتحديد المناطق وتقارير تقديمية لهذه الخرائط، تلخص مختلف الدراسات القطاعية التي يتم إعدادها ضمن مشروع المخطط . ونعتقد أن الهدف من ذلك يكمن في:
وضع إستراتيجية عامة يجب أن يعمل المخططون في إطارها أثناء وضعهم لمختلف مشاريع التهيئة والتعمير سواء على مستوى التعمير التنظيمي أو التعمير العملياتي.
تنظيم استعمال الأراضي في إطار من التكامل بين المناطق والحرص على التنسيق بين كافة المتدخلين في هذا المجال.
وبمجرد المصادقة على المخطط فهو ينتج آثاره تجاه الغير، هذه الأخيرة- الآثار- التي تتوزع ما بين ضرورة احترام المؤسسات العمومية لمقتضيات المخطط وكذا التعمير العملياتي أثناء التدبير العمراني، وأخيرا التعمير التنظيمي النافذ من خلال تصاميم التنطيق والتهيئة والنمو.
ويبدو أن آثار المخطط التوجيهي خلقت نقاشا حادا بين مجموعة من الباحثين في مسألة طبيعتها هل هي ملزمة؟ أم على العكس من ذلك، ومن ثمة إذا فقد المخطط صبغة الإلزام وعبره ضرورة التقيد بأحكامه فإنه سيفقد قوته وجدواه خصوصا إذا ما استحضرنا طبيعة مجال التعمير كميدان لتضارب والتقاء المصالح، كذلك الأمر إذا ما اعتبرنا أن كل مقتضياته ملزمة فإن الأمر سيضفي عليه صبغة الجمود ومن تم عدم السماح بالأخذ بعين الاعتبار بالتطورات الطبيعية والضرورية التي قد تحدث في المستقبل .
وإذا ما استقرأنا المادة 9 من القانون 12-90 سنجد أن المشرع المغربي استعمل لفظ" يجب على الدولة والجماعات المحلية....أن تتقيد بأحكام المخطط" وهو بذلك يستعمل لفظة الأمر التي تفيد الوجوب ومن تم فإن المشرع المغربي في توجهه هذا أضفى صبغة إلزامية على مقتضيات المخطط، وهو بذلك لم يساير بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي الذي وقف موقفا مرنا فيما يخص آثار المخططات التوجيهية من خلال استعماله ألفاظ " توجيه وتنسق " ،الأمر الذي قد يطرح مجموعة من الإشكالات العملية أثناء تنفيذ المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية.
وإذا كان هذا على مستوى التعمير التقديري عبر المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية الذي يجسد في حقيقة الأمر الأداة التي تعتبر صلة الوصل بين سياسة إعداد التراب وسياسة التعمير عبر التخطيط العمراني المحلي .
فماذا عن وثائق التعمير التنظيمي النافذ ؟ باعتبارها آليات تتغيى التحكم في استعمال السطح بناء على رؤية وظيفية لتنظيم المجال ؟
الفقرة الثانية: وثائق التعمير التنظيمي النافذ
يقصد بالتعمير التنظيمي كمقابل للتعمير التقديري، تلك الوثائق التعميرية التي يتم استعمالها من أجل التخطيط العمراني، والتي تتميز بالتفصيل والوضوح والدقة اللازمة لكي تظهر من خلالها حقوق والتزامات الأفراد ملاك الأراضي ولكي يعلم المواطنون بالتجهيزات والمرافق العامة التي سيتم انجازها وأين ستنجز .
والتعمير التنظيمي يتمم التعمير التقديري الذي وضع التوجهات العامة والمستقبلية على الأمدين المتوسط والبعيد، بل نجد أن التعمير التقديري يكاد لا يكون له مفعول بدون تعمير تنظيمي على اعتبار أن وثائقه تمكن من إنتاج مجال عمراني منسجم والأهداف المرسومة في المخططات التوجيهية .
هذا وتتجلى أهم وثائق التعمير التنظيمي في تصاميم التنطيق والتهيئة والنمو . غير أن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها على مستوى المنظومة القانونية المنظمة لهذه الوثائق، أن هناك تمييز بين تصميم التنطيق وتصميم التهيئة المنظمة بمقتضى القانون 12-90 المتعلق بالتعمير حيث الاقتصار فقط على المجال الحضري، عكس تصميم النمو الذي يخضع لظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية الكثل العمرانية القروية، وهو توجه منتقد في حقيقة الأمر على اعتبار أنه في الوقت الذي يذهب فيه المشرع نحو تجميع الترسانة القانونية المنظمة للجماعات القاعدية الحضرية والقروية -من خلال الميثاق الجماعي- نجد أن قوانين التعمير أبقت على هذا الفصل وهو فصل غير مبرر، حيث وإن كانت هناك من خصوصيات تفرض نوع من التعامل مع المجال القروي بشيء من المرونة، كان من المفترض أن يقوم المشرع بتجميع النص القانوني مع وضع معايير تمييزية وشروط موضوعية تبين حالات اللجوء لكل وثيقة بناءا على طبيعة المجال حضري/ قروي. وعليه ماهي أبرز خصائص كل وثيقة؟
1- تصميم التنطيق: يعتبر هذا التصميم بمثابة وثيقة من وثائق التعمير التنظيمي التي يتم اللجوء إليها قصد تطبيقها أثناء المرحلة الانتقالية الواقعة بين تاريخ المصادقة على الوثيقة التقديرية، أي المخطط التوجيهي وتاريخ الانتهاء من إعداد الوثيقة التنظيمية أي تصميم التهيئة.
ولهذا فأغلب الباحثين يعتبرونها بأنها وثيقة ذات وضع خاص . أي أنها بمثابة إجراء وقائي الهدف منه هو سد الفراغ ، الذي يمكن أن يحدث مابين المصادقة على المخطط التوجيهي والمصادقة على تصميم التهيئة لمدة أقصاها سنتان.وفيما يتعلق بمحتوى تصميم التنطيق، وعلى خلاف تصميم التهيئة الذي يتعرض لمختلف جوانب التنمية العمرانية لمنطقة معينة -كما سنرى في النقطة الموالية- فإن تصميم التنطيق يقتصر على تحديد المناطق حيث يعمل على "... تخصيص مختلف المناطق للأغراض التي يجب أن تستعمل لها بصورة أساسية سكنية، صناعية، تجارية، سياحية، زراعية...وكذلك تحديد المناطق التي يحظر فيها البناء بجميع أنواعه، وكذا تحديد المناطق التي يجب فيها التأجيل بالبث في الطلبات التي ترمي إلى الحصول على إذن للقيام بداخلها بتجزئة وإحداث مجموعة سكنية واستصدار ترخيص للبناء فيها" .وفيما يتعلق بالآثار فإنه بمجرد المصادقة على مشروع تصميم التنطيق يلتزم أصحاب مشاريع التجزئات ومشاريع البناء بمختلف القطاعات السكنية والتجارية والسياحية وغيرها باحترام الاستعمالات التي يحددها التصميم للأراضي...
2 – تصميم التهيئة يعتبر تصميم التهيئة بمثابة وثيقة تعميرية تنظيمية تستهدف تخطيط المجال الحضري بشكل خاص، والتحكم في التوسع العمراني للجماعات الحضرية والقروية بشكل عام . فهو بمثابة الوثيقة التي تترجم عمليا توجهات المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية على أرض الواقع، وكذا تحديد الإجراءات التنظيمية المتعلقة بعمليات التعمير وكيفية استعمال الأراضي الحضرية.
هذا وتبقى الإشارة إلى أن تصميم التهيئة يعتبر كأول وثيقة تعميرية نص عليها التشريع المغربي في مجال التخطيط العمراني، ضمن أول قانون تنظيمي لأعمال التعمير والذي صدر في 1914 . لهذا نجد أن له ارتباط بالأهداف العامة للدولة، إذ يعتبر في هذا الصدد من أبرز القنوات الرئيسية التي تحقق الدولة من خلالها أهدافها السياسية، حيث التحكم في توسيع المدن نظرا لثقلها في التوازنات السياسية والاجتماعية للبلاد .
فإذا كان المجال يشكل رهانا بالنسبة للدولة، وأحد قنوات الضبط الإداري فقد أصبح إنتاج المجال الحضري مرتبطا بتدخل السلطة السياسية ظاهريا من اجل احترام القوانين المعمول بها في ميدان التعمير، وباطنيا للأولية المكتسبة من طرف الاعتبارات الاجتماعية، وبالتالي فلا مناص من خضوعه للسلطة السياسية، ولا يجب أن يفهم من هذا انحصار الاعتبارات في الجوانب الأمنية بل يجب إدراكها في شموليتها المتمثلة في مختلف أوجه وتشعبات الوضع القائم، وذلك لما للمجال من دور في البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . وهذا ما يبرر أهمية تصميم التهيئة بالنسبة للدولة. وعليه فإذا كان المجال يشكل الحقل السياسي المفضل أي حقل بلورة الرهانات فإن تحقيق هذه الرهانات يبقى رهينا بتوفر اختيارات مضبوطة ومعقلنة في إطار تصميم التهيئة.
وتبقى أهم أهداف تصميم التهيئة الذي تسري فاعليته على المجال المحلي لمدة 10 سنوات في :
أ/ التنطيق: سواء في بعده الآني كالمناطق السكنية والصناعية والتجارية والسياحية والغابوية، أو في بعده المستقبلي من خلال تحديده للمناطق المفتوحة للعمران في المستقبل، وكذا المناطق التي تستوجب تهيئتها نظام قانوني خاص، خاصة الأحياء العشوائية (البند 13 من المادة 19 من القانون 12-90).
ب/ تخطيط الطرق والساحات العمومية : من خلال رسم التصميم للطرق العمومية الموجودة داخل المدينة وتلك التي يقرر إحداثها سواء منها الشوارع أو الأزقة أو الممرات
وغيرها كما يبين الشوارع الرئيسية التي تربط المدينة بالطرق الموجودة أو المقرر إحداثها والتي تربطها أو سوف تربطها بالمدن القريبة أو البعيدة .
ج/ المواقع المخصصة للتجهيزات العامة والمرافق العمومية: حيث التنصيص على التجهيزات والمرافق العمومية التي تحتاجها المنطقة التي يغطيها بالنظر إلى وثيرة توسع تلك المنطقة وتعميرها، وبالنظر أيضا إلى النمو الديمغرافي الذي ستشهده مستقبلا.
د/ ارتفاقات التعمير: والتي تعتبر بمثابة " التكاليف الموضوعة لتحقيق المنفعة العامة وتتحملها الأراضي حسب موقعها داخل مختلف مناطق المدينة حيث تخطيط وتنظيم هذه الأخيرة" وهي ارتفاقات مقررة للمنفعة العامة .
أما آثار تصميم التهيئة فتتجلى في نوعين من الآثار :
تجاه الأشخاص العموميين حيث يلزمهم القيام باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ واحترام أحكام تصميم التهيئة ، ومن تم يجب اتخاذ مجموعة من التدابير الاحتياطية كوقف تسليم الرخص المرتبطة بالتعمير العملياتي.
تجاه الخواص حيث مراقبة مبادرات الخواص بواسطة الترخيص الإداري .
وعليه إذا كان هذا على مستوى تصميم التهيئة كوثيقة تعميرية تنظم المجال الحضري، فماذا عن تصميم النمو كآلية تنظيمية للمجال في بعده القروي ؟
3/ تصميم النمو: نظرا لضعف الحركة العمرانية في العالم القروي، يعتبر تصميم النمو بمثابة الوثيقة التعميرية التي تنظم هذه المناطق القروية، حيث أنّ هذه المناطق ظلت خاضعة لظهير 25يونيو 1960 المتعلق بتنمية الكتل العمرانية. إذ نجد أن المشرع كان يهدف من وراءه تبسيط مسطرة التخطيط العمراني لتهيئة هذه المناطق، وليونة التعامل مع السكان بسبب ضعف التعمير في هذا النوع من المجال.
ونجد أن المشرع المغربي كان غامضا في عدم تحديده لمجال تطبيق تصميم التنمية بشكل واضح من خلال اعتباره للمناطق القروية" هي تلك المناطق التي تخرج عن مجال تطبيق تصميم التهيئة، وتركه للإدارة السلطة التقديرية في تحديد هذه المناطق".وتبقى أبرز أهداف تصميم التنمية، في تحديده للمناطق القروية المخصصة للسكن وإحداث المنشآت الفلاحية، التجارية و الصناعية وإقرار ارتفاقات التعمير وكذا تخطيط الطرق الرئيسية للسير .
كما تبقى الإشارة إلى أن تصميم التنمية يقوم بتقسيم المناطق حسب الأنشطة التي يعرفها المجال القروي إذ أنّ المناطق السكنية تحتل أهمية كبرى داخل الكتل العمرانية القروية، وهذا يرجع لكون هذه الأخيرة تستقطب أكبر عدد ممكن من السكان القرويين.
وبالتالي وبمجرد الموافقة على تصميم التنمية تصبح مقتضياته سارية المفعول اتجاه
الأشخاص العموميين والخواص . حيث أنّ قرار الموافقة يعتبر بمثابة إعلان عن المنفعة العامة لمدة عشر سنوات، يمكن تجديده بعد بحث عمومي يدوم شهرا واحدا .
وختاما لما سبق، وإذا كان هذا على مستوى الآليات التقنية والنظرية للتخطيط العمراني من خلال وثائق التعمير سواء في بعدها التوجيهي أو التنظيمي النافذ. فأين يتجلى دور الوكالات الحضرية على مستوى هذه الوثائق؟
الفرع الثاني :تدخلات الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني
الأكيد أن جميع القرارات التي يتم اتخاذها بالخصوص في ميدان التخطيط العمراني ليست تلقائية ، بل إنها تقوم وتعتمد على دراسات ووثائق يتم وضعها بشكل مسبق، وإعدادها يدخل ضمن صلاحيات الوكالات الحضرية التي تحظى بدور أساسي في مجال التخطيط العمراني حيث نجد أن المشرع قد اعترف لها بممارسة مجموعة من الصلاحيات غير أن حجم وطبيعة هذا التدخل- أي تدخل الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني – يختلف بحسب طبيعة الوثيقة التعميرية، ذلك أنه في الوقت الذي أعطى فيه المشرع للوكالة الحضرية دور محدود على مستوى التعمير التوجيهي (الفقرة الأولى)، فإنها في المقابل تتمتع بصلاحيات واسعة على مستوى التعمير التنظيمي النافذ (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المساهمة في إعداد المخطط التوجيهي كرؤية إستراتيجية لتهيئة المجال المحلي
إذا كانت صلاحية المبادرة في إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية تعود إلى الوزارة المكلفة بالتعمير، استنادا إلى مقتضيات المادة الثالثة من المرسوم التطبيقي للقانون 12-90 المتعلق بالتعمير، والتي تنص على أنه " يتم إعداد مشروع المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية بمسعى من السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير وبمساعدة من الجماعات المعنية والمجموعات الحضرية في حالة وجودها"، إلا أن هذا لا ينفي تدخل أجهزة أخرى في هذه المسطرة كما هو الحال بالنسبة للوكالة الحضرية التي تتمتع بمجموعة من الاختصاصات على مستوى مسطرة إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية.
فهي تتوفر على جملة من الاختصاصات المفوضة لها في ميدان التعمير،تجعلها تفرض نفسها كوحدة لا يمكن التقليل من أهميتها بالنسبة لجميع التدخلات في ميدان التخطيط العمراني داخل الفضاء الجغرافي الذي تغطيه ، إذ أن من بين الاختصاصات الموكولة للوكالات الحضرية
" القيام بالدراسات اللازمة لإعداد المخططات التوجيهية المتعلقة بالتهيئة الحضرية ومتابعة تنفيذ التوجيهات المحددة فيها " فالوكالات الحضرية أنيطت بها مهمة إعداد الدراسات التمهيدية اللازمة لإعداد المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية التي تدخل في نطاق اختصاصها،وتأتي أهمية هذا الدور من الحاجة التي عبر عنها واضعو مشروع قانون الإطار لسنة 1970 المتعلق بالتهيئة الحضرية والقروية، من أنه يتعين الاستناد في إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية على دراسات أولية تسند مهمة إنجازها إلى فرق متعددة الاختصاصات .
وأمام الضعف الذي كانت تعاني منه السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير على هذا المستوى فيما مضى، حيث كان يتم اللجوء لإعداد مثل هذه الدراسات إلى مكاتب الدراسات الخاصة، لكن وبعد إحداث الوكالات الحضرية فإن الوضع اختلف كثيرا ، إذ أسندت هذه المهمة – القيام بالدراسات – للوكالات الحضرية في حال وجودها كما يستفاد من الظهير المحدث لها. والدراسة هنا تتناول مختلف الجوانب التي تهم المجال المحلي من الناحية الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية والعقارية والتجهيزات الأساسية والمرافق العامة وكذلك العلاقات الاقتصادية الموجودة بين مجال المدينة المدروسة والمدن المجاورة .ومن تم فهي بهذا الشكل تقتضي جمع معلومات ومعطيات متنوعة ومحددة الأمر الذي يستدعي من الوكالة الحضرية القيام بذلك على المستويين المركزي والمحلي وحتى على مستوى السكان .
كما تتدخل الوكالات الحضرية في مسطرة إعداد مشروع المخطط التوجيهي من خلال عضويتها في بعض الأجهزة المعنية بهذه العملية، إذ تنص المادة 4 من المرسوم التطبيقي للقانون 90-12 المتعلق بالتعمير أنه " تحدث برئاسة السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير أو ممثلها لجنة مركزية لمتابعة إعداد المخطط التوجيهي، يعهد إليها بحث وتوجيه الدراسات المنجزة في مختلف مراحل إعداد المخطط التوجيهي المذكور " حيث تضم هذه اللجنة من بين أعضاءها مدير الوكالة الحضرية في حالة وجودها.
وبناء عليه وإذا كانت الوكالات الحضرية تلعب دورا مركزيا في مناقشة وبحث ومتابعة إعداد المخططات التوجيهية داخل نطاقها، فإن التساؤل المطروح هو: لماذا تم اختصار دورها في عمليتي الإعداد ومتابعة تنفيذ المخططات التوجيهية، من دون أن تكون لها صلاحية المبادرة في وضع هذا المخطط؟ ومن ثمة تقزيم دورها في مجال التعمير التوجيهي حيث الحضور القوي للمركز في اتخاذ قرار المبادرة بشأن المخططات التوجيهية.
إن الإجابة عن هذا التساؤل تجعلنا نؤكد على أنه وبالإضافة إلى المبررات الموضوعية والمقنعة -إلى حد ما- في كون أن هذا النوع من الوثائق يبقى مكلف ويفوق القدرات المادية للفاعل المحلي في ميدان التعمير - سواء كانت الوكالات الحضرية أو الجماعات المحلية-، فإن هذا لا ينفي حضور البعد السياسي في ميدان التعمير الذي يبقى له ارتباط قوي بإعداد التراب حيث المجال يدخل بصفة عامة ضمن منطق الاحتواء والمراقبة من طرف الدولة ، وبالتالي فميدان التعمير يشكل رهانا من الرهانات الأساسية للسلطة السياسية حيث الهدف هو التحكم في المجال ورصد تحولاته .
فالمخطط التوجيهي يعتبر كوثيقة تعميرية ذات طابع استراتيجي، ومن تم نجد أن السلطات المركزية تحاول من خلالها تنفيذ سياساتها العامة على المستوى المحلي، وهو معطى جوهري يبرر انفراد السلطات المركزية بتصور وإعداد وحتى المصادقة على هذه الوثيقة التوجيهية لباقي وثائق التعمير الأخرى.
وعليه فإن طبيعة تدخل الوكالة الحضرية على مستوى هذه الوثيقة يبقى غير محفز، إذ أن المبادرة والمصادقة مركزية ودور الوكالات الحضرية يبقى استشاري فقط دون صلاحية التقرير، الأمر الذي يحد من نجاعة الدور بالنسبة لهذه المؤسسات على مستوى التعمير التقديري.
ومنه إذا كانت هناك محدودية التدخل على مستوى المخطط التوجيهي فما هو مستوى التدخل على مستوى وثائق التعمير التنظيمي النافذ ؟
الفقرة الثانية: بلورة وثائق التعمير التنظيمي كأدوات إجرائية لتقنين المجال المحلي
على عكس وثيقة التعمير التقديري، نجد أن الوكالات الحضرية تلعب دورا متميزا في وثائق التعمير التنظيمي النافذ، والذي يجسد أهمية التدخل اللامركزي لهذه المؤسسة من حيث المبادرة والإشراف على إعداد مشاريع تصاميم التهيئة والتنمية وكذا مشاريع تصاميم التنطيق في حالة إعدادها بطريقة منفردة.
ويمكن رصد المرتكز القانوني لهذا التدخل من خلال البندين 2و3 من المادة الثالثة من الظهير المحدث للوكالات الحضرية حيث:
" تتولى الوكالة الحضرية في نطاق اختصاصها : ...
2 – برمجة مشاريع التهيئة المرتبطة بتحقيق الأهداف التي ترمي إليها المخططات التوجيهية.
3- تحضير مشاريع وثائق التعمير المقررة بنصوص تنظيمية خصوصا خرائط التنطيق ومخططات التهيئة ومخططات التنمية......"
ومن تم ماهي طبيعة وحجم هذا التدخل على مستوى كل وثيقة من وثائق التعمير التنظيمي النافذ؟
أ- على مستوى تصميم التنطيق
تقوم الوكالة الحضرية ب" تحضير مشاريع وثائق التعمير المقررة بنصوص تنظيمية خصوصا خرائط التنطيق..."، حيث تبدأ عملية وضع مشروع تصميم التنطيق من طرف الوكالة الحضرية بإنجاز تقرير تمهيدي للمجال المحلي الذي سيغطيه التصميم، ويكون الهدف منه فهم وتحليل العوامل خاصة منها الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على المدينة وتفسر نموها حيث تتناول دراسة التقرير التمهيدي الجوانب التالية :
التطور التاريخي لاستعمال الأرض وشرح احتلالها، التطور الديمغرافي مع كشف لوضعية حالة المساكن الموجودة، وتوزيع السكان حسب مداخيلهم على مستوى الأحياء، وكذا وصف الأنشطة المتوفرة وتقدير نسبة البطالة إلى جانب تحديد مناطق التشغيل والتعريف بمراكز الأنشطة والأحياء. ثم بيان التجهيزات الاجتماعية والاقتصادية الحالية وكيفية توزيعها داخل فضاء المدينة مع الإشارة إلى الخصاص الذي تشكو منه التجهيزات الأساسية والإشارة إلى عراقيل التنمية الحضرية أو المشاكل الخاصة التي تعوقها أو تواجهها.
واعتمادا على مختلف هذه الدراسات التمهيدية تقوم الوكالة الحضرية بوضع مشروع تصميم التنطيق، وذلك من خلال تحديد تنطيق لمختلف المجالات المشمولة بمشروع التصميم، حيث تحدد المناطق المخصصة لمختلف الأغراض التي يجب أن تستعمل لها.
وبعد وضع مشروع التنطيق تقوم الوكالة الحضرية بعرضه على اللجنة المحلية للتعمير التي تقوم بإبداء اقتراحاتها وملاحظاتها حول المشروع، وتوجه بعد ذلك موجز عن أعمالها إلى مدير الوكالة الحضرية، هذه الأخيرة – الوكالة الحضرية- التي تقوم عند الاقتضاء بتعديل مشروع تصميم التنطيق وفق ما تم التوصل إليه عند دراسة الملاحظات التي أبدتها هذه اللجنة. لتتم بعد ذلك إحالة مشروع تصميم التنطيق في صورته الجديدة إلى السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير قصد الموافقة عليه بقرار ينشر في الجريدة الرسمية .
ب-على مستوى تصميم التهيئة:
تنص المادة 23 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير على أنه " يتم وضع مشروع تصميم التهيئة بمبادرة من الإدارة..." ويراد بالإدارة هنا الوزارة المكلفة بالتعمير أو الوكالة الحضرية بحسب الحالة .
وعليه وبما أن تصاميم التهيئة " ليست مجرد أداة يتم إعدادها فوق طاولة المهندس المعماري أو غيره من المختصين بل هي مشروع مستقبلي هدفه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن حسن استعمال المجال وتخطيط العمران والتجهيزات المتنوعة، فإن عملية الإعداد تستوجب أولا فهم المجال المعني بهذه الوثيقة، لهذا تتولى الوكالة الحضرية إجراء دراسات متعددة الاختصاصات يمكن تصنيفها إلى ثلاث مستويات :
+ دراسات سوسيو- اقتصادية تتوخى التعرف على الخصائص الديمغرافية للمنطقة المعنية بالتصميم، وكذلك الخصائص السوسيو اقتصادية للسكان بالإضافة إلى تحديد الأنشطة الاقتصادية الأساسية التي تتميز بها المنطقة.
+ دراسات مجالية هادفة إلى التعرف على الخصائص الطبيعية للرقعة المعنية بالتصميم وكذلك الخصائص التي تميز الدينامية الحضرية التي تعرفها.
+ دراسات قطاعية تهم عدة مجالات مثل السكن، التجهيزات، البيئة، العقار، المناطق المخصصة للأنشطة الاقتصادية .
بالموازاة مع ذلك، تبعث الوكالات الحضرية رسالة مشفوعة بخريطة إلى المصالح الإدارية والهيئات المعنية للحصول على المعلومات المتعلقة بالاحتياط العقاري الواجب تخصيصه لكل منها في إطار التصميم، كما يتعين أن يتضمن جواب هذه الهيئات كذلك برنامج الانجازات التي يجب القيام بها في الخمس السنوات الموالية . وتمكن هذه المعطيات الوكالة الحضرية من تحديد برنامج العمليات التي يجب القيام بها في الخمس سنوات الموالية.
واستنادا إلى مختلف هذه الدراسات والمعطيات تعمل الوكالة الحضرية على وضع مخطط إجمالي يجب أن يكون محل اتفاق شامل على المستوى المحلي وعلى أساس هذا المخطط الإجمالي يتم تقدير الحاجيات على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وذلك من خلال المقارنة بين الحاجيات النظرية والحالة الواقعية .
هذا وبعد تحديد مشروع تصميم التهيئة وضابطته من طرف الوكالة الحضرية، يتم توجيهه إلى اللجنة المحلية المكلفة بالتعمير قصد استشارتها، حيث تمكن هذه العملية من الحصول على رأي جميع الإدارات العمومية والمؤسسات المهنية المعنية حول ما ينص عليه المشروع. لتقوم الوكالة الحضرية بعد ذلك بتوجيه المشروع إلى المجالس المحلية المعنية تحث إشراف العامل للقيام بالمسطرة القانونية المتعلقة بالبحث العمومي، لتتم إعادة المشروع بعد ذلك إلى الوكالة الحضرية قصد إدخال التعديلات والمقترحات اللازمة على التصميم وضابطته .
وبعد التعديلات النهائية تقوم الوكالة الحضرية بتوجيه الملف المتعلق بمشروع تصميم التهيئة إلى الوزارة المكلفة بالتعمير من أجل مسطرة الموافقة عليه بمقتضى مرسوم ينشر في الجريدة الرسمية .
ولعل هذه المسطرة –المصادقة- تطرح في حقيقة الأمر أكثر من نقاش، على اعتبار أن تصميم التهيئة ومنذ مراحله الأولى يتم إعداده بطاقات ومجهودات محلية تدعم سلطات اللامركزية وعدم التركيز، في حين تبقى صلاحية المصادقة عليها مركزية، توجه نجده منتقد من طرف مجموعة من الباحثين حيث كان من الأولى إعطاء صلاحية المصادقة للوالي على اعتبار أنه الأقرب للمجال والواقع المحلي ،كما هو الحال في التجربة التونسية حيث أن صلاحية المصادقة هي من اختصاص الوالي .
ج- على مستوى تصميم النمو:
على الرغم من المستجدات التي عرفها قطاع التعمير، خاصة على المستوى المؤسساتي فإن النص المنظم لتصميم النمو بقي وفيا للظروف التي أحاطت صدوره. ومن هذه المستجدات الاختصاصات المعترف بها للوكالة الحضرية فيما يخص إعداد هذه الوثائق حيث أصبحت تتولى تحضير مشاريع وثائق التعمير المقررة بنصوص تنظيمية خصوصا تصاميم النمو في نطاق اختصاصها، ويمكن رصد تدخل الوكالة الحضرية على مستوى هذا النوع من الوثائق عبر ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى: حيث تبتدئ الوكالة الحضرية في دراسة التقرير الأولي بتنسيق مع المديرية الجهوية للإسكان والتعمير، وكذا قسم التعمير بالعمالة وإبداء الملاحظات الأساسية التي يجب على مكتب الدراسات أخذها بعين الاعتبار، حيث نجد أن هذا التقرير الأولي يتضمن:
الإشكالية المتعلقة بالمركز المدروس داخل محيطه.
المنهجية المعتمدة في الدراسة والمتعلقة بمختلف المهمات وتتابع مختلف مراحلها.
مختلف الأبحاث وكذا التقصيات المزمع القيام بها في هذا الإطار.
نماذج من جذاذات البحث والرسائل الموجهة إلى مختلف الإدارات.
ثم تقوم الوكالة الحضرية بعد موافقتها واقتناعها بهذا التقرير المبدئي بتسلم تقرير تحليلي وخلاصي، وذلك في أجل لا يتعدى أربعة أشهر ابتداء من توصله برسالة في هذا الشأن.
ومن بين ما يتضمن هذا التقرير:
تدقيق الإشكالية المقدمة في التقرير الأولي مع تقديم حلول مناسبة لها.
برمجة مدققة متعلقة بمختلف القطاعات والتهييئات المقترحة والمعتمدة على الاحتياجات الخاصة بالجماعة القروية، المتعلقة بالسكن والتجهيزات الأساسية (البنيات التحتية والمرافق...)
بعد ذلك تقوم الوكالة الحضرية باجتماع تشاوري مع ممثلي العمالة والممثلين المحليين عن وزارة الفلاحة، التنمية القروية ووزارة التجهيز، وممثلين عن المجلس الجماعي وكذلك كل الجهات والمصالح الضرورية حيث يتم دراسة التقرير وإبداء الملاحظات الضرورية لكي يتم تهيئ الصيغ المناسبة للمركز، ليسفر الاجتماع على إنجاز محضر تسجل فيه الملاحظات المبداة من طرف اللجنة، لتقوم بعد ذلك الوكالة الحضرية بدراسة دقيقة من الناحية التقنية والقانونية لصيغ التهيئة وذلك لبلورة الصيغة النهائية .
المرحلة الثانية: في هذه المرحلة يقوم مدير الوكالة الحضرية بإمضاء النسخة الأصلية للصيغة النهائية لتصميم التنمية المعدل ليوجهه إلى مصالح العمالة مقابل وصل إيداع يقوم بإمضائه مستلم الوثيقة الأصلية. كما يراسل مدير الوكالة رئيس المجلس الجماعي ومطالبته بالعمل على تعجيل مسطرة الموافقة على الكتل العمرانية القروية المعنية وفقا للمقتضيات التي يتضمنها التصميم.
المرحلة الثالثة: تتوصل الوكالة الحضرية في هذه المرحلة بالملف القانوني للمصادقة عليه، حيث تتم مرة أخرى دراسته بطريقة متأنية ومستوفية للشروط التقنية والقانونية اللازمة، مع التأكد بأن قرار العامل يحتوي على موافقة الممثل المحلي لوزارة الفلاحة ورأي الممثل المحلي لوزارة التجهيز.
وبعد تهيئ ملف المصادقة من طرف الوكالة الحضرية تتم إعادة إرساله إلى عامل الإقليم قصد الموافقة عليه ويقوم بدوره بإرساله إلى وزير الداخلية للمصادقة عليه مع مطالبته بإرسال نسخة من هذه الإرسالية للوكالة الحضرية قصد الإخبار.
وبناءا على كل ما تقدم، وإذا كان دور الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني يتراوح ما بين محدودية التدخل على مستوى وضع الاستراتيجيات المجالية المحلية الذي يبقى شأنا مركزيا، فإنها بالمقابل منحت صلاحيات مهمة مكنتها من التدخل في وثائق التعمير التنظيمي النافذ بشكل إيجابي يجسد لامركزية تدخل هذه المؤسسات في تدبير المجال المحلي من زاوية قوانين التعمير.فأين يتجلى دورها على مستوى التدبير العمراني باعتباره يشكل التجسيد العملي لوثائق التعمير؟
المطلب الثاني: الوكالات الحضرية وازدواجية مهام التدبير العمراني
يعتبر التدبير العمراني بمثابة الترجمة الفعلية والعملية للتخطيط العمراني، على اعتبار أنه إذا كان هذا الأخير يشكل ضرورة لضبط نمو المجال على المدى القصير والبعيد من خلال وثائق التعمير التي تعتبر بمثابة المرجع القانوني لجميع المتدخلين في ميدان التهيئة بحكم الضوابط المرافقة لها، فإن التدبير العمراني يهدف إلى حل المشاكل والانشغالات اليومية من خلال ترجمة مقتضيات التخطيط العمراني، حيث الهدف المركزي هو تنظيم المجال تنظيما متوازنا ومتناسقا .
ومفهوم التدبير العمراني واسع جدا كونه يمتد ليشمل جميع مظاهر تنفيذ وثائق التعمير، على اعتبار أنها هي المجسد الفعلي للسياسة المتبعة في ميدان التخطيط العمراني على مستوى الميادين المرتبطة بتهيئة المجال وإعادة الهيكلة والتدخل في ميدان السكنى ومحاربة أحياء الصفيح .
فالتدبير العمراني في مفهومه الواسع يحيل إلى أنه " إطار شمولي لضبط التطورات العمرانية مع ضرورة الامتثال للضوابط التنظيمية للبناء والتعمير"
وفي مفهومه الضيق يعتبر بأنه" عمل إداري تمارس بموجبه الإدارة مراقبة وقائية لمطابقة بناية ما للقواعد العامة، حيث تكون فيها الرخصة بمثابة وسيلة للشرطة العامة للتعمير" أي أن تسليم الرخص هنا يعتبر بمثابة فعل "acte" تلاحظ بموجبه الإدارة المكلفة أن تنفيذ الأشغال يمكن الترخيص بها بالنظر إلى النصوص المتعلقة بالتعمير.
وبناء عليه: ماهي أهم تجليات وآليات هذا النوع من التعمير ؟
وما هو حجم ومستوى تدخل الوكالات الحضرية في التدبير العمراني؟
الفرع الأول: ميكانيزمات ووسائل التدبير العمراني
إن قراءة متمعنة للقانون 12-90 المتعلق بالتعمير، والقانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، تجعلنا نقف على أهم آليات التعمير العملياتي، إذ تعتبر بمثابة أدوات يمكن من خلالها التحكم في حجم النمو العمراني ، و من تم تحقيق الأهداف المسطرة في وثائق التعمير التقديري والتنظيمي النافذ، حيث تتبلور هذه الآليات في رخص البناء (فقرة أولى)، وكذا التجزئات والمجموعات السكنية والتقسيمات العقارية(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: رخص البناء
تعد أنشطة البناء من الأنشطة الأساسية التي تساهم في ظهور التجمعات العمرانية، حيث أن السكن يحظى بأولوية في تخطيط كل فرد وكل جماعة. ولأجل تنظيم هذا النشاط كان لابد من إخضاعه للمقتضيات التشريعية الجاري بها العمل في تنظيم سياسة التعمير.
فأهمية الرخصة تتجلى في كونها تعتبر إحدى وسائل تقييد حق الملكية العقارية وما تقتضيه من إخضاع هذا الحق للمراقبة المسبقة للبناء وعدم ممارسته إلا في نطاق النصوص القانونية الجاري بها العمل ، بالإضافة إلى أن الغاية من فرض العمل بالرخص هو التعبير على رغبة المشرع في محاربة السكن العشوائي وفي الحد من امتداده مستقبلا وكذا تفادي التعمير غير المنظم.
وبالرجوع إلى القانون 12-90 المتعلق بالتعمير نجده في الباب الثالث منه والمعنون تحث " الأبنية" يتحدث في مواده العشر عن رخصة البناء ومقتضياتها دون أن يشير إلى أي مقتضى قانوني يحدد لنا المقصود بالبناء والعمليات التي تدخل في إطاره على الرغم من تنصيصه على ضرورة التوفر على رخصة البناء قبل الشروع فيه، كما تنص على ذلك المادة 40 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير.
وإذا كان المشرع المغربي لم يعرف المقصود برخصة البناء ، فإن الفقه قد اعتبرها بأنها ذلك الإذن الإداري المسبق اللازم للشروع في عملية البناء والذي يتم بعد التأكد من قبل السلطات المختصة من مطابقة مشروع البناء للقوانين الجاري بها العمل. كما أن الفقيه A.Latournorie عرف رخصة البناء بأنها " عمل تلاحظ بموجبه السلطة العمومية ما إذا كانت الأشغال المراد انجازها تستحق أن يرخص لها بالنظر إلى النصوص المتعلقة بالتعمير".
كذلك تعرف بأنها" وسيلة تمنح للإدارة من أجل العمل على احترام كل التشريعات المتعلقة بالتعمير حيث أن الإدارة لن ترخص سوى بالبنايات المطابقة لتصميم التهيئة ولنظام الطرق ومشاريع التجزئات المصادق عليها"
وبناءا على هذه التعريفات يمكن أن نستخلص بأن رخصة البناء هي سلطة تتمتع بها الإدارة، الغاية منها مراقبة عمليات البناء قبل القيام بها للتأكد من مدى مطابقتها للقوانين الجاري بها العمل. فهي إذن بمثابة إذن إداري مسبق يلزم الحصول عليه من طرف كل شخص (طبيعي/ معنوي) أراد الشروع في البناء.وإذا كان هذا يتعلق بالمفهوم فماذا عن نطاق تطبيق رخص البناء ؟
نجد أن المادة 40 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير تنص على أنه يمنع القيام بالبناء دون الحصول على رخصة لمباشرة ذلك في الجماعات الحضرية والمراكز المحددة التي هي عبارة عن أجزاء من جماعات قروية يتم تعيين حدودها من طرف السلطة التنظيمية، وكذا داخل المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية والمراكز المحددة أي داخل الأراضي القروية التي توجد بجوار تلك الجماعات.كما يشمل المجال الترابي المعني بتطبيق رخصة البناء كل أو بعض أراضي جماعة قروية أو جماعات قروية تكتسي صبغة خاصة سياسية وصناعية ومنجمية، ويستوجب التطور المرتقب للعمران فيها وجوب إخضاعها للرقابة الإدارية حيث يتم تحديد هذه المناطق من طرف الإدارة باقتراح من مجالس الجماعات المختصة أو باقتراح من عامل العمالة أو الإقليم المعني إذا لم تتول هذه المجالس أمر ذلك بنفسها.
ويجب الحصول على رخصة البناء كذلك في حال إدخال تغييرات على المباني القائمة إذا كانت التغييرات المزمع القيام بها تتعلق بالعناصر المنصوص عليها في الضوابط المعمول بها.
وإذا كان هذا على مستوى القانون 12-90 فإن الفصل السابع من ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية ينص على ما يلي " يمنع في العمارات القروية المتوفرة على تصميم خاص بتوسيع نطاقها تشييد أية بناية دون الحصول على إذن بالبناء تسلمه السلطة المحلية (حاليا رئيس المجلس القروي). ونميز في الرخص بين :
الرخص الصريحة إذ يستجمع طلب رخصة البناء كافة الشروط المتطلبة قانونا حيث إن تسليم رخصة البناء يكون حقا لطالبها وليس امتيازا له ، فتطبيقا للمادة 43 من القانون 12-90 التي تنص على أنه " تسلم رخصة البناء بعد التحقق من أن المبنى المزمع إقامته تتوفر فيه الشروط التي تفرضها الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خصوصا الأحكام الواردة في... تصميم التهيئة".
وهكذا فإن الجهة المكلفة بمنح الرخص – رؤساء المجالس الجماعية بعد ضرورة أخذ رأي الوكالات الحضرية في حالة وجودها- تسلم هذه الرخصة بعد أن يتم التحقق من أن المشروع المزمع إقامته لا يتعارض مع المقتضيات المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية بشكل عام وتصميم التهيئة على وجه الخصوص كما هو واضح من عبارة " خصوصا الأحكام الواردة في تصميم التهيئة " كما هو وارد أعلاه.
غير أنه إذا كان الغرض المخصصة له الأراضي غير محدد في تصميم التهيئة فإنه يمكن تسليم الرخصة شريطة أن يكون البناء المزمع القيام به ملائما لأحكام مخطط توجيه التهيئة العمرانية، أو مع الغرض الذي يصلح له فعلا القطاع المعني عند عدم وجود هذا المخطط .
الرخص الضمنية حسب المادة 48 من القانون 12-90، فإن رخصة البناء تعتبر مسلمة بمرور شهرين من تاريخ إيداع الطلب، ويشترط للحصول على الرخصة الضمنية أن يكون الطلب مستوفيا لكافة الشروط التي تتطلبها الأحكام التشريعية والتنظيمية وموافقا لمقتضيات تصميم التهيئة.
وإذا كان هذا على مستوى رخصة البناء وما تطرحه من إشكالات قانونية، فماذا عن باقي أدوات التعمير العملياتي الأخرى ؟
الفقرة الثانية: التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
إذا كان البناء يحيل إلى إنشاء المباني الجديدة أي الاستحداث أو البدء في إقامة المبنى لأول مرة فإن التجزئات والمجموعات السكنية والتقسيمات العقارية، تعتبر بمثابة العمليات السابقة لعملية البناء، في إطار ما يسمى بعمليات التهيئة بحيث ولكي تصير الأرض قابلة للبناء فإنه يجب أن تكون مجهزة ومهيأة لذلك. وعليه يمكن تأطير هذه الفقرة وفق نقطتين نتناول في الأولى التجزئات العقارية والمجموعات السكنية، وفي الثانية تقسيم العقارات.
1-التجزئات العقارية والمجموعات السكنية :
تعتبر التجزئة العقارية بحسب المادة 1 من القانون 25-90 هي كل " تقسيم عقار من العقارات عن طريق البيع أو الإيجار أو القسمة إلى بقعتين أو أكثر لتشييد مباني للسكنى أو لغرض صناعي أو سياحي أو حرفي أو تجاري مهما كانت مساحة البقع التي يتكون منها العقار المراد تجزئته"، وهو مفهوم يجد تطبيقاته في المناطق التي تغطيها وثيقة من وثائق التعمير وتكون الأراضي المراد تجزئتها محددة الأغراض من قبل هذه الوثائق.
كما يطبق كذلك في دوائر معينة، وهي الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق ذات الصبغة الخاصة، إذا كانت الأغراض المذكورة – أي تلك التي ينص عليها كل من تصميم التهيئة وتصميم التنطيق- غير محددة من جهة، وكانت التجزئة المراد إحداثها تتوافق مع الغرض الذي يصلح له فعلا القطاع الواقعة فيه في حال عدم وجود مخطط توجيه التهيئة العمرانية من جهة ثانية .
إلى جانب هذا التعريف العام للتجزئة العقارية والذي يركز فقط على عنصرين(طبيعة العملية التي ينتج عنها التجزيء، والغرض منه دون شرط المساحة)، نجد أن هناك طبقا للبند الثاني من المادة 9 من القانون 25-90، تعريف آخر للتجزئة لأنه بالإضافة إلى عنصر طبيعة العملية العقارية المذكورة المنتجة للتقسيم، يجعل الغرض من هذا التقسيم متميزا وهو إقامة مساكن متفرقة أو نشاطات مرتبطة بالزراعة، من جهة ويضيف شرط المساحة التي ينبغي ألا تقل عنه أي بقعة من البقع الناتجة عن التقسيم وهي هكتار واحد.
كما نجد أن ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية الكثل العمرانية، أورد مفهوم للتجزئة لا يقل وضوح عن التعريف المعطى لها في القانون 25-90، فقط الاختلاف يكمن في أنه حدد العملية العقارية التي ينتج عنها التقسيم في البيع والإيجار(دون التقسيم) من جهة، ومن جهة ثانية اشترط أن تكون مساحة إحدى القطع أقل من2500 متر مربع، طبقا للفصل 10 من الظهير المذكور، بالإضافة إلى أن هذا النوع من التجزئة لا يطبق إلا في نطاق العقارات القروية التي تتوفر على تصميم التنمية.
وبناءا عليه، وإذا كان التجزيء حقا فرديا يرتبط ارتباطا وثيقا بحق الملكية، ولأجل ذلك فإن مالك العقار يملك مبدئيا حق التصرف في ملكيته إلا أن هذا الحق ليس مطلقا إذا تعلق الأمر بالتجزيء، حيث أن المشرع من خلال القانون 25-90 قيد هذه الحرية حينما ألزم المجزئين بوجوب الحصول على إذن إداري مسبق، إذ تعتبر هذه الرخصة بمثابة الآلية التي تسمح للجهات المختصة في محاصرة البناء العشوائي وتفاديه وخلق انسجام في اتساع العمران وتأمين التناسق بين مختلف التجمعات السكنية، والحفاظ على الطابع المعماري المنظم للمجال حتى تتماشى السياسة المطبقة في ميدان السكن مع متطلبات الأمن والصحة والسكينة .
وعموما إذا كانت التجزئة كأحد مستويات تدبير وتهيئة المجال، على اعتبار أن دورها يكمن في أنها تعتبر كإطار مرجعي من خلال اتخاذ كل تجزئة مظهر تركيبة مجالية مختلفة عن محيطها ومتميزة بهيكلتها. فإننا نجد أن بعض الباحثين ينتقدون هذا النوع من آليات التدبير العمراني ويعتبرونه كامتداد للمرجعية "الرأسمالية" حيث المبادرة الخاصة كطرف رئيسي في هيكلة وتدبير المجال، وبالتالي إخضاعه لقوانين السوق وعبره المصالح المهيمنة داخل المجتمع، ومن تم فإن القطاع الخاص لا يشارك فقط في السلطة على المجال بل يعزز ويقوي سلطته بواسطة هذا المجال .
هذا وإذا كان القطاع الخاص يلعب أدوارا هامة في تهيئة المجال، فإننا نعتقد أن إقصاءه يبقى توجه هو الآخر منتقد، على اعتبار أن الدولة اليوم وفي إطار التحولات العميقة التي طرأت على مستوى وظائفها، أصبحت غير قادرة لوحدها على صنع التنمية خصوصا في ميدان التعمير وما ترتبط به من مشاكل كالسكن العشوائي، بل لابد لها من شركاء من بينهم القطاع الخاص، ومن تم نعتقد أن المطلوب اليوم هو إقامة شراكة تعاقدية بين الدولة والقطاع الخاص يتم عبرها إعادة توزيع الأدوار وتحديد المسؤوليات وجعل القطاع الخاص مساهم في وضع السياسات العامة في مجال التعمير وليس فقط منفذا لهذه السياسات عبر تحديد واضح لحجم التدخلات.
2-تقسيم العقارات:يعتبر تقسيم العقار هو كل عملية عقارية تتميز بالخصائص التالية:
كل بيع أو قسمة يكون هدفها أو يترتب عليها تقسيم عقار إلى بقعتين أو أكثر غير معدّة لإقامة بناء عليها.
بيع عقار لعدة أشخاص على أن يكون شائعا بينهم يحصل بموجبه أحد المشترين على نصيب شائع يقل عن المساحة الدنيا للبقع الأرضية المنصوص عليها في وثائق التعمير.
نصيب شائع تكون مساحته دون 2500م في حالة عدم التنصيص على الحد الأدنى لمساحة البقع في وثائق التعمير .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن التقسيم يكون في المناطق التي لا يباح البناء بها بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير كما تقضي بذلك المادة 60 من القانون 25-90، غير أنه إذا وقع في عقار معد للبناء بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير فإن المطلوب هو التجزيء وليس التقسيم لأن هذا الأخير مرفوض في المناطق المعدة للبناء.
وإذا كانت هذه هي الآليات القانونية للتدبير العمراني كما نص عليها القانون 25-90، فأين تتجلى الأدوار العملية للوكالة الحضرية من خلالها سواء في الجانب المتعلق بدراستها أو في الجانب المتعلق بمراقبتها من خلال السهر على احترام وثائق التعمير؟
الفرع الثاني: مظاهر تدخل الوكالات الحضرية في ميدان التدبير العمراني
إذا كانت وثائق التعمير تهدف إلى تخطيط المجال العمراني في مدة زمنية معينة، فإن التدبير العمراني هو الآلية الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف، وإذا كان هذا الأخير – التدبير العمراني-يعود إلى مجموعة من المصالح الإدارية المحلية، فإن هذا لاينفي تدخل الوكالة الحضرية في هذه العملية حيث دراسة الملفات وإبداء رأيها فيها (الفقرة الأولى)، ثم مراقبة هذه الملفات سواء أثناء التنفيذ أو بعد الانتهاء منه(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دراسة الملفات وإمكانية تنظيم المجال المحلي
تمارس الوكالات الحضرية اختصاصاتها داخل مجموع تراب الجماعات الحضرية والقروية المتواجدة في منطقة نفوذها، حيث تنص المادة 3 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية على أن هذه الأخيرة تتولى في نطاق اختصاصها " إبداء الرأي في جميع المشاريع المتعلقة بتقسيم وتجزئة الأراضي وإقامة المجموعات السكنية والمباني، وذلك داخل أجل أقصاه شهر ابتداء من توجيه تلك المشاريع إليها من قبل الجهات المختصة، ويكون الرأي الذي تبديه في ذلك ملزما".
وهو معطى يوحي لنا بأن الوكالة الحضرية تلعب دورا متميزا على مستوى ملفات التعمير العملياتي خصوصا في شقه المتعلق بالدراسة، إذ أن رأيها يلزم الجهات المكلفة باحترامه سواء كان إيجابيا أو سلبيا.
ومن تم ماهي المسطرة التي تتبعها الوكالات الحضرية في دراسة هذه الملفات؟
وماهي الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن الوكالات الحضرية؟ أو بعبارة أخرى هل الجهات المختصة بتسليم الرخص التعميرية تنضبط وتتقيد بآراء الوكالات الحضرية ؟
1- مسطرة دراسة ملفات التدبير العمراني من طرف الوكالة الحضرية:
إن الأساس القانوني الذي ترتكز عليه الوكالة الحضرية في مجال دراسة الملفات، لم يتم التنصيص عليه بشكل صريح إلا من خلال المرسوم التطبيقي للقانون 12-90،و المرسوم التطبيقي للقانون 25- 90، وكذا بعض الدوريات والمناشير التي حددت المسطرة التي تتبعها الوكالات الحضرية في دراسة الملفات المعروضة. حيث يمكن في هذا الصدد التمييز بين نوعين من المساطر:
أ- المسطرة السريعة : حيث خصصت لها المشاريع العادية " الصغرى" والتي تضم :
البنايات الفردية كالمباني (فيلات) والعمارات التي يساوي علوها أو يقل عن 11 متر ونصف أي بطابقين على الأكثر، وكذلك التغييرات والتهييئات المدخلة عليها.
بناء أو تهيئة محل للتجارة أو الصناعة داخل في صنف الدرجة الثالثة (حسب تصنيف ظهير1914 المتعلق بالمؤسسات المضرة بالصحة أو السكينة أو الطمأنينة العامة كمشاغل الإصلاحات الميكانيكية والنجارة) على ألا تتجاوز مساحتها 500 متر مربع وعلوها 5.5 مترا.
البنايات الموسمية أو المؤقتة.
ب- المسطرة العادية: والتي خصصت لها المشاريع الكبرى ،حيث يمكن اختصارها في:
التجزئات العقارية وتقسيمات الأراضي
جميع البنايات المزمع إنجازها من لدن أو لحساب إدارة عمومية أو جماعة محلية أو مؤسسة عمومية والتي تدخل في إطارها المدارس العمومية – المستشفيات –المساجد- المقابر...
البنايات الخاصة المخصصة للعموم أو تستقبل العموم (الفنادق، المدارس الخاصة...)
كل البنايات التي تفوق مساحتها 500م 2 وعلوها 5.5م.
وبناء عليه فإن الوكالات الحضرية تلعب دورا هاما على مستوى هذه المساطر، حيث أن الجهات المختصة بمنح الرخص ملزمة بضرورة عرض هذه الملفات (كبرى أو صغرى) على أنظار الوكالات الحضرية لإبداء آراءها.
هكذا وفيما يتعلق بالمشاريع العادية في إطار المسطرة السريعة، فإنه وبعد إيداع الملفات لدى الجماعة المعنية أي تلك التي سينجز المشروع بترابها، يتم تشكيل لجنة محلية تتولى الوكالة الحضرية أمانتها في حال وجود وثيقة تعميرية ، وأن الاجتماع لن يكون صحيحا إلا بحضور الوكالة الحضرية المعنية والتي يقتصر دورها في إبداء الرأي الذي يقتصر في هذه المسطرة على مطابقة مشروع البناء للمقتضيات القانونية والتنظيمية العامة المتعلقة بالتعمير والبناء، إضافة إلى مطابقته لوثائق التعمير المعمول بها.
أما فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى فإن الوكالة الحضرية هي من تتولى رئاسة اللجنة المحلية حيث دراسة الملفات داخل أجل لا يتعدى 10 أيام ابتداء من تاريخ تسلم الوكالة الحضرية لهذه الملفات، حيث أن الوكالة الحضرية تركز في دراستها للمشروع بالإضافة إلى احترام المقتضيات القانونية والتنظيمية، ومطابقة المشاريع لوثائق التعمير متطلب الجودة العمرانية للمشروع.
وإذا كان هذا بالنسبة لمسطرة الدراسة التي نجد معها حضورا "قويا" للوكالة الحضرية عبر رئاسة اللجنة المحلية أو عدم صحة اجتماع هذه الأخيرة إلا بوجود الوكالة الحضرية لإعطاء رأيها في المشروع المطروح.فماهي طبيعة الآراء الممنوحة للوكالات الحضرية في هذا الصدد ؟
2 -الرأي المطابق كقوة قانونية في يد الوكالات الحضرية
بالإضافة إلى ما تقدم، فقد أسند المشرع إلى الوكالات الحضرية صلاحية إبداء الرأي في جميع المشاريع المعروضة عليها، حيث أن البند 4 من المادة 3 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية أنها تقوم ب" إبداء الرأي في جميع المشاريع المتعلقة بتقسيم وتجزئة الأراضي وإقامة المجموعات السكنية... ويكون الرأي الذي تبديه في ذلك ملزما"
فالوكالة الحضرية إذن تتوفر على رأي مطابق ، حيث أن هذا الأخير يفيد "موافقة صاحب الرأي على مضمون القرار المعروض عليه والمزمع اتخاذه من قبل السلطة المختصة بإصداره"، وتأتي الموافقة قبل صدور القرار، فهي مرحلة سابقة على الإصدار وبدون هذه الموافقة يستحيل – قانونا- إصدار هذا القرار. ومن تم فإن الرأي الذي تبديه الوكالة الحضرية بشأن المشاريع المعروضة عليها هو رأي متطلب قانونا ولا يصح الترخيص بدونه.
وعليه نستنتج أن الوكالة الحضرية تحتل مكانة متميزة على مستوى دراسة الملفات، وهو معطى في حقيقة الأمر له أكثر من مبرر كون أن الوكالات الحضرية تتوفر على وسائل مالية وبشرية وتقنية تمكنها من القيام بدراسة معمقة لمجموع مشاريع التدبير العمراني.
ومن تم إذا كان هذا على مستوى الدراسة فماذا عن المراقبة كوجه ثاني للتعمير العملياتي؟
الفقرة الثانية: المراقبة والتتبع كضرورة لضبط حركة العمران المحلي
تعتبر الرقابة من زاوية علم الإدارة كما يعرفها بذلك فايول Henry Fayolبأنها " عمل يقوم على التحقق مما إذا كان كل شيء يسير وفقا للخطة المرسومة والتعليمات الصادرة والقواعد المقررة، أما موضوعها فهو تبيان نواحي الضعف أو الخطأ من أجل تقويمها ومنع تكرارها ".ومن تم يمكن القول بأن الرقابة تقوم على عنصرين:
التأكد من درجة تحصيل الأهداف المتوخاة.
الكشف عن الاختلالات التي تحول دون الحصول على الأهداف وتقويمها لمنعها من التكرار.
وفي ميدان التعمير نجد أن المشرع المغربي قد نظم حركة العمران عبر مرحلتين: مرحلة الترخيص المسبق، ومرحلة تتبع تنفيذ الرخص الممنوحة. وإذا كانت المرحلة الأولى وما تتطلبه من إجراءات وتدخلات من جانب السلطات المختصة، وما يترتب عنها من حقوق والتزامات لأصحاب الرخص والجهة المانحة مهمة جدا بالنسبة للجميع. فإن المرحلة الثانية لا تقل عنها أهمية على اعتبار أن من خلالها تسعى السلطات المختصة إلى التأكد من أن جميع أوراش البناء والتجزيء تتوفر على الرخص المطلوبة في النطاق الموجب لها من جهة وأن المقتضيات المنصوص عليها في الرخص الممنوحة تنفذ على أرض الواقع، وأن كل إخلال بذلك يعد مخالفة تعرض صاحبها إلى عقوبات زجرية إدارية أو قضائية تتناسب مع نوع ومدى هذه المخالفة .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن النطاق الترابي الذي تمارس فيه الرقابة يشمل جانبين: الأول يتعلق بنطاق تطبيق الرخص الواجبة لعمليات البناء والتجزيء والتقسيم، والآخر يتعلق بنطاق يحظر فيه البناء كالارتفاقات المقررة لمصلحة بعض المرافق العمومية أو للمصلحة العامة بشكل عام .
والوكالة الحضرية تستمد تدخلها في مجال المراقبة من خلال البند 5 من المادة 3 من الظهير المحدث لها حيث تقوم ب: "...مراقبة أعمال تقسيم وتجزئة الأراضي وإقامة المجموعات السكنية والمباني عندما تكون في طور الانجاز، وذلك للتحقق من مطابقتها لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل،ولرخص التجزيء أو التقسيم وإقامة المجموعات السكنية أو البناء المسلمة لأصحاب الشأن " وهكذا نجد أن تدخل الوكالة الحضرية في ميدان الرقابة يتم عبر مستويين:
أ-المراقبة الآنية للمشاريع: والتي تتمثل في مراقبة المشاريع التي هي في طور الانجاز، إذ ولتسهيل مهمة الوكالة الحضرية في القيام بهذا المستوى من المراقبة تحدث هيئة محلفين تابعة لمدير الوكالة الحضرية يكلفون بإثبات المخالفات للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالتعمير. حيث تتولى هذه الهيئة القيام بدوريات ميدانية في مختلف الأوراش التي تكون في طور الانجاز، إذ تبقى الإشارة هنا إلى أن نظام الزجر قاعدته الأساسية هي هؤلاء المحلفين المكلفين بالمعاينة، حيث يعتبر عملهم قاعدة كل تحرك إداري أو قضائي في مجال المراقبة .
وتتم مسطرة ضبط المخالفات وفق المقتضيات المنصوص عليها في المواد 66 من القانون 25-90 والمادتين 64و65 من القانون 12-90، حيث يقوم المأمور المكلف الذي عاين مخالفة من المخالفات المنصوص عليها في القانون بتحرير محضر بشأنها، ويقوم بتوجيهه في أقصر الآجال إلى الجهة المكلفة بذلك، حيث المطلوب في هذا المحضر أن يكون مستوفيا لكافة الشروط المتطلبة شكلا ومضمونا حتى يتسنى للسلطة الإدارية والقضائية الاستعانة به .
وبعد ذلك تقوم مصالح الوكالة الحضرية بتحديد طبيعة المخالفات التي تم ضبطها على ضوء المقتضيات التشريعية والتنظيمية، حيث وعلى ضوء المعلومات التي تم جمعها من طرف الأشخاص المكلفين بمهمة ضبط المخالفات، وبعد ذلك يتولى مدير الوكالة الحضرية توجيه نسخ من المحاضر إلى السلطات المختصة لاتخاذ قرار بشأنها وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ويتعين أن توجه هذه المحاضر في أقرب الآجال إلى كل من وكيل الملك وعامل العمالة أو الإقليم ثم رئيس المجلس الجماعي المعني من أجل اتخاذ التدابير الإدارية والقضائية اللازمة كما توجه نسخة إلى المخالف قصد الإخبار ، وتتولى مصالح الوكالة الحضرية فيما بعد مباشرة اتصالات دائمة مع السلطات المحلية والمصالح الجماعية من أجل إتمام الملفات المتعلقة بالمخالفات وتتبع الأحكام الصادرة عن المحاكم ومتابعة تنفيذها.
ب-المراقبة البعدية للمشاريع: تتوفر الوكالة الحضرية على آليات أخرى تضمن لها مراقبة مختلف المنجزات التي يتم إحداثها من أجل التأكد من أنه قد روعيت في إنجازها مختلف المقتضيات المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ومدى مطابقتها للرخص المسلمة بغرض إنجازها، ومن هذه الآليات المشاركة في اللجان المتعلقة برخص السكن وشواهد المطابقة حيث تنص المادة 55 من القانون 12-90 على أنه " لا يجوز لمالك المبنى أن يستعمله بعد انتهاء الأشغال فيه إلا إذا حصل على رخصة السكن إن تعلق الأمر بعقار مخصص للسكن أو على شهادة المطابقة إن تعق الأمر بعقار مخصص لغرض آخر غير السكن". وإذا كان اختصاص تسليم رخص السكن وشواهد المطابقة يعود إلى رئيس المجلس الجماعي، فهو لا يمكن أن يقوم بذلك، إلا بعد القيام بمعاينة البناية المعنية حيث أن هذه العملية تتولاها اللجنة المنصوص عليها في الدورية الوزارية 14 بتاريخ 10 يناير 1994 ، والتي تضم من بين أعضاءها ممثل عن الوكالة الحضرية.
كما تتولى الوكالة الحضرية المشاركة في أشغال اللجان المكلفة بتسلم أشغال تجهيز التجزئات سواء المؤقت أو النهائي، حيث تتيح هذه العملية التحقق من أن " أشغال التهيئة وإعداد الأرض والصرف الصحي قد تم إنجازها وفق ما ينص عليه المشروع الذي صدر الإذن في شأنه "، وتتولى عملية التسلم لجنة تضم ممثلي مختلف المصالح التي لها علاقة بالموضوع، ومنها الوكالة الحضرية التي تلعب دورا كبيرا وأساسيا في تفعيل أشغالها وتوجيهها .
وعليه فإن الوكالة الحضرية تلعب دورا أساسيا في مجال المراقبة الإدارية في ميدان التعمير، خصوصا على مستوى رصد وتكييف هذه المخالفات، فهي هنا ليست قوة عمومية وغير ذات سلطة لتوقيف أي مشروع، وإنما دورها يبتدئ وينتهي بالكشف عن المخالفات وتنبيه المعنيين بها . إلا أن التساؤل الذي يطرح هو مدى الأخذ بمحاضر الوكالة الحضرية ومن تم تفعيل المتابعات في حق المخالفين ؟ أم أن المنطق السياسي يبقى هو المتحكم في الجهات المكلفة
(المجالس الجماعية) بتحريك هذه المتابعات ؟
ومنه إذا كان هذا على مستوى تدخل الوكالات الحضرية كبنية حديثة في مجالي التخطيط والتدبير العمرانيين، فماذا عن علاقاتها مع مختلف المتدخلين في ميدان التعمير على المستوى المحلي؟
المبحث الثاني:الإطار العلائقي للوكالات الحضرية بباقي الفاعلين المحليين في ميدان التعمير
لعله ليس ثمة من ميدان للنشاط البشري يفوق الإدارة أهمية ، أهمية تجد أساسها في كونها-أي الإدارة- تشكل البنية الهادفة إلى تحقيق نوع من التوازن والتوافق والانسجام بين مجموعة من الأطراف والعلاقات سواء على المستوى الداخلي لها، أو على المستوى الخارجي والمرتبط أساسا بالمحيط البيئي لهذه الإدارة ، وهي مستويات تساهم بتأثيرات عدة على أداءها بشكل مستمر. ومن تم فإن مهمة الإدارة هي في غاية الصعوبة والتعقيد نظرا لارتباطها بمجموعة من العلاقات التي قد تؤثر على أدائها، وكذا قدرتها على الاستمرار والبقاء . فأهداف ورغبات هذه الأطراف تبدو في كل الظروف متباعدة ومتعارضة أحيانا، والإدارة إزاء هذا الواقع تعمل على تحقيق التوازن بين أهدافها وأهداف هذه الأطراف.
لهذه الاعتبارات سنحاول الوقوف على تموضع الوكالة الحضرية كبنية إدارية في النسق الإداري اللاّمركزي عبر دراسة الجانب العلائقي لها مع مجموعة من المتدخلين في ميدان التعمير ومن تم تحديد طبيعة النظام العلائقي القائم بينهم؟
المطلب الأول: علاقة الوكالات الحضرية بالجماعات المحلية
إن أبرز سمة في العصر الحاضر في مجال إدارة الدول، الارتكاز على الجماعات المحلية كفاعل مركزي في بلورة استراتيجيات التنمية في بعدها الشمولي والعام، من خلال اعتبارها محرك اقتصادي واجتماعي هام ومشارك أساسي في الاستثمارات من جهة أولى، وكذلك كمتدخل مهم في بلورة التنمية العمرانية من جهة ثانية. انطلاقا من هذه الاعتبارات سنحاول الوقوف على الطبيعة العلائقية التي تربط الجماعات المحلية مع الوكالات الحضرية (الفرع الأول)، ثم بعد ذلك إبراز حجم ومستوى التدخل الجماعي في ميدان التعمير خصوصا على مستوى التخطيط والتدبير العمرانيين كمحددين أساسيين لهذه التنمية العمرانية(الفرع الثاني).
الفرع الأول: العــلاقة الإدارية والمــالية
تعتبر العلاقة الإدارية والمالية أولى مظاهر الإطار العلائقي بين الوكالات الحضرية والجماعات المحلية، حيث تتجلى هذه العلاقة من خلال حضور هذه الجماعات في اجتماعات المجلس الإداري(فقرة أولى)، إضافة إلى أنها تعتبر كمساهم مالي في مصادر تمويل الوكالات الحضرية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: تمثيلية الجماعات المحلية في المجلس الإداري للوكالات الحضرية
يمكن رصد هذا النوع من العلاقة عبر الوقوف على المرتكزات القانونية، إذ تم التنصيص في المادة 5 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية على أنه " يتألف مجلس إدارة الوكالة بالإضافة إلى ممثلي الدولة المحددة قائمتهم بمرسوم من :
رئيس أو رؤساء مجالس العمالات والأقاليم
رؤساء مجالس الجماعات الحضرية
ممثلي مجالس الجماعات القروية بنسبة ممثل لكل عشر جماعات قروية
... ويدعو رئيس مجلس الإدارة لحضور اجتماعات المجلس رؤساء مجالس الجماعات القروية التي يعنيها أمر قضية مدرجة في جدول أعمال المجلس، وله أن يدعو أيضا للمشاركة في اجتماعاته أي شخص آخر يرى فائدة في الاستنارة برأيه"
وعليه، وانطلاقا من المادة أعلاه يظهر أن الجماعات المحلية تعتبر أحد مكونات المجلس الإداري للوكالات الحضرية، ويعتبر هذا الأمر من أهم الإصلاحات التي جاء بها المشرع في إطار ظهير 10 شتنبر 1993، حيث التنصيص على تمثيلية الجماعات الحضرية والقروية ضمن تركيبة المجلس الإداري .
إلا أن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها على مستوى المرتكزات القانونية للعلاقة الإدارية هي تلك الطريقة التي تعامل بها المشرع مع تمثيلية الجماعات القروية، والتي تقضي بحضور ممثل عن كل عشر جماعات قروية، وتركت مسألة تحديد هذه التمثيلية للسلطة التقديرية للعامل ، إضافة إلى إمكانية دعوة كل جماعة قروية للحضور في اجتماعات المجلس من طرف رئيسه عندما تكون معنية بمسألة أو قضية مدرجة في جدول أعمال المجلس .
وهو أمر يبقى منتقد من طرف مجموعة من الباحثين ، ذلك أن المشرع في إطار الظهير المحدث للوكالات الحضرية لم يتعامل مع هذه الجماعات بنفس المنطق الذي تعامل به مع الجماعات الحضرية وهو ما يخالف نص الميثاق الجماعي78.00 الذي لم يميز بين الجماعات القاعدية الحضرية والقروية في أي جانب من جوانب التنظيم والتسيير والمهام، وكذلك المادة 100 من الدستور المغربي لسنة 1996 والذي ينص على أن" الجماعات المحلية بالمملكة هي....والجماعات الحضرية والقروية ولا يمكن إحداث أية جماعة محلية أخرى إلا بقانون".
أما المسألة الثانية فترتبط بتمثيلية الجهة، إذ أنها غير ممثلة في توليفة المجلس الإداري، وهو توجه وإن كان له ما يبرره من الناحية التاريخية لحظة خروج النص المنظم للوكالات الحضرية (1993)، إذ أن الجهة حينها لم ترق بعد إلى مستوى جماعة محلية ، فإنه مع 1997 ومع ارتقاء الجهة إلى مرتبة جماعة محلية، نعتقد أنه كان من الضروري التنصيص على إمكانية حضور رؤساء الجهات ضمن اجتماعات المجالس الإدارية للوكالات الحضرية.
وإذا كان الحضور المحلي في المجلس الإداري للوكالات الحضرية يستند إلى أسس ومرتكزات قانونية، فإن الملاحظة الثانية التي يمكن الوقوف عليها، هي مستوى هذا الحضور المحلي حيث القيادة الإدارية المحلية ، باعتبارها نخب محلية توجد في مواقع إستراتيجية داخل المجتمع المحلي، وما ينبغي أن تتوافر فيها من مواصفات مهنية وسلوكية وفكرية، تمكنها من الدفاع عن المصالح المحلية التي تمثلها هذه المجالس، وكذا التوفر على حد أدنى من الفهم والاستيعاب لمجال التعمير الذي يبقى المميز له طابعه التقني المعقد.
فحضور الرؤساء هو ليس بالحضور الثانوي أو الهامشي بقدر ما يجب أن يكون حضورا نوعيا يتميز بالفعالية، لاعتبار أساسي ومركزي هو أن المجلس الإداري بحسب النص المنظم للوكالات الحضرية هو من يضع البرامج المتعلقة بالعمليات التقنية والمالية وكذا الشروط التي تباع بها الأراضي والقطع الأرضية والبناءات ...
كذلك من أهم العلاقات الإدارية بين الوكالات الحضرية والجماعات المحلية مسألة المساعدة الفنية والتقنية التي تقدمها الوكالات الحضرية لفائدة الجماعات المحلية كما تنص على ذلك المادة 3 في البندين 9و 10 حيث:
" تتولى الوكالة الحضرية في نطاق اختصاصها: ...
9- الاهتمام بمساعدة من الهيئات المنتخبة المعنية بتشجيع إنشاء وتطوير جمعيات الملاك بجعل الأطر الضرورية رهن إشارتها قصد تيسير تنفيذ وثائق التعمير والسعي بوجه خاص لإحداث جمعيات نقابية تطبيقا للتشريع الجاري به العمل في هذا الميدان، والحرص على متابعة العمليات التي تقوم بها هذه الجمعيات وذلك بتنسيق مع الهيئات المنتخبة المذكورة.
10- تقديم مساعدتها الفنية للجماعات المحلية فيما يتعلق بالتعمير والتهيئة وللهيئات العامة والخاصة فيما تقوم به من أعمال التهيئة إذا ما طلبت ذلك".
ومنه وإذا كان هذا على مستوى العلاقة الإدارية فماذا إذن عن العلاقة المالية بين الوكالة الحضرية والمجالس الجماعية ؟
الفقرة الثانية: المساهمة في تمويل ميزانية الوكالات الحضرية
إن مجموع الاختصاصات والصلاحيات القانونية والإدارية والتنظيمية المخولة للوكالات الحضرية، لا يمكن أن تستقيم إلا بمدى توفر الوسائل المالية وكذا الموارد البشرية التي تعطي العمل أدوات تفعيله وانجازه ومحتواه الحقيقي والملموس، فالموارد المالية تبقى بمثابة المحرك الأساسي لنجاح أي منظمة في القيام بمهامها، إذ تعتبر من ضمن المدخلات المهمة في الوصول إلى الأهداف المسطرة والمحددة .
والفاعل المحلي يعتبر من بين المساهمين في تمويل ميزانية الوكالات الحضرية، حيث أن المادة 9 من الظهير المحدث لهذه الأخيرة تنص على أن من بين موارد الوكالة الحضرية، الإعانات والمساهمات التي تدفعها إليها الجماعات المحلية، وكذا السلفات الواجب إرجاعها والتي تحصل عليها الوكالة الحضرية من الدولة والهيئات العامة والخاصة...
وهو معطى يعتبر نتيجة طبيعية للدور الذي أصبحت تلعبه هذه الوحدات الإدارية في تدبير الشؤون المحلية، وخاصة المجالس الجماعية التي تعاظم دورها بشكل كبير بعد الإصلاحات التي عرفتها الإدارة المحلية في التجربة المغربية، انطلاقا من الميثاق الجماعي لسنة 1976 وانتهاء مع الميثاق الجماعي الجديد 78.00 وما يحمله من رهانات الجماعة المقاولة. وهي إصلاحات تجسد حجم وواقع التحولات العميقة للمجتمع والدولة ومن تم التركيز على الجماعات المحلية في لعب أدوار تنموية والتي يبقى التعمير أحد مرتكزاتها.
وبناءا عليه، نجد أن من مستلزمات هذا الوضع الجديد -الذي أصبحت عليه الجماعات المحلية- تحمل كل النفقات المرتبطة بمختلف التدخلات التي تقوم بها سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والوكالة الحضرية وهي تقوم بتدبير قطاع التعمير فإنها تتولى ممارسة مجموعة من الاختصاصات نيابة عن الدولة والجماعات المحلية.
ومن تم التساؤل عن حجم هذه المساهمة؟ وهل الجماعات المحلية في التجربة المغربية تملك من الموارد المالية – خصوصا الذاتية- ما يمكنها من المساهمة في تدعيم تدخلات الوكالات الحضرية؟
لكن نجد أنه قبل الحديث عن التجربة المغربية يمكن الاستئناس بالتجربة الفرنسية، والتي يمكن رصدها بوضوح، إذ أن النظام القانوني لوكالات التعمير الفرنسية عدد من ضمن مصادر تمويل هذه الأخيرة الإعانات المقدمة من طرف الجماعات المحلية،هذه الإعانات التي تشكل حصة الأسد فيما يخص تمويل نشاطات هذه الوكالات فحسب الإحصائيات المتوفرة بلغت الإعانات المقدمة من طرف الجماعات المحلية وهيئاتها لفائدة وكالات التعمير سنة 1997 حوالي 64% من مصادر تمويلها .
وفي التجربة المغربية وأمام أزمة الممارسة المالية الجماعية التي تتلخص بصفة عامة في كونها تتسم بطابعي الضعف وعدم كفاية الأموال الجماعية المتوفرة قصد تمويل مختلف حاجياتها الضرورية وأنشطتها المتنوعة بالشكل الذي يضمن لها تحقيق توازن مالي لميزانياتها . حيث لا نكاد نجد دارس أو مهتم بالجماعات المحلية بالمغرب إلا ويؤكد على " الثورة" التي أحدثتها إصلاحات 1976 في ميدان اللامركزية إذ أن انطلاق المشرع المغربي في إنجازه لهذه الإصلاحات من رؤية تحاول تركيب سياسة لا مركزية حقيقية بإدماج عناصر إدارية ومادية مؤسسة بذلك لاستقلال حقيقي للجماعات المحلية على الصعيدين الإداري والمالي، غير أن هذه المقاربة اعترتها نواقص أدت إلى منزلقات خطيرة انعكست سلبا على الجماعات المعنية بهذا التحول .
فباقتصارها على إطلاق يد الجماعات المحلية للتدخل في مسلسل التنمية الاقتصادية بشكل واسع لم يكن معهودا من ذي قبل ومزامنة ذلك بإصلاحات شكلية مست المالية المحلية دون ملامسة لب مشاكل الجماعات المحلية ألا وهي الموارد المالية سيما الذاتية منها، كلها أمور ساهمت في انحسار المقاربة التركيبية التي وجّهت تحولات 1976، حيث أنه عوض أن تكون منطلق تأسيس استقلال مالي محلي قوي وتابت كانت سبب تأزيم المالية المحلية بإفرازها لعجز دائم لم تجد معها الجماعات المحلية بدا من إعادة صياغة مفهوم الاستقلال المالي من موارد قارة مع حرية التصرف فيها .
بل نجد أن الإصلاح الجديد المتعلق بالمالية المحلية من خلال القانون الجديد 06/47 سار على نفس المنوال على الرغم من المستجدات التي أتى بها، وهو معطى جعل بعض الباحثين يصفه بمتاهة الإصلاح مادام أنه لم يمس عمق الإشكال وهو إعطاء الجماعات المحلية عناصر القوة الممثلة في الموارد المالية التي تمكنها من القيام بالمهام الملقاة عليها لأن التكريس الفعلي لمجموع الاختصاصات الموكولة إليها يبقى رهين بمدى توفرها على الموارد اللازمة والضرورية ، الشيء الذي يجعلنا نجيز توصيف التجربة اللامركزية المغربية باللامركزية "العرجاء" المتوفرة على الاختصاصات الإدارية دون الموارد المالية،وهو أمر يستوجب ضرورة إعادة تأسيس النظام الجبائي المحلي حتى يمكّن الوحدات المحلية من القيام بأدوارها التنموية.
وإذا كان هذا هو الوضع المؤطر لمالية الجماعات المحلية، حيث عدم توفرها على الموارد الذاتية الكافية لسد نفقاتها التسييرية ومن تم الاضطرار للحصول على إعانات من الدولة ، فكيف يمكن أن يطلب منها تقديم إعانات للوكالات الحضرية ؟
ومن ثمة فإن هذا الوضع يجعلنا نذهب بالقول إلى أن التنصيص على مساهمة الجماعات المحلية في ميزانية الوكالة الحضرية يبقى ذو طبيعة شكلية لا أكثر، أمام أزمة الفاعل المحلي خصوصا الجماعات القروية، والتي تعتبر بمثابة المبررات الموضوعية لعدم تقديم هذه المساهمات المالية.
الفرع الثاني : الجماعات المحلية بين محدودية التخطيط وأولوية التدبير
إن إدراج ميدان التعمير في إطار إشكالية اللامركزية، تم عن طريق منح صلاحيات جديدة للجماعات المحلية، خصوصا وأن تدخل هذه الأخيرة أصبح ضروريا بالنظر إلى المشاكل الناتجة عن النمو العمراني، وكذا بسبب التأخر الواضح في ميدان التجهيزات المرفقية الجماعية ، والحضور المحلي هنا يتراوح بين استشارية الدور في مجال التخطيط العمراني حيث التصورات المستقبلية لما يجب أن يكون عليه المجال(فقرة أولى)، وأولوية هذا الدور على مستوى التدبير العمراني، من خلال الحضور القوي للفاعل المحلي فيما يتعلق بالتعمير العملياتي (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الجماعات المحلية واستشارية الدور في مجال التخطيط العمراني
إذا كانت صلاحيات الهيئات اللامركزية قد عرفت تطورات إيجابية مع الميثاق الجماعي بدءا بظهير 1960 مرورا بميثاق 1976، وانتهاء بالقانون 78.00. وباعتبار الهاجس التنموي كأحد أبرز وأهم الدوافع من وجود الإدارة المحلية ، باعتباره الإطار الملائم لتحقيق هذه التنمية، فإن ميدان التعمير لم يعرف نفس الشيء خاصة على مستوى التخطيط العمراني ورسم توجهات التنمية العمرانية على الرغم من امتلاكها- الجماعات المحلية- لاختصاصات واسعة وصلاحيات هامة في مجال التخطيط المحلي بشكل عام وتوجيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإحداث البنية التحتية والتجهيزات الأساسية وتحقيق المشاريع الاجتماعية والمرافق العامة . هذا ويمكن تحديد الأدوار التي تقوم بها الجماعات المحلية في مجال التخطيط العمراني عبر نقطتين:
1-اتخاذ التدابير التحفظية : إن عملية الشروع في إعداد مشاريع وثائق التعمير تبدأ بإنجاز الدراسات الميدانية اللازمة لمعرفة وضعية المنطقة المعنية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وكذا وضعية التجهيزات التحتية وما تتوفر عليه من مرافق عامة.
بناء عليه وتنفيذا لمقتضيات القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، يمكن أن يتم اتخاذ قرار إعلان دراسة مشروع تصميم التهيئة كإجراء تحفظي، يمكن من خلاله تجنب كل عرقلة تترتب عن سوء الانجاز ومن شأنها أن تعرض للخطر تنفيذ الوثيقة التعميرية بعد أن تتم المصادقة عليها .
والقرار يتم اتخاذه من طرف رئيس المجلس الجماعي إما بمبادرة منه بعد مداولة المجلس أو بناء على طلب من الإدارة الإقليمية المكلفة بالتعمير . ومدة سريانه هي ستة أشهر حيث تبقى أهميته كبيرة بالنسبة لمستقبل تعمير الجماعة كونه يسمح للإدارة بتحديد المجال الذي سيغطى بالتصميم المزمع وضعه، وبالتالي دور رئيس المجلس الجماعي هو تأجيل مختلف الطلبات الرامية إلى إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية أو إقامة بناء داخل المنطقة المحددة بالقرار المذكور. وهم هنا ملزمون- رؤساء المجالس- بالتقيد به فور نشره ومن تم تأجيل البث في جميع الطلبات .
2- المساهمة في دراسة وإعداد وثائق التعمير: إن إشراك الجماعات المحلية عند وضع وثائق التعمير يعتبر ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها، باعتبار أن تلك الجماعات تشكل القاعدة الأساسية لتجميع مختلف المعطيات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تنبني عليها كل وثيقة من وثائق التعمير المعمول بها .
غير أننا نجد أن الدور الجماعي على مستوى التخطيط العمراني لا يتجاوز مهمة تقديم الآراء ذات الطبيعة الاستشارية فيما يتعلق بوثائق التعمير، حيث أن المادة 44 من القانون 78.00 تنص في البند الرابع على أن المجلس الجماعي يقدم اقتراحات وملتمسات ويبدي آراءه " ولهذه الغاية: ...
– يبدي رأيه حول سياسات وتصاميم إعداد التراب والتعمير في حدود المجال الترابي للجماعة، كما يبدي رأيه حول مشاريع وثائق التهيئة والتعمير طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها".
ونحن نعلم أن الرأي الاستشاري هو رأي غير ملزم للإدارة المكلفة بالتعمير، حيث يمكن الأخذ به كما العكس. توجه نعتقده غير موفق من طرف المشرع المغربي في حقيقة الأمر تجاه الجماعات المحلية خصوصا وأن التعمير لا يمكن فهمه إلا محليا وأن نجاح أية سياسة تعميرية لن تتم إلا بتوافق جميع الشركاء المحليين.
وبناءا عليه نعتقد أن المشرع المغربي كان يجب عليه أن يميز في تدخل الفاعل المحلي على مستوى التخطيط العمراني بناءا على طبيعة الوثيقة التعميرية المعنية، فإذا كانت الاستشارة مبررة على مستوى وثائق التعمير التقديري – التوجيهي حيث ضعف البنيات التقنية والإمكانات المالية للجماعات المحلية، وعدم كفاية الأطر التي تتوفر عليها لتحقيق ما يتطلبه إنجاز هذه الدراسات ، إضافة إلى أن هذا النوع من الوثائق يتجاوز النطاق الترابي لجماعة معينة بحيث يشمل تراب جماعتين أو أكثر،فإن الأمر يختلف بالنسبة لوثائق التعمير التنظيمي حيث يجب أن يكون هناك حضور قوي للجماعات المحلية انطلاقا من مرحلة المبادرة إلى مرحلة المصادقة وبتنسيق مع الوكالات الحضرية، لأن التعاون بينهما هو وحده الكفيل بإيجاد الحل الذي يستجيب لمصالح المواطنين وظروف عيشهم .
الفقرة الثانية: التدبير العمراني: أولوية محلية
إن الأجرأة العملية لوثائق التعمير، لا يمكن أن تتم إلا داخل الإطار المحلي ، ومن تم نجد أن الإدارة المحلية في بعدها الجماعي تعتبر المعني الأول بتنفيذ هذه الوثائق وكذا السهر على احترام التنطيق الذي أوجبته تلك الوثائق .
ونجد أن المادة 50 من الميثاق الجماعي 78.00 تنص على أن رئيس المجلس الجماعي:
" يمارس اختصاصات الشرطة الإدارية... وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية، وبواسطة تدابير شرطة فردية هي الإذن أو الأمر أو المنع ويقوم لا سيما بالصلاحيات التالية:
السهر على تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالتعمير وعلى احترام ضوابط تصاميم تهيئة التراب ووثائق التعمير.
يمنح رخص البناء والتجزيء والتقسيم ورخص السكن وشهادات المطابقة ورخص احتلال الملك العمومي لغرض البناء وذلك طبق الشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
مراقبة البنايات المهملة أو المهجورة أو الآيلة للسقوط ويتخذ التدابير اللازمة لترميمها أو هدمها طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل..."
كما تنص المادة 53 من نفس القانون على أنه " يجوز للرئيس أن يطلب عند الاقتضاء من السلطة الإدارية المحلية المختصة العمل على استخدام القوة العمومية طبقا للتشريع المعمول به قصد ضمان احترام قراراته ومقرراته".
وعليه، وانطلاقا من المادتين 50و 53 من القانون 78.00 وكذا من مقتضيات القانون 12-90و 25-90، فإن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها هو أن دور الجماعات المحلية في ميدان التدبير العمراني يكتسي أهمية بالغة ويتميز باتساعه بالمقارنة مع دورها الاستشاري في مجال التخطيط العمراني .
وإجمالا يمكن الوقوف على الدور الجماعي في ميدان التدبير العمراني انطلاقا من منح الرخص، وكذا ممارسة مهام شرطة التعمير.
ففيما يتعلق بالنقطة الأولى وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن الرخص تعتبر بمثابة الإذن الإداري السابق للقيام بأية عملية تهيئة، حيث الهدف الرئيسي هو التحكم في توجيه العمران وكذا مراقبته من الناحية العملية، ورؤساء المجالس الجماعية يعتبرون هم السلطة الإدارية المختصة بهذه المهمة .
إلا أن صلاحيات منح الرخص ليست مطلقة بقدر ما يجب الحصول على الرأي الملزم للوكالة الحضرية، وهنا الإشكال المركزي الذي يبلور ظاهرة الصراع بين الوكالات الحضرية والمجالس الجماعية، والمتمثلة أساسا في مدى انضباط –إلتزام- الفاعل المحلي لقرارات الوكالات الحضرية كجهاز تقني يتولى دراسة مشاريع طلبات الرخص والسهر على احترام وثائق التعمير.
لقد أثار الرأي الذي تبديه الوكالات الحضرية نقاشا حادا بين هذه الأخيرة وبين والمجالس الجماعية، حيث ترى الجماعات المحلية أن هذا الرأي يمس بالاختصاصات المسندة إليهم بمقتضى الميثاق الجماعي وتوصيف الوكالات الحضرية " بالمغالاة في التدقيق والجزئيات" .وهو أمر يجعلنا نعتقد أن أصل هذا الصراع والنقاش يرجع إلى النقاش السياسي الذي أثير من طرف المنتخبين وبعض الأحزاب السياسية أثناء إحداث الوكالة الحضرية للدار البيضاء، حيث اعتبار هذه البنية الإدارية الجديدة بمثابة تهميش للمؤسسات الجماعية في مجال تدبير المجال المحلي ، وهو الأمر الذي أدى إلى إقدام بعض الرؤساء على الترخيص بإقامة المشاريع ضدا على رأي الوكالات الحضرية أو الامتناع عن تسليم الرخص، رغم توفر الرأي الإيجابي للوكالة الحضرية أو الترخيص دون الحصول أصلا على رأي الوكالة الحضرية كما يتبين من خلال:
الجدول رقم 1 :حالات الترخيص دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية خلال سنة 2000
الوكالة الحضرية حالات الترخيص دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية نسبتها في مجموع المخالفات ب %
أكادير 273 46.5
تازة 221 36.5
تطوان 200 60.6
طنجة 54 6.6
بني ملال 24 2.8
الرباط وسلا 19 22.3
مراكش 16 0.9
فـاس 4 0.3
القنيطرة-سيدي قاسم 0 0
المجموع 811 15
المصدر: وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة
الجدول رقم 2: نسبة التراخيص دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية لسطات لسنة 2001
الإقليم سطات ابن سليمان خريبكة المجموع النسبة من مجموع المخالفات
عدد التراخيص 18 15 01 34 41%
المصدر: التقرير الإداري والمالي للوكالة الحضرية لسطات لسنة 2001
انطلاقا من هذين الجدولين ومن مثل هذه التوجهات التي قد تمس في مجملها بوثائق التعمير وتوجهات السياسة التعميرية، حيث إمكانية بروز ظواهر عمرانية شائبة من قبيل السكن الغير اللائق، أو المس بالجانب الجمالي في العمران، فإن الجانب العلائقي بين المجالس الجماعية والوكالات الحضرية، يجب أن تحكمه المصلحة العامة لا المصالح السياسية الضيقة، وبالتالي من الضرورة اليوم تأسيس علاقات تعاقدية أوثق بين الجماعات المحلية والوكالات الحضرية.وهو أمر جعل مجموعة من الباحثين يذهبون إلى اعتبار أن رئيس المجلس الجماعي له صلاحية ممارسة السلطة الإدارية، والوكالة الحضرية تمارس صلاحية السلطة التقنية، وتبعا لذلك فإن الجماعة تبقى هي المختصة قانونا في تدبير شرطة التعمير، ولكنها نتيجة لذلك مسؤولة عن الأخطاء والأضرار التي تنتج عن هذا التسيير أمام الدولة وأمام المتضررين.
ومن تم فإن من مصلحة رئيس المجلس الجماعي مراعاة رأي الوكالة الحضرية لأنه يحميه من المسؤولية أمام الدولة، كما يرمي إلى حماية أموال الجماعة التي يسيرها ويحول دون الحكم عليها بالتعويضات لفائدة المتضررين من الرخص التعميرية المخالفة للقانون.
والنقطة الثانية هي المرتبطة بشرطة التعمير، من خلال الدور الرقابي في مجال ضبط المخالفات الذي يمارسه رؤساء المجالس الجماعية في إطار اللّجن المحلية المكلفة بذلك.
حيث أن الرؤساء يمارسون دور هام خصوصا وأنهم المكلفون بتحريك الدعوى عبر تسليم المحاضر إلى وكلاء الملك قصد المتابعة القضائية .
إلا أن السؤال المطروح هو هل بالفعل يقوم رؤساء المجالس الجماعية بتحريك الدعاوى المتعلقة بالمخالفات المرصودة في مجال المراقبة؟ أم أن الاعتبارات السياسية تبقى هي المتحكم في تطبيق هذه الاختصاصات؟
المطلب الثاني: علاقة الوكالات الحضرية بالسلطة المحلية وباقي الفرقاء المحليين
إن فعالية الوكالات الحضرية باعتبارها أحد المتدخلين في ميدان التعمير، رهين بمدى طبيعة علاقاتها مع باقي المتدخلين في القطاع على المستوى المحلي سواء مع السلطة المحلية كممثل لسلطة الوصاية على المستوى المحلي (فرع أول)، أو باقي المؤسسات الأخرى سواء كانت مصالح خارجية للوزارة المكلفة بالقطاع أو مؤسسات عمومية أو شبه عمومية،تهدف التدخل لتحقيق التوازنات وتنفيذ الاستراتيجيات العمومية في ميدان التعمير والإسكان (فرع ثان).
الفرع الأول: علاقة الوكالات الحضرية بالسلطة المحلية (الولاة والعمال
)
تمارس السلطة المحلية مجموعة من الاختصاصات التي تهم مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية، وتدخلها بهذا الشكل يبرز الكثير من مظاهر العلاقة التي تنشأ بينها وبين مختلف المتدخلين الآخرين، ومنهم الوكالة الحضرية، ويمكن رصد علاقة هذه الأخيرة بالسلطة المحلية على عدة مستويات.
الفقرة الأولى: مؤسسة العامل ومهمة تنسيق التخطيط العمراني
مما لا شك فيه أن السلطة المحلية تحتل موقعا متميزا في النسق السياسي اللامركزي، حيث تمارس مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات الداعمة لمختلف الفاعلين على هذا المستوى ، إذ تعتبر كقاطرة محركة للاقتصاد والتنمية المحلية .
والعامل يوجد على رأس هذه السلطة المحلية عبر احتلاله لمكانة هامة ومتميزة في التنظيم الإداري اللامركزي، والذي يجد أساسه في المادة 100 من الدستور المراجع لسنة 1996 حيث " يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين وهم المسؤلون عن تطبيق قرارات الحكومة كما أنهم مسؤلون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية"، فالعامل يعتبر ممثل الإدارة المركزية في الجهة باعتباره يمثل الملك والدولة، وفي الوقت نفسه مندوب الحكومة حيث الازدواج الوظيفي، فهو من ناحية يمثل السلطة المركزية، ومن ناحية ثانية يجسد نظام عدم التركيز الإداري بموجب ظهائر (01 مارس 1963و 15 فبراير 1977 ثم 06 أكتوبر 1993).
وبخصوص علاقة العمال بالوكالات الحضرية، يتبين لنا من خلال فحص تركيبة المجلس الإداري للوكالة الحضرية أن السلطة المحلية تعتبر من ضمن الأعضاء الذين نص القانون على حضورهم خلال اجتماعات هذا المجلس، وذلك من خلال حضور عمال العمالات والأقاليم المعنية ، وهي تمثيلية ذات أهمية كبرى خاصة إذا نظرنا إلى الموقع الذي يحتله العامل ضمن التنظيم الإداري المغربي، وأيضا بناءا على الاختصاصات الواسعة التي يتمتع بها في الإشراف على الشؤون المحلية وتدبير مختلف المصالح الخارجية باعتباره سلطة وصائية ، وهو مؤشر إيجابي نعتقد أنه في صالح الوكالات الحضرية حيث استغلال هذه المؤسسة لصالحها في التعامل مع مختلف الإدارات اللاممركزة.
كما نجد أن العامل يقوم بدور تنسيقي على مستوى وثائق التعمير، من خلال ترأسه للّجن محلية تقوم بدراسة مشاريع وثائق التعمير. ومن تم السهر على تنسيق مواقف وآراء أعضاءها الذين يمثلون المصالح الخارجية على مستوى الإدارة الإقليمية. ثم يوجه رئيس اللجنة (العامل) داخل أجل 15 يوما من تاريخ انتهاء اجتماعها محضر الاجتماع وملخصا لأشغاله إلى الوكالة الحضرية لاتخاذ القرار المناسب.
وعموما يمكن القول بأن العامل لا يمارس أي دور وصائي على الوكالات الحضرية، بقدر ما ينسق معها في مجال تدخلها على مستوى التخطيط العمراني، وهو معطى إيجابي إلى حد ما من شأنه أن يساهم في فعالية تدخل الوكالات الحضرية على هذا المستوى- التخطيط العمراني - عبر جمع المعطيات والإحصائيات وكذا الدراسات الضرورية التي من الممكن الاستناد عليها في بلورة استراتيجيات وتصورات عمرانية جديدة.
الفقرة الثانية: العامل ومهام المشاركة في التعمير العملياتي
يمكن رصد العلاقة بين العمال والوكالات الحضرية في مجال التدبير العمراني من خلال:
* المشاركة في اللجن التقنية المكلفة بدراسة طلبات الرخص : حيث ينص المنشور الوزاري رقم 2000/1500 على حضور ممثل عن القسم التقني للعمالة أو الإقليم المعني ضمن أعضاء اللجنة التقنية التي تنص عليها سواء في إطار مسطرة المشاريع الصغرى أو الكبرى وذلك عبر دراسة مدى مطابقة المشاريع المعروضة للمقتضيات القانونية والتنظيمية العامة المتعلقة بالتعمير والبناء.
* المشاركة في معاينة المخالفات وزجرها: إذ تتدخل السلطة المحلية في مجال زجر المخالفات إلى جانب الوكالة الحضرية استنادا إلى الاختصاصات المسندة إليها في إطار مهام ضباط الشرطة القضائية التي يتمتع بها ممثلوها ، وعلى هذا الأساس تتولى هذه السلطة القيام بعمليات مراقبة الأوراش التي هي في طور الانجاز من أجل التأكد من مطابقتها للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل من جهة ومطابقتها للوثائق التي منح الترخيص على أساسها.
وكما أشرنا إلى ذلك فإن عملية المراقبة تتم في إطار لجنة تضم من بين أعضاءها الوكالة الحضرية والسلطة المحلية، ويبدو أن حضور السلطة المحلية ضمن أعضاء هذه اللجنة من شأنه أن يمنح لهذه الأخيرة قوة رمزية في مواجهة المخالفين بشكل يمكنها من أداء مهامها بشكل فعال وسريع.
وإذا كانت العلاقة بين الوكالة الحضرية والسلطة المحلية تعتبر مباشرة فيما يخص الجانب المتعلق بمراقبة المخالفات ومعاينتها كما رأينا سابقا، فإن الجانب المتعلق باتخاذ الإجراءات الإدارية المتعلقة بزجر هذه المخالفات لا توجد بشأنه أية علاقة مباشرة بينهما، ولكن مع ذلك هناك علاقة تتمثل في كون المحاضر التي يعتبر تحريرها مسألة أساسية وتعتبر من ضمن الإجراءات الضرورية السابقة لإصدار قرارات الهدم، حيث يتم تحريرها بتعاون بين الجانبين، ومن تم فإن السلطة المحلية تكون ملزمة بالتنسيق مع الوكالة الحضرية حتى يتم تحريرها بشكل قانوني، لأن عدم قانونيتها تعني إمكانية إلغاء قرارات الهدم الصادرة عن السلطة المحلية، والتنسيق يجب أن يستمر إلى ما بعد مرحلة تحرير محضر المعاينة من أجل طلب مساعدة الوكالة الحضرية بالإدلاء بأية معلومات أو ملاحظات لاستدراك كل نقص في ملف الدعوى. وهذا التنسيق يسمح للوكالة الحضرية من جهتها بتتبع المسار الذي تسير فيه الإجراءات الإدارية المتعلقة بزجر المخالفات في ميدان التعمير، بالشكل الذي يمكنها من التدخل عند الحاجة .
إن غياب علاقة مباشرة في هذا المجال بين الوكالة الحضرية والسلطة المحلية مصدرها القانون ذاته، الذي لم يعط للوكالة صلاحية اقتراح قرارات الهدم على السلطة المحلية (العامل) كما هو الحال بالنسبة لرئيس المجلس الجماعي.
* العمال والأدوار الجديدة في ميدان التعمير العملياتي
- تأطير وتبسيط مساطر عمليات البناء: وذلك بالنظر لما خوله القانون لمؤسسة العامل من صلاحيات، ولموقعها الاستراتيجي في التراتبية الإدارية والتنظيم المجالي للتراب الوطني، حيث يتطابق مجال نفوذ الوالي مع الرقعة الجغرافية للجهة كما يجعل منه القانون المنسق الرئيسي لكل الأنشطة والمنفذ الأول لجل القرارات فوق التراب التحث-دولتي وتمشيا أيضا مع الدور الجديد المنوط بوالي الجهة عملا بمضمون الرسالة الملكية المتعلقة بالتدبير اللامتمركز للاستثمار.
لكل هذه الاعتبارات السالف ذكرها، خولت الدورية رقم 3020 إلى الولاة والعمال مهام الإشراف على لجنة جهوية للدراسة واتخاذ القرارات بخصوص الطلبات الرامية للاستفادة من الاستثناء في مجال التعمير، وذلك بهدف تجاوز بعض المعوقات خصوصا وثائق التعمير التي تشكل أحيانا عرقلة أمام إنجاز المشاريع الاستثمارية.
- إنعاش السكن الاجتماعي ومكافحة السكن غير اللائق : يبدو أن توسيع صلاحيات والي الجهة فرضتها ضرورة البحث عن أسلوب جديد للسلطة يفترض إيجاد حلول وأجوبة للمشاكل والضغوطات اليومية للمجال والسكان، ويستدعي توسيع دائرة المشاركة أمام القطاع العام والخاص في إطار شراكة تستهدف التدبير المعقلن للمدينة وضواحيها، ومن تم صدور الدورية رقم 26 بتاريخ 4 مارس 2003 والتي مكنت الولاة من الاضطلاع بمجموعة من المهام في هذا الصدد أبرزها:
جرد المشاريع الكبرى للاستثمار العقاري ومشاريع السكن الاجتماعي التي يجب تفعيلها لتحقيق أهدافها.
وضع مدارات تحدد على المستوى المحلي تجمعات السكن غير اللائق والعشوائي القائمة، مصحوبة بالمعطيات المتعلقة بها.
وضع برنامج عمل أولي على المستوى المحلي يهدف إلى إنعاش السكن الاجتماعي ذي التكلفة المنخفضة، إلى جانب معالجة الأوضاع القائمة مع إيلاء الأولوية إلى البنايات والتجمعات السكنية التي تشكل خطرا محدقا بساكنتها.
وإجمالا يمكن القول أن الوالي أو العامل حظي بتفوق فيما يخص الاختصاصات المنوطة به إثر تفويض السلطات المركزية لقطاعاتها المختلفة إليه، إذ يجد مرتكزه في الرغبة في التحكم في توجيه وتأطير المصالح اللامتمركزة وتثبيت جسور التعاون والتنسيق بينه وبين مختلف الفاعلين المحليين في ميدان التعمير والإسكان خصوصا الوكالات الحضرية ومجموعة التهيئة العمران.
الفرع الثاني: علاقة الوكالات الحضرية مع باقي المتدخلين في القطاع محليا
سنحاول في هذه النقطة دراسة العلاقة المؤطرة للوكالات الحضرية في ارتباطها مع باقي المتدخلين في قطاع التعمير وكذا الإسكان، إذ يمكن التمييز بين نوعين من المتدخلين المفتشيات الجهوية باعتبارها مصالح خارجية للوزارة المكلفة بالقطاع (فقرة أولى)، ومجموعة التهيئة العمران كمؤسسة شبه عمومية تجسد تدخلات الدولة في ميدان الإسكان (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الوكالات الحضرية و المفتشيات الجهوية للإسكان والتعمير والتنمية المجالية
تعتبر المفتشيات الجهوية بمثابة الإطار الإداري الذي يشكل نقطة الوصل بين مجموع المتدخلين في ميدان التعمير على المستوى المحلي، حيث الهدف هو جعل هذا المستوى – المحلي- إطارا فعالا لتوحيد المنظور في التعامل مع الملفات والقضايا المطروحة على هذا الصعيد، وكذا الاضطلاع ببرامج مشتركة ذات بعد ميداني .
ويبدو أن سياقات تبلور هذه المؤسسة التي تصنف ضمن المصالح الخارجية للإدارة المركزية، جاءت بعدما آل المجال الحضري إلى واقع الفوضى وأصبح النسيج المعماري يعيش تحث وطأة التهميش في كل المدن المغربية ، الأمر الذي سيؤدي بوزارة الداخلية حينها إلى استصدار مرسوم إنشاء ما أسمته بالمصالح الخارجية للتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب . لتنتقل بعد ذلك هذه المصلحة الخارجية إلى وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان مع مطلع 1998،ومن تم ميلاد 16 مفتشية جهوية، حيث الهدف تغطية مجموع التراب الوطني. ويمكن استجماع مهام هذه المؤسسة في مجال التعمير في الآتي:
أولا: في مجال التخطيط وإعداد الدراسات وتنفيذها
جمع كل المعلومات اللازمة والقيام بالدراسات واقتراح جميع التدابير والأعمال المراد إنجازها قصد المساعدة على تحديد الإستراتيجية الجهوية للتنمية وتتبعها وتقييم نتائجها.
إعداد وثائق التعمير بما فيها المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والمساهمة في إعدادها (...)
وفيما يتعلق بعلاقة المفتشية مع الوكالة الحضرية على هذا المستوى- التخطيط العمراني- فهي تقوم بهذه المهام ولكن ليس بشكل مطلق، إذ أنها تتدخل على مستوى التخطيط والدراسات في حال عدم وجود الوكالة الحضرية، حيث أنها هي المقصود من وصف "الإدارة المكلفة بالتعمير" كما ينص على ذلك القانون 12-90 وكذا القانون 25-90. وفي هذا الإطار فهي التي تعلن عن القيام بإعداد دراسات التهيئة العمرانية، وذلك عبر تحديد الأولويات بخصوص المناطق التي هي في حاجة للتغطية بوثائق التعمير حسب خصوصياتها ومؤهلاتها السوسيواقتصادية .
أما في الحالة الثانية أي في المجال التابع للوكالة الحضرية فإن دور المفتشية ينحصر في تتبع مختلف مراحل إعداد وثائق التعمير، فهي من تمثل مديرية التعمير على مستوى تأطير اجتماعات اللجنة المركزية، والتي تعد مرحلة حاسمة بشأن التوفيق بن المتدخلين الذين يعنيهم مشروع تصميم التهيئة فيما يخص الإشكالات العالقة التي تم طرحها على مستوى اللجنة المحلية، حيث يتحتم على الوكالة الحضرية الأخذ بالتعديلات المقررة في إطار هذه اللجنة المركزية وإدراجها في مشروع التصميم بعد تحيينها، لإحالتها بعد ذلك على مسطرة المصادقة.
ثانيا: مهام المفتشية على مستوى التدبير العمراني
يبقى تدخل المفتشيات على هذا المستوى تدخلا محدودا، حيث يختلف بحسب مشاركتها إلى جانب الوكالة الحضرية في منطقة نفوذ هذه الأخيرة، وبين المنطقة التي لا يمتد إليها الاختصاص المحلي للوكالة الحضرية.
+ الحالة الأولى : دور المفتشية في منطقة نفوذ الوكالة الحضرية
يجمع أغلب الباحثين على أن تدخل المفتشية يتسم بالمحدودية في حال وجود الوكالة الحضرية، كونها لا تملك صلاحية مراقبة إعداد وثائق التعمير، ولا تملك صلاحية مراقبة منح رخص البناء، ولا تملك أيضا صلاحية تتبع أوراش البناء والتجزيء وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن دور المفتشية في ميدان التدبير العمراني في حال وجود الوكالة الحضرية؟ ومن ثمة، تفتش من و ماذا هذه الإدارة ؟
+ الحالة الثانية : دور المفتشية في حال عدم وجود الوكالة الحضرية
في هذه الحالة تقوم المفتشية مقام الوكالة الحضرية وذلك عبر إبداء ملاحظتها وآراءها بخصوص ملفات رخص البناء والتجزيء، ومؤازرة رؤساء الجماعات المعنية وأقسام التعمير بالأقاليم. فهي هنا تتوفر على الرأي المطابق و الملزم لرؤساء المجالس الجماعية وباقي المتدخلين الذي تتوفر عليه الوكالة الحضرية.
ثالثا: في مجال التنشيط والتنسيق
تقوم المفتشية كذلك بمهام تنسيقية من خلال :
تنشيط الأعمال المتعلقة بإعداد التراب والتعمير والهندسة المعمارية والحث عليها وتنسيقها.
القيام بتنظيم أعمال مختلف المتدخلين في ميدان التعمير
وعموما يمكن القول بأن المفتشيات الجهوية على الرغم من مكانتها المتميزة في البناء الإداري المكلف بالتعمير فإن دورها موسوم بالمحدودية على المستوى العملي، الأمر الذي أدى إلى بلورة تصورات جديدة تهدف إلى إعطاءها المكانة المتميزة كمصلحة خارجية تحقق فعالية التدخل في ميدان التعمير والإسكان. ومن تم بروز المشروع الجديد الذي سيحاول تجميع مختلف الصلاحيات والاختصاصات الموكولة لهذه المؤسسة حيث تم إلحاق المديريات المكلفة بالتعمير والإسكان بهذه المفتشيات في إطار الهرم الرئاسي مع ربطها مباشرة بالكتابة العامة للوزارة المكلفة، بالإضافة إلى إعطاءها صلاحيات مركزة على المستوى المحلي من خلال القيام بمهام التنسيق بين مختلف المتدخلين محليا خصوصا بين مؤسسة العمران كمتدخل في مجال الإسكان والوكالات الحضرية كفاعل رئيسي في ميدان التعمير.
غير أن نجاح هذه المؤسسة في لعب هذه الأدوار المرسومة لا يكفيه فقط مستوى التأطير القانوني بقدر ما هي رهينة بتوفرها على موارد مالية وبشرية تمكنها من القيام بالأدوار المنوطة بها.
الفقرة الثانية: الوكالات الحضرية و مجموعة التهيئة "العمران"
يعتبر السكن اليوم وبدون منازع مقياسا رئيسيا من مقاييس النمو، حيث يعتبر كعنصر من عناصر التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يجعل منه الأساس الضروري الذي يجب أن تنطلق منه كل إستراتيجية تنموية تجعل من بين أهدافها توفير إطار للعيش الكريم للفرد والذي يمكنه من القيام بدوره داخل المجتمع .
بل نجد أن مجموعة من الباحثين يؤكدون على أن شروط السكن تؤثر بطريقة مباشرة على سلوك الأفراد، حيث أن الدراسات أتبثت بأن الأحياء السكنية الهامشية والتي لا تتوفر على الشروط الضرورية لإطار عيش سليم تؤدي إلى غياب الاستقرار العائلي والاجتماعي ومن تم الانعكاس على الأمن العام للدولة .
إلا أن الواقع أتبث أن طبيعة الاستراتيجيات العمومية -خصوصا في التجربة المغربية- التي اتبعت في التعامل مع هذا الحق-الذي يعتبر ضرورة أخلاقية وواجبا اجتماعيا -، شابها القصور حيث لم تكن مسايرة لإيقاع حركية المجتمع، إذ أن مسلسل النمو الحضري السريع الذي عرفه المغرب منذ بداية القرن الماضي كان من انعكاساته الجلية زيادة الخصاص في السكن، ومن تم تبلور السكن الغير اللائق كأحد المعضلات التي تؤطر المشهد العام العمراني في المغرب، حيث يقدر العجز في ميدان السكن ب 700.000 وحدة، وعدد الأسر القاطنة في هذا النوع من السكن تقدر ب 270.000 أسرة حسب إحصاء 2005، والأحياء العشوائية ما لا يقل عن 520.000 أسرة ، الأمر الذي أحدث نوع من عدم التوازن بين العرض والطلب.
ويبدو أن الإطار المؤسساتي المكلف بالتدخل في هذا الميدان – الإسكان- يتحمل هو الآخر جانب من المسؤولية في تفاقم هذا المشكل، بالمقارنة مع الإمكانيات المالية والبشرية التي وضعتها السلطات العمومية رهن إشارتها، بالإضافة إلى الامتيازات التي خولت إياها كإمكانية اللجوء إلى نزع الملكية من الخواص من أجل المنفعة العامة. فالدولة قامت بإحداث مجموعة من المؤسسات والمرافق، التي رصدت بالأساس للتعامل مع مسألة السكن بشكل عام والسكن غير اللائق على وجه الخصوص والمتمثلة أساسا في:
الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق
الشركة الوطنية للتجهيز والبناء
المؤسسات الجهوية للتجهيز والبناء (7جهات)
هذه المؤسسات التي عرفت قصورا في أداء مهامها، إذ أن الحصيلة لم تكن في مستوى التطلعات إذ أنه مابين 1984و 2003 فإنها لم تحقق إلا زهاء 500.000 وحدة سكنية (قطعة أرضية أو سكن) علما بأن هناك منعش عقاري واحد من القطاع الخاص قام بإنجاز على مدى 5 سنوات زهاء 8000 وحدة سكنية من نوع السكن الاجتماعي على سبيل المثال .
هذا وبالإضافة إلى الحصيلة الضعيفة من خلال التأخر الحاصل في تنمية قطاع الإسكان، ثم تسجيل مجموعة من التجاوزات على المستوى الإداري لهذه المؤسسات (المجالس الإدارية)، وكذا التناقض والفوضى والارتجال في التعامل مع القطاع، على الرغم من مدّها بالإمكانيات المالية والبشرية وتخويلها صلاحيات المؤسسات العامة كنزع الملكية.
وهو أمر يجسد في حقيقة الأمر أزمة المرفق العام في التجربة المغربية حيث الأخطاء في الإدارة والخلل في الهياكل، وعدم تحديد المسؤوليات تحديدا دقيقا، والخلط بين مهام الإدارة والمراقبة .
كل هذه الأسباب ستجعل الدولة تتدخل لتصحيح الاختلالات والاستعمال الأمثل للإمكانيات والموارد مع تحديد ووضع متدخل عمومي وحيد في مجال السكن على مستوى كل جهة عبر التراب الوطني إسمه مجموعة التهيئة " العمران"، حيث الهدف هو تحقيق التوازنات بين مختلف المتدخلين في القطاع، مع إعطاءها وصف شركة مساهمة مجهولة الاسم، حيث تكمن مهمة هذا القطب الجديد في :
عمليات التهيئة العمرانية والبناء، خاصة إحداث مناطق عمرانية جديدة.
إنجاز مشاريع السكن ولا سيما السكن الاجتماعي والتجزئات السكنية.
مشاريع القضاء على مدن الصفيح والسكن غير اللائق وبرامج المصاحبة الاجتماعية لهذه المشاريع.
إنجاز تجهيزات أو بنايات تحتية مرتبطة ببرامج السكن، سواء لفائدتها أو لفائدة الأغيار بما فيهم الدولة أو الجماعات المحلية.
وعموما يمكن القول إن تجربة مجموعة التهيئة العمران مازالت حديثة، ويصعب تقييمها إلا أن حجم تدخلها منذ سنة الإحداث 15/12/ 2003 إلى اليوم يبقى إلى حد ما إيجابي، خصوصا أمام الاستثمارات التي قامت بها هذه المؤسسة، والتي من المتوقع أن يصل حجم استثماراتها لسنة 2008 إلى 6,6 مليار درهم .
وفيما يتعلق بعلاقة " العمران" بالوكالة الحضرية، وفي غياب أي نص قانوني ينظم هذه العلاقة،إلا أنها تبقى إيجابية خصوصا وأن السكن هو أحد أهم أهداف التعمير، بل كعامل مهيكل للتعمير الذي تنصب عليه الوكالات الحضرية، ومن تم وجود متدخل وحيد سيسهل لا محالة مهام التخطيط والتنظيم والتنسيق في القيام بالبرامج وبلورتها على أرض الواقع وعمليا نجد أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بمجموع من الدراسات وكذا الإحصاءات السكانية لفائدة فرع مجموعة العمران فيما يتعلق بأحياء السكن الغير اللائق المستهدفة من طرف مؤسسة العمران .
خاتمة الفصل الأول
إن تتبع الأدوار التي تضطلع بها الوكالات الحضرية كمرفق عمومي متدخل في مجال التعمير والتهيئة العمرانية، يجعلنا نميز بين نوعين من الأدوار والوظائف:
الأولى والتي تتمحور حول التخطيط العمراني باعتباره عملية متكاملة من الجوانب الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية وكذا السياسية والقانونية، والمتوزع بين التخطيط الاستراتيجي والإجرائي، والهدف هو تحقيق التنمية الشاملة عبر آلياته المتمثلة في وثائق التعمير.
ومن ثمة تراوح مستوى تدخل الوكالات الحضرية بين القصور فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي، إذ أنيطت بها صلاحية المساهمة فقط دون صلاحية المبادرة واتخاذ القرار في وضع هذا النوع من الوثائق، حيث المبادرة والتوجيهات محتكرة من طرف المركز.
في حين سجلنا إيجابية التدخل فيما يتعلق بالتخطيط الإجرائي رغم تحفظنا على مرحلة المصادقة التي بقيت أيضا صلاحية مركزية. ومن تم بروز السؤال التالي : كيف أن وثائق التعمير –خصوصا التنظيمي منها-يتم إعدادها بطاقات وأموال محلية في حين صلاحية الاعتماد والمصادقة تبقى مركزية؟
والثاني يرتبط بالتدبير العمراني كمرحلة عملية، حيث السهر على التنطيق الفعلي لما في وثائق التعمير، والوكالات الحضرية تتميز بحضور تنائي في هذه المرحلة حيث تتوفر على الرأي المطابق والملزم للسلطة الإدارية المكلفة بمنح الرخص،إذ الهدف هو الجودة العمرانية للمشاريع المعروضة.كما أنها تمارس صلاحيات خاصة بشرطة التعمير وينحصر دورها هنا في رصد المخالفات دون التوفر على أية قوة عمومية تخولها القيام بأعمال زجرية في حق المخالفين.
ولكون ميدان التعمير، كميدان يتداخل فيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي... حيث تلتقي المصالح المتضاربة والمتشعبة، فإنه وبكل تأكيد تنشأ علاقات تفاعلية بين الوكالة الحضرية كمستجد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير، ومجموعة من الإدارات الأخرى علاقات تتراوح ما بين الصراع أحيانا والتكامل في أحيان أخرى.
وعليه نعتقد أن النظام القانوني المؤطر لتدخلات الوكالة الحضرية وكذا الإطار العلائقي لها، لا يمكن الارتكاز عليهما فقط لتحديد نجاح أو فشل تجربة الوكالات الحضرية في التجربة المغربية.
بقدر ما أن الأمر يستوجب الوقوف على إحدى التجارب العملية للقيام بدراسة ميدانية يمكن من خلالها تقييم هذه التجربة.
لذلك سنحاول الوقوف في الفصل الثاني على الوكالة الحضرية لسطات كنموذج لدراسة الحالة في هذا البحث، ومن ثمة التساؤلات التالية :
ماهي أهم منجزات هذه المؤسسة في ميدان التعمير؟
هل حققت بالفعل نوعا من إيجابية التدخل في تدبير ميدان التعمير عل المستوى المحلي؟ أم أن سمة المحدودية هي التي أطرت تدخلاتها؟
ماهي أبرز المعيقات والاكراهات سواء الموضوعية أو الذاتية التي تعيق عمل الوكالة الحضرية لسطات؟
وما هي بالتالي المقترحات البديلة التي يمكن من خلالها التأسيس لأدوار جديدة لعمل الوكالات الحضرية في إطار الحكامة العمرانية؟.
إن الحديث عن تجربة مؤسسة معينة يستوجب القيام بدراسة ميدانية لإحدى نماذجها، حتى يمكن القيام بدراسة موضوعية نستطيع عبرها الخروج بنتائج علمية تؤسس لأحكام تتصف بالموضوعية حول مهامها وأدوارها، ومن تم إمكانية بلورة مشاريع تحديثية يمكن عبرها الرفع من الأداء الإداري العام.
لهذا سنحاول في هذا الفصل – بعدما قمنا بدراسة نظرية للوكالات الحضرية من خلال الوقوف على اختصاصاتها في ميدان التعمير وكذا طبيعة العلاقات التي تربطها بباقي المتدخلين المحليين في القطاع- الوقوف على الوكالة الحضرية لسطات كنموذج لدراسة الحالة عبر تقييم حصيلتها في مجال التعمير، لاستجلاء وإبراز أهم منجزاتها وتقييم طبيعتها سواء من الناحية الكمية أو النوعية (المبحث الأول)، وكذا تحديد أبرز وطبيعة الإكراهات والمعيقات التي تساهم في الحد من فعالية التدخل، سواء كانت هذه المعيقات ذاتية مرتبطة بواقع وعمل ونظام الوكالة الحضرية لسطات كبنية منظمة بمقتضى نص قانوني ولها ممكناتها ومؤهلاتها المادية واللوجيستيكية، أو المعيقات المادية المرتبطة بالوكالة كبنية تؤثر وتتأثر بمحيطها الخارجي. وهو تشخيص نعتقده ضروري حتى يتسنى لنا بلورة رؤية بديلة قادرة على تجاوز مختلف هذه المعيقات خصوصا وأن رهانات واستراتيجيات التأهيل تتزامن اليوم مع مشروع مدونة التعمير، الذي يعتبر كأحد المدخلات الأساسية للحكامة العمرانية باعتبارها متطلب رئيسي لتحقيق التنمية العمرانية (المبحث الثاني).
المبحث الأول: الوكالة الحضرية لسطات: عشر سنوات من الاشتغال (1997-2007
لقد أفرز التعمير في المغرب مجموعة من المشاكل المستعصية التي حاولت الدولة القضاء عليها أو على الأقل الحد منها، وذلك من خلال وضع سياسة عامة تجسدت بشكل أساسي في سن مجموعة من القوانين ذات الصلة بهذا المجال، وأيضا من خلال المخططات الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن أهم الإجراءات التي تم اتخاذها، تلك التي تتعلق بتجديد البنيات الإدارية المتدخلة في قطاع التعمير من خلال إحداث الوكالات الحضرية كمؤسسات عمومية متمتعة بمجموعة من الاختصاصات، إذ الهدف هنا هو معالجة مجموع هذه المشاكل وكذا تدارك عدم الفعالية التي اتسم بها تدخل البنيات الإدارية التي خول لها تدبير قطاع التعمير في السابق.
ومنه فإن إحداث الوكالة الحضرية لسطات جاء في هذا الإطار، حيث الرغبة في الحد من مجموع الاختلالات المجالية التي تعرفها جهة الشاوية ورديغة باعتبارها الفضاء المجالي الذي تعمل في إطاره الوكالة الحضرية لسطات.
انطلاقا من كل ذلك سنحاول الوقوف في هذا المبحث على مدى مساهمة الوكالة الحضرية لسطات في تحقيق الدور المطلوب منها على المستوى المحلي، حيث تأسيس تنمية عمرانية كأحد مداخل وشروط التنمية الشاملة والمستدامة. وذلك عبر دراسة حصيلتها ومنجزاتها سواء الكمية المرتبطة بممارسة اختصاصاتها الذاتية (المطلب الأول)، أو الحصيلة النوعية حيث ممارسة الاختصاصات الواقعية والتي تبقى ذات طبيعة موازية (المطلب الثاني).
لكن قبل ذلك يمكن إعطاء بطاقة تعريفية لجهة الشاوية ودريغة :
المساحة: 16.571 كلم2 (2.4% من المساحة الوطنية)، موزعة عل الشكل التالي:
- إقليم سطات 58% - إقليم خريبكة 26% -إقليم ابن سليمان 16%
التقسيم الإداري: إقليم سطات، إقليم خريبكة، إقليم بن سليمان
عدد الجماعات : 117 جماعة حضرية وقروية (نسبة 7.5% من مجموع جماعات المملكة)، وتتوزع إلى 102 : جماعة قروية بنسبة (87%) و15 جماعة حضرية بنسبة (13%).
عدد السكان: 1.673.660 نسمة (5.5% من مجموعة الساكنة بالمغرب)
التزايد السكاني السنوي: 0.93% (مقابل 1.38% على الصعيد الوطني)
الشبكة الطرقية: 4274 كلم2
شبكة السكك الحديدية 252 كلم2 (تغطي 22 محطة)
المجال الصناعي: 349 وحدة صناعية وما يناهز 17.036 عاملا
الفوسفاط: 28 مليار متر3 (4/3 من الاحتياطي العالمي).
المطلب الأول: الجوانب الكمية في أداء الوكالة الحضرية لسطات
يمكن تأطير هذا المطلب عبر الوقوف على الحصيلة الكمية المرتبطة بمجال التخطيط العمراني (الفرع الأول)، وكذا تلك المرتبطة بالتدبير العمراني (الفرع الثاني).
الفرع الأول : منجزات الوكالة على مستوى التخطيط العمراني
إن الوقوف على الحصيلة الكمية لمنجزات الوكالة الحضرية لسطات في مجال التخطيط العمراني، باعتباره محطة بارزة لا يمكن رصده إلا من خلال الوقوف على حجم التغطية المجالية لتراب هذه المؤسسة بوثائق التعمير مقارنة مع الفترة السابقة لها(الفقرة الأولى)، مع دراسة للواقع المالي لهذه البنية نظرا لأهميته في إخراج هذه الوثائق إلى حيز الوجود، عبر دراسة مخصصات التعمير وحجمها في ميزانية الوكالة الحضرية لسطات (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مستوى تغطية تراب الوكالة بوثائق التعمير
إن دراسة موضوعية لمنجزات الوكالة الحضرية لسطات في مجال التخطيط العمراني، لا يمكن رصد تطورها الواقعي – إيجابيا أو سلبيا- إلا عبر مقارنة منجزاتها مع المرحلة السابقة لها. إذ أن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها في هذا الصدد تكمن في أن نسبة وحجم تغطية تراب جهة الشاوية ورديغة بوثائق التعمير قبل إحداث الوكالة الحضرية لسطات لم يكن يتجاوز32% من مجموع تراب الجهة، حيث أن 37 جماعة حضرية وقروية من أصل 117 هي التي كانت مغطاة بوثائق التعمير.كما يبين ذلك الرسم البياني التالي:
حجم التغطية بوثائق التعمير قبل إحداث الوكالة الحضرية لسطات
المصدر: تركيب شخصي
فمجموع الوثائق المصادق عليها في هذا الإطار، وإلى حدود سنة 1998 وصل عددها إلى 37 وثيقة تعميرية تتوزع ما بين تصاميم النمو ذات الطابع القروي، والتي تمثل 28 وثيقة تعميرية بمعدل 76% من مجموع هذه الوثائق، وتصاميم التهيئة التي وصل عددها إلى 9 وثائق بمعدل24% والتي تتوزع على الشكل التالي بحسب الأقاليم المكونة لتراب الجهة:
المصدر: تركيب شخصي
وعليه تبقى أهم ملاحظة تؤطر واقع التغطية بوثائق التعمير قبل إحداث الوكالة الحضرية لسطات هو هيمنة تصاميم النمو – رغم ضآلتها- التي تبقى ذات بعد قروي وهو توجه نعتقده مبرر من الناحية العملية وأيضا القانونية في الاهتمام بهذا النوع من الوثائق دون غيره، حيث أن عدد الجماعات القروية التي تدخل في النطاق الترابي لجهة الشاوية ورديغة يصل إلى 102 جماعة بنسبة 87%، بالإضافة إلى ذلك نجد أن إقليم خريبكة يحتل الصدارة على مستوى التغطية بوثائق التعمير بنسبة 31% على الرغم من كونه على المستوى الواقعي يحتل المرتبة الثانية في التصنيف الإقليمي لجهة الشاوية ورديغة سواء من حيث المساحة وعبره عدد الجماعات الحضرية والقروية أو على مستوى عدد السكان.
كما أن مضمون هذه الوثائق التي تم إعدادها كان لا ينسجم مع واقع المجال الذي تغطيه، وذلك بسبب طول مسطرة إعدادها بشكل تتغير معه المعطيات الواقعية التي يتم الاستناد إليها في تحديد تصورات التهيئة بالنسبة للمجال المعني ، وكذا بسبب طبيعة الدراسات التي يتم الاعتماد عليها من أجل وضع هذه الوثائق باعتبارها دراسات سطحية وغير حقيقية حيث يتم الاعتماد في إعدادها على وثائق ومعطيات قديمة وغير محينة .
لكن الأمر سيعرف تطورا ملحوظا بعد إحداث الوكالة الحضرية لسطات، حيث أن نسبة المجال الترابي المغطى بوثائق التعمير سيصل إلى نسبة 50.42% سنة 2007، كما يبين ذلك الرسم البياني التالي:
حجم تغطية تراب الجهة بوثائق التعمير بعد إحداث الوكالة الحضرية لسطات
المصدر : تركيب شخصي
فالوكالة الحضرية لسطات ومنذ بداية اشتغالها الفعلي في سنة 1999، ستساهم في بلورة وإخراج حوالي 59 وثيقة تعميرية إلى حيز الوجود حيث تشمل الوثائق المصادق عليها فقط تصاميم التهيئة وتصاميم النمو، التي وصل عددها إلى 43 وثيقة سنة 2007، وتصاميم النمو البالغ عددها 16 وثيقة إذ أن نسبة التطور وصلت إلى معدل 18.42%.
والرسم البياني التالي يبين:
واقع وثائق التعمير المصادق عليها بعد إحداث الوكالة الحضرية لسطات
المصدر : تركيب شخصي
وعليه نجد أن الحصيلة في مجملها تبقى إيجابية على مستوى التغطية بوثائق التعمير بالمقارنة مع الفترة السابقة لها ، غير أن الملاحظ هنا هو غياب أية وثيقة تعميرية ذات طابع توجيهي على الرغم من وجود المرسوم رقم 2.94.346 والذي يشير إلى ضرورة تزويد المنطقة بمخطط توجيهي للتهيئة العمرانية لمدينة سطات وضواحيها، الأمر الذي يؤكد ما قلناه سلفا أن صلاحية المبادرة بخصوص المخططات التوجيهية تبقى مركزية حيث التحكم في الزمان والمكان المعني بهذه الوثيقة .
ومن ثمة فالوكالة الحضرية لسطات اهتمت فقط بتصاميم النمو والتهيئة، مع تطور ملحوظ في مستوى التغطية بتصاميم التهيئة التي ارتفع عددها إلى 43 وثيقة، وهو ارتفاع يدل على وجود تطور عمراني حضري تشهده الجهة. تطور ناتج عن تمركز مجموعة من الأنشطة الاقتصادية في المنطقة ، بالإضافة إلى أن جهة الشاوية ورديغة خصوصا إقليم سطات الذي أصبح ينظر إليه كمجال ترابي له القدرة على استيعاب وامتصاص حجم الضغط العمراني الذي تعرفه مدينة الدار البيضاء، في إطار ما يسمى بالتعمير الضاحوي ، كمجال متحكم فيه مسبقا من حيث تغطيته بوثائق التعمير، والذي يعكس دينامية المدينة وبنيتها السوسيو اقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك فإن مبررات هذا الارتفاع في حجم تصاميم التهيئة، ترجع إلى أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بتغيير طبيعة الوثائق المخصصة لبعض الجماعات القروية التي أصبحت عبارة عن مراكز محددة أو لأنها تدخل في إطار المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية، حيث قامت في هذا الصدد بإلغاء مجموعة من مشاريع تصاميم النمو التي كانت في طور الانجاز نظرا لتعارضها العملي مع قوانين التعمير واستبدالها بتصاميم التهيئة كما هو الأمر بالنسبة للجماعة القروية لسيدي الذهبي مع الجماعة الحضرية لابن أحمد. حيث تعتبر هذه الجماعة من الناحية القانونية بمثابة منطقة محيطة بجماعة حضرية لكونها داخلة في حدود 15 كيلومتر للجماعة الحضرية لابن أحمد ومنه فالوثيقة التعميرية الواجبة هنا هي تصميم التهيئة وليس تصميم النمو بحسب القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، وهو أمر نعتقده يجسد أزمة التقطيع الترابي في الجدوى من وجود جماعات قاعدية متداخلة فيما بينها ترابيا، ولا تستند في وجودها إلى أي أساس سوسيولوجي أو اقتصادي ذو طابع تنموي حيث الاعتبار السياسي هو المتحكم من خلال الرغبة في الضبط السياسي للمجال.
الفقرة الثانية: حجم المساهمة المالية في إعداد وثائق التعمير
تعتبر مسألة تمويل إعداد وثائق التعمير من ضمن الإشكاليات المركزية والأساسية، التي تطرح أمام التخطيط العمراني، بل يمكن القول وبدون تحفظ أن العائق الأول الذي يقف في وجه وثائق التعمير هو مسألة التمويل.
فغياب الوثائق يعني بشكل مباشر النمو العشوائي للمجال، ومنه صعوبة التحكم فيه أمنيا وكذا صحيا ، وهذا كله لا يخدم بأي شكل من الأشكال أهداف التنمية العمرانية التي تسعى الوكالة الحضرية لسطات إلى تحقيقها في نطاق اختصاصها.
لهذه الأسباب سنحاول أن نقف على حجم الواقع المالي للوكالة الحضرية لسطات، ومن تم التساؤل عن إذا ما كان وضعها المالي يسعفها في إحداث تلك النقلة النوعية باعتبارها تجديد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير؟
نظريا – وكما سبقت الإشارة إلى ذلك- نجد أن المادة 9 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية، يعدد مصادر التمويل بالنسبة لهذه البنيات الإدارية ، لكن على المستوى العملي ومن خلال دراسة الشق المتعلق بالموارد العامة للوكالة الحضرية لسطات سنجدها تتراوح مابين ثلاث مستويات مختلفة في التمويل كما يبين ذلك الجدول التالي:
الجدول رقم (3) :طبيعة موارد الميزانية العامة للوكالة الحضرية لسطات
1999 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007
مجموع الموارد بالدرهم 6.500.000.00 11.700.000.00 15.347.292.04 17.119.021.92 17.992.538.64 17.344.250.46 18.592.519.81 22.722.592.08 24.791.977.79
نسبة مساهمة الدولة 100% 100% 98% 97% 97% 97% 94% 92% 82%
نسبة المداخيل الذاتية - - 2% 3% 3% 3% 3% 3% 3%
نسبة مساهمة الجماعات المحلية - - - - - - 3% 5% 15%
المصدر : المعطيات الواردة في التقارير الأدبية والمالية للوكالة الحضرية لسطات لسنوات: 1999-2000-2001-2002-2003-2004-2005-2006 - 2007.
ففيما يتعلق بالمخصصات السنوية التي تدفعها إليها الدولة وكما يتبين لنا من خلال الجدول أعلاه، نجدها تشكل حصة الأسد في مجموع الموارد المحصل عليها، والتي وصلت في سنتي التأسيس نسبة 100% حيث أن التمويل هنا عمومي بامتياز، وهو أمر منطقي وطبيعي نظرا لأن الوكالة الحضرية لسطات كانت في مرحلة التأسيس حينها ومن تم فهي في حاجة إلى موارد تحركها وتساعدها على القيام بمهامها، مع تسجيل ارتفاع في حجم المخصصات العمومية لميزانية الوكالة الحضرية والذي يسجل ابتداءا من 2002 بمعدل 2% سنويا، باستثناء سنة 2004 التي سجلت انخفاض يقدر ب0.5%.
وعليه نجد أن هناك حضور قوي للدولة في تزويد ميزانية الوكالة الحضرية لسطات من مجموع الموارد المحصل عليها، حيث تشكل كمعدل عام نسبة 87% تقريبا من مجموع الموارد المحصل عليها وهو ما ساهم في ارتفاع الميزانية العامة للوكالة الحضرية من 6.500.000.00 مليون درهم في سنة 1999 إلى 24.791.977.79 مليون درهم في سنة 2007، الأمر الذي يجعلنا نطرح مسألة أساسية تتمثل في ضرورة تحول وانتقال الوكالة الحضرية لسطات - وعبرها باقي الوكالات الحضرية الأخرى- من هذا الموقف الانتظاري تجاه الدولة في الحصول على مواردها إلى مستوى القوة التدبيرية التي تستطيع من خلالها تأمين ميزانياتها عبر البحث عن مصادر جديدة للتمويل، وكذا تطوير مداخيلها من خلال القيام باستثمارات خاصة تضمن لها الاستقرار، وهو أمر يفترض ضرورة التحول النوعي من منطق التسيير الكلاسيكي إلى مستوى التدبير بهدف تحقيق نوع من الفعالية الإدارية ، خصوصا إذا ما استحضرنا مسألة أساسية تكمن في أن الإعانات والمساهمات العمومية تبقى محكومة بالوضع الاقتصادي العام للدولة ومن تم منطق عدم الاستقرار في حجم الموارد المقدمة لهذه المؤسسات العمومية .
ثم نجد المداخيل الذاتية باعتبارها موارد خالصة لمجموعة من الخدمات التي تقدمها الوكالة للعموم، والتي لا تشكل سوى 3% كمعدل من مجموع موارد الميزانية العامة وهو رقم يطرح أكثر من علامة استفهام من الناحية العملية على مسألة اللامركزية المرفقية التي تدخل في إطارها الوكالات الحضرية.
وأخيرا بعض المساهمات التي تقدمها الجماعات المحلية والتي عرفت تطورا منذ سنة 2005 من نسبة 3% إلى 15% في سنة 2007 ، حيث أن أهم ملاحظة تم تسجيلها على هذا المستوى كون أن المساهمات الجماعية لا تدخل في إطار المساعدات أو الإعانات المالية المقدمة للوكالة الحضرية بقدر ما تعتبر كمقابل لمجموعة من الدراسات العمرانية التي تقوم بها مكاتب الدراسات لصالح هذه الجماعات، وبالتالي فالوكالة الحضرية هنا تقوم فقط بدور الوسيط لا أكثر بين هذه الجماعات ومكاتب الدراسات، حيث السبب في ذلك هو امتلاك الوكالة الحضرية "للوسائل التقنية" وبالتالي القدرة على القيام بذلك.
أما الشق المتعلق بالإنفاق باعتباره الأداة العملية لتنفيذ ميزانية الوكالة الحضرية، والذي من خلاله يمكن الوقوف على حجم الاستثمارات الفعلية التي تخصصها الوكالة الحضرية لسطات للدراسات المرتبطة بالتعمير وعبره رصد طبيعة التوجه الإنفاقي لهذه المؤسسة.
فإننا نجد أن ميزانية التسيير تحتل المكانة الأولى بنسبة 65%، إذ تشكل نفقات الموظفين في إطارها ما معدله 80% من مجموع ميزانية التسيير.
أما ميزانية التجهيز فهي تمثل نسبة 35% من مجموع الميزانية العامة، حيث تنقسم إلى نفقات استهلاكية وتمثل 74%، وأيضا الدراسات العمرانية التي لا يخصص لها كمعدل سوى 26%، أي
نسبة 6 % من مجموع الميزانية العامة. والرسم البياني الآتي يوضح :
حجم مخصصات الدراسات العمرانية ضمن ميزانية التجهيز
المصدر : التقارير الأدبية والمالية لفترة الممتدة ما بين 1999-2007
ومنه فإن قراءة متأنية للنسب أعلاه تؤكد أن الوكالة الحضرية لسطات وعلى الرغم من كونها تحتل مراتب متقدمة على الصعيد الوطني في أداءها وأيضا في حصيلتها على مستوى التخطيط العمراني من خلال نسبة تغطية تراب الجهة بوثائق التعمير بأكثر من 50% سنة 2007، فإن توجهاتها الانفاقية تبقى ذات طبيعة استهلاكية والتي تفتقد طابع المردودية، حيث غياب المشاريع الاستثمارية من خلال الرقم المرصود للدراسات العمرانية، الأمر الذي يجعلها في موقع الإدارة الكلاسيكية المرتكزة على التسيير دون التدبير ومن تم ضرورة تغيير طريقة الاشتغال حتى يتسنى لها التموضع الصحيح ضمن البنيات الإدارية الأخرى، وكذلك أمام الأدوار الجديدة التي ستقوم بها مستقبلا .
وعموما وإذا كانت هذه هي الحصيلة الكمية للوكالة الحضرية لسطات على مستوى التخطيط العمراني، والتي تبقى إلى حد ما إيجابية، حيث أن أبرز مميز لها هو المساهمة العملية والفعلية في التأسيس لتخطيط عمراني عقلاني لجهة الشاوية ورديغة، على الرغم من مجموع الاكراهات العملية التي تعيق وتحد من تدخلها على هذا المستوى، وأيضا بالمقارنة مع الفترة السابقة لها، والتي تميزت بالنقص الكبير على مستوى التغطية بوثائق التعمير، فماذا إذن عن حصيلتها ومنجزاتها في مجال التدبير العمراني؟
الفرع الثاني: منجزات الوكالة الحضرية في مجال التدبير العمراني
يعتبر التدبير العمراني بمثابة المرحلة العملية لبلورة وأجرأة وثائق التعمير التي لا تعتبر هدفا في حد ذاته، بقدر ما أن الغاية منها تكمن في حسن تنفيذها، معطى تسعى الوكالة الحضرية لسطات إلى تحقيقه، حيث يمكن أن نتناول منجزاتها من خلال الوقوف على حصيلتها العملية على مستوى دراسة الملفات (الفقرة الأولى)، ثم منجزاتها على مستوى تدخلاتها الرقابية والهادفة إلى تحقيق انسجام عمراني للمجال الداخل في نطاقها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: على مستوى دراسة الملفات
إن القيام بمختلف عمليات التدبير العمراني يستوجب ضرورة الحصول على الرخص التعميرية من الإدارة المكلفة بذلك، وقد منح القانون للوكالة الحضرية صلاحية إبداء الرأي في جميع مشاريع الملفات المرتبطة بالتعمير العملياتي، إذ يعتبر من اللازم عرضها على الوكالة الحضرية قصد إبداء الرأي فيها، وذلك داخل أجل قانوني محدد. فالهدف من هذا الرأي يكمن في ضمان التطبيق السليم للضوابط التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في مجال البناء والتعمير وخصوصا وثائق التعمير.
هذا ولقد شكلت المهام المرتبطة بدراسة الملفات جانبا مهما من نشاط الوكالة الحضرية لسطات، إذ أنه وخلال الفترة الفاصلة ما بين سنتي 2000 و2007، نجد أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بدراسة مجموعة من ملفات رخص البناء والتجزيء وكذا المجموعات السكنية، والتي وصلت في مجموعها إلى حوالي 32454 ملف بنسبة تطور تفوق 70% كما يبين ذلك الرسم البياني التالي:
تطور عدد الملفات المدروسة من طرف الوكالة الحضرية لسطات
المصدر : تركيب شخصي
إن أول ملاحظة يمكن الوقوف عليها انطلاقا من الرسم أعلاه، أن هناك تطور ملحوظ في عدد الملفات المدروسة من طرف الوكالة الحضرية لسطات، والتي حددت في سنة 2000 في 1840 ملف، لتصل في سنة 2007 إلى 5883 ملف، تطور يجسد الحركة العمرانية التي تعرفها المنطقة وكذا المجال الترابي الوطني بشكل عام. كما أن الآراء الموافقة والمرصودة بشأن هذه الملفات شكلت كمعدل نسبة 83%، حيث أنه وفي سنة 2000 مثلا ومن أصل 3937 ملف معروض على أنظار الوكالة الحضرية لسطات، تمت الموافقة على 3137 ملف بنسبة 80%، لترتفع هذه النسبة في سنة 2006 إلى84% ، إذ من أصل 4312 ملف شكلت الملفات المقبولة 3491 ملف.
ويبدو أن أصل هذا الارتفاع في عدد الملفات المدروسة من طرف الوكالة الحضرية لسطات ابتدأ مع سنة 2003 التي تم فيها التأسيس والعمل بآلية الشباك الوحيد ، الذي يدخل في إطار سياسة القرب كتدبير زمني ومكاني يهدف إلى تقديم خدمات عمومية في مستوى جيد ومقبول.فالوكالة الحضرية لسطات كانت تهدف من خلال هذه الآلية تسريع وتبسيط مسالك ومساطر طلبات الرخص، وذلك عبر أسلوب يعتمد على تعبئة المصالح المختصة بهذه الوكالة للبث السريع في مشاريع الملفات المعروضة.
وعلى المستوى العملي نجد أن الفترة السابقة للشباك الوحيد والتي كان يعمل من خلالها بالدورية الوزارية رقم 2000/1500 في إطار لجنة المشاريع الصغرى CPP كان الوقت يستمر تقريبا مدة شهر في الحصول على إحدى الرخص لاعتبار المساطر والمراحل التي ينبغي أن يمر عبرها الملف حيث يستوجب الأمر عرضه على جميع المصالح المعنية قصد إبداء آراءها فيه كما تبين الخطاطة التالية :
خطاطة مسالك مسطرة دراسة طلب رخصة البناء كما تنص على ذ لك الدورية الوزارية 1500/2000
لكن مع إحداث الشباك الوحيد أصبح بالإمكان الحصول على الرخصة في مدة زمنية تتراوح مابين يوم واحد و3 أيام، حيث أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بإبرام اتفاقيات مع المصالح الخارجية المكلفة بإبداء آراءها في الملفات المتعلقة بالتدبير العمراني قصد تعيين ممثلين عنها في اللجنة المكونة للشباك الوحيد من أجل الحضور اليومي في مقر الوكالة الحضرية لدراسة الملفات المعروضة.
خطاطة مسالك دراسة الملفات في إطار مسطرة الشباك الوحيد
هذا وقد احتل إقليم سطات المرتبة الأولى في عدد الملفات المعروضة بنسبة 67% من مجموع الملفات والتي تتوزع كما لي:
التوزيع الإقليمي للملفات المدروسة
المصدر : التقارير الأدبية والمالية للفترة الممتدة ما بين 1999-2007
وهو رقم يعزى إلى حجم النمو العمراني الذي يعرفه هذا الإقليم خصوصا في المنطقة الشمالية الغربية المحاذية لمدينة الدار البيضاء، وكذا بسبب النمو السكاني، إذ بلغت الساكنة حسب 2006 حوالي 972 ألف نسمة أي بنسبة 37% من مجموع الساكنة المكونة للجهة . بالإضافة إلى ارتفاع ظاهرة التمدن إذ ارتفعت نسبة الساكنة الحضرية من 143.956 ألف نسمة سنة 1984 إلى 336ألف نسمة في سنة 2006، وكذا الهجرة الداخلية حيث نجد أن إقليم سطات يستحوذ على 53.8% من نسبة المهاجرين الوافدين عي الجهة التي بلغت في سنة 2006 معدل 23.4% من المجموع الوطني . كما أن الوسط القروي هو الآخر عرف ارتفاعا في حجم الملفات التي تهم هذا النوع من المجال إذ وصلت مع سنة 2007 نسبة 35.7% بما مجموعه 2103 ملفا.
وكل ذلك بسبب ارتفاع حجم التغطية بوثائق التعمير التي تدخل في إطار التعمير الضاحوي لهذا النوع من المناطق.
أما بخصوص نوعية المشاريع المدروسة فنجد أن مشاريع السكن تستحوذ على معدل 90% من مجموع الملفات المعروضة، ثم عمليات التجزيء والتقسيم التي لا تشكل سوى 4% كما يتبين أدناه:
نوعية المشاريع المدروسة
المصدر: تركيب شخصي
ويبدو أن هذا الرقم لا يقتصر على سنة معينة بقدر ما يعتبر بمثابة القاعدة التي تميز توزيع الملفات المعروضة على أنظار الوكالة الحضرية لسطات.
والحاصل أن تدخل الوكالة الحضرية لسطات على مستوى دراسة الملفات يعتبر إيجابيا ومقبولا، إلا أن حجم هذا التدخل عبر الآراء المقدمة من طرفها في دراسة الملفات يبقى رهين بالمستوى العملي عند التنفيذ الأمر الذي يضطرها إلى القيام بعمليات رقابية هادفة إلى التأكد من مدى احترام آراءها.
الفقرة الثانية: على مستوى رصد المخالفات
تعتبر المراقبة كأحد المهام الأساسية التي تقوم بها الوكالة الحضرية لسطات، حيث الوقوف على الجانب العملي لمختلف عمليات التهيئة التي تم القيام بها داخل النطاق الترابي الذي يخضع لها، وبالتالي التأكد من مدى مطابقتها للتصاميم المعمول بها وكذا وثائق التعمير المصادق عليها.
ويمكن الوقوف على حصيلة ومنجزات الوكالة الحضرية لسطات في هذا المجال من خلال رصد حجم وعدد المخالفات التي سجلتها الوكالة والتي أثبتت عدم مطابقتها للقوانين المعمول بها.
والجدول التالي يبين :
الجدول رقم (4): تطور عدد المخالفات المرصودة ما بين 2000-2007
السنوات
الأقاليم 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007 المجموع
سطات 43 51 286 101 45 100 38 353 1017
خريبكة 36 14 42 72 179 157 21 23 544
ابن سليمان 17 18 68 36 70 35 2 73 319
المجموع 96 83 396 209 294 292 61 449 1880
المصدر : تركيب شخصي
إن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها من خلال الجدول أعلاه، تكمن في أن عدد الأوراش التي تمت مراقبتها خلال الفترة الممتدة ما بين سنة 2000 و 2007 بلغت حوالي1880ورش على مستوى تراب الوكالة الحضرية، حيث نجد أن نسبة هذه المخالفات تتراوح ما بين 96 مخالفة تم رصدها في سنة 2000 لترتفع في سنة 2007 إلى 449 مخالفة، مع وجود تفاوتات فيما بين هاتين السنتين في عدد المخالفات إذ أن الرقم يسجل ارتفاعا ملحوظا في سنة معينة لينخفض في سنة أخرى لكن بشكل عام نسجل أن عدد المخالفات في ارتفاع متزايد خصوصا في السنة الأخيرة .
أما فيما يتعلق بالتوزيع الإقليمي لهذه المخالفات نجد أن إقليم سطات يشكل النسبة الأكبر في عدد المخالفات التي تمت معاينتها وتصل إلى 1017 مخالفة بنسبة 54% متبوع بإقليمي خريبكة وابن سليمان بنسبتي 29% و17%على التوالي.
التوزيع الإقليمي للمخالفات
المصدر :التقارير الأدبية والمالية للفترة الممتدة ما بين 2000-2007
وربما يعزى هذا الارتفاع في المخالفات المرصودة في إقليم سطات، إلى حجم الحركة العمرانية التي يشهدها هذا الإقليم، وكذا نسبة الهجرة الداخلية التي يستقطبها خصوصا إذا ما استحضرنا الطبيعة الفلاحية للمناطق المحيطة به، وتسجيل سنوات الجفاف في السنوات الأخيرة، معطى من شأنه أن يساهم في القيام بعمليات تهيئة مخالفة للقانون، على عكس إقليم خريبكة الذي تأخذ فيه الهجرة طابعها الخارجي وبالتالي الانضباط نوعا ما لوثائق التعمير المصادق عليها، ومن تم الميول إلى التعمير المنظم.أما التوزيع النوعي لهذه المخالفات فهي على الشكل التالي:
الجدول رقم (5):توزيع المخالفات حسب نوعيتها مابين 2000-2007
السنوات
نوع المخالفة 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007 المجموع النسبة العامة
البناء بدون ترخيص 16 07 102 97 40 189 29 309 769 42%
البناء دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية 40 34 31 88 - - - - 193 10%
بناء مخالف للتصميم 07 15 56 10 24 26 08 85 231 12%
مخالفات لها ارتباط بتنظيم الورش 26 27 78 12 229 97 15 31 515 27%
مخالفات تتعلق باحتلال الملك العمومي 07 - 129 02 01 - 09 24 172 9%
المجموع 96 83 396 209 294 292 61 449 1880 100%
المصدر: تركيب شخصي بالاعتماد على التقارير التركيبية للفترة الممتدة ما بين 2000-2007
فالملاحظ أن هذه المخالفات تتوزع ما بين البناء بدون رخصة والتي تشكل 42% من مجموع المخالفات، حيث نرى أن هذا النوع من المخالفات في تزايد مستمر 16 في سنة2000 و 309 في سنة 2007، وهو معطى يؤكد ويجسد أزمة التعمير العملياتي المخالف لوثائق التعمير وللتصاميم المعمول بها، ومن ثمة تبلور مجالات عشوائية يصعب التحكم فيها في المستقبل وبالتالي تنامي ظاهرة السكن الغير اللائق، وعليه فإن التساؤل المطروح هنا هو من االمسؤول عن تنامي وبروز هذه الأنواع من البنايات الغير المتوفرة على رخص البناء؟
هذا ونجد أن القانون 12-90 المتعلق بالتعمير ينص على مجموعة من العقوبات في حق المخالفين الذين يقومون بتشييد بنايات دون الحصول على رخص، إذ تتراوح ما بين الأمر بالهدم أوالغرامة ، على الرغم من كون أن المستوى العملي قد أثبت أن العقوبة الثانية هي التي تطبق بشكل كبير، وفي هذا نوع من التساهل الذي قد يؤدي خصوصا بالنسبة للمضاربين والسماسرة في عدم الاهتمام بهذه العقوبة ومن تم العودة للقيام بمخالفات أخرى خصوصا وأن القانون 12-90، أكد على أن الغرامات يتم مضاعفتها في حال تكرار نفس المخالفة في داخل أجل 12 شهرا التالية للمخالفة الأولى.
كذلك من بين أهم المخالفات التي تم تسجيلها في مرحلة التتبع والمراقبة من طرف الوكالة الحضرية لسطات، البناء دون الحصول على الرأي الملزم لها، حيث شكلت ما نسبته 10% من مجموع المخالفات المرصودة لكن المميز لهذا النوع من المخالفات هو التراجع الشبه الكلي ابتداء من سنة 2003 وهي السنة التي تم العمل في إطارها بآلية الشباك الوحيد من طرف الوكالة الحضرية لسطات، حيث وجود ممثلين عن مختلف المصالح والجماعات المعنية في اللجنة المكونة لهذا الشباك، ومن تم إحداث نوع من التعايش في العلاقات خصوصا بين الجماعات المحلية المعنية بتدبير ملفات التدبير العمراني إداريا والوكالة الحضرية كشريك تقني لها وهو معطى أسهم إلى حد ما في تسجيل نوع من التراجع في نسبة هذا النوع من المخالفات.
وعموما نجد أن دور الوكالة الحضرية لسطات في مجال المراقبة يتوقف فقط في ضبط وتسجيل وأيضا تحرير المحاضر المتعلقة بالمخالفات وتسليمها إلى الجهات المعنية والمختصة بتحريك المتابعات في حق أصحابها. ومنه هل هذه المتابعات تأخذ منحاها الصحيح في ردع المخالفين، أم أن الأمر يخضع لاعتبارات أخرى تساهم في إيقاف هذه المتابعات من طرف الجهات المعنية وعبرها تجسيد الترهل القانوني ؟
والحاصل أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بتسجيل حصيلة إيجابية في ميدان التدبير العمراني، عبر ضمان شفافية المساطر المرتبطة بالتدبير العمراني من خلال التدقيق العملي لها واحترام الآجال، حيث السهر على احترام المقتضيات القانونية والتقنية سواء فيما يتعلق بدراسة الملفات أو المراقبة، خصوصا إذا ما استحضرنا واقعها البشري وكذا اللوجيستيكي المكلف بالقيام بعمليات المراقبة بالمقارنة،، مع حجم المجال الترابي الذي يدخل في إطارها (117 جماعة حضرية وقروية) واللذان يحدان من فعاليتها .
المطلب الثاني: الجوانب النوعية في أداء الوكالة الحضرية لسطات
تمارس الوكالة الحضرية لسطات في إطار القيام بمهامها مجموعة من الدراسات القطاعية، ذات الطبيعة الموازية وهي اختصاصات واقعية تهدف إلى تنمية المجال العمراني، وتحقيق نوع من التناغم والتناسق المجالي، حيث القيام بدراسات قطاعية (فرع أول) وتدعيم الاستثمارات المحلية عبر تسريع وثيرة دراسة الملفات بالإضافة إلى الاهتمام بالعقار وتعبئته وجعله داعم ومحفز للتنمية عموما والتنمية العمرانية بشكل خاص (فرع ثاني).
الفرع الأول: الدراسات القطاعية وتهيئة المجال المحلي
تنص المادة 3 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية في البندين 6 و 7 على أن الوكالة الحضرية " تتولى في نطاق اختصاصاتها:
6- القيام بالدراسات اللازمة لمشاريع تهيئة قطاعات خاصة وتنفيذ جميع مشاريع الصيانة العامة أو التهيئة لحساب الدولة والجماعات المحلية أو أي شخص آخر يطلب من الوكالة القيام بذلك سواء كان من أشخاص القانون العام أو أشخاص القانون الخاص كلما كان المشروع ذا منفعة عامة.
7- تشجيع وإنجاز عمليات إصلاح القطاعات الحضرية وتجديد المباني وإعادة هيكلة الأحياء المفتقرة إلى التجهيزات الأساسية والقيام لهذه الغاية بإنجاز الدراسات وامتلاك الأراضي اللازمة لذلك".
عمليا ومن خلال الوقوف على منجزات الوكالة الحضرية لسطات، نجدها قامت بمجموعة من الدراسات القطاعية والمتمثلة في إعادة هيكلة مجموعة من الأحياء السكنية الغير اللائقة، وكذا مساهمتها في عمليات التهيئة للمجال الحضري.كما يبين ذلك الجدول التالي:
جدول رقم (6) يوضح :بعض الدراسات القطاعية التي قامت بها الوكالة الحضرية لسطات
نوع لدراسة
الإقليم إعادة هيكلة أحياء السكن الغير اللائق عمليات التهيئة
سطات * بلدية الكارة : أحياء الضحى/ النور / النصر
* ج ق سيدي رحال الشاطئ: دوار الشرفاء
* بلدية البروج: حي الأمل
* بلدية سطات: حي قيلز * بلدية سطات: تهيئة ضفتي واد بوموسى
* ج ق سيدي رحال الشاطئ: تهيئة المنطقة المحاذية للملك العمومي البحري والغابوي
خريبكة * بلدية واد زم: حي كدية المصلى/ حي كدية الزيدانية/ حي الحرشة/ حي أيت الفاطمي/ حي العطورة /حي سكيكمة...
* بلدية خريبكة: حي أيت صالح
* بلدية أبي الجعد : حي بدر * بلدية خريبكة: تهيئة الحي الإداري
ابن سليمان * بلدية ابن سليمان: تهيئة شارع الحسن الثاني / تهيئة الشريط الساحلي لبوزنيقة
المصدر : تركيب شخصي
وعليه يمكن تحليل هذا الجدول عبر الوقوف على نقطتين:
1- إعادة هيكلة أحياء السكن الغير اللائق، باعتباره" نموذج من السكن المخالف لقواعد البناء القانوني المقررة في تشريعات التعمير، والمجسد لنمط عيش مفتقر لمقومات الحياة الكريمة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وبيئيا ".
إذ نجد أن هذا النوع من السكن يعتبر كأحد مكونات المشهد الحضري بإعتباره معطى هيكلي مؤطر للمشهد المجالي العام، فظاهرة السكن الغير اللائق واحدة من بين الإشكاليات المعقدة التي تنتج عنها انعكاسات سلبية تطال جميع الأصعدة، وهي نتيجة مباشرة للتطور الحضري الذي تعرفه الأنسجة العمرانية بفعل ارتفاع وتيرة النمو الديمغرافي والامتداد العمراني وحدة الهجرة القروية الناتجة عن توالي سنوات الجفاف، كلها أسباب أدت وتؤدي إلى إضعاف هياكل المدينة وبنياتها التحتية كما تشكل عوامل لتدهور ظروف السكن. وينعكس ذلك في ظهور أشكال مختلفة وغير متجانسة الأنسجة داخل المدن مفتقرة في غالب الأحيان إلى التجهيزات الأساسية وتأخذ أشكال دور الصفيح والسكن العشوائي والبناء السري، وهي كلها أشكال لسكن غير لائق تتكون من دور هشة أو بنايات غير تامة لا تستجيب للمعايير الصحية والمقاييس التقنية المقننة.
وجهة الشاوية ورديغة كمجال لعمل الوكالة الحضرية لسطات، لم تسلم من تداعيات هذه الظاهرة كواقع اجتماعي فرض نفسه بقوة على مجالها الحضري إذ أصبح يهدد بذلك انسجام نسيجها العمراني، وقد تمثل تدخل الوكالة الحضرية لسطات على هذا المستوى في القيام بمجموعة من الدراسات والإحصاءات – إلى جانب متدخلين آخرين- حيث ركزت في تدخلاتها على هذا المستوى على أحياء السكن غير اللائق ذو الطبيعة الصلبة، كنوع من أنواع السكن الغير اللائق باعتباره يضم عدة أنماط سكنية تجمعها خصوصيات أهمها نقصان أو غياب التجهيزات والمرافق الضرورية، بالإضافة إلى البيئة السكنية غير الصحية وارتفاع الكثافة السكانية . فميزة هذا النوع من السكن كونه قد تم بناءه بالإسمنت لكن من دون التوفر على تصاميم أو دراسات تقنية مسبقة، ومن تم أصبح فارضا لذاته على المؤسسات العمومية المكلفة بمحاربة السكن الغير اللائق فقط إشكالاته المركزية هي عدم وجود بنيات وتجهيزات تحتية. من هنا جاء تدخل الوكالة الحضرية لسطات في القيام بمجموعة من الدراسات وكذلك وضع تصاميم تستهدف إعادة تنظيم وتقويم هذا النوع من المجال، حيث قامت في هذا الإطار بأكثر من 50 دراسة على مستوى تراب الجهة وقد تجلت أهداف هذه الدراسات في :
تسوية الوضعية العمرانية والقانونية لهذه الأحياء
تجهيزها بالتجهيزات الأساسية (طرق- ماء- الكهرباء- الصرف الصحي) وإدماجها في النسيج الحضري العام.
تزويدها بالتجهيزات الاجتماعية ذات الطابع الاجتماعي.
بالإضافة إلى تسوية وتجاوز مجموعة من الصعوبات التي تطرحها الطبيعة القانونية لملكية الأرض موضوع التدخل .
2- القيام بعمليات التهيئة:التي تستهدف مجموعة من المناطق التي لا يتناسب واقعها مع الأدوار التي تقوم بها، كما هو الأمر بالنسبة لبعض الأحياء الإدارية التي حاولت الوكالة الحضرية لسطات استهدافها، وكذلك الشوارع الرئيسية التي تشهد حركة سير كبيرة عبر توسعتها بما يضمن لمستعمليها الراحة والأمن.
كما شملت عمليات التهيئة كما لاحظنا ذلك في الجدول أعلاه بعض الأودية التي تتوسط المدن وتشكل خطورة على الساكنة خصوصا في فترات الأمطار عبر توسعتها وجعلها أكثر سلامة.
كما أن المناطق الخاصة ذات الطبيعة السياحية شكلت هي الأخرى إحدى اهتمامات الوكالة الحضرية لسطات كما هو الأمر بالنسبة للشريط الساحلي لبوزنيقة وبعض المناطق الغابوية والبحرية، وقد أسفرت هذه العمليات على:
خلق مرافق جديدة
وضع ضابطة البناء للمنطقة
تسوية مشكلة حركة السير
الفرع الثاني: الوكالة الحضرية لسطات و تدعيم الاقتصاد المحلي
تعتبر الوكالة الحضرية لسطات من أبرز المتدخلين العموميين على المستوى اللامركزي، في مجال تدعيم الاقتصاد المحلي والجهوي باعتباره مدخلا أساسيا لصناعة التنمية الوطنية الشاملة، حيث تتجلى أهم تدخلاتها على هذا المستوى في تسريع ودراسة مختلف الطلبات الاستثمارية(الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى تعبئة الوعاء العقاري عبر دراسته وتحديد وضعيته وأيضا تهيئته، حتى يصبح عاملا مستقطبا لمختلف الاستثمارات (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تشجيع الاستثمار المحلي
تطبيقا لمقتضيات الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بتاريخ 9 يناير 2002 حول موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار ، حيث إنعاش الاستثمار والنهوض به باعتباره وسيلة فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما عبر دعم وتحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة.
انطلاقا من كل ذلك ستنخرط الوكالة الحضرية لسطات في الاهتمام بتفعيل مقتضيات هذه الرسالة وتمكين قطاع التعمير من الإسهام في تفعيل الإجراءات المتخذة وتشجيع جميع المتدخلين من مستثمرين ومنعشين عقاريين سواء من القطاع العام أو من القطاع الخاص، عبر تأطير مشاريعهم وتوفير شروط نجاحها. حيث عملت الوكالة الحضرية لسطات على تنظيم مجموعة من الاجتماعات التنسيقية والتشاورية مع كافة المتدخلين في القطاع قصد التعريف بدور التعمير في النهوض بمجال الاستثمار وتشجيعه في إطار لجن تقنية موسعة على الصعيد المحلي.
بالإضافة إلى قيامها بعمليات تنظيمية عبر إحداث خلية بداخل الوكالة مهمتها استقبال وتوجيه المستثمرين وتقديم جميع المعلومات والمعطيات، وكذا المساعدة التقنية لهم في المراحل الأولى عند اختيار موقع المشاريع وأثناء اقتناء العقارات، كما تقوم بإعداد الدراسات الأولية المتعلقة بوضع تصور المشاريع وربطها بمختلف التجهيزات والشبكات، وكل ذلك عبر إبرام شراكة مع المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشاوية ورديغة ، بهدف ضمان النجاعة والسرعة في البحث في مجموع ملفات الاستثمار.
وعلى المستوى التأطيري، فقد تمكنت الوكالة الحضرية لسطات من ضمان التأطير التقني في إطار لجنة المشاريع الكبرى CGP بداخل مقر الوكالة لما مجموعه 1322 ملفا استثماريا بنسبة 4% من مجموع الملفات المدروسة من طرف الوكالة الحضرية لسطات منذ بداية اشتغالها الفعلي في سنة 1999، والتي تتوزع على الشكل التالي:
الجدول رقم (7) : حصيلة الملفات المدروسة من طرف لجنة المشاريع الكبرى CGP داخل مقر الوكالة الحضرية لسطات
السنوات 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007 المجموع
عدد الملفات 17 27 96 102 38 39 206 797 1322
المصدر: تركيب شخصي
والواضح من الجدول أعلاه أن نسبة المشاريع الاستثمارية تعرف نوع من التدرج وكذا الارتفاع النسبي والمستمر، إذ أنها بلغت في سنة 2007 إلى 797 مشروع استثماري وهو أمر يؤكد أن هناك نوع من الحيوية الاقتصادية على مستوى الاستثمارات التي تستقطبها المنطقة خصوصا في السنتين الأخيرتين.
ويبدو أن من مسببات هذا الارتفاع كذلك تفعيل مقتضيات الدورية الوزارية عدد 3020 المتعلقة بمنح استثناءات في مجال التعمير بالنسبة للمشاريع الاستثمارية.
وفيما يتعلق بتصنيف هذه المشاريع حسب النوع فهي تتوزع كما يلي:
التوزيع النوعي للمشاريع المدروسة
المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من التقارير السالفة الذكر
إذ أن الملاحظ هنا هو أن العمليات العقارية تعتبر القطاع الاستثماري الرئيسي بنسبة 38% ضمن المشاريع الاستثمارية الموافق عليها، ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى الرغبة في تنفيذ البرامج الحكومية المتعلقة بالسكن في إطار رهان 200.000 ألف سكن حيث إن الجهة تستأثر بحوالي 7000 وحدة سكنية في المشروع الحكومي بالإضافة إلى أن الاستثمار العقاري يتميز بالمردودية والربح ونسبة الخسارة فيه تبقى شبه منعدمة .
ثم المشاريع السياحية والترفيهية التي تستحوذ على ما معدله 23%، وهي نسبة تؤكد إلى حد ما التوجهات والاستراتيجيات الجديدة التي ترمي إلى جعل الجهة قطبا سياحيا عبر الاستفادة من بعض خصوصياتها الطبيعية وعلى وجه الخصوص الساحلية منها.
بالإضافة إلى المرافق والخدمات التي لا تشكل سوى 20%، وهي نسبة تطرح في حقيقة الأمر أكثر من تساؤل حيث أنه وأمام حجم الكثافة السكانية التي تعرفها الجهة، فإن الأمر يستوجب توفير مجموعة من البنيات التحتية والتجهيزات المرفقية والخدماتية التي تستطيع استيعاب هذه الكتلة البشرية، وبناء عليه من الضروري اليوم القيام بتقييم عملي لوثائق التعمير والوقوف على مدى التزام مختلف الفاعلين- خصوصا الجماعات المحلية- بإنشاء المرافق والتجهيزات المحددة في تنطيق هذه الوثائق الموافق عليها من طرف مجموع المتدخلين.وأخير المشاريع الصناعية التي لا تمثل سوى 19% من مجموع المشاريع الاستثمارية الموافق عليها وهي نسبة نعتقد إلى حد ما إيجابية خصوصا مع الطبيعة الفلاحية للمنطقة وكذا أمام تحديث وتجديد المناطق الصناعية المتواجدة بالجهة باعتبارها متنفس مجالي جديد للمناطق الصناعية المتواجدة على محور
القنيطرة – البيضاء. أما التوزيع الإقليمي لهذه المشاريع فنجد أن :
التوزيع الإقليمي للمشاريع المدروسة
المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من التقارير السالفة الذكر
الإحصائيات المتعلقة بهذا الموضوع قد أثبتت أن إقليم سطات يحتكر الأغلبية الساحقة من هذه المشاريع حيث يضم 722 مشروع بنسبة 58% من مجموع هذه المشاريع، ويبدو أن السبب يعزى إلى إحداث القطب الصناعي للساحل ولخيايطة على مساحة تقدر 2414 هكتار، والذي يبقى كمحدد رئيسي لهذا الاستقطاب بالإضافة إلى عاملي القرب لميناء الدار البيضاء وكذا الشبكة الطرقية الرئيسية (الدار البيضاء – طنجة / الدار البيضاء – مراكش)، على عكس إقليم خريبكة الذي لم يستقطب سوى 365 مشروع بنسبة 28% وإقليم ابن سليمان 185 بنسبة 14%.
وهو أمر يطرح في حقيقة الأمر مسألة التوازن المجالي في عمليات التوطين الاستثماري، وقبله عمليات التهيئة، عبر سلوك سياسة مجالية متوازنة في إطار سياسة إعداد التراب، والتي تهدف إلى توزيع متوازن للنشاطات الاقتصادية والاجتماعية في إطار ما يصطلح عليه بالديمقراطية الترابية .
الفقرة الثانية: تعبئة الوعاء العقاري الجهوي
إن العلاقة التي تربط العقار بالتعمير، هي علاقة جدلية تتميز بالتأثير والتأثر، إذ لا يمكن تطوير التخطيط والتوسع العمرانيين بدون التحكم في الأرض ورفع الحواجز التي يضعها استعمالها في وجه كافة المتدخلين سواء من القطاع العام أو من القطاع الخاص .
فالعلاقة وطيدة بين سياسة التعمير والسياسة العقارية إذ لا يمكن ترجمة مختلف التوجهات المسطرة في وثائق التعمير باعتبارها أدوات تقنية للتخطيط العمراني، دون التحكم في العقار ومعرفة طبيعته.
من هنا جاء اهتمام الوكالة الحضرية لسطات بهذا النوع من التدخل الذي يدخل في إطار كسب رهان التنمية وتأهيل المجال المحلي لجعله قابلا لاستقطاب كل أشكال الاستثمار ورفع تحديات التنافسية والعولمة بغية تحقيق تنمية فعالة ومستديمة .
وفي هذا الإطار تجسد تدخل الوكالة الحضرية لسطات -على هذا المستوى- في إعداد تصور أولي لتنمية المجال الترابي للجهة، يأخذ بعين الاعتبار خصوصياتها ومؤهلاتها المجالية عبر تعبئة الوعاء العقاري بشكل عام والوعاء العقاري العمومي بشكل خاص، واعتباره أداة لإنجاز مشاريع استثمارية حيث قامت في هذا الاطار بجرد العقارات المفتوحة في وجه العمران.
وقد تمكنت في هذا الصدد من إحصاء 6157 هكتارا على صعيد جهة الشاوية ورديغة، تتوزع بين الأقاليم الثلاث على الشكل الآتي:
إقليم سطات: 3728 هكتارا بنسبة 60.54%
إقليم خريبكة: 761هكتارا بنسبة 12.36%
إقليم ابن سليمان: 1668 هكتارا بنسبة 27.10%
وتتوزع هذه المساحات حسب الجماعات الحضرية والقروية بالجهة على الشكل التالي:
الجدول رقم(8) توزيع المساحات المفتوحة للتعمير
الجماعات الحضرية والقروية المساحة الإجمالية المغطاة بوثيقة التعمير بالهكتار المساحة التي يمكن فتحها للعمران بالهكتار
سطات 2900 1109
برشيد 2600 1488
الدروة 680 102
سيدي رحال الشاطئ 2108 740
السوالم 790 289
خريبكة 2900 340
بوجنيبة 492 130
وادي زم 1774 91
أبي الجعد 965 200
بن سليمان 1962 943
بوزنيقة 1820 725
المجموع 18991 6157
المصدر :التقارير الأدبية والمالية السالفة الذكر
ثم بعد ذلك قامت بجرد المؤهلات السياحية والصناعية للجهة انطلاقا من الجرد العام للعقار، حيث عملت على تحديد الأراضي المخصصة للاستعمالات السياحية والصناعية حسب وثائق التعمير المصادق عليها.
المصدر : تركيب شخصي
ومنه وانطلاقا من مجموع هذه الدراسات قامت الوكالة الحضرية بصياغة مشروع حضري لتنمية الجهة بهدف حل الإشكالات المطروحة وأيضا لرد الاعتبار للمجال، إذ توصلت في هذا الإطار إلى فرز 4 مجموعات من المشاريع، كل واحدة تهدف معالجة إشكالية جوهرية تخص إحدى المكونات الأساسية في إطار استيعاب التنوع المجالي للجهة، حيث تتوزع على الشكل التالي:
تنمية الساحل - اقتراح انجاز مشروع سياحي (الشريط الساحلي سيدي رحال الشاطئ والسوالم الساحل)
اقتراح تشييد مركب صناعي وسكني من مستوى عالمي مخصص للتقنيات الحديثة (الشريط الساحلي لبوزنيقة)
تأهيل التجمعات القطبية وفتح مناطق جديدة للتعمير(على مدار الدار البيضاء الكبرى) - إعادة هيكلة قطبي برشيد – الدروة
- إحداث قطب حضري وصناعي جديد للساحل – لخيايطة
تنمية مدينة سطات - تدعيم المنطقة الصناعية
- إحداث مركز للأنشطة اللوجيستيكية والنقل
- إحداث تجزئة سكنية من مستوى رفيع " المنظر الجميل"
تأهيل مدينة خريبكة والمنطقة المحيطة بها - تنظيم الاستغلال المنجمي
- إعداد مخطط هيكلي لتنمية المدينة
المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من التقارير الإدارية والمالية السالفة الذكر
ومنه نعتقد أن التدخل نوعي بامتياز على هذا المستوى، لكن التساؤل المركزي هنا هو إلى أي حد تم تفعيل هذه الاستراتيجيات؟ ومن ثمة كسب الرهانات المسطرة ؟
فعلى المستوى العملي هناك من هذه المشاريع المسطرة ما تم تنفيذه، في حين نجد أن الكثير منها لم تحقق ومن تم تعثرها على مستوى التنفيذ.
انطلاقا من هذا التقييم العملي لمختلف تدخلات الوكالة الحضرية لسطات، والتي تبقى مقبولة، أمام حجم الرهانات المطروحة والمسطرة لها مستقبلا، وفي إطار رؤية تدبيرية تحدد مواطن الضعف والقوة لهذه البنية وكذا الفرص المتاحة لها، فإن التساؤل المطروح هنا هو :
ماهي أهم الاكراهات والحدود العملية سواء الموضوعية منها،أو الذاتية التي ساهمت في الحد من فعالية تدخل الوكالة الحضرية ؟
وما هي أبرز الحلول والممكنات التي نعتقد أنها ستسهم في تدعيم فعالية التدخل؟ حتى تتمكن هذه المؤسسة من المساهمة الإيجابية في بلورة وصناعة مجال محلي منسجم وداعم للتنمية العمرانية المحلية وعبره الوطنية؟
المبحث الثاني: الوكالة الحضرية لسطات بين المحدودية ومتطلبات الحـكامة العمرانية
إن المتتبع لمجموع تدخلات وأدوار الوكالة الحضرية لسطات، سيجد أن الحصيلة متواضعة ولم تصل إلى مستوى الرهانات والتطلعات المنتظرة منها، ويبدوا أن السبب في ذلك يرجع إلى وجود مجموعة من الإكراهات والحدود العملية والموضوعية التي تحد من فعالية التدخل بالنسبة لهذه المؤسسة (المطلب الأول). حدود تستلزم ضرورة التجاوز عبر خيار الحكامة العمرانية باعتبارها آلية وأداة للتدبير الواعي لميدان التعمير (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مظاهر محدودية عمل الوكالة الحضرية لسطات
من الطبيعي أنه رغم المصداقية التي اكتسبتها الوكالات الحضرية عموما، والوكالة الحضرية لسطات بشكل خاص في مدة وجيزة حيث القيام بعمليات ومنجزات كمية ونوعية ساهمت إلى حد ما في تهيئة المجال وتنظيمه، فإنها لازالت غير قادرة على القيام بأغلب الأنشطة الملازمة لمهامها بسبب وجود مجموعة من الحدود والاكراهات التي تعيق عملها والمتراوحة بين العراقيل ذات الطبيعة البنيوية وأيضا المادية.
الفرع الأول: العوائق البنيوية
تعتبر العراقيل البنيوية للوكالة الحضرية لسطات، من ضمن أهم وأبرز العوائق التي تحد من فعالية أداء هذه المؤسسة، ونعني بها هنا مجموع المشاكل الموضوعية والذاتية المرتبطة بالوكالة الحضرية لسطات، إن على المستوى القانوني (الفقرة الأولى)، أو على المستوى المالي والبشري (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحدود القانونية
يمكن تصنيف الإكراهات والحدود القانونية التي تعيق عمل الوكالة الحضرية لسطات من خلال الوقوف على:
1. الإكراهات المرتبطة بالقانون المنظم للوكالات الحضرية
إن الإطار القانوني المنظم للوكالات الحضرية، يطرح مجموعة من الإشكالات العملية التي تعيق عمل هذه الأخيرة.
فعلى مستوى التخطيط العمراني نجد أن هناك تقزيم لتدخل الوكالات الحضرية، سواء فيما يتعلق بالتخطيط التقديري الذي لا تمتلك هذه المؤسسات في إطاره أية صلاحية قانونية تخولها إمكانية المبادرة في إعدادها، فالاختصاص مركزي هنا وهو ما يطرح إشكال الوقت في اعتماد هذه الوثيقة حيث كان من المفترض أن يكون أمر المبادرة من اختصاص الوكالات الحضرية بتنسيق مع مختلف الفاعلين المحليين لاعتبار أساسي يتجلى في القرب من المجال المحلي اللامركزي ومن معرفة احتياجاته الضرورية مع الوقوف العملي على مستوى تطوراته العمرانية، هذا مع إمكانية الإبقاء على صلاحية المصادقة من اختصاص الإدارة المركزية لكن شرط تحديد المدة المخصصة لذلك.
أما فيما يتعلق بالتعمير التنظيمي النافذ، ورغم حجم الصلاحيات المسندة للوكالات الحضرية في هذا الإطار فإن دورها يبقى هامشي في مرحلة المصادقة التي تبقى اختصاصا مركزيا، وهو معطى يؤكد ثقل الوصاية الممارسة على الوكالات الحضرية، فعلى الرغم من الإيجابيات التي تمثلها هذه الوصاية نظريا لتحقيق انسجام وتناسق عمل الدولة باعتبارها " مجموع الصلاحيات المخولة للسلطات المركزية بناء على قانون من أجل مراقبة شرعية نشاط هذه الهيئات وعدم تطاولها في ممارسة اختصاصاتها قصد ضمان تحقيق المصلحة العامة" ، فإنها تساهم في الحد العملي من استقلال هذه المؤسسة الشيء الذي جعل البعض يذهب إلى توصيفها "بالبيروقراطية" حيث أنها قد تكون وراء التأخر في التدخلات، مما قد يرتب نتائج عكسية للهدف الذي أحدثت من أجله هذه الوكالات أي السرعة والفعالية، بل وقد تصل هذه الوصاية إلى رفض كلي لبعض الوثائق التعميرية التي وصلت إلى مراحل متقدمة من المصادقة،وكل ذلك تحث مبرر الرغبة في مطابقة عمل الوكالات الحضرية مع الأهداف التي تحددها .
أما على مستوى التدبير العمراني وعلى الرغم من الحضور القوي للوكالات الحضرية على هذا المستوى، فإنها تفتقد الآليات والوسائل الزجرية التي قد تسهم في احترام آراءها وكذا المحاضر التي تم تحريرها والمتعلقة بالمراقبة. فكثيرا ما تتم مخالفة الآراء سواء الموافقة أو الغير الموافقة الصادرة عن الوكالات الحضرية من طرف الجهات المعنية، من دون توفر الوكالات الحضرية على آليات تقريرية تساعدها على احترام آراءها . نفس الشيء بالنسبة للمراقبة حيث عدم تحريك المحاضر من طرف الجهات المعنية، وهي معطيات من شانها أن تحبط عمل الوكالات الحضرية.
كما نجد أن من بين المشاكل القانونية المرتبطة بالنص القانوني المنظم للوكالات الحضرية، عدم فعالية بعض الأدوات القانونية الموضوعة رهن إشارة الوكالة كما هو الأمر بالنسبة لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة الذي يدخل في مجال اقتناء العقارات، حيث نجد أنها مازالت تعرف عدة تعقيدات تعرقل سيرها، ولعل البحث عن تحقيق التوازن بين المصلحتين الفردية والعامة يعتبر أساس هذه الصعوبة، إذ أن الأمر يتطلب إعطاء ضمانات في مختلف مراحل المسطرة ، كما أن تعدد الإدارات التي يناط بها دور تسيير المسطرة قد يفسر هو الآخر هذا التعقيد . هذا بالإضافة إلى طول المسطرة المتعلقة بنزع الملكية حيث عدم تحديد مدة معينة لإصدار الأحكام المتعلقة بنزع الملكية من طرف القضاء.
2. الإكراهات المرتبطة بقوانين التعمير
إن أهم الخصائص التي تتسم بها قوانين التعمير تلك المرتبطة بجمود مقتضياته وتعقدها، إضافة إلى عدم تنظيم بعض الجوانب في القطاع.
أ- جمود المقتضيات القانونية : إن المتتبع لتطور التشريع المغربي في ميدان التعمير يخرج باستنتاج مفاده أن هذا التشريع كان دائما يتميز بالجمود ومقاومة التغيير، بحيث تم وضع أول قانون ينظم قطاع التعمير في المغرب سنة 1914، والثاني صدر في 1952 المتمثل في ظهير الشؤون المعمارية وآخر تشريع صدر في هذا المجال كان في سنة1992 . والذي لازال ساري المفعول حتى اليوم، الأمر الذي يحيل على أن هناك نوع من الجمود والتأخر في مسايرة القانون المنظم لميدان التعمير لتطورات المجتمع عبر صناعة التشريع وتجديد النصوص القانونية. فمن غير المقبول اليوم أن العمليات العمرانية في العالم القروي مازالت منظمة بنص يرجع إلى 1960، رغم حجم التغير السوسيواقتصادي الذي عرفه المجتمع القروي.
هذا الجمود يمتد إلى وثائق التعمير نفسها حيث عدم استحضار عامل الوقت في معادلة التخطيط العمراني ،إذ أن الممارسة العملية أثبتت أن عمليات إعداد ودراسة وثائق التعمير تعرف تأخرا كبيرا يهدد قدرتها على مواكبة التحولات الديمغرافية والعمرانية المتسارعة ومجاراة الديناميات السوسيو-اقتصادية التي تفتعل داخل المجالات الترابية. فعامل الوقت محدد رئيسي في نجاح التخطيط العمراني، إذ أنه كلما تم احترام الآجال كان إنجاز محتوى وثيقة التعمير على نحو جيد، والعكس صحيح كلما تأخرت المسطرة إلا وتسبب ذلك في خلق صعوبات وعوائق . وعمليا نجد أن بعض مكاتب الدراسات لا تلتزم بالآجال المحددة كما هو الأمر بالنسبة لمدة الدراسات بشأن مشاريع تصاميم التهيئة المحددة في 18 شهرا وفق الدورية الوزارية 005. كما أن قانون التعمير يساهم هو الآخر في هذا البطء والتأخر الذي يعرفه مسلسل إنتاج وثائق التعمير، بفعل عدم تحديد المشرع لتاريخ بدء وانتهاء كل مرحلة من المراحل التي تجتازها عملية الإعداد كما هو الحال بالنسبة لتاريخ انعقاد اللجنة المحلية المكلفة بالتعمير . حيث يبقى ذلك خارج أي ضابط زمني الشيء الذي يرهن معها مستقبل التهيئة العمرانية والاستجابة للحاجيات المتجددة لواقع الاقتصادي والاجتماعي .
ب- الصعوبات المتعلقة بتطبيق قوانين التعمير: ففيما يتعلق بالقانون 12-90 نجد أن الممارسة العملية أبانت عن وجود الكثير من النقائص والعيوب سواء على مستوى التطبيق أو على مستوى وثائق التعمير أو القواعد المتعلقة بالبناء.
ففيما يخص تطبيق القانون 12-90 نجد أن المشرع عند وضع هذا القانون، كان يهدف دائرة تطبيق محدودة لا تتعدى المناطق الأكثر حساسية ، لكن الواقع العملي لهذا القانون عطل هذه الحسابات حيث رفع عدد الجماعات الحضرية التي أصبحت كلها بلديات إلى 248 بعدما كانت لا تفوق المائة مدرجا فيها عدد المراكز المحددة والتجمعات العمرانية الحضرية والقروية.
وفي نفس الإيقاع ارتفعت مساحة المجالات التي تدخل في المناطق المحيطة بالجماعات القروية، فالإشكال هنا هو أن المحيط الحضري ليس فقط خطا أو رسما على خريطة بل مؤسسا لواجبات وحقوق ورقعة لممارسة اختصاصات ومهام.
أما على مستوى وثائق التعمير فيمكن إبراز أهمها في النقص في التغطية بوثائق التعمير أو غيابها في العديد من التجمعات العمرانية الحضرية والقروية، بالإضافة إلى الصعوبات التي تعتري تطبيق هذه الوثائق من قبيل عدم قدرة الإدارة على برمجة التجهيزات وإنجازها.
كذلك الأمر بالنسبة لرخص البناء حيث إن الجدل لازال قائما حول مدى خضوع عمليات البناء في العالم القروي لهذه الرخصة إضافة إلى مسألة تحديد نوعية مشاريع البناء الخاضعة للشرط المذكور وحجمها.
أما بالنسبة للقانون 25-90 فهو الآخر يعرف مجموعة من الاكراهات العملية خصوصا في الشق المتعلق بالتجزئات العقارية حيث يلزم ضرورة تحديد مفهوم التجزئة ليشمل عمليات عقارية أخرى (الهبة , التبادل...)لتجاوز التحايلات المسجلة وكذا سد باب الذرائع أمام المتلاعبين .
ج- مسألة التعمير الاستثنائي: قد لا يجادل أحد اليوم في أن التعمير الاستثنائي من حيث المبدأ يعتبر ضرورة تتطلبها دواعي التنمية الاقتصادية وتكييف القاعدة القانونية، دون إغفال ما قد يلعبه من دور في تحريك الدينامية الاقتصادية لما يتسم به من مرونة وبساطة على الصعيد الإجرائي .
فالتعمير الاستثنائي يساهم في بلورة رؤية تؤمن سيولة وانسيابية الحركة العمراني وتجنب طابعي الجمود والتشدد الذي قد يميز وثائق التعمير. كما يمكن تفعيله في ميدان التدبير العمراني بهدف تشجيع مسلسل البناء من جهة ومواجهة التعمير الفوضوي والعشوائي من جهة ثانية .
لكن وإذا كان هذا الصنف من الاستثناءات لا يثير في الغالب أية مشكلة على الصعيد العملي والقانوني نظرا لاستناده على اعتراف قانوني صريح يضفي عليه صفة المشروعية، فإن التساؤلات المطروحة تبقى مرتبطة ببعض الاستثناءات التي تتم خارج القانون الأصلي، حيث تعد الدورية المشتركة رقم 3020/27 بخصوص شروط استفادة المشاريع الاستثمارية من استثناءات في مجال التعمير مثالا على ذلك. فإذا كان صدور هذه الدورية قد ينم عن دوريات لا تحترم مبدأ تدرج القوانين لكون ذلك فيه مساس باستقرار البنيان القانوني وإفراغ التشريع الأصلي من محتواه طالما أن الغرض من الدوريات والمناشير يكمن في التفسير والتوضيح الأمر الذي نحا بجانب من الفقه والقضاء إلى عدم الاعتراف بقيمة وحجية الدورية الأمر الذي يستدعي ضرورة التقعيد القانوني لهذا النوع من التعمير .
إن تشجيع الاستثمار لا يعطي للإدارة الحق في مخالفة القانون والمساس بالمبدأ الدستور المتمثل في المساواة أمام القانون المنصوص عليه بموجب الفصل الرابع من دستور 1996، لأن من شأن ذلك تكريس وضعيات امتيازية قد لا تخلو من سلوكات وتصرفات زبونية وسياسية تفتقد للمشروعية والشفافية اللازمة وبروز تسامحات غير مبررة في كثير من الأحيان . كما أن الدورية تفتقد للتدقيق اللازم من خلال ارتكازها على معايير عامة وفضفاضة في انتقاء المشاريع الاستثمارية المستفيدة من مسطرة الاستثناء، حيث ربطت الاستفادة بوجود انعكاسات للمشروع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعمراني، الأمر الذي يتوفر في جميع عمليات التعمير. فالسلطة التقديرية التي تتمتع بها الإدارة في هذا الإطار قد تفتح الباب لتأويلات مصلحية واستعمال متعسف لقرار الاستثناء الذي غالبا ما يتجاوز العتبة المسموح بها.فضلا على أن هذا الصنف من القرارات لا يخلو من آثار سلبية على جودة الإطار العمراني والمحيط البيئي مما يفرغ دلالة التخطيط العمراني من مضمونه، وأبرز مثال على ذلك التراجع الملحوظ في الأراضي المخصصة للفضاءات الخضراء والمرافق العمومية بوثائق التعمير نتيجة تطبيق الدورية السالفة الذكر.
ومنه فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو هل مشروع مدونة التعمير استطاع أن يبلور نصا قانونيا متكاملا، يأخذ في الحسبان مجموع هذه المشاكل ؟
الفقرة الثانية: الحدود المالية والبشرية
تعتبر الموارد المالية والبشرية بمثابة الركيزة الأساسية لنجاح عمل أية وكالة حضرية، ومن تم فمحدودية هذا النوع من الموارد ستكون له انعكاسات سلبية على الأداء العام لهذا النوع من المؤسسات.وعليه سنتناول هذه الفقرة عبر الوقوف على حجم الإكراهات المالية والبشرية التي تحد من فعالية الوكالة الحضرية لسطات.
1- الإكراهات المالية
يشكل الجانب المالي محددا أساسيا لتدخل الوكالة الحضرية لسطات، ومن تم فإن فعالية أداءها يرتبط في جانب منه بمدى وفرة هذا المعطى، حيث كلما كانت الإمكانيات المالية للوكالة متوفرة بالشكل المطلوب والكافي، كلما كان ذلك عاملا مساعدا على ضمان فعالية أداءها والعكس صحيح، وما لذلك من آثار وخيمة على دور الوكالة في تحقيق التنمية العمرانية كهدف استراتيجي لهذا النوع من المؤسسات.
وما يزيد من صعوبة ذلك أن قطاع التعمير الذي تشتغل في إطاره الوكالة الحضرية يعتبر بلا منازع من القطاعات ذات التكاليف الباهظة، بالنظر إلى طبيعة العمليات والبرامج، وكذا محاولات تدارك النقص الكبير الحاصل خصوصا على مستوى تغطية المجال بوثائق التعمير وتهيئته بما يلزم ومتطلبات التنمية العمرانية.
عمليا وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن الواقع المالي للوكالة الحضرية لسطات، يجعل من استقلالية التسيير المالي شيئا صعب المنال، بالمقارنة مع بعض الوكالات الحضرية الأخرى، الأمر الذي قد يهدد الفلسفة الحقيقية للامركزية ومن تم المس باستقلالية القرار داخل الوكالة
إضافة إلى ذلك فإن الواقع المالي للوكالة الحضرية لسطات، قد يصعب من ممارسة الوكالة لبعض أنشطتها سواء المركزية(التخطيط العمراني) أو الموازية (تعبئة الأوعية العقارية) إذ أنها تعتبر منعش عقاري أيضا بحسب القانون المنظم .
والحاصل فإن الآثار المترتبة عن اعتماد الوكالة الحضرية لسطات في القيام بأنشطتها على الإعانات المقدمة من طرف الدولة تبدو على درجة كبيرة من الأهمية، خصوصا وأنها تضع مسألة استقلالها محل تساؤل،إذ ما فائدة الاستقلال المالي إذا كانت الوكالة لا تستطيع تأمين الموارد الكافية لضمان تسيير مصالحها بعيدا عن إعانات الدولة.
إن هذا الوضع يجعل من الوكالة الحضرية لسطات مجرد تابع للدولة (مؤسسة مسيرة وليست مخيرة) يتعين عليها الخضوع لمختلف الضغوطات التي تمارسها الدولة في سبيل الاستفادة من الإعانات. وما يزكي هذه المخاوف هو التوجه الذي ما فتئت السلطات العمومية تعبر عنه والمتمثل في مبدأ تخلي الدولة عن أدوارها المتمثلة في التدخل في الميادين الاقتصادية والاجتماعية لفائدة باقي المتدخلين ، وما سيترتب عن ذلك من تقليص في النفقات التي يتم صرفها. وسيكون من أهم مظاهر هذا الوضع تقليص الإعانات المقدمة إلى الوكالة الحضرية لسطات، فكيف يمكن لهذه الأخيرة التعامل مع هذا الوضع؟
2- العراقيل البشرية:
يلعب العنصر البشري دورا أساسيا في التجسيد المادي لمختلف الاختصاصات الموكولة إلى الوكالة الحضرية لسطات، لذلك عملت هذه الأخيرة على التزود بالموارد البشرية اللازمة وفق ما تسمح به الإمكانيات المتوفرة لديها، لكن الملاحظة الأساسية في هذا المجال هي الخصاص الكبير الذي تعاني منه سواء على المستوى الكمي أو النوعي.
فعلى المستوى الكمي هناك قلة في عدد المستخدمين العاملين بالوكالة الحضرية لسطات، إذ أن الظروف التي أحدثت فيها الوكالات الحضرية في المغرب، فرضت توظيف أطر وتعيينها في مراكز المسؤوليات بشكل سريع الأمر الذي اضطرت معه الجهات المختصة إلى مد هذه الوكالات بأطر تنتمي لمختلف الإدارات التي تنوعت مشاريعها وتعددت اهتماماتها دون مراعاة التخصص في إطار الإلحاق الإداري.
وعليه فإن هذه السرعة التي تمت بها هذه العملية لم تسمح بتبني سياسة معينة في هذا الباب من قبيل وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، بحيث كان الهدف هنا هو تشكيل هذه الوكالات في غياب الاهتمام بطبيعة وحجم العناصر الواجب مدها بها.
وهو وضع ينطبق على الوكالة الحضرية لسطات، التي تتوفر على 69 مستخدم وفق تخصصات متعددة كما يتبين ذلك من خلال الجدول التالي:
جدول رقم (9) توزيع المستخدمين حسب التخصص
الإطـــار التخصص
المجموع أعوان تنفيذ عون تأهيل عون تأهيل عالي إطار إطار عالي خارج إطار مدير
18 - - 3 3 8 4 - الهندسة المعمارية
09 - - 3 1 3 2 - الهندسة الطبوغرافية
03 - - - - 2 - 1 الهندسة المدنية
03 - 1 1 - 1 - - الإعلاميات
08 - - - 5 3 - - القانون
03 - - - - 3 - - الاقتصاد
04 - - - 2 2 - - الجغرافيا والتعمير
01 - - - 1 - - - الآداب والتوثيق
03 - - 3 - - - - التسيير الإداري والمحاسبة
07 - 2 5 - - - - الكتابة
01 - 1 - - - - - رسم البناء
09 8 1 - - - - - بدون تخصص
69 08 05 15 12 22 6 1 المجموع
المصدر : التقرير الأدبي والمالي 2007
إذ أن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها من خلال الجدول أعلاه هو النقص العددي والكمي في عدد العاملين بالوكالة الحضرية لسطات بالمقارنة مع حجم المجال الترابي الذي تغطيه، حيث أن 69 مستخدم لمجال جغرافي تبلغ مساحته 16.571 كلم 2 وساكنة يفوق عددها المليون نسمة، موزعة على ثلاث أقاليم تضم 117 جماعة حضرية وقروية، في حقيقة الأمر يطرح أكثر من تساؤل، حول حجم الضغط الذي قد تعرفه هذه المؤسسة خصوصا أمام طبيعة المجال الذي تشتغل فيه – التعمير-وما يعرفه من حركية عمرانية سواء في الشق المرتبط بالتخطيط العمراني أو التدبير العمراني.
وبالإضافة إلى الخصاص الكمي الذي تعاني منه الوكالة الحضرية لسطات في مجال الموارد البشرية، فإن التركيبة النوعية لمستخدميها ليست بالمواصفات المطلوبة من أجل تحقيق فعالية التدخل في مجالات اختصاصها، فعلى الرغم من الأطر العليا التي تشكل نسبة 59% في مقابل الأعوان 41%.
توزيع المستخدمين حسب الإطار
المصدر: تركيب شخصي
فإن التخصص التقني يشكل النسبة الأكبر ضمن الأطر العليا بنسبة تصل إلى 61%، في حين أن باقي التخصصات الأخرى ورغم أهميتها لا تشكل سوى 39%، مع تسجيل ملاحظة هامة وهي غياب التخصصات السوسيولوجية من تركيبة الوكالة رغم أهميتها، خصوصا في مجال التخطيط العمراني حيث القيام بالدراسات القبلية ذات البعد السوسيولوجي من تم التأسيس لأي دراسة بعدية ذات طبيعة تقنية .
والحاصل فإن ما يلزم اليوم هو ضرورة اعتماد سياسة حقيقية لتدبير الموارد البشرية من طرف الوكالات الحضرية عموما والوكالة الحضرية لسطات على وجه الخصوص، بحيث أنه وبغض النظر عن الأوضاع والقوانين التي تحكم المستخدمين، فإن تدبير الموارد البشرية في حاجة إلى إطار مرجعي شمولي يحدد المبادئ والتوجهات المتجددة والكامنة في الانتقال من منطق التسيير القانوني الصرف لشؤون المستخدمين، إلى منطق التدبير الحديث للموارد البشرية. بحيث أن تسيير الموارد البشرية يترجم عبر قرارات فردية تكتسي طابعا تقليديا يهم تسيير الترقيات والتنقيط ومراقبة الغياب بدون أي ارتباط بحاجيات الإدارة، بينما يمتاز المنطق التدبيري بخلق التوازن بين حاجيات الإدارة من جهة ومواردها البشرية من جهة أخرى آخذا بعين الاعتبار مقياس الفعالية في أداء الخدمات والاستجابة لطموحات المستخدمين وتطلعاتهم.
ومنه ينبغي على الوكالة الحضرية لسطات عند تدبير مواردها البشرية أن تأخذ بعين الاعتبار :
التكوين المستمر كوسيلة للحصول على مؤهلات جديدة
التوظيف والحركية واعتماد التواصل الداخلي عبر تحسينه باعتباره وسيلة للرفع من الأداء
تحسين الأجور
الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية كوسيلة لتدعيم الحوار وتطويره.
الفرع الثاني: العوائق المادية
يعتري عمل الوكالة الحضرية لسطات إضافة إلى المشاكل الموضوعية مجموعة من المشاكل المادية ذات الطابع العملي، إذ تكمن أبرز تجلياتها في العامل العقاري (الفقرة الأولى) وأيضا التنظيمي المرتبط بالمحيط الخارجي للوكالة الحضرية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الإكراهات العقارية
يتبوأ العقار مكانة بارزة من خلال احتلاله لأهمية قصوى في أي مخطط تنموي، سواء تعلق الأمر بالمخططات الوطنية أو الجهوية، فالأرض تعتبر المجال الطبيعي لأي مشروع أو رهان تنموي. بل وتعتبر نقطة البداية التي ينطلق منها المصمم والدارس والمخطط...
فالعقار إذن يعتبر الركيزة الأساسية لنجاح أية سياسة تعميرية بل ويعتبر حجر الزاوية بالنسبة للمشاكل التي تثيرها مختلف التدخلات العمومية في مجال التخطيط والتدبير العمرانيين.
انطلاقا من كل ذلك نجد أن المشكل العقاري يعتبر من أهم المشاكل المادية داخل جهة الشاوية ورديغة، والوكالة الحضرية لسطات باعتبارها أحد الأجهزة المتدخلة في عمليتي التخطيط والتدبير العمرانيين، يواجهها هذا المشكل بشكل حاد سواء في المجال الحضري أو القروي.
ويمكن أن نتناول المشاكل التي يطرحها العقار أمام عمل الوكالة الحضرية وتأثيراته على مسار التنمية العمرانية كأحد أهم أهداف الوكالة الحضرية لسطات فيما يلي:
أولا : العقار والتخطيط العمراني
يجمع الكل اليوم على أن التحكم في العقار يعتبر كعامل أساسي في تنفيذ وبرمجة وثائق التعمير، نظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها كعنصر أساسي في تنفيذ وثائق التعمير باعتباره العامل الأول والأساسي في برمجة كل تصاميم التعمير وتنفيذ مشاريعها ومضامينها.
وإذا كانت وثائق التعمير لم تعط النتائج المنتظرة منها، فإن العائق العقاري يعتبر كأحد المسببات الرئيسية في ذلك، حيث السبب إلى تعدد الأنظمة العقارية، إذ نجد أن هناك وضعية معقدة للمنظومة العقارية في المغرب والتي تطرح أكثر من إشكال أمام المخططين الذين يصطدمون بمجموعة من العراقيل والمشاكل التي تطرحها بعض الأنماط من الملكية العقارية خاصة:
- الأراضي الجماعية: التي تطرح صعوبات قانونية وعملية، فالصعوبات القانونية تتجلى في خضوعها للأنظمة والأعراف المحلية، ولتشريع خاص يخضعها للوصاية الإدارية، أما العملية فهي صعوبة التوفيق بين مطالب الجماعات السلالية ومتطلبات التخطيط العمراني المحكم .
حيث أنه وأمام غياب قوانين وأنظمة عقارية ملائمة لهذا النوع من العقارات، وأمام التطور اليومي للمدن، تبقى هذه الأراضي عرضة لانتشار ظاهرة البناء العشوائي وكذا تفشي التجمعات السكنية غير القانونية بل نجدها تعتبر مجالا خصبا للمضاربات والمعاملات العقارية غير المشروعة مما ينعكس سلبا على التخطيط والتطور العمرانيين.
- أراضي الجيش: التي تفتقر إلى قانون ينظم ويضبط علاقاتها بالجماعة التي تقيم عليها من حيث التسيير والتصرف فيها، مما يجعلها تخضع في تنظيمها للأعراف المحلية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن تم فهي من الناحية المبدئية تعتبر غير قابلة للتفويت أو التملك.
- أراضي الأحباس: كأراضي موقفة حيث تشرف على تسييرها وزارة الأوقاف، وهي في حقيقة الأمر تشكل رصيد مهم يمكنه أن يساهم في تسهيل عمليات التعمير، لكن هذه العملية تظل رهينة بمدى استطاعة السلطات العمومية تجاوز مشكل مسطرة التفويت التي لازالت معقدة بالنظر إلى طبيعة هذا النظام، إذ لا يمكن تحقيق ذلك إلا بعد الحصول على ترخيص بمقتضى ظهير وشريطة تعويض الملك بإعادة استخدام ثمن التفويت.
ومن تم فإن أهم الإشكالات التي يطرحها هذا النوع من العقار، هو احتلاله لأهم المواقع الإستراتيجية داخل المدن، وفي المناطق الضاحوية التي تشكل المتنفس الأنسب للتطور العمراني، مما يؤهلها لاحتواء أهم المشاريع الاستثمارية على اختلاف أنواعها.
وعلى المستوى العملي نجد أن الوكالة الحضرية لسطات واجهت إشكالية تنفيذ بعض الوثائق التعميرية، كما هو الأمر بالنسبة لتصميم التهيئة لشريط الساحلي لإقليم سطات المصادق عليه في سنة 2001 والذي فتح في وجه التعمير عقارا محبسا، الأمر الذي افرز صعوبة تعبئة هذا العقار ومن تم رهن المنطقة التي تعرف تجزئات غير مرخصة على هامش الشرعية علاوة على حي غير منظم استوجب التدخل لإعادة الهيكلة من طرف الوكالة الحضرية لسطات .
ثانيا : العقار والتدبير العمراني
حيث التأثير السلبي للعقار الغير المحفظ، إذ أنه ورغم الإيجابيات التي يتميز بها من قبيل حالة الشياع على رسم عقاري يتعدد ملاكه، حيث يسهل الأمر على أحد المالكين إذا رغب في الحصول على رخصة البناء، أن يدلي بأية وثيقة تؤكد صلته بالبقعة الأرضية على خلاف إذا كان العقار محفظا .
فإنه في المقابل تؤطره مجموعة من السلبيات، والتي تتجلى في كثرة النزاعات التي لا حد لها حيث تكاثرت الدعاوى المتنازع فيها حول استحقاق العقار وذلك لتفشي ظاهرة التواطؤ والغش والتدليس، وبذلك تكون العقود العدلية التي يعتمد عليها لإثبات حق الملكية لا تتوفر على المعلومات المدققة للعقار لا من الوجهة القانونية ولا من الناحية الطبوغرافية، بالإضافة إلى مشكل السجلات العقارية الغير المضبوطة بالشكل الكافي الذي ييسر إمكانية الرجوع إليها واعتمادها، وكذلك انعدام الشهر المنظم، حيث نجد نفس العقار قد يخضعه مالكه لتصرفات متعددة ومتلاحقة، ناهيك عن ضعف الهياكل المشرفة على تطبيق هذا النظام .
ترتيبا على ما سبق فإن التحكم في المجال من أجل تنظيمه وتوجيه التوسع العمراني وتخطي الصعوبات العقارية فإن الأمر يقتضي:
ضرورة استحضار البعد العقاري في التخطيط العمراني، حيث يصبح من اللازم القيام بدراسات عقارية إما سابقة لوثائق التعمير أو بشكل موازي لها عند الدراسات المتعلقة بها، حتى يمكن تفادي مختلف الصعوبات التي قد تعتري إنجاز وتنفيذ المقتضيات المسطرة ضمنها.
تدعيم الإطار المؤسساتي المحلي من خلال تقوية الوكالات العقارية المحلية ، كفاعل محلي في مجال العقار، من خلال منحه أدوار التعبئة العقارية وكذا وضع بنك معطيات خاص بالعقار المحلي وتحديد نوعيته.
توحيد النظام العقاري والتخلص من الازدواجية، من خلال إعادة النظر في المساطر والقوانين المنظمة للعقار المحفظ وغير المحفظ، عبر تطويعه لخدمة التعمير ورفع الحواجز التي تجعله معيقا للعمران و الاستثمار، ومن تم ضرورة التشجيع على عملية التحفيظ العقاري وتبسيط مساطر التحفيظ والتخفيض من كلفته بالإضافة إلى السعي إلى تعميمه .
إحداث محاكم متخصصة في ميدان العقار والتعمير للبث السريع في مختلف المشاكل التي تعترض الاستغلال الفعال للعقار .
الاهتمام بالاحتياطات العقارية، نظر لقيمتها في الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب وكذا الحد من ارتفاع القيمة العقارية عبر وضع إستراتيجية خاصة، ترمي إلى عقلنة التدخلات في الميدان العقاري خصوصا من لدن الجماعات المحلية.
الفقرة الثانية: الحدود التنظيمية
تتجلى أهم الاكراهات التنظيمية لعمل الوكالة الحضرية فيما هو داخلي لها (أولا)، وأيضا على المستوى الخارجي حيث مجموع العلاقات التفاعلية مع مختلف المتدخلين في يدان التعمير(ثانيا).
أولا- على المستوى الداخلي
إن الإطار القانوني المنظم للوكالات الحضرية يطرح مجموعة من الإشكالات المرتبطة بطبيعة العلاقة القائمة بين مختلف الأجهزة المسيرة، خصوصا مدى التوازن القائم فيما بينها من حيث توزيع الاختصاصات سواء على المستوى القانوني أو الواقعي. والمقصود هنا المجالس الإدارية حيث عدم فعالية تدخلها في عمليات تسيير الوكالات الحضرية بسبب مجموعة من المشاكل القانونية والتنظيمية والتقنية والبشرية، بالإضافة إلى عدم تحديد طبيعة الوظيفة التي يتعين عليها القيام بها. فالتساؤل المطروح هنا هو: هل المجالس الإدارية أجهزة مكلفة بإدارة الوكالة كما ينص على ذلك النظام القانوني ؟ أم أنها أجهزة للمراقبة خاصة وأن رئاستها العملية من اختصاص السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير كسلطة وصاية؟
كما أن المشرع من خلال القانون المحدث للوكالات الحضرية ينص على أن المجالس الإدارية تجتمع مرتين في السنة على الأقل، وهو توجه منتقد من طرف مجموعة من الباحثين لاعتبارين:
الأول تنظيمي: حيث أن مدة سنة تبقى أكثر ملائمة لتقييم حصيلة عمل أية إدارة.
الثاني واقعي : إذ أن عدد الوكالات الحضرية في تزايد مستمر ، الشيء الذي يجعل من الصعب حضور الوزير المعني مرتين في السنة للإشراف على مجالسها الإدارية، مما قد يؤدي إلى تأجيل عقد اجتماع بعضها، لذا فإن الاكتفاء بعقد اجتماع سنوي يبدو أكثر ملائمة.
ثانيا- على المستوى الخارجي
إن دراسة مختلف النصوص القانونية التي تنظم ميدان التعمير، لا يتجاوز نطاق تحديد أدوات السياسة المتبعة في هذا الميدان، بالخصوص تحديد وثائق التعمير، تحديد نطاق تطبيقها، أهدافها دراستها وإجراءات بحثها والموافقة عليها والآثار المترتبة عنها.
إلا أنه وعلى صعيد الممارسة تبينت مستويات أخرى ذات أهمية بالغة، والمتمثلة في العلاقات القائمة بين مختلف المتدخلين في القطاع، والتي تبدو على درجة كبير من الأهمية، خصوصا وأنها تثير مجموعة من الإشكالات المركزية أبرزها غياب التنسيق كعملية تدبيرية توجد في صلب العملية الإدارية ككل ،إذ لا يمكن الوصول إلى فعالية ونجاعة الأهداف والاستراتيجيات المسطرة في ظل غياب تنسيق فعال وجدي بين جميع الأجهزة الإدارية المتدخلة في القطاع، فهو كوظيفة وعملية يساهم في الترابط والتكامل بين الوحدات الإدارية المختلفة .
ويبدو أن من بين الأسباب العملية في ضعف التنسيق، مسألة التعدد بين المتدخلين سواء على مستوى التخطيط أو التدبير العمرانيين، وما لذلك من انعكاسات سلبية على أداء الوكالة الحضرية باعتبارها أحد أهم أطراف المسألة العمرانية.
فعلى مستوى التخطيط العمراني نجد أن عدم احترام الآجال القانونية من طرف المصالح المعنية بإعداد وثائق التعمير، فأهم ملاحظة تم تسجيلها على هذا المستوى هو ضعف التنسيق بين مكاتب الدراسات المكلفة بإعداد وثائق التعمير وبعض الإدارات المعنية، حيث صعوبة الحصول على بعض الوثائق كالصور الجوية والتصاميم العقارية، الأمر الذي يتسبب في تأخير إعداد مشاريع وثائق التعمير، ومن تم نتيجة أساسية تتمثل في تجميد أو شل الأراضي المعنية في انتظار نتائج الدراسات والمصادقة .
ويترتب عن غياب التنسيق بين المتدخلين على مستوى التدبير العمراني، التأخير المتعلق بإصدار القرارات المتعلقة برخص التعمير، على الرغم من التحديد التشريعي للآجال التي يجب خلالها دراسة مشاريع ملفات طلبات الرخص، وما لهذا التأخير والبطء من انعكاسات سلبية على مستوى عامل الوقت، إذ أن أي تأخير في عمليات البث يتسبب في ضياع وقت ثمين يِؤدي إلى ارتفاع تكاليف المشروع،بل قد يؤدي في بعض الأحيان إلى التراجع عن المشاريع المعروضة نهائيا .
بالإضافة إلى أن الأراضي الغير المغطاة بوثائق التعمير، تطرح صعوبة أخرى تتمثل في الحصول على المعلومات التعميرية(كالمتعلقة بالتنطيق والاستعمالات المسموح بها)، بالنسبة للأرض المراد تجزئتها أو بناؤها والتي تنص عليها وثائق التعمير في حالة وجودها، فهذا النوع من المجال يصعب التنسيق بين المتدخلين، فإذا كانت الوكالة الحضرية تتحفظ بخصوص تقديم الآراء الموافقة نظرا لغياب الأساس القانوني الذي تعتمد عليه في دراسة المشروع فإن بعض المجالس الجماعية تغامر وتعطي التراخيص التي قد تؤزم المجال مستقبلا .
وترتيبا عليه فإن انعدام التنسيق بين مختلف الفاعلين في ميدان التعمير له آثار سلبية، ليس فقط على أداء الوكالة الحضرية لسطات، وإنما على سياسة التعمير عامة. كما أنه يجعل المجال في مأزق حقيقي، فبدل أن يشكل أرضية لإنتاج مختلف الظروف المناسبة لتحفيز الإستثمار وتحقيق التنمية العمرانية، فإنه يصبح مجالا للصراع والتنافس الغير المنتج بين عدد كبير من المتدخلين الذين تتضارب تدخلاتهم في كثير من الأحيان، بحيث أن المصلحة العامة التي من المفروض أن تحققها تدخلات مختلف الفاعلين تحولت في حقيقتها إلى مجموعة من المصالح المتضاربة . فالأمر إذن يتطلب إعادة النظر في الجانب العلائقي بين مجموع المتدخلين، على المستوى القانوني عبر تأطير التدخلات والاختصاصات وكذا عبر تأسيس شراكة تعاقدية لاستيعاب مختلف التدخلات في القطاع ومن تم بلورة مختلف الأهداف والاستراتيجيات.
المطلب الثاني: الإصلاح ومتطلبات الحكامة العمرانية
لاشك أن إصلاح منظومة التعمير يندرج في إطار الإشكالية العامة للإصلاح التي يعرفها المغرب ، والهادف حتما إلى زلزلة الواقع العام ذو الطابع التقليدي، ومن تم خلق شروط تدابير أحسن تتواءم مع منظومة الحكامة والحكامة العمرانية، المستوجبة لوضوح في القاعدة القانونية وشفافيتها وانسجامها في التطبيق (فرع أول)، والمرتكزة أيضا على روح المشاركة حيث التوافق والإجماع على اتخاذ القرارات المتعلقة بميدان التعمير، إذ الضامن هنا هو القضاء المفترض استقلاليته واحترام أحكامه ومقرراته (الفرع الثاني).
الفرع الأول: إصلاح المنظومة القانونية المنظمة للتعمير
أكيد أن معاينة الحالة الراهنة لواقع التكتلات العمرانية، تبدي واقعا عمرانيا معقدا يستوجب التدخل عبر مشاريع إصلاحية تستهدف تجاوز هذه الإكراهات حتى يصبح المجال في خدمة التنمية. من هنا جاء مشروع مدونة التعمير ، كمشروع إصلاحي يستهدف تقويم مختلف الإختلالات التي تؤطر واقع التعمير في المغرب، كونها تعتبر كأحد مداخل الحكامة العمرانية.
لهذه الأسباب سنحاول أن نتناول موقع الوكالات الحضرية ضمن هذا المشروع (الفقرة الثانية)، لكن بعد إبراز أهم المستجدات التي أطرت هذا المشروع الإصلاحي (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: الإصلاح و مشروع مدونة التعمير
لقد أثبتت التجربة والممارسة الميدانية محدودية التشريعات المعمول بها في ميدان التعمير في ضبط النمو المجالي والاستجابة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية، فهي لا تواكب مبدأ اللامركزية واللاتركيز الإداري، كما أنها لا تستجيب لمتطلبات الاستثمار وللاحتياجات الخاصة لبعض فئات المجتمع.
فالتشريعات القائمة المتعلقة بالتعمير لا تمكن من إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي تعرفها التكتلات العمرانية فحسب،بل تزيد من حدتها بسبب التثاقل والجمود الذين يميزان هذه القوانين والتنظيمات التي لم تعد تتماشى والتغييرات المتسارعة التي يشهدها المجال سواء على مستوى التخطيط أو التدبير العمرانيين.
لهذه الأسباب جاء مشروع مدونة التعمير كخطوة إصلاحية فرضته ضرورة معالجة الاختلالات القانونية الحالية على مستوى النص والتطبيق وتحديث الترسانة القانونية حتى تصبح مواكبة لمجموع التحديات الراهنة التي يعرفها المغرب، حيث الهدف الاستراتيجي هو جعل قوانين التعمير كآلية قادرة على تحريك وضعيات التغيير حتى يمكنه – التعمير- المساهمة الفعلية في الوصول إلى التنمية العمرانية وعبرها التنمية الشاملة والمستدامة.
وتتجلى أهم أهداف مشروع مدونة التعمير في:
تجميع كل النصوص المنظمة للقطاع المعمول بها في مدونة موحدة ومنسجمة.
تدارك اختلالات المنظومة الحالية وملء فراغاتها القانونية.
عصرنة الترسانة القانونية المعمول بها.
وذلك انطلاقا من مجموعة من المبادئ التي يمكن استجماعها في الرغبة في التأسيس لتعمير مرن يقوم على التحفيز والتشاور والعدالة، وذلك من خلال :
الانخراط في توجهات العولمة ومتطلبات التنمية في إطار التنافسية الترابية وما لمنظومة التعمير من تأثير على تأهيل هذا المجال.
تكريس مبادئ الحكامة العمرانية وتدعيم الديمقراطية المحلية من خلال التأسيس لتعمير تشاركي ومتشاور حوله.
تحقيق الانسجام بين مختلف السياسات القطاعية، والتحكم في النمو العمراني من خلال تبسيط وإعادة ترتيب وثائق التعمير وجعلها أدوات استرتيجية تأخذ بعين الاعتبار خيارات المخططات الوطنية والجهوية لإعداد التراب.
وأخيرا تحديث الإطار المؤسساتي عبر عقلنة الاختصاصات والمسؤوليات ومدها بالأدوات المالية والعقارية اللازمة لتهيئة المجال.
ويبدو أن أهم إيجابية أطرت مشروع مدونة التعمير، الاعتماد على مقاربة تشاورية ذات طابع تصاعدي، إذ أن السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير قامت بإعداد وثيقة أولية للتشاور – مسودة- وطرحها على مختلف الفاعلين ، حيث تضمنت مجموعة من التساؤلات حول مجموعة من المواضيع الإستراتيجية المتعلقة بميدان التعمير. ثم بعد ذلك تجميع وتركيب مجموع الخلاصات والنتائج المتوصل إليها في إطار مشروع مدونة التعمير.
فعلى المستوى الشكلي نجد أن مشروع المدونة تضم 491 مادة موزعة على 5 أقسام كالتالي:
القسم الأول: يهم التعمير وما يرتبط به من وثائق للتعمير، وعمليات التهيئة العمرانية والعقارية.
القسم الثاني: أحكام مشتركة عن الاحتياطات العقارية، ولمن حق الأولوية في الاستفادة منها، وكذا ميكانيزمات وأدوات التنفيذ المؤسساتي لميدان التعمير والعقار.
القسم الثالث: البناء
القسم الرابع: المراقبة والزجر
القسم الخامس: أحكام مشتركة مختلفة وتدابير انتقالية.
وعلى مستوى المضمون نجد أن أهم المستجدات التي أطرت مشروع المدونة تتمثل فيما يلي:
أولا: وثائق التعمير
وذلك عبر تجميع هذه الوثائق وإعادة ترتيبها باقتراح نوعين من الوثائق:
وثائق التعمير الاستراتيجي المؤطرة بالمخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية كوثيقة رئيسية ذات طابع استراتيجي محددة لمختلف التوجهات في أفق 20 سنة .
ثم وثائق استعمال الأرض: كوثائق إجرائية توضع وفقا لمقتضيات المخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية، إذ أن أهم ميزة هي عدم التمييز بين الوسطين القروي والحضري في تطبيق هذه الوثائق.
والجدول التالي( رقم 10) يبين: وثائق التعمير المعتمدة في مشروع المدونة بالمقارنة مع الوثائق المعمول بها في القوانين الحالية.
المنظومة الحالية المنظومة المقترحة
التعمير التقديري (الاستراتيجي) المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية المخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية
التعمير التنظيمي النافذ تصميم التنطيق تصميم التهيئة
تصميم التهيئة تصميم المحافظة على التراث المعماري وإبراز قيمته
تصميم النمو
المصدر: تركيب شخصي
ثانيا: المدن الجديدة
كمراكز حضرية جديدة متعددة الوظائف بالنظر إلى إمكانيات التشغيل والسكن والتجهيزات التي تعتزم توفيرها والمنتجة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث الهدف هو تحريك التنمية الجهوية والوطنية في إطار توزيع السكان عبر مجموع التراب الوطني.
وهذا النوع من المدن يحدد إما في المخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية،أو من خلال دراسات خاصة في إطار توجهات المخططات الوطنية والجهوية لإعداد التراب.
ثالثا: أدوات وآليات التهيئة وذلك عبر خلق مجموعة من الآليات العقارية من قبيل الوكالات العقارية الجهوية كمؤسسات متخصصة في التهيئة العقارية، وأيضا آليات مالية من قبيل الصندوق الوطني لتمويل التهيئة والتعمير والذي يوظف في:
تمويل التجهيزات التحتية
تكوين الاحتياطات العقارية
منح مساهمات تحفيزية لعمليات التهيئة العمرانية.
رابعا: التدبير العمراني حيث تحديد مسؤوليات مختلف المتدخلين عبر الرفع من أدوار المهندسين المعماريين في تسليم التصاريح التي سيعتمد عليها في منح الرخص.بالإضافة إلى إحداث رخص جديدة من قبيل رخصة الهدم.
خامسا: المراقبة والزجر إذ أن مشروع مدونة التعمير أقرت إحداث شرطة خاصة بالتعمير موضوعة تحث السلطة المباشرة للعامل، وجعل هذا الأخير هو المسؤول عن تحريك الدعاوى المرتبطة بالمخالفات في ميدان التعمير. كما أن العقوبات أصبحت مزدوجة تجمع ما بين الغرامة والعقوبة الحبسية بحسب المخالفة المرتكبة.
وعموما فإن مشروع مدونة التعمير يعتبر في حقيقة الأمر ورش إصلاحي هام، لكن نجاح هذا الورش لا يختزل في النص القانوني لوحده، بل يقتضي تحديث البنية المؤسساتية التي ستسهر على تفعيله ومن تم التساؤل عن موقع الوكالات الحضرية ضمن إشكالية إصلاح منظومة التعمير؟
الفقرة الثانية : الأدوار الجديدة "لوكالات التعمير" على ضوء مشروع المدونة
يعتبر الإطار المؤسساتي المكلف بقطاع التعمير- الوكالات الحضرية-، كأحد أبرز المحاور الأساسية التي شملها مشروع مدونة التعمير، لاعتبار أساسي يكمن في أن إصلاح البنيات الإدارية يشكل جزءا أساسيا من إطار شامل ومتكامل للسياسة الشمولية لإصلاح هذه المنظومة.
فالوكالات الحضرية اليوم أصبحت مدعوة إلى التحول إلى قوة إقتراحية
-وتنفيذية أيضا- داعمة للتنمية المحلية والمستدامة في مجال التعمير عبر النظر إلى التحولات الهيكلية في الأدوار المناطة بها، وكذا الانتظارات الهامة والأساسية المرتبطة بوظائفها.
وترتيبا عليه فالوكالات الحضرية من خلال المشروع الجديد المتعلق بالتعمير، ستصبح ملزمة بالتحول من تلك الإدارة المنفذة لمجموع الاستراتيجيات التي تبقى مركزة في التدبير العمراني، إلى مستوى المساهمة في بلورة هذه الاستراتيجيات إضافة إلى تنفيذها، حيث مركزية التدخل في مجال التخطيط العمراني عبر خيار التعمير الإستباقي، المستند على التخطيط المسبق للمجال عبر مده بوثائق تعميرية تكون هي الموجه لمختلف التوجهات العمرانية، وليس العكس أي تغطية مجال قائم بوثيقة تعميرية، ومن تم يكون التخطيط العمراني تابع وليس سابق لمجموع التحولات والتطورات العمرانية التي يعرفها المغرب.
وبالرجوع إلى مشروع مدونة التعمير، نجد أن المشروع أدرج هذه البنية – الوكالات الحضرية- ضمن الميكانيزمات المؤسساتية وأدوات التنفيذ حيث أفرد لها جزءا خاص بها ضمن القسم الثاني بالإضافة إلى الوكالات العقارية الجهوية. إذ أن أهم ملاحظة في هذا الصدد هي التسمية، حيث أن المشروع استعمل اسم وكالات التعمير بدل الوكالات الحضرية، وهو معطى يجعلنا نطرح تساؤلا يكمن في هل المشرع من وراء هذه التسمية أراد فقط أن يساير في ذلك نظيره الفرنسي، أم أن الأمر نابع بشكل أساسي من إرادة واضحة تستحضر مضمون التعمير الذي يشمل اصطلاحيا المجال القروي وكذا الحضري، وعبر هذا تجاوز القصور الذي كان يشمل إسم الوكالات الحضرية الذي كان يوحي بالفهم أن المجال المعني والمهتم به هو الحضري وليس القروي.
أما على مستوى الاختصاصات الممنوحة لوكالات التعمير، فإن المشروع ينص على أنها " تتولى مع مراعاة الاختصاصات الموكولة لهيئات أخرى وعلى الخصوص الجماعات المحلية، بالإضافة للمهام المسندة لها بموجب نصوص خاصة، متابعة توجهات تمدن التجمعات الحضرية والقروية، والمساهمة في التنمية الجهوية والمحلية " فوكالات التعمير إذن وانطلاقا من المادة أعلاه ستصبح مساهم رئيسي في التنمية الجهوية والمحلية، عبر إعداد وتعميم قاعدة للمعطيات المتعلقة بالتنمية العمرانية لنطاقها الترابي، بالإضافة إلى تدعيم صلاحياتها خصوصا في مجال التخطيط العمراني، حيث مركزية التدخل في بلورة وثائق التعمير سواء الإستراتيجي ذو الطبيعة التوجيهية أو فيما يتعلق بالتعمير التنظيمي النافذ كتعمير إجرائي.
ففيما يتعلق بمخطط توجيه التجمعات العمرانية الذي سيصبح مكان المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، فإن وكالات التعمير أنيطت بها مهمة وضع هذه الوثيقة، حيث أصبحت تتمتع بصلاحية المبادرة في إعداد هذه الوثيقة، والقيام بمختلف المراحل تحث إشرافها، مع تخويل صلاحية المصادقة للوالي كسلطة لاممركزة، وهو معطى نعتقده إيجابي من الناحية المرحلية، لأن الوالي أقرب إلى وكالات التعمير من الناحية الجغرافية ومن تم العلم الدقيق باحتياجات المجال الذي يوجد فيه، وتجدر الإشارة إلى أن صلاحية المصادقة هذه ليست مطلقة ولكنها مشروطة بموافقة وكالات التعمير. كما أن وكالة التعمير في إطار المشروع الجديد ستصبح لها مهمة أساسية، هي القيام بعملية التقييم المرحلي لوثائق التعمير خلال كل 5 سنوات لتحديد مواطن القوة ومواطن الضعف وتحديد الاحتياجات المجالية عبر خلق وثائق تتميز بالمرونة.
أما على مستوى التدبير العمراني فنجد أن وكالات التعمير حافظت على الرأي المطابق لها، والملزم لكافة الأطراف مع تقنين مشروع المدونة لآلية الشباك الوحيد من خلال التنصيص على إحداث لجنة تتألف من ممثلي الإدارات والهيئات المحددة بنص تنظيمي تكلف بدراسة الملفات التقنية المتعلقة بطلبات الرخص .
هيكلة الوكالة ستعرف هي الأخرى تجديد إذ أن المشروع حدد ثلاث أجهزة:
أولا: مجلس الإدارة الذي يتمتع بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لإدارة الوكالة.
ثانيا: المجلس التوجيهي كجهاز جديد يتولى مساعدة المجلس الإداري، يترأسه الوالي أو العامل عامل العمالة أو الإقليم، حيث يضم من بين أعضاءه رئيس الجامعة المعنية وفي هذا دلالة على ضرورة الانفتاح على المحيط العام للإدارة خصوصا وكالات التعمير التي تعمل في ميدان تتداخل فيه جميع التشعبات والاهتمامات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية...ومن تم ضرورة الاستفادة من الأبحاث الأكاديمية والعلمية.
ثالثا: المدير كجهاز مدبر لشؤون الوكالة، حيث يقوم بتنفيذ المقررات الصادرة عن مجلس الإدارة.
وحتما وكالات التعمير حسب مشروع مدونة التعمير لا يمكنها القيام بهذه المهام دون التوفر على مؤهلات مالية، إذ أن المشروع أقر من ضمن الموارد المخصصة لهذه المؤسسة، حصص الضرائب والرسوم المتعلقة بالتعمير والبناء المنصوص عليها في القانون 06-47 المتعلق بالجبايات المحلية، وهي رسوم مهمة تشكل حوالي 10% من الجبايات المحلية الخالصة بمقتضى القانون 06-47. معطى وإن كان إيجابي لوكالات التعمير حيث الرفع من مستوى مواردها المالية، فإنه لا محالة سيؤدي إلى حصول نوع من ردة الفعل السلبية من طرف الجماعات المحلية، ومن تم الإحساس بأن هذه المؤسسات العمومية لم تشكل فقط منافس على مستوى الاختصاصات التي كانت من اختصاص الفاعل المحلي في بداية الأمر، بل سينظر إليها منافس مالي أيضا حيث أخذ جزء هام من موارد هذه الجماعات المحلية، والذي قد يؤزم وضعها المالي، وبالتالي عرقلة قيامها باختصاصاتها الاقتصادية والاجتماعية خصوصا أمام رهان الجماعة المقاولة.
وترتيبا على كل ذلك فإن الوكالات الحضرية – أي وكالات التعمير- من خلال هذه الاختصاصات التي ستمنح لها، ستصبح بالفعل مؤسسة وازنة في تدبير ميدان التعمير محليا، لكن التساؤل المركزي هنا هو: هل العقليات المسيرة لهذه البنيات والقائمة عليها قادرة على استيعاب حجم الدور الذي سيصبح منوط بها؟ أم أن الأمر سيجسد مقولة أن المؤسسات سابقة ومتطورة عن العقليات في التجربة المغربية ؟
الفرع الثاني: المقاربة التشاركية والقضاء كمدخلات للحكامة العمرانية
مما لا شك فيه أن الحكامة العمرانية كآليات تمفصلية لكل ماهو إيجابي في تدبير قطاع التعمير، لا تطبق أو تفرض بقرار، بقدر ما أنها ترتكز على مسألة الإجماع في صناعة القرارات المتعلقة بميدان التعمير، ومن تم فهي تستحضر المقاربة التشاركية كضرورة لتأسيس تعمير تشاركي ومتشاور حوله (الفقرة الأولى)، حيث الضمانة في التنفيذ الإيجابي لمختلف التوجهات الإستراتيجية الكبرى التي تم تسطيرها هي سلطة القانون التي تستوجب تفعيل وتأهيل القضاء (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تدعيم التعمير التشاركي
إن فرص نجاح وبلوغ التنمية العمرانية التي تسعى إليها السياسات التعميرية، لا يمكن أن يكتب لها النجاح من دون الاستناد على المشاورات والتواصل مع المعنيين بالأمر – المجتمع- عبر سلوك مقاربة تشاركية تضمن لها- التنمية العمرانية- الإجماع حول أهم أهدافها.
ومن تم فإن التساؤل الذي يطرح هنا هو: هل قوانين التعمير الحالية ترتكز على هذا النوع من التعمير- التعمير التشاوري- ؟ أو بمعنى آخر يمكن أن نتساءل عن مدى استشارة الساكنة أثناء القيام بإعداد وتنفيذ هذه الوثائق؟
إن صيغة التساؤل أعلاه مقصودة لأكثر من سبب ذلك أن قوانين التعمير الحالية التي تنظم الاستشارة حول مشاريع وثائق التعمير، لا تستعمل عبارة استشارة الساكنة بل توظف مصطلح
"إجراء بحث عمومي حول منافع ومضار مشاريع الوثائق... حيث يجوز لعموم الناس الإطلاع عليها وتدوين ملاحظاتهم ".
ومنه فإن الملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها أن هذا البحث العمومي رغم إحاطته من طرف القانون بشكليات وإشهار لكي يخبر العموم بآجال ومكان إجراءه، فإن التجربة العملية أثبتت أنه قلما يستعمل الإشهار عن طريق الصحف الوطنية والجريدة الرسمية لإعلام العموم بذلك ، كما أن المدة التي حدده المشرع للقيام بهذا البحث يبقى في اعتقادنا منتقد ،فهل مدة شهر كافية لإجراء بحث عمومي لوثيقة تستهدف تغيير جزء من المجال المعني بأكمله في مدة تصل إلى 10 سنوات.
والملاحظة الثانية التي يمكن تسجيلها هي من حيث مضمون البحث العمومي، إذ نجد أن القواعد القانونية تستوجب أن يطلع "العموم" على وثيقتين، مشروع الوثيقة التعميرية والضابط له أي التصميم التقني المتكون من مجموع الخرائط التي تبين الحالة الراهنة للمجال المراد تهيئته والتطور الذي سيعرفه في المستقبل من جميع الجهات. لكن التطبيق العملي يقتصر فقط على إيداع مشروع التصميم وحده ووضعه رهن إشارة "العموم" قصد الإدلاء باقتراحاتهم وملاحظاتهم، ولا تضع الإدارة رهن إشارتهم الوثيقة الثانية مما يؤدي إلى الخروج عن مغزى إجراء البحث العمومي ما دام "العموم" لا يستطيعون انطلاقا من التصميم الذي يصعب عليهم فهمه واستيعابه ومن باب أولى الإدلاء بشأنه بملاحظاتهم واقتراحاتهم.
كما أن مرحلة البحث العمومي تؤدي إلى نوع من المراوغة من طرف المضاربين العقاريين الذين يقومون بتسريب معلومات كاذبة وخاطئة إلى المواطنين الذين شمل مشروع الوثيقة أراضيهم و الذين لا يستطيعون استيعاب هذا النوع من الوثائق الذي يبقى ذو طبيعة تقنية، حيث يتم تسريب معلومات خاطئة من قبيل نزع ملكية أراضيهم، وهو أمر يدفع إلى تفويتها من قبلهم إلى هؤلاء المضاربين بأثمنة هزيلة، ومن تم تصبح الأرض المعنية موضوع مضاربة عقارية قد تصعب تفعيل الوثيقة المعنية أثناء مرحلة التنفيذ.
وعليه يمكن القول أن مسطرة البحث العمومي في قوانين التعمير قد تؤدي في مثل هذه الحالات إلى نتائج معاكسة لا يمكن تداركها، وهي كذلك نتائج عكسية لما توخاه المشرع. الأمر الذي يستدعي ضرورة سلوك مقاربة تشاركية أكثر وضوح مما هو معمول به اليوم، مقاربة تستطيع أن تضمن نوع من العدالة والإنصاف في إعداد وثائق التعمير، وأيضا يمكنها أن تساهم في التأسيس لتعمير يساهم فيه الجميع ويمنح المواطن الحق في المشاركة الفعلية في إعداد السياسات العامة ويمكنه من التفاعل الإيجابي والتأثير في اتخاذ القرارات وبلورة التوجهات المتعلقة بالتهيئة والتعمير.
ومنه فإن تركيزنا هنا على المقاربة التشاركية في ميدان التعمير، كمرتكز أساسي للحكامة العمرانية في بلورة الاستراتيجيات، يجد أساسه في أن من مبادئ الحكامة العمرانية مبدأ المقاربة الترابية التي تعتبر أن التراب المحلي سيشكل لا محالة في المستقبل أساس التنمية الشاملة والمستدامة، والتي يشكل التعمير كسياسة إحدى روافدها الهامة.
وبالتالي فإن المقاربة التشاركية في صياغة وصناعة وثائق التعمير ستمكن في المستقبل من كسب رهانات التسويق الترابي كشكل معاصر في التدبير العام، وعبره الانتقال من التعمير التنظيمي ذو الطبيعة الكلاسيكية إلى التعمير المشاريعي المحقق للإنتاج والتبادل والتنافسية والقادر على جلب الاستثمارات ونتيجته الانعكاس الإيجابي على المجتمع والدولة معا.
الفقرة الثانية: تفعيل دور القضاء
مما لاشك فيه أن ميدان التعمير لازال يطرح العديد من المشاكل التي تعتبر أكثر تعقيدا وتشعبا من أي وقت مضى، نظرا لتباين عناصره ولارتباطاته المباشرة بالحاجيات اليومية والأساسية للسكان، فعلى الرغم من كل المجهودات المبذولة فإن المنازعات القضائية في ميدان التعمير ما فتئت تتكاثر ، لذا أصبح من الضروري الحديث عن آفاق جديدة لهذا القطاع خصوصا وأن القضاء اليوم يعتبر من أبرز الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها الحكامة العمرانية.
عمليا وفيما يتعلق بالقضاء العادي فإن الواقع العملي يتصف بالقصور ، كما تدل على ذلك بعض المؤشرات :
لا مبالاة المخالف بالعقوبة
عدم حضور أغلب المخالفين لجلسات المحاكمة حيث تتم غالبية الأحكام في هذا الشأن غيابيا وتستأنف من قبل النيابة العامة.
امتناع المخالفين عن تنفيذ الأحكام القضائية والقرارات الإدارية القاضية بهدم البناءات المخالفة للقانون مما يضر بمصداقية الإدارة والقضاء.
وإذا كان هذا على مستوى عدم تحقق الردع الخاص الذي يهم المخالف المعني المباشر بهذا النوع من المخالفات، فإن الردع العام هو الآخر يشكل عقبة في تفعيل دور القضاء والتي يمكن ملامستها من خلال ما يظهره بعض المسؤولين من تعاطف مع المخالفين من جهة، والذي يستغله هؤلاء لقلب منطق الأمور من مخالفة تستحق استهجان الكل، إلى حق الفرد في امتلاك مسكن، ومن جهة أخرى من خلال التقليد الجماعي للجريمة إلى حد تتحول معه احترام القاعدة التعميرية إلى استثناء وخرقها يصبح القاعدة .
ومن ضمن الأسباب المرتبطة بالسلطة القضائية فإننا وجدنا:
ضعف الأساس القانوني للمخالفات: والذي يرتبط ببعض محاضر المعاينة المنجزة من طرف الأعوان المكلفين بمراقبة مخالفات التعمير والإسكان والتي تعتريها عيوب سواء من حيث الشكل أو المضمون، ومن تم عدم قبول المتابعات من طرف هيئة الحكم.
القصور في مجال التجريم والعقاب: بمعنى أن عملية التجريم في حالة المخالفات تبقى جد محدودة، حيث أنه قد توجد الجريمة المخالفة إلا أن استدلال المخالف بالتخلي عن المتابعة من طرف رئيس المجلس يضع حدا للمتابعة ومن تم الإفلات من العقاب.
وقصور العقاب يحيل إلى أننا في المغرب نعمل بالعقوبة التكميلية (الغرامة)، وليس الأصلية (العقوبات السالبة للحرية) ، بل نجد أن بعض الباحثين اعتبر أنه من غير المنطقي المساواة في قوانين التعمير المعمول بها، بين الغرامة المقررة مثلا في حالة البناء بدون رخصة والمخالفة المتمثلة في عدم احترام مقتضيات الرخصة المسلمة لصاحبها كتغيير العلو المسموح به.
أما فيما يتعلق بالقضاء الإداري وإذا كانت قوانين التعمير قد أسندت للسلطة الإدارية صلاحية تطبيقها سواء في مجال تسليم الرخص، أو في اتخاذ قرارات إدارية زجرية كالهدم أو غير ذلك مما يدخل في اختصاصها بمقتضى القانون، فإن عملها هذا باعتباره عملا إداريا يخضع لرقابة القضاء الإداري المتمثل في المحاكم الإدارية التي تعطيها المادة 20 من القانون 90-41 المحدث لهذه المحاكم مراقبة مدى شرعيتها، حين تنص على أن كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة، من حق المتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة .
وعلى هذا الأساس فالمحاكم الإدارية اليوم لا يمكن أن تؤدي دورها أحسن أداء في سبيل الحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم في مجال التعمير، إلا بإلمام القاضي الإداري بجميع مشاكل هذا القطاع وهو أمر يتطلب تكوينا عاليا، كما ينبغي الزيادة في المدة الزمنية المخصصة لتدريس مادة التعمير وتطوير دراسة القانون والقضاء الإداريين والمؤسسات المكلفة بتكوين الأطر الإدارية التي ستكون تصرفاتها الإدارية خاضعة لمراقبة القاضي الإداري، بالإضافة إلى إيجاد حلول عملية لإشكالية عدم تنفيذ الأحكام الصادرة في ميدان التعمير، لأنه في حقيقة الأمر معطى من شانه التأثير السلبي على مصداقية النظام القضائي المغربي ومن تم التشكيك في مبادئ دولة الحق والقانون.
خاتمة الفصل الثاني
انطلاقا مما سبق يمكن القول أن الحصيلة التي حققتها الوكالة الحضرية لسطات تبقى إلى حد ما إيجابية بالمقارنة مع الفترة الزمنية التي عملت فيها، غير أن هذه الإيجابيات لا تنفي جوانب القصور التي يمكن ملاحظتها على أداء الوكالة الحضرية لسطات مما قد يؤثر على دورها في تدبير ناجع لميدان التعمير ومن تم تحقيق التنمية العمرانية.
إن بروز جوانب القصور هذه تؤكد حقيقة مركزية هي وجود مجموعة من العراقيل التي تتميز بتعددها وتعقدها ومن تم الحد من فعالية أداء هذه المؤسسة.
أمام كل ذلك نجد أن الأمر أصبح يستوجب ضرورة البحث عن إمكانيات للتأهيل عبر مدخل الحكامة العمرانية المرهونة هي الأخرى بمداخل أبرزها تحديث الترسانة القانونية وإصلاحها، وبالتالي الحديث عن مشروع مدونة التعمير وإبراز مكانة الوكالات الحضرية – وكالات التعمير- في إطار هذا الورش الإصلاحي.
غير أن التساؤل المطروح هنا هو : هل ستتم المصادقة على مشروع مدونة التعمير ؟ أم أنها ستخضع لمنطق التوافق الذي تتحكم فيه المصالح المتضاربة ومنه الدخول في تأجيل إصلاح مجال التعمير؟
الخاتمة العامة:
والحاصل أن التعمير يبقى من القطاعات التي لها أهمية قصوى على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد، فإن تم تدبيره بطريقة عقلانية ومرنة وفاعلة كانت له آثار إيجابية على التنمية بمفهومها الشامل، وإذا ما اتسم تدبيره بجوانب القصور والخلل كانت له انعكاسات سلبية على التنمية.
ولقد حاولنا في هذا البحث تقديم مساهمة متواضعة تهدف دراسة أحد أهم المؤسسات المكلفة بتدبير ميدان التعمير ذي الطبيعة المعقدة والمتشعبة المصالح على المستوى المحلي، على الرغم من حداثة هذه المؤسسات وكذلك على الرغم من حجم النقاشات التي أثيرت بصددها ، كونها اعتبرت حينها كمنافس قوي للجماعات المحلية في ميدان التعمير، بل هناك من اعتبر هذا النوع من المؤسسات كبنية جديدة تريد إقصاء فاعلين آخرين من التدخل في ميدان التعمير سيما الجماعات المحلية باعتبارها صاحبة الاختصاص في تدبير ميدان التعمير المندرج في إطار إشكالية اللامركزية، ومن تم اعتباره اختصاصا أصيلا لها، وما إحداث هذه المؤسسات سوى انسحاب السلطات العمومية في صمت لصالح هذه المؤسسات، التي ستعتبر عين المركز على المستوى المحلي في كل ما يرتبط بميدان التعمير وتهيئة المجالات.
ومنه فإن هذه الدراسة ارتأت رصد أهم أدوار هذه المؤسسات على المستوى المحلي خصوصا فيما يتعلق بالتخطيط والتدبير العمرانيين باعتبارهما من أهم وأبرز مكونات التعمير كعلم وقانون وكسياسة وكفن أيضا. حيث الخلاصات المركزية هنا هي:
- ضعف الحضور والتدخل في مجال التخطيط العمراني الإستراتيجي لهذه البنيات واحتكار المركز للأولوية في وضع وثيقته الأساسية المتمثلة في المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، على عكس التخطيط الإجرائي الذي تتدخل فيه الوكالات الحضرية بشكل فعال وإن كانت مسطرة المصادقة محتكرة هي الأخرى من طرف المركز.
- أما فيما يتعلق بالتدبير العمراني فالمؤطر لأدوار الوكالات الحضرية هنا هي الثنائية في التدخل، ثنائية يمكن أن نقول عنها سلبية لأنها غير واضحة، حيث دراسة الملفات وإبداء الآراء الملزمة في شأنها ، ومراقبة عمليات التدبير العمراني لكن من غير التوفر على الآليات والوسائل القانونية الكفيلة باحترام آراءها وكذا تحريك الدعاوي في شأن المخالفات المرصودة من طرفها.
إن هذا القصور الذي يؤطر النص القانوني المنظم لتدخلات الوكالات الحضرية، لا يعني أنها لم تستطع أن تجد لها موطئ قدم في البناء المؤسساتي المكلف بميدان التعمير على المستوى المحلي، بل نجدها حققت زخم لا يستهان به في ضبط وتأطير هذا الميدان محليا، ومن تم المساهمة في تجاوز بعض المشاكل العمرانية التي تعرفها المدينة المغربية. وما يؤكد ذلك الدراسة العملية التي قمنا بها في هذا البحث من خلال حالة الوكالة الحضرية لسطات كنموذج للدراسة، حيث وجدناها وعلى الرغم من حداثتها، إذ أنشئت في سنة 1997، استطاعت أن تحقق حصيلة إلى حد ما إيجابية ومقبولة سواء على مستوى التغطية بوثائق التعمير، أو على مستوى الدراسات القطاعية ذات الطبيعة الموازية ،أو على مستوى التدبير العمراني.
إن هذه الدراسة أيضا لواقع عمل الوكالة الحضرية لسطات، أفرزت مجموعة من الإكراهات والحدود التي نجدها تساهم في الحد من الفعالية المؤسساتية لهذه البنية في ما يتعلق بتدخلها في ميدان التعمير على مستوى جهة الشاوية ورديغة، والمتراوحة بين البشرية والمالية والتنظيمية والعقارية، الأمر الذي يستوجب ضرورة البحث عن مخرجات للتأهيل والتجاوز عبر مداخل الحكامة العمرانية كآلية يمكن عبرها التأسيس لتدخل لامركزي للوكالات الحضرية في ميدان التعمير مستقبلا، والمستندة إلى ضرورة:
إصلاح المنظومة القانونية، سواء في بعدها العام المرتبط بمنظومة التعمير ككل، أو في بعدها الخاص المرتبط بالشق المؤسساتي المتمثل في الوكالات الحضرية عبر الرفع من مستوى تدخلها خصوصا في مجال التخطيط العمراني، إذ نرى ضرورة تركيز دورها في ميدان التخطيط العمراني، عبر التأسيس لما يصطلح عليه بالتعمير الإستباقي والذي تشكل الضاحية أحد أهم مرتكزاته.
الارتكاز على المقاربة التشاركية في التعامل مع ميدان التعمير عبر تعميق الشراكات سواء في بعدها الأفقي ذو الطبيعة المؤسساتية مع باقي الشركاء والمتدخلين في ميدان التعمير خصوصا الجماعات المحلية التي لا يمكن إغفال دورها في ميدان التعمير الذي تعتبره من بين أهم اختصاصاتها ومن تم نجاح سياسات التعمير رهين بموافقتها المبدئية على أي وثيقة تعميرية باعتبارها صاحبة الاختصاص الترابي المعني بهذه الوثائق، ثم الشراكات ذات الطبيعة العمودية المستحضرة للمجتمع المدني المعني المباشر بأي تخطيط عمراني، حيث يعتبر الغاية والوسيلة في هذا الصدد من سياسات التعمير وإعداد التراب.
ضرورة الحرص على استقلالية القضاء ونزاهته باعتباره الضمانة الأساسية في الأجرأة العملية والسليمة لمقتضيات التعمير، ومن هنا ضرورة استحداث محاكم متخصصة في هذا الميدان، حتى تتمكن من البث السريع في مجمل المشاكل التي يعرفها هذا القطاع.
انتهــى بعون من الله وتوفيقه
لائحة الجداول
رقم الجدول العنــــــــــــوان الصفحة
1 حالات الترخيص دون الحصول على رأي الوكالات الحضرية خلال سنة 2000
73
2 نسبة التراخيص دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية لسطات لسنة 2001.
73
3 طبيعة موارد الميزانية العامة للوكالة الحضرية لسطات
102
4 تطور عدد المخالفات المرصودة ما بين 2000-2007
115
5 توزيع المخالفات حسب نوعيتها ما بين 2000-2007
117
6 جانب من الدراسات القطاعية المنجزة من طرف الوكالة الحضرية لسطات
121
7 حصيلة الملفات المدروسة من طرف لجنة المشاريع الكبرى داخل مقر الوكالة الحضرية 126
8 توزيع المساحات المفتوحة للتعمير 130
9 توزيع مستخدمين الوكالة الحضرية لسطات حسب التخصصات 144
10 مقارنة بين وثائق التعمير الحالية والمنصوص عليها في مشروع مدونة التعمير
160
أولا : المراجع باللغة العربية
الكتب:
أولا: الكتب العامة
أحمد بوعشيق : " المرافق العامة الكبرى على ضوء التحولات المعاصرة" دار النشر المغربية –الدار البيضاء، الطبعة الثامنة 2004.
إبراهيم أبراش: "المنهج العلمي وتطبيقاته في العلوم الاجتماعية"، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 1999.
إبراهيم زياني" دراسات في الإدارة المحلية من منظور علم الإدارة"مطبعة دار القلم الرباط- أكتوبر 2000.
إبراهيم عبد العزيز شيحا " أصول الإدارة العامة" مؤسسة المطبوعات الحديثة، القاهرة، مصر 1977.
هارولد كونتز وسيريل أودونل " مبادئ الإدارة –تحليل للوظائف والمهارات الإدارية-" ترجمة محمود فتحي عمر و موريس تابري مراجعة علي عبد العال الجزء الأول، مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر، بيروت-نيويورك 1977.
حسن قرنفل " المجتمع المدني والنخبة السياسية: إقصاء أم تكامل؟» مطابع إفريقيا الشرق ط1- 1997.
كامل بربر " الإدارة عملية ونظام " المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت، الطبعة الأولى 1996.
محمد السكتاوي " مبادئ التدبير والتواصل داخل الإدارة " منشورات صدى التضامن مطبعة النجاح الجديدة البيضاء الطبعة الأولى 2003.
محمد سليمان الطماوي : مبادئ علم الإدارة العامة، دار الفكر العربي،القاهرة الطبعة الأولى1980.
محمد مصطفى حسن " السلطة التقديرية في القرارات الإدارية " دار النهضة العربي الطبعة الأولى القاهرة 1977.
المهدي بنمير " الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب" سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش الطبعة الأولى 1994.
سعيد جفري " التنظيم الإداري بالمغرب" مطبعة تيسير الطبعة الأولى المغرب 2006.
عبد الباسط عبد المعطي: "اتجاهات في النظرية الاجتماعية"، سلسلة عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب، العدد 44، الكويت 1981
عبد الحق عقلة " تأملات حول بعض مجالات علم الإدارة" دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى 2004.
عبد العزيز أشرقي " العامل والمفهوم الجديد للسلطة" مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة 1 – 2003.
عبد القادر باينة " مدخل لدراسة القانون الإداري والعلوم الإدارية" دار النشر المغربية الطبعة الثالثة 2005.
فاطمة السعيدي مزروع " الإدارة المحلية اللامركزية بالمغرب" مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،الطبعة الأولى 2003.
ثانيا: الكتب المتخصصة
بناصر المصطفاوي " الرقابة الإدارية البعدية للبناء والتجزيء – دراسة قانونية-" مكتبة دار السام للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، يناير 2008.
حامد الشريف " المشكلات العملية في جريمة البناء بدون ترخيص " إدارة المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى 1994.
الهادي مقداد " السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى" مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2000.
محمد محجوبي" قراءة عملية في قوانين التعمير المغربية" دار النشر المغربية،الطبعة الأولى، 2006.
محمد بوجيدة " رخصة البناء " الجزء الأول دار الجيل، الطبعة الثانية 2000.
محمد السنوسي معنى" أضواء على قضايا التعمير والسكنى بالمغرب" مطبعة النجاح الجديدة 1988.
عبد الله حداد " قطاع الإسكان في المغرب – دراسة قانونية وقضائية-" منشورات عكاظ، الرباط يناير 2004.
عبد الرحمان البكريوي " التعمير بين المركزية واللامركزية" مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء الطبعة الأولى1993.
صالح بوسطعة " التعمير في القانون التونسي " منشورات المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية 1999.
رشيد لبكر "إعداد التراب الوطني ورهان التنمية الجهوية"، منشورات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة2002.
الرسائل والأطروحات الجامعية:
أولا : الأطروحات
المختار حيمود "دور سياسة التعمير في تنمية وتنظيم المجال الحضري – مساهمة في دراسة المجال الحضري المغربي نموذج عمالة بن مسيك سيدي عثمان –" أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق – جامعة الحسن الثاني، البيضاء 2000-2001.
مصطفى الشويكي " إنتاج وهيكلة المجال الحضري بالدار البيضاء" أطرحة لنيل دكتوراه الدولة في الجغرافية الحضرية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس الرباط – أكدال 1994.
عبد الكريم بخنوش " التنسيق الإداري للمصالح الإقليمية التابعة للدولة" أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، كلية الحقوق الرباط- أكدال 2000-2001.
عبد العزيز الزين " بعض مقومات استراتيجيات التعامل مع السكن العشوائي الصلب بالمغرب حصيلة وآفاق " رسالة لنيل دبلوم السلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة العمومية 1984 .
ثانيا: الرسائل
أحمد المالكي – أمحمد الهلالي " الوكالات الحضرية بالمغرب- وكالة وجدة كنموذج-" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الأول وجدة السنة الجامعية 1999-2000.
أمال جناح " التعمير الضاحوي بالمغرب" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة محمد الخامس الرباط أكدال السنة الجامعية 2004/2005.
إلهام المراغي " تدخل الوكالة الحضرية في مجال السكن غير اللائق في جهة الغرب شراردة بني حسن " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام في العقار والتعمير والإسكان ، جامعة محمد الخامس أكدال – الرباط 2002-2003.
بلقاسم أكناو " التمويل العمومي للسكن بالمغرب" ر د د ع م في القانون العام في العقار والتعمير والإسكان، الرباط، أكدال -2004/2005.
زهور أبو الخير " اختصاص القضاء في منازعات التعمير والإسكان" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال،الرباط السنة الجامعية 2003-2004
حسن أمرير " دور الدولة والجماعات المحلية في ميدان التعمير إشكالية توزيع الاختصاص" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة القاضي عياض مراكش، السنة الجامعية 1998-1999.
حسن فاطمي " التعمير الاستثنائي –دراسة مقارنة-" رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس الرباط أكدال، السنة الجامعة 2004-2005.
محمد حاجي " الوكالة الحضرية لبني ملال" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس- أكدال الرباط ، السنة الجامعية 2002-2003.
منير الروي" تصميم التهيئة بين الإدارة المكلفة بالتعمير والمجالس الجماعية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال، الرباط السنة الجامعية 2002/2003.
محمد بنيعيش " وثائق التعمير والممارسة : نموذج طنجة" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، وحدة التكوين والبحث في العقار والإسكان، جامعة محمد الخامس الرباط أكدال، 2002/2003.
المتصرف المختار " تعدد المتدخلين في ميدان التعمير – نموذج مدينة مراكش-" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام أكدال- الرباط 2003/2004.
محمد المجني " ظاهرة التنسيق الإداري" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام في القانون الإداري والعلوم الإدارية، كلية الحقوق عين الشق الدار البيضاء السنة الجامعية 2003-2004.
محمد الوكاري " العقار والتنمية الحضارية " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص كلية الحقوق، الرباط 1985.
سعيد بولماني " سياسة التدخل العمومي في مجال السكن غير اللائق – دراسة حالة مدينة سطات- رسالة لني دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الإداري والعلوم الإدارية جامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء السنة الجامعية 2003-2004.
عماد التمسماني: "التعمير والمشكل العقاري –دراسة حالة مدينة طنجة-» رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس- أكدال الرباط 2002/2003.
خديجة عوج " الإطار المؤسساتي في مجال التعمير بين التعدد والفعالية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة الحسن الثاني، عين الشق الدار البيضاء، السنة الجامعية 2002/2003.
المجلات:
أحمد مالكي – سعيد بولماني " إدارة التعمير وإكراهات الواقع" منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة دراسات عدد مزدوج 76-77 /2007.
أحمد حضراني " مكانة العامل ومشروع تعديل قانون التنظيم الإقليمي"، اللامركزية الإدارية بالمغرب مشاريع الإصلاح ومتطلبات التنمية، م م م إ م ت، مواضيع الساعة العدد 32 -2001.
إبراهيم زياني"الموارد البشرية والمؤهلات التقنية لدى الجماعات المحلية في المشاريع السكنية" مجلة الموئل ملف عن الجماعات المحلية: نحو تطوير سياسة تعاقدية أوثق في ميدان السكن الاجتماعي العدد 6 – نونبر 1993.
إبراهيم زياني" تأملات في بعض عوائق الإصلاح الإداري بالمغرب" مجلة أراء وأفكار العدد 5 / 2003.
حسن أمرير"إشكالية توزيع الاختصاص في ميدان التعمير" م م م إ م ت عدد34 شتنبر-أكتوبر 2000.
الحاج شكرة "سلطات رؤساء مجالس الجماعات الحضرية والقروية في مجال التعمير العملياتي" المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد 5-2005 .
الحاج شكرة " آفاق قضاء الإلغاء في مجال التعمير" عشر سنوات من العمل القضائي للمحاكم الإدارية بالمغرب، م م م إ م ت سلسلة مواضيع الساعة، العدد 47 سنة 2004.
لطيفة بحوص " إشكالية الاستثمار العقاري بين متطلبات القانون ورهانات التنمية" م م م إ م ت سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية العدد 72.
محمد بلمحجوب " التعمير في المغرب " ملف خاص عن فن المعمار بالمغرب اليوم، مجلة الثقافة المغربية عدد 30-31 فبراير 2007 منشورات وزارة الثقافة.
محمد السنوسي معنى " دور الجماعات المحلية في قطاع السكن والتعمير" مجلة الموئل ملف عن الجماعات المحلية: نحو تطوير سياسة تعاقدية أوثق في ميدان السكن الاجتماعي العدد 6 – نونبر 1993.
محمد قصري " الارتفاقات القانونية في مجال التعمير" المجلة المغربية للمنازعات القانونية عدد مزدوج 5-6 مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء 2007.
محمد مداد " المدينة بين طموح المخطط وضغوط الواقع – مساهمة في فهم بعض الصعوبات التي تعيق تنفيذ وثائق التعمير- منشورات مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، العدد 4 -2001.
محمد العجمي " تطور سياسة التهيئة الترابية والتعمير: من أزمة في التصرف إلى التصرف في أزمة" مجلة العلوم القانونية والاقتصادية والتصرف بسوسة، مركز النشر الجامعي، تونس. العدد الثاني ديسمبر 1997.
محمد الأعرج " المساطر الإدارية غير القضائية – دراسة قانونية لفاعلية قواعد الإجراء والشكل في القرارات الإدارية " م م م إ م ت، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، الطبعة الأولى – 2003، العدد 47.
محمد عالي أدبيا " إشكالية الاستقلال المالي للجماعات المحلية بالمغرب –نحو مقاربة أكثر واقعية-" م م م إ م ت سلسة مواضيع الساعة العدد 29- 2001.
محمد بونبات " قوانين التحفيظ والتسجيل والتجزئة العقارية" منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، العدد 12، 1996.
محمد بوزفور"مفهوم القرب بين النظرية والممارسة" إدارة القرب : المفهوم والانعكاسات م م م إ ت سلسلة مواضيع الساعة العدد 53 -2006.
محمد النجاري " دور القضاء في تفعيل قوانين التعمير" مجلة المعيار، العدد 36، دجنبر 2006.
محمد الوكاري"العقار والمجال الحضري" مجلة أبحاث "بين مدن وأحياء الهامش بالمغرب" العدد 14 السنة الرابعة، شتاء 1987.
مصطفى الشويكي" تدبير المجال الحضري بالدار البيضاء: الرهانات والميكانيزمات" في المدينة المغربية بين التدبير المحلي والتنظيم الجهوي، منشورات مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء، الطبعة الأولى، 2000.
مصطفى الشويكي" الدار البيضاء مقاربة سوسيو مجالية" منشورات مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية – عين الشق الطبعة الأولى 1996.
ميشيل روسي" اللامركزية تهيئة المجالات وإنعاش السكن" مجلة الموئل ملف عن الجماعات المحلية: نحو تطوير سياسة تعاقدية أوثق في ميدان السكن الاجتماعي العدد 6 – نونبر 1993.
عبد الرحمان البكريوي "وثائق التعمير بين اختصاص الدولة والجماعات المحلية" م م م إ م ت العدد الأول أكتوبر ديسمبر 1992.
عبد الرحمان البكريوي " التعمير المتشاور حوله ضروري لتنمية التخطيط العمراني " الإدارة العمومية والتغيير منشورات الجمعية المغربية للعلوم الإدارية، إفريقيا الشرق الطبعة الأولى 1994.
عبد الله بوحيا " حدود مسؤولية الوكالة الحضرية في تدهور المجال الحضري بالدار البيضاء" تقويم سياسة إعداد التراب والتعمير بالمغرب المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، العدد14 يونيو 2002.
الشريف الغيوبي"إدارة القرب : آلية للتضامن" إدارة القرب :المفهوم والانعكاسات م م م إ ت سلسلة مواضيع الساعة العدد 53 -2006.
عبد الله شنفار " الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (دراسة سوسيو-قانونية وتحليلية)" منشورات م م إ م ت العدد 19 سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية 2000.
علي مهران هشام " العمارة الخضراء والتنمية العمرانية المستدامة" مجلة عالم الفكر العدد 4- 2006 منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت.
علي سدجاري " تصورات من أجل مشروع حداثي لإصلاح الإدارة بالمغرب"" منشورات مجموعة البحث في المجال والتراب، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط 2000.
علي سدجاري " وحدة المدينة : المفهوم ونقيضه"المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، العدد 14/ 2002
رشيد مرابط " الإدارة كنظام للتدبير" منشورات مجموعة البحث في المجال والتراب، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط 2000.
سؤال الحكامة في المغرب رهانات وتطبيقات، مجلة مسالك العدد 8 – 2008.
من الحكومة إلى الحكامة : دروس مغربية، منشورات المجلة المغربية لتدقيق والتنمية، سلسلة التدبير الاستراتيجي العدد 5 /2004
الاستبعاد الاجتماعي – محاولة للفهم- " جون هيلز ترجمة وتقديم محمد الجوهري، عالم المعرفة، العدد 344 أكتوبر 2007.
الندوات والأيام الدراسية
أحمد المالكي "التعمير في المغرب بين القانون ومشروع القانون 04/04" أشغال اليوم الدراسي حول" مشروع القانون الجديد رقم 04/04 المتعلق بالسكنى والتعمير" منشورات مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2005.
أحمد المالكي " التعمير بين إكراهات العقار ومتطلبات التنمية العمرانية" أشغال الندوة الوطنية المنظمة من طرف وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار بكلية الحقوق في موضوع العقار والاستثمار– الجهة الشرقية نموذجا- – جامعة محمد الأول وجدة 19-20 ماي 2006 مطبعة دار النشر الجسور، الطبعة الأولى -2007.
أحمد المالكي- عبد الواحد الإدريسي:"العقار غير المحفظ وآثاره على تنفيذ وثائق التعمير" منشورات مركز الدراسات القانونية والعقارية، كلية الحقوق -مراكش. الطبعة الأولى- مطبعة الوراقة الوطنية مراكش 2004.
أحمد الهرجاني " التعمير والتنمية المستدامة" ندوة العقار والاستثمار، منشورات مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية مراكش، المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش، الطبعة الأولى 2005.
أمحمد الهلالي " المخالفات في ميدان البناء والتعمير على ضوء القانون 12-90 و 25-90" أشغال اليوم الدراسي حول موضوع –إشكالية البناء غير القانوني وزجر المخالفات المتعلقة بميدان التعمير والبناء-المنعقد من طرف الوكالة الحضرية القنيطرة /سيدي قاسم بتاريخ 41 نونبر 2002.
عبد الإله المكينسي " السكن، التعمير، المشكل العقاري" السياسات الحضرية المغاربية، أعمال الندوة المنظمة بالدار البيضاء من 28 إلى 31 يناير 1994 – عقدتها الجمعية المغربية للعلوم الإدارية، مطبعة النجاح الجديد ة - البيضاء 1994.
مشروع لقانون الجديد 04/04 المتعلق بالسكنى والتعمير، أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بمراكش في 23 يونيو 2004، منشورات مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2005.
ندوة "العمران في المنطقة العربية بين التشريع والتخطيط والإدارة" الرباط 10-11-12 أبريل 2001،مطبعة النجاح الجديدة 2003.
سعيد جفري" الجبايات المحلية على ضوء التوجه الإصلاحي الجديد" مداخلة ألقيت بمناسبة اليوم الدراسي حول الإدارة المحلية ورهانات التنمية المنظم من طرف وحدة التكوين والبحث في تدبير الإدارة المحلية بجامعة الحسن الأول بسطات في 15 مارس2007، غير منشور.
عبد الرحمان البكريوي " التخطيط العمراني وإشكالية تنفيذ وثائق التعمير" مداخلة في اليوم التشاوري والدراسي بشأن مدونة التعمير المنظم من طرف الوكالة الحضرية لسطات بتاريخ 19 مارس 2006 بكلية الحقوق بسطات غير منشور.
سعيد بولماني" حماية البيئة من زاوية قوانين التعمير" مداخلة في اليوم التشاوري والدراسي المنظم من طرف الوكالة الحضرية لسطات بتاريخ 19 مارس 2006 بكلية الحقوق بسطات غير منشور.
ملتقى الجماعات المحلي 2006 بأكادير – التوسع العمراني للمدن، تنمية المدن مواطنة ومسؤولية- (قرص مدمج).
النصوص والوثائق الرسمية:
ظهير شريف رقم 1.93.51 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر1993) معتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكالات الحضرية
الظهير الشريف رقم 31-92-1 الصادر في 15 ذي الحجة 1412 (17يونيو 1992) بتنفيذ القانون رقم 12-90 المتعلق بالتعمير
الظهير رقم 7-92-1 الصادر في 15 ذي الحجة 1412(17 يونيو 1992 بتنفيذ القانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
الظهير الشريف رقم 1.60.060 بشأن توسيع نطاق العمارات القروية الصادر في30ذي الحجة 1379 الموافق ل25 يونيو 1960.
الظهير الشريف رقم 1.02.297 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر2002).
المرسوم التطبيقي رقم 2.93.67 صادر في 4 ربيع الآخر 1414 موافق 21 سبتمبر 1993 بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.93.51 بتاريخ 22 ربيع الأول 1414 موافق 10 سبتمبر 1993).
مرسوم رقم 361-97-2 صادر في جمادى الأولى 1413 (30 أكتوبر1997) يتعلق بإحداث الوكالة الحضرية لسطات
مرسوم رقم 832-92-2 صادر في 27 من ربيع الآخر 1414 (14 أكتوبر 1993) لتطبيق القانون رقم90-12 المتعلق بالتعمير.
مرسوم رقم 2.92.833 صادر في 25 من ربيع الآخر 1414(12أكتوبر1993) لتطبيق القانون رقم 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
الدورية الوزارية 1257/4-222/م ج م/ م إ ت. بتاريخ 9محرم 1401 الموافق ل 17نونبر 1980.
الدورية رقم 222 الصادرة عن وزير الداخلية بتاريخ 12 ماي 1995 بشأن مسطرة دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
الدورية رقم 254 الصادرة بتاريخ 12 فبراير 1999 المتعلقة بالمساطر المتبعة في دراسات مشاريع الاستثمار.ٍ
الدورية المشتركة الصادرة بتاريخ 4 مارس 2003 عن وزير الداخلية تحث عدد 27 وعن الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالإسكان والتعمير تحث عدد3020 بخصوص شروط استفادة المشاريع الاستثمارية من استثناءات في ميدان التعمير.
القرار الذي أصدره وزير الداخلية والإعلام رقم 491.93 صادر في 24 شعبان 1413(16 فبراير 1993) المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح الخارجية المكلفة بالتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب.
المنشور 005/ م ت ه م /م ق الصادر بتاريخ 17 يناير1994 المتعلق بتصميم التهيئة
منشور السيد الوزير الأول رقم 2000/14 بتاريخ 2 أكتوبر 2000 بشأن تبسيط مسالك ومساطر دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
منشور السيد وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة رقم 2000/1500 بتاريخ 6 أكتوبر 2000 بشأن تبسيط مسالك ومساطر دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
التقارير الأدبية والمالية للمجالس الإدارية للوكالة الحضرية لسطات لسنوات: 1999-2000-2001-2002-2003-2004-2005-2006 - 2007.
التقرير الجهوي حول السياسة السكانية لسنة 2006 المندوبية السامية للتخطيط وولاية جهة الشاوية ورديغة.
المملكة المغربية وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان، إعداد التراب والتعمير، منشورات عكاظ الرباط، الطبعة الثانية فبراير 2000.
وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة، المذكرة التمهيدية لليوم الدراسي حول الوكالات الحضرية أبريل 2000
نموذج مشروع نشرة إخبارية، جهة الشاوية ورديغة 2007.
الوثيقة التشاورية حول إعداد مشروع مدونة التعمير.
مشروع مدونة التعمير
المحاضرات :
المصطفى معمر – أحمد أجعون "محاضرات في إعداد التراب الوطني والتعمير" 2005-2006 غياب دار النشر.
عبد الإله المكينسي " محاضرات في قانون التعمير" الجزء الأول كلية الحقوق، جامعة محمد الخامس، الرباط 1980-1981.
عبد السلام المصباحي : محاضرات في إعداد التراب الوطني والتعمير، مطبعة
انفوبرانت فاس 1997.
ثانيا : المراجع باللغة الفرنسية
OUVRAGES
A.MKINSI « le droit marocain de l’urbanisme » Presses de l’imprimerie Abtal, Rabat 1989.
Ali Sedjari «La Fi n du Pouvoir d’Etat Vérité ou Illusion »In la revanche du territoire , Edition L’Hermann , 1997.
François PRIET « Approfondissement de la Décentralisation de l’Urbanisme ou Recentralisation ? » Droit de l’aménagement de l’urbanisme et de l’Habitat, Edition Dalloz. Paris 2001.
H. LENA « La Commune face à la Politique Foncière » édition Berger-Levrault, Paris 1984.
Mohammed Dreyef : « Urbanisme et droit de l’urbanisme au Maroc », Edition la Porte 1993.
Mohamed Naciri « Politique Urbaine et Politiques d’Habitat au Maroc Incertitudes d’une Stratégie in : Politiques Urbaines dans le Mode Arabe » Edition Maison de l’oient , Lyon , France1984
P.Hocreitère “ Droit de l’Urbanisme” le Moniteur, Edition Dalloz 2000.
R.Savy « Le Droit de l’Urbanisme » Collection Thémis,1er Edition, Paris 1981.
R.Cristini « Droit de l’Urbanisme » Edition Economica, Paris 1985.
Thèses & Memoirs
Adil Salami « Les Conditions de Production des Lotissements – cas de la ville de Beni Mellal-» Mémoire de DESA en Aménagement et Urbanisme, INAU 1997.
RAHAL Moujid “ L’Agence Urbaine de Casa Blanca”, Mémoire de cycle supérieure, E.N.A.P -1988.
Saïd EL Hebil « Agence Urbaine d’Agadir, Emergence d’un nouvel acteur en matière d’urbanisme »mémoire de cycle supérieur INAU 2001.
Revues
Abdelatif CHakor « le Marketing Territorial au Service de la Bonne Gouvernance Locale » Du Gouvernement à la Gouvernance : les leçons marocaines , Publications de la Revue Marocaine d’Audit et de Développement série Management Stratégique N° 5 /2004.
Abdelmajid BENJELON « La Planification Urbaine : Une Mission Impossible ? » Politiques Urbaines au Maghreb, colloque organisé par l’Association Marocaine des Sciences Administratif, imprimerie Najah al Jadida – Casablanca 1994.
Ahmed Rahmani « Les Limites des Prérogatives des Communes en Matière de la Planification Urbaine » In l’Administration Territoriale au Maghreb , Publication CMERA, Edition Guessous , Rabat 1989.
Mustapha Khattabi « l’Urbanisme et les documents d’Urbanisme en droit Marocaine » REMALD, Etudes, sep/oct N° 34/2000.
Documents
Circulaire n°221DUA/DPU le 15 juin 1995 relative au SDAU. Etude, Instruction, Approbation et suivi de réalisation.
Circulaire Ministérielle n° 14/CAB du 10Janvier 1994 relative à l’Instauration d’une commission du permis d’habiter et certificat de conformité.
Bilan 2007 et Evolution de L’Activité de la Gestion Urbain de AUS durant la période : 2003-2007
Habitat & Urbanisme 2003-2007, Un secteur en mouvement , publications de la ministère délégué auprès du premier ministre chargés de l’habitat et de l’urbanisme.
Ministère de l’Aménagement de Territoire de l’Urbanisme de l’Habitat et de l’Environnement, réflexion sur les procédures d’élaboration et d’approbation des plans d’aménagement, Benslimane 7-8 et 9 juin 2002.
مقدمة عامة................................................................................ 1
الفـصل الأول: الوكالات الحضرية كتجديد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير على المستوى المحلي.........................................
10
المبحث الأول: أسس ومحددات تدخل الوكالات الحضرية في ميدان التعمير............. 12
المطلب الأول : الوكالات الحضرية وفاعلية التدخل في التخطيط العمراني............................ 13
الفرع الأول : الآليات التقنية للتخطيط العمراني........................................................... 14
الفقرة الأولى: وثيقة التعمير التقديري..................................................................... 14
الفقرة الثانية : وثائق التعمير التنظيمي النافذ............................................................. 19
الفرع الثاني : تدخلات الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني .................................. 26
الفقرة الأولى : المساهمة في إعداد المخطط التوجيهي كرؤية إستراتيجية لتهيئة المجال المحلي .. 26
الفقرة الثانية : بلورة وثائق التعمير التنظيمي كأدوات إجرائية لتقنين المجال المحلي............... 30
المطلب الثاني : الوكالات الحضرية وازدواجية مهام التدبير العمراني ................................. 37
الفرع الأول : ميكانيزمات ووسائل التدبير العمراني ...................................................... 39
الفقرة الأولى:رخص البناء................................................................................... 39
الفقرة الثانية :التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات................................ 43
الفرع الثاني : مظاهر تدخل الوكالات الحضرية في ميدان التدبير العمراني............................ 47
الفقرة الأولى: دراسة الملفات وإمكانية تنظيم المجال المحلي.......................................... 47
الفقرة الثانية: المراقبة والتتبع كضرورة لضبط حركة العمران المحلي................................... 52
المبحث الثاني: الإطار العلائقي للوكالات الحضرية بباقي الفاعلين في ميدان التعمير.... 57
المطلب الأول: علاقة الوكالات الحضرية بالجماعات المحلية............................................. 58
الفرع الأول: العــلاقة الإدارية والمــالية.................................................................... 58
الفقرة الأولى: تمثيلية الجماعات المحلية في المجلس الإداري للوكالات الحضرية................... 58
الفقرة الثانية : المساهمة في تمويل ميزانية الوكالات الحضرية........................................... 62
الفرع الثاني : الجماعات المحلية بين محدودية التخطيط وأولوية التدبير.............................. 65
الفقرة الأولى: الجماعات المحلية واستشارية الدور في مجال التخطيط العمراني .................... 65
الفقرة الثانية: التدبير العمراني: أولوية محلية.............................................................. 69
المطلب الثاني: علاقة الوكالات الحضرية بالسلطة المحلية وباقي الفرقاء المحليين..................... 74
الفرع الأول: علاقة الوكالات الحضرية بالسلطة المحلية.................................................... 74
الفقرة الأولى: مؤسسة العامل ومهمة تنسيق التخطيط العمراني........................................... 74
الفقرة الثانية : العامل ومهام المشاركة في التعمير العملياتي................................................. 76
الفرع الثاني: علاقة الوكالات الحضرية مع باقي المتدخلين في القطاع محليا........................... 80
الفقرة الأولى: الوكالات الحضرية والمفتشيات الجهوية للإسكان والتعمير والتنمية المجالية ........... 80
الفقرة الثانية: الوكالات الحضرية ومجموعة التهيئة "العمران"............................................ 84
خاتمة الفصل الأول...................................................................... 88
الفـصل الثاني: الوكالات الحضرية بين الـــــواقع و الطــموحات
-دراسة حـالة الوكالة الحضرية لسطـات-.......................
90
المبحث الأول: الوكالة الحضرية لسطات: عشر سنوات من الاشتغال (1997-2007)....... 92
المطلب الأول : الجوانب الكمية في أداء الوكالة الحضرية لسطات .................................... 94
الفرع الأول : منجزات الوكالة على مستوى التخطيط العمراني .......................................... 94
الفقرة الأولى: مستوى تغطية تراب الوكالة بوثائق التعمير................................................. 94
الفقرة الثانية : حجم المساهمة المالية في إعداد وثائق التعمير.......................................... 100
الفرع الثاني : منجزات الوكالة الحضرية في مجال التدبير العمراني ..................................... 105
الفقرة الأولى : على مستوى دراسة الملفات ............................................................... 106
الفقرة الثانية : على مستوى رصد المخالفات................................................................ 113
المطلب الثاني : الجوانب النوعية في أداء الوكالة الحضرية لسطات.................................... 117
الفرع الأول : الدراسات القطاعية وتهيئة المجال المحلي................................................ 118
الفرع الثاني : الوكالة الحضرية لسطات وتدعيم الاقتصاد المحلي ...................................... 122
الفقرة الأولى: تشجيع الاستثمار المحلي................................................................... 122
الفقرة الثانية: تعبئة الوعاء العقاري الجهوي................................................................ 127
المبحث الثاني: الوكالة الحضرية لسطات بين المحدودية ومتطلبات الحـكامة العمرانية.. 131
المطلب الأول: مظاهر محدودية عمل الوكالة الحضرية لسطات.......................................... 131
الفرع الأول: العوائق البنيوية................................................................................ 132
الفقرة الأولى: الحدود القانونية ............................................................................ 132
الفقرة الثانية : الحدود المالية والبشرية..................................................................... 139
الفرع الثاني : العوائق المادية................................................................................ 145
الفقرة الأولى: الإكراهات العقارية........................................................................... 145
الفقرة الثانية: الحدود التنظيمية............................................................................ 149
المطلب الثاني: الإصلاح ومتطلبات الحكامة العمرانية ................................................... 153
الفرع الأول: إصلاح المنظومة القانونية المنظمة للتعمير ................................................. 153
الفقرة الأولى: الإصلاح و مشروع مدونة التعمير............................................................ 154
الفقرة الثانية : الأدوار الجديدة " لوكالات التعمير" على ضوء مشروع المدونة......................... 159
الفرع الثاني: المقاربة التشاركية والقضاء كمدخلات للحكامة العمرانية.................................. 163
الفقرة الأولى: تدعيم التعمير التشاركي ..................................................................... 163
الفقرة الثانية: تفعيل دور القضاء.............................................................................. 166
خاتمة الفصل الثاني.................................................................... 170
الخاتمة العامة ............................................................................ 171
لائحة الجداول.......................................................................... 172
لائحة المراجع .......................................................................... 173
الفهرس.................................................................................... 183
تكتسي سياسة إعداد التراب الأهمية البالغة، بل والدعامة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة بمختلف مكوناتها ومرتكزاتها ، من خلال الاستغلال العقلاني للمجال. إذ تعتبر في هذا الصدد بمثابة سياسة عمومية تسعى إلى خلق الشروط الموضوعية لتنمية متوازنة للمجال الجغرافي للدولة عبر التخفيف من الفوارق الجهوية والتحكم في توجيه الاستثمارات وضبط النمو الديمغرافي والهجرة القروية المكثفة ، وكذا التقليص من آثارها السلبية على المجالات الحضرية كالتوسع العمراني العشوائي، وكل ذلك في إطار إرساء توازن شمولي ومعقلن بين المجالين الحضري والقروي.
والتعمير هنا له ارتباطه القوي بإعداد التراب، حيث يعتبر من ضمن الأدوات المركزية والأساسية لتنفيذ السياسات العمومة على المستوى المحلي، إذ يفيد في هذا الصدد حسب J.M.Auby &R.Ducos-Ader " مجموعة من الإجراءات التقنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن تعمل على تحقيق نمو متناسق ومنسجم، عقلاني وإنساني للكثل العمرانية"، كما يعرفه Jaquignon أيضا بأنه " فن تهيئة المدن أو بالأحرى علم المدن أو علم الكثل العمرانية التي تظهر تكاملا واستمرارية، والمعدة إما للسكن أو للعمل أو التبادل الإجتماعي" ، أما Gaston فقد اعتبره " علما وفنا وفلسفة أيضا "، ويعرفه معجم Larousse بأنه" مجموع القواعد القانونية التي تسمح للسلطات العمومية بمراقبة واستعمال المجال في الوسط الحضري"
إن هذا التعدد في المفاهيم التي تعرضت لمصطلح التعمير جعلت بعض الباحثين يعتبرونه بمفهومه الحديث والواسع مفهوما جامعا فهو يشكل " علما وفنا وقانونا وسياسة من السياسات العامة التي توظف قصد التدخل في عدة ميادين مترابطة".
فهو علم لأنه ينبني على ضوابط ومعايير وقواعد تقنية نابعة من المنظور الهندسي وما تتطلبه من أشكال ومواصفات.
وهو فن لارتباطه بعمليات الإبداع والابتكار حيث الحاجة الملحة في ضرورة استحضار الجانب الجمالي في تشييد العمران.
ويعتبر قانونا نظرا لمستوى التأطير التشريعي له ،عبر وضع قواعد قانونية وتنظيمية تهدف إلى تنظيم هذا القطاع الحيوي.
وأخيرا فهو يعتبر سياسة كونه ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة يتم وضعها لتحقيق عدة أهداف تخدم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية
ومنه واستجماعا لما سبق يمكن القول بأن التعمير هو " مجموع المقتضيات والضوابط القانونية والفنية والتشاركية المستحضرة لمنطق التدبير الجيد والمحكم، والهادف إلى تحقيق نمو متناسق ورشيد للتجمعات- المستوطنات- البشرية، وذلك عبر تحقيق نوع من التوافق بين البيئة والعمران" .
فهو هنا – التعمير- لا يهتم بتنظيم المجال فحسب بل يتجاوز ذلك إلى الاهتمام بتوسعه، عبر السعي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف التي تكمل بعضها البعض نظرا لترابطها الوظيفي، والتي يمكن تلخيصها في الآتي:
الأهداف الاجتماعية: القائمة على استحضار الجانب الوظيفي لتنظيم المجال، حيث تخويل السكان بكل شرائحهم، الحياة في إطار إنساني ملائم من الناحية الصحية، وفي ظروف بيئية مرضية عبر تجهيز هذه المجالات بالتجهيزات الأساسية ومن ثمة المساهمة في تقليص الفوارق الاجتماعية وتحقيق العدالة الاجتماعية.
الأهداف الاقتصادية: والتي تأخذ تمظهرات متعددة، لكن يمكن ذكر بعضها في كون أن الحياة الإقتصادية تحتاج إلى إرساء وثائق تعميرية تضمن التوزيع المتوازن للأنشطة الاقتصادية والصناعية، وفي هذا السياق فإن سياسة التعمير تسعى إلى توفير البنية التحتية لهذه الأنشطة من تجهيزات أساسية ومرافق وخلق مناطق صناعية قادرة على استقطاب رؤوس الأموال وتنمية وتشجيع الاستثمارات.
الأهداف الأمنية: إذ أن المقاربة الأمنية تعتبر من ضمن المقاربات المركزية التي ترتكز عليها سياسة التعمير، فالمدينة باعتبارها نسق شمولي أو إطار عام تلعب فيه شبكات الطرق والمواصلات والماء الصالح للشرب، والمجسدة للمقاربة الصحية في ميدان التعمير، دورا أمنيا وبالتالي تحقيق نوع من الارتباط الوظيفي لمجموع الأهداف السابقة مع الأهداف الأمنية.
وأخير الأهداف الجمالية: حتى يظهر المجال بمظهر أكثر تنسيقا وتنظيما، ومن تم التعبير عن ثقافة مجتمعية معينة .
غير أن المفارقة هنا تكمن في أن هناك اختلاف في مقاربة التعمير بين الدول المتقدمة والمتخلفة، فإذا كان ينظر له كعامل منظم ومهيكل في الدول الغربية، ومن تم اعتباره كعملية وقائية ومستقبلية أيضا، فإنه في الدول النامية لا يعدو أن يكون عملية علاجية وقائية. وفي هذا دلالة على أن سياسة التعمير في الحالة الأولى تعتبر تنظيم وفي الثانية تعتبر تسوية لوضع قائم، وبالتالي إعادة تنظيم كل ما تم إنجازه سواء من قبل أو من بعد ، والمغرب كدولة نامية لا يخرج عن هذا الإطار في النظر إلى ميدان التعمير كمخرج لأزمات قائمة، وليس كمقاربة وعملية وقائية استباقية.
ومنه فإن أهمية الموضوع تبرز من كون أن اتساع وتيرة التوسع العمراني- باعتباره أحد مكونات الظاهرة العمرانية وأبرز تجلياتها – وتعقد مشاكل المدينة المغربية وتزايد حدة التحديات التي تواجهها وتضارب المصالح التي تؤطر ميدان التعمير، أمور أصبحت تستوجب ليس فقط وضع ضوابط قانونية تنظم هذا القطاع، بل نجد أن الأمر أصبح يتطلب إحداث هياكل مؤسساتية تستطيع بلورة مجموع الأهداف المسطرة ومن تم تجاوز وتسوية المشاكل العمرانية.
إن الرغبة في تجاوز مجموع هذه المشاكل والصعوبات سواء في بعدها القانوني والتنظيمي أو في بعدها النوعي ، ستضطر السلطات العمومية إلى إحداث مؤسسات عمومية أطلق عليها اسم الوكالات الحضرية، وهي مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي، وتخضع لوصاية الدولة المالية والإدارية، إذ يشمل نطاق اختصاصها عمالة أو عدة عمالات أو أقاليم ، حيث تعتبر في هذا الصدد كأول تجديد نوعي في البنية الإدارية المشرفة على قطاع التعمير محليا.
إن الهدف من إحداث هذا النوع من المؤسسات هو إعادة التوازن والنظام إلى ميدان التعمير، عبر تأطيره وضمان التحكم فيه وتوطيد أهدافه المسطرة في وثائق التعمير خصوصا التوجيهية منها، وكذا إعادة الهيكلة والتنظيم والتنمية المنسجمة للتجمعات السكنية .
إن أهمية الموضوع الذي نحن بصدد تناوله تنبع كذلك من أن ميدان التعمير يشكل مجالا خصبا لتضارب المصالح، ومن تم استيعاب مجموع هذه المصالح عبر تحقيق التوازنات.
فالوكالات الحضرية تعتبر كميدان مركزي تلتقي فيه مجموع هذه المصالح المتضاربة والمتشعبة بحيث نجد :
الملاك العقاريين الذين لا يهدفون إلا إلى تحقيق الربح .
الطبقات الفقيرة والتي لا تبحث سوى عن إطار ملائم للعيش الكريم.
السلطات العمومية التي تعتبر فوق الهيئتين باعتبارها تهدف إلى تحقيق التوازن بينها والاستقرار الذي يعد ضرورة لكل تنمية مستدامة.
كما تنبع أهمية الوكالات الحضرية من كونها تعتبر مساعدا تقنيا للجماعات المحلية وكذا عموم المتدخلين العموميين والخواص في قطاع التعمير محليا.
إن المغرب اليوم يعيش في مجال التعمير تجربة ما يعرف ب"الجيل الثاني" من الوكالات الحضرية التي بدأت تعمم تدريجيا على مختلف الجهات بعد أن برهن عن نجاحه مع أول تجربة من خلال الوكالة الحضرية للدار البيضاء في سنة 1984. وهو نجاح جاء رغم وجود مجموعة من الصعوبات التي كانت تعيق عمل هذه المؤسسات من قبيل ضعف الاندماج بشكل مباشر وفعال في بيئتها المحلية ، وكذا بسبب عوامل موضوعية ارتبطت بصعوبة تفهم شركائها لطبيعة المهام الموكولة إليها خصوصا الجماعات المحلية.
من هذا المنطلق إذن يأتي اختيارنا لهذه المؤسسة العمومية كموضوع للدراسة حيث اخترنا الوكالة الحضرية لسطات كنموذج للدراسة نظرا لأهمية المؤسسة في البناء المؤسساتي اللامركزي ، وكذلك لأهمية الدور المنوط بها والموكول إليها على المستوى المحلي في إدارة ميدان التعمير.
وقد كان لهذا الاختيار دوافع أحدهما موضوعي يتمثل في أن دراسة موضوع "الوكالات الحضرية وتدبير ميدان التعمير -حالة الوكالة الحضرية لسطات-" ينبع من كون أن الدراسات حول ميدان التعمير والمؤسسات الفاعلة والمسؤولة عن تدبيره ظلت لفترة طويلة محتكرة من طرف الجغرافيين وأصحاب التخصصات التقنية (كالمهندسين)، أما القانونيين الذين حاولوا ولوج هذا الميدان فقد قاموا به في إطار القانون الإداري الشيء الذي جعلها تتصف بنوع من "الجمود" نظرا لإغفال زاوية العلوم الإدارية. وهو معطى أفرز صعوبة منهجية في تعاملنا مع هذا الموضوع، حيث أن جل هذه الدراسات التي وقفنا عليها لم تخرج عن الطبيعة التقنية والمسطرية في تناولها لميدان التعمير، ومن تم غياب المقاربة المندمجة المرتكزة على توظيف حقول معرفية أخرى تسعف في التحليل والنقد وطرح الحلول البديلة في إطارها العام.
أما الدافع الذاتي لاختيارنا هذا فهو الميل أكثر للبحث الميداني والرغبة في الاحتكاك أكثر بواقع الإدارة المغربية بغية الاستفادة والتعلم خصوصا في إطار انفتاح الجامعة على محيطها السوسيو-إداري.
وعلى هذا الأساس فإننا نعتقد أن دراسة هذا الموضوع تحتل مكانة بارزة في التفكير العلمي والأكاديمي، وبالتالي فإن مقاربة موضوع الوكالات الحضرية وتدبير ميدان التعمير- حالة الوكالة الحضرية لسطات-، يتطلب التفكير عبر عدة مستويات، خصوصا أن الأمر يرتبط بمجالين اثنين، مجال نظري ويتعلق بحجم الدور المنوط بالوكالات الحضرية في تدبيرها وتدخلها في ميدان التعمير إضافة إلى طبيعة العلاقات التي تجمعها مع مختلف الفرقاء المحليين والذين يتدخلون بشكل أو بآخر في إحدى مستويات التعمير ( التخطيط العمراني/ التدبير العمراني)، ومجال تطبيقي ميداني يتضمن دراسة حالة معينة وهي حالة الوكالة الحضرية لسطات ، ومنه فإن الإشكالية المركزية التي سنحاول الإجابة عنها في معرض تناولنا لهذا الموضوع تتمثل في:
إلى أي حد استطاعت / تستطيع الوكالات الحضرية النجاح في تدبير ناجع لميدان التعمير على المستوى المحلي؟
أكيد أن الإجابة على هذا الإشكال المركزي ستتفرع عليه مجموعة من التساؤلات الفرعية أبرزها :
هل في إحداث الوكالات الحضرية كمؤسسات عمومية تشتغل على المستوى المحلي دلالة على فشل البنيات الإدارية السابقة لها في التعامل مع ميدان التعمير؟
ماهي أهم وطبيعة الأدوار الموكولة لهذه البنيات الجديدة على مستوى التخطيط والتدبير العمرانيين؟
ماذا عن الإطار العلائقي لهذه المؤسسات مع مختلف الفاعلين في الميدان على المستوى المحلي؟
وما هي السمة المؤطرة لهذه العلاقات : الإقصاء أم التكامل؟
هل من قيمة مضافة استطاعت أن تحققها الوكالة الحضرية لسطات في تدبيرها لميدان التعمير على مستوى جهة الشاوية ورديغة ؟ (باعتبارها نموذج للدراسة)
أم أن طابع المحدودية ظل هو المؤطر لهذه البنية؟
ما هي أهم وأبرز تجليات هذه الإكراهات والحدود؟
وهل من رؤية بديلة – خصوصا مع مشروع مدونة التعمير- يمكن أن تساهم في كسب رهان الحكامة العمرانية؟
الأكيد أن الإجابة على مجموع هذه التساؤلات، وتلك التي ستتبلور من خلال الخوض في تحليل الموضوع تقتضي أن نتناول بالدرس والتحليل عدد من القضايا المترابطة فيما بينها لاستجلاء المحددات القانونية والتنظيمية وأيضا المؤسساتية لميدان التعمير من خلال الوقوف على تجربة الوكالة الحضرية لسطات كنموذج لدراسة الحالة التي سنتناولها في هذا البحث.
وعليه فإن دراسة من هذا القبيل تستوجب استحضار مجموعة من المناهج قصد صياغة مقاربة علمية حول الوكالات الحضرية وتدخلاتها في ميدان التعمير، وهو معطى سيجعلنا نعمد إلى توظيف مجموعة من المناهج أبرزها:
المنهج البنائي الوظيفي: ترجع تسمية هذه الاتجاهات إلى استخدامها لمفهومي البناء والوظيفة في فهم المجتمع وتحليله من خلال مقارنته وتشبيهه بالكائن العضوي، ويقصد بالبناء مجموع العلاقات الاجتماعية المتباينة التي تتكامل وتنسق من خلال الأدوار الاجتماعية، فيما يقصد بالوظيفة ذلك الدور الذي يسهم به الجزء في الكل . من هذا المنطلق فإن دراسة الوكالات الحضرية كبناء يقوم بمجموعة من الوظائف والأدوار، يستلزم التعامل معه انطلاقا من المنهج البنائي الوظيفي، والوظيفة هنا ليس بمفهومها الضيق والتقليدي الذي يحيل على الاختصاص من وجهة نظر قانونية، بقدر ما تحيل إلى الدور الذي يعني الاستعانة بحقول معرفية أخرى كالتاريخ والاقتصاد والسوسيولوجيا، وبالتالي فهم أعمق لما تطرحه الإشكالية .
منهج دراسة الحالة : إن أهم صفات منهج دراسة الحالة هو التعمق في بحث الحالة المدروسة، سواء كانت فردا أم أسرة أم تنظيما اجتماعيا، وتتبع وضعيتها منذ نشوئها مرورا بمراحل تطورها، فهو لا يقتصر على جمع المعلومات وتصنيفها بل يتابع الحالة في مختلف مراحلها ويحلل المعلومات، ومنهج دراسة الحالة يستعين بأدوات البحث المختلفة من ملاحظة ومقابلة و غير ذلك. من هنا ارتأينا إلى الاستعانة بأدوات هذا المنهج في دراستنا هذه مقتنعين من أن اعتماده يفيد في الإحاطة بأبعاد الموضوع بشكل حقيقي ودقيق ومفصل.
المقترب الإحصائي: والذي سيسعفنا في تحليل المعطيات الرقمية التي سيتم الحصول عليها، ومن تم تحليلها تحليلا علميا يمكن من خلاله إعطاء صورة حقيقية وموضوعية للنتائج المحصل عليها، وعبر ذلك كله الإجابة عن فعالية أو عدم فعالية الوكالات الحضرية في تدبيرها لميدان التعمير.
انطلاقا من كل ذلك سنحاول تناول هذا الموضوع وفق التصميم التالي:
الفـصل الأول:الوكالات الحضرية كتجديد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير على المستوى المحلي
الفـصل الثاني:الوكالات الحضرية بين الــواقع والطموحات
- دراسة حالة الوكالة الحضرية لسطات -
الفـصل الأول:الوكالات الحضرية كتجديد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير على المستوى المحلي
تعتبر قضايا التعمير اليوم من بين الإشكاليات الإستراتيجية المؤسسة للفعل التنموي، إذ أصبح ينظر إليها كإحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها التنمية عموما والتنمية العمرانية على وجه الخصوص.
والتنمية هنا ليست بالعملية العفوية أو التلقائية، بقدر ما تمثل تلك العملية الإرادية المستندة إلى التدبير الجيد والقائم على التخطيط والتنظيم والتنفيذ والمتابعة والرقابة، والتي – التنمية- لابد لها كذلك من وسائل مالية وطاقات بشرية ، وعلى وجه الخصوص هياكل مؤسساتية قادرة على بلورة مختلف الاستراتيجيات على أرض الواقع ومن تم كسب الرهانات المسطرة والمأمولة.
من هنا جاءت الوكالات الحضرية كضرورة ملحة،تفرض نفسها للنهوض بقطاع التعمير عبر جعله دافعا وداعما للتنمية المحلية ابتداء، والوطنية الشاملة انتهاء، ومن تم تجاوز مختلف الاختلالات التي كان يعرفها هذا القطاع.
انطلاقا من كل هذا سنحاول أن نتناول في هذا الفصل أهم الاختصاصات والأدوار التي حددها المشرع لهذه البنية، خصوصا على مستوى التخطيط والتدبير العمرانيين باعتبارهما محددين رئيسيين لتأسيس تنمية عمرانية قائمة على الانسجام المجالي محليا(المبحث الأول)، وباعتبار الوكالات الحضرية أدوات مؤسساتية للفعل العمومي على هذا المستوى – المحلي-، فمن المؤكد قيام علاقات تفاعلية بينها و مجموعة من الفرقاء والمتدخلين في ميدان التعمير، حيث اختلاف وجهات النظر والرؤى وأيضا المصالح، ومن تم ضرورة التموضع الصحيح ضمن مجموع هؤلاء الفاعلين عبر وظيفة تكاملية قائمة على التنسيق والتشاور لا الإقصاء (المبحث الثاني).
المبحث الأول: أسس ومحددات تدخل الوكالات الحضرية في ميدان التعمير
إن رصد الأدوار التي يمكن أن تلعبها الوكالات الحضرية في ميدان التعمير محليا، لا يمكن الوقوف عليها إلا عبر محورين أساسين:
الأول وهو التخطيط العمراني وما يمثله من رهانات إستراتيجية تحمل مجموعة من التصورات النظرية الهادفة إلى تنظيم وتأطير المجال، وعبره تحقيق التنمية المستدامة والشاملة من خلال وثائق التعمير في بعديها التقديري والتنظيمي النافذ وما تتطلبه هذه الوثائق من إمكانيات مالية وبشرية وتقنية قادرة على صنع وبلورة الرهانات المجتمعية في شكل مخططات تعميرية (المطلب الأول).
والمحور الثاني الذي يتجسد مع التدبير العمراني باعتباره الأداة الأساسية التي يتم عبرها تفعيل البرامج والتصورات "النظرية " التي تم تسطيرها في التخطيط العمراني، وهي مرحلة معقدة نظرا لتداخل وتضارب المصالح عبرها(العامة والخاصة)، ولكونها كذلك هي المحدد والمعيار الأساسي لتقييم نجاح أو فشل أية سياسة تعميرية من خلال وثائق التعمير (المطلب الثاني).
المطلب الأول: الوكالات الحضرية وفاعلية التدخل في التخطيط العمراني
الأكيد أن التحكم في المجال من أجل تنظيمه وتوجيه توسعه وتحديد التوجهات العامة لتأطيره، يفترض وجود سند أو إطار قانوني تعتمد عليه الإدارة المكلفة بذلك في كل تدخلاتها التخطيطية والهادفة لتنظيم المجال، والنابعة أساسا من قانون التعمير كإطار تنظيمي يسمح لها في الواقع بالتوفر على الوسائل القانونية المحددة لآليات التدخل العمومي في مجال التخطيط.
والتخطيط بوجه عام يفيد التدبير الرامي لمواجهة المستقبل بخطط منظمة سلفا لتحقيق أهداف محدودة أو كما يعرفه هنري فايول Henri Fayol بأنه " التنبؤ بالمستقبل والاستعداد له" .
ومنه فإن التخطيط العمراني يبقى كأحد أبرز أوجه وأنواع التخطيط، باعتباره يشكل العنصر الأساسي في الإدارة العمرانية ، حيث يفيد في هذا الصدد " تدخل الإدارة بأدوات منهجية ووثائق مرجعية لتنظيم استعمال المجال وتقنين أو تحديد هذا الاستعمال لكل منطقة من مناطقه وتخصيص وظيفة لكل منها قصد تحقيق تكامل بين أجزائه وانسجام أطرافه وبالتالي حسن تنظيمه وتعميره" . وبناء عليه نعتقد أنه لرصد حجم ومستوى تدخل الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني (الفرع الثاني)، ينبغي الوقوف أولا على أدوات وآليات التخطيط العمراني، والذي تعتبر وثائق التعمير من أهم مرتكزاته (الفرع الأول).
الفرع الأول: الآليات التقنية للتخطيط العمراني
تعتبر وثائق التعمير بمثابة الآليات والأدوات الهامة لبلورة تخطيط عمراني منسجم وفعال ، حيث يمكننا التمييز في هذا الصدد،عند تناولنا لوثائق التعمير بين وثيقة التعمير التقديري كتجسيد فعلي للتخطيط الاستراتيجي على مستوى التخطيط العمراني، حيث تحديد الاختيارات والتوجهات العامة للتهيئة والتي تتجسد مع المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية (فقرة أولى).ثم وثائق التعمير التنظيمي النافذ والذي يمكن تسميته في هذا الصدد بالتخطيط الإجرائي على اعتبار أنه يقوم بالتحديد الدقيق لاستعمال الأراضي والتجهيزات والمرافق العمومية التي سيتم إنجازها(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: وثيقة التعمير التقديري
يعتبر التعمير التقديري بمثابة توجهات عامة وتصورات مستقبلية لما سيصبح عليه المجال، على الأمدين المتوسط والبعيد، حيث المميز لهذا النوع من التعمير كونه يهتم بشكل أساسي بوضع الخطوط العامة لتهيئة المجال وتبيان التجهيزات الأساسية الكبرى التي سيتم انجازها بداخله، وعليه فإن هذا النوع من التعمير يبقى ذو غاية توقعية وتقديرية نظرا للمدة التي يهتم بها والمحددة في 25 سنة.
وتبقى الإشارة إلى أن هذا النوع من التعمير – التقديري – يبقى حديث النشأة في التجربة المغربية ، على اعتبار أن سلطات الحماية كانت تهتم أكثر بالتعمير التنظيمي ذو الطبيعة الآنية والمباشرة –بهدف تحقيق أهدافها الاستعمارية التي رسمها مهندسوها في مجالي التعمير والإسكان - ومن تم عدم الاهتمام بالجانب التقديري الذي يعتمد على التخطيط المستقبلي والشمولي في معالجة المشاكل باستثناء المدن الرئيسية التي كان يتعامل معها بنوع من الإستراتيجية التعميرية، انطلاقا من ظهيري 1914و 1952 المتعلقين بالتعمير، وهو الأمر الذي أدى إلى انعدام التوازن الجغرافي بين مختلف المناطق في مغرب الاستقلال . هذا الأخير – المغرب- الذي سيجد نفسه مضطرا لتدارك الأمر عبر ضرورة خلق أدوات وآليات جديدة ترتكز على النظرة الإستراتيجية في التعامل مع ميدان التعمير ومن تم إفراز المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية ، الذي سيعتبر التجسيد الفعلي للتعمير التقديري/ التوجيهي.
وعليه : ماهي أهم أهداف وآثار هذه الوثيقة على المجال المحلي ؟
1- مفهوم وأهداف المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية :
يعتبر المخطط التوجيهي بمثابة وثيقة تعميرية ذات طابع توجيهي ، تطبق على رقعة أرضية تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية نظرا لحجم الترابط القائم بين مكوناتها في المجالات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية .
غير أن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها عند تناولنا للمخطط التوجيهي هو أن القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، لم يحدد أي شروط أو معايير تستوجبها مسطرة وضع هذا المخطط بل أعطى المشرع للإدارة المغربية المكلفة بالتعمير سلطة تقديرية في اتخاذ القرار حيث نجد أن المادة 2من القانون 12-90 نصت على أن المخطط يطبق على"...رقعة أرضية تستوجب تنميتها أن تكون محل دراسة إجمالية بسبب الترابط القائم بين مكوناتها..." على عكس التجربة الفرنسية التي تأخذ بالمعيار الإحصائي (العددي) والذي يتمثل في أن المشرع يلزم تزويد المدن التي يفوق عدد سكانها 10.000 نسمة بمخطط توجيهي، في حين يترك للإدارة الفرنسية هامش السلطة التقديرية فيما يتعلق بالتجمعات السكنية التي لا يصل عدد سكانها إلى العدد المطلوب لكن عملية تنميتها تتطلب تزويدها بمثل هذا المخطط .
وفيما يتعلق بأهداف المخطط فهي تتوزع بين:
الهدف العام: والمتمثل في تنسيق أعمال التهيئة التي يقوم بها جميع المتدخلين بما فيهم الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة والهيئات التي تحصل على مساعدات أو مساهمات مالية من الدولة والجماعات المحلية .
الهدف الخاص: والذي نجد أن المخطط يتبنى عبره نمط خاص بالنسبة للمجال المدروس بهدف تجاوز مختلف المشاكل الممكن أن تحدث مستقبلا.
هذا الهدف الذي تبقى أهم محاوره في :
تحديد اختيارات التهيئة التي يتطلبها تحقيق تنمية متناسقة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي للرقعة الأرضية المعنية.
تحديد المناطق العمرانية الجديدة و تاريخ السماح بالقيام بعمليات عمرانية فيها.
تحديد الأغراض العامة المخصصة لها الأراضي وتعيين المناطق الزراعية والغابوية والسكنية وكثافتها، وكذا المناطق الصناعية والسياحية والتجارية.
تحديد المناطق والمساحات الخضراء الرئيسية.
تحديد التجهيزات الكبرى.
تحديد القطاعات التي يجب القيام بإعادة هيكلتها أو تجديدها أو بهما معا..
2- مضمون وآثار المخطط التوجيهي
إن المخطط التوجيهي يحدد بشكل عام التوجهات الأساسية لتهيئة المجال العمراني المحلي على مدى 25 سنة، وهو بذلك ذو طبيعة تقديرية حيث يهتم بالأساس برسم التطورات المستقبلية على المدى البعيد للنسيج العمراني، وكذا تنسيق عمليات التهيئة بالمناطق المراد تنميتها وهو هنا لا يضع قواعد محددة أو قيود أو ارتفاقات معينة على أراضي معينة.
فهو يحتوي على خرائط تتعلق باستعمال الأراضي وتحديد المناطق وتقارير تقديمية لهذه الخرائط، تلخص مختلف الدراسات القطاعية التي يتم إعدادها ضمن مشروع المخطط . ونعتقد أن الهدف من ذلك يكمن في:
وضع إستراتيجية عامة يجب أن يعمل المخططون في إطارها أثناء وضعهم لمختلف مشاريع التهيئة والتعمير سواء على مستوى التعمير التنظيمي أو التعمير العملياتي.
تنظيم استعمال الأراضي في إطار من التكامل بين المناطق والحرص على التنسيق بين كافة المتدخلين في هذا المجال.
وبمجرد المصادقة على المخطط فهو ينتج آثاره تجاه الغير، هذه الأخيرة- الآثار- التي تتوزع ما بين ضرورة احترام المؤسسات العمومية لمقتضيات المخطط وكذا التعمير العملياتي أثناء التدبير العمراني، وأخيرا التعمير التنظيمي النافذ من خلال تصاميم التنطيق والتهيئة والنمو.
ويبدو أن آثار المخطط التوجيهي خلقت نقاشا حادا بين مجموعة من الباحثين في مسألة طبيعتها هل هي ملزمة؟ أم على العكس من ذلك، ومن ثمة إذا فقد المخطط صبغة الإلزام وعبره ضرورة التقيد بأحكامه فإنه سيفقد قوته وجدواه خصوصا إذا ما استحضرنا طبيعة مجال التعمير كميدان لتضارب والتقاء المصالح، كذلك الأمر إذا ما اعتبرنا أن كل مقتضياته ملزمة فإن الأمر سيضفي عليه صبغة الجمود ومن تم عدم السماح بالأخذ بعين الاعتبار بالتطورات الطبيعية والضرورية التي قد تحدث في المستقبل .
وإذا ما استقرأنا المادة 9 من القانون 12-90 سنجد أن المشرع المغربي استعمل لفظ" يجب على الدولة والجماعات المحلية....أن تتقيد بأحكام المخطط" وهو بذلك يستعمل لفظة الأمر التي تفيد الوجوب ومن تم فإن المشرع المغربي في توجهه هذا أضفى صبغة إلزامية على مقتضيات المخطط، وهو بذلك لم يساير بعض التشريعات المقارنة كالتشريع الفرنسي الذي وقف موقفا مرنا فيما يخص آثار المخططات التوجيهية من خلال استعماله ألفاظ " توجيه وتنسق " ،الأمر الذي قد يطرح مجموعة من الإشكالات العملية أثناء تنفيذ المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية.
وإذا كان هذا على مستوى التعمير التقديري عبر المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية الذي يجسد في حقيقة الأمر الأداة التي تعتبر صلة الوصل بين سياسة إعداد التراب وسياسة التعمير عبر التخطيط العمراني المحلي .
فماذا عن وثائق التعمير التنظيمي النافذ ؟ باعتبارها آليات تتغيى التحكم في استعمال السطح بناء على رؤية وظيفية لتنظيم المجال ؟
الفقرة الثانية: وثائق التعمير التنظيمي النافذ
يقصد بالتعمير التنظيمي كمقابل للتعمير التقديري، تلك الوثائق التعميرية التي يتم استعمالها من أجل التخطيط العمراني، والتي تتميز بالتفصيل والوضوح والدقة اللازمة لكي تظهر من خلالها حقوق والتزامات الأفراد ملاك الأراضي ولكي يعلم المواطنون بالتجهيزات والمرافق العامة التي سيتم انجازها وأين ستنجز .
والتعمير التنظيمي يتمم التعمير التقديري الذي وضع التوجهات العامة والمستقبلية على الأمدين المتوسط والبعيد، بل نجد أن التعمير التقديري يكاد لا يكون له مفعول بدون تعمير تنظيمي على اعتبار أن وثائقه تمكن من إنتاج مجال عمراني منسجم والأهداف المرسومة في المخططات التوجيهية .
هذا وتتجلى أهم وثائق التعمير التنظيمي في تصاميم التنطيق والتهيئة والنمو . غير أن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها على مستوى المنظومة القانونية المنظمة لهذه الوثائق، أن هناك تمييز بين تصميم التنطيق وتصميم التهيئة المنظمة بمقتضى القانون 12-90 المتعلق بالتعمير حيث الاقتصار فقط على المجال الحضري، عكس تصميم النمو الذي يخضع لظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية الكثل العمرانية القروية، وهو توجه منتقد في حقيقة الأمر على اعتبار أنه في الوقت الذي يذهب فيه المشرع نحو تجميع الترسانة القانونية المنظمة للجماعات القاعدية الحضرية والقروية -من خلال الميثاق الجماعي- نجد أن قوانين التعمير أبقت على هذا الفصل وهو فصل غير مبرر، حيث وإن كانت هناك من خصوصيات تفرض نوع من التعامل مع المجال القروي بشيء من المرونة، كان من المفترض أن يقوم المشرع بتجميع النص القانوني مع وضع معايير تمييزية وشروط موضوعية تبين حالات اللجوء لكل وثيقة بناءا على طبيعة المجال حضري/ قروي. وعليه ماهي أبرز خصائص كل وثيقة؟
1- تصميم التنطيق: يعتبر هذا التصميم بمثابة وثيقة من وثائق التعمير التنظيمي التي يتم اللجوء إليها قصد تطبيقها أثناء المرحلة الانتقالية الواقعة بين تاريخ المصادقة على الوثيقة التقديرية، أي المخطط التوجيهي وتاريخ الانتهاء من إعداد الوثيقة التنظيمية أي تصميم التهيئة.
ولهذا فأغلب الباحثين يعتبرونها بأنها وثيقة ذات وضع خاص . أي أنها بمثابة إجراء وقائي الهدف منه هو سد الفراغ ، الذي يمكن أن يحدث مابين المصادقة على المخطط التوجيهي والمصادقة على تصميم التهيئة لمدة أقصاها سنتان.وفيما يتعلق بمحتوى تصميم التنطيق، وعلى خلاف تصميم التهيئة الذي يتعرض لمختلف جوانب التنمية العمرانية لمنطقة معينة -كما سنرى في النقطة الموالية- فإن تصميم التنطيق يقتصر على تحديد المناطق حيث يعمل على "... تخصيص مختلف المناطق للأغراض التي يجب أن تستعمل لها بصورة أساسية سكنية، صناعية، تجارية، سياحية، زراعية...وكذلك تحديد المناطق التي يحظر فيها البناء بجميع أنواعه، وكذا تحديد المناطق التي يجب فيها التأجيل بالبث في الطلبات التي ترمي إلى الحصول على إذن للقيام بداخلها بتجزئة وإحداث مجموعة سكنية واستصدار ترخيص للبناء فيها" .وفيما يتعلق بالآثار فإنه بمجرد المصادقة على مشروع تصميم التنطيق يلتزم أصحاب مشاريع التجزئات ومشاريع البناء بمختلف القطاعات السكنية والتجارية والسياحية وغيرها باحترام الاستعمالات التي يحددها التصميم للأراضي...
2 – تصميم التهيئة يعتبر تصميم التهيئة بمثابة وثيقة تعميرية تنظيمية تستهدف تخطيط المجال الحضري بشكل خاص، والتحكم في التوسع العمراني للجماعات الحضرية والقروية بشكل عام . فهو بمثابة الوثيقة التي تترجم عمليا توجهات المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية على أرض الواقع، وكذا تحديد الإجراءات التنظيمية المتعلقة بعمليات التعمير وكيفية استعمال الأراضي الحضرية.
هذا وتبقى الإشارة إلى أن تصميم التهيئة يعتبر كأول وثيقة تعميرية نص عليها التشريع المغربي في مجال التخطيط العمراني، ضمن أول قانون تنظيمي لأعمال التعمير والذي صدر في 1914 . لهذا نجد أن له ارتباط بالأهداف العامة للدولة، إذ يعتبر في هذا الصدد من أبرز القنوات الرئيسية التي تحقق الدولة من خلالها أهدافها السياسية، حيث التحكم في توسيع المدن نظرا لثقلها في التوازنات السياسية والاجتماعية للبلاد .
فإذا كان المجال يشكل رهانا بالنسبة للدولة، وأحد قنوات الضبط الإداري فقد أصبح إنتاج المجال الحضري مرتبطا بتدخل السلطة السياسية ظاهريا من اجل احترام القوانين المعمول بها في ميدان التعمير، وباطنيا للأولية المكتسبة من طرف الاعتبارات الاجتماعية، وبالتالي فلا مناص من خضوعه للسلطة السياسية، ولا يجب أن يفهم من هذا انحصار الاعتبارات في الجوانب الأمنية بل يجب إدراكها في شموليتها المتمثلة في مختلف أوجه وتشعبات الوضع القائم، وذلك لما للمجال من دور في البناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي . وهذا ما يبرر أهمية تصميم التهيئة بالنسبة للدولة. وعليه فإذا كان المجال يشكل الحقل السياسي المفضل أي حقل بلورة الرهانات فإن تحقيق هذه الرهانات يبقى رهينا بتوفر اختيارات مضبوطة ومعقلنة في إطار تصميم التهيئة.
وتبقى أهم أهداف تصميم التهيئة الذي تسري فاعليته على المجال المحلي لمدة 10 سنوات في :
أ/ التنطيق: سواء في بعده الآني كالمناطق السكنية والصناعية والتجارية والسياحية والغابوية، أو في بعده المستقبلي من خلال تحديده للمناطق المفتوحة للعمران في المستقبل، وكذا المناطق التي تستوجب تهيئتها نظام قانوني خاص، خاصة الأحياء العشوائية (البند 13 من المادة 19 من القانون 12-90).
ب/ تخطيط الطرق والساحات العمومية : من خلال رسم التصميم للطرق العمومية الموجودة داخل المدينة وتلك التي يقرر إحداثها سواء منها الشوارع أو الأزقة أو الممرات
وغيرها كما يبين الشوارع الرئيسية التي تربط المدينة بالطرق الموجودة أو المقرر إحداثها والتي تربطها أو سوف تربطها بالمدن القريبة أو البعيدة .
ج/ المواقع المخصصة للتجهيزات العامة والمرافق العمومية: حيث التنصيص على التجهيزات والمرافق العمومية التي تحتاجها المنطقة التي يغطيها بالنظر إلى وثيرة توسع تلك المنطقة وتعميرها، وبالنظر أيضا إلى النمو الديمغرافي الذي ستشهده مستقبلا.
د/ ارتفاقات التعمير: والتي تعتبر بمثابة " التكاليف الموضوعة لتحقيق المنفعة العامة وتتحملها الأراضي حسب موقعها داخل مختلف مناطق المدينة حيث تخطيط وتنظيم هذه الأخيرة" وهي ارتفاقات مقررة للمنفعة العامة .
أما آثار تصميم التهيئة فتتجلى في نوعين من الآثار :
تجاه الأشخاص العموميين حيث يلزمهم القيام باتخاذ جميع التدابير اللازمة لتنفيذ واحترام أحكام تصميم التهيئة ، ومن تم يجب اتخاذ مجموعة من التدابير الاحتياطية كوقف تسليم الرخص المرتبطة بالتعمير العملياتي.
تجاه الخواص حيث مراقبة مبادرات الخواص بواسطة الترخيص الإداري .
وعليه إذا كان هذا على مستوى تصميم التهيئة كوثيقة تعميرية تنظم المجال الحضري، فماذا عن تصميم النمو كآلية تنظيمية للمجال في بعده القروي ؟
3/ تصميم النمو: نظرا لضعف الحركة العمرانية في العالم القروي، يعتبر تصميم النمو بمثابة الوثيقة التعميرية التي تنظم هذه المناطق القروية، حيث أنّ هذه المناطق ظلت خاضعة لظهير 25يونيو 1960 المتعلق بتنمية الكتل العمرانية. إذ نجد أن المشرع كان يهدف من وراءه تبسيط مسطرة التخطيط العمراني لتهيئة هذه المناطق، وليونة التعامل مع السكان بسبب ضعف التعمير في هذا النوع من المجال.
ونجد أن المشرع المغربي كان غامضا في عدم تحديده لمجال تطبيق تصميم التنمية بشكل واضح من خلال اعتباره للمناطق القروية" هي تلك المناطق التي تخرج عن مجال تطبيق تصميم التهيئة، وتركه للإدارة السلطة التقديرية في تحديد هذه المناطق".وتبقى أبرز أهداف تصميم التنمية، في تحديده للمناطق القروية المخصصة للسكن وإحداث المنشآت الفلاحية، التجارية و الصناعية وإقرار ارتفاقات التعمير وكذا تخطيط الطرق الرئيسية للسير .
كما تبقى الإشارة إلى أن تصميم التنمية يقوم بتقسيم المناطق حسب الأنشطة التي يعرفها المجال القروي إذ أنّ المناطق السكنية تحتل أهمية كبرى داخل الكتل العمرانية القروية، وهذا يرجع لكون هذه الأخيرة تستقطب أكبر عدد ممكن من السكان القرويين.
وبالتالي وبمجرد الموافقة على تصميم التنمية تصبح مقتضياته سارية المفعول اتجاه
الأشخاص العموميين والخواص . حيث أنّ قرار الموافقة يعتبر بمثابة إعلان عن المنفعة العامة لمدة عشر سنوات، يمكن تجديده بعد بحث عمومي يدوم شهرا واحدا .
وختاما لما سبق، وإذا كان هذا على مستوى الآليات التقنية والنظرية للتخطيط العمراني من خلال وثائق التعمير سواء في بعدها التوجيهي أو التنظيمي النافذ. فأين يتجلى دور الوكالات الحضرية على مستوى هذه الوثائق؟
الفرع الثاني :تدخلات الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني
الأكيد أن جميع القرارات التي يتم اتخاذها بالخصوص في ميدان التخطيط العمراني ليست تلقائية ، بل إنها تقوم وتعتمد على دراسات ووثائق يتم وضعها بشكل مسبق، وإعدادها يدخل ضمن صلاحيات الوكالات الحضرية التي تحظى بدور أساسي في مجال التخطيط العمراني حيث نجد أن المشرع قد اعترف لها بممارسة مجموعة من الصلاحيات غير أن حجم وطبيعة هذا التدخل- أي تدخل الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني – يختلف بحسب طبيعة الوثيقة التعميرية، ذلك أنه في الوقت الذي أعطى فيه المشرع للوكالة الحضرية دور محدود على مستوى التعمير التوجيهي (الفقرة الأولى)، فإنها في المقابل تتمتع بصلاحيات واسعة على مستوى التعمير التنظيمي النافذ (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المساهمة في إعداد المخطط التوجيهي كرؤية إستراتيجية لتهيئة المجال المحلي
إذا كانت صلاحية المبادرة في إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية تعود إلى الوزارة المكلفة بالتعمير، استنادا إلى مقتضيات المادة الثالثة من المرسوم التطبيقي للقانون 12-90 المتعلق بالتعمير، والتي تنص على أنه " يتم إعداد مشروع المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية بمسعى من السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير وبمساعدة من الجماعات المعنية والمجموعات الحضرية في حالة وجودها"، إلا أن هذا لا ينفي تدخل أجهزة أخرى في هذه المسطرة كما هو الحال بالنسبة للوكالة الحضرية التي تتمتع بمجموعة من الاختصاصات على مستوى مسطرة إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية.
فهي تتوفر على جملة من الاختصاصات المفوضة لها في ميدان التعمير،تجعلها تفرض نفسها كوحدة لا يمكن التقليل من أهميتها بالنسبة لجميع التدخلات في ميدان التخطيط العمراني داخل الفضاء الجغرافي الذي تغطيه ، إذ أن من بين الاختصاصات الموكولة للوكالات الحضرية
" القيام بالدراسات اللازمة لإعداد المخططات التوجيهية المتعلقة بالتهيئة الحضرية ومتابعة تنفيذ التوجيهات المحددة فيها " فالوكالات الحضرية أنيطت بها مهمة إعداد الدراسات التمهيدية اللازمة لإعداد المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية التي تدخل في نطاق اختصاصها،وتأتي أهمية هذا الدور من الحاجة التي عبر عنها واضعو مشروع قانون الإطار لسنة 1970 المتعلق بالتهيئة الحضرية والقروية، من أنه يتعين الاستناد في إعداد المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية على دراسات أولية تسند مهمة إنجازها إلى فرق متعددة الاختصاصات .
وأمام الضعف الذي كانت تعاني منه السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير على هذا المستوى فيما مضى، حيث كان يتم اللجوء لإعداد مثل هذه الدراسات إلى مكاتب الدراسات الخاصة، لكن وبعد إحداث الوكالات الحضرية فإن الوضع اختلف كثيرا ، إذ أسندت هذه المهمة – القيام بالدراسات – للوكالات الحضرية في حال وجودها كما يستفاد من الظهير المحدث لها. والدراسة هنا تتناول مختلف الجوانب التي تهم المجال المحلي من الناحية الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية والعقارية والتجهيزات الأساسية والمرافق العامة وكذلك العلاقات الاقتصادية الموجودة بين مجال المدينة المدروسة والمدن المجاورة .ومن تم فهي بهذا الشكل تقتضي جمع معلومات ومعطيات متنوعة ومحددة الأمر الذي يستدعي من الوكالة الحضرية القيام بذلك على المستويين المركزي والمحلي وحتى على مستوى السكان .
كما تتدخل الوكالات الحضرية في مسطرة إعداد مشروع المخطط التوجيهي من خلال عضويتها في بعض الأجهزة المعنية بهذه العملية، إذ تنص المادة 4 من المرسوم التطبيقي للقانون 90-12 المتعلق بالتعمير أنه " تحدث برئاسة السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير أو ممثلها لجنة مركزية لمتابعة إعداد المخطط التوجيهي، يعهد إليها بحث وتوجيه الدراسات المنجزة في مختلف مراحل إعداد المخطط التوجيهي المذكور " حيث تضم هذه اللجنة من بين أعضاءها مدير الوكالة الحضرية في حالة وجودها.
وبناء عليه وإذا كانت الوكالات الحضرية تلعب دورا مركزيا في مناقشة وبحث ومتابعة إعداد المخططات التوجيهية داخل نطاقها، فإن التساؤل المطروح هو: لماذا تم اختصار دورها في عمليتي الإعداد ومتابعة تنفيذ المخططات التوجيهية، من دون أن تكون لها صلاحية المبادرة في وضع هذا المخطط؟ ومن ثمة تقزيم دورها في مجال التعمير التوجيهي حيث الحضور القوي للمركز في اتخاذ قرار المبادرة بشأن المخططات التوجيهية.
إن الإجابة عن هذا التساؤل تجعلنا نؤكد على أنه وبالإضافة إلى المبررات الموضوعية والمقنعة -إلى حد ما- في كون أن هذا النوع من الوثائق يبقى مكلف ويفوق القدرات المادية للفاعل المحلي في ميدان التعمير - سواء كانت الوكالات الحضرية أو الجماعات المحلية-، فإن هذا لا ينفي حضور البعد السياسي في ميدان التعمير الذي يبقى له ارتباط قوي بإعداد التراب حيث المجال يدخل بصفة عامة ضمن منطق الاحتواء والمراقبة من طرف الدولة ، وبالتالي فميدان التعمير يشكل رهانا من الرهانات الأساسية للسلطة السياسية حيث الهدف هو التحكم في المجال ورصد تحولاته .
فالمخطط التوجيهي يعتبر كوثيقة تعميرية ذات طابع استراتيجي، ومن تم نجد أن السلطات المركزية تحاول من خلالها تنفيذ سياساتها العامة على المستوى المحلي، وهو معطى جوهري يبرر انفراد السلطات المركزية بتصور وإعداد وحتى المصادقة على هذه الوثيقة التوجيهية لباقي وثائق التعمير الأخرى.
وعليه فإن طبيعة تدخل الوكالة الحضرية على مستوى هذه الوثيقة يبقى غير محفز، إذ أن المبادرة والمصادقة مركزية ودور الوكالات الحضرية يبقى استشاري فقط دون صلاحية التقرير، الأمر الذي يحد من نجاعة الدور بالنسبة لهذه المؤسسات على مستوى التعمير التقديري.
ومنه إذا كانت هناك محدودية التدخل على مستوى المخطط التوجيهي فما هو مستوى التدخل على مستوى وثائق التعمير التنظيمي النافذ ؟
الفقرة الثانية: بلورة وثائق التعمير التنظيمي كأدوات إجرائية لتقنين المجال المحلي
على عكس وثيقة التعمير التقديري، نجد أن الوكالات الحضرية تلعب دورا متميزا في وثائق التعمير التنظيمي النافذ، والذي يجسد أهمية التدخل اللامركزي لهذه المؤسسة من حيث المبادرة والإشراف على إعداد مشاريع تصاميم التهيئة والتنمية وكذا مشاريع تصاميم التنطيق في حالة إعدادها بطريقة منفردة.
ويمكن رصد المرتكز القانوني لهذا التدخل من خلال البندين 2و3 من المادة الثالثة من الظهير المحدث للوكالات الحضرية حيث:
" تتولى الوكالة الحضرية في نطاق اختصاصها : ...
2 – برمجة مشاريع التهيئة المرتبطة بتحقيق الأهداف التي ترمي إليها المخططات التوجيهية.
3- تحضير مشاريع وثائق التعمير المقررة بنصوص تنظيمية خصوصا خرائط التنطيق ومخططات التهيئة ومخططات التنمية......"
ومن تم ماهي طبيعة وحجم هذا التدخل على مستوى كل وثيقة من وثائق التعمير التنظيمي النافذ؟
أ- على مستوى تصميم التنطيق
تقوم الوكالة الحضرية ب" تحضير مشاريع وثائق التعمير المقررة بنصوص تنظيمية خصوصا خرائط التنطيق..."، حيث تبدأ عملية وضع مشروع تصميم التنطيق من طرف الوكالة الحضرية بإنجاز تقرير تمهيدي للمجال المحلي الذي سيغطيه التصميم، ويكون الهدف منه فهم وتحليل العوامل خاصة منها الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على المدينة وتفسر نموها حيث تتناول دراسة التقرير التمهيدي الجوانب التالية :
التطور التاريخي لاستعمال الأرض وشرح احتلالها، التطور الديمغرافي مع كشف لوضعية حالة المساكن الموجودة، وتوزيع السكان حسب مداخيلهم على مستوى الأحياء، وكذا وصف الأنشطة المتوفرة وتقدير نسبة البطالة إلى جانب تحديد مناطق التشغيل والتعريف بمراكز الأنشطة والأحياء. ثم بيان التجهيزات الاجتماعية والاقتصادية الحالية وكيفية توزيعها داخل فضاء المدينة مع الإشارة إلى الخصاص الذي تشكو منه التجهيزات الأساسية والإشارة إلى عراقيل التنمية الحضرية أو المشاكل الخاصة التي تعوقها أو تواجهها.
واعتمادا على مختلف هذه الدراسات التمهيدية تقوم الوكالة الحضرية بوضع مشروع تصميم التنطيق، وذلك من خلال تحديد تنطيق لمختلف المجالات المشمولة بمشروع التصميم، حيث تحدد المناطق المخصصة لمختلف الأغراض التي يجب أن تستعمل لها.
وبعد وضع مشروع التنطيق تقوم الوكالة الحضرية بعرضه على اللجنة المحلية للتعمير التي تقوم بإبداء اقتراحاتها وملاحظاتها حول المشروع، وتوجه بعد ذلك موجز عن أعمالها إلى مدير الوكالة الحضرية، هذه الأخيرة – الوكالة الحضرية- التي تقوم عند الاقتضاء بتعديل مشروع تصميم التنطيق وفق ما تم التوصل إليه عند دراسة الملاحظات التي أبدتها هذه اللجنة. لتتم بعد ذلك إحالة مشروع تصميم التنطيق في صورته الجديدة إلى السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير قصد الموافقة عليه بقرار ينشر في الجريدة الرسمية .
ب-على مستوى تصميم التهيئة:
تنص المادة 23 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير على أنه " يتم وضع مشروع تصميم التهيئة بمبادرة من الإدارة..." ويراد بالإدارة هنا الوزارة المكلفة بالتعمير أو الوكالة الحضرية بحسب الحالة .
وعليه وبما أن تصاميم التهيئة " ليست مجرد أداة يتم إعدادها فوق طاولة المهندس المعماري أو غيره من المختصين بل هي مشروع مستقبلي هدفه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن حسن استعمال المجال وتخطيط العمران والتجهيزات المتنوعة، فإن عملية الإعداد تستوجب أولا فهم المجال المعني بهذه الوثيقة، لهذا تتولى الوكالة الحضرية إجراء دراسات متعددة الاختصاصات يمكن تصنيفها إلى ثلاث مستويات :
+ دراسات سوسيو- اقتصادية تتوخى التعرف على الخصائص الديمغرافية للمنطقة المعنية بالتصميم، وكذلك الخصائص السوسيو اقتصادية للسكان بالإضافة إلى تحديد الأنشطة الاقتصادية الأساسية التي تتميز بها المنطقة.
+ دراسات مجالية هادفة إلى التعرف على الخصائص الطبيعية للرقعة المعنية بالتصميم وكذلك الخصائص التي تميز الدينامية الحضرية التي تعرفها.
+ دراسات قطاعية تهم عدة مجالات مثل السكن، التجهيزات، البيئة، العقار، المناطق المخصصة للأنشطة الاقتصادية .
بالموازاة مع ذلك، تبعث الوكالات الحضرية رسالة مشفوعة بخريطة إلى المصالح الإدارية والهيئات المعنية للحصول على المعلومات المتعلقة بالاحتياط العقاري الواجب تخصيصه لكل منها في إطار التصميم، كما يتعين أن يتضمن جواب هذه الهيئات كذلك برنامج الانجازات التي يجب القيام بها في الخمس السنوات الموالية . وتمكن هذه المعطيات الوكالة الحضرية من تحديد برنامج العمليات التي يجب القيام بها في الخمس سنوات الموالية.
واستنادا إلى مختلف هذه الدراسات والمعطيات تعمل الوكالة الحضرية على وضع مخطط إجمالي يجب أن يكون محل اتفاق شامل على المستوى المحلي وعلى أساس هذا المخطط الإجمالي يتم تقدير الحاجيات على المدى القصير والمتوسط والبعيد، وذلك من خلال المقارنة بين الحاجيات النظرية والحالة الواقعية .
هذا وبعد تحديد مشروع تصميم التهيئة وضابطته من طرف الوكالة الحضرية، يتم توجيهه إلى اللجنة المحلية المكلفة بالتعمير قصد استشارتها، حيث تمكن هذه العملية من الحصول على رأي جميع الإدارات العمومية والمؤسسات المهنية المعنية حول ما ينص عليه المشروع. لتقوم الوكالة الحضرية بعد ذلك بتوجيه المشروع إلى المجالس المحلية المعنية تحث إشراف العامل للقيام بالمسطرة القانونية المتعلقة بالبحث العمومي، لتتم إعادة المشروع بعد ذلك إلى الوكالة الحضرية قصد إدخال التعديلات والمقترحات اللازمة على التصميم وضابطته .
وبعد التعديلات النهائية تقوم الوكالة الحضرية بتوجيه الملف المتعلق بمشروع تصميم التهيئة إلى الوزارة المكلفة بالتعمير من أجل مسطرة الموافقة عليه بمقتضى مرسوم ينشر في الجريدة الرسمية .
ولعل هذه المسطرة –المصادقة- تطرح في حقيقة الأمر أكثر من نقاش، على اعتبار أن تصميم التهيئة ومنذ مراحله الأولى يتم إعداده بطاقات ومجهودات محلية تدعم سلطات اللامركزية وعدم التركيز، في حين تبقى صلاحية المصادقة عليها مركزية، توجه نجده منتقد من طرف مجموعة من الباحثين حيث كان من الأولى إعطاء صلاحية المصادقة للوالي على اعتبار أنه الأقرب للمجال والواقع المحلي ،كما هو الحال في التجربة التونسية حيث أن صلاحية المصادقة هي من اختصاص الوالي .
ج- على مستوى تصميم النمو:
على الرغم من المستجدات التي عرفها قطاع التعمير، خاصة على المستوى المؤسساتي فإن النص المنظم لتصميم النمو بقي وفيا للظروف التي أحاطت صدوره. ومن هذه المستجدات الاختصاصات المعترف بها للوكالة الحضرية فيما يخص إعداد هذه الوثائق حيث أصبحت تتولى تحضير مشاريع وثائق التعمير المقررة بنصوص تنظيمية خصوصا تصاميم النمو في نطاق اختصاصها، ويمكن رصد تدخل الوكالة الحضرية على مستوى هذا النوع من الوثائق عبر ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى: حيث تبتدئ الوكالة الحضرية في دراسة التقرير الأولي بتنسيق مع المديرية الجهوية للإسكان والتعمير، وكذا قسم التعمير بالعمالة وإبداء الملاحظات الأساسية التي يجب على مكتب الدراسات أخذها بعين الاعتبار، حيث نجد أن هذا التقرير الأولي يتضمن:
الإشكالية المتعلقة بالمركز المدروس داخل محيطه.
المنهجية المعتمدة في الدراسة والمتعلقة بمختلف المهمات وتتابع مختلف مراحلها.
مختلف الأبحاث وكذا التقصيات المزمع القيام بها في هذا الإطار.
نماذج من جذاذات البحث والرسائل الموجهة إلى مختلف الإدارات.
ثم تقوم الوكالة الحضرية بعد موافقتها واقتناعها بهذا التقرير المبدئي بتسلم تقرير تحليلي وخلاصي، وذلك في أجل لا يتعدى أربعة أشهر ابتداء من توصله برسالة في هذا الشأن.
ومن بين ما يتضمن هذا التقرير:
تدقيق الإشكالية المقدمة في التقرير الأولي مع تقديم حلول مناسبة لها.
برمجة مدققة متعلقة بمختلف القطاعات والتهييئات المقترحة والمعتمدة على الاحتياجات الخاصة بالجماعة القروية، المتعلقة بالسكن والتجهيزات الأساسية (البنيات التحتية والمرافق...)
بعد ذلك تقوم الوكالة الحضرية باجتماع تشاوري مع ممثلي العمالة والممثلين المحليين عن وزارة الفلاحة، التنمية القروية ووزارة التجهيز، وممثلين عن المجلس الجماعي وكذلك كل الجهات والمصالح الضرورية حيث يتم دراسة التقرير وإبداء الملاحظات الضرورية لكي يتم تهيئ الصيغ المناسبة للمركز، ليسفر الاجتماع على إنجاز محضر تسجل فيه الملاحظات المبداة من طرف اللجنة، لتقوم بعد ذلك الوكالة الحضرية بدراسة دقيقة من الناحية التقنية والقانونية لصيغ التهيئة وذلك لبلورة الصيغة النهائية .
المرحلة الثانية: في هذه المرحلة يقوم مدير الوكالة الحضرية بإمضاء النسخة الأصلية للصيغة النهائية لتصميم التنمية المعدل ليوجهه إلى مصالح العمالة مقابل وصل إيداع يقوم بإمضائه مستلم الوثيقة الأصلية. كما يراسل مدير الوكالة رئيس المجلس الجماعي ومطالبته بالعمل على تعجيل مسطرة الموافقة على الكتل العمرانية القروية المعنية وفقا للمقتضيات التي يتضمنها التصميم.
المرحلة الثالثة: تتوصل الوكالة الحضرية في هذه المرحلة بالملف القانوني للمصادقة عليه، حيث تتم مرة أخرى دراسته بطريقة متأنية ومستوفية للشروط التقنية والقانونية اللازمة، مع التأكد بأن قرار العامل يحتوي على موافقة الممثل المحلي لوزارة الفلاحة ورأي الممثل المحلي لوزارة التجهيز.
وبعد تهيئ ملف المصادقة من طرف الوكالة الحضرية تتم إعادة إرساله إلى عامل الإقليم قصد الموافقة عليه ويقوم بدوره بإرساله إلى وزير الداخلية للمصادقة عليه مع مطالبته بإرسال نسخة من هذه الإرسالية للوكالة الحضرية قصد الإخبار.
وبناءا على كل ما تقدم، وإذا كان دور الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني يتراوح ما بين محدودية التدخل على مستوى وضع الاستراتيجيات المجالية المحلية الذي يبقى شأنا مركزيا، فإنها بالمقابل منحت صلاحيات مهمة مكنتها من التدخل في وثائق التعمير التنظيمي النافذ بشكل إيجابي يجسد لامركزية تدخل هذه المؤسسات في تدبير المجال المحلي من زاوية قوانين التعمير.فأين يتجلى دورها على مستوى التدبير العمراني باعتباره يشكل التجسيد العملي لوثائق التعمير؟
المطلب الثاني: الوكالات الحضرية وازدواجية مهام التدبير العمراني
يعتبر التدبير العمراني بمثابة الترجمة الفعلية والعملية للتخطيط العمراني، على اعتبار أنه إذا كان هذا الأخير يشكل ضرورة لضبط نمو المجال على المدى القصير والبعيد من خلال وثائق التعمير التي تعتبر بمثابة المرجع القانوني لجميع المتدخلين في ميدان التهيئة بحكم الضوابط المرافقة لها، فإن التدبير العمراني يهدف إلى حل المشاكل والانشغالات اليومية من خلال ترجمة مقتضيات التخطيط العمراني، حيث الهدف المركزي هو تنظيم المجال تنظيما متوازنا ومتناسقا .
ومفهوم التدبير العمراني واسع جدا كونه يمتد ليشمل جميع مظاهر تنفيذ وثائق التعمير، على اعتبار أنها هي المجسد الفعلي للسياسة المتبعة في ميدان التخطيط العمراني على مستوى الميادين المرتبطة بتهيئة المجال وإعادة الهيكلة والتدخل في ميدان السكنى ومحاربة أحياء الصفيح .
فالتدبير العمراني في مفهومه الواسع يحيل إلى أنه " إطار شمولي لضبط التطورات العمرانية مع ضرورة الامتثال للضوابط التنظيمية للبناء والتعمير"
وفي مفهومه الضيق يعتبر بأنه" عمل إداري تمارس بموجبه الإدارة مراقبة وقائية لمطابقة بناية ما للقواعد العامة، حيث تكون فيها الرخصة بمثابة وسيلة للشرطة العامة للتعمير" أي أن تسليم الرخص هنا يعتبر بمثابة فعل "acte" تلاحظ بموجبه الإدارة المكلفة أن تنفيذ الأشغال يمكن الترخيص بها بالنظر إلى النصوص المتعلقة بالتعمير.
وبناء عليه: ماهي أهم تجليات وآليات هذا النوع من التعمير ؟
وما هو حجم ومستوى تدخل الوكالات الحضرية في التدبير العمراني؟
الفرع الأول: ميكانيزمات ووسائل التدبير العمراني
إن قراءة متمعنة للقانون 12-90 المتعلق بالتعمير، والقانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، تجعلنا نقف على أهم آليات التعمير العملياتي، إذ تعتبر بمثابة أدوات يمكن من خلالها التحكم في حجم النمو العمراني ، و من تم تحقيق الأهداف المسطرة في وثائق التعمير التقديري والتنظيمي النافذ، حيث تتبلور هذه الآليات في رخص البناء (فقرة أولى)، وكذا التجزئات والمجموعات السكنية والتقسيمات العقارية(فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: رخص البناء
تعد أنشطة البناء من الأنشطة الأساسية التي تساهم في ظهور التجمعات العمرانية، حيث أن السكن يحظى بأولوية في تخطيط كل فرد وكل جماعة. ولأجل تنظيم هذا النشاط كان لابد من إخضاعه للمقتضيات التشريعية الجاري بها العمل في تنظيم سياسة التعمير.
فأهمية الرخصة تتجلى في كونها تعتبر إحدى وسائل تقييد حق الملكية العقارية وما تقتضيه من إخضاع هذا الحق للمراقبة المسبقة للبناء وعدم ممارسته إلا في نطاق النصوص القانونية الجاري بها العمل ، بالإضافة إلى أن الغاية من فرض العمل بالرخص هو التعبير على رغبة المشرع في محاربة السكن العشوائي وفي الحد من امتداده مستقبلا وكذا تفادي التعمير غير المنظم.
وبالرجوع إلى القانون 12-90 المتعلق بالتعمير نجده في الباب الثالث منه والمعنون تحث " الأبنية" يتحدث في مواده العشر عن رخصة البناء ومقتضياتها دون أن يشير إلى أي مقتضى قانوني يحدد لنا المقصود بالبناء والعمليات التي تدخل في إطاره على الرغم من تنصيصه على ضرورة التوفر على رخصة البناء قبل الشروع فيه، كما تنص على ذلك المادة 40 من القانون 90-12 المتعلق بالتعمير.
وإذا كان المشرع المغربي لم يعرف المقصود برخصة البناء ، فإن الفقه قد اعتبرها بأنها ذلك الإذن الإداري المسبق اللازم للشروع في عملية البناء والذي يتم بعد التأكد من قبل السلطات المختصة من مطابقة مشروع البناء للقوانين الجاري بها العمل. كما أن الفقيه A.Latournorie عرف رخصة البناء بأنها " عمل تلاحظ بموجبه السلطة العمومية ما إذا كانت الأشغال المراد انجازها تستحق أن يرخص لها بالنظر إلى النصوص المتعلقة بالتعمير".
كذلك تعرف بأنها" وسيلة تمنح للإدارة من أجل العمل على احترام كل التشريعات المتعلقة بالتعمير حيث أن الإدارة لن ترخص سوى بالبنايات المطابقة لتصميم التهيئة ولنظام الطرق ومشاريع التجزئات المصادق عليها"
وبناءا على هذه التعريفات يمكن أن نستخلص بأن رخصة البناء هي سلطة تتمتع بها الإدارة، الغاية منها مراقبة عمليات البناء قبل القيام بها للتأكد من مدى مطابقتها للقوانين الجاري بها العمل. فهي إذن بمثابة إذن إداري مسبق يلزم الحصول عليه من طرف كل شخص (طبيعي/ معنوي) أراد الشروع في البناء.وإذا كان هذا يتعلق بالمفهوم فماذا عن نطاق تطبيق رخص البناء ؟
نجد أن المادة 40 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير تنص على أنه يمنع القيام بالبناء دون الحصول على رخصة لمباشرة ذلك في الجماعات الحضرية والمراكز المحددة التي هي عبارة عن أجزاء من جماعات قروية يتم تعيين حدودها من طرف السلطة التنظيمية، وكذا داخل المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية والمراكز المحددة أي داخل الأراضي القروية التي توجد بجوار تلك الجماعات.كما يشمل المجال الترابي المعني بتطبيق رخصة البناء كل أو بعض أراضي جماعة قروية أو جماعات قروية تكتسي صبغة خاصة سياسية وصناعية ومنجمية، ويستوجب التطور المرتقب للعمران فيها وجوب إخضاعها للرقابة الإدارية حيث يتم تحديد هذه المناطق من طرف الإدارة باقتراح من مجالس الجماعات المختصة أو باقتراح من عامل العمالة أو الإقليم المعني إذا لم تتول هذه المجالس أمر ذلك بنفسها.
ويجب الحصول على رخصة البناء كذلك في حال إدخال تغييرات على المباني القائمة إذا كانت التغييرات المزمع القيام بها تتعلق بالعناصر المنصوص عليها في الضوابط المعمول بها.
وإذا كان هذا على مستوى القانون 12-90 فإن الفصل السابع من ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتوسيع نطاق العمارات القروية ينص على ما يلي " يمنع في العمارات القروية المتوفرة على تصميم خاص بتوسيع نطاقها تشييد أية بناية دون الحصول على إذن بالبناء تسلمه السلطة المحلية (حاليا رئيس المجلس القروي). ونميز في الرخص بين :
الرخص الصريحة إذ يستجمع طلب رخصة البناء كافة الشروط المتطلبة قانونا حيث إن تسليم رخصة البناء يكون حقا لطالبها وليس امتيازا له ، فتطبيقا للمادة 43 من القانون 12-90 التي تنص على أنه " تسلم رخصة البناء بعد التحقق من أن المبنى المزمع إقامته تتوفر فيه الشروط التي تفرضها الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خصوصا الأحكام الواردة في... تصميم التهيئة".
وهكذا فإن الجهة المكلفة بمنح الرخص – رؤساء المجالس الجماعية بعد ضرورة أخذ رأي الوكالات الحضرية في حالة وجودها- تسلم هذه الرخصة بعد أن يتم التحقق من أن المشروع المزمع إقامته لا يتعارض مع المقتضيات المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية بشكل عام وتصميم التهيئة على وجه الخصوص كما هو واضح من عبارة " خصوصا الأحكام الواردة في تصميم التهيئة " كما هو وارد أعلاه.
غير أنه إذا كان الغرض المخصصة له الأراضي غير محدد في تصميم التهيئة فإنه يمكن تسليم الرخصة شريطة أن يكون البناء المزمع القيام به ملائما لأحكام مخطط توجيه التهيئة العمرانية، أو مع الغرض الذي يصلح له فعلا القطاع المعني عند عدم وجود هذا المخطط .
الرخص الضمنية حسب المادة 48 من القانون 12-90، فإن رخصة البناء تعتبر مسلمة بمرور شهرين من تاريخ إيداع الطلب، ويشترط للحصول على الرخصة الضمنية أن يكون الطلب مستوفيا لكافة الشروط التي تتطلبها الأحكام التشريعية والتنظيمية وموافقا لمقتضيات تصميم التهيئة.
وإذا كان هذا على مستوى رخصة البناء وما تطرحه من إشكالات قانونية، فماذا عن باقي أدوات التعمير العملياتي الأخرى ؟
الفقرة الثانية: التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
إذا كان البناء يحيل إلى إنشاء المباني الجديدة أي الاستحداث أو البدء في إقامة المبنى لأول مرة فإن التجزئات والمجموعات السكنية والتقسيمات العقارية، تعتبر بمثابة العمليات السابقة لعملية البناء، في إطار ما يسمى بعمليات التهيئة بحيث ولكي تصير الأرض قابلة للبناء فإنه يجب أن تكون مجهزة ومهيأة لذلك. وعليه يمكن تأطير هذه الفقرة وفق نقطتين نتناول في الأولى التجزئات العقارية والمجموعات السكنية، وفي الثانية تقسيم العقارات.
1-التجزئات العقارية والمجموعات السكنية :
تعتبر التجزئة العقارية بحسب المادة 1 من القانون 25-90 هي كل " تقسيم عقار من العقارات عن طريق البيع أو الإيجار أو القسمة إلى بقعتين أو أكثر لتشييد مباني للسكنى أو لغرض صناعي أو سياحي أو حرفي أو تجاري مهما كانت مساحة البقع التي يتكون منها العقار المراد تجزئته"، وهو مفهوم يجد تطبيقاته في المناطق التي تغطيها وثيقة من وثائق التعمير وتكون الأراضي المراد تجزئتها محددة الأغراض من قبل هذه الوثائق.
كما يطبق كذلك في دوائر معينة، وهي الجماعات الحضرية والمراكز المحددة والمناطق ذات الصبغة الخاصة، إذا كانت الأغراض المذكورة – أي تلك التي ينص عليها كل من تصميم التهيئة وتصميم التنطيق- غير محددة من جهة، وكانت التجزئة المراد إحداثها تتوافق مع الغرض الذي يصلح له فعلا القطاع الواقعة فيه في حال عدم وجود مخطط توجيه التهيئة العمرانية من جهة ثانية .
إلى جانب هذا التعريف العام للتجزئة العقارية والذي يركز فقط على عنصرين(طبيعة العملية التي ينتج عنها التجزيء، والغرض منه دون شرط المساحة)، نجد أن هناك طبقا للبند الثاني من المادة 9 من القانون 25-90، تعريف آخر للتجزئة لأنه بالإضافة إلى عنصر طبيعة العملية العقارية المذكورة المنتجة للتقسيم، يجعل الغرض من هذا التقسيم متميزا وهو إقامة مساكن متفرقة أو نشاطات مرتبطة بالزراعة، من جهة ويضيف شرط المساحة التي ينبغي ألا تقل عنه أي بقعة من البقع الناتجة عن التقسيم وهي هكتار واحد.
كما نجد أن ظهير 25 يونيو 1960 المتعلق بتنمية الكثل العمرانية، أورد مفهوم للتجزئة لا يقل وضوح عن التعريف المعطى لها في القانون 25-90، فقط الاختلاف يكمن في أنه حدد العملية العقارية التي ينتج عنها التقسيم في البيع والإيجار(دون التقسيم) من جهة، ومن جهة ثانية اشترط أن تكون مساحة إحدى القطع أقل من2500 متر مربع، طبقا للفصل 10 من الظهير المذكور، بالإضافة إلى أن هذا النوع من التجزئة لا يطبق إلا في نطاق العقارات القروية التي تتوفر على تصميم التنمية.
وبناءا عليه، وإذا كان التجزيء حقا فرديا يرتبط ارتباطا وثيقا بحق الملكية، ولأجل ذلك فإن مالك العقار يملك مبدئيا حق التصرف في ملكيته إلا أن هذا الحق ليس مطلقا إذا تعلق الأمر بالتجزيء، حيث أن المشرع من خلال القانون 25-90 قيد هذه الحرية حينما ألزم المجزئين بوجوب الحصول على إذن إداري مسبق، إذ تعتبر هذه الرخصة بمثابة الآلية التي تسمح للجهات المختصة في محاصرة البناء العشوائي وتفاديه وخلق انسجام في اتساع العمران وتأمين التناسق بين مختلف التجمعات السكنية، والحفاظ على الطابع المعماري المنظم للمجال حتى تتماشى السياسة المطبقة في ميدان السكن مع متطلبات الأمن والصحة والسكينة .
وعموما إذا كانت التجزئة كأحد مستويات تدبير وتهيئة المجال، على اعتبار أن دورها يكمن في أنها تعتبر كإطار مرجعي من خلال اتخاذ كل تجزئة مظهر تركيبة مجالية مختلفة عن محيطها ومتميزة بهيكلتها. فإننا نجد أن بعض الباحثين ينتقدون هذا النوع من آليات التدبير العمراني ويعتبرونه كامتداد للمرجعية "الرأسمالية" حيث المبادرة الخاصة كطرف رئيسي في هيكلة وتدبير المجال، وبالتالي إخضاعه لقوانين السوق وعبره المصالح المهيمنة داخل المجتمع، ومن تم فإن القطاع الخاص لا يشارك فقط في السلطة على المجال بل يعزز ويقوي سلطته بواسطة هذا المجال .
هذا وإذا كان القطاع الخاص يلعب أدوارا هامة في تهيئة المجال، فإننا نعتقد أن إقصاءه يبقى توجه هو الآخر منتقد، على اعتبار أن الدولة اليوم وفي إطار التحولات العميقة التي طرأت على مستوى وظائفها، أصبحت غير قادرة لوحدها على صنع التنمية خصوصا في ميدان التعمير وما ترتبط به من مشاكل كالسكن العشوائي، بل لابد لها من شركاء من بينهم القطاع الخاص، ومن تم نعتقد أن المطلوب اليوم هو إقامة شراكة تعاقدية بين الدولة والقطاع الخاص يتم عبرها إعادة توزيع الأدوار وتحديد المسؤوليات وجعل القطاع الخاص مساهم في وضع السياسات العامة في مجال التعمير وليس فقط منفذا لهذه السياسات عبر تحديد واضح لحجم التدخلات.
2-تقسيم العقارات:يعتبر تقسيم العقار هو كل عملية عقارية تتميز بالخصائص التالية:
كل بيع أو قسمة يكون هدفها أو يترتب عليها تقسيم عقار إلى بقعتين أو أكثر غير معدّة لإقامة بناء عليها.
بيع عقار لعدة أشخاص على أن يكون شائعا بينهم يحصل بموجبه أحد المشترين على نصيب شائع يقل عن المساحة الدنيا للبقع الأرضية المنصوص عليها في وثائق التعمير.
نصيب شائع تكون مساحته دون 2500م في حالة عدم التنصيص على الحد الأدنى لمساحة البقع في وثائق التعمير .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن التقسيم يكون في المناطق التي لا يباح البناء بها بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير كما تقضي بذلك المادة 60 من القانون 25-90، غير أنه إذا وقع في عقار معد للبناء بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير فإن المطلوب هو التجزيء وليس التقسيم لأن هذا الأخير مرفوض في المناطق المعدة للبناء.
وإذا كانت هذه هي الآليات القانونية للتدبير العمراني كما نص عليها القانون 25-90، فأين تتجلى الأدوار العملية للوكالة الحضرية من خلالها سواء في الجانب المتعلق بدراستها أو في الجانب المتعلق بمراقبتها من خلال السهر على احترام وثائق التعمير؟
الفرع الثاني: مظاهر تدخل الوكالات الحضرية في ميدان التدبير العمراني
إذا كانت وثائق التعمير تهدف إلى تخطيط المجال العمراني في مدة زمنية معينة، فإن التدبير العمراني هو الآلية الكفيلة بتحقيق هذه الأهداف، وإذا كان هذا الأخير – التدبير العمراني-يعود إلى مجموعة من المصالح الإدارية المحلية، فإن هذا لاينفي تدخل الوكالة الحضرية في هذه العملية حيث دراسة الملفات وإبداء رأيها فيها (الفقرة الأولى)، ثم مراقبة هذه الملفات سواء أثناء التنفيذ أو بعد الانتهاء منه(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: دراسة الملفات وإمكانية تنظيم المجال المحلي
تمارس الوكالات الحضرية اختصاصاتها داخل مجموع تراب الجماعات الحضرية والقروية المتواجدة في منطقة نفوذها، حيث تنص المادة 3 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية على أن هذه الأخيرة تتولى في نطاق اختصاصها " إبداء الرأي في جميع المشاريع المتعلقة بتقسيم وتجزئة الأراضي وإقامة المجموعات السكنية والمباني، وذلك داخل أجل أقصاه شهر ابتداء من توجيه تلك المشاريع إليها من قبل الجهات المختصة، ويكون الرأي الذي تبديه في ذلك ملزما".
وهو معطى يوحي لنا بأن الوكالة الحضرية تلعب دورا متميزا على مستوى ملفات التعمير العملياتي خصوصا في شقه المتعلق بالدراسة، إذ أن رأيها يلزم الجهات المكلفة باحترامه سواء كان إيجابيا أو سلبيا.
ومن تم ماهي المسطرة التي تتبعها الوكالات الحضرية في دراسة هذه الملفات؟
وماهي الطبيعة القانونية للقرارات الصادرة عن الوكالات الحضرية؟ أو بعبارة أخرى هل الجهات المختصة بتسليم الرخص التعميرية تنضبط وتتقيد بآراء الوكالات الحضرية ؟
1- مسطرة دراسة ملفات التدبير العمراني من طرف الوكالة الحضرية:
إن الأساس القانوني الذي ترتكز عليه الوكالة الحضرية في مجال دراسة الملفات، لم يتم التنصيص عليه بشكل صريح إلا من خلال المرسوم التطبيقي للقانون 12-90،و المرسوم التطبيقي للقانون 25- 90، وكذا بعض الدوريات والمناشير التي حددت المسطرة التي تتبعها الوكالات الحضرية في دراسة الملفات المعروضة. حيث يمكن في هذا الصدد التمييز بين نوعين من المساطر:
أ- المسطرة السريعة : حيث خصصت لها المشاريع العادية " الصغرى" والتي تضم :
البنايات الفردية كالمباني (فيلات) والعمارات التي يساوي علوها أو يقل عن 11 متر ونصف أي بطابقين على الأكثر، وكذلك التغييرات والتهييئات المدخلة عليها.
بناء أو تهيئة محل للتجارة أو الصناعة داخل في صنف الدرجة الثالثة (حسب تصنيف ظهير1914 المتعلق بالمؤسسات المضرة بالصحة أو السكينة أو الطمأنينة العامة كمشاغل الإصلاحات الميكانيكية والنجارة) على ألا تتجاوز مساحتها 500 متر مربع وعلوها 5.5 مترا.
البنايات الموسمية أو المؤقتة.
ب- المسطرة العادية: والتي خصصت لها المشاريع الكبرى ،حيث يمكن اختصارها في:
التجزئات العقارية وتقسيمات الأراضي
جميع البنايات المزمع إنجازها من لدن أو لحساب إدارة عمومية أو جماعة محلية أو مؤسسة عمومية والتي تدخل في إطارها المدارس العمومية – المستشفيات –المساجد- المقابر...
البنايات الخاصة المخصصة للعموم أو تستقبل العموم (الفنادق، المدارس الخاصة...)
كل البنايات التي تفوق مساحتها 500م 2 وعلوها 5.5م.
وبناء عليه فإن الوكالات الحضرية تلعب دورا هاما على مستوى هذه المساطر، حيث أن الجهات المختصة بمنح الرخص ملزمة بضرورة عرض هذه الملفات (كبرى أو صغرى) على أنظار الوكالات الحضرية لإبداء آراءها.
هكذا وفيما يتعلق بالمشاريع العادية في إطار المسطرة السريعة، فإنه وبعد إيداع الملفات لدى الجماعة المعنية أي تلك التي سينجز المشروع بترابها، يتم تشكيل لجنة محلية تتولى الوكالة الحضرية أمانتها في حال وجود وثيقة تعميرية ، وأن الاجتماع لن يكون صحيحا إلا بحضور الوكالة الحضرية المعنية والتي يقتصر دورها في إبداء الرأي الذي يقتصر في هذه المسطرة على مطابقة مشروع البناء للمقتضيات القانونية والتنظيمية العامة المتعلقة بالتعمير والبناء، إضافة إلى مطابقته لوثائق التعمير المعمول بها.
أما فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى فإن الوكالة الحضرية هي من تتولى رئاسة اللجنة المحلية حيث دراسة الملفات داخل أجل لا يتعدى 10 أيام ابتداء من تاريخ تسلم الوكالة الحضرية لهذه الملفات، حيث أن الوكالة الحضرية تركز في دراستها للمشروع بالإضافة إلى احترام المقتضيات القانونية والتنظيمية، ومطابقة المشاريع لوثائق التعمير متطلب الجودة العمرانية للمشروع.
وإذا كان هذا بالنسبة لمسطرة الدراسة التي نجد معها حضورا "قويا" للوكالة الحضرية عبر رئاسة اللجنة المحلية أو عدم صحة اجتماع هذه الأخيرة إلا بوجود الوكالة الحضرية لإعطاء رأيها في المشروع المطروح.فماهي طبيعة الآراء الممنوحة للوكالات الحضرية في هذا الصدد ؟
2 -الرأي المطابق كقوة قانونية في يد الوكالات الحضرية
بالإضافة إلى ما تقدم، فقد أسند المشرع إلى الوكالات الحضرية صلاحية إبداء الرأي في جميع المشاريع المعروضة عليها، حيث أن البند 4 من المادة 3 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية أنها تقوم ب" إبداء الرأي في جميع المشاريع المتعلقة بتقسيم وتجزئة الأراضي وإقامة المجموعات السكنية... ويكون الرأي الذي تبديه في ذلك ملزما"
فالوكالة الحضرية إذن تتوفر على رأي مطابق ، حيث أن هذا الأخير يفيد "موافقة صاحب الرأي على مضمون القرار المعروض عليه والمزمع اتخاذه من قبل السلطة المختصة بإصداره"، وتأتي الموافقة قبل صدور القرار، فهي مرحلة سابقة على الإصدار وبدون هذه الموافقة يستحيل – قانونا- إصدار هذا القرار. ومن تم فإن الرأي الذي تبديه الوكالة الحضرية بشأن المشاريع المعروضة عليها هو رأي متطلب قانونا ولا يصح الترخيص بدونه.
وعليه نستنتج أن الوكالة الحضرية تحتل مكانة متميزة على مستوى دراسة الملفات، وهو معطى في حقيقة الأمر له أكثر من مبرر كون أن الوكالات الحضرية تتوفر على وسائل مالية وبشرية وتقنية تمكنها من القيام بدراسة معمقة لمجموع مشاريع التدبير العمراني.
ومن تم إذا كان هذا على مستوى الدراسة فماذا عن المراقبة كوجه ثاني للتعمير العملياتي؟
الفقرة الثانية: المراقبة والتتبع كضرورة لضبط حركة العمران المحلي
تعتبر الرقابة من زاوية علم الإدارة كما يعرفها بذلك فايول Henry Fayolبأنها " عمل يقوم على التحقق مما إذا كان كل شيء يسير وفقا للخطة المرسومة والتعليمات الصادرة والقواعد المقررة، أما موضوعها فهو تبيان نواحي الضعف أو الخطأ من أجل تقويمها ومنع تكرارها ".ومن تم يمكن القول بأن الرقابة تقوم على عنصرين:
التأكد من درجة تحصيل الأهداف المتوخاة.
الكشف عن الاختلالات التي تحول دون الحصول على الأهداف وتقويمها لمنعها من التكرار.
وفي ميدان التعمير نجد أن المشرع المغربي قد نظم حركة العمران عبر مرحلتين: مرحلة الترخيص المسبق، ومرحلة تتبع تنفيذ الرخص الممنوحة. وإذا كانت المرحلة الأولى وما تتطلبه من إجراءات وتدخلات من جانب السلطات المختصة، وما يترتب عنها من حقوق والتزامات لأصحاب الرخص والجهة المانحة مهمة جدا بالنسبة للجميع. فإن المرحلة الثانية لا تقل عنها أهمية على اعتبار أن من خلالها تسعى السلطات المختصة إلى التأكد من أن جميع أوراش البناء والتجزيء تتوفر على الرخص المطلوبة في النطاق الموجب لها من جهة وأن المقتضيات المنصوص عليها في الرخص الممنوحة تنفذ على أرض الواقع، وأن كل إخلال بذلك يعد مخالفة تعرض صاحبها إلى عقوبات زجرية إدارية أو قضائية تتناسب مع نوع ومدى هذه المخالفة .
هذا وتجدر الإشارة إلى أن النطاق الترابي الذي تمارس فيه الرقابة يشمل جانبين: الأول يتعلق بنطاق تطبيق الرخص الواجبة لعمليات البناء والتجزيء والتقسيم، والآخر يتعلق بنطاق يحظر فيه البناء كالارتفاقات المقررة لمصلحة بعض المرافق العمومية أو للمصلحة العامة بشكل عام .
والوكالة الحضرية تستمد تدخلها في مجال المراقبة من خلال البند 5 من المادة 3 من الظهير المحدث لها حيث تقوم ب: "...مراقبة أعمال تقسيم وتجزئة الأراضي وإقامة المجموعات السكنية والمباني عندما تكون في طور الانجاز، وذلك للتحقق من مطابقتها لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل،ولرخص التجزيء أو التقسيم وإقامة المجموعات السكنية أو البناء المسلمة لأصحاب الشأن " وهكذا نجد أن تدخل الوكالة الحضرية في ميدان الرقابة يتم عبر مستويين:
أ-المراقبة الآنية للمشاريع: والتي تتمثل في مراقبة المشاريع التي هي في طور الانجاز، إذ ولتسهيل مهمة الوكالة الحضرية في القيام بهذا المستوى من المراقبة تحدث هيئة محلفين تابعة لمدير الوكالة الحضرية يكلفون بإثبات المخالفات للنصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالتعمير. حيث تتولى هذه الهيئة القيام بدوريات ميدانية في مختلف الأوراش التي تكون في طور الانجاز، إذ تبقى الإشارة هنا إلى أن نظام الزجر قاعدته الأساسية هي هؤلاء المحلفين المكلفين بالمعاينة، حيث يعتبر عملهم قاعدة كل تحرك إداري أو قضائي في مجال المراقبة .
وتتم مسطرة ضبط المخالفات وفق المقتضيات المنصوص عليها في المواد 66 من القانون 25-90 والمادتين 64و65 من القانون 12-90، حيث يقوم المأمور المكلف الذي عاين مخالفة من المخالفات المنصوص عليها في القانون بتحرير محضر بشأنها، ويقوم بتوجيهه في أقصر الآجال إلى الجهة المكلفة بذلك، حيث المطلوب في هذا المحضر أن يكون مستوفيا لكافة الشروط المتطلبة شكلا ومضمونا حتى يتسنى للسلطة الإدارية والقضائية الاستعانة به .
وبعد ذلك تقوم مصالح الوكالة الحضرية بتحديد طبيعة المخالفات التي تم ضبطها على ضوء المقتضيات التشريعية والتنظيمية، حيث وعلى ضوء المعلومات التي تم جمعها من طرف الأشخاص المكلفين بمهمة ضبط المخالفات، وبعد ذلك يتولى مدير الوكالة الحضرية توجيه نسخ من المحاضر إلى السلطات المختصة لاتخاذ قرار بشأنها وفق النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ويتعين أن توجه هذه المحاضر في أقرب الآجال إلى كل من وكيل الملك وعامل العمالة أو الإقليم ثم رئيس المجلس الجماعي المعني من أجل اتخاذ التدابير الإدارية والقضائية اللازمة كما توجه نسخة إلى المخالف قصد الإخبار ، وتتولى مصالح الوكالة الحضرية فيما بعد مباشرة اتصالات دائمة مع السلطات المحلية والمصالح الجماعية من أجل إتمام الملفات المتعلقة بالمخالفات وتتبع الأحكام الصادرة عن المحاكم ومتابعة تنفيذها.
ب-المراقبة البعدية للمشاريع: تتوفر الوكالة الحضرية على آليات أخرى تضمن لها مراقبة مختلف المنجزات التي يتم إحداثها من أجل التأكد من أنه قد روعيت في إنجازها مختلف المقتضيات المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ومدى مطابقتها للرخص المسلمة بغرض إنجازها، ومن هذه الآليات المشاركة في اللجان المتعلقة برخص السكن وشواهد المطابقة حيث تنص المادة 55 من القانون 12-90 على أنه " لا يجوز لمالك المبنى أن يستعمله بعد انتهاء الأشغال فيه إلا إذا حصل على رخصة السكن إن تعلق الأمر بعقار مخصص للسكن أو على شهادة المطابقة إن تعق الأمر بعقار مخصص لغرض آخر غير السكن". وإذا كان اختصاص تسليم رخص السكن وشواهد المطابقة يعود إلى رئيس المجلس الجماعي، فهو لا يمكن أن يقوم بذلك، إلا بعد القيام بمعاينة البناية المعنية حيث أن هذه العملية تتولاها اللجنة المنصوص عليها في الدورية الوزارية 14 بتاريخ 10 يناير 1994 ، والتي تضم من بين أعضاءها ممثل عن الوكالة الحضرية.
كما تتولى الوكالة الحضرية المشاركة في أشغال اللجان المكلفة بتسلم أشغال تجهيز التجزئات سواء المؤقت أو النهائي، حيث تتيح هذه العملية التحقق من أن " أشغال التهيئة وإعداد الأرض والصرف الصحي قد تم إنجازها وفق ما ينص عليه المشروع الذي صدر الإذن في شأنه "، وتتولى عملية التسلم لجنة تضم ممثلي مختلف المصالح التي لها علاقة بالموضوع، ومنها الوكالة الحضرية التي تلعب دورا كبيرا وأساسيا في تفعيل أشغالها وتوجيهها .
وعليه فإن الوكالة الحضرية تلعب دورا أساسيا في مجال المراقبة الإدارية في ميدان التعمير، خصوصا على مستوى رصد وتكييف هذه المخالفات، فهي هنا ليست قوة عمومية وغير ذات سلطة لتوقيف أي مشروع، وإنما دورها يبتدئ وينتهي بالكشف عن المخالفات وتنبيه المعنيين بها . إلا أن التساؤل الذي يطرح هو مدى الأخذ بمحاضر الوكالة الحضرية ومن تم تفعيل المتابعات في حق المخالفين ؟ أم أن المنطق السياسي يبقى هو المتحكم في الجهات المكلفة
(المجالس الجماعية) بتحريك هذه المتابعات ؟
ومنه إذا كان هذا على مستوى تدخل الوكالات الحضرية كبنية حديثة في مجالي التخطيط والتدبير العمرانيين، فماذا عن علاقاتها مع مختلف المتدخلين في ميدان التعمير على المستوى المحلي؟
المبحث الثاني:الإطار العلائقي للوكالات الحضرية بباقي الفاعلين المحليين في ميدان التعمير
لعله ليس ثمة من ميدان للنشاط البشري يفوق الإدارة أهمية ، أهمية تجد أساسها في كونها-أي الإدارة- تشكل البنية الهادفة إلى تحقيق نوع من التوازن والتوافق والانسجام بين مجموعة من الأطراف والعلاقات سواء على المستوى الداخلي لها، أو على المستوى الخارجي والمرتبط أساسا بالمحيط البيئي لهذه الإدارة ، وهي مستويات تساهم بتأثيرات عدة على أداءها بشكل مستمر. ومن تم فإن مهمة الإدارة هي في غاية الصعوبة والتعقيد نظرا لارتباطها بمجموعة من العلاقات التي قد تؤثر على أدائها، وكذا قدرتها على الاستمرار والبقاء . فأهداف ورغبات هذه الأطراف تبدو في كل الظروف متباعدة ومتعارضة أحيانا، والإدارة إزاء هذا الواقع تعمل على تحقيق التوازن بين أهدافها وأهداف هذه الأطراف.
لهذه الاعتبارات سنحاول الوقوف على تموضع الوكالة الحضرية كبنية إدارية في النسق الإداري اللاّمركزي عبر دراسة الجانب العلائقي لها مع مجموعة من المتدخلين في ميدان التعمير ومن تم تحديد طبيعة النظام العلائقي القائم بينهم؟
المطلب الأول: علاقة الوكالات الحضرية بالجماعات المحلية
إن أبرز سمة في العصر الحاضر في مجال إدارة الدول، الارتكاز على الجماعات المحلية كفاعل مركزي في بلورة استراتيجيات التنمية في بعدها الشمولي والعام، من خلال اعتبارها محرك اقتصادي واجتماعي هام ومشارك أساسي في الاستثمارات من جهة أولى، وكذلك كمتدخل مهم في بلورة التنمية العمرانية من جهة ثانية. انطلاقا من هذه الاعتبارات سنحاول الوقوف على الطبيعة العلائقية التي تربط الجماعات المحلية مع الوكالات الحضرية (الفرع الأول)، ثم بعد ذلك إبراز حجم ومستوى التدخل الجماعي في ميدان التعمير خصوصا على مستوى التخطيط والتدبير العمرانيين كمحددين أساسيين لهذه التنمية العمرانية(الفرع الثاني).
الفرع الأول: العــلاقة الإدارية والمــالية
تعتبر العلاقة الإدارية والمالية أولى مظاهر الإطار العلائقي بين الوكالات الحضرية والجماعات المحلية، حيث تتجلى هذه العلاقة من خلال حضور هذه الجماعات في اجتماعات المجلس الإداري(فقرة أولى)، إضافة إلى أنها تعتبر كمساهم مالي في مصادر تمويل الوكالات الحضرية (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: تمثيلية الجماعات المحلية في المجلس الإداري للوكالات الحضرية
يمكن رصد هذا النوع من العلاقة عبر الوقوف على المرتكزات القانونية، إذ تم التنصيص في المادة 5 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية على أنه " يتألف مجلس إدارة الوكالة بالإضافة إلى ممثلي الدولة المحددة قائمتهم بمرسوم من :
رئيس أو رؤساء مجالس العمالات والأقاليم
رؤساء مجالس الجماعات الحضرية
ممثلي مجالس الجماعات القروية بنسبة ممثل لكل عشر جماعات قروية
... ويدعو رئيس مجلس الإدارة لحضور اجتماعات المجلس رؤساء مجالس الجماعات القروية التي يعنيها أمر قضية مدرجة في جدول أعمال المجلس، وله أن يدعو أيضا للمشاركة في اجتماعاته أي شخص آخر يرى فائدة في الاستنارة برأيه"
وعليه، وانطلاقا من المادة أعلاه يظهر أن الجماعات المحلية تعتبر أحد مكونات المجلس الإداري للوكالات الحضرية، ويعتبر هذا الأمر من أهم الإصلاحات التي جاء بها المشرع في إطار ظهير 10 شتنبر 1993، حيث التنصيص على تمثيلية الجماعات الحضرية والقروية ضمن تركيبة المجلس الإداري .
إلا أن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها على مستوى المرتكزات القانونية للعلاقة الإدارية هي تلك الطريقة التي تعامل بها المشرع مع تمثيلية الجماعات القروية، والتي تقضي بحضور ممثل عن كل عشر جماعات قروية، وتركت مسألة تحديد هذه التمثيلية للسلطة التقديرية للعامل ، إضافة إلى إمكانية دعوة كل جماعة قروية للحضور في اجتماعات المجلس من طرف رئيسه عندما تكون معنية بمسألة أو قضية مدرجة في جدول أعمال المجلس .
وهو أمر يبقى منتقد من طرف مجموعة من الباحثين ، ذلك أن المشرع في إطار الظهير المحدث للوكالات الحضرية لم يتعامل مع هذه الجماعات بنفس المنطق الذي تعامل به مع الجماعات الحضرية وهو ما يخالف نص الميثاق الجماعي78.00 الذي لم يميز بين الجماعات القاعدية الحضرية والقروية في أي جانب من جوانب التنظيم والتسيير والمهام، وكذلك المادة 100 من الدستور المغربي لسنة 1996 والذي ينص على أن" الجماعات المحلية بالمملكة هي....والجماعات الحضرية والقروية ولا يمكن إحداث أية جماعة محلية أخرى إلا بقانون".
أما المسألة الثانية فترتبط بتمثيلية الجهة، إذ أنها غير ممثلة في توليفة المجلس الإداري، وهو توجه وإن كان له ما يبرره من الناحية التاريخية لحظة خروج النص المنظم للوكالات الحضرية (1993)، إذ أن الجهة حينها لم ترق بعد إلى مستوى جماعة محلية ، فإنه مع 1997 ومع ارتقاء الجهة إلى مرتبة جماعة محلية، نعتقد أنه كان من الضروري التنصيص على إمكانية حضور رؤساء الجهات ضمن اجتماعات المجالس الإدارية للوكالات الحضرية.
وإذا كان الحضور المحلي في المجلس الإداري للوكالات الحضرية يستند إلى أسس ومرتكزات قانونية، فإن الملاحظة الثانية التي يمكن الوقوف عليها، هي مستوى هذا الحضور المحلي حيث القيادة الإدارية المحلية ، باعتبارها نخب محلية توجد في مواقع إستراتيجية داخل المجتمع المحلي، وما ينبغي أن تتوافر فيها من مواصفات مهنية وسلوكية وفكرية، تمكنها من الدفاع عن المصالح المحلية التي تمثلها هذه المجالس، وكذا التوفر على حد أدنى من الفهم والاستيعاب لمجال التعمير الذي يبقى المميز له طابعه التقني المعقد.
فحضور الرؤساء هو ليس بالحضور الثانوي أو الهامشي بقدر ما يجب أن يكون حضورا نوعيا يتميز بالفعالية، لاعتبار أساسي ومركزي هو أن المجلس الإداري بحسب النص المنظم للوكالات الحضرية هو من يضع البرامج المتعلقة بالعمليات التقنية والمالية وكذا الشروط التي تباع بها الأراضي والقطع الأرضية والبناءات ...
كذلك من أهم العلاقات الإدارية بين الوكالات الحضرية والجماعات المحلية مسألة المساعدة الفنية والتقنية التي تقدمها الوكالات الحضرية لفائدة الجماعات المحلية كما تنص على ذلك المادة 3 في البندين 9و 10 حيث:
" تتولى الوكالة الحضرية في نطاق اختصاصها: ...
9- الاهتمام بمساعدة من الهيئات المنتخبة المعنية بتشجيع إنشاء وتطوير جمعيات الملاك بجعل الأطر الضرورية رهن إشارتها قصد تيسير تنفيذ وثائق التعمير والسعي بوجه خاص لإحداث جمعيات نقابية تطبيقا للتشريع الجاري به العمل في هذا الميدان، والحرص على متابعة العمليات التي تقوم بها هذه الجمعيات وذلك بتنسيق مع الهيئات المنتخبة المذكورة.
10- تقديم مساعدتها الفنية للجماعات المحلية فيما يتعلق بالتعمير والتهيئة وللهيئات العامة والخاصة فيما تقوم به من أعمال التهيئة إذا ما طلبت ذلك".
ومنه وإذا كان هذا على مستوى العلاقة الإدارية فماذا إذن عن العلاقة المالية بين الوكالة الحضرية والمجالس الجماعية ؟
الفقرة الثانية: المساهمة في تمويل ميزانية الوكالات الحضرية
إن مجموع الاختصاصات والصلاحيات القانونية والإدارية والتنظيمية المخولة للوكالات الحضرية، لا يمكن أن تستقيم إلا بمدى توفر الوسائل المالية وكذا الموارد البشرية التي تعطي العمل أدوات تفعيله وانجازه ومحتواه الحقيقي والملموس، فالموارد المالية تبقى بمثابة المحرك الأساسي لنجاح أي منظمة في القيام بمهامها، إذ تعتبر من ضمن المدخلات المهمة في الوصول إلى الأهداف المسطرة والمحددة .
والفاعل المحلي يعتبر من بين المساهمين في تمويل ميزانية الوكالات الحضرية، حيث أن المادة 9 من الظهير المحدث لهذه الأخيرة تنص على أن من بين موارد الوكالة الحضرية، الإعانات والمساهمات التي تدفعها إليها الجماعات المحلية، وكذا السلفات الواجب إرجاعها والتي تحصل عليها الوكالة الحضرية من الدولة والهيئات العامة والخاصة...
وهو معطى يعتبر نتيجة طبيعية للدور الذي أصبحت تلعبه هذه الوحدات الإدارية في تدبير الشؤون المحلية، وخاصة المجالس الجماعية التي تعاظم دورها بشكل كبير بعد الإصلاحات التي عرفتها الإدارة المحلية في التجربة المغربية، انطلاقا من الميثاق الجماعي لسنة 1976 وانتهاء مع الميثاق الجماعي الجديد 78.00 وما يحمله من رهانات الجماعة المقاولة. وهي إصلاحات تجسد حجم وواقع التحولات العميقة للمجتمع والدولة ومن تم التركيز على الجماعات المحلية في لعب أدوار تنموية والتي يبقى التعمير أحد مرتكزاتها.
وبناءا عليه، نجد أن من مستلزمات هذا الوضع الجديد -الذي أصبحت عليه الجماعات المحلية- تحمل كل النفقات المرتبطة بمختلف التدخلات التي تقوم بها سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، والوكالة الحضرية وهي تقوم بتدبير قطاع التعمير فإنها تتولى ممارسة مجموعة من الاختصاصات نيابة عن الدولة والجماعات المحلية.
ومن تم التساؤل عن حجم هذه المساهمة؟ وهل الجماعات المحلية في التجربة المغربية تملك من الموارد المالية – خصوصا الذاتية- ما يمكنها من المساهمة في تدعيم تدخلات الوكالات الحضرية؟
لكن نجد أنه قبل الحديث عن التجربة المغربية يمكن الاستئناس بالتجربة الفرنسية، والتي يمكن رصدها بوضوح، إذ أن النظام القانوني لوكالات التعمير الفرنسية عدد من ضمن مصادر تمويل هذه الأخيرة الإعانات المقدمة من طرف الجماعات المحلية،هذه الإعانات التي تشكل حصة الأسد فيما يخص تمويل نشاطات هذه الوكالات فحسب الإحصائيات المتوفرة بلغت الإعانات المقدمة من طرف الجماعات المحلية وهيئاتها لفائدة وكالات التعمير سنة 1997 حوالي 64% من مصادر تمويلها .
وفي التجربة المغربية وأمام أزمة الممارسة المالية الجماعية التي تتلخص بصفة عامة في كونها تتسم بطابعي الضعف وعدم كفاية الأموال الجماعية المتوفرة قصد تمويل مختلف حاجياتها الضرورية وأنشطتها المتنوعة بالشكل الذي يضمن لها تحقيق توازن مالي لميزانياتها . حيث لا نكاد نجد دارس أو مهتم بالجماعات المحلية بالمغرب إلا ويؤكد على " الثورة" التي أحدثتها إصلاحات 1976 في ميدان اللامركزية إذ أن انطلاق المشرع المغربي في إنجازه لهذه الإصلاحات من رؤية تحاول تركيب سياسة لا مركزية حقيقية بإدماج عناصر إدارية ومادية مؤسسة بذلك لاستقلال حقيقي للجماعات المحلية على الصعيدين الإداري والمالي، غير أن هذه المقاربة اعترتها نواقص أدت إلى منزلقات خطيرة انعكست سلبا على الجماعات المعنية بهذا التحول .
فباقتصارها على إطلاق يد الجماعات المحلية للتدخل في مسلسل التنمية الاقتصادية بشكل واسع لم يكن معهودا من ذي قبل ومزامنة ذلك بإصلاحات شكلية مست المالية المحلية دون ملامسة لب مشاكل الجماعات المحلية ألا وهي الموارد المالية سيما الذاتية منها، كلها أمور ساهمت في انحسار المقاربة التركيبية التي وجّهت تحولات 1976، حيث أنه عوض أن تكون منطلق تأسيس استقلال مالي محلي قوي وتابت كانت سبب تأزيم المالية المحلية بإفرازها لعجز دائم لم تجد معها الجماعات المحلية بدا من إعادة صياغة مفهوم الاستقلال المالي من موارد قارة مع حرية التصرف فيها .
بل نجد أن الإصلاح الجديد المتعلق بالمالية المحلية من خلال القانون الجديد 06/47 سار على نفس المنوال على الرغم من المستجدات التي أتى بها، وهو معطى جعل بعض الباحثين يصفه بمتاهة الإصلاح مادام أنه لم يمس عمق الإشكال وهو إعطاء الجماعات المحلية عناصر القوة الممثلة في الموارد المالية التي تمكنها من القيام بالمهام الملقاة عليها لأن التكريس الفعلي لمجموع الاختصاصات الموكولة إليها يبقى رهين بمدى توفرها على الموارد اللازمة والضرورية ، الشيء الذي يجعلنا نجيز توصيف التجربة اللامركزية المغربية باللامركزية "العرجاء" المتوفرة على الاختصاصات الإدارية دون الموارد المالية،وهو أمر يستوجب ضرورة إعادة تأسيس النظام الجبائي المحلي حتى يمكّن الوحدات المحلية من القيام بأدوارها التنموية.
وإذا كان هذا هو الوضع المؤطر لمالية الجماعات المحلية، حيث عدم توفرها على الموارد الذاتية الكافية لسد نفقاتها التسييرية ومن تم الاضطرار للحصول على إعانات من الدولة ، فكيف يمكن أن يطلب منها تقديم إعانات للوكالات الحضرية ؟
ومن ثمة فإن هذا الوضع يجعلنا نذهب بالقول إلى أن التنصيص على مساهمة الجماعات المحلية في ميزانية الوكالة الحضرية يبقى ذو طبيعة شكلية لا أكثر، أمام أزمة الفاعل المحلي خصوصا الجماعات القروية، والتي تعتبر بمثابة المبررات الموضوعية لعدم تقديم هذه المساهمات المالية.
الفرع الثاني : الجماعات المحلية بين محدودية التخطيط وأولوية التدبير
إن إدراج ميدان التعمير في إطار إشكالية اللامركزية، تم عن طريق منح صلاحيات جديدة للجماعات المحلية، خصوصا وأن تدخل هذه الأخيرة أصبح ضروريا بالنظر إلى المشاكل الناتجة عن النمو العمراني، وكذا بسبب التأخر الواضح في ميدان التجهيزات المرفقية الجماعية ، والحضور المحلي هنا يتراوح بين استشارية الدور في مجال التخطيط العمراني حيث التصورات المستقبلية لما يجب أن يكون عليه المجال(فقرة أولى)، وأولوية هذا الدور على مستوى التدبير العمراني، من خلال الحضور القوي للفاعل المحلي فيما يتعلق بالتعمير العملياتي (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الجماعات المحلية واستشارية الدور في مجال التخطيط العمراني
إذا كانت صلاحيات الهيئات اللامركزية قد عرفت تطورات إيجابية مع الميثاق الجماعي بدءا بظهير 1960 مرورا بميثاق 1976، وانتهاء بالقانون 78.00. وباعتبار الهاجس التنموي كأحد أبرز وأهم الدوافع من وجود الإدارة المحلية ، باعتباره الإطار الملائم لتحقيق هذه التنمية، فإن ميدان التعمير لم يعرف نفس الشيء خاصة على مستوى التخطيط العمراني ورسم توجهات التنمية العمرانية على الرغم من امتلاكها- الجماعات المحلية- لاختصاصات واسعة وصلاحيات هامة في مجال التخطيط المحلي بشكل عام وتوجيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإحداث البنية التحتية والتجهيزات الأساسية وتحقيق المشاريع الاجتماعية والمرافق العامة . هذا ويمكن تحديد الأدوار التي تقوم بها الجماعات المحلية في مجال التخطيط العمراني عبر نقطتين:
1-اتخاذ التدابير التحفظية : إن عملية الشروع في إعداد مشاريع وثائق التعمير تبدأ بإنجاز الدراسات الميدانية اللازمة لمعرفة وضعية المنطقة المعنية من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، وكذا وضعية التجهيزات التحتية وما تتوفر عليه من مرافق عامة.
بناء عليه وتنفيذا لمقتضيات القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، يمكن أن يتم اتخاذ قرار إعلان دراسة مشروع تصميم التهيئة كإجراء تحفظي، يمكن من خلاله تجنب كل عرقلة تترتب عن سوء الانجاز ومن شأنها أن تعرض للخطر تنفيذ الوثيقة التعميرية بعد أن تتم المصادقة عليها .
والقرار يتم اتخاذه من طرف رئيس المجلس الجماعي إما بمبادرة منه بعد مداولة المجلس أو بناء على طلب من الإدارة الإقليمية المكلفة بالتعمير . ومدة سريانه هي ستة أشهر حيث تبقى أهميته كبيرة بالنسبة لمستقبل تعمير الجماعة كونه يسمح للإدارة بتحديد المجال الذي سيغطى بالتصميم المزمع وضعه، وبالتالي دور رئيس المجلس الجماعي هو تأجيل مختلف الطلبات الرامية إلى إحداث تجزئة أو مجموعة سكنية أو إقامة بناء داخل المنطقة المحددة بالقرار المذكور. وهم هنا ملزمون- رؤساء المجالس- بالتقيد به فور نشره ومن تم تأجيل البث في جميع الطلبات .
2- المساهمة في دراسة وإعداد وثائق التعمير: إن إشراك الجماعات المحلية عند وضع وثائق التعمير يعتبر ضرورة ملحة لا يمكن الاستغناء عنها، باعتبار أن تلك الجماعات تشكل القاعدة الأساسية لتجميع مختلف المعطيات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تنبني عليها كل وثيقة من وثائق التعمير المعمول بها .
غير أننا نجد أن الدور الجماعي على مستوى التخطيط العمراني لا يتجاوز مهمة تقديم الآراء ذات الطبيعة الاستشارية فيما يتعلق بوثائق التعمير، حيث أن المادة 44 من القانون 78.00 تنص في البند الرابع على أن المجلس الجماعي يقدم اقتراحات وملتمسات ويبدي آراءه " ولهذه الغاية: ...
– يبدي رأيه حول سياسات وتصاميم إعداد التراب والتعمير في حدود المجال الترابي للجماعة، كما يبدي رأيه حول مشاريع وثائق التهيئة والتعمير طبقا للقوانين والأنظمة المعمول بها".
ونحن نعلم أن الرأي الاستشاري هو رأي غير ملزم للإدارة المكلفة بالتعمير، حيث يمكن الأخذ به كما العكس. توجه نعتقده غير موفق من طرف المشرع المغربي في حقيقة الأمر تجاه الجماعات المحلية خصوصا وأن التعمير لا يمكن فهمه إلا محليا وأن نجاح أية سياسة تعميرية لن تتم إلا بتوافق جميع الشركاء المحليين.
وبناءا عليه نعتقد أن المشرع المغربي كان يجب عليه أن يميز في تدخل الفاعل المحلي على مستوى التخطيط العمراني بناءا على طبيعة الوثيقة التعميرية المعنية، فإذا كانت الاستشارة مبررة على مستوى وثائق التعمير التقديري – التوجيهي حيث ضعف البنيات التقنية والإمكانات المالية للجماعات المحلية، وعدم كفاية الأطر التي تتوفر عليها لتحقيق ما يتطلبه إنجاز هذه الدراسات ، إضافة إلى أن هذا النوع من الوثائق يتجاوز النطاق الترابي لجماعة معينة بحيث يشمل تراب جماعتين أو أكثر،فإن الأمر يختلف بالنسبة لوثائق التعمير التنظيمي حيث يجب أن يكون هناك حضور قوي للجماعات المحلية انطلاقا من مرحلة المبادرة إلى مرحلة المصادقة وبتنسيق مع الوكالات الحضرية، لأن التعاون بينهما هو وحده الكفيل بإيجاد الحل الذي يستجيب لمصالح المواطنين وظروف عيشهم .
الفقرة الثانية: التدبير العمراني: أولوية محلية
إن الأجرأة العملية لوثائق التعمير، لا يمكن أن تتم إلا داخل الإطار المحلي ، ومن تم نجد أن الإدارة المحلية في بعدها الجماعي تعتبر المعني الأول بتنفيذ هذه الوثائق وكذا السهر على احترام التنطيق الذي أوجبته تلك الوثائق .
ونجد أن المادة 50 من الميثاق الجماعي 78.00 تنص على أن رئيس المجلس الجماعي:
" يمارس اختصاصات الشرطة الإدارية... وذلك عن طريق اتخاذ قرارات تنظيمية، وبواسطة تدابير شرطة فردية هي الإذن أو الأمر أو المنع ويقوم لا سيما بالصلاحيات التالية:
السهر على تطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالتعمير وعلى احترام ضوابط تصاميم تهيئة التراب ووثائق التعمير.
يمنح رخص البناء والتجزيء والتقسيم ورخص السكن وشهادات المطابقة ورخص احتلال الملك العمومي لغرض البناء وذلك طبق الشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل.
مراقبة البنايات المهملة أو المهجورة أو الآيلة للسقوط ويتخذ التدابير اللازمة لترميمها أو هدمها طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل..."
كما تنص المادة 53 من نفس القانون على أنه " يجوز للرئيس أن يطلب عند الاقتضاء من السلطة الإدارية المحلية المختصة العمل على استخدام القوة العمومية طبقا للتشريع المعمول به قصد ضمان احترام قراراته ومقرراته".
وعليه، وانطلاقا من المادتين 50و 53 من القانون 78.00 وكذا من مقتضيات القانون 12-90و 25-90، فإن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها هو أن دور الجماعات المحلية في ميدان التدبير العمراني يكتسي أهمية بالغة ويتميز باتساعه بالمقارنة مع دورها الاستشاري في مجال التخطيط العمراني .
وإجمالا يمكن الوقوف على الدور الجماعي في ميدان التدبير العمراني انطلاقا من منح الرخص، وكذا ممارسة مهام شرطة التعمير.
ففيما يتعلق بالنقطة الأولى وكما سبقت الإشارة إلى ذلك، فإن الرخص تعتبر بمثابة الإذن الإداري السابق للقيام بأية عملية تهيئة، حيث الهدف الرئيسي هو التحكم في توجيه العمران وكذا مراقبته من الناحية العملية، ورؤساء المجالس الجماعية يعتبرون هم السلطة الإدارية المختصة بهذه المهمة .
إلا أن صلاحيات منح الرخص ليست مطلقة بقدر ما يجب الحصول على الرأي الملزم للوكالة الحضرية، وهنا الإشكال المركزي الذي يبلور ظاهرة الصراع بين الوكالات الحضرية والمجالس الجماعية، والمتمثلة أساسا في مدى انضباط –إلتزام- الفاعل المحلي لقرارات الوكالات الحضرية كجهاز تقني يتولى دراسة مشاريع طلبات الرخص والسهر على احترام وثائق التعمير.
لقد أثار الرأي الذي تبديه الوكالات الحضرية نقاشا حادا بين هذه الأخيرة وبين والمجالس الجماعية، حيث ترى الجماعات المحلية أن هذا الرأي يمس بالاختصاصات المسندة إليهم بمقتضى الميثاق الجماعي وتوصيف الوكالات الحضرية " بالمغالاة في التدقيق والجزئيات" .وهو أمر يجعلنا نعتقد أن أصل هذا الصراع والنقاش يرجع إلى النقاش السياسي الذي أثير من طرف المنتخبين وبعض الأحزاب السياسية أثناء إحداث الوكالة الحضرية للدار البيضاء، حيث اعتبار هذه البنية الإدارية الجديدة بمثابة تهميش للمؤسسات الجماعية في مجال تدبير المجال المحلي ، وهو الأمر الذي أدى إلى إقدام بعض الرؤساء على الترخيص بإقامة المشاريع ضدا على رأي الوكالات الحضرية أو الامتناع عن تسليم الرخص، رغم توفر الرأي الإيجابي للوكالة الحضرية أو الترخيص دون الحصول أصلا على رأي الوكالة الحضرية كما يتبين من خلال:
الجدول رقم 1 :حالات الترخيص دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية خلال سنة 2000
الوكالة الحضرية حالات الترخيص دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية نسبتها في مجموع المخالفات ب %
أكادير 273 46.5
تازة 221 36.5
تطوان 200 60.6
طنجة 54 6.6
بني ملال 24 2.8
الرباط وسلا 19 22.3
مراكش 16 0.9
فـاس 4 0.3
القنيطرة-سيدي قاسم 0 0
المجموع 811 15
المصدر: وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة
الجدول رقم 2: نسبة التراخيص دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية لسطات لسنة 2001
الإقليم سطات ابن سليمان خريبكة المجموع النسبة من مجموع المخالفات
عدد التراخيص 18 15 01 34 41%
المصدر: التقرير الإداري والمالي للوكالة الحضرية لسطات لسنة 2001
انطلاقا من هذين الجدولين ومن مثل هذه التوجهات التي قد تمس في مجملها بوثائق التعمير وتوجهات السياسة التعميرية، حيث إمكانية بروز ظواهر عمرانية شائبة من قبيل السكن الغير اللائق، أو المس بالجانب الجمالي في العمران، فإن الجانب العلائقي بين المجالس الجماعية والوكالات الحضرية، يجب أن تحكمه المصلحة العامة لا المصالح السياسية الضيقة، وبالتالي من الضرورة اليوم تأسيس علاقات تعاقدية أوثق بين الجماعات المحلية والوكالات الحضرية.وهو أمر جعل مجموعة من الباحثين يذهبون إلى اعتبار أن رئيس المجلس الجماعي له صلاحية ممارسة السلطة الإدارية، والوكالة الحضرية تمارس صلاحية السلطة التقنية، وتبعا لذلك فإن الجماعة تبقى هي المختصة قانونا في تدبير شرطة التعمير، ولكنها نتيجة لذلك مسؤولة عن الأخطاء والأضرار التي تنتج عن هذا التسيير أمام الدولة وأمام المتضررين.
ومن تم فإن من مصلحة رئيس المجلس الجماعي مراعاة رأي الوكالة الحضرية لأنه يحميه من المسؤولية أمام الدولة، كما يرمي إلى حماية أموال الجماعة التي يسيرها ويحول دون الحكم عليها بالتعويضات لفائدة المتضررين من الرخص التعميرية المخالفة للقانون.
والنقطة الثانية هي المرتبطة بشرطة التعمير، من خلال الدور الرقابي في مجال ضبط المخالفات الذي يمارسه رؤساء المجالس الجماعية في إطار اللّجن المحلية المكلفة بذلك.
حيث أن الرؤساء يمارسون دور هام خصوصا وأنهم المكلفون بتحريك الدعوى عبر تسليم المحاضر إلى وكلاء الملك قصد المتابعة القضائية .
إلا أن السؤال المطروح هو هل بالفعل يقوم رؤساء المجالس الجماعية بتحريك الدعاوى المتعلقة بالمخالفات المرصودة في مجال المراقبة؟ أم أن الاعتبارات السياسية تبقى هي المتحكم في تطبيق هذه الاختصاصات؟
المطلب الثاني: علاقة الوكالات الحضرية بالسلطة المحلية وباقي الفرقاء المحليين
إن فعالية الوكالات الحضرية باعتبارها أحد المتدخلين في ميدان التعمير، رهين بمدى طبيعة علاقاتها مع باقي المتدخلين في القطاع على المستوى المحلي سواء مع السلطة المحلية كممثل لسلطة الوصاية على المستوى المحلي (فرع أول)، أو باقي المؤسسات الأخرى سواء كانت مصالح خارجية للوزارة المكلفة بالقطاع أو مؤسسات عمومية أو شبه عمومية،تهدف التدخل لتحقيق التوازنات وتنفيذ الاستراتيجيات العمومية في ميدان التعمير والإسكان (فرع ثان).
الفرع الأول: علاقة الوكالات الحضرية بالسلطة المحلية (الولاة والعمال
)
تمارس السلطة المحلية مجموعة من الاختصاصات التي تهم مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية، وتدخلها بهذا الشكل يبرز الكثير من مظاهر العلاقة التي تنشأ بينها وبين مختلف المتدخلين الآخرين، ومنهم الوكالة الحضرية، ويمكن رصد علاقة هذه الأخيرة بالسلطة المحلية على عدة مستويات.
الفقرة الأولى: مؤسسة العامل ومهمة تنسيق التخطيط العمراني
مما لا شك فيه أن السلطة المحلية تحتل موقعا متميزا في النسق السياسي اللامركزي، حيث تمارس مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات الداعمة لمختلف الفاعلين على هذا المستوى ، إذ تعتبر كقاطرة محركة للاقتصاد والتنمية المحلية .
والعامل يوجد على رأس هذه السلطة المحلية عبر احتلاله لمكانة هامة ومتميزة في التنظيم الإداري اللامركزي، والذي يجد أساسه في المادة 100 من الدستور المراجع لسنة 1996 حيث " يمثل العمال الدولة في العمالات والأقاليم والجهات، ويسهرون على تنفيذ القوانين وهم المسؤلون عن تطبيق قرارات الحكومة كما أنهم مسؤلون لهذه الغاية عن تدبير المصالح المحلية التابعة للإدارات المركزية"، فالعامل يعتبر ممثل الإدارة المركزية في الجهة باعتباره يمثل الملك والدولة، وفي الوقت نفسه مندوب الحكومة حيث الازدواج الوظيفي، فهو من ناحية يمثل السلطة المركزية، ومن ناحية ثانية يجسد نظام عدم التركيز الإداري بموجب ظهائر (01 مارس 1963و 15 فبراير 1977 ثم 06 أكتوبر 1993).
وبخصوص علاقة العمال بالوكالات الحضرية، يتبين لنا من خلال فحص تركيبة المجلس الإداري للوكالة الحضرية أن السلطة المحلية تعتبر من ضمن الأعضاء الذين نص القانون على حضورهم خلال اجتماعات هذا المجلس، وذلك من خلال حضور عمال العمالات والأقاليم المعنية ، وهي تمثيلية ذات أهمية كبرى خاصة إذا نظرنا إلى الموقع الذي يحتله العامل ضمن التنظيم الإداري المغربي، وأيضا بناءا على الاختصاصات الواسعة التي يتمتع بها في الإشراف على الشؤون المحلية وتدبير مختلف المصالح الخارجية باعتباره سلطة وصائية ، وهو مؤشر إيجابي نعتقد أنه في صالح الوكالات الحضرية حيث استغلال هذه المؤسسة لصالحها في التعامل مع مختلف الإدارات اللاممركزة.
كما نجد أن العامل يقوم بدور تنسيقي على مستوى وثائق التعمير، من خلال ترأسه للّجن محلية تقوم بدراسة مشاريع وثائق التعمير. ومن تم السهر على تنسيق مواقف وآراء أعضاءها الذين يمثلون المصالح الخارجية على مستوى الإدارة الإقليمية. ثم يوجه رئيس اللجنة (العامل) داخل أجل 15 يوما من تاريخ انتهاء اجتماعها محضر الاجتماع وملخصا لأشغاله إلى الوكالة الحضرية لاتخاذ القرار المناسب.
وعموما يمكن القول بأن العامل لا يمارس أي دور وصائي على الوكالات الحضرية، بقدر ما ينسق معها في مجال تدخلها على مستوى التخطيط العمراني، وهو معطى إيجابي إلى حد ما من شأنه أن يساهم في فعالية تدخل الوكالات الحضرية على هذا المستوى- التخطيط العمراني - عبر جمع المعطيات والإحصائيات وكذا الدراسات الضرورية التي من الممكن الاستناد عليها في بلورة استراتيجيات وتصورات عمرانية جديدة.
الفقرة الثانية: العامل ومهام المشاركة في التعمير العملياتي
يمكن رصد العلاقة بين العمال والوكالات الحضرية في مجال التدبير العمراني من خلال:
* المشاركة في اللجن التقنية المكلفة بدراسة طلبات الرخص : حيث ينص المنشور الوزاري رقم 2000/1500 على حضور ممثل عن القسم التقني للعمالة أو الإقليم المعني ضمن أعضاء اللجنة التقنية التي تنص عليها سواء في إطار مسطرة المشاريع الصغرى أو الكبرى وذلك عبر دراسة مدى مطابقة المشاريع المعروضة للمقتضيات القانونية والتنظيمية العامة المتعلقة بالتعمير والبناء.
* المشاركة في معاينة المخالفات وزجرها: إذ تتدخل السلطة المحلية في مجال زجر المخالفات إلى جانب الوكالة الحضرية استنادا إلى الاختصاصات المسندة إليها في إطار مهام ضباط الشرطة القضائية التي يتمتع بها ممثلوها ، وعلى هذا الأساس تتولى هذه السلطة القيام بعمليات مراقبة الأوراش التي هي في طور الانجاز من أجل التأكد من مطابقتها للمقتضيات القانونية الجاري بها العمل من جهة ومطابقتها للوثائق التي منح الترخيص على أساسها.
وكما أشرنا إلى ذلك فإن عملية المراقبة تتم في إطار لجنة تضم من بين أعضاءها الوكالة الحضرية والسلطة المحلية، ويبدو أن حضور السلطة المحلية ضمن أعضاء هذه اللجنة من شأنه أن يمنح لهذه الأخيرة قوة رمزية في مواجهة المخالفين بشكل يمكنها من أداء مهامها بشكل فعال وسريع.
وإذا كانت العلاقة بين الوكالة الحضرية والسلطة المحلية تعتبر مباشرة فيما يخص الجانب المتعلق بمراقبة المخالفات ومعاينتها كما رأينا سابقا، فإن الجانب المتعلق باتخاذ الإجراءات الإدارية المتعلقة بزجر هذه المخالفات لا توجد بشأنه أية علاقة مباشرة بينهما، ولكن مع ذلك هناك علاقة تتمثل في كون المحاضر التي يعتبر تحريرها مسألة أساسية وتعتبر من ضمن الإجراءات الضرورية السابقة لإصدار قرارات الهدم، حيث يتم تحريرها بتعاون بين الجانبين، ومن تم فإن السلطة المحلية تكون ملزمة بالتنسيق مع الوكالة الحضرية حتى يتم تحريرها بشكل قانوني، لأن عدم قانونيتها تعني إمكانية إلغاء قرارات الهدم الصادرة عن السلطة المحلية، والتنسيق يجب أن يستمر إلى ما بعد مرحلة تحرير محضر المعاينة من أجل طلب مساعدة الوكالة الحضرية بالإدلاء بأية معلومات أو ملاحظات لاستدراك كل نقص في ملف الدعوى. وهذا التنسيق يسمح للوكالة الحضرية من جهتها بتتبع المسار الذي تسير فيه الإجراءات الإدارية المتعلقة بزجر المخالفات في ميدان التعمير، بالشكل الذي يمكنها من التدخل عند الحاجة .
إن غياب علاقة مباشرة في هذا المجال بين الوكالة الحضرية والسلطة المحلية مصدرها القانون ذاته، الذي لم يعط للوكالة صلاحية اقتراح قرارات الهدم على السلطة المحلية (العامل) كما هو الحال بالنسبة لرئيس المجلس الجماعي.
* العمال والأدوار الجديدة في ميدان التعمير العملياتي
- تأطير وتبسيط مساطر عمليات البناء: وذلك بالنظر لما خوله القانون لمؤسسة العامل من صلاحيات، ولموقعها الاستراتيجي في التراتبية الإدارية والتنظيم المجالي للتراب الوطني، حيث يتطابق مجال نفوذ الوالي مع الرقعة الجغرافية للجهة كما يجعل منه القانون المنسق الرئيسي لكل الأنشطة والمنفذ الأول لجل القرارات فوق التراب التحث-دولتي وتمشيا أيضا مع الدور الجديد المنوط بوالي الجهة عملا بمضمون الرسالة الملكية المتعلقة بالتدبير اللامتمركز للاستثمار.
لكل هذه الاعتبارات السالف ذكرها، خولت الدورية رقم 3020 إلى الولاة والعمال مهام الإشراف على لجنة جهوية للدراسة واتخاذ القرارات بخصوص الطلبات الرامية للاستفادة من الاستثناء في مجال التعمير، وذلك بهدف تجاوز بعض المعوقات خصوصا وثائق التعمير التي تشكل أحيانا عرقلة أمام إنجاز المشاريع الاستثمارية.
- إنعاش السكن الاجتماعي ومكافحة السكن غير اللائق : يبدو أن توسيع صلاحيات والي الجهة فرضتها ضرورة البحث عن أسلوب جديد للسلطة يفترض إيجاد حلول وأجوبة للمشاكل والضغوطات اليومية للمجال والسكان، ويستدعي توسيع دائرة المشاركة أمام القطاع العام والخاص في إطار شراكة تستهدف التدبير المعقلن للمدينة وضواحيها، ومن تم صدور الدورية رقم 26 بتاريخ 4 مارس 2003 والتي مكنت الولاة من الاضطلاع بمجموعة من المهام في هذا الصدد أبرزها:
جرد المشاريع الكبرى للاستثمار العقاري ومشاريع السكن الاجتماعي التي يجب تفعيلها لتحقيق أهدافها.
وضع مدارات تحدد على المستوى المحلي تجمعات السكن غير اللائق والعشوائي القائمة، مصحوبة بالمعطيات المتعلقة بها.
وضع برنامج عمل أولي على المستوى المحلي يهدف إلى إنعاش السكن الاجتماعي ذي التكلفة المنخفضة، إلى جانب معالجة الأوضاع القائمة مع إيلاء الأولوية إلى البنايات والتجمعات السكنية التي تشكل خطرا محدقا بساكنتها.
وإجمالا يمكن القول أن الوالي أو العامل حظي بتفوق فيما يخص الاختصاصات المنوطة به إثر تفويض السلطات المركزية لقطاعاتها المختلفة إليه، إذ يجد مرتكزه في الرغبة في التحكم في توجيه وتأطير المصالح اللامتمركزة وتثبيت جسور التعاون والتنسيق بينه وبين مختلف الفاعلين المحليين في ميدان التعمير والإسكان خصوصا الوكالات الحضرية ومجموعة التهيئة العمران.
الفرع الثاني: علاقة الوكالات الحضرية مع باقي المتدخلين في القطاع محليا
سنحاول في هذه النقطة دراسة العلاقة المؤطرة للوكالات الحضرية في ارتباطها مع باقي المتدخلين في قطاع التعمير وكذا الإسكان، إذ يمكن التمييز بين نوعين من المتدخلين المفتشيات الجهوية باعتبارها مصالح خارجية للوزارة المكلفة بالقطاع (فقرة أولى)، ومجموعة التهيئة العمران كمؤسسة شبه عمومية تجسد تدخلات الدولة في ميدان الإسكان (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى: الوكالات الحضرية و المفتشيات الجهوية للإسكان والتعمير والتنمية المجالية
تعتبر المفتشيات الجهوية بمثابة الإطار الإداري الذي يشكل نقطة الوصل بين مجموع المتدخلين في ميدان التعمير على المستوى المحلي، حيث الهدف هو جعل هذا المستوى – المحلي- إطارا فعالا لتوحيد المنظور في التعامل مع الملفات والقضايا المطروحة على هذا الصعيد، وكذا الاضطلاع ببرامج مشتركة ذات بعد ميداني .
ويبدو أن سياقات تبلور هذه المؤسسة التي تصنف ضمن المصالح الخارجية للإدارة المركزية، جاءت بعدما آل المجال الحضري إلى واقع الفوضى وأصبح النسيج المعماري يعيش تحث وطأة التهميش في كل المدن المغربية ، الأمر الذي سيؤدي بوزارة الداخلية حينها إلى استصدار مرسوم إنشاء ما أسمته بالمصالح الخارجية للتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب . لتنتقل بعد ذلك هذه المصلحة الخارجية إلى وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان مع مطلع 1998،ومن تم ميلاد 16 مفتشية جهوية، حيث الهدف تغطية مجموع التراب الوطني. ويمكن استجماع مهام هذه المؤسسة في مجال التعمير في الآتي:
أولا: في مجال التخطيط وإعداد الدراسات وتنفيذها
جمع كل المعلومات اللازمة والقيام بالدراسات واقتراح جميع التدابير والأعمال المراد إنجازها قصد المساعدة على تحديد الإستراتيجية الجهوية للتنمية وتتبعها وتقييم نتائجها.
إعداد وثائق التعمير بما فيها المخططات التوجيهية للتهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والمساهمة في إعدادها (...)
وفيما يتعلق بعلاقة المفتشية مع الوكالة الحضرية على هذا المستوى- التخطيط العمراني- فهي تقوم بهذه المهام ولكن ليس بشكل مطلق، إذ أنها تتدخل على مستوى التخطيط والدراسات في حال عدم وجود الوكالة الحضرية، حيث أنها هي المقصود من وصف "الإدارة المكلفة بالتعمير" كما ينص على ذلك القانون 12-90 وكذا القانون 25-90. وفي هذا الإطار فهي التي تعلن عن القيام بإعداد دراسات التهيئة العمرانية، وذلك عبر تحديد الأولويات بخصوص المناطق التي هي في حاجة للتغطية بوثائق التعمير حسب خصوصياتها ومؤهلاتها السوسيواقتصادية .
أما في الحالة الثانية أي في المجال التابع للوكالة الحضرية فإن دور المفتشية ينحصر في تتبع مختلف مراحل إعداد وثائق التعمير، فهي من تمثل مديرية التعمير على مستوى تأطير اجتماعات اللجنة المركزية، والتي تعد مرحلة حاسمة بشأن التوفيق بن المتدخلين الذين يعنيهم مشروع تصميم التهيئة فيما يخص الإشكالات العالقة التي تم طرحها على مستوى اللجنة المحلية، حيث يتحتم على الوكالة الحضرية الأخذ بالتعديلات المقررة في إطار هذه اللجنة المركزية وإدراجها في مشروع التصميم بعد تحيينها، لإحالتها بعد ذلك على مسطرة المصادقة.
ثانيا: مهام المفتشية على مستوى التدبير العمراني
يبقى تدخل المفتشيات على هذا المستوى تدخلا محدودا، حيث يختلف بحسب مشاركتها إلى جانب الوكالة الحضرية في منطقة نفوذ هذه الأخيرة، وبين المنطقة التي لا يمتد إليها الاختصاص المحلي للوكالة الحضرية.
+ الحالة الأولى : دور المفتشية في منطقة نفوذ الوكالة الحضرية
يجمع أغلب الباحثين على أن تدخل المفتشية يتسم بالمحدودية في حال وجود الوكالة الحضرية، كونها لا تملك صلاحية مراقبة إعداد وثائق التعمير، ولا تملك صلاحية مراقبة منح رخص البناء، ولا تملك أيضا صلاحية تتبع أوراش البناء والتجزيء وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن دور المفتشية في ميدان التدبير العمراني في حال وجود الوكالة الحضرية؟ ومن ثمة، تفتش من و ماذا هذه الإدارة ؟
+ الحالة الثانية : دور المفتشية في حال عدم وجود الوكالة الحضرية
في هذه الحالة تقوم المفتشية مقام الوكالة الحضرية وذلك عبر إبداء ملاحظتها وآراءها بخصوص ملفات رخص البناء والتجزيء، ومؤازرة رؤساء الجماعات المعنية وأقسام التعمير بالأقاليم. فهي هنا تتوفر على الرأي المطابق و الملزم لرؤساء المجالس الجماعية وباقي المتدخلين الذي تتوفر عليه الوكالة الحضرية.
ثالثا: في مجال التنشيط والتنسيق
تقوم المفتشية كذلك بمهام تنسيقية من خلال :
تنشيط الأعمال المتعلقة بإعداد التراب والتعمير والهندسة المعمارية والحث عليها وتنسيقها.
القيام بتنظيم أعمال مختلف المتدخلين في ميدان التعمير
وعموما يمكن القول بأن المفتشيات الجهوية على الرغم من مكانتها المتميزة في البناء الإداري المكلف بالتعمير فإن دورها موسوم بالمحدودية على المستوى العملي، الأمر الذي أدى إلى بلورة تصورات جديدة تهدف إلى إعطاءها المكانة المتميزة كمصلحة خارجية تحقق فعالية التدخل في ميدان التعمير والإسكان. ومن تم بروز المشروع الجديد الذي سيحاول تجميع مختلف الصلاحيات والاختصاصات الموكولة لهذه المؤسسة حيث تم إلحاق المديريات المكلفة بالتعمير والإسكان بهذه المفتشيات في إطار الهرم الرئاسي مع ربطها مباشرة بالكتابة العامة للوزارة المكلفة، بالإضافة إلى إعطاءها صلاحيات مركزة على المستوى المحلي من خلال القيام بمهام التنسيق بين مختلف المتدخلين محليا خصوصا بين مؤسسة العمران كمتدخل في مجال الإسكان والوكالات الحضرية كفاعل رئيسي في ميدان التعمير.
غير أن نجاح هذه المؤسسة في لعب هذه الأدوار المرسومة لا يكفيه فقط مستوى التأطير القانوني بقدر ما هي رهينة بتوفرها على موارد مالية وبشرية تمكنها من القيام بالأدوار المنوطة بها.
الفقرة الثانية: الوكالات الحضرية و مجموعة التهيئة "العمران"
يعتبر السكن اليوم وبدون منازع مقياسا رئيسيا من مقاييس النمو، حيث يعتبر كعنصر من عناصر التنمية الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي يجعل منه الأساس الضروري الذي يجب أن تنطلق منه كل إستراتيجية تنموية تجعل من بين أهدافها توفير إطار للعيش الكريم للفرد والذي يمكنه من القيام بدوره داخل المجتمع .
بل نجد أن مجموعة من الباحثين يؤكدون على أن شروط السكن تؤثر بطريقة مباشرة على سلوك الأفراد، حيث أن الدراسات أتبثت بأن الأحياء السكنية الهامشية والتي لا تتوفر على الشروط الضرورية لإطار عيش سليم تؤدي إلى غياب الاستقرار العائلي والاجتماعي ومن تم الانعكاس على الأمن العام للدولة .
إلا أن الواقع أتبث أن طبيعة الاستراتيجيات العمومية -خصوصا في التجربة المغربية- التي اتبعت في التعامل مع هذا الحق-الذي يعتبر ضرورة أخلاقية وواجبا اجتماعيا -، شابها القصور حيث لم تكن مسايرة لإيقاع حركية المجتمع، إذ أن مسلسل النمو الحضري السريع الذي عرفه المغرب منذ بداية القرن الماضي كان من انعكاساته الجلية زيادة الخصاص في السكن، ومن تم تبلور السكن الغير اللائق كأحد المعضلات التي تؤطر المشهد العام العمراني في المغرب، حيث يقدر العجز في ميدان السكن ب 700.000 وحدة، وعدد الأسر القاطنة في هذا النوع من السكن تقدر ب 270.000 أسرة حسب إحصاء 2005، والأحياء العشوائية ما لا يقل عن 520.000 أسرة ، الأمر الذي أحدث نوع من عدم التوازن بين العرض والطلب.
ويبدو أن الإطار المؤسساتي المكلف بالتدخل في هذا الميدان – الإسكان- يتحمل هو الآخر جانب من المسؤولية في تفاقم هذا المشكل، بالمقارنة مع الإمكانيات المالية والبشرية التي وضعتها السلطات العمومية رهن إشارتها، بالإضافة إلى الامتيازات التي خولت إياها كإمكانية اللجوء إلى نزع الملكية من الخواص من أجل المنفعة العامة. فالدولة قامت بإحداث مجموعة من المؤسسات والمرافق، التي رصدت بالأساس للتعامل مع مسألة السكن بشكل عام والسكن غير اللائق على وجه الخصوص والمتمثلة أساسا في:
الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق
الشركة الوطنية للتجهيز والبناء
المؤسسات الجهوية للتجهيز والبناء (7جهات)
هذه المؤسسات التي عرفت قصورا في أداء مهامها، إذ أن الحصيلة لم تكن في مستوى التطلعات إذ أنه مابين 1984و 2003 فإنها لم تحقق إلا زهاء 500.000 وحدة سكنية (قطعة أرضية أو سكن) علما بأن هناك منعش عقاري واحد من القطاع الخاص قام بإنجاز على مدى 5 سنوات زهاء 8000 وحدة سكنية من نوع السكن الاجتماعي على سبيل المثال .
هذا وبالإضافة إلى الحصيلة الضعيفة من خلال التأخر الحاصل في تنمية قطاع الإسكان، ثم تسجيل مجموعة من التجاوزات على المستوى الإداري لهذه المؤسسات (المجالس الإدارية)، وكذا التناقض والفوضى والارتجال في التعامل مع القطاع، على الرغم من مدّها بالإمكانيات المالية والبشرية وتخويلها صلاحيات المؤسسات العامة كنزع الملكية.
وهو أمر يجسد في حقيقة الأمر أزمة المرفق العام في التجربة المغربية حيث الأخطاء في الإدارة والخلل في الهياكل، وعدم تحديد المسؤوليات تحديدا دقيقا، والخلط بين مهام الإدارة والمراقبة .
كل هذه الأسباب ستجعل الدولة تتدخل لتصحيح الاختلالات والاستعمال الأمثل للإمكانيات والموارد مع تحديد ووضع متدخل عمومي وحيد في مجال السكن على مستوى كل جهة عبر التراب الوطني إسمه مجموعة التهيئة " العمران"، حيث الهدف هو تحقيق التوازنات بين مختلف المتدخلين في القطاع، مع إعطاءها وصف شركة مساهمة مجهولة الاسم، حيث تكمن مهمة هذا القطب الجديد في :
عمليات التهيئة العمرانية والبناء، خاصة إحداث مناطق عمرانية جديدة.
إنجاز مشاريع السكن ولا سيما السكن الاجتماعي والتجزئات السكنية.
مشاريع القضاء على مدن الصفيح والسكن غير اللائق وبرامج المصاحبة الاجتماعية لهذه المشاريع.
إنجاز تجهيزات أو بنايات تحتية مرتبطة ببرامج السكن، سواء لفائدتها أو لفائدة الأغيار بما فيهم الدولة أو الجماعات المحلية.
وعموما يمكن القول إن تجربة مجموعة التهيئة العمران مازالت حديثة، ويصعب تقييمها إلا أن حجم تدخلها منذ سنة الإحداث 15/12/ 2003 إلى اليوم يبقى إلى حد ما إيجابي، خصوصا أمام الاستثمارات التي قامت بها هذه المؤسسة، والتي من المتوقع أن يصل حجم استثماراتها لسنة 2008 إلى 6,6 مليار درهم .
وفيما يتعلق بعلاقة " العمران" بالوكالة الحضرية، وفي غياب أي نص قانوني ينظم هذه العلاقة،إلا أنها تبقى إيجابية خصوصا وأن السكن هو أحد أهم أهداف التعمير، بل كعامل مهيكل للتعمير الذي تنصب عليه الوكالات الحضرية، ومن تم وجود متدخل وحيد سيسهل لا محالة مهام التخطيط والتنظيم والتنسيق في القيام بالبرامج وبلورتها على أرض الواقع وعمليا نجد أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بمجموع من الدراسات وكذا الإحصاءات السكانية لفائدة فرع مجموعة العمران فيما يتعلق بأحياء السكن الغير اللائق المستهدفة من طرف مؤسسة العمران .
خاتمة الفصل الأول
إن تتبع الأدوار التي تضطلع بها الوكالات الحضرية كمرفق عمومي متدخل في مجال التعمير والتهيئة العمرانية، يجعلنا نميز بين نوعين من الأدوار والوظائف:
الأولى والتي تتمحور حول التخطيط العمراني باعتباره عملية متكاملة من الجوانب الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية وكذا السياسية والقانونية، والمتوزع بين التخطيط الاستراتيجي والإجرائي، والهدف هو تحقيق التنمية الشاملة عبر آلياته المتمثلة في وثائق التعمير.
ومن ثمة تراوح مستوى تدخل الوكالات الحضرية بين القصور فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي، إذ أنيطت بها صلاحية المساهمة فقط دون صلاحية المبادرة واتخاذ القرار في وضع هذا النوع من الوثائق، حيث المبادرة والتوجيهات محتكرة من طرف المركز.
في حين سجلنا إيجابية التدخل فيما يتعلق بالتخطيط الإجرائي رغم تحفظنا على مرحلة المصادقة التي بقيت أيضا صلاحية مركزية. ومن تم بروز السؤال التالي : كيف أن وثائق التعمير –خصوصا التنظيمي منها-يتم إعدادها بطاقات وأموال محلية في حين صلاحية الاعتماد والمصادقة تبقى مركزية؟
والثاني يرتبط بالتدبير العمراني كمرحلة عملية، حيث السهر على التنطيق الفعلي لما في وثائق التعمير، والوكالات الحضرية تتميز بحضور تنائي في هذه المرحلة حيث تتوفر على الرأي المطابق والملزم للسلطة الإدارية المكلفة بمنح الرخص،إذ الهدف هو الجودة العمرانية للمشاريع المعروضة.كما أنها تمارس صلاحيات خاصة بشرطة التعمير وينحصر دورها هنا في رصد المخالفات دون التوفر على أية قوة عمومية تخولها القيام بأعمال زجرية في حق المخالفين.
ولكون ميدان التعمير، كميدان يتداخل فيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي... حيث تلتقي المصالح المتضاربة والمتشعبة، فإنه وبكل تأكيد تنشأ علاقات تفاعلية بين الوكالة الحضرية كمستجد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير، ومجموعة من الإدارات الأخرى علاقات تتراوح ما بين الصراع أحيانا والتكامل في أحيان أخرى.
وعليه نعتقد أن النظام القانوني المؤطر لتدخلات الوكالة الحضرية وكذا الإطار العلائقي لها، لا يمكن الارتكاز عليهما فقط لتحديد نجاح أو فشل تجربة الوكالات الحضرية في التجربة المغربية.
بقدر ما أن الأمر يستوجب الوقوف على إحدى التجارب العملية للقيام بدراسة ميدانية يمكن من خلالها تقييم هذه التجربة.
لذلك سنحاول الوقوف في الفصل الثاني على الوكالة الحضرية لسطات كنموذج لدراسة الحالة في هذا البحث، ومن ثمة التساؤلات التالية :
ماهي أهم منجزات هذه المؤسسة في ميدان التعمير؟
هل حققت بالفعل نوعا من إيجابية التدخل في تدبير ميدان التعمير عل المستوى المحلي؟ أم أن سمة المحدودية هي التي أطرت تدخلاتها؟
ماهي أبرز المعيقات والاكراهات سواء الموضوعية أو الذاتية التي تعيق عمل الوكالة الحضرية لسطات؟
وما هي بالتالي المقترحات البديلة التي يمكن من خلالها التأسيس لأدوار جديدة لعمل الوكالات الحضرية في إطار الحكامة العمرانية؟.
إن الحديث عن تجربة مؤسسة معينة يستوجب القيام بدراسة ميدانية لإحدى نماذجها، حتى يمكن القيام بدراسة موضوعية نستطيع عبرها الخروج بنتائج علمية تؤسس لأحكام تتصف بالموضوعية حول مهامها وأدوارها، ومن تم إمكانية بلورة مشاريع تحديثية يمكن عبرها الرفع من الأداء الإداري العام.
لهذا سنحاول في هذا الفصل – بعدما قمنا بدراسة نظرية للوكالات الحضرية من خلال الوقوف على اختصاصاتها في ميدان التعمير وكذا طبيعة العلاقات التي تربطها بباقي المتدخلين المحليين في القطاع- الوقوف على الوكالة الحضرية لسطات كنموذج لدراسة الحالة عبر تقييم حصيلتها في مجال التعمير، لاستجلاء وإبراز أهم منجزاتها وتقييم طبيعتها سواء من الناحية الكمية أو النوعية (المبحث الأول)، وكذا تحديد أبرز وطبيعة الإكراهات والمعيقات التي تساهم في الحد من فعالية التدخل، سواء كانت هذه المعيقات ذاتية مرتبطة بواقع وعمل ونظام الوكالة الحضرية لسطات كبنية منظمة بمقتضى نص قانوني ولها ممكناتها ومؤهلاتها المادية واللوجيستيكية، أو المعيقات المادية المرتبطة بالوكالة كبنية تؤثر وتتأثر بمحيطها الخارجي. وهو تشخيص نعتقده ضروري حتى يتسنى لنا بلورة رؤية بديلة قادرة على تجاوز مختلف هذه المعيقات خصوصا وأن رهانات واستراتيجيات التأهيل تتزامن اليوم مع مشروع مدونة التعمير، الذي يعتبر كأحد المدخلات الأساسية للحكامة العمرانية باعتبارها متطلب رئيسي لتحقيق التنمية العمرانية (المبحث الثاني).
المبحث الأول: الوكالة الحضرية لسطات: عشر سنوات من الاشتغال (1997-2007
لقد أفرز التعمير في المغرب مجموعة من المشاكل المستعصية التي حاولت الدولة القضاء عليها أو على الأقل الحد منها، وذلك من خلال وضع سياسة عامة تجسدت بشكل أساسي في سن مجموعة من القوانين ذات الصلة بهذا المجال، وأيضا من خلال المخططات الوطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن أهم الإجراءات التي تم اتخاذها، تلك التي تتعلق بتجديد البنيات الإدارية المتدخلة في قطاع التعمير من خلال إحداث الوكالات الحضرية كمؤسسات عمومية متمتعة بمجموعة من الاختصاصات، إذ الهدف هنا هو معالجة مجموع هذه المشاكل وكذا تدارك عدم الفعالية التي اتسم بها تدخل البنيات الإدارية التي خول لها تدبير قطاع التعمير في السابق.
ومنه فإن إحداث الوكالة الحضرية لسطات جاء في هذا الإطار، حيث الرغبة في الحد من مجموع الاختلالات المجالية التي تعرفها جهة الشاوية ورديغة باعتبارها الفضاء المجالي الذي تعمل في إطاره الوكالة الحضرية لسطات.
انطلاقا من كل ذلك سنحاول الوقوف في هذا المبحث على مدى مساهمة الوكالة الحضرية لسطات في تحقيق الدور المطلوب منها على المستوى المحلي، حيث تأسيس تنمية عمرانية كأحد مداخل وشروط التنمية الشاملة والمستدامة. وذلك عبر دراسة حصيلتها ومنجزاتها سواء الكمية المرتبطة بممارسة اختصاصاتها الذاتية (المطلب الأول)، أو الحصيلة النوعية حيث ممارسة الاختصاصات الواقعية والتي تبقى ذات طبيعة موازية (المطلب الثاني).
لكن قبل ذلك يمكن إعطاء بطاقة تعريفية لجهة الشاوية ودريغة :
المساحة: 16.571 كلم2 (2.4% من المساحة الوطنية)، موزعة عل الشكل التالي:
- إقليم سطات 58% - إقليم خريبكة 26% -إقليم ابن سليمان 16%
التقسيم الإداري: إقليم سطات، إقليم خريبكة، إقليم بن سليمان
عدد الجماعات : 117 جماعة حضرية وقروية (نسبة 7.5% من مجموع جماعات المملكة)، وتتوزع إلى 102 : جماعة قروية بنسبة (87%) و15 جماعة حضرية بنسبة (13%).
عدد السكان: 1.673.660 نسمة (5.5% من مجموعة الساكنة بالمغرب)
التزايد السكاني السنوي: 0.93% (مقابل 1.38% على الصعيد الوطني)
الشبكة الطرقية: 4274 كلم2
شبكة السكك الحديدية 252 كلم2 (تغطي 22 محطة)
المجال الصناعي: 349 وحدة صناعية وما يناهز 17.036 عاملا
الفوسفاط: 28 مليار متر3 (4/3 من الاحتياطي العالمي).
المطلب الأول: الجوانب الكمية في أداء الوكالة الحضرية لسطات
يمكن تأطير هذا المطلب عبر الوقوف على الحصيلة الكمية المرتبطة بمجال التخطيط العمراني (الفرع الأول)، وكذا تلك المرتبطة بالتدبير العمراني (الفرع الثاني).
الفرع الأول : منجزات الوكالة على مستوى التخطيط العمراني
إن الوقوف على الحصيلة الكمية لمنجزات الوكالة الحضرية لسطات في مجال التخطيط العمراني، باعتباره محطة بارزة لا يمكن رصده إلا من خلال الوقوف على حجم التغطية المجالية لتراب هذه المؤسسة بوثائق التعمير مقارنة مع الفترة السابقة لها(الفقرة الأولى)، مع دراسة للواقع المالي لهذه البنية نظرا لأهميته في إخراج هذه الوثائق إلى حيز الوجود، عبر دراسة مخصصات التعمير وحجمها في ميزانية الوكالة الحضرية لسطات (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: مستوى تغطية تراب الوكالة بوثائق التعمير
إن دراسة موضوعية لمنجزات الوكالة الحضرية لسطات في مجال التخطيط العمراني، لا يمكن رصد تطورها الواقعي – إيجابيا أو سلبيا- إلا عبر مقارنة منجزاتها مع المرحلة السابقة لها. إذ أن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها في هذا الصدد تكمن في أن نسبة وحجم تغطية تراب جهة الشاوية ورديغة بوثائق التعمير قبل إحداث الوكالة الحضرية لسطات لم يكن يتجاوز32% من مجموع تراب الجهة، حيث أن 37 جماعة حضرية وقروية من أصل 117 هي التي كانت مغطاة بوثائق التعمير.كما يبين ذلك الرسم البياني التالي:
حجم التغطية بوثائق التعمير قبل إحداث الوكالة الحضرية لسطات
المصدر: تركيب شخصي
فمجموع الوثائق المصادق عليها في هذا الإطار، وإلى حدود سنة 1998 وصل عددها إلى 37 وثيقة تعميرية تتوزع ما بين تصاميم النمو ذات الطابع القروي، والتي تمثل 28 وثيقة تعميرية بمعدل 76% من مجموع هذه الوثائق، وتصاميم التهيئة التي وصل عددها إلى 9 وثائق بمعدل24% والتي تتوزع على الشكل التالي بحسب الأقاليم المكونة لتراب الجهة:
المصدر: تركيب شخصي
وعليه تبقى أهم ملاحظة تؤطر واقع التغطية بوثائق التعمير قبل إحداث الوكالة الحضرية لسطات هو هيمنة تصاميم النمو – رغم ضآلتها- التي تبقى ذات بعد قروي وهو توجه نعتقده مبرر من الناحية العملية وأيضا القانونية في الاهتمام بهذا النوع من الوثائق دون غيره، حيث أن عدد الجماعات القروية التي تدخل في النطاق الترابي لجهة الشاوية ورديغة يصل إلى 102 جماعة بنسبة 87%، بالإضافة إلى ذلك نجد أن إقليم خريبكة يحتل الصدارة على مستوى التغطية بوثائق التعمير بنسبة 31% على الرغم من كونه على المستوى الواقعي يحتل المرتبة الثانية في التصنيف الإقليمي لجهة الشاوية ورديغة سواء من حيث المساحة وعبره عدد الجماعات الحضرية والقروية أو على مستوى عدد السكان.
كما أن مضمون هذه الوثائق التي تم إعدادها كان لا ينسجم مع واقع المجال الذي تغطيه، وذلك بسبب طول مسطرة إعدادها بشكل تتغير معه المعطيات الواقعية التي يتم الاستناد إليها في تحديد تصورات التهيئة بالنسبة للمجال المعني ، وكذا بسبب طبيعة الدراسات التي يتم الاعتماد عليها من أجل وضع هذه الوثائق باعتبارها دراسات سطحية وغير حقيقية حيث يتم الاعتماد في إعدادها على وثائق ومعطيات قديمة وغير محينة .
لكن الأمر سيعرف تطورا ملحوظا بعد إحداث الوكالة الحضرية لسطات، حيث أن نسبة المجال الترابي المغطى بوثائق التعمير سيصل إلى نسبة 50.42% سنة 2007، كما يبين ذلك الرسم البياني التالي:
حجم تغطية تراب الجهة بوثائق التعمير بعد إحداث الوكالة الحضرية لسطات
المصدر : تركيب شخصي
فالوكالة الحضرية لسطات ومنذ بداية اشتغالها الفعلي في سنة 1999، ستساهم في بلورة وإخراج حوالي 59 وثيقة تعميرية إلى حيز الوجود حيث تشمل الوثائق المصادق عليها فقط تصاميم التهيئة وتصاميم النمو، التي وصل عددها إلى 43 وثيقة سنة 2007، وتصاميم النمو البالغ عددها 16 وثيقة إذ أن نسبة التطور وصلت إلى معدل 18.42%.
والرسم البياني التالي يبين:
واقع وثائق التعمير المصادق عليها بعد إحداث الوكالة الحضرية لسطات
المصدر : تركيب شخصي
وعليه نجد أن الحصيلة في مجملها تبقى إيجابية على مستوى التغطية بوثائق التعمير بالمقارنة مع الفترة السابقة لها ، غير أن الملاحظ هنا هو غياب أية وثيقة تعميرية ذات طابع توجيهي على الرغم من وجود المرسوم رقم 2.94.346 والذي يشير إلى ضرورة تزويد المنطقة بمخطط توجيهي للتهيئة العمرانية لمدينة سطات وضواحيها، الأمر الذي يؤكد ما قلناه سلفا أن صلاحية المبادرة بخصوص المخططات التوجيهية تبقى مركزية حيث التحكم في الزمان والمكان المعني بهذه الوثيقة .
ومن ثمة فالوكالة الحضرية لسطات اهتمت فقط بتصاميم النمو والتهيئة، مع تطور ملحوظ في مستوى التغطية بتصاميم التهيئة التي ارتفع عددها إلى 43 وثيقة، وهو ارتفاع يدل على وجود تطور عمراني حضري تشهده الجهة. تطور ناتج عن تمركز مجموعة من الأنشطة الاقتصادية في المنطقة ، بالإضافة إلى أن جهة الشاوية ورديغة خصوصا إقليم سطات الذي أصبح ينظر إليه كمجال ترابي له القدرة على استيعاب وامتصاص حجم الضغط العمراني الذي تعرفه مدينة الدار البيضاء، في إطار ما يسمى بالتعمير الضاحوي ، كمجال متحكم فيه مسبقا من حيث تغطيته بوثائق التعمير، والذي يعكس دينامية المدينة وبنيتها السوسيو اقتصادية.
بالإضافة إلى ذلك فإن مبررات هذا الارتفاع في حجم تصاميم التهيئة، ترجع إلى أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بتغيير طبيعة الوثائق المخصصة لبعض الجماعات القروية التي أصبحت عبارة عن مراكز محددة أو لأنها تدخل في إطار المناطق المحيطة بالجماعات الحضرية، حيث قامت في هذا الصدد بإلغاء مجموعة من مشاريع تصاميم النمو التي كانت في طور الانجاز نظرا لتعارضها العملي مع قوانين التعمير واستبدالها بتصاميم التهيئة كما هو الأمر بالنسبة للجماعة القروية لسيدي الذهبي مع الجماعة الحضرية لابن أحمد. حيث تعتبر هذه الجماعة من الناحية القانونية بمثابة منطقة محيطة بجماعة حضرية لكونها داخلة في حدود 15 كيلومتر للجماعة الحضرية لابن أحمد ومنه فالوثيقة التعميرية الواجبة هنا هي تصميم التهيئة وليس تصميم النمو بحسب القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، وهو أمر نعتقده يجسد أزمة التقطيع الترابي في الجدوى من وجود جماعات قاعدية متداخلة فيما بينها ترابيا، ولا تستند في وجودها إلى أي أساس سوسيولوجي أو اقتصادي ذو طابع تنموي حيث الاعتبار السياسي هو المتحكم من خلال الرغبة في الضبط السياسي للمجال.
الفقرة الثانية: حجم المساهمة المالية في إعداد وثائق التعمير
تعتبر مسألة تمويل إعداد وثائق التعمير من ضمن الإشكاليات المركزية والأساسية، التي تطرح أمام التخطيط العمراني، بل يمكن القول وبدون تحفظ أن العائق الأول الذي يقف في وجه وثائق التعمير هو مسألة التمويل.
فغياب الوثائق يعني بشكل مباشر النمو العشوائي للمجال، ومنه صعوبة التحكم فيه أمنيا وكذا صحيا ، وهذا كله لا يخدم بأي شكل من الأشكال أهداف التنمية العمرانية التي تسعى الوكالة الحضرية لسطات إلى تحقيقها في نطاق اختصاصها.
لهذه الأسباب سنحاول أن نقف على حجم الواقع المالي للوكالة الحضرية لسطات، ومن تم التساؤل عن إذا ما كان وضعها المالي يسعفها في إحداث تلك النقلة النوعية باعتبارها تجديد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير؟
نظريا – وكما سبقت الإشارة إلى ذلك- نجد أن المادة 9 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية، يعدد مصادر التمويل بالنسبة لهذه البنيات الإدارية ، لكن على المستوى العملي ومن خلال دراسة الشق المتعلق بالموارد العامة للوكالة الحضرية لسطات سنجدها تتراوح مابين ثلاث مستويات مختلفة في التمويل كما يبين ذلك الجدول التالي:
الجدول رقم (3) :طبيعة موارد الميزانية العامة للوكالة الحضرية لسطات
1999 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007
مجموع الموارد بالدرهم 6.500.000.00 11.700.000.00 15.347.292.04 17.119.021.92 17.992.538.64 17.344.250.46 18.592.519.81 22.722.592.08 24.791.977.79
نسبة مساهمة الدولة 100% 100% 98% 97% 97% 97% 94% 92% 82%
نسبة المداخيل الذاتية - - 2% 3% 3% 3% 3% 3% 3%
نسبة مساهمة الجماعات المحلية - - - - - - 3% 5% 15%
المصدر : المعطيات الواردة في التقارير الأدبية والمالية للوكالة الحضرية لسطات لسنوات: 1999-2000-2001-2002-2003-2004-2005-2006 - 2007.
ففيما يتعلق بالمخصصات السنوية التي تدفعها إليها الدولة وكما يتبين لنا من خلال الجدول أعلاه، نجدها تشكل حصة الأسد في مجموع الموارد المحصل عليها، والتي وصلت في سنتي التأسيس نسبة 100% حيث أن التمويل هنا عمومي بامتياز، وهو أمر منطقي وطبيعي نظرا لأن الوكالة الحضرية لسطات كانت في مرحلة التأسيس حينها ومن تم فهي في حاجة إلى موارد تحركها وتساعدها على القيام بمهامها، مع تسجيل ارتفاع في حجم المخصصات العمومية لميزانية الوكالة الحضرية والذي يسجل ابتداءا من 2002 بمعدل 2% سنويا، باستثناء سنة 2004 التي سجلت انخفاض يقدر ب0.5%.
وعليه نجد أن هناك حضور قوي للدولة في تزويد ميزانية الوكالة الحضرية لسطات من مجموع الموارد المحصل عليها، حيث تشكل كمعدل عام نسبة 87% تقريبا من مجموع الموارد المحصل عليها وهو ما ساهم في ارتفاع الميزانية العامة للوكالة الحضرية من 6.500.000.00 مليون درهم في سنة 1999 إلى 24.791.977.79 مليون درهم في سنة 2007، الأمر الذي يجعلنا نطرح مسألة أساسية تتمثل في ضرورة تحول وانتقال الوكالة الحضرية لسطات - وعبرها باقي الوكالات الحضرية الأخرى- من هذا الموقف الانتظاري تجاه الدولة في الحصول على مواردها إلى مستوى القوة التدبيرية التي تستطيع من خلالها تأمين ميزانياتها عبر البحث عن مصادر جديدة للتمويل، وكذا تطوير مداخيلها من خلال القيام باستثمارات خاصة تضمن لها الاستقرار، وهو أمر يفترض ضرورة التحول النوعي من منطق التسيير الكلاسيكي إلى مستوى التدبير بهدف تحقيق نوع من الفعالية الإدارية ، خصوصا إذا ما استحضرنا مسألة أساسية تكمن في أن الإعانات والمساهمات العمومية تبقى محكومة بالوضع الاقتصادي العام للدولة ومن تم منطق عدم الاستقرار في حجم الموارد المقدمة لهذه المؤسسات العمومية .
ثم نجد المداخيل الذاتية باعتبارها موارد خالصة لمجموعة من الخدمات التي تقدمها الوكالة للعموم، والتي لا تشكل سوى 3% كمعدل من مجموع موارد الميزانية العامة وهو رقم يطرح أكثر من علامة استفهام من الناحية العملية على مسألة اللامركزية المرفقية التي تدخل في إطارها الوكالات الحضرية.
وأخيرا بعض المساهمات التي تقدمها الجماعات المحلية والتي عرفت تطورا منذ سنة 2005 من نسبة 3% إلى 15% في سنة 2007 ، حيث أن أهم ملاحظة تم تسجيلها على هذا المستوى كون أن المساهمات الجماعية لا تدخل في إطار المساعدات أو الإعانات المالية المقدمة للوكالة الحضرية بقدر ما تعتبر كمقابل لمجموعة من الدراسات العمرانية التي تقوم بها مكاتب الدراسات لصالح هذه الجماعات، وبالتالي فالوكالة الحضرية هنا تقوم فقط بدور الوسيط لا أكثر بين هذه الجماعات ومكاتب الدراسات، حيث السبب في ذلك هو امتلاك الوكالة الحضرية "للوسائل التقنية" وبالتالي القدرة على القيام بذلك.
أما الشق المتعلق بالإنفاق باعتباره الأداة العملية لتنفيذ ميزانية الوكالة الحضرية، والذي من خلاله يمكن الوقوف على حجم الاستثمارات الفعلية التي تخصصها الوكالة الحضرية لسطات للدراسات المرتبطة بالتعمير وعبره رصد طبيعة التوجه الإنفاقي لهذه المؤسسة.
فإننا نجد أن ميزانية التسيير تحتل المكانة الأولى بنسبة 65%، إذ تشكل نفقات الموظفين في إطارها ما معدله 80% من مجموع ميزانية التسيير.
أما ميزانية التجهيز فهي تمثل نسبة 35% من مجموع الميزانية العامة، حيث تنقسم إلى نفقات استهلاكية وتمثل 74%، وأيضا الدراسات العمرانية التي لا يخصص لها كمعدل سوى 26%، أي
نسبة 6 % من مجموع الميزانية العامة. والرسم البياني الآتي يوضح :
حجم مخصصات الدراسات العمرانية ضمن ميزانية التجهيز
المصدر : التقارير الأدبية والمالية لفترة الممتدة ما بين 1999-2007
ومنه فإن قراءة متأنية للنسب أعلاه تؤكد أن الوكالة الحضرية لسطات وعلى الرغم من كونها تحتل مراتب متقدمة على الصعيد الوطني في أداءها وأيضا في حصيلتها على مستوى التخطيط العمراني من خلال نسبة تغطية تراب الجهة بوثائق التعمير بأكثر من 50% سنة 2007، فإن توجهاتها الانفاقية تبقى ذات طبيعة استهلاكية والتي تفتقد طابع المردودية، حيث غياب المشاريع الاستثمارية من خلال الرقم المرصود للدراسات العمرانية، الأمر الذي يجعلها في موقع الإدارة الكلاسيكية المرتكزة على التسيير دون التدبير ومن تم ضرورة تغيير طريقة الاشتغال حتى يتسنى لها التموضع الصحيح ضمن البنيات الإدارية الأخرى، وكذلك أمام الأدوار الجديدة التي ستقوم بها مستقبلا .
وعموما وإذا كانت هذه هي الحصيلة الكمية للوكالة الحضرية لسطات على مستوى التخطيط العمراني، والتي تبقى إلى حد ما إيجابية، حيث أن أبرز مميز لها هو المساهمة العملية والفعلية في التأسيس لتخطيط عمراني عقلاني لجهة الشاوية ورديغة، على الرغم من مجموع الاكراهات العملية التي تعيق وتحد من تدخلها على هذا المستوى، وأيضا بالمقارنة مع الفترة السابقة لها، والتي تميزت بالنقص الكبير على مستوى التغطية بوثائق التعمير، فماذا إذن عن حصيلتها ومنجزاتها في مجال التدبير العمراني؟
الفرع الثاني: منجزات الوكالة الحضرية في مجال التدبير العمراني
يعتبر التدبير العمراني بمثابة المرحلة العملية لبلورة وأجرأة وثائق التعمير التي لا تعتبر هدفا في حد ذاته، بقدر ما أن الغاية منها تكمن في حسن تنفيذها، معطى تسعى الوكالة الحضرية لسطات إلى تحقيقه، حيث يمكن أن نتناول منجزاتها من خلال الوقوف على حصيلتها العملية على مستوى دراسة الملفات (الفقرة الأولى)، ثم منجزاتها على مستوى تدخلاتها الرقابية والهادفة إلى تحقيق انسجام عمراني للمجال الداخل في نطاقها (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: على مستوى دراسة الملفات
إن القيام بمختلف عمليات التدبير العمراني يستوجب ضرورة الحصول على الرخص التعميرية من الإدارة المكلفة بذلك، وقد منح القانون للوكالة الحضرية صلاحية إبداء الرأي في جميع مشاريع الملفات المرتبطة بالتعمير العملياتي، إذ يعتبر من اللازم عرضها على الوكالة الحضرية قصد إبداء الرأي فيها، وذلك داخل أجل قانوني محدد. فالهدف من هذا الرأي يكمن في ضمان التطبيق السليم للضوابط التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في مجال البناء والتعمير وخصوصا وثائق التعمير.
هذا ولقد شكلت المهام المرتبطة بدراسة الملفات جانبا مهما من نشاط الوكالة الحضرية لسطات، إذ أنه وخلال الفترة الفاصلة ما بين سنتي 2000 و2007، نجد أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بدراسة مجموعة من ملفات رخص البناء والتجزيء وكذا المجموعات السكنية، والتي وصلت في مجموعها إلى حوالي 32454 ملف بنسبة تطور تفوق 70% كما يبين ذلك الرسم البياني التالي:
تطور عدد الملفات المدروسة من طرف الوكالة الحضرية لسطات
المصدر : تركيب شخصي
إن أول ملاحظة يمكن الوقوف عليها انطلاقا من الرسم أعلاه، أن هناك تطور ملحوظ في عدد الملفات المدروسة من طرف الوكالة الحضرية لسطات، والتي حددت في سنة 2000 في 1840 ملف، لتصل في سنة 2007 إلى 5883 ملف، تطور يجسد الحركة العمرانية التي تعرفها المنطقة وكذا المجال الترابي الوطني بشكل عام. كما أن الآراء الموافقة والمرصودة بشأن هذه الملفات شكلت كمعدل نسبة 83%، حيث أنه وفي سنة 2000 مثلا ومن أصل 3937 ملف معروض على أنظار الوكالة الحضرية لسطات، تمت الموافقة على 3137 ملف بنسبة 80%، لترتفع هذه النسبة في سنة 2006 إلى84% ، إذ من أصل 4312 ملف شكلت الملفات المقبولة 3491 ملف.
ويبدو أن أصل هذا الارتفاع في عدد الملفات المدروسة من طرف الوكالة الحضرية لسطات ابتدأ مع سنة 2003 التي تم فيها التأسيس والعمل بآلية الشباك الوحيد ، الذي يدخل في إطار سياسة القرب كتدبير زمني ومكاني يهدف إلى تقديم خدمات عمومية في مستوى جيد ومقبول.فالوكالة الحضرية لسطات كانت تهدف من خلال هذه الآلية تسريع وتبسيط مسالك ومساطر طلبات الرخص، وذلك عبر أسلوب يعتمد على تعبئة المصالح المختصة بهذه الوكالة للبث السريع في مشاريع الملفات المعروضة.
وعلى المستوى العملي نجد أن الفترة السابقة للشباك الوحيد والتي كان يعمل من خلالها بالدورية الوزارية رقم 2000/1500 في إطار لجنة المشاريع الصغرى CPP كان الوقت يستمر تقريبا مدة شهر في الحصول على إحدى الرخص لاعتبار المساطر والمراحل التي ينبغي أن يمر عبرها الملف حيث يستوجب الأمر عرضه على جميع المصالح المعنية قصد إبداء آراءها فيه كما تبين الخطاطة التالية :
خطاطة مسالك مسطرة دراسة طلب رخصة البناء كما تنص على ذ لك الدورية الوزارية 1500/2000
لكن مع إحداث الشباك الوحيد أصبح بالإمكان الحصول على الرخصة في مدة زمنية تتراوح مابين يوم واحد و3 أيام، حيث أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بإبرام اتفاقيات مع المصالح الخارجية المكلفة بإبداء آراءها في الملفات المتعلقة بالتدبير العمراني قصد تعيين ممثلين عنها في اللجنة المكونة للشباك الوحيد من أجل الحضور اليومي في مقر الوكالة الحضرية لدراسة الملفات المعروضة.
خطاطة مسالك دراسة الملفات في إطار مسطرة الشباك الوحيد
هذا وقد احتل إقليم سطات المرتبة الأولى في عدد الملفات المعروضة بنسبة 67% من مجموع الملفات والتي تتوزع كما لي:
التوزيع الإقليمي للملفات المدروسة
المصدر : التقارير الأدبية والمالية للفترة الممتدة ما بين 1999-2007
وهو رقم يعزى إلى حجم النمو العمراني الذي يعرفه هذا الإقليم خصوصا في المنطقة الشمالية الغربية المحاذية لمدينة الدار البيضاء، وكذا بسبب النمو السكاني، إذ بلغت الساكنة حسب 2006 حوالي 972 ألف نسمة أي بنسبة 37% من مجموع الساكنة المكونة للجهة . بالإضافة إلى ارتفاع ظاهرة التمدن إذ ارتفعت نسبة الساكنة الحضرية من 143.956 ألف نسمة سنة 1984 إلى 336ألف نسمة في سنة 2006، وكذا الهجرة الداخلية حيث نجد أن إقليم سطات يستحوذ على 53.8% من نسبة المهاجرين الوافدين عي الجهة التي بلغت في سنة 2006 معدل 23.4% من المجموع الوطني . كما أن الوسط القروي هو الآخر عرف ارتفاعا في حجم الملفات التي تهم هذا النوع من المجال إذ وصلت مع سنة 2007 نسبة 35.7% بما مجموعه 2103 ملفا.
وكل ذلك بسبب ارتفاع حجم التغطية بوثائق التعمير التي تدخل في إطار التعمير الضاحوي لهذا النوع من المناطق.
أما بخصوص نوعية المشاريع المدروسة فنجد أن مشاريع السكن تستحوذ على معدل 90% من مجموع الملفات المعروضة، ثم عمليات التجزيء والتقسيم التي لا تشكل سوى 4% كما يتبين أدناه:
نوعية المشاريع المدروسة
المصدر: تركيب شخصي
ويبدو أن هذا الرقم لا يقتصر على سنة معينة بقدر ما يعتبر بمثابة القاعدة التي تميز توزيع الملفات المعروضة على أنظار الوكالة الحضرية لسطات.
والحاصل أن تدخل الوكالة الحضرية لسطات على مستوى دراسة الملفات يعتبر إيجابيا ومقبولا، إلا أن حجم هذا التدخل عبر الآراء المقدمة من طرفها في دراسة الملفات يبقى رهين بالمستوى العملي عند التنفيذ الأمر الذي يضطرها إلى القيام بعمليات رقابية هادفة إلى التأكد من مدى احترام آراءها.
الفقرة الثانية: على مستوى رصد المخالفات
تعتبر المراقبة كأحد المهام الأساسية التي تقوم بها الوكالة الحضرية لسطات، حيث الوقوف على الجانب العملي لمختلف عمليات التهيئة التي تم القيام بها داخل النطاق الترابي الذي يخضع لها، وبالتالي التأكد من مدى مطابقتها للتصاميم المعمول بها وكذا وثائق التعمير المصادق عليها.
ويمكن الوقوف على حصيلة ومنجزات الوكالة الحضرية لسطات في هذا المجال من خلال رصد حجم وعدد المخالفات التي سجلتها الوكالة والتي أثبتت عدم مطابقتها للقوانين المعمول بها.
والجدول التالي يبين :
الجدول رقم (4): تطور عدد المخالفات المرصودة ما بين 2000-2007
السنوات
الأقاليم 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007 المجموع
سطات 43 51 286 101 45 100 38 353 1017
خريبكة 36 14 42 72 179 157 21 23 544
ابن سليمان 17 18 68 36 70 35 2 73 319
المجموع 96 83 396 209 294 292 61 449 1880
المصدر : تركيب شخصي
إن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها من خلال الجدول أعلاه، تكمن في أن عدد الأوراش التي تمت مراقبتها خلال الفترة الممتدة ما بين سنة 2000 و 2007 بلغت حوالي1880ورش على مستوى تراب الوكالة الحضرية، حيث نجد أن نسبة هذه المخالفات تتراوح ما بين 96 مخالفة تم رصدها في سنة 2000 لترتفع في سنة 2007 إلى 449 مخالفة، مع وجود تفاوتات فيما بين هاتين السنتين في عدد المخالفات إذ أن الرقم يسجل ارتفاعا ملحوظا في سنة معينة لينخفض في سنة أخرى لكن بشكل عام نسجل أن عدد المخالفات في ارتفاع متزايد خصوصا في السنة الأخيرة .
أما فيما يتعلق بالتوزيع الإقليمي لهذه المخالفات نجد أن إقليم سطات يشكل النسبة الأكبر في عدد المخالفات التي تمت معاينتها وتصل إلى 1017 مخالفة بنسبة 54% متبوع بإقليمي خريبكة وابن سليمان بنسبتي 29% و17%على التوالي.
التوزيع الإقليمي للمخالفات
المصدر :التقارير الأدبية والمالية للفترة الممتدة ما بين 2000-2007
وربما يعزى هذا الارتفاع في المخالفات المرصودة في إقليم سطات، إلى حجم الحركة العمرانية التي يشهدها هذا الإقليم، وكذا نسبة الهجرة الداخلية التي يستقطبها خصوصا إذا ما استحضرنا الطبيعة الفلاحية للمناطق المحيطة به، وتسجيل سنوات الجفاف في السنوات الأخيرة، معطى من شأنه أن يساهم في القيام بعمليات تهيئة مخالفة للقانون، على عكس إقليم خريبكة الذي تأخذ فيه الهجرة طابعها الخارجي وبالتالي الانضباط نوعا ما لوثائق التعمير المصادق عليها، ومن تم الميول إلى التعمير المنظم.أما التوزيع النوعي لهذه المخالفات فهي على الشكل التالي:
الجدول رقم (5):توزيع المخالفات حسب نوعيتها مابين 2000-2007
السنوات
نوع المخالفة 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007 المجموع النسبة العامة
البناء بدون ترخيص 16 07 102 97 40 189 29 309 769 42%
البناء دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية 40 34 31 88 - - - - 193 10%
بناء مخالف للتصميم 07 15 56 10 24 26 08 85 231 12%
مخالفات لها ارتباط بتنظيم الورش 26 27 78 12 229 97 15 31 515 27%
مخالفات تتعلق باحتلال الملك العمومي 07 - 129 02 01 - 09 24 172 9%
المجموع 96 83 396 209 294 292 61 449 1880 100%
المصدر: تركيب شخصي بالاعتماد على التقارير التركيبية للفترة الممتدة ما بين 2000-2007
فالملاحظ أن هذه المخالفات تتوزع ما بين البناء بدون رخصة والتي تشكل 42% من مجموع المخالفات، حيث نرى أن هذا النوع من المخالفات في تزايد مستمر 16 في سنة2000 و 309 في سنة 2007، وهو معطى يؤكد ويجسد أزمة التعمير العملياتي المخالف لوثائق التعمير وللتصاميم المعمول بها، ومن ثمة تبلور مجالات عشوائية يصعب التحكم فيها في المستقبل وبالتالي تنامي ظاهرة السكن الغير اللائق، وعليه فإن التساؤل المطروح هنا هو من االمسؤول عن تنامي وبروز هذه الأنواع من البنايات الغير المتوفرة على رخص البناء؟
هذا ونجد أن القانون 12-90 المتعلق بالتعمير ينص على مجموعة من العقوبات في حق المخالفين الذين يقومون بتشييد بنايات دون الحصول على رخص، إذ تتراوح ما بين الأمر بالهدم أوالغرامة ، على الرغم من كون أن المستوى العملي قد أثبت أن العقوبة الثانية هي التي تطبق بشكل كبير، وفي هذا نوع من التساهل الذي قد يؤدي خصوصا بالنسبة للمضاربين والسماسرة في عدم الاهتمام بهذه العقوبة ومن تم العودة للقيام بمخالفات أخرى خصوصا وأن القانون 12-90، أكد على أن الغرامات يتم مضاعفتها في حال تكرار نفس المخالفة في داخل أجل 12 شهرا التالية للمخالفة الأولى.
كذلك من بين أهم المخالفات التي تم تسجيلها في مرحلة التتبع والمراقبة من طرف الوكالة الحضرية لسطات، البناء دون الحصول على الرأي الملزم لها، حيث شكلت ما نسبته 10% من مجموع المخالفات المرصودة لكن المميز لهذا النوع من المخالفات هو التراجع الشبه الكلي ابتداء من سنة 2003 وهي السنة التي تم العمل في إطارها بآلية الشباك الوحيد من طرف الوكالة الحضرية لسطات، حيث وجود ممثلين عن مختلف المصالح والجماعات المعنية في اللجنة المكونة لهذا الشباك، ومن تم إحداث نوع من التعايش في العلاقات خصوصا بين الجماعات المحلية المعنية بتدبير ملفات التدبير العمراني إداريا والوكالة الحضرية كشريك تقني لها وهو معطى أسهم إلى حد ما في تسجيل نوع من التراجع في نسبة هذا النوع من المخالفات.
وعموما نجد أن دور الوكالة الحضرية لسطات في مجال المراقبة يتوقف فقط في ضبط وتسجيل وأيضا تحرير المحاضر المتعلقة بالمخالفات وتسليمها إلى الجهات المعنية والمختصة بتحريك المتابعات في حق أصحابها. ومنه هل هذه المتابعات تأخذ منحاها الصحيح في ردع المخالفين، أم أن الأمر يخضع لاعتبارات أخرى تساهم في إيقاف هذه المتابعات من طرف الجهات المعنية وعبرها تجسيد الترهل القانوني ؟
والحاصل أن الوكالة الحضرية لسطات قامت بتسجيل حصيلة إيجابية في ميدان التدبير العمراني، عبر ضمان شفافية المساطر المرتبطة بالتدبير العمراني من خلال التدقيق العملي لها واحترام الآجال، حيث السهر على احترام المقتضيات القانونية والتقنية سواء فيما يتعلق بدراسة الملفات أو المراقبة، خصوصا إذا ما استحضرنا واقعها البشري وكذا اللوجيستيكي المكلف بالقيام بعمليات المراقبة بالمقارنة،، مع حجم المجال الترابي الذي يدخل في إطارها (117 جماعة حضرية وقروية) واللذان يحدان من فعاليتها .
المطلب الثاني: الجوانب النوعية في أداء الوكالة الحضرية لسطات
تمارس الوكالة الحضرية لسطات في إطار القيام بمهامها مجموعة من الدراسات القطاعية، ذات الطبيعة الموازية وهي اختصاصات واقعية تهدف إلى تنمية المجال العمراني، وتحقيق نوع من التناغم والتناسق المجالي، حيث القيام بدراسات قطاعية (فرع أول) وتدعيم الاستثمارات المحلية عبر تسريع وثيرة دراسة الملفات بالإضافة إلى الاهتمام بالعقار وتعبئته وجعله داعم ومحفز للتنمية عموما والتنمية العمرانية بشكل خاص (فرع ثاني).
الفرع الأول: الدراسات القطاعية وتهيئة المجال المحلي
تنص المادة 3 من الظهير المحدث للوكالات الحضرية في البندين 6 و 7 على أن الوكالة الحضرية " تتولى في نطاق اختصاصاتها:
6- القيام بالدراسات اللازمة لمشاريع تهيئة قطاعات خاصة وتنفيذ جميع مشاريع الصيانة العامة أو التهيئة لحساب الدولة والجماعات المحلية أو أي شخص آخر يطلب من الوكالة القيام بذلك سواء كان من أشخاص القانون العام أو أشخاص القانون الخاص كلما كان المشروع ذا منفعة عامة.
7- تشجيع وإنجاز عمليات إصلاح القطاعات الحضرية وتجديد المباني وإعادة هيكلة الأحياء المفتقرة إلى التجهيزات الأساسية والقيام لهذه الغاية بإنجاز الدراسات وامتلاك الأراضي اللازمة لذلك".
عمليا ومن خلال الوقوف على منجزات الوكالة الحضرية لسطات، نجدها قامت بمجموعة من الدراسات القطاعية والمتمثلة في إعادة هيكلة مجموعة من الأحياء السكنية الغير اللائقة، وكذا مساهمتها في عمليات التهيئة للمجال الحضري.كما يبين ذلك الجدول التالي:
جدول رقم (6) يوضح :بعض الدراسات القطاعية التي قامت بها الوكالة الحضرية لسطات
نوع لدراسة
الإقليم إعادة هيكلة أحياء السكن الغير اللائق عمليات التهيئة
سطات * بلدية الكارة : أحياء الضحى/ النور / النصر
* ج ق سيدي رحال الشاطئ: دوار الشرفاء
* بلدية البروج: حي الأمل
* بلدية سطات: حي قيلز * بلدية سطات: تهيئة ضفتي واد بوموسى
* ج ق سيدي رحال الشاطئ: تهيئة المنطقة المحاذية للملك العمومي البحري والغابوي
خريبكة * بلدية واد زم: حي كدية المصلى/ حي كدية الزيدانية/ حي الحرشة/ حي أيت الفاطمي/ حي العطورة /حي سكيكمة...
* بلدية خريبكة: حي أيت صالح
* بلدية أبي الجعد : حي بدر * بلدية خريبكة: تهيئة الحي الإداري
ابن سليمان * بلدية ابن سليمان: تهيئة شارع الحسن الثاني / تهيئة الشريط الساحلي لبوزنيقة
المصدر : تركيب شخصي
وعليه يمكن تحليل هذا الجدول عبر الوقوف على نقطتين:
1- إعادة هيكلة أحياء السكن الغير اللائق، باعتباره" نموذج من السكن المخالف لقواعد البناء القانوني المقررة في تشريعات التعمير، والمجسد لنمط عيش مفتقر لمقومات الحياة الكريمة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا وبيئيا ".
إذ نجد أن هذا النوع من السكن يعتبر كأحد مكونات المشهد الحضري بإعتباره معطى هيكلي مؤطر للمشهد المجالي العام، فظاهرة السكن الغير اللائق واحدة من بين الإشكاليات المعقدة التي تنتج عنها انعكاسات سلبية تطال جميع الأصعدة، وهي نتيجة مباشرة للتطور الحضري الذي تعرفه الأنسجة العمرانية بفعل ارتفاع وتيرة النمو الديمغرافي والامتداد العمراني وحدة الهجرة القروية الناتجة عن توالي سنوات الجفاف، كلها أسباب أدت وتؤدي إلى إضعاف هياكل المدينة وبنياتها التحتية كما تشكل عوامل لتدهور ظروف السكن. وينعكس ذلك في ظهور أشكال مختلفة وغير متجانسة الأنسجة داخل المدن مفتقرة في غالب الأحيان إلى التجهيزات الأساسية وتأخذ أشكال دور الصفيح والسكن العشوائي والبناء السري، وهي كلها أشكال لسكن غير لائق تتكون من دور هشة أو بنايات غير تامة لا تستجيب للمعايير الصحية والمقاييس التقنية المقننة.
وجهة الشاوية ورديغة كمجال لعمل الوكالة الحضرية لسطات، لم تسلم من تداعيات هذه الظاهرة كواقع اجتماعي فرض نفسه بقوة على مجالها الحضري إذ أصبح يهدد بذلك انسجام نسيجها العمراني، وقد تمثل تدخل الوكالة الحضرية لسطات على هذا المستوى في القيام بمجموعة من الدراسات والإحصاءات – إلى جانب متدخلين آخرين- حيث ركزت في تدخلاتها على هذا المستوى على أحياء السكن غير اللائق ذو الطبيعة الصلبة، كنوع من أنواع السكن الغير اللائق باعتباره يضم عدة أنماط سكنية تجمعها خصوصيات أهمها نقصان أو غياب التجهيزات والمرافق الضرورية، بالإضافة إلى البيئة السكنية غير الصحية وارتفاع الكثافة السكانية . فميزة هذا النوع من السكن كونه قد تم بناءه بالإسمنت لكن من دون التوفر على تصاميم أو دراسات تقنية مسبقة، ومن تم أصبح فارضا لذاته على المؤسسات العمومية المكلفة بمحاربة السكن الغير اللائق فقط إشكالاته المركزية هي عدم وجود بنيات وتجهيزات تحتية. من هنا جاء تدخل الوكالة الحضرية لسطات في القيام بمجموعة من الدراسات وكذلك وضع تصاميم تستهدف إعادة تنظيم وتقويم هذا النوع من المجال، حيث قامت في هذا الإطار بأكثر من 50 دراسة على مستوى تراب الجهة وقد تجلت أهداف هذه الدراسات في :
تسوية الوضعية العمرانية والقانونية لهذه الأحياء
تجهيزها بالتجهيزات الأساسية (طرق- ماء- الكهرباء- الصرف الصحي) وإدماجها في النسيج الحضري العام.
تزويدها بالتجهيزات الاجتماعية ذات الطابع الاجتماعي.
بالإضافة إلى تسوية وتجاوز مجموعة من الصعوبات التي تطرحها الطبيعة القانونية لملكية الأرض موضوع التدخل .
2- القيام بعمليات التهيئة:التي تستهدف مجموعة من المناطق التي لا يتناسب واقعها مع الأدوار التي تقوم بها، كما هو الأمر بالنسبة لبعض الأحياء الإدارية التي حاولت الوكالة الحضرية لسطات استهدافها، وكذلك الشوارع الرئيسية التي تشهد حركة سير كبيرة عبر توسعتها بما يضمن لمستعمليها الراحة والأمن.
كما شملت عمليات التهيئة كما لاحظنا ذلك في الجدول أعلاه بعض الأودية التي تتوسط المدن وتشكل خطورة على الساكنة خصوصا في فترات الأمطار عبر توسعتها وجعلها أكثر سلامة.
كما أن المناطق الخاصة ذات الطبيعة السياحية شكلت هي الأخرى إحدى اهتمامات الوكالة الحضرية لسطات كما هو الأمر بالنسبة للشريط الساحلي لبوزنيقة وبعض المناطق الغابوية والبحرية، وقد أسفرت هذه العمليات على:
خلق مرافق جديدة
وضع ضابطة البناء للمنطقة
تسوية مشكلة حركة السير
الفرع الثاني: الوكالة الحضرية لسطات و تدعيم الاقتصاد المحلي
تعتبر الوكالة الحضرية لسطات من أبرز المتدخلين العموميين على المستوى اللامركزي، في مجال تدعيم الاقتصاد المحلي والجهوي باعتباره مدخلا أساسيا لصناعة التنمية الوطنية الشاملة، حيث تتجلى أهم تدخلاتها على هذا المستوى في تسريع ودراسة مختلف الطلبات الاستثمارية(الفقرة الأولى)، بالإضافة إلى تعبئة الوعاء العقاري عبر دراسته وتحديد وضعيته وأيضا تهيئته، حتى يصبح عاملا مستقطبا لمختلف الاستثمارات (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تشجيع الاستثمار المحلي
تطبيقا لمقتضيات الرسالة الملكية الموجهة إلى الوزير الأول بتاريخ 9 يناير 2002 حول موضوع التدبير اللامتمركز للاستثمار ، حيث إنعاش الاستثمار والنهوض به باعتباره وسيلة فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لاسيما عبر دعم وتحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة.
انطلاقا من كل ذلك ستنخرط الوكالة الحضرية لسطات في الاهتمام بتفعيل مقتضيات هذه الرسالة وتمكين قطاع التعمير من الإسهام في تفعيل الإجراءات المتخذة وتشجيع جميع المتدخلين من مستثمرين ومنعشين عقاريين سواء من القطاع العام أو من القطاع الخاص، عبر تأطير مشاريعهم وتوفير شروط نجاحها. حيث عملت الوكالة الحضرية لسطات على تنظيم مجموعة من الاجتماعات التنسيقية والتشاورية مع كافة المتدخلين في القطاع قصد التعريف بدور التعمير في النهوض بمجال الاستثمار وتشجيعه في إطار لجن تقنية موسعة على الصعيد المحلي.
بالإضافة إلى قيامها بعمليات تنظيمية عبر إحداث خلية بداخل الوكالة مهمتها استقبال وتوجيه المستثمرين وتقديم جميع المعلومات والمعطيات، وكذا المساعدة التقنية لهم في المراحل الأولى عند اختيار موقع المشاريع وأثناء اقتناء العقارات، كما تقوم بإعداد الدراسات الأولية المتعلقة بوضع تصور المشاريع وربطها بمختلف التجهيزات والشبكات، وكل ذلك عبر إبرام شراكة مع المركز الجهوي للاستثمار بجهة الشاوية ورديغة ، بهدف ضمان النجاعة والسرعة في البحث في مجموع ملفات الاستثمار.
وعلى المستوى التأطيري، فقد تمكنت الوكالة الحضرية لسطات من ضمان التأطير التقني في إطار لجنة المشاريع الكبرى CGP بداخل مقر الوكالة لما مجموعه 1322 ملفا استثماريا بنسبة 4% من مجموع الملفات المدروسة من طرف الوكالة الحضرية لسطات منذ بداية اشتغالها الفعلي في سنة 1999، والتي تتوزع على الشكل التالي:
الجدول رقم (7) : حصيلة الملفات المدروسة من طرف لجنة المشاريع الكبرى CGP داخل مقر الوكالة الحضرية لسطات
السنوات 2000 2001 2002 2003 2004 2005 2006 2007 المجموع
عدد الملفات 17 27 96 102 38 39 206 797 1322
المصدر: تركيب شخصي
والواضح من الجدول أعلاه أن نسبة المشاريع الاستثمارية تعرف نوع من التدرج وكذا الارتفاع النسبي والمستمر، إذ أنها بلغت في سنة 2007 إلى 797 مشروع استثماري وهو أمر يؤكد أن هناك نوع من الحيوية الاقتصادية على مستوى الاستثمارات التي تستقطبها المنطقة خصوصا في السنتين الأخيرتين.
ويبدو أن من مسببات هذا الارتفاع كذلك تفعيل مقتضيات الدورية الوزارية عدد 3020 المتعلقة بمنح استثناءات في مجال التعمير بالنسبة للمشاريع الاستثمارية.
وفيما يتعلق بتصنيف هذه المشاريع حسب النوع فهي تتوزع كما يلي:
التوزيع النوعي للمشاريع المدروسة
المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من التقارير السالفة الذكر
إذ أن الملاحظ هنا هو أن العمليات العقارية تعتبر القطاع الاستثماري الرئيسي بنسبة 38% ضمن المشاريع الاستثمارية الموافق عليها، ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى الرغبة في تنفيذ البرامج الحكومية المتعلقة بالسكن في إطار رهان 200.000 ألف سكن حيث إن الجهة تستأثر بحوالي 7000 وحدة سكنية في المشروع الحكومي بالإضافة إلى أن الاستثمار العقاري يتميز بالمردودية والربح ونسبة الخسارة فيه تبقى شبه منعدمة .
ثم المشاريع السياحية والترفيهية التي تستحوذ على ما معدله 23%، وهي نسبة تؤكد إلى حد ما التوجهات والاستراتيجيات الجديدة التي ترمي إلى جعل الجهة قطبا سياحيا عبر الاستفادة من بعض خصوصياتها الطبيعية وعلى وجه الخصوص الساحلية منها.
بالإضافة إلى المرافق والخدمات التي لا تشكل سوى 20%، وهي نسبة تطرح في حقيقة الأمر أكثر من تساؤل حيث أنه وأمام حجم الكثافة السكانية التي تعرفها الجهة، فإن الأمر يستوجب توفير مجموعة من البنيات التحتية والتجهيزات المرفقية والخدماتية التي تستطيع استيعاب هذه الكتلة البشرية، وبناء عليه من الضروري اليوم القيام بتقييم عملي لوثائق التعمير والوقوف على مدى التزام مختلف الفاعلين- خصوصا الجماعات المحلية- بإنشاء المرافق والتجهيزات المحددة في تنطيق هذه الوثائق الموافق عليها من طرف مجموع المتدخلين.وأخير المشاريع الصناعية التي لا تمثل سوى 19% من مجموع المشاريع الاستثمارية الموافق عليها وهي نسبة نعتقد إلى حد ما إيجابية خصوصا مع الطبيعة الفلاحية للمنطقة وكذا أمام تحديث وتجديد المناطق الصناعية المتواجدة بالجهة باعتبارها متنفس مجالي جديد للمناطق الصناعية المتواجدة على محور
القنيطرة – البيضاء. أما التوزيع الإقليمي لهذه المشاريع فنجد أن :
التوزيع الإقليمي للمشاريع المدروسة
المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من التقارير السالفة الذكر
الإحصائيات المتعلقة بهذا الموضوع قد أثبتت أن إقليم سطات يحتكر الأغلبية الساحقة من هذه المشاريع حيث يضم 722 مشروع بنسبة 58% من مجموع هذه المشاريع، ويبدو أن السبب يعزى إلى إحداث القطب الصناعي للساحل ولخيايطة على مساحة تقدر 2414 هكتار، والذي يبقى كمحدد رئيسي لهذا الاستقطاب بالإضافة إلى عاملي القرب لميناء الدار البيضاء وكذا الشبكة الطرقية الرئيسية (الدار البيضاء – طنجة / الدار البيضاء – مراكش)، على عكس إقليم خريبكة الذي لم يستقطب سوى 365 مشروع بنسبة 28% وإقليم ابن سليمان 185 بنسبة 14%.
وهو أمر يطرح في حقيقة الأمر مسألة التوازن المجالي في عمليات التوطين الاستثماري، وقبله عمليات التهيئة، عبر سلوك سياسة مجالية متوازنة في إطار سياسة إعداد التراب، والتي تهدف إلى توزيع متوازن للنشاطات الاقتصادية والاجتماعية في إطار ما يصطلح عليه بالديمقراطية الترابية .
الفقرة الثانية: تعبئة الوعاء العقاري الجهوي
إن العلاقة التي تربط العقار بالتعمير، هي علاقة جدلية تتميز بالتأثير والتأثر، إذ لا يمكن تطوير التخطيط والتوسع العمرانيين بدون التحكم في الأرض ورفع الحواجز التي يضعها استعمالها في وجه كافة المتدخلين سواء من القطاع العام أو من القطاع الخاص .
فالعلاقة وطيدة بين سياسة التعمير والسياسة العقارية إذ لا يمكن ترجمة مختلف التوجهات المسطرة في وثائق التعمير باعتبارها أدوات تقنية للتخطيط العمراني، دون التحكم في العقار ومعرفة طبيعته.
من هنا جاء اهتمام الوكالة الحضرية لسطات بهذا النوع من التدخل الذي يدخل في إطار كسب رهان التنمية وتأهيل المجال المحلي لجعله قابلا لاستقطاب كل أشكال الاستثمار ورفع تحديات التنافسية والعولمة بغية تحقيق تنمية فعالة ومستديمة .
وفي هذا الإطار تجسد تدخل الوكالة الحضرية لسطات -على هذا المستوى- في إعداد تصور أولي لتنمية المجال الترابي للجهة، يأخذ بعين الاعتبار خصوصياتها ومؤهلاتها المجالية عبر تعبئة الوعاء العقاري بشكل عام والوعاء العقاري العمومي بشكل خاص، واعتباره أداة لإنجاز مشاريع استثمارية حيث قامت في هذا الاطار بجرد العقارات المفتوحة في وجه العمران.
وقد تمكنت في هذا الصدد من إحصاء 6157 هكتارا على صعيد جهة الشاوية ورديغة، تتوزع بين الأقاليم الثلاث على الشكل الآتي:
إقليم سطات: 3728 هكتارا بنسبة 60.54%
إقليم خريبكة: 761هكتارا بنسبة 12.36%
إقليم ابن سليمان: 1668 هكتارا بنسبة 27.10%
وتتوزع هذه المساحات حسب الجماعات الحضرية والقروية بالجهة على الشكل التالي:
الجدول رقم(8) توزيع المساحات المفتوحة للتعمير
الجماعات الحضرية والقروية المساحة الإجمالية المغطاة بوثيقة التعمير بالهكتار المساحة التي يمكن فتحها للعمران بالهكتار
سطات 2900 1109
برشيد 2600 1488
الدروة 680 102
سيدي رحال الشاطئ 2108 740
السوالم 790 289
خريبكة 2900 340
بوجنيبة 492 130
وادي زم 1774 91
أبي الجعد 965 200
بن سليمان 1962 943
بوزنيقة 1820 725
المجموع 18991 6157
المصدر :التقارير الأدبية والمالية السالفة الذكر
ثم بعد ذلك قامت بجرد المؤهلات السياحية والصناعية للجهة انطلاقا من الجرد العام للعقار، حيث عملت على تحديد الأراضي المخصصة للاستعمالات السياحية والصناعية حسب وثائق التعمير المصادق عليها.
المصدر : تركيب شخصي
ومنه وانطلاقا من مجموع هذه الدراسات قامت الوكالة الحضرية بصياغة مشروع حضري لتنمية الجهة بهدف حل الإشكالات المطروحة وأيضا لرد الاعتبار للمجال، إذ توصلت في هذا الإطار إلى فرز 4 مجموعات من المشاريع، كل واحدة تهدف معالجة إشكالية جوهرية تخص إحدى المكونات الأساسية في إطار استيعاب التنوع المجالي للجهة، حيث تتوزع على الشكل التالي:
تنمية الساحل - اقتراح انجاز مشروع سياحي (الشريط الساحلي سيدي رحال الشاطئ والسوالم الساحل)
اقتراح تشييد مركب صناعي وسكني من مستوى عالمي مخصص للتقنيات الحديثة (الشريط الساحلي لبوزنيقة)
تأهيل التجمعات القطبية وفتح مناطق جديدة للتعمير(على مدار الدار البيضاء الكبرى) - إعادة هيكلة قطبي برشيد – الدروة
- إحداث قطب حضري وصناعي جديد للساحل – لخيايطة
تنمية مدينة سطات - تدعيم المنطقة الصناعية
- إحداث مركز للأنشطة اللوجيستيكية والنقل
- إحداث تجزئة سكنية من مستوى رفيع " المنظر الجميل"
تأهيل مدينة خريبكة والمنطقة المحيطة بها - تنظيم الاستغلال المنجمي
- إعداد مخطط هيكلي لتنمية المدينة
المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من التقارير الإدارية والمالية السالفة الذكر
ومنه نعتقد أن التدخل نوعي بامتياز على هذا المستوى، لكن التساؤل المركزي هنا هو إلى أي حد تم تفعيل هذه الاستراتيجيات؟ ومن ثمة كسب الرهانات المسطرة ؟
فعلى المستوى العملي هناك من هذه المشاريع المسطرة ما تم تنفيذه، في حين نجد أن الكثير منها لم تحقق ومن تم تعثرها على مستوى التنفيذ.
انطلاقا من هذا التقييم العملي لمختلف تدخلات الوكالة الحضرية لسطات، والتي تبقى مقبولة، أمام حجم الرهانات المطروحة والمسطرة لها مستقبلا، وفي إطار رؤية تدبيرية تحدد مواطن الضعف والقوة لهذه البنية وكذا الفرص المتاحة لها، فإن التساؤل المطروح هنا هو :
ماهي أهم الاكراهات والحدود العملية سواء الموضوعية منها،أو الذاتية التي ساهمت في الحد من فعالية تدخل الوكالة الحضرية ؟
وما هي أبرز الحلول والممكنات التي نعتقد أنها ستسهم في تدعيم فعالية التدخل؟ حتى تتمكن هذه المؤسسة من المساهمة الإيجابية في بلورة وصناعة مجال محلي منسجم وداعم للتنمية العمرانية المحلية وعبره الوطنية؟
المبحث الثاني: الوكالة الحضرية لسطات بين المحدودية ومتطلبات الحـكامة العمرانية
إن المتتبع لمجموع تدخلات وأدوار الوكالة الحضرية لسطات، سيجد أن الحصيلة متواضعة ولم تصل إلى مستوى الرهانات والتطلعات المنتظرة منها، ويبدوا أن السبب في ذلك يرجع إلى وجود مجموعة من الإكراهات والحدود العملية والموضوعية التي تحد من فعالية التدخل بالنسبة لهذه المؤسسة (المطلب الأول). حدود تستلزم ضرورة التجاوز عبر خيار الحكامة العمرانية باعتبارها آلية وأداة للتدبير الواعي لميدان التعمير (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مظاهر محدودية عمل الوكالة الحضرية لسطات
من الطبيعي أنه رغم المصداقية التي اكتسبتها الوكالات الحضرية عموما، والوكالة الحضرية لسطات بشكل خاص في مدة وجيزة حيث القيام بعمليات ومنجزات كمية ونوعية ساهمت إلى حد ما في تهيئة المجال وتنظيمه، فإنها لازالت غير قادرة على القيام بأغلب الأنشطة الملازمة لمهامها بسبب وجود مجموعة من الحدود والاكراهات التي تعيق عملها والمتراوحة بين العراقيل ذات الطبيعة البنيوية وأيضا المادية.
الفرع الأول: العوائق البنيوية
تعتبر العراقيل البنيوية للوكالة الحضرية لسطات، من ضمن أهم وأبرز العوائق التي تحد من فعالية أداء هذه المؤسسة، ونعني بها هنا مجموع المشاكل الموضوعية والذاتية المرتبطة بالوكالة الحضرية لسطات، إن على المستوى القانوني (الفقرة الأولى)، أو على المستوى المالي والبشري (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحدود القانونية
يمكن تصنيف الإكراهات والحدود القانونية التي تعيق عمل الوكالة الحضرية لسطات من خلال الوقوف على:
1. الإكراهات المرتبطة بالقانون المنظم للوكالات الحضرية
إن الإطار القانوني المنظم للوكالات الحضرية، يطرح مجموعة من الإشكالات العملية التي تعيق عمل هذه الأخيرة.
فعلى مستوى التخطيط العمراني نجد أن هناك تقزيم لتدخل الوكالات الحضرية، سواء فيما يتعلق بالتخطيط التقديري الذي لا تمتلك هذه المؤسسات في إطاره أية صلاحية قانونية تخولها إمكانية المبادرة في إعدادها، فالاختصاص مركزي هنا وهو ما يطرح إشكال الوقت في اعتماد هذه الوثيقة حيث كان من المفترض أن يكون أمر المبادرة من اختصاص الوكالات الحضرية بتنسيق مع مختلف الفاعلين المحليين لاعتبار أساسي يتجلى في القرب من المجال المحلي اللامركزي ومن معرفة احتياجاته الضرورية مع الوقوف العملي على مستوى تطوراته العمرانية، هذا مع إمكانية الإبقاء على صلاحية المصادقة من اختصاص الإدارة المركزية لكن شرط تحديد المدة المخصصة لذلك.
أما فيما يتعلق بالتعمير التنظيمي النافذ، ورغم حجم الصلاحيات المسندة للوكالات الحضرية في هذا الإطار فإن دورها يبقى هامشي في مرحلة المصادقة التي تبقى اختصاصا مركزيا، وهو معطى يؤكد ثقل الوصاية الممارسة على الوكالات الحضرية، فعلى الرغم من الإيجابيات التي تمثلها هذه الوصاية نظريا لتحقيق انسجام وتناسق عمل الدولة باعتبارها " مجموع الصلاحيات المخولة للسلطات المركزية بناء على قانون من أجل مراقبة شرعية نشاط هذه الهيئات وعدم تطاولها في ممارسة اختصاصاتها قصد ضمان تحقيق المصلحة العامة" ، فإنها تساهم في الحد العملي من استقلال هذه المؤسسة الشيء الذي جعل البعض يذهب إلى توصيفها "بالبيروقراطية" حيث أنها قد تكون وراء التأخر في التدخلات، مما قد يرتب نتائج عكسية للهدف الذي أحدثت من أجله هذه الوكالات أي السرعة والفعالية، بل وقد تصل هذه الوصاية إلى رفض كلي لبعض الوثائق التعميرية التي وصلت إلى مراحل متقدمة من المصادقة،وكل ذلك تحث مبرر الرغبة في مطابقة عمل الوكالات الحضرية مع الأهداف التي تحددها .
أما على مستوى التدبير العمراني وعلى الرغم من الحضور القوي للوكالات الحضرية على هذا المستوى، فإنها تفتقد الآليات والوسائل الزجرية التي قد تسهم في احترام آراءها وكذا المحاضر التي تم تحريرها والمتعلقة بالمراقبة. فكثيرا ما تتم مخالفة الآراء سواء الموافقة أو الغير الموافقة الصادرة عن الوكالات الحضرية من طرف الجهات المعنية، من دون توفر الوكالات الحضرية على آليات تقريرية تساعدها على احترام آراءها . نفس الشيء بالنسبة للمراقبة حيث عدم تحريك المحاضر من طرف الجهات المعنية، وهي معطيات من شانها أن تحبط عمل الوكالات الحضرية.
كما نجد أن من بين المشاكل القانونية المرتبطة بالنص القانوني المنظم للوكالات الحضرية، عدم فعالية بعض الأدوات القانونية الموضوعة رهن إشارة الوكالة كما هو الأمر بالنسبة لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة الذي يدخل في مجال اقتناء العقارات، حيث نجد أنها مازالت تعرف عدة تعقيدات تعرقل سيرها، ولعل البحث عن تحقيق التوازن بين المصلحتين الفردية والعامة يعتبر أساس هذه الصعوبة، إذ أن الأمر يتطلب إعطاء ضمانات في مختلف مراحل المسطرة ، كما أن تعدد الإدارات التي يناط بها دور تسيير المسطرة قد يفسر هو الآخر هذا التعقيد . هذا بالإضافة إلى طول المسطرة المتعلقة بنزع الملكية حيث عدم تحديد مدة معينة لإصدار الأحكام المتعلقة بنزع الملكية من طرف القضاء.
2. الإكراهات المرتبطة بقوانين التعمير
إن أهم الخصائص التي تتسم بها قوانين التعمير تلك المرتبطة بجمود مقتضياته وتعقدها، إضافة إلى عدم تنظيم بعض الجوانب في القطاع.
أ- جمود المقتضيات القانونية : إن المتتبع لتطور التشريع المغربي في ميدان التعمير يخرج باستنتاج مفاده أن هذا التشريع كان دائما يتميز بالجمود ومقاومة التغيير، بحيث تم وضع أول قانون ينظم قطاع التعمير في المغرب سنة 1914، والثاني صدر في 1952 المتمثل في ظهير الشؤون المعمارية وآخر تشريع صدر في هذا المجال كان في سنة1992 . والذي لازال ساري المفعول حتى اليوم، الأمر الذي يحيل على أن هناك نوع من الجمود والتأخر في مسايرة القانون المنظم لميدان التعمير لتطورات المجتمع عبر صناعة التشريع وتجديد النصوص القانونية. فمن غير المقبول اليوم أن العمليات العمرانية في العالم القروي مازالت منظمة بنص يرجع إلى 1960، رغم حجم التغير السوسيواقتصادي الذي عرفه المجتمع القروي.
هذا الجمود يمتد إلى وثائق التعمير نفسها حيث عدم استحضار عامل الوقت في معادلة التخطيط العمراني ،إذ أن الممارسة العملية أثبتت أن عمليات إعداد ودراسة وثائق التعمير تعرف تأخرا كبيرا يهدد قدرتها على مواكبة التحولات الديمغرافية والعمرانية المتسارعة ومجاراة الديناميات السوسيو-اقتصادية التي تفتعل داخل المجالات الترابية. فعامل الوقت محدد رئيسي في نجاح التخطيط العمراني، إذ أنه كلما تم احترام الآجال كان إنجاز محتوى وثيقة التعمير على نحو جيد، والعكس صحيح كلما تأخرت المسطرة إلا وتسبب ذلك في خلق صعوبات وعوائق . وعمليا نجد أن بعض مكاتب الدراسات لا تلتزم بالآجال المحددة كما هو الأمر بالنسبة لمدة الدراسات بشأن مشاريع تصاميم التهيئة المحددة في 18 شهرا وفق الدورية الوزارية 005. كما أن قانون التعمير يساهم هو الآخر في هذا البطء والتأخر الذي يعرفه مسلسل إنتاج وثائق التعمير، بفعل عدم تحديد المشرع لتاريخ بدء وانتهاء كل مرحلة من المراحل التي تجتازها عملية الإعداد كما هو الحال بالنسبة لتاريخ انعقاد اللجنة المحلية المكلفة بالتعمير . حيث يبقى ذلك خارج أي ضابط زمني الشيء الذي يرهن معها مستقبل التهيئة العمرانية والاستجابة للحاجيات المتجددة لواقع الاقتصادي والاجتماعي .
ب- الصعوبات المتعلقة بتطبيق قوانين التعمير: ففيما يتعلق بالقانون 12-90 نجد أن الممارسة العملية أبانت عن وجود الكثير من النقائص والعيوب سواء على مستوى التطبيق أو على مستوى وثائق التعمير أو القواعد المتعلقة بالبناء.
ففيما يخص تطبيق القانون 12-90 نجد أن المشرع عند وضع هذا القانون، كان يهدف دائرة تطبيق محدودة لا تتعدى المناطق الأكثر حساسية ، لكن الواقع العملي لهذا القانون عطل هذه الحسابات حيث رفع عدد الجماعات الحضرية التي أصبحت كلها بلديات إلى 248 بعدما كانت لا تفوق المائة مدرجا فيها عدد المراكز المحددة والتجمعات العمرانية الحضرية والقروية.
وفي نفس الإيقاع ارتفعت مساحة المجالات التي تدخل في المناطق المحيطة بالجماعات القروية، فالإشكال هنا هو أن المحيط الحضري ليس فقط خطا أو رسما على خريطة بل مؤسسا لواجبات وحقوق ورقعة لممارسة اختصاصات ومهام.
أما على مستوى وثائق التعمير فيمكن إبراز أهمها في النقص في التغطية بوثائق التعمير أو غيابها في العديد من التجمعات العمرانية الحضرية والقروية، بالإضافة إلى الصعوبات التي تعتري تطبيق هذه الوثائق من قبيل عدم قدرة الإدارة على برمجة التجهيزات وإنجازها.
كذلك الأمر بالنسبة لرخص البناء حيث إن الجدل لازال قائما حول مدى خضوع عمليات البناء في العالم القروي لهذه الرخصة إضافة إلى مسألة تحديد نوعية مشاريع البناء الخاضعة للشرط المذكور وحجمها.
أما بالنسبة للقانون 25-90 فهو الآخر يعرف مجموعة من الاكراهات العملية خصوصا في الشق المتعلق بالتجزئات العقارية حيث يلزم ضرورة تحديد مفهوم التجزئة ليشمل عمليات عقارية أخرى (الهبة , التبادل...)لتجاوز التحايلات المسجلة وكذا سد باب الذرائع أمام المتلاعبين .
ج- مسألة التعمير الاستثنائي: قد لا يجادل أحد اليوم في أن التعمير الاستثنائي من حيث المبدأ يعتبر ضرورة تتطلبها دواعي التنمية الاقتصادية وتكييف القاعدة القانونية، دون إغفال ما قد يلعبه من دور في تحريك الدينامية الاقتصادية لما يتسم به من مرونة وبساطة على الصعيد الإجرائي .
فالتعمير الاستثنائي يساهم في بلورة رؤية تؤمن سيولة وانسيابية الحركة العمراني وتجنب طابعي الجمود والتشدد الذي قد يميز وثائق التعمير. كما يمكن تفعيله في ميدان التدبير العمراني بهدف تشجيع مسلسل البناء من جهة ومواجهة التعمير الفوضوي والعشوائي من جهة ثانية .
لكن وإذا كان هذا الصنف من الاستثناءات لا يثير في الغالب أية مشكلة على الصعيد العملي والقانوني نظرا لاستناده على اعتراف قانوني صريح يضفي عليه صفة المشروعية، فإن التساؤلات المطروحة تبقى مرتبطة ببعض الاستثناءات التي تتم خارج القانون الأصلي، حيث تعد الدورية المشتركة رقم 3020/27 بخصوص شروط استفادة المشاريع الاستثمارية من استثناءات في مجال التعمير مثالا على ذلك. فإذا كان صدور هذه الدورية قد ينم عن دوريات لا تحترم مبدأ تدرج القوانين لكون ذلك فيه مساس باستقرار البنيان القانوني وإفراغ التشريع الأصلي من محتواه طالما أن الغرض من الدوريات والمناشير يكمن في التفسير والتوضيح الأمر الذي نحا بجانب من الفقه والقضاء إلى عدم الاعتراف بقيمة وحجية الدورية الأمر الذي يستدعي ضرورة التقعيد القانوني لهذا النوع من التعمير .
إن تشجيع الاستثمار لا يعطي للإدارة الحق في مخالفة القانون والمساس بالمبدأ الدستور المتمثل في المساواة أمام القانون المنصوص عليه بموجب الفصل الرابع من دستور 1996، لأن من شأن ذلك تكريس وضعيات امتيازية قد لا تخلو من سلوكات وتصرفات زبونية وسياسية تفتقد للمشروعية والشفافية اللازمة وبروز تسامحات غير مبررة في كثير من الأحيان . كما أن الدورية تفتقد للتدقيق اللازم من خلال ارتكازها على معايير عامة وفضفاضة في انتقاء المشاريع الاستثمارية المستفيدة من مسطرة الاستثناء، حيث ربطت الاستفادة بوجود انعكاسات للمشروع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعمراني، الأمر الذي يتوفر في جميع عمليات التعمير. فالسلطة التقديرية التي تتمتع بها الإدارة في هذا الإطار قد تفتح الباب لتأويلات مصلحية واستعمال متعسف لقرار الاستثناء الذي غالبا ما يتجاوز العتبة المسموح بها.فضلا على أن هذا الصنف من القرارات لا يخلو من آثار سلبية على جودة الإطار العمراني والمحيط البيئي مما يفرغ دلالة التخطيط العمراني من مضمونه، وأبرز مثال على ذلك التراجع الملحوظ في الأراضي المخصصة للفضاءات الخضراء والمرافق العمومية بوثائق التعمير نتيجة تطبيق الدورية السالفة الذكر.
ومنه فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو هل مشروع مدونة التعمير استطاع أن يبلور نصا قانونيا متكاملا، يأخذ في الحسبان مجموع هذه المشاكل ؟
الفقرة الثانية: الحدود المالية والبشرية
تعتبر الموارد المالية والبشرية بمثابة الركيزة الأساسية لنجاح عمل أية وكالة حضرية، ومن تم فمحدودية هذا النوع من الموارد ستكون له انعكاسات سلبية على الأداء العام لهذا النوع من المؤسسات.وعليه سنتناول هذه الفقرة عبر الوقوف على حجم الإكراهات المالية والبشرية التي تحد من فعالية الوكالة الحضرية لسطات.
1- الإكراهات المالية
يشكل الجانب المالي محددا أساسيا لتدخل الوكالة الحضرية لسطات، ومن تم فإن فعالية أداءها يرتبط في جانب منه بمدى وفرة هذا المعطى، حيث كلما كانت الإمكانيات المالية للوكالة متوفرة بالشكل المطلوب والكافي، كلما كان ذلك عاملا مساعدا على ضمان فعالية أداءها والعكس صحيح، وما لذلك من آثار وخيمة على دور الوكالة في تحقيق التنمية العمرانية كهدف استراتيجي لهذا النوع من المؤسسات.
وما يزيد من صعوبة ذلك أن قطاع التعمير الذي تشتغل في إطاره الوكالة الحضرية يعتبر بلا منازع من القطاعات ذات التكاليف الباهظة، بالنظر إلى طبيعة العمليات والبرامج، وكذا محاولات تدارك النقص الكبير الحاصل خصوصا على مستوى تغطية المجال بوثائق التعمير وتهيئته بما يلزم ومتطلبات التنمية العمرانية.
عمليا وكما سبقت الإشارة إلى ذلك فإن الواقع المالي للوكالة الحضرية لسطات، يجعل من استقلالية التسيير المالي شيئا صعب المنال، بالمقارنة مع بعض الوكالات الحضرية الأخرى، الأمر الذي قد يهدد الفلسفة الحقيقية للامركزية ومن تم المس باستقلالية القرار داخل الوكالة
إضافة إلى ذلك فإن الواقع المالي للوكالة الحضرية لسطات، قد يصعب من ممارسة الوكالة لبعض أنشطتها سواء المركزية(التخطيط العمراني) أو الموازية (تعبئة الأوعية العقارية) إذ أنها تعتبر منعش عقاري أيضا بحسب القانون المنظم .
والحاصل فإن الآثار المترتبة عن اعتماد الوكالة الحضرية لسطات في القيام بأنشطتها على الإعانات المقدمة من طرف الدولة تبدو على درجة كبيرة من الأهمية، خصوصا وأنها تضع مسألة استقلالها محل تساؤل،إذ ما فائدة الاستقلال المالي إذا كانت الوكالة لا تستطيع تأمين الموارد الكافية لضمان تسيير مصالحها بعيدا عن إعانات الدولة.
إن هذا الوضع يجعل من الوكالة الحضرية لسطات مجرد تابع للدولة (مؤسسة مسيرة وليست مخيرة) يتعين عليها الخضوع لمختلف الضغوطات التي تمارسها الدولة في سبيل الاستفادة من الإعانات. وما يزكي هذه المخاوف هو التوجه الذي ما فتئت السلطات العمومية تعبر عنه والمتمثل في مبدأ تخلي الدولة عن أدوارها المتمثلة في التدخل في الميادين الاقتصادية والاجتماعية لفائدة باقي المتدخلين ، وما سيترتب عن ذلك من تقليص في النفقات التي يتم صرفها. وسيكون من أهم مظاهر هذا الوضع تقليص الإعانات المقدمة إلى الوكالة الحضرية لسطات، فكيف يمكن لهذه الأخيرة التعامل مع هذا الوضع؟
2- العراقيل البشرية:
يلعب العنصر البشري دورا أساسيا في التجسيد المادي لمختلف الاختصاصات الموكولة إلى الوكالة الحضرية لسطات، لذلك عملت هذه الأخيرة على التزود بالموارد البشرية اللازمة وفق ما تسمح به الإمكانيات المتوفرة لديها، لكن الملاحظة الأساسية في هذا المجال هي الخصاص الكبير الذي تعاني منه سواء على المستوى الكمي أو النوعي.
فعلى المستوى الكمي هناك قلة في عدد المستخدمين العاملين بالوكالة الحضرية لسطات، إذ أن الظروف التي أحدثت فيها الوكالات الحضرية في المغرب، فرضت توظيف أطر وتعيينها في مراكز المسؤوليات بشكل سريع الأمر الذي اضطرت معه الجهات المختصة إلى مد هذه الوكالات بأطر تنتمي لمختلف الإدارات التي تنوعت مشاريعها وتعددت اهتماماتها دون مراعاة التخصص في إطار الإلحاق الإداري.
وعليه فإن هذه السرعة التي تمت بها هذه العملية لم تسمح بتبني سياسة معينة في هذا الباب من قبيل وضع الإنسان المناسب في المكان المناسب، بحيث كان الهدف هنا هو تشكيل هذه الوكالات في غياب الاهتمام بطبيعة وحجم العناصر الواجب مدها بها.
وهو وضع ينطبق على الوكالة الحضرية لسطات، التي تتوفر على 69 مستخدم وفق تخصصات متعددة كما يتبين ذلك من خلال الجدول التالي:
جدول رقم (9) توزيع المستخدمين حسب التخصص
الإطـــار التخصص
المجموع أعوان تنفيذ عون تأهيل عون تأهيل عالي إطار إطار عالي خارج إطار مدير
18 - - 3 3 8 4 - الهندسة المعمارية
09 - - 3 1 3 2 - الهندسة الطبوغرافية
03 - - - - 2 - 1 الهندسة المدنية
03 - 1 1 - 1 - - الإعلاميات
08 - - - 5 3 - - القانون
03 - - - - 3 - - الاقتصاد
04 - - - 2 2 - - الجغرافيا والتعمير
01 - - - 1 - - - الآداب والتوثيق
03 - - 3 - - - - التسيير الإداري والمحاسبة
07 - 2 5 - - - - الكتابة
01 - 1 - - - - - رسم البناء
09 8 1 - - - - - بدون تخصص
69 08 05 15 12 22 6 1 المجموع
المصدر : التقرير الأدبي والمالي 2007
إذ أن أهم ملاحظة يمكن الوقوف عليها من خلال الجدول أعلاه هو النقص العددي والكمي في عدد العاملين بالوكالة الحضرية لسطات بالمقارنة مع حجم المجال الترابي الذي تغطيه، حيث أن 69 مستخدم لمجال جغرافي تبلغ مساحته 16.571 كلم 2 وساكنة يفوق عددها المليون نسمة، موزعة على ثلاث أقاليم تضم 117 جماعة حضرية وقروية، في حقيقة الأمر يطرح أكثر من تساؤل، حول حجم الضغط الذي قد تعرفه هذه المؤسسة خصوصا أمام طبيعة المجال الذي تشتغل فيه – التعمير-وما يعرفه من حركية عمرانية سواء في الشق المرتبط بالتخطيط العمراني أو التدبير العمراني.
وبالإضافة إلى الخصاص الكمي الذي تعاني منه الوكالة الحضرية لسطات في مجال الموارد البشرية، فإن التركيبة النوعية لمستخدميها ليست بالمواصفات المطلوبة من أجل تحقيق فعالية التدخل في مجالات اختصاصها، فعلى الرغم من الأطر العليا التي تشكل نسبة 59% في مقابل الأعوان 41%.
توزيع المستخدمين حسب الإطار
المصدر: تركيب شخصي
فإن التخصص التقني يشكل النسبة الأكبر ضمن الأطر العليا بنسبة تصل إلى 61%، في حين أن باقي التخصصات الأخرى ورغم أهميتها لا تشكل سوى 39%، مع تسجيل ملاحظة هامة وهي غياب التخصصات السوسيولوجية من تركيبة الوكالة رغم أهميتها، خصوصا في مجال التخطيط العمراني حيث القيام بالدراسات القبلية ذات البعد السوسيولوجي من تم التأسيس لأي دراسة بعدية ذات طبيعة تقنية .
والحاصل فإن ما يلزم اليوم هو ضرورة اعتماد سياسة حقيقية لتدبير الموارد البشرية من طرف الوكالات الحضرية عموما والوكالة الحضرية لسطات على وجه الخصوص، بحيث أنه وبغض النظر عن الأوضاع والقوانين التي تحكم المستخدمين، فإن تدبير الموارد البشرية في حاجة إلى إطار مرجعي شمولي يحدد المبادئ والتوجهات المتجددة والكامنة في الانتقال من منطق التسيير القانوني الصرف لشؤون المستخدمين، إلى منطق التدبير الحديث للموارد البشرية. بحيث أن تسيير الموارد البشرية يترجم عبر قرارات فردية تكتسي طابعا تقليديا يهم تسيير الترقيات والتنقيط ومراقبة الغياب بدون أي ارتباط بحاجيات الإدارة، بينما يمتاز المنطق التدبيري بخلق التوازن بين حاجيات الإدارة من جهة ومواردها البشرية من جهة أخرى آخذا بعين الاعتبار مقياس الفعالية في أداء الخدمات والاستجابة لطموحات المستخدمين وتطلعاتهم.
ومنه ينبغي على الوكالة الحضرية لسطات عند تدبير مواردها البشرية أن تأخذ بعين الاعتبار :
التكوين المستمر كوسيلة للحصول على مؤهلات جديدة
التوظيف والحركية واعتماد التواصل الداخلي عبر تحسينه باعتباره وسيلة للرفع من الأداء
تحسين الأجور
الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية كوسيلة لتدعيم الحوار وتطويره.
الفرع الثاني: العوائق المادية
يعتري عمل الوكالة الحضرية لسطات إضافة إلى المشاكل الموضوعية مجموعة من المشاكل المادية ذات الطابع العملي، إذ تكمن أبرز تجلياتها في العامل العقاري (الفقرة الأولى) وأيضا التنظيمي المرتبط بالمحيط الخارجي للوكالة الحضرية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الإكراهات العقارية
يتبوأ العقار مكانة بارزة من خلال احتلاله لأهمية قصوى في أي مخطط تنموي، سواء تعلق الأمر بالمخططات الوطنية أو الجهوية، فالأرض تعتبر المجال الطبيعي لأي مشروع أو رهان تنموي. بل وتعتبر نقطة البداية التي ينطلق منها المصمم والدارس والمخطط...
فالعقار إذن يعتبر الركيزة الأساسية لنجاح أية سياسة تعميرية بل ويعتبر حجر الزاوية بالنسبة للمشاكل التي تثيرها مختلف التدخلات العمومية في مجال التخطيط والتدبير العمرانيين.
انطلاقا من كل ذلك نجد أن المشكل العقاري يعتبر من أهم المشاكل المادية داخل جهة الشاوية ورديغة، والوكالة الحضرية لسطات باعتبارها أحد الأجهزة المتدخلة في عمليتي التخطيط والتدبير العمرانيين، يواجهها هذا المشكل بشكل حاد سواء في المجال الحضري أو القروي.
ويمكن أن نتناول المشاكل التي يطرحها العقار أمام عمل الوكالة الحضرية وتأثيراته على مسار التنمية العمرانية كأحد أهم أهداف الوكالة الحضرية لسطات فيما يلي:
أولا : العقار والتخطيط العمراني
يجمع الكل اليوم على أن التحكم في العقار يعتبر كعامل أساسي في تنفيذ وبرمجة وثائق التعمير، نظرا للأهمية القصوى التي يكتسيها كعنصر أساسي في تنفيذ وثائق التعمير باعتباره العامل الأول والأساسي في برمجة كل تصاميم التعمير وتنفيذ مشاريعها ومضامينها.
وإذا كانت وثائق التعمير لم تعط النتائج المنتظرة منها، فإن العائق العقاري يعتبر كأحد المسببات الرئيسية في ذلك، حيث السبب إلى تعدد الأنظمة العقارية، إذ نجد أن هناك وضعية معقدة للمنظومة العقارية في المغرب والتي تطرح أكثر من إشكال أمام المخططين الذين يصطدمون بمجموعة من العراقيل والمشاكل التي تطرحها بعض الأنماط من الملكية العقارية خاصة:
- الأراضي الجماعية: التي تطرح صعوبات قانونية وعملية، فالصعوبات القانونية تتجلى في خضوعها للأنظمة والأعراف المحلية، ولتشريع خاص يخضعها للوصاية الإدارية، أما العملية فهي صعوبة التوفيق بين مطالب الجماعات السلالية ومتطلبات التخطيط العمراني المحكم .
حيث أنه وأمام غياب قوانين وأنظمة عقارية ملائمة لهذا النوع من العقارات، وأمام التطور اليومي للمدن، تبقى هذه الأراضي عرضة لانتشار ظاهرة البناء العشوائي وكذا تفشي التجمعات السكنية غير القانونية بل نجدها تعتبر مجالا خصبا للمضاربات والمعاملات العقارية غير المشروعة مما ينعكس سلبا على التخطيط والتطور العمرانيين.
- أراضي الجيش: التي تفتقر إلى قانون ينظم ويضبط علاقاتها بالجماعة التي تقيم عليها من حيث التسيير والتصرف فيها، مما يجعلها تخضع في تنظيمها للأعراف المحلية التي تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن تم فهي من الناحية المبدئية تعتبر غير قابلة للتفويت أو التملك.
- أراضي الأحباس: كأراضي موقفة حيث تشرف على تسييرها وزارة الأوقاف، وهي في حقيقة الأمر تشكل رصيد مهم يمكنه أن يساهم في تسهيل عمليات التعمير، لكن هذه العملية تظل رهينة بمدى استطاعة السلطات العمومية تجاوز مشكل مسطرة التفويت التي لازالت معقدة بالنظر إلى طبيعة هذا النظام، إذ لا يمكن تحقيق ذلك إلا بعد الحصول على ترخيص بمقتضى ظهير وشريطة تعويض الملك بإعادة استخدام ثمن التفويت.
ومن تم فإن أهم الإشكالات التي يطرحها هذا النوع من العقار، هو احتلاله لأهم المواقع الإستراتيجية داخل المدن، وفي المناطق الضاحوية التي تشكل المتنفس الأنسب للتطور العمراني، مما يؤهلها لاحتواء أهم المشاريع الاستثمارية على اختلاف أنواعها.
وعلى المستوى العملي نجد أن الوكالة الحضرية لسطات واجهت إشكالية تنفيذ بعض الوثائق التعميرية، كما هو الأمر بالنسبة لتصميم التهيئة لشريط الساحلي لإقليم سطات المصادق عليه في سنة 2001 والذي فتح في وجه التعمير عقارا محبسا، الأمر الذي افرز صعوبة تعبئة هذا العقار ومن تم رهن المنطقة التي تعرف تجزئات غير مرخصة على هامش الشرعية علاوة على حي غير منظم استوجب التدخل لإعادة الهيكلة من طرف الوكالة الحضرية لسطات .
ثانيا : العقار والتدبير العمراني
حيث التأثير السلبي للعقار الغير المحفظ، إذ أنه ورغم الإيجابيات التي يتميز بها من قبيل حالة الشياع على رسم عقاري يتعدد ملاكه، حيث يسهل الأمر على أحد المالكين إذا رغب في الحصول على رخصة البناء، أن يدلي بأية وثيقة تؤكد صلته بالبقعة الأرضية على خلاف إذا كان العقار محفظا .
فإنه في المقابل تؤطره مجموعة من السلبيات، والتي تتجلى في كثرة النزاعات التي لا حد لها حيث تكاثرت الدعاوى المتنازع فيها حول استحقاق العقار وذلك لتفشي ظاهرة التواطؤ والغش والتدليس، وبذلك تكون العقود العدلية التي يعتمد عليها لإثبات حق الملكية لا تتوفر على المعلومات المدققة للعقار لا من الوجهة القانونية ولا من الناحية الطبوغرافية، بالإضافة إلى مشكل السجلات العقارية الغير المضبوطة بالشكل الكافي الذي ييسر إمكانية الرجوع إليها واعتمادها، وكذلك انعدام الشهر المنظم، حيث نجد نفس العقار قد يخضعه مالكه لتصرفات متعددة ومتلاحقة، ناهيك عن ضعف الهياكل المشرفة على تطبيق هذا النظام .
ترتيبا على ما سبق فإن التحكم في المجال من أجل تنظيمه وتوجيه التوسع العمراني وتخطي الصعوبات العقارية فإن الأمر يقتضي:
ضرورة استحضار البعد العقاري في التخطيط العمراني، حيث يصبح من اللازم القيام بدراسات عقارية إما سابقة لوثائق التعمير أو بشكل موازي لها عند الدراسات المتعلقة بها، حتى يمكن تفادي مختلف الصعوبات التي قد تعتري إنجاز وتنفيذ المقتضيات المسطرة ضمنها.
تدعيم الإطار المؤسساتي المحلي من خلال تقوية الوكالات العقارية المحلية ، كفاعل محلي في مجال العقار، من خلال منحه أدوار التعبئة العقارية وكذا وضع بنك معطيات خاص بالعقار المحلي وتحديد نوعيته.
توحيد النظام العقاري والتخلص من الازدواجية، من خلال إعادة النظر في المساطر والقوانين المنظمة للعقار المحفظ وغير المحفظ، عبر تطويعه لخدمة التعمير ورفع الحواجز التي تجعله معيقا للعمران و الاستثمار، ومن تم ضرورة التشجيع على عملية التحفيظ العقاري وتبسيط مساطر التحفيظ والتخفيض من كلفته بالإضافة إلى السعي إلى تعميمه .
إحداث محاكم متخصصة في ميدان العقار والتعمير للبث السريع في مختلف المشاكل التي تعترض الاستغلال الفعال للعقار .
الاهتمام بالاحتياطات العقارية، نظر لقيمتها في الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب وكذا الحد من ارتفاع القيمة العقارية عبر وضع إستراتيجية خاصة، ترمي إلى عقلنة التدخلات في الميدان العقاري خصوصا من لدن الجماعات المحلية.
الفقرة الثانية: الحدود التنظيمية
تتجلى أهم الاكراهات التنظيمية لعمل الوكالة الحضرية فيما هو داخلي لها (أولا)، وأيضا على المستوى الخارجي حيث مجموع العلاقات التفاعلية مع مختلف المتدخلين في يدان التعمير(ثانيا).
أولا- على المستوى الداخلي
إن الإطار القانوني المنظم للوكالات الحضرية يطرح مجموعة من الإشكالات المرتبطة بطبيعة العلاقة القائمة بين مختلف الأجهزة المسيرة، خصوصا مدى التوازن القائم فيما بينها من حيث توزيع الاختصاصات سواء على المستوى القانوني أو الواقعي. والمقصود هنا المجالس الإدارية حيث عدم فعالية تدخلها في عمليات تسيير الوكالات الحضرية بسبب مجموعة من المشاكل القانونية والتنظيمية والتقنية والبشرية، بالإضافة إلى عدم تحديد طبيعة الوظيفة التي يتعين عليها القيام بها. فالتساؤل المطروح هنا هو: هل المجالس الإدارية أجهزة مكلفة بإدارة الوكالة كما ينص على ذلك النظام القانوني ؟ أم أنها أجهزة للمراقبة خاصة وأن رئاستها العملية من اختصاص السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير كسلطة وصاية؟
كما أن المشرع من خلال القانون المحدث للوكالات الحضرية ينص على أن المجالس الإدارية تجتمع مرتين في السنة على الأقل، وهو توجه منتقد من طرف مجموعة من الباحثين لاعتبارين:
الأول تنظيمي: حيث أن مدة سنة تبقى أكثر ملائمة لتقييم حصيلة عمل أية إدارة.
الثاني واقعي : إذ أن عدد الوكالات الحضرية في تزايد مستمر ، الشيء الذي يجعل من الصعب حضور الوزير المعني مرتين في السنة للإشراف على مجالسها الإدارية، مما قد يؤدي إلى تأجيل عقد اجتماع بعضها، لذا فإن الاكتفاء بعقد اجتماع سنوي يبدو أكثر ملائمة.
ثانيا- على المستوى الخارجي
إن دراسة مختلف النصوص القانونية التي تنظم ميدان التعمير، لا يتجاوز نطاق تحديد أدوات السياسة المتبعة في هذا الميدان، بالخصوص تحديد وثائق التعمير، تحديد نطاق تطبيقها، أهدافها دراستها وإجراءات بحثها والموافقة عليها والآثار المترتبة عنها.
إلا أنه وعلى صعيد الممارسة تبينت مستويات أخرى ذات أهمية بالغة، والمتمثلة في العلاقات القائمة بين مختلف المتدخلين في القطاع، والتي تبدو على درجة كبير من الأهمية، خصوصا وأنها تثير مجموعة من الإشكالات المركزية أبرزها غياب التنسيق كعملية تدبيرية توجد في صلب العملية الإدارية ككل ،إذ لا يمكن الوصول إلى فعالية ونجاعة الأهداف والاستراتيجيات المسطرة في ظل غياب تنسيق فعال وجدي بين جميع الأجهزة الإدارية المتدخلة في القطاع، فهو كوظيفة وعملية يساهم في الترابط والتكامل بين الوحدات الإدارية المختلفة .
ويبدو أن من بين الأسباب العملية في ضعف التنسيق، مسألة التعدد بين المتدخلين سواء على مستوى التخطيط أو التدبير العمرانيين، وما لذلك من انعكاسات سلبية على أداء الوكالة الحضرية باعتبارها أحد أهم أطراف المسألة العمرانية.
فعلى مستوى التخطيط العمراني نجد أن عدم احترام الآجال القانونية من طرف المصالح المعنية بإعداد وثائق التعمير، فأهم ملاحظة تم تسجيلها على هذا المستوى هو ضعف التنسيق بين مكاتب الدراسات المكلفة بإعداد وثائق التعمير وبعض الإدارات المعنية، حيث صعوبة الحصول على بعض الوثائق كالصور الجوية والتصاميم العقارية، الأمر الذي يتسبب في تأخير إعداد مشاريع وثائق التعمير، ومن تم نتيجة أساسية تتمثل في تجميد أو شل الأراضي المعنية في انتظار نتائج الدراسات والمصادقة .
ويترتب عن غياب التنسيق بين المتدخلين على مستوى التدبير العمراني، التأخير المتعلق بإصدار القرارات المتعلقة برخص التعمير، على الرغم من التحديد التشريعي للآجال التي يجب خلالها دراسة مشاريع ملفات طلبات الرخص، وما لهذا التأخير والبطء من انعكاسات سلبية على مستوى عامل الوقت، إذ أن أي تأخير في عمليات البث يتسبب في ضياع وقت ثمين يِؤدي إلى ارتفاع تكاليف المشروع،بل قد يؤدي في بعض الأحيان إلى التراجع عن المشاريع المعروضة نهائيا .
بالإضافة إلى أن الأراضي الغير المغطاة بوثائق التعمير، تطرح صعوبة أخرى تتمثل في الحصول على المعلومات التعميرية(كالمتعلقة بالتنطيق والاستعمالات المسموح بها)، بالنسبة للأرض المراد تجزئتها أو بناؤها والتي تنص عليها وثائق التعمير في حالة وجودها، فهذا النوع من المجال يصعب التنسيق بين المتدخلين، فإذا كانت الوكالة الحضرية تتحفظ بخصوص تقديم الآراء الموافقة نظرا لغياب الأساس القانوني الذي تعتمد عليه في دراسة المشروع فإن بعض المجالس الجماعية تغامر وتعطي التراخيص التي قد تؤزم المجال مستقبلا .
وترتيبا عليه فإن انعدام التنسيق بين مختلف الفاعلين في ميدان التعمير له آثار سلبية، ليس فقط على أداء الوكالة الحضرية لسطات، وإنما على سياسة التعمير عامة. كما أنه يجعل المجال في مأزق حقيقي، فبدل أن يشكل أرضية لإنتاج مختلف الظروف المناسبة لتحفيز الإستثمار وتحقيق التنمية العمرانية، فإنه يصبح مجالا للصراع والتنافس الغير المنتج بين عدد كبير من المتدخلين الذين تتضارب تدخلاتهم في كثير من الأحيان، بحيث أن المصلحة العامة التي من المفروض أن تحققها تدخلات مختلف الفاعلين تحولت في حقيقتها إلى مجموعة من المصالح المتضاربة . فالأمر إذن يتطلب إعادة النظر في الجانب العلائقي بين مجموع المتدخلين، على المستوى القانوني عبر تأطير التدخلات والاختصاصات وكذا عبر تأسيس شراكة تعاقدية لاستيعاب مختلف التدخلات في القطاع ومن تم بلورة مختلف الأهداف والاستراتيجيات.
المطلب الثاني: الإصلاح ومتطلبات الحكامة العمرانية
لاشك أن إصلاح منظومة التعمير يندرج في إطار الإشكالية العامة للإصلاح التي يعرفها المغرب ، والهادف حتما إلى زلزلة الواقع العام ذو الطابع التقليدي، ومن تم خلق شروط تدابير أحسن تتواءم مع منظومة الحكامة والحكامة العمرانية، المستوجبة لوضوح في القاعدة القانونية وشفافيتها وانسجامها في التطبيق (فرع أول)، والمرتكزة أيضا على روح المشاركة حيث التوافق والإجماع على اتخاذ القرارات المتعلقة بميدان التعمير، إذ الضامن هنا هو القضاء المفترض استقلاليته واحترام أحكامه ومقرراته (الفرع الثاني).
الفرع الأول: إصلاح المنظومة القانونية المنظمة للتعمير
أكيد أن معاينة الحالة الراهنة لواقع التكتلات العمرانية، تبدي واقعا عمرانيا معقدا يستوجب التدخل عبر مشاريع إصلاحية تستهدف تجاوز هذه الإكراهات حتى يصبح المجال في خدمة التنمية. من هنا جاء مشروع مدونة التعمير ، كمشروع إصلاحي يستهدف تقويم مختلف الإختلالات التي تؤطر واقع التعمير في المغرب، كونها تعتبر كأحد مداخل الحكامة العمرانية.
لهذه الأسباب سنحاول أن نتناول موقع الوكالات الحضرية ضمن هذا المشروع (الفقرة الثانية)، لكن بعد إبراز أهم المستجدات التي أطرت هذا المشروع الإصلاحي (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: الإصلاح و مشروع مدونة التعمير
لقد أثبتت التجربة والممارسة الميدانية محدودية التشريعات المعمول بها في ميدان التعمير في ضبط النمو المجالي والاستجابة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية، فهي لا تواكب مبدأ اللامركزية واللاتركيز الإداري، كما أنها لا تستجيب لمتطلبات الاستثمار وللاحتياجات الخاصة لبعض فئات المجتمع.
فالتشريعات القائمة المتعلقة بالتعمير لا تمكن من إيجاد حلول للمشاكل الكبرى التي تعرفها التكتلات العمرانية فحسب،بل تزيد من حدتها بسبب التثاقل والجمود الذين يميزان هذه القوانين والتنظيمات التي لم تعد تتماشى والتغييرات المتسارعة التي يشهدها المجال سواء على مستوى التخطيط أو التدبير العمرانيين.
لهذه الأسباب جاء مشروع مدونة التعمير كخطوة إصلاحية فرضته ضرورة معالجة الاختلالات القانونية الحالية على مستوى النص والتطبيق وتحديث الترسانة القانونية حتى تصبح مواكبة لمجموع التحديات الراهنة التي يعرفها المغرب، حيث الهدف الاستراتيجي هو جعل قوانين التعمير كآلية قادرة على تحريك وضعيات التغيير حتى يمكنه – التعمير- المساهمة الفعلية في الوصول إلى التنمية العمرانية وعبرها التنمية الشاملة والمستدامة.
وتتجلى أهم أهداف مشروع مدونة التعمير في:
تجميع كل النصوص المنظمة للقطاع المعمول بها في مدونة موحدة ومنسجمة.
تدارك اختلالات المنظومة الحالية وملء فراغاتها القانونية.
عصرنة الترسانة القانونية المعمول بها.
وذلك انطلاقا من مجموعة من المبادئ التي يمكن استجماعها في الرغبة في التأسيس لتعمير مرن يقوم على التحفيز والتشاور والعدالة، وذلك من خلال :
الانخراط في توجهات العولمة ومتطلبات التنمية في إطار التنافسية الترابية وما لمنظومة التعمير من تأثير على تأهيل هذا المجال.
تكريس مبادئ الحكامة العمرانية وتدعيم الديمقراطية المحلية من خلال التأسيس لتعمير تشاركي ومتشاور حوله.
تحقيق الانسجام بين مختلف السياسات القطاعية، والتحكم في النمو العمراني من خلال تبسيط وإعادة ترتيب وثائق التعمير وجعلها أدوات استرتيجية تأخذ بعين الاعتبار خيارات المخططات الوطنية والجهوية لإعداد التراب.
وأخيرا تحديث الإطار المؤسساتي عبر عقلنة الاختصاصات والمسؤوليات ومدها بالأدوات المالية والعقارية اللازمة لتهيئة المجال.
ويبدو أن أهم إيجابية أطرت مشروع مدونة التعمير، الاعتماد على مقاربة تشاورية ذات طابع تصاعدي، إذ أن السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير قامت بإعداد وثيقة أولية للتشاور – مسودة- وطرحها على مختلف الفاعلين ، حيث تضمنت مجموعة من التساؤلات حول مجموعة من المواضيع الإستراتيجية المتعلقة بميدان التعمير. ثم بعد ذلك تجميع وتركيب مجموع الخلاصات والنتائج المتوصل إليها في إطار مشروع مدونة التعمير.
فعلى المستوى الشكلي نجد أن مشروع المدونة تضم 491 مادة موزعة على 5 أقسام كالتالي:
القسم الأول: يهم التعمير وما يرتبط به من وثائق للتعمير، وعمليات التهيئة العمرانية والعقارية.
القسم الثاني: أحكام مشتركة عن الاحتياطات العقارية، ولمن حق الأولوية في الاستفادة منها، وكذا ميكانيزمات وأدوات التنفيذ المؤسساتي لميدان التعمير والعقار.
القسم الثالث: البناء
القسم الرابع: المراقبة والزجر
القسم الخامس: أحكام مشتركة مختلفة وتدابير انتقالية.
وعلى مستوى المضمون نجد أن أهم المستجدات التي أطرت مشروع المدونة تتمثل فيما يلي:
أولا: وثائق التعمير
وذلك عبر تجميع هذه الوثائق وإعادة ترتيبها باقتراح نوعين من الوثائق:
وثائق التعمير الاستراتيجي المؤطرة بالمخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية كوثيقة رئيسية ذات طابع استراتيجي محددة لمختلف التوجهات في أفق 20 سنة .
ثم وثائق استعمال الأرض: كوثائق إجرائية توضع وفقا لمقتضيات المخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية، إذ أن أهم ميزة هي عدم التمييز بين الوسطين القروي والحضري في تطبيق هذه الوثائق.
والجدول التالي( رقم 10) يبين: وثائق التعمير المعتمدة في مشروع المدونة بالمقارنة مع الوثائق المعمول بها في القوانين الحالية.
المنظومة الحالية المنظومة المقترحة
التعمير التقديري (الاستراتيجي) المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية المخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية
التعمير التنظيمي النافذ تصميم التنطيق تصميم التهيئة
تصميم التهيئة تصميم المحافظة على التراث المعماري وإبراز قيمته
تصميم النمو
المصدر: تركيب شخصي
ثانيا: المدن الجديدة
كمراكز حضرية جديدة متعددة الوظائف بالنظر إلى إمكانيات التشغيل والسكن والتجهيزات التي تعتزم توفيرها والمنتجة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث الهدف هو تحريك التنمية الجهوية والوطنية في إطار توزيع السكان عبر مجموع التراب الوطني.
وهذا النوع من المدن يحدد إما في المخطط التوجيهي للتجمعات العمرانية،أو من خلال دراسات خاصة في إطار توجهات المخططات الوطنية والجهوية لإعداد التراب.
ثالثا: أدوات وآليات التهيئة وذلك عبر خلق مجموعة من الآليات العقارية من قبيل الوكالات العقارية الجهوية كمؤسسات متخصصة في التهيئة العقارية، وأيضا آليات مالية من قبيل الصندوق الوطني لتمويل التهيئة والتعمير والذي يوظف في:
تمويل التجهيزات التحتية
تكوين الاحتياطات العقارية
منح مساهمات تحفيزية لعمليات التهيئة العمرانية.
رابعا: التدبير العمراني حيث تحديد مسؤوليات مختلف المتدخلين عبر الرفع من أدوار المهندسين المعماريين في تسليم التصاريح التي سيعتمد عليها في منح الرخص.بالإضافة إلى إحداث رخص جديدة من قبيل رخصة الهدم.
خامسا: المراقبة والزجر إذ أن مشروع مدونة التعمير أقرت إحداث شرطة خاصة بالتعمير موضوعة تحث السلطة المباشرة للعامل، وجعل هذا الأخير هو المسؤول عن تحريك الدعاوى المرتبطة بالمخالفات في ميدان التعمير. كما أن العقوبات أصبحت مزدوجة تجمع ما بين الغرامة والعقوبة الحبسية بحسب المخالفة المرتكبة.
وعموما فإن مشروع مدونة التعمير يعتبر في حقيقة الأمر ورش إصلاحي هام، لكن نجاح هذا الورش لا يختزل في النص القانوني لوحده، بل يقتضي تحديث البنية المؤسساتية التي ستسهر على تفعيله ومن تم التساؤل عن موقع الوكالات الحضرية ضمن إشكالية إصلاح منظومة التعمير؟
الفقرة الثانية : الأدوار الجديدة "لوكالات التعمير" على ضوء مشروع المدونة
يعتبر الإطار المؤسساتي المكلف بقطاع التعمير- الوكالات الحضرية-، كأحد أبرز المحاور الأساسية التي شملها مشروع مدونة التعمير، لاعتبار أساسي يكمن في أن إصلاح البنيات الإدارية يشكل جزءا أساسيا من إطار شامل ومتكامل للسياسة الشمولية لإصلاح هذه المنظومة.
فالوكالات الحضرية اليوم أصبحت مدعوة إلى التحول إلى قوة إقتراحية
-وتنفيذية أيضا- داعمة للتنمية المحلية والمستدامة في مجال التعمير عبر النظر إلى التحولات الهيكلية في الأدوار المناطة بها، وكذا الانتظارات الهامة والأساسية المرتبطة بوظائفها.
وترتيبا عليه فالوكالات الحضرية من خلال المشروع الجديد المتعلق بالتعمير، ستصبح ملزمة بالتحول من تلك الإدارة المنفذة لمجموع الاستراتيجيات التي تبقى مركزة في التدبير العمراني، إلى مستوى المساهمة في بلورة هذه الاستراتيجيات إضافة إلى تنفيذها، حيث مركزية التدخل في مجال التخطيط العمراني عبر خيار التعمير الإستباقي، المستند على التخطيط المسبق للمجال عبر مده بوثائق تعميرية تكون هي الموجه لمختلف التوجهات العمرانية، وليس العكس أي تغطية مجال قائم بوثيقة تعميرية، ومن تم يكون التخطيط العمراني تابع وليس سابق لمجموع التحولات والتطورات العمرانية التي يعرفها المغرب.
وبالرجوع إلى مشروع مدونة التعمير، نجد أن المشروع أدرج هذه البنية – الوكالات الحضرية- ضمن الميكانيزمات المؤسساتية وأدوات التنفيذ حيث أفرد لها جزءا خاص بها ضمن القسم الثاني بالإضافة إلى الوكالات العقارية الجهوية. إذ أن أهم ملاحظة في هذا الصدد هي التسمية، حيث أن المشروع استعمل اسم وكالات التعمير بدل الوكالات الحضرية، وهو معطى يجعلنا نطرح تساؤلا يكمن في هل المشرع من وراء هذه التسمية أراد فقط أن يساير في ذلك نظيره الفرنسي، أم أن الأمر نابع بشكل أساسي من إرادة واضحة تستحضر مضمون التعمير الذي يشمل اصطلاحيا المجال القروي وكذا الحضري، وعبر هذا تجاوز القصور الذي كان يشمل إسم الوكالات الحضرية الذي كان يوحي بالفهم أن المجال المعني والمهتم به هو الحضري وليس القروي.
أما على مستوى الاختصاصات الممنوحة لوكالات التعمير، فإن المشروع ينص على أنها " تتولى مع مراعاة الاختصاصات الموكولة لهيئات أخرى وعلى الخصوص الجماعات المحلية، بالإضافة للمهام المسندة لها بموجب نصوص خاصة، متابعة توجهات تمدن التجمعات الحضرية والقروية، والمساهمة في التنمية الجهوية والمحلية " فوكالات التعمير إذن وانطلاقا من المادة أعلاه ستصبح مساهم رئيسي في التنمية الجهوية والمحلية، عبر إعداد وتعميم قاعدة للمعطيات المتعلقة بالتنمية العمرانية لنطاقها الترابي، بالإضافة إلى تدعيم صلاحياتها خصوصا في مجال التخطيط العمراني، حيث مركزية التدخل في بلورة وثائق التعمير سواء الإستراتيجي ذو الطبيعة التوجيهية أو فيما يتعلق بالتعمير التنظيمي النافذ كتعمير إجرائي.
ففيما يتعلق بمخطط توجيه التجمعات العمرانية الذي سيصبح مكان المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، فإن وكالات التعمير أنيطت بها مهمة وضع هذه الوثيقة، حيث أصبحت تتمتع بصلاحية المبادرة في إعداد هذه الوثيقة، والقيام بمختلف المراحل تحث إشرافها، مع تخويل صلاحية المصادقة للوالي كسلطة لاممركزة، وهو معطى نعتقده إيجابي من الناحية المرحلية، لأن الوالي أقرب إلى وكالات التعمير من الناحية الجغرافية ومن تم العلم الدقيق باحتياجات المجال الذي يوجد فيه، وتجدر الإشارة إلى أن صلاحية المصادقة هذه ليست مطلقة ولكنها مشروطة بموافقة وكالات التعمير. كما أن وكالة التعمير في إطار المشروع الجديد ستصبح لها مهمة أساسية، هي القيام بعملية التقييم المرحلي لوثائق التعمير خلال كل 5 سنوات لتحديد مواطن القوة ومواطن الضعف وتحديد الاحتياجات المجالية عبر خلق وثائق تتميز بالمرونة.
أما على مستوى التدبير العمراني فنجد أن وكالات التعمير حافظت على الرأي المطابق لها، والملزم لكافة الأطراف مع تقنين مشروع المدونة لآلية الشباك الوحيد من خلال التنصيص على إحداث لجنة تتألف من ممثلي الإدارات والهيئات المحددة بنص تنظيمي تكلف بدراسة الملفات التقنية المتعلقة بطلبات الرخص .
هيكلة الوكالة ستعرف هي الأخرى تجديد إذ أن المشروع حدد ثلاث أجهزة:
أولا: مجلس الإدارة الذي يتمتع بجميع السلط والصلاحيات اللازمة لإدارة الوكالة.
ثانيا: المجلس التوجيهي كجهاز جديد يتولى مساعدة المجلس الإداري، يترأسه الوالي أو العامل عامل العمالة أو الإقليم، حيث يضم من بين أعضاءه رئيس الجامعة المعنية وفي هذا دلالة على ضرورة الانفتاح على المحيط العام للإدارة خصوصا وكالات التعمير التي تعمل في ميدان تتداخل فيه جميع التشعبات والاهتمامات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية...ومن تم ضرورة الاستفادة من الأبحاث الأكاديمية والعلمية.
ثالثا: المدير كجهاز مدبر لشؤون الوكالة، حيث يقوم بتنفيذ المقررات الصادرة عن مجلس الإدارة.
وحتما وكالات التعمير حسب مشروع مدونة التعمير لا يمكنها القيام بهذه المهام دون التوفر على مؤهلات مالية، إذ أن المشروع أقر من ضمن الموارد المخصصة لهذه المؤسسة، حصص الضرائب والرسوم المتعلقة بالتعمير والبناء المنصوص عليها في القانون 06-47 المتعلق بالجبايات المحلية، وهي رسوم مهمة تشكل حوالي 10% من الجبايات المحلية الخالصة بمقتضى القانون 06-47. معطى وإن كان إيجابي لوكالات التعمير حيث الرفع من مستوى مواردها المالية، فإنه لا محالة سيؤدي إلى حصول نوع من ردة الفعل السلبية من طرف الجماعات المحلية، ومن تم الإحساس بأن هذه المؤسسات العمومية لم تشكل فقط منافس على مستوى الاختصاصات التي كانت من اختصاص الفاعل المحلي في بداية الأمر، بل سينظر إليها منافس مالي أيضا حيث أخذ جزء هام من موارد هذه الجماعات المحلية، والذي قد يؤزم وضعها المالي، وبالتالي عرقلة قيامها باختصاصاتها الاقتصادية والاجتماعية خصوصا أمام رهان الجماعة المقاولة.
وترتيبا على كل ذلك فإن الوكالات الحضرية – أي وكالات التعمير- من خلال هذه الاختصاصات التي ستمنح لها، ستصبح بالفعل مؤسسة وازنة في تدبير ميدان التعمير محليا، لكن التساؤل المركزي هنا هو: هل العقليات المسيرة لهذه البنيات والقائمة عليها قادرة على استيعاب حجم الدور الذي سيصبح منوط بها؟ أم أن الأمر سيجسد مقولة أن المؤسسات سابقة ومتطورة عن العقليات في التجربة المغربية ؟
الفرع الثاني: المقاربة التشاركية والقضاء كمدخلات للحكامة العمرانية
مما لا شك فيه أن الحكامة العمرانية كآليات تمفصلية لكل ماهو إيجابي في تدبير قطاع التعمير، لا تطبق أو تفرض بقرار، بقدر ما أنها ترتكز على مسألة الإجماع في صناعة القرارات المتعلقة بميدان التعمير، ومن تم فهي تستحضر المقاربة التشاركية كضرورة لتأسيس تعمير تشاركي ومتشاور حوله (الفقرة الأولى)، حيث الضمانة في التنفيذ الإيجابي لمختلف التوجهات الإستراتيجية الكبرى التي تم تسطيرها هي سلطة القانون التي تستوجب تفعيل وتأهيل القضاء (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: تدعيم التعمير التشاركي
إن فرص نجاح وبلوغ التنمية العمرانية التي تسعى إليها السياسات التعميرية، لا يمكن أن يكتب لها النجاح من دون الاستناد على المشاورات والتواصل مع المعنيين بالأمر – المجتمع- عبر سلوك مقاربة تشاركية تضمن لها- التنمية العمرانية- الإجماع حول أهم أهدافها.
ومن تم فإن التساؤل الذي يطرح هنا هو: هل قوانين التعمير الحالية ترتكز على هذا النوع من التعمير- التعمير التشاوري- ؟ أو بمعنى آخر يمكن أن نتساءل عن مدى استشارة الساكنة أثناء القيام بإعداد وتنفيذ هذه الوثائق؟
إن صيغة التساؤل أعلاه مقصودة لأكثر من سبب ذلك أن قوانين التعمير الحالية التي تنظم الاستشارة حول مشاريع وثائق التعمير، لا تستعمل عبارة استشارة الساكنة بل توظف مصطلح
"إجراء بحث عمومي حول منافع ومضار مشاريع الوثائق... حيث يجوز لعموم الناس الإطلاع عليها وتدوين ملاحظاتهم ".
ومنه فإن الملاحظة الأساسية التي يمكن تسجيلها أن هذا البحث العمومي رغم إحاطته من طرف القانون بشكليات وإشهار لكي يخبر العموم بآجال ومكان إجراءه، فإن التجربة العملية أثبتت أنه قلما يستعمل الإشهار عن طريق الصحف الوطنية والجريدة الرسمية لإعلام العموم بذلك ، كما أن المدة التي حدده المشرع للقيام بهذا البحث يبقى في اعتقادنا منتقد ،فهل مدة شهر كافية لإجراء بحث عمومي لوثيقة تستهدف تغيير جزء من المجال المعني بأكمله في مدة تصل إلى 10 سنوات.
والملاحظة الثانية التي يمكن تسجيلها هي من حيث مضمون البحث العمومي، إذ نجد أن القواعد القانونية تستوجب أن يطلع "العموم" على وثيقتين، مشروع الوثيقة التعميرية والضابط له أي التصميم التقني المتكون من مجموع الخرائط التي تبين الحالة الراهنة للمجال المراد تهيئته والتطور الذي سيعرفه في المستقبل من جميع الجهات. لكن التطبيق العملي يقتصر فقط على إيداع مشروع التصميم وحده ووضعه رهن إشارة "العموم" قصد الإدلاء باقتراحاتهم وملاحظاتهم، ولا تضع الإدارة رهن إشارتهم الوثيقة الثانية مما يؤدي إلى الخروج عن مغزى إجراء البحث العمومي ما دام "العموم" لا يستطيعون انطلاقا من التصميم الذي يصعب عليهم فهمه واستيعابه ومن باب أولى الإدلاء بشأنه بملاحظاتهم واقتراحاتهم.
كما أن مرحلة البحث العمومي تؤدي إلى نوع من المراوغة من طرف المضاربين العقاريين الذين يقومون بتسريب معلومات كاذبة وخاطئة إلى المواطنين الذين شمل مشروع الوثيقة أراضيهم و الذين لا يستطيعون استيعاب هذا النوع من الوثائق الذي يبقى ذو طبيعة تقنية، حيث يتم تسريب معلومات خاطئة من قبيل نزع ملكية أراضيهم، وهو أمر يدفع إلى تفويتها من قبلهم إلى هؤلاء المضاربين بأثمنة هزيلة، ومن تم تصبح الأرض المعنية موضوع مضاربة عقارية قد تصعب تفعيل الوثيقة المعنية أثناء مرحلة التنفيذ.
وعليه يمكن القول أن مسطرة البحث العمومي في قوانين التعمير قد تؤدي في مثل هذه الحالات إلى نتائج معاكسة لا يمكن تداركها، وهي كذلك نتائج عكسية لما توخاه المشرع. الأمر الذي يستدعي ضرورة سلوك مقاربة تشاركية أكثر وضوح مما هو معمول به اليوم، مقاربة تستطيع أن تضمن نوع من العدالة والإنصاف في إعداد وثائق التعمير، وأيضا يمكنها أن تساهم في التأسيس لتعمير يساهم فيه الجميع ويمنح المواطن الحق في المشاركة الفعلية في إعداد السياسات العامة ويمكنه من التفاعل الإيجابي والتأثير في اتخاذ القرارات وبلورة التوجهات المتعلقة بالتهيئة والتعمير.
ومنه فإن تركيزنا هنا على المقاربة التشاركية في ميدان التعمير، كمرتكز أساسي للحكامة العمرانية في بلورة الاستراتيجيات، يجد أساسه في أن من مبادئ الحكامة العمرانية مبدأ المقاربة الترابية التي تعتبر أن التراب المحلي سيشكل لا محالة في المستقبل أساس التنمية الشاملة والمستدامة، والتي يشكل التعمير كسياسة إحدى روافدها الهامة.
وبالتالي فإن المقاربة التشاركية في صياغة وصناعة وثائق التعمير ستمكن في المستقبل من كسب رهانات التسويق الترابي كشكل معاصر في التدبير العام، وعبره الانتقال من التعمير التنظيمي ذو الطبيعة الكلاسيكية إلى التعمير المشاريعي المحقق للإنتاج والتبادل والتنافسية والقادر على جلب الاستثمارات ونتيجته الانعكاس الإيجابي على المجتمع والدولة معا.
الفقرة الثانية: تفعيل دور القضاء
مما لاشك فيه أن ميدان التعمير لازال يطرح العديد من المشاكل التي تعتبر أكثر تعقيدا وتشعبا من أي وقت مضى، نظرا لتباين عناصره ولارتباطاته المباشرة بالحاجيات اليومية والأساسية للسكان، فعلى الرغم من كل المجهودات المبذولة فإن المنازعات القضائية في ميدان التعمير ما فتئت تتكاثر ، لذا أصبح من الضروري الحديث عن آفاق جديدة لهذا القطاع خصوصا وأن القضاء اليوم يعتبر من أبرز الأسس والمرتكزات التي تقوم عليها الحكامة العمرانية.
عمليا وفيما يتعلق بالقضاء العادي فإن الواقع العملي يتصف بالقصور ، كما تدل على ذلك بعض المؤشرات :
لا مبالاة المخالف بالعقوبة
عدم حضور أغلب المخالفين لجلسات المحاكمة حيث تتم غالبية الأحكام في هذا الشأن غيابيا وتستأنف من قبل النيابة العامة.
امتناع المخالفين عن تنفيذ الأحكام القضائية والقرارات الإدارية القاضية بهدم البناءات المخالفة للقانون مما يضر بمصداقية الإدارة والقضاء.
وإذا كان هذا على مستوى عدم تحقق الردع الخاص الذي يهم المخالف المعني المباشر بهذا النوع من المخالفات، فإن الردع العام هو الآخر يشكل عقبة في تفعيل دور القضاء والتي يمكن ملامستها من خلال ما يظهره بعض المسؤولين من تعاطف مع المخالفين من جهة، والذي يستغله هؤلاء لقلب منطق الأمور من مخالفة تستحق استهجان الكل، إلى حق الفرد في امتلاك مسكن، ومن جهة أخرى من خلال التقليد الجماعي للجريمة إلى حد تتحول معه احترام القاعدة التعميرية إلى استثناء وخرقها يصبح القاعدة .
ومن ضمن الأسباب المرتبطة بالسلطة القضائية فإننا وجدنا:
ضعف الأساس القانوني للمخالفات: والذي يرتبط ببعض محاضر المعاينة المنجزة من طرف الأعوان المكلفين بمراقبة مخالفات التعمير والإسكان والتي تعتريها عيوب سواء من حيث الشكل أو المضمون، ومن تم عدم قبول المتابعات من طرف هيئة الحكم.
القصور في مجال التجريم والعقاب: بمعنى أن عملية التجريم في حالة المخالفات تبقى جد محدودة، حيث أنه قد توجد الجريمة المخالفة إلا أن استدلال المخالف بالتخلي عن المتابعة من طرف رئيس المجلس يضع حدا للمتابعة ومن تم الإفلات من العقاب.
وقصور العقاب يحيل إلى أننا في المغرب نعمل بالعقوبة التكميلية (الغرامة)، وليس الأصلية (العقوبات السالبة للحرية) ، بل نجد أن بعض الباحثين اعتبر أنه من غير المنطقي المساواة في قوانين التعمير المعمول بها، بين الغرامة المقررة مثلا في حالة البناء بدون رخصة والمخالفة المتمثلة في عدم احترام مقتضيات الرخصة المسلمة لصاحبها كتغيير العلو المسموح به.
أما فيما يتعلق بالقضاء الإداري وإذا كانت قوانين التعمير قد أسندت للسلطة الإدارية صلاحية تطبيقها سواء في مجال تسليم الرخص، أو في اتخاذ قرارات إدارية زجرية كالهدم أو غير ذلك مما يدخل في اختصاصها بمقتضى القانون، فإن عملها هذا باعتباره عملا إداريا يخضع لرقابة القضاء الإداري المتمثل في المحاكم الإدارية التي تعطيها المادة 20 من القانون 90-41 المحدث لهذه المحاكم مراقبة مدى شرعيتها، حين تنص على أن كل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوزا في استعمال السلطة، من حق المتضرر الطعن فيه أمام الجهة القضائية الإدارية المختصة .
وعلى هذا الأساس فالمحاكم الإدارية اليوم لا يمكن أن تؤدي دورها أحسن أداء في سبيل الحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم في مجال التعمير، إلا بإلمام القاضي الإداري بجميع مشاكل هذا القطاع وهو أمر يتطلب تكوينا عاليا، كما ينبغي الزيادة في المدة الزمنية المخصصة لتدريس مادة التعمير وتطوير دراسة القانون والقضاء الإداريين والمؤسسات المكلفة بتكوين الأطر الإدارية التي ستكون تصرفاتها الإدارية خاضعة لمراقبة القاضي الإداري، بالإضافة إلى إيجاد حلول عملية لإشكالية عدم تنفيذ الأحكام الصادرة في ميدان التعمير، لأنه في حقيقة الأمر معطى من شانه التأثير السلبي على مصداقية النظام القضائي المغربي ومن تم التشكيك في مبادئ دولة الحق والقانون.
خاتمة الفصل الثاني
انطلاقا مما سبق يمكن القول أن الحصيلة التي حققتها الوكالة الحضرية لسطات تبقى إلى حد ما إيجابية بالمقارنة مع الفترة الزمنية التي عملت فيها، غير أن هذه الإيجابيات لا تنفي جوانب القصور التي يمكن ملاحظتها على أداء الوكالة الحضرية لسطات مما قد يؤثر على دورها في تدبير ناجع لميدان التعمير ومن تم تحقيق التنمية العمرانية.
إن بروز جوانب القصور هذه تؤكد حقيقة مركزية هي وجود مجموعة من العراقيل التي تتميز بتعددها وتعقدها ومن تم الحد من فعالية أداء هذه المؤسسة.
أمام كل ذلك نجد أن الأمر أصبح يستوجب ضرورة البحث عن إمكانيات للتأهيل عبر مدخل الحكامة العمرانية المرهونة هي الأخرى بمداخل أبرزها تحديث الترسانة القانونية وإصلاحها، وبالتالي الحديث عن مشروع مدونة التعمير وإبراز مكانة الوكالات الحضرية – وكالات التعمير- في إطار هذا الورش الإصلاحي.
غير أن التساؤل المطروح هنا هو : هل ستتم المصادقة على مشروع مدونة التعمير ؟ أم أنها ستخضع لمنطق التوافق الذي تتحكم فيه المصالح المتضاربة ومنه الدخول في تأجيل إصلاح مجال التعمير؟
الخاتمة العامة:
والحاصل أن التعمير يبقى من القطاعات التي لها أهمية قصوى على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد، فإن تم تدبيره بطريقة عقلانية ومرنة وفاعلة كانت له آثار إيجابية على التنمية بمفهومها الشامل، وإذا ما اتسم تدبيره بجوانب القصور والخلل كانت له انعكاسات سلبية على التنمية.
ولقد حاولنا في هذا البحث تقديم مساهمة متواضعة تهدف دراسة أحد أهم المؤسسات المكلفة بتدبير ميدان التعمير ذي الطبيعة المعقدة والمتشعبة المصالح على المستوى المحلي، على الرغم من حداثة هذه المؤسسات وكذلك على الرغم من حجم النقاشات التي أثيرت بصددها ، كونها اعتبرت حينها كمنافس قوي للجماعات المحلية في ميدان التعمير، بل هناك من اعتبر هذا النوع من المؤسسات كبنية جديدة تريد إقصاء فاعلين آخرين من التدخل في ميدان التعمير سيما الجماعات المحلية باعتبارها صاحبة الاختصاص في تدبير ميدان التعمير المندرج في إطار إشكالية اللامركزية، ومن تم اعتباره اختصاصا أصيلا لها، وما إحداث هذه المؤسسات سوى انسحاب السلطات العمومية في صمت لصالح هذه المؤسسات، التي ستعتبر عين المركز على المستوى المحلي في كل ما يرتبط بميدان التعمير وتهيئة المجالات.
ومنه فإن هذه الدراسة ارتأت رصد أهم أدوار هذه المؤسسات على المستوى المحلي خصوصا فيما يتعلق بالتخطيط والتدبير العمرانيين باعتبارهما من أهم وأبرز مكونات التعمير كعلم وقانون وكسياسة وكفن أيضا. حيث الخلاصات المركزية هنا هي:
- ضعف الحضور والتدخل في مجال التخطيط العمراني الإستراتيجي لهذه البنيات واحتكار المركز للأولوية في وضع وثيقته الأساسية المتمثلة في المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية، على عكس التخطيط الإجرائي الذي تتدخل فيه الوكالات الحضرية بشكل فعال وإن كانت مسطرة المصادقة محتكرة هي الأخرى من طرف المركز.
- أما فيما يتعلق بالتدبير العمراني فالمؤطر لأدوار الوكالات الحضرية هنا هي الثنائية في التدخل، ثنائية يمكن أن نقول عنها سلبية لأنها غير واضحة، حيث دراسة الملفات وإبداء الآراء الملزمة في شأنها ، ومراقبة عمليات التدبير العمراني لكن من غير التوفر على الآليات والوسائل القانونية الكفيلة باحترام آراءها وكذا تحريك الدعاوي في شأن المخالفات المرصودة من طرفها.
إن هذا القصور الذي يؤطر النص القانوني المنظم لتدخلات الوكالات الحضرية، لا يعني أنها لم تستطع أن تجد لها موطئ قدم في البناء المؤسساتي المكلف بميدان التعمير على المستوى المحلي، بل نجدها حققت زخم لا يستهان به في ضبط وتأطير هذا الميدان محليا، ومن تم المساهمة في تجاوز بعض المشاكل العمرانية التي تعرفها المدينة المغربية. وما يؤكد ذلك الدراسة العملية التي قمنا بها في هذا البحث من خلال حالة الوكالة الحضرية لسطات كنموذج للدراسة، حيث وجدناها وعلى الرغم من حداثتها، إذ أنشئت في سنة 1997، استطاعت أن تحقق حصيلة إلى حد ما إيجابية ومقبولة سواء على مستوى التغطية بوثائق التعمير، أو على مستوى الدراسات القطاعية ذات الطبيعة الموازية ،أو على مستوى التدبير العمراني.
إن هذه الدراسة أيضا لواقع عمل الوكالة الحضرية لسطات، أفرزت مجموعة من الإكراهات والحدود التي نجدها تساهم في الحد من الفعالية المؤسساتية لهذه البنية في ما يتعلق بتدخلها في ميدان التعمير على مستوى جهة الشاوية ورديغة، والمتراوحة بين البشرية والمالية والتنظيمية والعقارية، الأمر الذي يستوجب ضرورة البحث عن مخرجات للتأهيل والتجاوز عبر مداخل الحكامة العمرانية كآلية يمكن عبرها التأسيس لتدخل لامركزي للوكالات الحضرية في ميدان التعمير مستقبلا، والمستندة إلى ضرورة:
إصلاح المنظومة القانونية، سواء في بعدها العام المرتبط بمنظومة التعمير ككل، أو في بعدها الخاص المرتبط بالشق المؤسساتي المتمثل في الوكالات الحضرية عبر الرفع من مستوى تدخلها خصوصا في مجال التخطيط العمراني، إذ نرى ضرورة تركيز دورها في ميدان التخطيط العمراني، عبر التأسيس لما يصطلح عليه بالتعمير الإستباقي والذي تشكل الضاحية أحد أهم مرتكزاته.
الارتكاز على المقاربة التشاركية في التعامل مع ميدان التعمير عبر تعميق الشراكات سواء في بعدها الأفقي ذو الطبيعة المؤسساتية مع باقي الشركاء والمتدخلين في ميدان التعمير خصوصا الجماعات المحلية التي لا يمكن إغفال دورها في ميدان التعمير الذي تعتبره من بين أهم اختصاصاتها ومن تم نجاح سياسات التعمير رهين بموافقتها المبدئية على أي وثيقة تعميرية باعتبارها صاحبة الاختصاص الترابي المعني بهذه الوثائق، ثم الشراكات ذات الطبيعة العمودية المستحضرة للمجتمع المدني المعني المباشر بأي تخطيط عمراني، حيث يعتبر الغاية والوسيلة في هذا الصدد من سياسات التعمير وإعداد التراب.
ضرورة الحرص على استقلالية القضاء ونزاهته باعتباره الضمانة الأساسية في الأجرأة العملية والسليمة لمقتضيات التعمير، ومن هنا ضرورة استحداث محاكم متخصصة في هذا الميدان، حتى تتمكن من البث السريع في مجمل المشاكل التي يعرفها هذا القطاع.
انتهــى بعون من الله وتوفيقه
لائحة الجداول
رقم الجدول العنــــــــــــوان الصفحة
1 حالات الترخيص دون الحصول على رأي الوكالات الحضرية خلال سنة 2000
73
2 نسبة التراخيص دون الحصول على رأي الوكالة الحضرية لسطات لسنة 2001.
73
3 طبيعة موارد الميزانية العامة للوكالة الحضرية لسطات
102
4 تطور عدد المخالفات المرصودة ما بين 2000-2007
115
5 توزيع المخالفات حسب نوعيتها ما بين 2000-2007
117
6 جانب من الدراسات القطاعية المنجزة من طرف الوكالة الحضرية لسطات
121
7 حصيلة الملفات المدروسة من طرف لجنة المشاريع الكبرى داخل مقر الوكالة الحضرية 126
8 توزيع المساحات المفتوحة للتعمير 130
9 توزيع مستخدمين الوكالة الحضرية لسطات حسب التخصصات 144
10 مقارنة بين وثائق التعمير الحالية والمنصوص عليها في مشروع مدونة التعمير
160
أولا : المراجع باللغة العربية
الكتب:
أولا: الكتب العامة
أحمد بوعشيق : " المرافق العامة الكبرى على ضوء التحولات المعاصرة" دار النشر المغربية –الدار البيضاء، الطبعة الثامنة 2004.
إبراهيم أبراش: "المنهج العلمي وتطبيقاته في العلوم الاجتماعية"، شركة بابل للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 1999.
إبراهيم زياني" دراسات في الإدارة المحلية من منظور علم الإدارة"مطبعة دار القلم الرباط- أكتوبر 2000.
إبراهيم عبد العزيز شيحا " أصول الإدارة العامة" مؤسسة المطبوعات الحديثة، القاهرة، مصر 1977.
هارولد كونتز وسيريل أودونل " مبادئ الإدارة –تحليل للوظائف والمهارات الإدارية-" ترجمة محمود فتحي عمر و موريس تابري مراجعة علي عبد العال الجزء الأول، مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر، بيروت-نيويورك 1977.
حسن قرنفل " المجتمع المدني والنخبة السياسية: إقصاء أم تكامل؟» مطابع إفريقيا الشرق ط1- 1997.
كامل بربر " الإدارة عملية ونظام " المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع بيروت، الطبعة الأولى 1996.
محمد السكتاوي " مبادئ التدبير والتواصل داخل الإدارة " منشورات صدى التضامن مطبعة النجاح الجديدة البيضاء الطبعة الأولى 2003.
محمد سليمان الطماوي : مبادئ علم الإدارة العامة، دار الفكر العربي،القاهرة الطبعة الأولى1980.
محمد مصطفى حسن " السلطة التقديرية في القرارات الإدارية " دار النهضة العربي الطبعة الأولى القاهرة 1977.
المهدي بنمير " الجماعات المحلية والممارسة المالية بالمغرب" سلسلة اللامركزية والجماعات المحلية، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش الطبعة الأولى 1994.
سعيد جفري " التنظيم الإداري بالمغرب" مطبعة تيسير الطبعة الأولى المغرب 2006.
عبد الباسط عبد المعطي: "اتجاهات في النظرية الاجتماعية"، سلسلة عالم المعرفة، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب، العدد 44، الكويت 1981
عبد الحق عقلة " تأملات حول بعض مجالات علم الإدارة" دار القلم، الرباط، الطبعة الأولى 2004.
عبد العزيز أشرقي " العامل والمفهوم الجديد للسلطة" مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة 1 – 2003.
عبد القادر باينة " مدخل لدراسة القانون الإداري والعلوم الإدارية" دار النشر المغربية الطبعة الثالثة 2005.
فاطمة السعيدي مزروع " الإدارة المحلية اللامركزية بالمغرب" مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء،الطبعة الأولى 2003.
ثانيا: الكتب المتخصصة
بناصر المصطفاوي " الرقابة الإدارية البعدية للبناء والتجزيء – دراسة قانونية-" مكتبة دار السام للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، يناير 2008.
حامد الشريف " المشكلات العملية في جريمة البناء بدون ترخيص " إدارة المطبوعات الجامعية الطبعة الأولى 1994.
الهادي مقداد " السياسة العقارية في ميدان التعمير والسكنى" مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى 2000.
محمد محجوبي" قراءة عملية في قوانين التعمير المغربية" دار النشر المغربية،الطبعة الأولى، 2006.
محمد بوجيدة " رخصة البناء " الجزء الأول دار الجيل، الطبعة الثانية 2000.
محمد السنوسي معنى" أضواء على قضايا التعمير والسكنى بالمغرب" مطبعة النجاح الجديدة 1988.
عبد الله حداد " قطاع الإسكان في المغرب – دراسة قانونية وقضائية-" منشورات عكاظ، الرباط يناير 2004.
عبد الرحمان البكريوي " التعمير بين المركزية واللامركزية" مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء الطبعة الأولى1993.
صالح بوسطعة " التعمير في القانون التونسي " منشورات المطبعة الرسمية للجمهورية التونسية 1999.
رشيد لبكر "إعداد التراب الوطني ورهان التنمية الجهوية"، منشورات وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة2002.
الرسائل والأطروحات الجامعية:
أولا : الأطروحات
المختار حيمود "دور سياسة التعمير في تنمية وتنظيم المجال الحضري – مساهمة في دراسة المجال الحضري المغربي نموذج عمالة بن مسيك سيدي عثمان –" أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق – جامعة الحسن الثاني، البيضاء 2000-2001.
مصطفى الشويكي " إنتاج وهيكلة المجال الحضري بالدار البيضاء" أطرحة لنيل دكتوراه الدولة في الجغرافية الحضرية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس الرباط – أكدال 1994.
عبد الكريم بخنوش " التنسيق الإداري للمصالح الإقليمية التابعة للدولة" أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، كلية الحقوق الرباط- أكدال 2000-2001.
عبد العزيز الزين " بعض مقومات استراتيجيات التعامل مع السكن العشوائي الصلب بالمغرب حصيلة وآفاق " رسالة لنيل دبلوم السلك العالي للمدرسة الوطنية للإدارة العمومية 1984 .
ثانيا: الرسائل
أحمد المالكي – أمحمد الهلالي " الوكالات الحضرية بالمغرب- وكالة وجدة كنموذج-" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الأول وجدة السنة الجامعية 1999-2000.
أمال جناح " التعمير الضاحوي بالمغرب" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة محمد الخامس الرباط أكدال السنة الجامعية 2004/2005.
إلهام المراغي " تدخل الوكالة الحضرية في مجال السكن غير اللائق في جهة الغرب شراردة بني حسن " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام في العقار والتعمير والإسكان ، جامعة محمد الخامس أكدال – الرباط 2002-2003.
بلقاسم أكناو " التمويل العمومي للسكن بالمغرب" ر د د ع م في القانون العام في العقار والتعمير والإسكان، الرباط، أكدال -2004/2005.
زهور أبو الخير " اختصاص القضاء في منازعات التعمير والإسكان" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال،الرباط السنة الجامعية 2003-2004
حسن أمرير " دور الدولة والجماعات المحلية في ميدان التعمير إشكالية توزيع الاختصاص" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة القاضي عياض مراكش، السنة الجامعية 1998-1999.
حسن فاطمي " التعمير الاستثنائي –دراسة مقارنة-" رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس الرباط أكدال، السنة الجامعة 2004-2005.
محمد حاجي " الوكالة الحضرية لبني ملال" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس- أكدال الرباط ، السنة الجامعية 2002-2003.
منير الروي" تصميم التهيئة بين الإدارة المكلفة بالتعمير والمجالس الجماعية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس أكدال، الرباط السنة الجامعية 2002/2003.
محمد بنيعيش " وثائق التعمير والممارسة : نموذج طنجة" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام ، وحدة التكوين والبحث في العقار والإسكان، جامعة محمد الخامس الرباط أكدال، 2002/2003.
المتصرف المختار " تعدد المتدخلين في ميدان التعمير – نموذج مدينة مراكش-" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام أكدال- الرباط 2003/2004.
محمد المجني " ظاهرة التنسيق الإداري" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام في القانون الإداري والعلوم الإدارية، كلية الحقوق عين الشق الدار البيضاء السنة الجامعية 2003-2004.
محمد الوكاري " العقار والتنمية الحضارية " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص كلية الحقوق، الرباط 1985.
سعيد بولماني " سياسة التدخل العمومي في مجال السكن غير اللائق – دراسة حالة مدينة سطات- رسالة لني دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الإداري والعلوم الإدارية جامعة الحسن الثاني عين الشق الدار البيضاء السنة الجامعية 2003-2004.
عماد التمسماني: "التعمير والمشكل العقاري –دراسة حالة مدينة طنجة-» رسالة لنيل دبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام، جامعة محمد الخامس- أكدال الرباط 2002/2003.
خديجة عوج " الإطار المؤسساتي في مجال التعمير بين التعدد والفعالية" رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام جامعة الحسن الثاني، عين الشق الدار البيضاء، السنة الجامعية 2002/2003.
المجلات:
أحمد مالكي – سعيد بولماني " إدارة التعمير وإكراهات الواقع" منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، سلسلة دراسات عدد مزدوج 76-77 /2007.
أحمد حضراني " مكانة العامل ومشروع تعديل قانون التنظيم الإقليمي"، اللامركزية الإدارية بالمغرب مشاريع الإصلاح ومتطلبات التنمية، م م م إ م ت، مواضيع الساعة العدد 32 -2001.
إبراهيم زياني"الموارد البشرية والمؤهلات التقنية لدى الجماعات المحلية في المشاريع السكنية" مجلة الموئل ملف عن الجماعات المحلية: نحو تطوير سياسة تعاقدية أوثق في ميدان السكن الاجتماعي العدد 6 – نونبر 1993.
إبراهيم زياني" تأملات في بعض عوائق الإصلاح الإداري بالمغرب" مجلة أراء وأفكار العدد 5 / 2003.
حسن أمرير"إشكالية توزيع الاختصاص في ميدان التعمير" م م م إ م ت عدد34 شتنبر-أكتوبر 2000.
الحاج شكرة "سلطات رؤساء مجالس الجماعات الحضرية والقروية في مجال التعمير العملياتي" المجلة المغربية للأنظمة القانونية والسياسية، العدد 5-2005 .
الحاج شكرة " آفاق قضاء الإلغاء في مجال التعمير" عشر سنوات من العمل القضائي للمحاكم الإدارية بالمغرب، م م م إ م ت سلسلة مواضيع الساعة، العدد 47 سنة 2004.
لطيفة بحوص " إشكالية الاستثمار العقاري بين متطلبات القانون ورهانات التنمية" م م م إ م ت سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية العدد 72.
محمد بلمحجوب " التعمير في المغرب " ملف خاص عن فن المعمار بالمغرب اليوم، مجلة الثقافة المغربية عدد 30-31 فبراير 2007 منشورات وزارة الثقافة.
محمد السنوسي معنى " دور الجماعات المحلية في قطاع السكن والتعمير" مجلة الموئل ملف عن الجماعات المحلية: نحو تطوير سياسة تعاقدية أوثق في ميدان السكن الاجتماعي العدد 6 – نونبر 1993.
محمد قصري " الارتفاقات القانونية في مجال التعمير" المجلة المغربية للمنازعات القانونية عدد مزدوج 5-6 مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء 2007.
محمد مداد " المدينة بين طموح المخطط وضغوط الواقع – مساهمة في فهم بعض الصعوبات التي تعيق تنفيذ وثائق التعمير- منشورات مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، العدد 4 -2001.
محمد العجمي " تطور سياسة التهيئة الترابية والتعمير: من أزمة في التصرف إلى التصرف في أزمة" مجلة العلوم القانونية والاقتصادية والتصرف بسوسة، مركز النشر الجامعي، تونس. العدد الثاني ديسمبر 1997.
محمد الأعرج " المساطر الإدارية غير القضائية – دراسة قانونية لفاعلية قواعد الإجراء والشكل في القرارات الإدارية " م م م إ م ت، سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية، الطبعة الأولى – 2003، العدد 47.
محمد عالي أدبيا " إشكالية الاستقلال المالي للجماعات المحلية بالمغرب –نحو مقاربة أكثر واقعية-" م م م إ م ت سلسة مواضيع الساعة العدد 29- 2001.
محمد بونبات " قوانين التحفيظ والتسجيل والتجزئة العقارية" منشورات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، مراكش، العدد 12، 1996.
محمد بوزفور"مفهوم القرب بين النظرية والممارسة" إدارة القرب : المفهوم والانعكاسات م م م إ ت سلسلة مواضيع الساعة العدد 53 -2006.
محمد النجاري " دور القضاء في تفعيل قوانين التعمير" مجلة المعيار، العدد 36، دجنبر 2006.
محمد الوكاري"العقار والمجال الحضري" مجلة أبحاث "بين مدن وأحياء الهامش بالمغرب" العدد 14 السنة الرابعة، شتاء 1987.
مصطفى الشويكي" تدبير المجال الحضري بالدار البيضاء: الرهانات والميكانيزمات" في المدينة المغربية بين التدبير المحلي والتنظيم الجهوي، منشورات مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، مطبعة النجاح الجديدة – البيضاء، الطبعة الأولى، 2000.
مصطفى الشويكي" الدار البيضاء مقاربة سوسيو مجالية" منشورات مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية – عين الشق الطبعة الأولى 1996.
ميشيل روسي" اللامركزية تهيئة المجالات وإنعاش السكن" مجلة الموئل ملف عن الجماعات المحلية: نحو تطوير سياسة تعاقدية أوثق في ميدان السكن الاجتماعي العدد 6 – نونبر 1993.
عبد الرحمان البكريوي "وثائق التعمير بين اختصاص الدولة والجماعات المحلية" م م م إ م ت العدد الأول أكتوبر ديسمبر 1992.
عبد الرحمان البكريوي " التعمير المتشاور حوله ضروري لتنمية التخطيط العمراني " الإدارة العمومية والتغيير منشورات الجمعية المغربية للعلوم الإدارية، إفريقيا الشرق الطبعة الأولى 1994.
عبد الله بوحيا " حدود مسؤولية الوكالة الحضرية في تدهور المجال الحضري بالدار البيضاء" تقويم سياسة إعداد التراب والتعمير بالمغرب المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، العدد14 يونيو 2002.
الشريف الغيوبي"إدارة القرب : آلية للتضامن" إدارة القرب :المفهوم والانعكاسات م م م إ ت سلسلة مواضيع الساعة العدد 53 -2006.
عبد الله شنفار " الإدارة المغربية ومتطلبات التنمية (دراسة سوسيو-قانونية وتحليلية)" منشورات م م إ م ت العدد 19 سلسلة مؤلفات وأعمال جامعية 2000.
علي مهران هشام " العمارة الخضراء والتنمية العمرانية المستدامة" مجلة عالم الفكر العدد 4- 2006 منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت.
علي سدجاري " تصورات من أجل مشروع حداثي لإصلاح الإدارة بالمغرب"" منشورات مجموعة البحث في المجال والتراب، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط 2000.
علي سدجاري " وحدة المدينة : المفهوم ونقيضه"المجلة المغربية للتدقيق والتنمية، العدد 14/ 2002
رشيد مرابط " الإدارة كنظام للتدبير" منشورات مجموعة البحث في المجال والتراب، مطبعة المعارف الجديدة – الرباط 2000.
سؤال الحكامة في المغرب رهانات وتطبيقات، مجلة مسالك العدد 8 – 2008.
من الحكومة إلى الحكامة : دروس مغربية، منشورات المجلة المغربية لتدقيق والتنمية، سلسلة التدبير الاستراتيجي العدد 5 /2004
الاستبعاد الاجتماعي – محاولة للفهم- " جون هيلز ترجمة وتقديم محمد الجوهري، عالم المعرفة، العدد 344 أكتوبر 2007.
الندوات والأيام الدراسية
أحمد المالكي "التعمير في المغرب بين القانون ومشروع القانون 04/04" أشغال اليوم الدراسي حول" مشروع القانون الجديد رقم 04/04 المتعلق بالسكنى والتعمير" منشورات مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2005.
أحمد المالكي " التعمير بين إكراهات العقار ومتطلبات التنمية العمرانية" أشغال الندوة الوطنية المنظمة من طرف وحدة التكوين والبحث في قانون العقود والعقار بكلية الحقوق في موضوع العقار والاستثمار– الجهة الشرقية نموذجا- – جامعة محمد الأول وجدة 19-20 ماي 2006 مطبعة دار النشر الجسور، الطبعة الأولى -2007.
أحمد المالكي- عبد الواحد الإدريسي:"العقار غير المحفظ وآثاره على تنفيذ وثائق التعمير" منشورات مركز الدراسات القانونية والعقارية، كلية الحقوق -مراكش. الطبعة الأولى- مطبعة الوراقة الوطنية مراكش 2004.
أحمد الهرجاني " التعمير والتنمية المستدامة" ندوة العقار والاستثمار، منشورات مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية مراكش، المطبعة والوراقة الوطنية- مراكش، الطبعة الأولى 2005.
أمحمد الهلالي " المخالفات في ميدان البناء والتعمير على ضوء القانون 12-90 و 25-90" أشغال اليوم الدراسي حول موضوع –إشكالية البناء غير القانوني وزجر المخالفات المتعلقة بميدان التعمير والبناء-المنعقد من طرف الوكالة الحضرية القنيطرة /سيدي قاسم بتاريخ 41 نونبر 2002.
عبد الإله المكينسي " السكن، التعمير، المشكل العقاري" السياسات الحضرية المغاربية، أعمال الندوة المنظمة بالدار البيضاء من 28 إلى 31 يناير 1994 – عقدتها الجمعية المغربية للعلوم الإدارية، مطبعة النجاح الجديد ة - البيضاء 1994.
مشروع لقانون الجديد 04/04 المتعلق بالسكنى والتعمير، أشغال اليوم الدراسي الذي نظمه مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بمراكش في 23 يونيو 2004، منشورات مركز الدراسات القانونية والمدنية والعقارية، المطبعة والوراقة الوطنية مراكش، الطبعة الأولى 2005.
ندوة "العمران في المنطقة العربية بين التشريع والتخطيط والإدارة" الرباط 10-11-12 أبريل 2001،مطبعة النجاح الجديدة 2003.
سعيد جفري" الجبايات المحلية على ضوء التوجه الإصلاحي الجديد" مداخلة ألقيت بمناسبة اليوم الدراسي حول الإدارة المحلية ورهانات التنمية المنظم من طرف وحدة التكوين والبحث في تدبير الإدارة المحلية بجامعة الحسن الأول بسطات في 15 مارس2007، غير منشور.
عبد الرحمان البكريوي " التخطيط العمراني وإشكالية تنفيذ وثائق التعمير" مداخلة في اليوم التشاوري والدراسي بشأن مدونة التعمير المنظم من طرف الوكالة الحضرية لسطات بتاريخ 19 مارس 2006 بكلية الحقوق بسطات غير منشور.
سعيد بولماني" حماية البيئة من زاوية قوانين التعمير" مداخلة في اليوم التشاوري والدراسي المنظم من طرف الوكالة الحضرية لسطات بتاريخ 19 مارس 2006 بكلية الحقوق بسطات غير منشور.
ملتقى الجماعات المحلي 2006 بأكادير – التوسع العمراني للمدن، تنمية المدن مواطنة ومسؤولية- (قرص مدمج).
النصوص والوثائق الرسمية:
ظهير شريف رقم 1.93.51 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر1993) معتبر بمثابة قانون يتعلق بإحداث الوكالات الحضرية
الظهير الشريف رقم 31-92-1 الصادر في 15 ذي الحجة 1412 (17يونيو 1992) بتنفيذ القانون رقم 12-90 المتعلق بالتعمير
الظهير رقم 7-92-1 الصادر في 15 ذي الحجة 1412(17 يونيو 1992 بتنفيذ القانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
الظهير الشريف رقم 1.60.060 بشأن توسيع نطاق العمارات القروية الصادر في30ذي الحجة 1379 الموافق ل25 يونيو 1960.
الظهير الشريف رقم 1.02.297 صادر في 25 من رجب 1423 (3 أكتوبر2002).
المرسوم التطبيقي رقم 2.93.67 صادر في 4 ربيع الآخر 1414 موافق 21 سبتمبر 1993 بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.93.51 بتاريخ 22 ربيع الأول 1414 موافق 10 سبتمبر 1993).
مرسوم رقم 361-97-2 صادر في جمادى الأولى 1413 (30 أكتوبر1997) يتعلق بإحداث الوكالة الحضرية لسطات
مرسوم رقم 832-92-2 صادر في 27 من ربيع الآخر 1414 (14 أكتوبر 1993) لتطبيق القانون رقم90-12 المتعلق بالتعمير.
مرسوم رقم 2.92.833 صادر في 25 من ربيع الآخر 1414(12أكتوبر1993) لتطبيق القانون رقم 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
الدورية الوزارية 1257/4-222/م ج م/ م إ ت. بتاريخ 9محرم 1401 الموافق ل 17نونبر 1980.
الدورية رقم 222 الصادرة عن وزير الداخلية بتاريخ 12 ماي 1995 بشأن مسطرة دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
الدورية رقم 254 الصادرة بتاريخ 12 فبراير 1999 المتعلقة بالمساطر المتبعة في دراسات مشاريع الاستثمار.ٍ
الدورية المشتركة الصادرة بتاريخ 4 مارس 2003 عن وزير الداخلية تحث عدد 27 وعن الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالإسكان والتعمير تحث عدد3020 بخصوص شروط استفادة المشاريع الاستثمارية من استثناءات في ميدان التعمير.
القرار الذي أصدره وزير الداخلية والإعلام رقم 491.93 صادر في 24 شعبان 1413(16 فبراير 1993) المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح الخارجية المكلفة بالتعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب.
المنشور 005/ م ت ه م /م ق الصادر بتاريخ 17 يناير1994 المتعلق بتصميم التهيئة
منشور السيد الوزير الأول رقم 2000/14 بتاريخ 2 أكتوبر 2000 بشأن تبسيط مسالك ومساطر دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات.
منشور السيد وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة رقم 2000/1500 بتاريخ 6 أكتوبر 2000 بشأن تبسيط مسالك ومساطر دراسة طلبات رخص البناء وإحداث التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات
التقارير الأدبية والمالية للمجالس الإدارية للوكالة الحضرية لسطات لسنوات: 1999-2000-2001-2002-2003-2004-2005-2006 - 2007.
التقرير الجهوي حول السياسة السكانية لسنة 2006 المندوبية السامية للتخطيط وولاية جهة الشاوية ورديغة.
المملكة المغربية وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان، إعداد التراب والتعمير، منشورات عكاظ الرباط، الطبعة الثانية فبراير 2000.
وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان والبيئة، المذكرة التمهيدية لليوم الدراسي حول الوكالات الحضرية أبريل 2000
نموذج مشروع نشرة إخبارية، جهة الشاوية ورديغة 2007.
الوثيقة التشاورية حول إعداد مشروع مدونة التعمير.
مشروع مدونة التعمير
المحاضرات :
المصطفى معمر – أحمد أجعون "محاضرات في إعداد التراب الوطني والتعمير" 2005-2006 غياب دار النشر.
عبد الإله المكينسي " محاضرات في قانون التعمير" الجزء الأول كلية الحقوق، جامعة محمد الخامس، الرباط 1980-1981.
عبد السلام المصباحي : محاضرات في إعداد التراب الوطني والتعمير، مطبعة
انفوبرانت فاس 1997.
ثانيا : المراجع باللغة الفرنسية
OUVRAGES
A.MKINSI « le droit marocain de l’urbanisme » Presses de l’imprimerie Abtal, Rabat 1989.
Ali Sedjari «La Fi n du Pouvoir d’Etat Vérité ou Illusion »In la revanche du territoire , Edition L’Hermann , 1997.
François PRIET « Approfondissement de la Décentralisation de l’Urbanisme ou Recentralisation ? » Droit de l’aménagement de l’urbanisme et de l’Habitat, Edition Dalloz. Paris 2001.
H. LENA « La Commune face à la Politique Foncière » édition Berger-Levrault, Paris 1984.
Mohammed Dreyef : « Urbanisme et droit de l’urbanisme au Maroc », Edition la Porte 1993.
Mohamed Naciri « Politique Urbaine et Politiques d’Habitat au Maroc Incertitudes d’une Stratégie in : Politiques Urbaines dans le Mode Arabe » Edition Maison de l’oient , Lyon , France1984
P.Hocreitère “ Droit de l’Urbanisme” le Moniteur, Edition Dalloz 2000.
R.Savy « Le Droit de l’Urbanisme » Collection Thémis,1er Edition, Paris 1981.
R.Cristini « Droit de l’Urbanisme » Edition Economica, Paris 1985.
Thèses & Memoirs
Adil Salami « Les Conditions de Production des Lotissements – cas de la ville de Beni Mellal-» Mémoire de DESA en Aménagement et Urbanisme, INAU 1997.
RAHAL Moujid “ L’Agence Urbaine de Casa Blanca”, Mémoire de cycle supérieure, E.N.A.P -1988.
Saïd EL Hebil « Agence Urbaine d’Agadir, Emergence d’un nouvel acteur en matière d’urbanisme »mémoire de cycle supérieur INAU 2001.
Revues
Abdelatif CHakor « le Marketing Territorial au Service de la Bonne Gouvernance Locale » Du Gouvernement à la Gouvernance : les leçons marocaines , Publications de la Revue Marocaine d’Audit et de Développement série Management Stratégique N° 5 /2004.
Abdelmajid BENJELON « La Planification Urbaine : Une Mission Impossible ? » Politiques Urbaines au Maghreb, colloque organisé par l’Association Marocaine des Sciences Administratif, imprimerie Najah al Jadida – Casablanca 1994.
Ahmed Rahmani « Les Limites des Prérogatives des Communes en Matière de la Planification Urbaine » In l’Administration Territoriale au Maghreb , Publication CMERA, Edition Guessous , Rabat 1989.
Mustapha Khattabi « l’Urbanisme et les documents d’Urbanisme en droit Marocaine » REMALD, Etudes, sep/oct N° 34/2000.
Documents
Circulaire n°221DUA/DPU le 15 juin 1995 relative au SDAU. Etude, Instruction, Approbation et suivi de réalisation.
Circulaire Ministérielle n° 14/CAB du 10Janvier 1994 relative à l’Instauration d’une commission du permis d’habiter et certificat de conformité.
Bilan 2007 et Evolution de L’Activité de la Gestion Urbain de AUS durant la période : 2003-2007
Habitat & Urbanisme 2003-2007, Un secteur en mouvement , publications de la ministère délégué auprès du premier ministre chargés de l’habitat et de l’urbanisme.
Ministère de l’Aménagement de Territoire de l’Urbanisme de l’Habitat et de l’Environnement, réflexion sur les procédures d’élaboration et d’approbation des plans d’aménagement, Benslimane 7-8 et 9 juin 2002.
مقدمة عامة................................................................................ 1
الفـصل الأول: الوكالات الحضرية كتجديد نوعي في البنية الإدارية المكلفة بالتعمير على المستوى المحلي.........................................
10
المبحث الأول: أسس ومحددات تدخل الوكالات الحضرية في ميدان التعمير............. 12
المطلب الأول : الوكالات الحضرية وفاعلية التدخل في التخطيط العمراني............................ 13
الفرع الأول : الآليات التقنية للتخطيط العمراني........................................................... 14
الفقرة الأولى: وثيقة التعمير التقديري..................................................................... 14
الفقرة الثانية : وثائق التعمير التنظيمي النافذ............................................................. 19
الفرع الثاني : تدخلات الوكالات الحضرية في مجال التخطيط العمراني .................................. 26
الفقرة الأولى : المساهمة في إعداد المخطط التوجيهي كرؤية إستراتيجية لتهيئة المجال المحلي .. 26
الفقرة الثانية : بلورة وثائق التعمير التنظيمي كأدوات إجرائية لتقنين المجال المحلي............... 30
المطلب الثاني : الوكالات الحضرية وازدواجية مهام التدبير العمراني ................................. 37
الفرع الأول : ميكانيزمات ووسائل التدبير العمراني ...................................................... 39
الفقرة الأولى:رخص البناء................................................................................... 39
الفقرة الثانية :التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات................................ 43
الفرع الثاني : مظاهر تدخل الوكالات الحضرية في ميدان التدبير العمراني............................ 47
الفقرة الأولى: دراسة الملفات وإمكانية تنظيم المجال المحلي.......................................... 47
الفقرة الثانية: المراقبة والتتبع كضرورة لضبط حركة العمران المحلي................................... 52
المبحث الثاني: الإطار العلائقي للوكالات الحضرية بباقي الفاعلين في ميدان التعمير.... 57
المطلب الأول: علاقة الوكالات الحضرية بالجماعات المحلية............................................. 58
الفرع الأول: العــلاقة الإدارية والمــالية.................................................................... 58
الفقرة الأولى: تمثيلية الجماعات المحلية في المجلس الإداري للوكالات الحضرية................... 58
الفقرة الثانية : المساهمة في تمويل ميزانية الوكالات الحضرية........................................... 62
الفرع الثاني : الجماعات المحلية بين محدودية التخطيط وأولوية التدبير.............................. 65
الفقرة الأولى: الجماعات المحلية واستشارية الدور في مجال التخطيط العمراني .................... 65
الفقرة الثانية: التدبير العمراني: أولوية محلية.............................................................. 69
المطلب الثاني: علاقة الوكالات الحضرية بالسلطة المحلية وباقي الفرقاء المحليين..................... 74
الفرع الأول: علاقة الوكالات الحضرية بالسلطة المحلية.................................................... 74
الفقرة الأولى: مؤسسة العامل ومهمة تنسيق التخطيط العمراني........................................... 74
الفقرة الثانية : العامل ومهام المشاركة في التعمير العملياتي................................................. 76
الفرع الثاني: علاقة الوكالات الحضرية مع باقي المتدخلين في القطاع محليا........................... 80
الفقرة الأولى: الوكالات الحضرية والمفتشيات الجهوية للإسكان والتعمير والتنمية المجالية ........... 80
الفقرة الثانية: الوكالات الحضرية ومجموعة التهيئة "العمران"............................................ 84
خاتمة الفصل الأول...................................................................... 88
الفـصل الثاني: الوكالات الحضرية بين الـــــواقع و الطــموحات
-دراسة حـالة الوكالة الحضرية لسطـات-.......................
90
المبحث الأول: الوكالة الحضرية لسطات: عشر سنوات من الاشتغال (1997-2007)....... 92
المطلب الأول : الجوانب الكمية في أداء الوكالة الحضرية لسطات .................................... 94
الفرع الأول : منجزات الوكالة على مستوى التخطيط العمراني .......................................... 94
الفقرة الأولى: مستوى تغطية تراب الوكالة بوثائق التعمير................................................. 94
الفقرة الثانية : حجم المساهمة المالية في إعداد وثائق التعمير.......................................... 100
الفرع الثاني : منجزات الوكالة الحضرية في مجال التدبير العمراني ..................................... 105
الفقرة الأولى : على مستوى دراسة الملفات ............................................................... 106
الفقرة الثانية : على مستوى رصد المخالفات................................................................ 113
المطلب الثاني : الجوانب النوعية في أداء الوكالة الحضرية لسطات.................................... 117
الفرع الأول : الدراسات القطاعية وتهيئة المجال المحلي................................................ 118
الفرع الثاني : الوكالة الحضرية لسطات وتدعيم الاقتصاد المحلي ...................................... 122
الفقرة الأولى: تشجيع الاستثمار المحلي................................................................... 122
الفقرة الثانية: تعبئة الوعاء العقاري الجهوي................................................................ 127
المبحث الثاني: الوكالة الحضرية لسطات بين المحدودية ومتطلبات الحـكامة العمرانية.. 131
المطلب الأول: مظاهر محدودية عمل الوكالة الحضرية لسطات.......................................... 131
الفرع الأول: العوائق البنيوية................................................................................ 132
الفقرة الأولى: الحدود القانونية ............................................................................ 132
الفقرة الثانية : الحدود المالية والبشرية..................................................................... 139
الفرع الثاني : العوائق المادية................................................................................ 145
الفقرة الأولى: الإكراهات العقارية........................................................................... 145
الفقرة الثانية: الحدود التنظيمية............................................................................ 149
المطلب الثاني: الإصلاح ومتطلبات الحكامة العمرانية ................................................... 153
الفرع الأول: إصلاح المنظومة القانونية المنظمة للتعمير ................................................. 153
الفقرة الأولى: الإصلاح و مشروع مدونة التعمير............................................................ 154
الفقرة الثانية : الأدوار الجديدة " لوكالات التعمير" على ضوء مشروع المدونة......................... 159
الفرع الثاني: المقاربة التشاركية والقضاء كمدخلات للحكامة العمرانية.................................. 163
الفقرة الأولى: تدعيم التعمير التشاركي ..................................................................... 163
الفقرة الثانية: تفعيل دور القضاء.............................................................................. 166
خاتمة الفصل الثاني.................................................................... 170
الخاتمة العامة ............................................................................ 171
لائحة الجداول.......................................................................... 172
لائحة المراجع .......................................................................... 173
الفهرس.................................................................................... 183