الدكتورة حياة حجي
استاذة زائرة بكلية السويسي، ومفتشة للضرائب
مما لا شك فيه أن الخزينة العامة تلعب دورا أساسيا في تحصيل الديون العمومية، والتي تشكل مواردا مهمة لميزانية الدولة. لذلك كان لزاما على المشرع العمل على حمايتها وذلك عبر تمتيعها بحق الامتياز المطلق بغية جلب الموارد العامة المخصصة لتغطية النفقات ويعرف الامتياز طبقا للمادة 1243 من ق. ل. ع بكونه: (حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين).
وعليه فالامتياز الممنوح للخزينة العامة هو امتياز مقرر بموجب القانون نظرا لخصوصية الديون الجبائية. بحيث تحظى بوضعية امتيازية مقارنة مع باقي الدائنين على مستوى استخلاص ديونها.
غير أنه بصدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقولة في مواجهة الملزمين فإن امتياز الخزينة العامة يتأثر سلبا نتيجة القواعد التي تفرضها خصوصية هذه المسطرة، باعتبارها ترمي إلى حماية المقاولة المدينة واستمرار نشاطها حتى لو كان ذلك على حساب الدائنين ومن بينهم الخزينة العامة.
بحيث أن الامتياز الذي تحظى به الخزينة في ظل القواعد العامة يواجه الكثير من الصعوبات خلال سير هذه المساطر، نتيجة التضحيات التي تجبر الخزينة على تقديمها والضغوط الذي قد تفرض عليها لتحقيق مصلحة المقاولة المدينة الشيء الذي يجعل دراسة هذا الموضوع تكتسي الكثير من الاهتمام سيما على مستوى الواقع العملي وما يثيره من إشكالات تتجلى بالخصوص في معرفة العراقيل التي تؤثر سلبا على امتياز الخزينة العامة؟ وكيف سيتم تحقيق هذا الامتياز خلال سير مساطر صعوبات المقاولة؟
وعليه فلقد ارتأينا لمعالجة هذه الإشكالات تقسيم بحثنا هذا إلى مبحثين بحيث نعالج في المبحث الأول: (عرقلة امتياز الخزينة العامة بقيود عديدة) قبل أن نعالج في المبحث الثاني مدى تأثر تحقيق امتياز الخزينة العامة بمساطر صعوبات المقاولة.
المبحث الأول: عرقلة امتياز الخزينة العامة بقيود عديدة:
مما لا شك فيه أن الخزينة العامة تملك الامتياز بموجب القانون لتحصيل ديونها الجبائية، غير أن قانون مساطر صعوبات المقاولة يحد من هذا الامتياز نتيجة قواعده الخاصة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية المقاولة المدينة، لذلك تصادف الخزينة العديد من العراقيل التي تجعل وضعيتها أكثر تعقيدا بحيث يتم منعها من المطالبة بأداء ديونها (المطلب الأول)، وسريان الغرامات (المطلب الثاني)، وكذا المنع من سلوك المتابعات الفردية (المطلب الثالث)، وأخيرا المنع من إجراء التقييدات (المطلب الرابع).
المطلب الأول: المنع من أداء الديون:
بالرجوع إلى المادة 657 من م .م.ج، نجدها تنص على أنه: (يترتب عن حكم فتح المسطرة بقوة القانون منع أداء كل دين نشأ قبل صدوره) بحيث أن الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقاولة يمنع أداء أي دين نشأ سابقا، وعليه فلا يمكن تحصيل الضرائب الناشئة قبل صدور هذا الحكم، بناء على المقتضيات الآمرة الواردة أعلاه، وذلك لكون أي أداء يتم خرقا للمادة 53 من م .م.ج، بكون مصيره هو البطلان الوجوبي.
لذلك فإن وضع الخزينة العامة يصبح أكثر تعقيدا في ظل مساطر صعوبات المقاولة، إذ تجد نفسها مقيدة بمبدأ منع أداء الديون الذي سنه المشرع حفاظا على مصلحة المقاولة وحماية لاستمرار النشاط.
غير أنه يمكن للخزينة تفادي هذا الوضع وذلك عبر مطالبة الكفيل بأداء المبالغ غير المؤداة، وتكمن الغاية من تقرير هذا الاستثناء في كون مبدأ منع أداء الديون يسري في مواجهة المدين نظرا لخصوصية مساطر صعوبات المقاولة، بخلاف الكفيل الذي لا يمكنه بتاتا الاحتجاج بمبدأ منع أداء الديون، باعتباره أجنبيا عن المقاولة، ولأن قيامه بأداء ديون الخزينة العامة لن يؤثر على مصالح المقاولة لا تقتصر القيود التي تعرقل امتياز الخزينة العامة في مبدأ منع أداء الديون فقط، بل إنها تواجه كذلك قيد المنع من سريان الغرامات وذلك ما سوف نراه في النقطة الموالية.
المطلب الثاني: المنع من سريان الغرامات:
مما لا شك فيه أن تأخر الملزمين عن دفع ديونهم الجبائية أو التصريحات الواجبة عليهم في الآجال المحددة يخول للخزينة الحق في فرض الغرامات الناجمة عن هذا التأخير وكذا استيفائها طبقا للقواعد العامة غير أنه في ظل مساطر صعوبات المقاولة تتعطل هذه القاعدة إذ لا تسري القواعد سواء كانت قانونية أو اتفاقية، أو فوائد تأخير أو زيادات، وذلك رغبة في تخفيف العبء على المقاولة المدينة، وإنجاح المسطرة الجماعية. حيث أن الخزينة العمومية تمتنع عن تحصيل جميع غرامات التأخير الناتجة عن تأخر المقاولة المدينة في دفع الضرائب المستحقة في مواجهتها، وذلك ابتداء من تاريخ صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر المعالجة.
إلا أنه يرد استثناء على هذه القاعدة ويتعلق الأمر بحالة الغرامات الناجمة عن سبب آخر غير التأخير في دفع الضرائب، وذلك من قبيل تقديم التصريحات الغير الصحيحة أو الغير التامة، وفي حالة غياب تقديم الوثائق المحاسبية، أو تقديم وثائق غير تامة. وتطبق قاعدة وقف سريان الفوائد على الديون الجبائية المترتبة في ذمة المقاولة، والناشئة قبل صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر المعالجة.
وكما هو الشأن بالنسبة لمبدأ منع الأداء فإن الخزينة العامة يمكنها تحصيل الغرامات الناجمة عن التأخير في مواجهة الكفيل أكان متضامنا أم لا، لكونه لا يمكن التمسك بهذه القاعدة، باعتباره غير خاضع لخصوصية مساطر صعوبات المقاولة.
بخلاف موقف مشرع الفرنسي الذي اعتبر كل من الكفيل والشريك المتضامن مثلهما مثل المدين رئيس المقاولة، بحيث يمكنهما التمسك في مواجهة الخزينة العامة بمبدأ وقف سريان الفوائد، وبالتالي عدم إمكانية استخلاص الغرامات الناجمة عن التأخير في دفع الضرائب المترتبة في ذمة المدين الأصلي.
ونرى أن المشرع المغربي قد صادف الصواب حينما أقصى الكفيل من التمسك بمبدأ وقف سريان الفوائد الأمر الذي يجعل الخزينة العامة تتمكن من استيفاء الغرامات الناجمة عن التأخير في مواجهة الكفيل، بخلاف موقف المشرع الفرنسي الذي حرم الخزينة من الرجوع عليه مما يضر بحقوقها.
غير أنه يثار الإشكال المتعلق بالمدة التي يظل فيها هذا الوقف ساريا؟
بالرجوع إلى موقف المشرع المغربي فإننا نجده قد نص بموجب المادة 659 من م التج على أنه: (يوقف حكم فتح المسطرة سريان الفوائد القانونية والاتفاقية وكذا كل فوائد التأخير وكل زيادة)، الأمر الذي يؤكد بأن وقف سريان الفوائد يقتصر على فترة إعداد الحل فقط، وذلك لخصوصية هذه الفترة باعتبارها مرحلة ملاحظة يتم فيها اختيار الحل المناسب بحصر تسوية المقاولة المدينة، وعليه فإن الخزينة العامة تواجه بمبدأ وقف سريان الغرامات في فترة إعداد الحل فقط، بينما يمكنها الاحتجاج بسريانها بمجرد صدور الحكم القاضي بجعل مخطط الاستمرارية.
بينما بمقارنة الوضع مع المشرع الفرنسي فإننا نجده قد التزم الصمت بخصوص هذه النقطة بحيث لا نجد بين مقتضياته أية إشارة تسعفنا في تحديد التاريخ الذي يتم فيه استئناف سريان الفوائد إلى درجة أن بعض الفقه ذهب إلى اعتبار هذا الوقف يظل ساريا حتى مرحلة التصفية القضائية. ونرى أن الموقف المغربي هو الأجدر بالتأييد حتى تتمكن الخزينة العامة مثلها مثل باقي دائني المقاولة المدينة من استيفاء الفوائد المتعلقة بأصل الدين، ولكون قيد وقف سريان الغرامات لا يسري إلا في فترة إعداد الحل بخلاف باقي مراحل التسوية حيث يتم تصفية خصم المقاولة.
فضلا عن قيد وقف سريان الغرامات، فإن امتياز الخزينة العامة يعرقل كذلك بقيد المنع من ممارسة المتابعات الفردية، و ذلك ما سوف نعمل على إثارته في النقطة الموالية.
المطلب الثالث: المنع من ممارسة المتابعات الفردية:
بالرجوع إلى المادة 653 من م التج نجدها تنص على انه: (يوقف حكم فتح المسطرة ويمنع كل دعوى يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور).
يلاحظ أن المشرع حاول قدر الإمكان توفير الحماية اللازمة للمقاولة المدينة، وذلك عبر سنه هذا المبدأ حتى لا تتم عرقلة مسطرة المعالجة، ولما يشكله وقف المتابعات الفردية من دور في الدفع بجميع الأطراف لمساعدة المقاولة، والتوقف عن أي إجراء من شأنه إفشال تسوية المقاولة.
لذلك فإن الخزينة العامة مثلها مثل باقي الدائنين الذين تنشأ ديونهم قبل فتح المسطرة، تمتنع عن مباشرة أية متابعة أو إجراء من إجراءات التنفيذ أو حتى الاستمرار فيها لاستيفاء الدين في مواجهة المدين. الأمر الذي يتطلب منا تحديد نطاق المتابعات، (أ)، قبل تحديد مدة سريان هذا الوقف (ب).
أ-نطاق المتابعات:
بمجرد صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقاولة تتوقف جميع الدعاوى وإجراءات التنفيذ التي شرعت الخزينة العامة في ممارستها قبلا بحيث أنها لا يمكنها الاستمرار في مسطرة الحجز التخصيصي إذا لم تكن قد حصلت على حكم حائز لقوة الشيء المقضي به قبل صدور الحكم، كما لا يمكنها كذلك الاستمرار في الحجز التنفيذي إذا لم يتم بيع الأموال المنقولة للمدين قبل الحكم بافتتاح المسطرة. فضلا عن ذلك فلا يمكن للخزينة العامة القيام بإجراء متابعات جديدة في مواجهة الملزم المتعرض لصعوبات المقاولة، وذلك من قبيل بيع الأصل التجاري، أو سلوك مسطرة إشعار الغير الحائز، أو أي إجراءات تحفظية. إلا أنه يرد استثناء فيما يتعلق بوقف ومنع المتابعات في مواجهة المدين بعد صدور الحكم القاضي بالمعالجة، ويتعلق الأمر بالحالة التي تكون فيها المتابعة حائزة لقوة الشيء المقضي به، قبل صدور هذا الحكم و ذلك من قبيل الحجز التحفظي، الحجز التنفيذي الحجز العقاري، إذ يمكن للخزينة سلوكه دون الاحتجاج بهذا المنع.
بعد تحديدنا لنطاق المتابعات التي تتوقف أو تمنع بعد صدور الحكم القاضي بالمعالجة، فإننا نتساءل عن المدة التي يظل فيها هذا المبدأ ساريا، وذلك ما سوف نراه في النقطة الموالية.
ب- مدة سريان هذا الوقف:
كما نعلم فإنه خلال فترة إعداد الحل تتوقف جميع المتابعات وإجراءات التنفيذ في مواجهة المقاولة المدينة، باعتبار أن المحكمة تسعى خلال هذه الفترة إلى إعداد الحل المناسب للمقاولة، الشيء الذي يقتضي منها توفير الحماية الكافية لعدم عرقلة مسطرة التسوية، إلا أن الأمر يختلف بعد نهاية هذه الفترة واعتماد المحكمة الحل المناسب للمقاولة.
خلال مخطط الاستمرارية:
كما نعلم فإنه لا يمكن اعتماد مخطط الاستمرارية إلا إذا كانت هناك إمكانات جدية لتسوية المقاولة، غير أن هذا المخطط يفرض الكثير من التضحيات على الدائنين لإنجاح عملية التسوية مقابل التزام المدين بالاستحقاقات التي يفرضها عليه المخطط وباعتبار الخزينة من بين دائني المقاولة فإنها تلتزم بتقديم التضحيات اللازمة لإيضاح هذا المخطط، وبالتالي فلا يمكنها بتاتا إجراء أو الاستمرار في أية متابعات. غير أن المشرع الفرنسي اعتبر أنها يمكنها ذلك في الحالة التي لا يلتزم فيها الخاضع للضريبة المتعرض لمساطر المعالجة بالاستحقاقات التي يفرضها عليه مخطط الاستمرارية لتصفية الخصوم، وكذا عند غياب فسخ هذا المخطط.
مخطط التفويت:
إلى جانب مخطط الاستمرارية قد تعتمد المحكمة مخطط التفويت بعد اختيار العرض المناسب للمقاولة المقدم من لدن الأغيار.
هذا المخطط الذي يفرض هو الآخر تضحيات وعراقيل في مواجهة الدائنين، بحيث لا يوجد أي نص تشريعي في مدونة التجارة يمنح للخزينة إمكانية سلوك المتابعات الفردية في مواجهة المدين الملزم، وعليه فهي تبقى مقيدة خلال هذا المخطط أيضا، اللهم إلا في حالة قيام المفوت إليه بتفويت المقاولة إلى مشتري ثان قبل الأداء الكلي للثمن فحينها يحق للخزينة العامة ممارسة حق التتبع في مواجهة هذا المشتري.
فما هو الأمر بالنسبة لمرحلة التصفية القضائية؟
مرحلة التصفية القضائية:
كما هو الشأن بالنسبة لمراحل التسوية القضائية فإن الخزينة العامة لا يحق لها القيام بإجراء المتابعات الفردية في مواجهة المدين إلا في حالة واحدة و التي تتعلق بعدم قيام السنديك بتصفية الأموال داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح التصفية القضائية وذلك بموجب المادة 628 من مدونة المحاكم التجارية، لكن شرط أن تكون هذه الديون مضمونة أو امتيازية عبر تقييد رهني، وكذا أن تكون الخزينة قد صرحت بها.
إلى جانب القيود السابقة التي تواجه الخزينة العامة فإنها تمتنع كذلك من إجراء أي تقييد للامتياز الذي تحظى به بعد صدور الحكم القاضي بمساطر المعالجة، وذلك ما سوف نراه في النقطة الموالية.
المطلب الرابع: المنع من إجراء التقييدات:
طبقا لمقتضيات المادة 666 من م .م.ج، فلا يمكن للخزينة العامة القيام بإجراء أي تقييد للرهون والامتيازات الناشئة قبل صدور الحكم القاضي بفتح مساطر المعالجة في مواجهة المقاولة المدينة.
وتكمن الغاية من هذا المنع في حماية مصلحة المقاولة وإقرار مبدأ المساواة بين الدائنين.
وبالتساؤل عن طبيعة التقييدات الممنوعة على الخزينة العامة فإننا نجد أن المشرع نص بصريح العبارة على أن المنع يشمل جميع الرهون والامتيازات بدون أي تمييز سواء كانت واردة على عقارات، منقولات، رهون رسمية أم لا، اتفاقية أم قانونية، عامة أم خاصة.
أما بخصوص المدة التي يظل فيها ساريا هذا المنع فلا نجد أية إشارة صريحة أو ضمنية تحيلنا على التاريخ الذي ينتهي فيه هذا القيد، الأمر الذي يؤكد أن هذا القيد يبتدئ من تاريخ افتتاح مساطر صعوبات المقاولة إلى غاية إقفال المسطرة.
ونرى أن إغفال تحديد مدة معينة يسري فيها مبدأ منع التقييدات وإن كان يسير في اتجاه حماية مصلحة المقاولة المدينة حتى لا تزيد خصومها فإنه بالمقابل يضر بوضعية الدائنين سيما أولئك الحاملين لضمانات أو امتيازات، بحيث يحرمون من تقييدها وإمكانية تحولهم إلى دائنين حاملين لضمانات أو امتيازات، الأمر الذي يعقد وضعية الخزينة العامة إذا أهملت تقييد الضمانات أو الامتيازات التي تتوفر عليها قبل صدور الحكم القاضي بافتتاح المساطر مما يؤثر سلبا على موارد الدولة.
وإذا كان المشرع المغربي لم يضع أي استثناء على مبدأ منع التقييدات بعد افتتاح المسطرة فإنه بالمقابل قد وضع المشرع الفرنسي بموجب المادة 57 من قانون 25/1/85 استثناء على هذا المبدأ ويتعلق الأمر بكل من امتياز الخزينة العامة، وامتياز بائع الأصل التجاري.
بحيث أن الخزينة العامة يمكنها الاحتفاظ بامتيازها وذلك بالنسبة للديون التي لم يتم تقييدها في تاريخ صدور الحكم، وكذا بالنسبة للديون التي تكون موضع تحصيل بعد هذا التاريخ، شرط أن تكون هذه الديون خاضعة للإشهار ولم ينتهي أجل تقييدها لدى صدور الحكم.
أما بالنسبة للرهن الرسمي القانوني الذي تملكه الخزينة العامة على عقارات الملزم بالضريبة فإنه لا توجد أية إشارة من لدن المشرع بموجب المادة 57 من قانون 25/1/1985 على إقصاء هذا الرهن من مبدأ منع التقييدات. بحيث لا يمكن للخزينة تقييد هذا الرهن بعد خضوع الملزم لمساطر المعالجة بخلاف الحالة التي يتعلق فيها الأمر بتجديد Transcription قد تم قبل صدور الحكم في المحافظة المكلفة بتقييد الرهون.
لقد رأينا من خلال ما سبق أنه رغم الامتياز الذي تحظى به الخزينة العامة في ظل القواعد العامة، فإنها تصادف الكثير من القيود التي تعرقل ممارسة امتيازها خلال خضوع الملزم بالضريبة لمساطر المعالجة نظرا لكون غاية المشرع تتجه أساسا إلى حماية المدين مما يفقد هذا الامتياز من محتواه.
الأمر الذي يدفع بنا إلى التساؤل عن كيفية تحقيق امتياز الخزينة العامة خلال سير مساطر المعالجة، والآثار التي ترتبها هذه الأخيرة على هذا الامتياز وذلك ما سوف نراه في المبحث الموالي.
المبحث الثاني: مدى تأثر تحقيق امتياز الخزينة العامة بمساطر صعوبات المقاولة:
نظرا لكون الخزينة العامة دائنا من بين دائني المقاولة المتعرضة لصعوبات، فإنه يحق لها المطالبة بأداء ديونها المستحقة في مواجهة الملزم المدين، غير أن مساطر صعوبات المقاولة ترتب العديد من الآثار على تحقيق امتياز الخزينة الأمر الذي يثير الكثير من الإشكالات على مستوى استخلاص الديون الجبائية، سيما إذا علمنا أنه بإجراء مقارنة بين وضعية الديون الجبائية السابقة، واللاحقة، فإن الفئة الأولى من الديون تتضرر خلال مراحل تسوية المقاولة أو التصفية القضائية أكثر من وضعية الديون اللاحقة التي متعها المشرع بحق الأسبقية في الأداء.
لذلك سوف نتعرض أولا لحالة الديون الجبائية السابقة عن نشأة الحكم (1) قبل التعرض إلى حالة الديون الجبائية اللاحقة لنشأة الحكم (المطلب 2).
المطلب الأول: حالة الديون الجبائية السابقة عن نشأة الحكم :
نقصد بالديون الجبائية السابقة تلك التي تنشأ قبل صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقاولة بغض النظر عن تاريخ استحقاقها، وسوف نحاول مناقشة تأثر تحقيق هذه الديون سواء من خلال مراحل تسوية المقاولة (مخطط الاستمرارية والتفويت) أو سواء من خلال مرحلة التصفية القضائية.
أ-خلال مخطط الاستمرارية:
مما لا شك فيه أن اعتماد مخطط الاستمرارية يعد الحل الأنسب للمقاولة باعتباره يسهل عملية التسوية ويحافظ على استمرار النشاط غير أنه لا يتم، الحكم به من لدن المحكمة إلا في حالة وجود إمكانات جدية لتسوية المقاولة.
ويرتكز مخطط الاستمرارية أساسا على تصفية الخصوم والتي تتم عبر استشارة الدائنين حول استحقاقات هذا المخطط.
بحيث أن السنديك يقوم باستشارة الخزينة العامة باعتبارها من بين الدائنين السابقين لنشأة الحكم إما بطريقة فردية أو جماعية و ذلك حول الآجال والتخفيضات التي يقترحها لضمان نجاح المخطط.
وتلتزم الخزينة بالجواب على رسالة السنديك خلال 30 يوما من تاريخ التوصل، لكون عدم الجواب خلال الأجل القانوني يعتبر بمثابة موافقة منها على اقتراحات السنديك.
ويلاحظ أن الخزينة تقدم الكثير من التضحيات خلال هذه الفترة وذلك لكون السنديك قد يقترح عليها تمديد آجال الأداء أو الموافقة على تقديم تخفيضات، أو تفويت رتبة الامتياز أو الرهن الذي تتوفر عليه أو حتى التخلي عن الضمانات التي تملكها.
الأمر الذي يعقد وضعية الخزينة ويبدو ذلك من زاويتين: بحيث في الحالة التي قد تقبل فيها الخزينة الآجال والتخفيضات المقترحة من لدن السنديك، فإن المحكمة تقوم بالإشهاد على ذلك غير أنها قد تزيد من التخفيضات التي قدمتها الخزينة مما يشكل إجحافا بحقوقها لكون ذلك يؤثر على قيمة الدين المستحق في مواجهة الملزم بالضريبة.
أما في الحالة التي لا توافق فيها الخزينة على الآجال والتخفيضات المقترحة، فإن المحكمة تقوم بفرض آجال موحدة عليها كباقي الدائنين إلا أنها لا يمكنها فرض تخفيضات بالنسبة لديونها، ونلاحظ أن هذه السلطة الممنوحة للمحكمة من شانها الإضرار بمصالح الخزينة، والتأثير على الامتياز الذي تتوفر عليه طبقا للقواعد العامة، وذلك لكونها تضطر إلى انتظار الآجال المفروضة عليها لاستيفاء ديونها في مواجهة المدين فضلا عن التخفيضات التي تقبل بها.
وحتى بالرجوع إلى الاجتهاد القضائي فإننا نجده هو الآخر قد أيد مسألة فرض الآجال الموحدة من لدن المحكمة بحيث اعتبر الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بالبيضاء بتاريخ 14/10/2002 في إحدى حيثياته بأنه (… إن مقترحات التسوية المقدمة من طرف السنديك إلى الدائنين، وإن لم تحظ بقبول البنك الشعبي وسوجليز، فإن للمحكمة أن تفرض آجالا موحدة للأداء طبقا للمادة 598 من م .م ج، خاصة وأن مصالح الدائنين تبقى دائما محفوظة ومصانة سواء عبر مخطط الاستمرارية الذي يضمن لهم استخلاص ديونهم، أو بواسطة فتح مخطط الاستمرارية وتقرير التصفية القضائية للمقاولة حالة إخلالها بالتزاماتها أو التملص من تنفيذها مما يتعين معه التصريح بحصر مخطط الاستمرارية).
غير أن المشرع منح للخزينة إمكانية استفاء ديونها في أجل قريب مقارنة مع الآجال التي أشهدت عليها المحكمة لكن شرط قبولها بتخفيض من مبلغ الدين الأصلي.
وفي جميع الحالات فإن المدين يلزم بأداء ديون الخزينة وفقا للاستحقاقات المحددة عبر مخطط الاستمرارية لأنه عند عدم احترام الملزم المدين لإجراءات تسوية الديون الجبائية فيحق أن للخزينة العامة طلب فسخ هذا المخطط.
وأخيرا نشير إلى أن الخزينة يمكنها الرجوع في الكفيل لاستخلاص ديونها كاملة وبدون تقسيط، وذلك لكون هذا الأخير لا يمكنه الاحتجاج بمقتضيات مخطط الاستمرارية سواء فيما يتعلق بالآجال أو التخفيضات.
هذا فيما يتعلق بوضعية الديون الجبائية خلال مخطط الاستمرارية فكيف يكون الأمر خلال مخطط التفويت؟
ب-خلال مخطط التفويت:
يعتبر مخطط التفويت حلا آخر من حلول تسوية المقاولة بحيث يتم اعتماده من لدن المحكمة بعد اختيار العرض المناسب من لدن الأغيار.
وينعكس هذا المخطط هو الآخر على تحقيق الديون الجبائية، وإن كان قد يبدو أحسن حلا من حيث أنه لا يفرض تحمل الآجال والتخفيضات من لدن الدائنين.
إذ بناء على مقتضيات المادة 615 من م .م.ج، فإن الخزينة العامة يمكنها استيفاء ديونها دون الحاجة إلى انتظار حلول آجال الديون، باعتبار أنه من بين أهم آثار مخطط التفويت هو سقوط آجال الديون، واستحقاق جميع الديون غير الحالة.
ونرى ان هذا المقتضى يكون في صالح الخزينة بحيث تتمكن من الحصول على ديونها المستحقة في مواجهة الملزم المدين، وذلك دون أن يحتج أمامها بأي تمديد في الآجال أو أي تقديم لتخفيضات.
وبخصوص كيفية استيفاء الخزينة العامة لديونها فإن السنديك يقوم بتوزيع ثمن التفويت على الدائنين حسب مرتبة كل واحد منهم، على أساس أن الأولوية تكون للدائنين الممتازين، لذلك فدين الخزينة باعتباره ممتازا يعد مقدما على جميع الديون بما فيها تلك المضمونة برهون رسمية.
غير أنه رغم هذا الامتياز الممنوح للخزينة فإنه عند قيام السنديك بتوزيع الثمن فلا تؤدى ديونها في المرتبة الأولى وذلك على أساس وجود دائنين آخرين يسبقونها في الآداء.
لا يقتصر الأمر على ذلك، بل حتى في الحالة التي يتم فيها تفويت مال مثقل بامتياز خاص أو برهن رسمي فإن المحكمة تقوم بتخصيص حصة من ثمن البيع لأداء ديون الدائنين ومن بينها الخزينة العامة التي تحظى بالامتياز. غير أنه غالبا ما يكون ثمن التفويت غير كافي لتسديد ديونها، أو قد لا يشكل القيمة الحقيقية للامتياز أو الضمان الأمر الذي يضر بمصلحة الخزينة العامة.
غير أن الإشكال الذي يطرح هو هل من حق الخزينة العامة الرجوع على الكفيل لاستخلاص ديونها؟
بالرجوع إلى مقتضيات المواد القانونية المنظمة لمخطط التفويت فلا نجد ما يسعفنا في الجواب عن هذا الإشكال، بخلاف ما عليه الأمر بالنسبة لمخطط الاستمرارية حيث يمكن للخزينة الرجوع على الكفيل لكون هذا الأخير لا يحق له التمسك بمقتضيات هذا المخطط.
غير أننا نرى أنه يمكن القياس على المقتضيات المتعلقة بمخطط الاستمرارية، وعليه يمكن للخزينة العامة الرجوع على الكفيل لاستخلاص ديونها سيما وأنه تبعا للقواعد العامة فإن الكفالة تتبع الالتزام الأصلي، بخلاف الديون اللاحقة لعقد التفويت فلا يتحملها الكفيل على اعتبار أنه لا يلتزم إلا في مواجهة المدين الأصلي فقط.
هذا فيما يتعلق بحالة التفويت وآثارها على وضعية الديون الجبائية السابقة فكيف يكون الأمر بالنسبة لحالة التصفية القضائية؟
ج-خلال مرحلة التصفية القضائية :
يتم التصريح بالتصفية القضائية في الحالة التي يتبين فيها استحالة معالجة المقاولة المدينة بشكل لا رجعة فيه.
ومما لا شك فيه أن مصالح الدائنين تتأثر خلال هذه المرحلة كباقي المراحل التي تمر بها المقاولة.
وأولى الآثار التي ترتبها التصفية القضائية على الخزينة العامة باعتبارها دائنا هي قاعدة سقوط آجال الديون كما هو الشأن بالنسبة لمرحلة مخطط التفويت.
ونرى أن هذا المبدأ يساهم في تحقيق المساواة بين الدائنين. و هذا فيه فائدة للخزينة لكونها لا تضطر إلى انتظار حلول آجال استيفاء ديونها، مما يجعل وضعيتها أحسن مقارنة مع مخطط الاستمرارية والذي يفرض عليها آجالا قد لا تكون دوما في صالحها. وكما تسري هذه القاعدة تجاه المدين، فإنها تسري كذلك في مواجهة الكفيل سواء كان متضامنا أم لا بخلاف شريك المدين فلا يواجه بذلك لعدم وجود نص صريح يخوله هذه الإمكانية، ونظرا لكون الاستثناء لا يجوز القياس عليه.
أما بالنسبة لكيفية تسديد ديون الخزينة العامة فإن السنديك يقوم بتوزيع ناتج تحقيق الأصول حسب المراكز القانونية لكل دائن على حدى:
(الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية وذلك بموجب المادة 575 من مدونة المحاكم التجارية.
الدائن المرتهن الحائز حق الحبس.
الدائنين المتوفرين على الرهن الرسمي والامتيازات الخاصة على عقارات.
الدائنون أصحاب الامتيازات الخاصة على منقول.
الدائنون أصحاب الامتيازات العامة على منقول.
الدائنون العاديون.)
وتستوفي الخزينة العامة ديونها حسب المرتبة التي تحتلها بالمحاصة.
ويمكن للخزينة العامة باعتبارها دائنا امتيازيا القيام بإجراء المتابعات الفردية في مواجهة الملزم المدين خلال مرحلة التصفية القضائية.
ورغم أن التصفية القضائية ترتب سقوط آجال الديون و كذا تصفية الخصوم من خلال بيع الأموال، إلا أن وضع الخزينة العامة لا يمكن اعتباره بالوضع الامتيازي نظرا للدائنين الذين يسبقونها في الترتيب سيما ديون المادة 575 من م .م.ج، وقد لا تكفي أحيانا الأصول لتسديد جميع ديون المقاولة.
الأمر الذي يجعلنا نستخلص بأن الديون الجبائية الناشئة قبل فتح المسطرة تواجه العدد من العراقيل سيما على مستوى تحقيقها خلال مراحل التسوية التي تمر بها المقاولة، فهل ينطبق نفس الأمر على الديون الجبائية الناشئة بعد فتح المسطرة؟
وعلى ما سوف نعمل على إثارته في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: حالة الديون الجبائية الناشئة بعد فتح المسطرة:
برجوعنا إلى 575 من م .م .ج، نجدها تنص على أنه "يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات.
وعليه فإن المشرع منح وضعا امتيازيا لجميع الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة باعتبارهم يساهمون في تمويل المقاولة، عبر منح الائتمان لها في ظل الظروف الصعبة التي تجتازها، لذلك كان لا بد من أن يكون لهم في المقابل حق الأسبقية لاستيفاء ديونهم، لذلك سوف نحاول تقصي وضعية الديون الجبائية اللاحقة من خلال شروط استفادة الديون الجبائية من هذا من الامتياز (أ) قبل التعرض لكيفية تحصيل الديون الجبائية (ب).
أ-شروط استفادة الديون الجبائية من حق الأسبقية:
لكي تستفيد الديون الجبائية من الامتياز الممنوح بموجب المادة 575 من مدونة التجارة يجب أن تنشأ بعد افتتاح مساطر صعوبات المقاولة بحيث يكون الفعل المنشئ أو الواقعة المنشئة للضريبة بعد صدور الحكم، و على سبيل المثال حالة الديون التي ترتبط بالالتزامات الجبائية الناجمة عن مسطرة صعوبات المقاولة. ويعد التاريخ الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار لتحديد ما إذا كان الدين ناشئا قبل صدور الحكم أو بعده هو تاريخ النشأة لا تاريخ الاستحقاق، بحيث إذا نشأت الديون الجبائية بعد صدور الحكم فإنها تستفيد من حق الأسبقية بغض النظر عن تاريخ استحقاقها.
وتثار الكثير من الإشكالات في هذا الصدد في القضايا المعروضة على الإجتهاد القضائي سيما على مستوى اعتبار تاريخ الاستحقاق هو المعتمد لاعتبار الدين ناشئا بعد فتح المسطرة، إلا أننا نرى بأن الرأي الصواب هو أن تاريخ النشأة هو الذي يعتبر معيارا للحسم في مدى نشأة الدين الجبائي بعد فتح المسطرة من عدمه، ونشير إلى أن الواقعة المنشئة للدين الجبائي تختلف حسب نوع كل ضريبة.
فضلا عن ضرورة نشأة الدين الجبائي بعد فتح المسطرة، فيجب كذلك أن ينشأ بصفة قانونية، ويتحقق ذلك عندما تكون هذه الديون ناجمة عن العقود التي أبرمها السنديك، أو المدين تبعا لسلطات المخولة لكل منهما من لدن المشرع في ظل مساطر صعوبات المقاولة.
هذا فيما يتعلق بالشروط الواجبة لكي يستفيد الدين الجبائي من امتياز حق الأسبقية، فكيف يتم تحصيل هذه الديون؟
ب- تحصيل الديون الجبائية اللاحقة:
تكتسي الديون الجبائية الناشئة بعد صدور الحكم القاضي بفتح مساطر المعالجة طابعا امتيازيا مقارنة مع غيرها من الديون السابقة، لذلك فهي لا تواجه بالقيود التي تعرقل تحقيق هذه الأخيرة كما رأينا ذلك سابقا.
وعليه فالديون الجبائية اللاحقة غير معنية بمبدأ وقف المتابعات الفردية بحيث عند عدم استيفاء الخزينة لديونها عند حلول أجل الاستحقاق، فيمكنها سلوك جميع أنواع المتابعات وإجراءات التنفيذ في مواجهة الملزم المدين لتحصيل هذه الديون.
غير أنه إذا ما أهملت الخزينة العامة سلوك هذه المتابعات في الأجل القانوني، فإنها فيلحقها التقادم مما يتعين معه على الخزينة أن لا تهمل ممارسة هذه الإمكانية المخولة لها من لدن المشرع، رغم أنه في الواقع العملي نجد في الكثير من الأحيان أن حقوق الخزينة العامة في تحصيل الديون الجبائية تضيع نتيجة للتقادم.
فضلا عن ذلك فإن الديون الجبائية اللاحقة معفية من ضرورة التصريح بها بين يدي السنديك، وبالتالي فلا تسقط لعدم قيام الخزينة بالتصريح بها داخل الأجل القانوني. غير أن الخزينة العامة حفاظا منها على حقوقها فيجب عليها الاطلاع على قائمة الديون المودعة بكتابة الضبط، وذلك قصد التحقق من إيداع ديونها جميعا في هذه القائمة وهل تم احترام الترتيب الذي تحتله الخزينة.
فضلا عن حق الخزينة العامة في سلوك المتابعات الفردية والإعفاء من التصريح، فإنها يمكنها تقييد الامتيازات والضمانات التي تتوفر عليها، فضلا عن أنها تستفيد من سريان الفوائد والغرامات الناجمة عن التأخير على أساس أن كل هذه القيود لا تسري إلا في مواجهة الديون السابقة.
ويبقى لنا أن نتساءل عن كيفية تحصيل الخزينة لديونها؟
كما نعلم فإن الخزينة العامة لا تواجه بمبدأ منع أداء الديون بالنسبة لديونها اللاحقة، وعليه فعند اعتماد مخطط الاستمرارية فإن جميع الديون الناشئة خلال فترة الملاحظة تؤدي عند تاريخ استحقاقها دون الخضوع لأي تمديد للآجال، أو اقتراح تخفيضات بخصوص ديونها على أساس أن مقتضيات هذا المخطط لا تلزم إلا الديون السابقة.
أما خلال حصر مخطط التفويت أو إعلان التصفية القضائية فإن جميع الديون تصبح مستحقة نظرا لمبدأ سقوط آجال الديون غير الحالة.
وعليه يتم توزيع ثمن التفويت أو منتوج تصفية الأموال على الدائنين وفق الترتيب العام لهم، غير أننا نعيب على المشرع المغربي عدم اعتماده أي تصنيف لترتيب الدائنين اللاحقين في مواجهتهم مع باقي الدائنين بخلاف نظيره الفرنسي الذي اعتمد وضع تصنيف للدائنين سواء اللاحقين فيما بينهم أو في مواجهة
باقي الدائنين، وعليه يتم اعتماد التوزيع وفق الترتيب التالي:
(المصاريف القضائية.
امتياز الأجراء.
الديون اللاحقة وفقا للترتيب المعتمد عبر قائمة الديون.
الديون الناشئة قبل صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة).
وعليه فإن الخزينة العامة تحظى بوضع جدا امتيازي في تحصيل ديونها بالنسبة لتلك التي تعتبر ناشئة بعد فتح المسطرة رغم أن الأجراء يستوفون ديونهم قبلها نظرا للطابع المعيشي لهذه الديون.
يبقى لنا أن نثير الإشكال المتعلق بتزاحم الخزينة العامة باعتبارها دائنا لاحقا مع الدائن صاحب الرهن الحيازي الناشئ دينه قبل فتح المسطرة، فلمن تكون الأولوية بالرغم من كون الدين الجبائي اللاحق يحظى بحق الأسبقية؟
لقد اعتبر الفقه المقارن بأنه في حالة حصول نزاع بين الدائن اللاحق والدائن صاحب حق الحبس فإن الأولوية تكون لهذا الأخير بحيث يستوفي ديونه قبل الدائن الناشئ دينه بعد فتح المسطرة.
ونرى بأنه رغم الامتياز الذي تحظى به الخزينة العامة كدائن لاحق، فإنه عند وقوع تنازع مع الدائن صاحب الرهن الحيازي فإن الأولوية تكون لهذا الأخير باعتبار أن المال المحبوس يكون ضروريا لاستمرار نشاط المقاولة، وبالتالي يكون من الضروري الوفاء بديون هذا الدائن لفك المال المحبوس وبالتالي تؤدى ديونه قبل الخزينة العامة باعتبارها دائنا لاحقا.
لقد رأينا من خلال ما سبق مدى الامتياز الذي تحظى به الديون الجبائية الناشئة بعد فتح مسطرة صعوبات المقاولة، وذلك نتيجة لكون الخزينة تؤدي ديونها عند الاستحقاق وبالأسبقية على كل الديون بما فيها الديون المضمونة برهن أو امتياز، فقط عن عدم مواجهتها بالعراقيل والقيود التي تسري على الديون السابقة.
خاتـمة:
إننا نعيب على المشرع الجبائي عدم وضع قانون جبائي خاص بالمقاولات المتعرضة لصعوبات الأمر الذي يثير الكثير من الإشكالات على مستوى تحصيل الديون الضريبية، سيما إذا علمنا أنه في الواقع العملي كثيرا ما تضيع حقوق الخزينة نتيجة عدم التصريح بالديون خلال الأجل المنصوص عليه قانونا، أو نتيجة الخلط الذي يقع بين اعتبار الدين الجبائي ناشئا قبل أو بعد فتح المسطرة، ما يجعل حتى الإجراءات التنفيذية التي قد تسلكها الخزينة في مواجهة الملزم المدين غير ذات فائدة إذا ما سقط الدين الجبائي.
لذلك فإننا ندعو المشرع إلى التدخل سريعا لوضع مقتضيات خاصة توضح كيفية تحصيل الديون الجبائية المستحقة في مواجهة المدين المتعرض لصعوبات، وذلك حتى لا تضيع حقوق الخزينة التي تشكل مواردا مهمة لميزانية الدولة، وفي انتظار ذلك يبقى الأجل معقودا على الاجتهاد القضائي لكي يحاول الموازنة بين امتياز الخزينة أو مصلحة المقاولة المدينة.
----------------------------------------------------
هوامش :
- لمزيد من التفاصيل أنظر امحمد لفروجي: "صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها"، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء، ط 1، ص 332.
- (GUY) AMLON: "trésor public, droits et obligations recouvrement des créances fiscales", juris classur commercial, fascicule 2735, 3, 1993, p 4.
- أنظر المادة 659 من م. التج المقابلة للمادة 55 من قانون 25/1/1985 الفرنسي.
-(GUY) AMLON : "trésor public, droits et obligations, recouvrement des créances fiscales, op. cit, p 4.
- أنظر المواد 184-204 من المدونة العامة للضرائب.
- تنص المادة 662 من م التج على انه "لا يمكن للكفلاء متضامنين كانوا أم لا أن يتمسكوا:
2-بوقف سريان الفوائد المنصوص عليه في المادة 659".
- (GUY) AMLON: "trésor public, droits et obligations, recouvrement des créances fiscales", op. cit, p 4.
- "BOURGNINAND (Véronique) "Droit des entreprises en difficultés, ed économica. 1995, p 142.
-Pour plus de détails voir: (GUY) AMLON: "trésor public, droits et obligations …", op. cit, p 5.
- voir (GUY) AMLON: "le trésor public, …." Op. cit, p 6.
- أنظر المادة 617 من م التج.
- (GUY) AMLON : trésor public, droits et obligations, recouvrement des créances fiscales, op. cit, p 6.
- أنظر مقتضيات المادة 666 من م تج المقابلة للمادة 57 من قانون 25/1/1985.
- أحمد شكري السباعي: "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها" الجزء 3، دار النشر المعرفة، الرباط ط 2 2000، ص 254.
- pour plus de détails voir (GUY) AMLON: "trésor public …", op. cit, p 7-8.
- أنظر المادة 592 من م تج.
- أنظر المادتين 585 و587 من م التج.
- (GUY) AMLON: le trésor public …, op. cit, p 14.
- دعم رقم 408/2002 بتاريخ 14/10/2002، ملف رقم 2877/2002/10، منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، عدد 14 يناير 2004، ص 145.
- voir l’article 75 de la loi du 29/1/1985.
- pour plus de détails voir (GUY) AMLON: trésor public, …, op. cit, p 14-15.
- أنظر المادة 662 من م التج.
- أنظر مقتضيات المادتين 1242 و1244 من ق. ل. ع.
- يتم توزيع ثمن التفويت وفق الترتيب التالي:
- ديون الأجراء.
- ديون المادة 575 من م التج.
- الديون السابقة النشأة عن حكم فتح المسطرة (ومن ضمنها الديون الجبائية السابقة).
- أنظر المادة 662 من م التج.
- أنظر المادة 619 من م التج.
- تنص المادة 627 من م التج على أنه "يترتب عن الحكم القاضي بفتح التصفية القضائية حلول آجال الديون المؤجلة.
- أحمد شكري السباعي، "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها" الجزء 3، مرجع سابق ص 80.
- زكية عومري "آثار فتح مسطرة التسوية القضائية على الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة". رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة قانون التجارة والأعمال، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، 2004-2005، ص 97.
- أنظر مقتضيات المادة 630 من م التج.
- تنص المادة 628 من م التج على أنه "يمكن للدائنين المتوفرين على امتياز خاص أو على رهن حيازي أو رهن رسمي، وكذا للخزينة العامة بالنسبة لديونها الممتازة ممارسة حق في إجراء المتابعات الفردية إذا لم يقم السنديك بتصفية الأموال المنقلة داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح التصفية القضائية، وذلك شريطة أن يكونوا قد صرحوا بديونهم حتى وإن لم تقبل بعد".
- l’article 40 de la loi du 25/1/1985.
- pour plus de détails voir (Guy) AMLON: op. cit, p 16.
- أنظر مقتضيات المادة 698 من م التج.
- انظر مقتضيات المادتين 615 و627 من مدونة التجارة.
- (GUY) AMLON: "trésor public, …", op. cit, p 16.
- Ripert et Roblot par DELEBECQUE (Philippe) et GERMAN (Michel): "traité de droit commercial", L.G.D.J, 1996, p: 1221.
دراسة منشورة في جريدة العلم
استاذة زائرة بكلية السويسي، ومفتشة للضرائب
مما لا شك فيه أن الخزينة العامة تلعب دورا أساسيا في تحصيل الديون العمومية، والتي تشكل مواردا مهمة لميزانية الدولة. لذلك كان لزاما على المشرع العمل على حمايتها وذلك عبر تمتيعها بحق الامتياز المطلق بغية جلب الموارد العامة المخصصة لتغطية النفقات ويعرف الامتياز طبقا للمادة 1243 من ق. ل. ع بكونه: (حق أولوية يمنحه القانون على أموال المدين نظرا لسبب الدين).
وعليه فالامتياز الممنوح للخزينة العامة هو امتياز مقرر بموجب القانون نظرا لخصوصية الديون الجبائية. بحيث تحظى بوضعية امتيازية مقارنة مع باقي الدائنين على مستوى استخلاص ديونها.
غير أنه بصدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقولة في مواجهة الملزمين فإن امتياز الخزينة العامة يتأثر سلبا نتيجة القواعد التي تفرضها خصوصية هذه المسطرة، باعتبارها ترمي إلى حماية المقاولة المدينة واستمرار نشاطها حتى لو كان ذلك على حساب الدائنين ومن بينهم الخزينة العامة.
بحيث أن الامتياز الذي تحظى به الخزينة في ظل القواعد العامة يواجه الكثير من الصعوبات خلال سير هذه المساطر، نتيجة التضحيات التي تجبر الخزينة على تقديمها والضغوط الذي قد تفرض عليها لتحقيق مصلحة المقاولة المدينة الشيء الذي يجعل دراسة هذا الموضوع تكتسي الكثير من الاهتمام سيما على مستوى الواقع العملي وما يثيره من إشكالات تتجلى بالخصوص في معرفة العراقيل التي تؤثر سلبا على امتياز الخزينة العامة؟ وكيف سيتم تحقيق هذا الامتياز خلال سير مساطر صعوبات المقاولة؟
وعليه فلقد ارتأينا لمعالجة هذه الإشكالات تقسيم بحثنا هذا إلى مبحثين بحيث نعالج في المبحث الأول: (عرقلة امتياز الخزينة العامة بقيود عديدة) قبل أن نعالج في المبحث الثاني مدى تأثر تحقيق امتياز الخزينة العامة بمساطر صعوبات المقاولة.
المبحث الأول: عرقلة امتياز الخزينة العامة بقيود عديدة:
مما لا شك فيه أن الخزينة العامة تملك الامتياز بموجب القانون لتحصيل ديونها الجبائية، غير أن قانون مساطر صعوبات المقاولة يحد من هذا الامتياز نتيجة قواعده الخاصة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية المقاولة المدينة، لذلك تصادف الخزينة العديد من العراقيل التي تجعل وضعيتها أكثر تعقيدا بحيث يتم منعها من المطالبة بأداء ديونها (المطلب الأول)، وسريان الغرامات (المطلب الثاني)، وكذا المنع من سلوك المتابعات الفردية (المطلب الثالث)، وأخيرا المنع من إجراء التقييدات (المطلب الرابع).
المطلب الأول: المنع من أداء الديون:
بالرجوع إلى المادة 657 من م .م.ج، نجدها تنص على أنه: (يترتب عن حكم فتح المسطرة بقوة القانون منع أداء كل دين نشأ قبل صدوره) بحيث أن الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقاولة يمنع أداء أي دين نشأ سابقا، وعليه فلا يمكن تحصيل الضرائب الناشئة قبل صدور هذا الحكم، بناء على المقتضيات الآمرة الواردة أعلاه، وذلك لكون أي أداء يتم خرقا للمادة 53 من م .م.ج، بكون مصيره هو البطلان الوجوبي.
لذلك فإن وضع الخزينة العامة يصبح أكثر تعقيدا في ظل مساطر صعوبات المقاولة، إذ تجد نفسها مقيدة بمبدأ منع أداء الديون الذي سنه المشرع حفاظا على مصلحة المقاولة وحماية لاستمرار النشاط.
غير أنه يمكن للخزينة تفادي هذا الوضع وذلك عبر مطالبة الكفيل بأداء المبالغ غير المؤداة، وتكمن الغاية من تقرير هذا الاستثناء في كون مبدأ منع أداء الديون يسري في مواجهة المدين نظرا لخصوصية مساطر صعوبات المقاولة، بخلاف الكفيل الذي لا يمكنه بتاتا الاحتجاج بمبدأ منع أداء الديون، باعتباره أجنبيا عن المقاولة، ولأن قيامه بأداء ديون الخزينة العامة لن يؤثر على مصالح المقاولة لا تقتصر القيود التي تعرقل امتياز الخزينة العامة في مبدأ منع أداء الديون فقط، بل إنها تواجه كذلك قيد المنع من سريان الغرامات وذلك ما سوف نراه في النقطة الموالية.
المطلب الثاني: المنع من سريان الغرامات:
مما لا شك فيه أن تأخر الملزمين عن دفع ديونهم الجبائية أو التصريحات الواجبة عليهم في الآجال المحددة يخول للخزينة الحق في فرض الغرامات الناجمة عن هذا التأخير وكذا استيفائها طبقا للقواعد العامة غير أنه في ظل مساطر صعوبات المقاولة تتعطل هذه القاعدة إذ لا تسري القواعد سواء كانت قانونية أو اتفاقية، أو فوائد تأخير أو زيادات، وذلك رغبة في تخفيف العبء على المقاولة المدينة، وإنجاح المسطرة الجماعية. حيث أن الخزينة العمومية تمتنع عن تحصيل جميع غرامات التأخير الناتجة عن تأخر المقاولة المدينة في دفع الضرائب المستحقة في مواجهتها، وذلك ابتداء من تاريخ صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر المعالجة.
إلا أنه يرد استثناء على هذه القاعدة ويتعلق الأمر بحالة الغرامات الناجمة عن سبب آخر غير التأخير في دفع الضرائب، وذلك من قبيل تقديم التصريحات الغير الصحيحة أو الغير التامة، وفي حالة غياب تقديم الوثائق المحاسبية، أو تقديم وثائق غير تامة. وتطبق قاعدة وقف سريان الفوائد على الديون الجبائية المترتبة في ذمة المقاولة، والناشئة قبل صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر المعالجة.
وكما هو الشأن بالنسبة لمبدأ منع الأداء فإن الخزينة العامة يمكنها تحصيل الغرامات الناجمة عن التأخير في مواجهة الكفيل أكان متضامنا أم لا، لكونه لا يمكن التمسك بهذه القاعدة، باعتباره غير خاضع لخصوصية مساطر صعوبات المقاولة.
بخلاف موقف مشرع الفرنسي الذي اعتبر كل من الكفيل والشريك المتضامن مثلهما مثل المدين رئيس المقاولة، بحيث يمكنهما التمسك في مواجهة الخزينة العامة بمبدأ وقف سريان الفوائد، وبالتالي عدم إمكانية استخلاص الغرامات الناجمة عن التأخير في دفع الضرائب المترتبة في ذمة المدين الأصلي.
ونرى أن المشرع المغربي قد صادف الصواب حينما أقصى الكفيل من التمسك بمبدأ وقف سريان الفوائد الأمر الذي يجعل الخزينة العامة تتمكن من استيفاء الغرامات الناجمة عن التأخير في مواجهة الكفيل، بخلاف موقف المشرع الفرنسي الذي حرم الخزينة من الرجوع عليه مما يضر بحقوقها.
غير أنه يثار الإشكال المتعلق بالمدة التي يظل فيها هذا الوقف ساريا؟
بالرجوع إلى موقف المشرع المغربي فإننا نجده قد نص بموجب المادة 659 من م التج على أنه: (يوقف حكم فتح المسطرة سريان الفوائد القانونية والاتفاقية وكذا كل فوائد التأخير وكل زيادة)، الأمر الذي يؤكد بأن وقف سريان الفوائد يقتصر على فترة إعداد الحل فقط، وذلك لخصوصية هذه الفترة باعتبارها مرحلة ملاحظة يتم فيها اختيار الحل المناسب بحصر تسوية المقاولة المدينة، وعليه فإن الخزينة العامة تواجه بمبدأ وقف سريان الغرامات في فترة إعداد الحل فقط، بينما يمكنها الاحتجاج بسريانها بمجرد صدور الحكم القاضي بجعل مخطط الاستمرارية.
بينما بمقارنة الوضع مع المشرع الفرنسي فإننا نجده قد التزم الصمت بخصوص هذه النقطة بحيث لا نجد بين مقتضياته أية إشارة تسعفنا في تحديد التاريخ الذي يتم فيه استئناف سريان الفوائد إلى درجة أن بعض الفقه ذهب إلى اعتبار هذا الوقف يظل ساريا حتى مرحلة التصفية القضائية. ونرى أن الموقف المغربي هو الأجدر بالتأييد حتى تتمكن الخزينة العامة مثلها مثل باقي دائني المقاولة المدينة من استيفاء الفوائد المتعلقة بأصل الدين، ولكون قيد وقف سريان الغرامات لا يسري إلا في فترة إعداد الحل بخلاف باقي مراحل التسوية حيث يتم تصفية خصم المقاولة.
فضلا عن قيد وقف سريان الغرامات، فإن امتياز الخزينة العامة يعرقل كذلك بقيد المنع من ممارسة المتابعات الفردية، و ذلك ما سوف نعمل على إثارته في النقطة الموالية.
المطلب الثالث: المنع من ممارسة المتابعات الفردية:
بالرجوع إلى المادة 653 من م التج نجدها تنص على انه: (يوقف حكم فتح المسطرة ويمنع كل دعوى يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت قبل الحكم المذكور).
يلاحظ أن المشرع حاول قدر الإمكان توفير الحماية اللازمة للمقاولة المدينة، وذلك عبر سنه هذا المبدأ حتى لا تتم عرقلة مسطرة المعالجة، ولما يشكله وقف المتابعات الفردية من دور في الدفع بجميع الأطراف لمساعدة المقاولة، والتوقف عن أي إجراء من شأنه إفشال تسوية المقاولة.
لذلك فإن الخزينة العامة مثلها مثل باقي الدائنين الذين تنشأ ديونهم قبل فتح المسطرة، تمتنع عن مباشرة أية متابعة أو إجراء من إجراءات التنفيذ أو حتى الاستمرار فيها لاستيفاء الدين في مواجهة المدين. الأمر الذي يتطلب منا تحديد نطاق المتابعات، (أ)، قبل تحديد مدة سريان هذا الوقف (ب).
أ-نطاق المتابعات:
بمجرد صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقاولة تتوقف جميع الدعاوى وإجراءات التنفيذ التي شرعت الخزينة العامة في ممارستها قبلا بحيث أنها لا يمكنها الاستمرار في مسطرة الحجز التخصيصي إذا لم تكن قد حصلت على حكم حائز لقوة الشيء المقضي به قبل صدور الحكم، كما لا يمكنها كذلك الاستمرار في الحجز التنفيذي إذا لم يتم بيع الأموال المنقولة للمدين قبل الحكم بافتتاح المسطرة. فضلا عن ذلك فلا يمكن للخزينة العامة القيام بإجراء متابعات جديدة في مواجهة الملزم المتعرض لصعوبات المقاولة، وذلك من قبيل بيع الأصل التجاري، أو سلوك مسطرة إشعار الغير الحائز، أو أي إجراءات تحفظية. إلا أنه يرد استثناء فيما يتعلق بوقف ومنع المتابعات في مواجهة المدين بعد صدور الحكم القاضي بالمعالجة، ويتعلق الأمر بالحالة التي تكون فيها المتابعة حائزة لقوة الشيء المقضي به، قبل صدور هذا الحكم و ذلك من قبيل الحجز التحفظي، الحجز التنفيذي الحجز العقاري، إذ يمكن للخزينة سلوكه دون الاحتجاج بهذا المنع.
بعد تحديدنا لنطاق المتابعات التي تتوقف أو تمنع بعد صدور الحكم القاضي بالمعالجة، فإننا نتساءل عن المدة التي يظل فيها هذا المبدأ ساريا، وذلك ما سوف نراه في النقطة الموالية.
ب- مدة سريان هذا الوقف:
كما نعلم فإنه خلال فترة إعداد الحل تتوقف جميع المتابعات وإجراءات التنفيذ في مواجهة المقاولة المدينة، باعتبار أن المحكمة تسعى خلال هذه الفترة إلى إعداد الحل المناسب للمقاولة، الشيء الذي يقتضي منها توفير الحماية الكافية لعدم عرقلة مسطرة التسوية، إلا أن الأمر يختلف بعد نهاية هذه الفترة واعتماد المحكمة الحل المناسب للمقاولة.
خلال مخطط الاستمرارية:
كما نعلم فإنه لا يمكن اعتماد مخطط الاستمرارية إلا إذا كانت هناك إمكانات جدية لتسوية المقاولة، غير أن هذا المخطط يفرض الكثير من التضحيات على الدائنين لإنجاح عملية التسوية مقابل التزام المدين بالاستحقاقات التي يفرضها عليه المخطط وباعتبار الخزينة من بين دائني المقاولة فإنها تلتزم بتقديم التضحيات اللازمة لإيضاح هذا المخطط، وبالتالي فلا يمكنها بتاتا إجراء أو الاستمرار في أية متابعات. غير أن المشرع الفرنسي اعتبر أنها يمكنها ذلك في الحالة التي لا يلتزم فيها الخاضع للضريبة المتعرض لمساطر المعالجة بالاستحقاقات التي يفرضها عليه مخطط الاستمرارية لتصفية الخصوم، وكذا عند غياب فسخ هذا المخطط.
مخطط التفويت:
إلى جانب مخطط الاستمرارية قد تعتمد المحكمة مخطط التفويت بعد اختيار العرض المناسب للمقاولة المقدم من لدن الأغيار.
هذا المخطط الذي يفرض هو الآخر تضحيات وعراقيل في مواجهة الدائنين، بحيث لا يوجد أي نص تشريعي في مدونة التجارة يمنح للخزينة إمكانية سلوك المتابعات الفردية في مواجهة المدين الملزم، وعليه فهي تبقى مقيدة خلال هذا المخطط أيضا، اللهم إلا في حالة قيام المفوت إليه بتفويت المقاولة إلى مشتري ثان قبل الأداء الكلي للثمن فحينها يحق للخزينة العامة ممارسة حق التتبع في مواجهة هذا المشتري.
فما هو الأمر بالنسبة لمرحلة التصفية القضائية؟
مرحلة التصفية القضائية:
كما هو الشأن بالنسبة لمراحل التسوية القضائية فإن الخزينة العامة لا يحق لها القيام بإجراء المتابعات الفردية في مواجهة المدين إلا في حالة واحدة و التي تتعلق بعدم قيام السنديك بتصفية الأموال داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح التصفية القضائية وذلك بموجب المادة 628 من مدونة المحاكم التجارية، لكن شرط أن تكون هذه الديون مضمونة أو امتيازية عبر تقييد رهني، وكذا أن تكون الخزينة قد صرحت بها.
إلى جانب القيود السابقة التي تواجه الخزينة العامة فإنها تمتنع كذلك من إجراء أي تقييد للامتياز الذي تحظى به بعد صدور الحكم القاضي بمساطر المعالجة، وذلك ما سوف نراه في النقطة الموالية.
المطلب الرابع: المنع من إجراء التقييدات:
طبقا لمقتضيات المادة 666 من م .م.ج، فلا يمكن للخزينة العامة القيام بإجراء أي تقييد للرهون والامتيازات الناشئة قبل صدور الحكم القاضي بفتح مساطر المعالجة في مواجهة المقاولة المدينة.
وتكمن الغاية من هذا المنع في حماية مصلحة المقاولة وإقرار مبدأ المساواة بين الدائنين.
وبالتساؤل عن طبيعة التقييدات الممنوعة على الخزينة العامة فإننا نجد أن المشرع نص بصريح العبارة على أن المنع يشمل جميع الرهون والامتيازات بدون أي تمييز سواء كانت واردة على عقارات، منقولات، رهون رسمية أم لا، اتفاقية أم قانونية، عامة أم خاصة.
أما بخصوص المدة التي يظل فيها ساريا هذا المنع فلا نجد أية إشارة صريحة أو ضمنية تحيلنا على التاريخ الذي ينتهي فيه هذا القيد، الأمر الذي يؤكد أن هذا القيد يبتدئ من تاريخ افتتاح مساطر صعوبات المقاولة إلى غاية إقفال المسطرة.
ونرى أن إغفال تحديد مدة معينة يسري فيها مبدأ منع التقييدات وإن كان يسير في اتجاه حماية مصلحة المقاولة المدينة حتى لا تزيد خصومها فإنه بالمقابل يضر بوضعية الدائنين سيما أولئك الحاملين لضمانات أو امتيازات، بحيث يحرمون من تقييدها وإمكانية تحولهم إلى دائنين حاملين لضمانات أو امتيازات، الأمر الذي يعقد وضعية الخزينة العامة إذا أهملت تقييد الضمانات أو الامتيازات التي تتوفر عليها قبل صدور الحكم القاضي بافتتاح المساطر مما يؤثر سلبا على موارد الدولة.
وإذا كان المشرع المغربي لم يضع أي استثناء على مبدأ منع التقييدات بعد افتتاح المسطرة فإنه بالمقابل قد وضع المشرع الفرنسي بموجب المادة 57 من قانون 25/1/85 استثناء على هذا المبدأ ويتعلق الأمر بكل من امتياز الخزينة العامة، وامتياز بائع الأصل التجاري.
بحيث أن الخزينة العامة يمكنها الاحتفاظ بامتيازها وذلك بالنسبة للديون التي لم يتم تقييدها في تاريخ صدور الحكم، وكذا بالنسبة للديون التي تكون موضع تحصيل بعد هذا التاريخ، شرط أن تكون هذه الديون خاضعة للإشهار ولم ينتهي أجل تقييدها لدى صدور الحكم.
أما بالنسبة للرهن الرسمي القانوني الذي تملكه الخزينة العامة على عقارات الملزم بالضريبة فإنه لا توجد أية إشارة من لدن المشرع بموجب المادة 57 من قانون 25/1/1985 على إقصاء هذا الرهن من مبدأ منع التقييدات. بحيث لا يمكن للخزينة تقييد هذا الرهن بعد خضوع الملزم لمساطر المعالجة بخلاف الحالة التي يتعلق فيها الأمر بتجديد Transcription قد تم قبل صدور الحكم في المحافظة المكلفة بتقييد الرهون.
لقد رأينا من خلال ما سبق أنه رغم الامتياز الذي تحظى به الخزينة العامة في ظل القواعد العامة، فإنها تصادف الكثير من القيود التي تعرقل ممارسة امتيازها خلال خضوع الملزم بالضريبة لمساطر المعالجة نظرا لكون غاية المشرع تتجه أساسا إلى حماية المدين مما يفقد هذا الامتياز من محتواه.
الأمر الذي يدفع بنا إلى التساؤل عن كيفية تحقيق امتياز الخزينة العامة خلال سير مساطر المعالجة، والآثار التي ترتبها هذه الأخيرة على هذا الامتياز وذلك ما سوف نراه في المبحث الموالي.
المبحث الثاني: مدى تأثر تحقيق امتياز الخزينة العامة بمساطر صعوبات المقاولة:
نظرا لكون الخزينة العامة دائنا من بين دائني المقاولة المتعرضة لصعوبات، فإنه يحق لها المطالبة بأداء ديونها المستحقة في مواجهة الملزم المدين، غير أن مساطر صعوبات المقاولة ترتب العديد من الآثار على تحقيق امتياز الخزينة الأمر الذي يثير الكثير من الإشكالات على مستوى استخلاص الديون الجبائية، سيما إذا علمنا أنه بإجراء مقارنة بين وضعية الديون الجبائية السابقة، واللاحقة، فإن الفئة الأولى من الديون تتضرر خلال مراحل تسوية المقاولة أو التصفية القضائية أكثر من وضعية الديون اللاحقة التي متعها المشرع بحق الأسبقية في الأداء.
لذلك سوف نتعرض أولا لحالة الديون الجبائية السابقة عن نشأة الحكم (1) قبل التعرض إلى حالة الديون الجبائية اللاحقة لنشأة الحكم (المطلب 2).
المطلب الأول: حالة الديون الجبائية السابقة عن نشأة الحكم :
نقصد بالديون الجبائية السابقة تلك التي تنشأ قبل صدور الحكم القاضي بافتتاح مساطر صعوبات المقاولة بغض النظر عن تاريخ استحقاقها، وسوف نحاول مناقشة تأثر تحقيق هذه الديون سواء من خلال مراحل تسوية المقاولة (مخطط الاستمرارية والتفويت) أو سواء من خلال مرحلة التصفية القضائية.
أ-خلال مخطط الاستمرارية:
مما لا شك فيه أن اعتماد مخطط الاستمرارية يعد الحل الأنسب للمقاولة باعتباره يسهل عملية التسوية ويحافظ على استمرار النشاط غير أنه لا يتم، الحكم به من لدن المحكمة إلا في حالة وجود إمكانات جدية لتسوية المقاولة.
ويرتكز مخطط الاستمرارية أساسا على تصفية الخصوم والتي تتم عبر استشارة الدائنين حول استحقاقات هذا المخطط.
بحيث أن السنديك يقوم باستشارة الخزينة العامة باعتبارها من بين الدائنين السابقين لنشأة الحكم إما بطريقة فردية أو جماعية و ذلك حول الآجال والتخفيضات التي يقترحها لضمان نجاح المخطط.
وتلتزم الخزينة بالجواب على رسالة السنديك خلال 30 يوما من تاريخ التوصل، لكون عدم الجواب خلال الأجل القانوني يعتبر بمثابة موافقة منها على اقتراحات السنديك.
ويلاحظ أن الخزينة تقدم الكثير من التضحيات خلال هذه الفترة وذلك لكون السنديك قد يقترح عليها تمديد آجال الأداء أو الموافقة على تقديم تخفيضات، أو تفويت رتبة الامتياز أو الرهن الذي تتوفر عليه أو حتى التخلي عن الضمانات التي تملكها.
الأمر الذي يعقد وضعية الخزينة ويبدو ذلك من زاويتين: بحيث في الحالة التي قد تقبل فيها الخزينة الآجال والتخفيضات المقترحة من لدن السنديك، فإن المحكمة تقوم بالإشهاد على ذلك غير أنها قد تزيد من التخفيضات التي قدمتها الخزينة مما يشكل إجحافا بحقوقها لكون ذلك يؤثر على قيمة الدين المستحق في مواجهة الملزم بالضريبة.
أما في الحالة التي لا توافق فيها الخزينة على الآجال والتخفيضات المقترحة، فإن المحكمة تقوم بفرض آجال موحدة عليها كباقي الدائنين إلا أنها لا يمكنها فرض تخفيضات بالنسبة لديونها، ونلاحظ أن هذه السلطة الممنوحة للمحكمة من شانها الإضرار بمصالح الخزينة، والتأثير على الامتياز الذي تتوفر عليه طبقا للقواعد العامة، وذلك لكونها تضطر إلى انتظار الآجال المفروضة عليها لاستيفاء ديونها في مواجهة المدين فضلا عن التخفيضات التي تقبل بها.
وحتى بالرجوع إلى الاجتهاد القضائي فإننا نجده هو الآخر قد أيد مسألة فرض الآجال الموحدة من لدن المحكمة بحيث اعتبر الحكم الصادر عن المحكمة التجارية بالبيضاء بتاريخ 14/10/2002 في إحدى حيثياته بأنه (… إن مقترحات التسوية المقدمة من طرف السنديك إلى الدائنين، وإن لم تحظ بقبول البنك الشعبي وسوجليز، فإن للمحكمة أن تفرض آجالا موحدة للأداء طبقا للمادة 598 من م .م ج، خاصة وأن مصالح الدائنين تبقى دائما محفوظة ومصانة سواء عبر مخطط الاستمرارية الذي يضمن لهم استخلاص ديونهم، أو بواسطة فتح مخطط الاستمرارية وتقرير التصفية القضائية للمقاولة حالة إخلالها بالتزاماتها أو التملص من تنفيذها مما يتعين معه التصريح بحصر مخطط الاستمرارية).
غير أن المشرع منح للخزينة إمكانية استفاء ديونها في أجل قريب مقارنة مع الآجال التي أشهدت عليها المحكمة لكن شرط قبولها بتخفيض من مبلغ الدين الأصلي.
وفي جميع الحالات فإن المدين يلزم بأداء ديون الخزينة وفقا للاستحقاقات المحددة عبر مخطط الاستمرارية لأنه عند عدم احترام الملزم المدين لإجراءات تسوية الديون الجبائية فيحق أن للخزينة العامة طلب فسخ هذا المخطط.
وأخيرا نشير إلى أن الخزينة يمكنها الرجوع في الكفيل لاستخلاص ديونها كاملة وبدون تقسيط، وذلك لكون هذا الأخير لا يمكنه الاحتجاج بمقتضيات مخطط الاستمرارية سواء فيما يتعلق بالآجال أو التخفيضات.
هذا فيما يتعلق بوضعية الديون الجبائية خلال مخطط الاستمرارية فكيف يكون الأمر خلال مخطط التفويت؟
ب-خلال مخطط التفويت:
يعتبر مخطط التفويت حلا آخر من حلول تسوية المقاولة بحيث يتم اعتماده من لدن المحكمة بعد اختيار العرض المناسب من لدن الأغيار.
وينعكس هذا المخطط هو الآخر على تحقيق الديون الجبائية، وإن كان قد يبدو أحسن حلا من حيث أنه لا يفرض تحمل الآجال والتخفيضات من لدن الدائنين.
إذ بناء على مقتضيات المادة 615 من م .م.ج، فإن الخزينة العامة يمكنها استيفاء ديونها دون الحاجة إلى انتظار حلول آجال الديون، باعتبار أنه من بين أهم آثار مخطط التفويت هو سقوط آجال الديون، واستحقاق جميع الديون غير الحالة.
ونرى ان هذا المقتضى يكون في صالح الخزينة بحيث تتمكن من الحصول على ديونها المستحقة في مواجهة الملزم المدين، وذلك دون أن يحتج أمامها بأي تمديد في الآجال أو أي تقديم لتخفيضات.
وبخصوص كيفية استيفاء الخزينة العامة لديونها فإن السنديك يقوم بتوزيع ثمن التفويت على الدائنين حسب مرتبة كل واحد منهم، على أساس أن الأولوية تكون للدائنين الممتازين، لذلك فدين الخزينة باعتباره ممتازا يعد مقدما على جميع الديون بما فيها تلك المضمونة برهون رسمية.
غير أنه رغم هذا الامتياز الممنوح للخزينة فإنه عند قيام السنديك بتوزيع الثمن فلا تؤدى ديونها في المرتبة الأولى وذلك على أساس وجود دائنين آخرين يسبقونها في الآداء.
لا يقتصر الأمر على ذلك، بل حتى في الحالة التي يتم فيها تفويت مال مثقل بامتياز خاص أو برهن رسمي فإن المحكمة تقوم بتخصيص حصة من ثمن البيع لأداء ديون الدائنين ومن بينها الخزينة العامة التي تحظى بالامتياز. غير أنه غالبا ما يكون ثمن التفويت غير كافي لتسديد ديونها، أو قد لا يشكل القيمة الحقيقية للامتياز أو الضمان الأمر الذي يضر بمصلحة الخزينة العامة.
غير أن الإشكال الذي يطرح هو هل من حق الخزينة العامة الرجوع على الكفيل لاستخلاص ديونها؟
بالرجوع إلى مقتضيات المواد القانونية المنظمة لمخطط التفويت فلا نجد ما يسعفنا في الجواب عن هذا الإشكال، بخلاف ما عليه الأمر بالنسبة لمخطط الاستمرارية حيث يمكن للخزينة الرجوع على الكفيل لكون هذا الأخير لا يحق له التمسك بمقتضيات هذا المخطط.
غير أننا نرى أنه يمكن القياس على المقتضيات المتعلقة بمخطط الاستمرارية، وعليه يمكن للخزينة العامة الرجوع على الكفيل لاستخلاص ديونها سيما وأنه تبعا للقواعد العامة فإن الكفالة تتبع الالتزام الأصلي، بخلاف الديون اللاحقة لعقد التفويت فلا يتحملها الكفيل على اعتبار أنه لا يلتزم إلا في مواجهة المدين الأصلي فقط.
هذا فيما يتعلق بحالة التفويت وآثارها على وضعية الديون الجبائية السابقة فكيف يكون الأمر بالنسبة لحالة التصفية القضائية؟
ج-خلال مرحلة التصفية القضائية :
يتم التصريح بالتصفية القضائية في الحالة التي يتبين فيها استحالة معالجة المقاولة المدينة بشكل لا رجعة فيه.
ومما لا شك فيه أن مصالح الدائنين تتأثر خلال هذه المرحلة كباقي المراحل التي تمر بها المقاولة.
وأولى الآثار التي ترتبها التصفية القضائية على الخزينة العامة باعتبارها دائنا هي قاعدة سقوط آجال الديون كما هو الشأن بالنسبة لمرحلة مخطط التفويت.
ونرى أن هذا المبدأ يساهم في تحقيق المساواة بين الدائنين. و هذا فيه فائدة للخزينة لكونها لا تضطر إلى انتظار حلول آجال استيفاء ديونها، مما يجعل وضعيتها أحسن مقارنة مع مخطط الاستمرارية والذي يفرض عليها آجالا قد لا تكون دوما في صالحها. وكما تسري هذه القاعدة تجاه المدين، فإنها تسري كذلك في مواجهة الكفيل سواء كان متضامنا أم لا بخلاف شريك المدين فلا يواجه بذلك لعدم وجود نص صريح يخوله هذه الإمكانية، ونظرا لكون الاستثناء لا يجوز القياس عليه.
أما بالنسبة لكيفية تسديد ديون الخزينة العامة فإن السنديك يقوم بتوزيع ناتج تحقيق الأصول حسب المراكز القانونية لكل دائن على حدى:
(الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح مسطرة التسوية القضائية وذلك بموجب المادة 575 من مدونة المحاكم التجارية.
الدائن المرتهن الحائز حق الحبس.
الدائنين المتوفرين على الرهن الرسمي والامتيازات الخاصة على عقارات.
الدائنون أصحاب الامتيازات الخاصة على منقول.
الدائنون أصحاب الامتيازات العامة على منقول.
الدائنون العاديون.)
وتستوفي الخزينة العامة ديونها حسب المرتبة التي تحتلها بالمحاصة.
ويمكن للخزينة العامة باعتبارها دائنا امتيازيا القيام بإجراء المتابعات الفردية في مواجهة الملزم المدين خلال مرحلة التصفية القضائية.
ورغم أن التصفية القضائية ترتب سقوط آجال الديون و كذا تصفية الخصوم من خلال بيع الأموال، إلا أن وضع الخزينة العامة لا يمكن اعتباره بالوضع الامتيازي نظرا للدائنين الذين يسبقونها في الترتيب سيما ديون المادة 575 من م .م.ج، وقد لا تكفي أحيانا الأصول لتسديد جميع ديون المقاولة.
الأمر الذي يجعلنا نستخلص بأن الديون الجبائية الناشئة قبل فتح المسطرة تواجه العدد من العراقيل سيما على مستوى تحقيقها خلال مراحل التسوية التي تمر بها المقاولة، فهل ينطبق نفس الأمر على الديون الجبائية الناشئة بعد فتح المسطرة؟
وعلى ما سوف نعمل على إثارته في المطلب الموالي.
المطلب الثاني: حالة الديون الجبائية الناشئة بعد فتح المسطرة:
برجوعنا إلى 575 من م .م .ج، نجدها تنص على أنه "يتم سداد الديون الناشئة بصفة قانونية بعد صدور حكم فتح التسوية بالأسبقية على كل ديون أخرى سواء أكانت مقرونة أم لا بامتيازات أو بضمانات.
وعليه فإن المشرع منح وضعا امتيازيا لجميع الدائنين الناشئة ديونهم بعد فتح المسطرة باعتبارهم يساهمون في تمويل المقاولة، عبر منح الائتمان لها في ظل الظروف الصعبة التي تجتازها، لذلك كان لا بد من أن يكون لهم في المقابل حق الأسبقية لاستيفاء ديونهم، لذلك سوف نحاول تقصي وضعية الديون الجبائية اللاحقة من خلال شروط استفادة الديون الجبائية من هذا من الامتياز (أ) قبل التعرض لكيفية تحصيل الديون الجبائية (ب).
أ-شروط استفادة الديون الجبائية من حق الأسبقية:
لكي تستفيد الديون الجبائية من الامتياز الممنوح بموجب المادة 575 من مدونة التجارة يجب أن تنشأ بعد افتتاح مساطر صعوبات المقاولة بحيث يكون الفعل المنشئ أو الواقعة المنشئة للضريبة بعد صدور الحكم، و على سبيل المثال حالة الديون التي ترتبط بالالتزامات الجبائية الناجمة عن مسطرة صعوبات المقاولة. ويعد التاريخ الذي يجب أن يؤخذ في الاعتبار لتحديد ما إذا كان الدين ناشئا قبل صدور الحكم أو بعده هو تاريخ النشأة لا تاريخ الاستحقاق، بحيث إذا نشأت الديون الجبائية بعد صدور الحكم فإنها تستفيد من حق الأسبقية بغض النظر عن تاريخ استحقاقها.
وتثار الكثير من الإشكالات في هذا الصدد في القضايا المعروضة على الإجتهاد القضائي سيما على مستوى اعتبار تاريخ الاستحقاق هو المعتمد لاعتبار الدين ناشئا بعد فتح المسطرة، إلا أننا نرى بأن الرأي الصواب هو أن تاريخ النشأة هو الذي يعتبر معيارا للحسم في مدى نشأة الدين الجبائي بعد فتح المسطرة من عدمه، ونشير إلى أن الواقعة المنشئة للدين الجبائي تختلف حسب نوع كل ضريبة.
فضلا عن ضرورة نشأة الدين الجبائي بعد فتح المسطرة، فيجب كذلك أن ينشأ بصفة قانونية، ويتحقق ذلك عندما تكون هذه الديون ناجمة عن العقود التي أبرمها السنديك، أو المدين تبعا لسلطات المخولة لكل منهما من لدن المشرع في ظل مساطر صعوبات المقاولة.
هذا فيما يتعلق بالشروط الواجبة لكي يستفيد الدين الجبائي من امتياز حق الأسبقية، فكيف يتم تحصيل هذه الديون؟
ب- تحصيل الديون الجبائية اللاحقة:
تكتسي الديون الجبائية الناشئة بعد صدور الحكم القاضي بفتح مساطر المعالجة طابعا امتيازيا مقارنة مع غيرها من الديون السابقة، لذلك فهي لا تواجه بالقيود التي تعرقل تحقيق هذه الأخيرة كما رأينا ذلك سابقا.
وعليه فالديون الجبائية اللاحقة غير معنية بمبدأ وقف المتابعات الفردية بحيث عند عدم استيفاء الخزينة لديونها عند حلول أجل الاستحقاق، فيمكنها سلوك جميع أنواع المتابعات وإجراءات التنفيذ في مواجهة الملزم المدين لتحصيل هذه الديون.
غير أنه إذا ما أهملت الخزينة العامة سلوك هذه المتابعات في الأجل القانوني، فإنها فيلحقها التقادم مما يتعين معه على الخزينة أن لا تهمل ممارسة هذه الإمكانية المخولة لها من لدن المشرع، رغم أنه في الواقع العملي نجد في الكثير من الأحيان أن حقوق الخزينة العامة في تحصيل الديون الجبائية تضيع نتيجة للتقادم.
فضلا عن ذلك فإن الديون الجبائية اللاحقة معفية من ضرورة التصريح بها بين يدي السنديك، وبالتالي فلا تسقط لعدم قيام الخزينة بالتصريح بها داخل الأجل القانوني. غير أن الخزينة العامة حفاظا منها على حقوقها فيجب عليها الاطلاع على قائمة الديون المودعة بكتابة الضبط، وذلك قصد التحقق من إيداع ديونها جميعا في هذه القائمة وهل تم احترام الترتيب الذي تحتله الخزينة.
فضلا عن حق الخزينة العامة في سلوك المتابعات الفردية والإعفاء من التصريح، فإنها يمكنها تقييد الامتيازات والضمانات التي تتوفر عليها، فضلا عن أنها تستفيد من سريان الفوائد والغرامات الناجمة عن التأخير على أساس أن كل هذه القيود لا تسري إلا في مواجهة الديون السابقة.
ويبقى لنا أن نتساءل عن كيفية تحصيل الخزينة لديونها؟
كما نعلم فإن الخزينة العامة لا تواجه بمبدأ منع أداء الديون بالنسبة لديونها اللاحقة، وعليه فعند اعتماد مخطط الاستمرارية فإن جميع الديون الناشئة خلال فترة الملاحظة تؤدي عند تاريخ استحقاقها دون الخضوع لأي تمديد للآجال، أو اقتراح تخفيضات بخصوص ديونها على أساس أن مقتضيات هذا المخطط لا تلزم إلا الديون السابقة.
أما خلال حصر مخطط التفويت أو إعلان التصفية القضائية فإن جميع الديون تصبح مستحقة نظرا لمبدأ سقوط آجال الديون غير الحالة.
وعليه يتم توزيع ثمن التفويت أو منتوج تصفية الأموال على الدائنين وفق الترتيب العام لهم، غير أننا نعيب على المشرع المغربي عدم اعتماده أي تصنيف لترتيب الدائنين اللاحقين في مواجهتهم مع باقي الدائنين بخلاف نظيره الفرنسي الذي اعتمد وضع تصنيف للدائنين سواء اللاحقين فيما بينهم أو في مواجهة
باقي الدائنين، وعليه يتم اعتماد التوزيع وفق الترتيب التالي:
(المصاريف القضائية.
امتياز الأجراء.
الديون اللاحقة وفقا للترتيب المعتمد عبر قائمة الديون.
الديون الناشئة قبل صدور الحكم القاضي بفتح المسطرة).
وعليه فإن الخزينة العامة تحظى بوضع جدا امتيازي في تحصيل ديونها بالنسبة لتلك التي تعتبر ناشئة بعد فتح المسطرة رغم أن الأجراء يستوفون ديونهم قبلها نظرا للطابع المعيشي لهذه الديون.
يبقى لنا أن نثير الإشكال المتعلق بتزاحم الخزينة العامة باعتبارها دائنا لاحقا مع الدائن صاحب الرهن الحيازي الناشئ دينه قبل فتح المسطرة، فلمن تكون الأولوية بالرغم من كون الدين الجبائي اللاحق يحظى بحق الأسبقية؟
لقد اعتبر الفقه المقارن بأنه في حالة حصول نزاع بين الدائن اللاحق والدائن صاحب حق الحبس فإن الأولوية تكون لهذا الأخير بحيث يستوفي ديونه قبل الدائن الناشئ دينه بعد فتح المسطرة.
ونرى بأنه رغم الامتياز الذي تحظى به الخزينة العامة كدائن لاحق، فإنه عند وقوع تنازع مع الدائن صاحب الرهن الحيازي فإن الأولوية تكون لهذا الأخير باعتبار أن المال المحبوس يكون ضروريا لاستمرار نشاط المقاولة، وبالتالي يكون من الضروري الوفاء بديون هذا الدائن لفك المال المحبوس وبالتالي تؤدى ديونه قبل الخزينة العامة باعتبارها دائنا لاحقا.
لقد رأينا من خلال ما سبق مدى الامتياز الذي تحظى به الديون الجبائية الناشئة بعد فتح مسطرة صعوبات المقاولة، وذلك نتيجة لكون الخزينة تؤدي ديونها عند الاستحقاق وبالأسبقية على كل الديون بما فيها الديون المضمونة برهن أو امتياز، فقط عن عدم مواجهتها بالعراقيل والقيود التي تسري على الديون السابقة.
خاتـمة:
إننا نعيب على المشرع الجبائي عدم وضع قانون جبائي خاص بالمقاولات المتعرضة لصعوبات الأمر الذي يثير الكثير من الإشكالات على مستوى تحصيل الديون الضريبية، سيما إذا علمنا أنه في الواقع العملي كثيرا ما تضيع حقوق الخزينة نتيجة عدم التصريح بالديون خلال الأجل المنصوص عليه قانونا، أو نتيجة الخلط الذي يقع بين اعتبار الدين الجبائي ناشئا قبل أو بعد فتح المسطرة، ما يجعل حتى الإجراءات التنفيذية التي قد تسلكها الخزينة في مواجهة الملزم المدين غير ذات فائدة إذا ما سقط الدين الجبائي.
لذلك فإننا ندعو المشرع إلى التدخل سريعا لوضع مقتضيات خاصة توضح كيفية تحصيل الديون الجبائية المستحقة في مواجهة المدين المتعرض لصعوبات، وذلك حتى لا تضيع حقوق الخزينة التي تشكل مواردا مهمة لميزانية الدولة، وفي انتظار ذلك يبقى الأجل معقودا على الاجتهاد القضائي لكي يحاول الموازنة بين امتياز الخزينة أو مصلحة المقاولة المدينة.
----------------------------------------------------
هوامش :
- لمزيد من التفاصيل أنظر امحمد لفروجي: "صعوبات المقاولة والمساطر القضائية الكفيلة بمعالجتها"، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء، ط 1، ص 332.
- (GUY) AMLON: "trésor public, droits et obligations recouvrement des créances fiscales", juris classur commercial, fascicule 2735, 3, 1993, p 4.
- أنظر المادة 659 من م. التج المقابلة للمادة 55 من قانون 25/1/1985 الفرنسي.
-(GUY) AMLON : "trésor public, droits et obligations, recouvrement des créances fiscales, op. cit, p 4.
- أنظر المواد 184-204 من المدونة العامة للضرائب.
- تنص المادة 662 من م التج على انه "لا يمكن للكفلاء متضامنين كانوا أم لا أن يتمسكوا:
2-بوقف سريان الفوائد المنصوص عليه في المادة 659".
- (GUY) AMLON: "trésor public, droits et obligations, recouvrement des créances fiscales", op. cit, p 4.
- "BOURGNINAND (Véronique) "Droit des entreprises en difficultés, ed économica. 1995, p 142.
-Pour plus de détails voir: (GUY) AMLON: "trésor public, droits et obligations …", op. cit, p 5.
- voir (GUY) AMLON: "le trésor public, …." Op. cit, p 6.
- أنظر المادة 617 من م التج.
- (GUY) AMLON : trésor public, droits et obligations, recouvrement des créances fiscales, op. cit, p 6.
- أنظر مقتضيات المادة 666 من م تج المقابلة للمادة 57 من قانون 25/1/1985.
- أحمد شكري السباعي: "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها" الجزء 3، دار النشر المعرفة، الرباط ط 2 2000، ص 254.
- pour plus de détails voir (GUY) AMLON: "trésor public …", op. cit, p 7-8.
- أنظر المادة 592 من م تج.
- أنظر المادتين 585 و587 من م التج.
- (GUY) AMLON: le trésor public …, op. cit, p 14.
- دعم رقم 408/2002 بتاريخ 14/10/2002، ملف رقم 2877/2002/10، منشور بالمجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، عدد 14 يناير 2004، ص 145.
- voir l’article 75 de la loi du 29/1/1985.
- pour plus de détails voir (GUY) AMLON: trésor public, …, op. cit, p 14-15.
- أنظر المادة 662 من م التج.
- أنظر مقتضيات المادتين 1242 و1244 من ق. ل. ع.
- يتم توزيع ثمن التفويت وفق الترتيب التالي:
- ديون الأجراء.
- ديون المادة 575 من م التج.
- الديون السابقة النشأة عن حكم فتح المسطرة (ومن ضمنها الديون الجبائية السابقة).
- أنظر المادة 662 من م التج.
- أنظر المادة 619 من م التج.
- تنص المادة 627 من م التج على أنه "يترتب عن الحكم القاضي بفتح التصفية القضائية حلول آجال الديون المؤجلة.
- أحمد شكري السباعي، "الوسيط في مساطر الوقاية من الصعوبات التي تعترض المقاولة ومساطر معالجتها" الجزء 3، مرجع سابق ص 80.
- زكية عومري "آثار فتح مسطرة التسوية القضائية على الدائنين الناشئة ديونهم قبل فتح المسطرة". رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص وحدة قانون التجارة والأعمال، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية الرباط، 2004-2005، ص 97.
- أنظر مقتضيات المادة 630 من م التج.
- تنص المادة 628 من م التج على أنه "يمكن للدائنين المتوفرين على امتياز خاص أو على رهن حيازي أو رهن رسمي، وكذا للخزينة العامة بالنسبة لديونها الممتازة ممارسة حق في إجراء المتابعات الفردية إذا لم يقم السنديك بتصفية الأموال المنقلة داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ صدور الحكم القاضي بفتح التصفية القضائية، وذلك شريطة أن يكونوا قد صرحوا بديونهم حتى وإن لم تقبل بعد".
- l’article 40 de la loi du 25/1/1985.
- pour plus de détails voir (Guy) AMLON: op. cit, p 16.
- أنظر مقتضيات المادة 698 من م التج.
- انظر مقتضيات المادتين 615 و627 من مدونة التجارة.
- (GUY) AMLON: "trésor public, …", op. cit, p 16.
- Ripert et Roblot par DELEBECQUE (Philippe) et GERMAN (Michel): "traité de droit commercial", L.G.D.J, 1996, p: 1221.
دراسة منشورة في جريدة العلم