مقدمة:
في 24 غشت عام 1994 وقعت أول أعمال تفجير فوق التراب المغربي عندما استهدف مسلحون متطرفون جزائريون فندق أطلس أسني بمدينة مراكش العاصمة السياحية للمغرب, و ذلك بهدف خلق صورة أن المغرب دولة لا تعرف أمنا ولا استقرار ,و كانت الغاية ضرب السياحة المغربية التي كانت سنة 1994 تعرف تقدما ملموسا. حينها لم يكن المشرع المغربي قد أدرج بعد بالترسانة القانونية المغربية قانونا يجرم الأعمال الإرهابية, بحكم أن أحداث أطلس أسني كانت سابقة بالمملكة المغربية و المتهمين بهذه الجريمة تم تقديمهم إلى العدالة و محاكمتهم حسب القانون الجنائي الذي لم يتضمن حينها قانون مكافحة الإرهاب, بعدها جاءت تفجيرات16 ماي 2003 الدموية بالدار البيضاء و التي قام بها مجموعة من المتطرفين الراديكاليين, خلفت حوالي 40 من بينهم 12 انتحاريا فجروا أنفسهم على طريقة الكميكازي اليابانية, مما حتم على المصالح الأمنية اعتقال حوالي 8000 متهم كما صرح بذلك وزير العدل أنداك محمد بوزبع. كل هذه الهجمات التي هزت أرجاء المملكة حتمت على المشرع المغربي إخراج قانون لمكافحة الإرهاب, لقد عجلت التفجيرات التي هزت مدينة الدار البيضاء في 16 ماي2003 بالشروع على التصويت على قانون يتعلق بمكافحة الإرهاب رقم03-03 و قد تضمن هذا القانون ثلاثة
مواضيع هامة جدا , أولها سد الفراغ التشريعي الذي كان إبان الضربات الإرهابية لفندق اطل أسني بمراكش و الذي شكل صدمة كبيرة في نفوس المواطنين و حتى المسئولين الأمنيين الذين ظافروا جهودهم لإيقاف الجناة و نذكر السيد المحترم عبد اللطيف الحموشي المدير العام للأمن الوطني الذي قام بفك لغز هذا الملف سنة 1994 ليتم اعتقال الجناة و محاكمتهم بالقانون الجنائي الذي لم يتضمن بين مجموعته قانون مكافحة الإرهاب, لكل هذه الأسباب قام المشرع المغربي بتجريم الأفعال المعتبرة جرائم إرهابية و العقوبات المقررة لها, وضع عقوبات ردعية في عدة حالات. لكن القانون رقم03_03 لم يضع تعريفا للجريمة الإرهابية اكتفى فقط بتعداد الأفعال التي تأسس للجريمة الإرهابية فالفصل1_218 ينص على أنها تعتبر الجرائم الآتية, أفعالا إرهابية وقد حدد عشرة أفعال تأسس للجريمة الإرهابية لكن المشرع حدد هذه الأفعال على سبيل المثال و ليس على سبيل الحصر و ذلك باستعماله لعبارة "تعتبر" و منه فقد اعتبر الجريمة الإرهابية هي كل فعل له علاقة عمدية بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب أو العنف. و من الملاحظ أن المشرع لم يعرف الجريمة الإرهابية و من منظورنا انه لا حاجة لتعريفها لان الأفعال المجرمة و التي تأسس للجريمة الإرهابية تعرفنا بها, كما أن الإرهاب ليس مفهوم قانوني تابت يمكن تعريفه بل انه مفهوم اديولوجي مطاط و فضفاض. رغم ذلك قامت لجان مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة بمطالبة المشرع المغربي بتعريف الإرهاب تماشيا مع مبدأ شرعية العقاب. ورغم أن هذا القانون جد فعال في مكافحة الإرهاب إلا انه لم يسلم من النقد خاصة في تحديده و تعدده للجرائم الإرهابية وذلك باعتبار الصعوبات التي تعترض تحديد المقصود بالمس بالنظام العام و هي عبارة عامة و فضفاضة و ذات دلالات و مفاهيم واسعة, فكل الجرائم سواء أكانت عادية أو إرهابية آو أخرى تشكل خرقا للنظام العام. إلا أن المشرع المغربي كان ذكيا لاستعماله عبارة الخرق الخطير للنظام العام بالإضافة لتحديده لطبيعة هذه الجريمة في كونها لا ترتكب إلا بوسائل معينة كالتخويف و الترهيب و العنف, و للإشارة فان هذه المفاهيم اقتبست من التشريع الفرنسي أي أن حتى أكثر الدول تقدما تنهج نفس الإطار التشريعي لمكافحة الإرهاب. قد يقول قائل أن هذه المفردات كالتخويف و الترهيب قد تكون ملاحقة لجرائم أخرى غير الجريمة الإرهابية, غير أن المشرع أضاف عبارة المس الخطير للنظام العام. هذا من جهة أما من تالية فحتى الأفعال التي حددها المشرع المغربي في الفصل1_218 و التي تأسس للجريمة الإرهابية ليست سوى على سبيل المثال و ليس الحصر, بتالي يمكن للقاضي حسب سلطته التقديرية و التي لا تخضع لرقابة قضاء النقض , أن يكيف الفعل الجرمي كجريمة إرهابية. و قد تضمن القانون رقم 03_03 أيضا القواعد المسطرية للجريمة الإرهابية و أهم ما قام به المشرع في هذا الصدد هو إسناد الاختصاص لمحكمة عادية واحدة, ألا وهي محكمة الاستئناف بالرباط أي أن اختصاصها يمتد على سائر التراب الوطني بغض النظر عن مكان وقوع الجريمة أو مكان إلقاء القبض أو مكان إقامة المتهم وحتى بالنسبة للمتابعة فالسيد الوكيل العام بهذه المحكمة هو الذي يختص في تحريك الدعوة العمومية و يشرف على عمل الضابطة القضائية المختصة و في هذا الصدد يجب أن نوضح أن المشرع أوكل مهمة البحث و التحري في هذه الأنواع من الجرائم للفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالاظافة لأفراد مديرية مراقبة التراب الوطني من السيد المدير العام لهذه المديرية و من ولاة و مراقبين عامين و عمداء و ضباط الذين يعهد لهم بهذا الاختصاص بمقتضى قانون المسطرة الجنائية, أي أن السيد الوكيل العام باستئنافية الرباط يراقب و يشرف على عمل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية و أفراد مديرية مراقبة التراب الوطني في كل ما يتعلق بالبحث و التحري في الجريمة الإرهابية ليأتي المشرع سنة 2014 بإحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية ليصبح مكلفا بصفة رسمية للبحث في هذه الجرائم, و قد أبان عن نجاعته بفضل موارده البشرية والتكنولوجية في مكافحة الإرهاب, حيث انه قام بتفكيك حوالي واحد وعشرون خلية سنة2015 وأربعة خلايا سنة 2016 كلها كانت لها أهداف تخريبية و حاملة لأفكار راديكالية متطرفة, أما بالنسبة لظروف الاعتقال فقد جاء هذا القانون لرفع مدة الحراسة النظرية لتصبح 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين, بحيث يمكن أن تصل إلى 12 يوما. يجيز القانون الاتصال بمحام بعد مرور نصف المدة تكريسا لشروط المحاكمة العادلة الذي يستفيد منه حتى هذا النوع من المتهمين. 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين إجراء ايجابي من شانه إنجاح عمل التحقيق و التحري رغم أن لجان مناهضة التعذيب قامت بانتقاد هذا الإجراء المسطري. كما أجاز المشرع المغربي تفتيش المنازل و معاينتها خارج الأوقات العادية بإذن من النيابة العامة أو قاضي التحقيق و تخصص أيضا أحياء مستقلة داخل المؤسسات السجينة لإيواء المعتقلين في قضايا الإرهاب
أما ثالثا فقد اهتم المشرع المغربي أيضا بمعالجة المعلومات المالية ووقف تحركات الأموال المخصصة لتمويل الإرهاب و قد أدى ذلك إلى رفع نظام السرية المعمول به في البنوك في إطار الأبحاث الأمنية و القضائية و إمكانية تجميد أو حجز الحسابات البنكية المشبوهة و متابعة مرتكبي الجرائم المتعلقة بتمويل الإرهاب القانون رقم 03_03 رغم نجاعته في مكافحة الإرهاب إلا انه ظل يحتاج إلى تعديل, خاصة أن الأبحاث الأمنية و القضائية اتبتت أن اغلب المتابعين في قضايا الإرهاب لهم ارتباط وطيد مع تنظيمات إرهابية دولية سواء مباشر أو غير مباشر عن طريق تقاسم الاديولوجية الإرهابية اظافة إلى نشاط بعض المغاربة ضمن جماعات إرهابية خارج الوطن. في هذا السياق أعلنت الحكومة المغربية عن نيتها لتعزيز جهودها و تطوير مقارباتها في مجال مكافحة الإرهاب فلم تقتصر مقاربتها على الجانب العقابي و الأمني بل شملت أيضا إستراتيجية دينية روحية تروم نشر إسلام سمح يقوم على الاعتدال و الوسطية و تحقيق التنمية السوسيو اقتصادية, التي تضع الفرد في صلب انشغالاتها أما الجانب العقابي و الجرمي فقد تمثل في القانون رقم 14_84 الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2014 و الذي أضاف فصلا جديدا إلى مجموعة القانون الجنائي, يروم إدراج مجموعة من الأفعال ذات الصلة مع معسكرات التدريب ببؤر التوتر الإرهابية بوصفها جنايات معاقب عليها بالسجن حتى خمسة عشر سنة مع تخصيص الشخص المعنوي بعقوبات تتلائم و طبيعته القانونية و عليه يعتبر أيضا جرما الالتحاق أو محاولة الالتحاق فرديا أو جماعيا في إطار منظم أو غير منظم بكيانات أو تنظيمات أو عصابات أو جماعات إرهابية داخل أراضي المملكة المغربية أو خارجها كما تم تتميم مقتضيات الفصل 1_218 من مجموعة القانون الجنائي باظافة فقرة ثانية تجرم القيام بأي فعل من أفعال الدعاية أو الإشادة أو الترويج لفائدة الكيانات أو التنظيمات أو العصابات أو الجماعات الإرهابية تم أيضا تخفيض العقوبة المقررة لفعل التحريض على ارتكاب الجريمة الإرهابية المنصوص عليها في الفصل من مجموعة القانون الجنائي إلى السجن المؤقت من خمس إلى خمسة عشر سنة و غرامة تتراوح بين 50.000 و 500.000 بدلا من العقوبة المقررة للجريمة الإرهابية الأصلية و التي قد تصل إلى الإعدام أو السجن المؤبد أو ثلاثين سنة حسب الأحوال .
خاتمة:
إن المشرع المغربي جد واعي بان الأمن حق من حقوق الإنسان وإيمانا منه بذلك, أدرج هذا الحق بالقانون الأسمى للدولة ليصبح حقا دستوريا ينص عليه دستور المملكة بالفصل 21 وذلك تماشيا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و قرارات الأمم المتحدة التي تحرص بالتأكيد على وجوب التزام الدول بإعلاء سيادة القانون في الحفاظ على الأمن و مكافحة الإرهاب . لكن لا يجب أن تتوقف مكافحة الإرهاب على حدود الهواجس الأمنية و الزجر القانوني بل تحتاج إلى مقاربة شمولية يتداخل فيها ما هو قانوني بما هو اجتماعي اقتصادي و ثقافي تربوي فكري.فالإرهاب ليس مفهوما قانونيا قار بل هو مفهوم أيديولوجي يطرح إشكالا عميقا بخصوص رسم الحدود الفاصلة بين ماهو من صميم المرجعيات الدينية و ماهو من صميم المرجعيات السياسية و القانونية من اجل مقاربة المفهوم المتحرك و المتطور للإرهاب