دعونا نطرح سؤالا قانونيا على منطق الفصل (159) من دستور حول مدى الأهمية التي يمنحها هذا الفصل لفاعلية الهيئات المستقلة في تفعيل مبدأ الحكامة الجيدة وممارسة وظيفة الضبط القانوني داخل الدولة ؟
إيجابا عن هذا السؤال يحيلنا المنطق إلى مرتكزين أساسيين :
المرتكز الأول : يدور حول أن الفصل المذكور يعطي الدعامة الهامة في ضرورة إقامة هيئات وأجهزة مستقلة وتابعة للدولة يناط بها مهمة ترسيخ الجودة القانونية داخل المرافق العمومية لوقايتها من المخاطر القانونية عبر تقديم الاستشارات وتوصيات لهذه المرافق لمواكبة قرراتها الإدارية واتفاقية وعقودها، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
المرتكز الثاني : من أهم هذه الهيئات والغير مستقلة حاليا والتي تمارس هذه الوظيفة، نجد مؤسسة الوكيل القضائية للمملكة على أساس أنها تلعب دور رياديا في مجال تمثيل الدولة ومكانتها ومؤسساتها العمومية أمام المحاكم في القضايا التي تكون مدعى عليها، حينما يكلف بذلك رؤساء الإدارة المديرون المتخصصون، ومن بين هذه القضايا تلك المتعلق بالوظيفة العمومية والانتخابات والملكية الفردية وحوادث الشغل... وقضايا الصفقات العمومية.
على أساس هذين المرتكزين نسلم بفكرة هامة :
هي أن المرتكز الثاني يقوم و يدخل في نطاق الفصل )159( من الدستور أي المرتكز الأول كأهم مؤسسات التي تمثل الدولة أمام القضاء، وأن جودة هذه الوظيفة لابد ان يرتبط بجودة هذه المؤسسة من حيث أساس القانوني لها والهيكل التنظيمي.
تشير الإحصائيات الأخيرة صادرة عن مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة ، أن نسبة الدعاوي قبل مجيئ الدستور بخمس سنوات كانت في ارتفاع مشهود، حيث توصلت هذه المؤسسة سنة 2010 ب )13756( قضية ضد الدولة معروضة على مختلف المحاكم الإدارية، ومع تزامن الدستور الجديد سنة 2011 ستشهد هذه الدعاوي انخفاضا ملحوظ حيث وصلت عدد الملفات الجديدة على )11.364( أي بنقص )2392( قضية، وهو ما يعتبر مؤشرا إيجابيا يستشف بأن تصرفات وقرارات الإدارة تتسم بالحيطة والحذر وتتجه أكثر إلى تطبيق مبدأ الحكامة القانونية لتحقيق المشروعية في تصرفاتها.
لكن هذا التطور لا يجعلنا نسلم بقناعة مفادها أن هذه المؤسسة هي مؤهلة للممارسة الوظيفية المنصوص عليها في الفصل )159 (من الدستور، بشكل كامل يوافق منطق الحكامة الجيدة التي يأملها الفصل الوارد في دستور الجديد، ويمكن تبرير ذلك بأن أي تطور تشريعي مهما كان يجب أن يوافقه تطور على مستوى الهيئات التي تمارسه، وعلى أساس هذه الفكرة يمكن القول أن مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة منذ إحداثها بمقتضى ظهيرالشريف بتاريخ 7/1/1928 وتعديلها بظهيرين 18/12/1935 و16/3/1938 والمرسوم الملكي الصادر ب 22/11/1978 لم يتم إعادة النظر في إطارها التشريعي رغم أنها مؤسسة قانونية محضة ملزمة بمواكبة التطورات القانونية في المغرب.
تأسيسا على الظهير المذكور هناك ملاحظة مهمة :
أن مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة هي مؤسسة مباشرة لمصالح الكاتب العام بوزارة المالية، بعدما كانت تابعة لقسم الضرائب بوزارة المالية، وهي الملاحظة التي نقرئها اليوم على أساس متناقض في منطق التشريعي ، حيث أن الفصل )159( من الدستور أصبح يؤسس لمنطق الاستقلالية لهذه المؤسسة من أجل تدعيم مسار تطوير المؤسسات دولة حديثة التي أصبح من مهامها إرساء دعائم المجتمع في مسار بناء دولة الحق والقانون.
إلى جانب هذه الملاحظة هناك فكرة أخرى تدعمها الإحصائيات الأخيرة التي قارنة بين الدعاوي المرفوعة ضد الدولة أمام المحاكم الإدارية التي تحتل المرتبة الأولى ب )6381( قضية، وتلك التي ترفع أمام المحاكم العادية التي وصلت إلى )4539(، الأمر الذي يثير استفهاما حول ارتفاع دعاوى المرفوعة ضد الدولة التي تستدعي البحث عن سبل كفيلة بالعمل على مواكبة هذه الدعاوي قبل بروزها أمام المحاكم الإدارية قصد تخفيض نسبتها، ومن بين هذه السبل ندعم فكرة إعادة النظر في ظهير المؤسس للوكالة القضائية للمملكة، وذلك لسببين أساسيين
:
السبب الأول: أن الظهير المؤسس أصبح يعاني من ضعف التشريعي على أساس الفصل 159 من الدستور
.
السبب الثاني: فاعلية هذه المؤسسة في الدفاع عن الدولة يستلزم ضرورة الارتقاء بها إلى مؤسسة مستقلة عن السلطة التنفيذية.
إن تفسير هذه الأسباب يدخل في نطاق الأسس الدستورية الجديدة والتي تستلزم الآليات القانونية لترشيد السلوك القانوني للمؤسسات الدولة، على اعتبار أن الخروج عن ذلك سيخلف آثار سلبية على الأموال العمومية.
فالضعف التشريعي للمؤسسة الوكيل القضائي، أصبح اليوم يستدعي إعادة النظر على أساس المحدودية التي يعطيها لدور مؤسسة الوكيل القضائي في ظل الدستور الجديد، فعلى أساس الفصل )514( من قانون المسطرة المدنية وكذا الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من ظهير 2 مارس 1953 نجد أنهما يعطيان دور تدخل لهذه المؤسسة فقط في الدعاوي التي تستهدف التصريح بمديونية الدولة ولا يتم إدخالها في دعاوي إلغاء المقررات الإدارية باعتبارها دعوى عينية موضوعية.
فالممارسة العملية حسب عديد من الأطر هذه المؤسسة تحول إلى أن أغلب الدعاوي تؤول في النهاية إلى تعويضات مالية باعتبار أن الأحكام التي تصدر في قضايا الإلغاء قد تشكل سند للمطالبة بالتعويض في مواجهة الإدارة مصدرة القرار الملغي.
فالقرار الإداري الذي يعتبر أحد صور التي يتجسد فيها عمل الدولة وإدارتها فلا بد أن يصدر مستجمعا لكافة أركانة الشكلية والموضوعية، أي مستوفيا لشروط المشروعية حتى يكون سليما ومنتجا لأثاره القانونية ، وعدم مشروعية القرار الإداري بأوجه معروفة يشكل في حقيقة، خطأ مرفقيا يرتب مسؤولية الدولة، وعدم إدخال الوكيل القضائي في دعوى الإلغاء لا يسمح لا بتتبع الملف من البداية، مما يؤثر على مستوى دفاعه في مرحلة التعويض إذا ما طالبت المحكوم له بموجب الحكم الصدر في دعوى الإلغاء بتعويضات مالية.
وهذا ما يدفعنا إلى طرح مسألة التدخل لهذه المؤسسة في دعاوي المقررات الإدارية بسبب تجاوز السلطة لأنه سيمكنها من تتبع الملف منذ البداية من جهة وسيمكنها أيضا من حث الإدارة على الإسراع في ترتيب الآثار الناتجة عن حكم الإلغاء في حالة صدور حكم ضدها لتجنب الدولة مسؤولية الامتناع عن التنفيذ أو عدم ترتيب تلك الآثار بشكل صحيح.
وعلى أساس الفصل )32( من قانون المعاشات العسكرية والمادة )28( من قانون المعاشات المدنية، واللذان يلزمان المسؤول المدني عن الضرر الجسماني الذي يصيب الموظف أو ذوي حقوقه بسبب وفاته بإخبار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى المرفوعة ضده وذلك قصد استرجاع الصوائر المدفوعة، لكن هذا الإلزام غير محافظ على حقوق الدولة في مثل هذه النوازل، لأنه أولا يتعلق بالمسطرة القضائية فقط، ولا يمتد إلى المسطرة الحبية التي أصبحت إلزامية حسب مقتضيات الفصل )18( من ظهير 2 أكتوبر 1984.
وعلى ذلك فإن النزاع يمكن أن يتم فضه في غياب الدول تماما في كون أن النصين المذكورين يلزمان بالإخبار بالدعوى دون تحديد تاريخ الآجال القانوني في ذلك.
وفي مستوى آخر من الضعف التشريعي نجد أن ظهير 2 مارس 1953 وكذا مرسوم 1978 المنظم لاختصاصات وتنظيم وزارة المالية لم يولي أهمية لمسألة التمثيليات الجهوية لهاته المؤسسة وهو ما أصبح ينافي توجهات الدولة في ترسيخ الجهوية مما ينعكس سلبا على المنتوج القضائي في طرح صعوبات مسطرية تتعلق بعدم احترام الآجال وتطويل الإجراءات نظرا لبعد هذه المؤسسة على المحاكم الإدارية، وهذا ما يتنافى مع مبدأ الحكامة القانونية الوارد في الفصل من الدستور.
وفي نفس السياق نجد أن مسألة التكوين القانوني للأطر الساهرة على هذه المؤسسة، والتي تخضع لنظام الأساسي للوظيفة العمومية، أصبحت في ضل الدستور الجديد لا تشبع هذه الأطر للقيام بدورها كامل، كما أن مسألة التوظيف لازالت تخضع لمساطر غير واضحة، في كون أن ساهرين على مباريات التوظيف يضعون شروط غير صائبة للولوج إلى هده المؤسسة في كونها تحدد شروط وتخصصات القانونية غير مختص لولوج هذه الوظيفة كالتخصص في القضاء المدني أو التجاري أو التحفيظ العقاري دون مراعاة التخصصات الجديدة اليوم في حقل القانون العام في مجال المنازعات ، كتخصص القضاء الإداري والمنازعات العمومية على اعتبار أن الدراسات المعمقة في هذه التخصصات تنصب بالأساس على الدعاوي التي تكون الدولة طرفا فيها مما سيساهم في تكوين أطر فعالة في مجال دفاع عن الدولة عوض الاكتفاء بتخصصات القانون الخاص التي تعتبر بعيدة عن ذلك ويتطلب الأمر إعادة تكوينها.
إن دستور الذي يتمتع به المغرب اليوم يعطي منطلاقات هامة في تأسيس للإستقلالية مؤسسة الوكيل القضائي عن السلطة التنفيدية وهو ماسارت عليه عديد من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الإمريكية التي أحدث مؤسسة المحامي العام للدولة ، ونمودج المصري الذي أحدت هيئة قضايا الدولة كهيئة مستقلة تدافع عن مصالح الدولة والنمودج التونسي الدي يسير في نفس الإتجاه ، وفي ذلك أصبح اليوم على المشرع المغربي أن يبادر في تبني التوجه الصحيح لإعادة النظر في النص التشريعي لهده المؤسسة في ظل الفصل (159) من الدستور قصد الإرتقاء بها إلى مؤسسة مستقلة وتمتيعها بكافة الأسس القانونية الصحيحة التي ستمكنها من ممارسة وظيفتها في ترسيخ الجودة القانونية داخل المرافق العمومية .
هوامش:
إيجابا عن هذا السؤال يحيلنا المنطق إلى مرتكزين أساسيين :
المرتكز الأول : يدور حول أن الفصل المذكور يعطي الدعامة الهامة في ضرورة إقامة هيئات وأجهزة مستقلة وتابعة للدولة يناط بها مهمة ترسيخ الجودة القانونية داخل المرافق العمومية لوقايتها من المخاطر القانونية عبر تقديم الاستشارات وتوصيات لهذه المرافق لمواكبة قرراتها الإدارية واتفاقية وعقودها، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
المرتكز الثاني : من أهم هذه الهيئات والغير مستقلة حاليا والتي تمارس هذه الوظيفة، نجد مؤسسة الوكيل القضائية للمملكة على أساس أنها تلعب دور رياديا في مجال تمثيل الدولة ومكانتها ومؤسساتها العمومية أمام المحاكم في القضايا التي تكون مدعى عليها، حينما يكلف بذلك رؤساء الإدارة المديرون المتخصصون، ومن بين هذه القضايا تلك المتعلق بالوظيفة العمومية والانتخابات والملكية الفردية وحوادث الشغل... وقضايا الصفقات العمومية.
على أساس هذين المرتكزين نسلم بفكرة هامة :
هي أن المرتكز الثاني يقوم و يدخل في نطاق الفصل )159( من الدستور أي المرتكز الأول كأهم مؤسسات التي تمثل الدولة أمام القضاء، وأن جودة هذه الوظيفة لابد ان يرتبط بجودة هذه المؤسسة من حيث أساس القانوني لها والهيكل التنظيمي.
تشير الإحصائيات الأخيرة صادرة عن مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة ، أن نسبة الدعاوي قبل مجيئ الدستور بخمس سنوات كانت في ارتفاع مشهود، حيث توصلت هذه المؤسسة سنة 2010 ب )13756( قضية ضد الدولة معروضة على مختلف المحاكم الإدارية، ومع تزامن الدستور الجديد سنة 2011 ستشهد هذه الدعاوي انخفاضا ملحوظ حيث وصلت عدد الملفات الجديدة على )11.364( أي بنقص )2392( قضية، وهو ما يعتبر مؤشرا إيجابيا يستشف بأن تصرفات وقرارات الإدارة تتسم بالحيطة والحذر وتتجه أكثر إلى تطبيق مبدأ الحكامة القانونية لتحقيق المشروعية في تصرفاتها.
لكن هذا التطور لا يجعلنا نسلم بقناعة مفادها أن هذه المؤسسة هي مؤهلة للممارسة الوظيفية المنصوص عليها في الفصل )159 (من الدستور، بشكل كامل يوافق منطق الحكامة الجيدة التي يأملها الفصل الوارد في دستور الجديد، ويمكن تبرير ذلك بأن أي تطور تشريعي مهما كان يجب أن يوافقه تطور على مستوى الهيئات التي تمارسه، وعلى أساس هذه الفكرة يمكن القول أن مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة منذ إحداثها بمقتضى ظهيرالشريف بتاريخ 7/1/1928 وتعديلها بظهيرين 18/12/1935 و16/3/1938 والمرسوم الملكي الصادر ب 22/11/1978 لم يتم إعادة النظر في إطارها التشريعي رغم أنها مؤسسة قانونية محضة ملزمة بمواكبة التطورات القانونية في المغرب.
تأسيسا على الظهير المذكور هناك ملاحظة مهمة :
أن مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة هي مؤسسة مباشرة لمصالح الكاتب العام بوزارة المالية، بعدما كانت تابعة لقسم الضرائب بوزارة المالية، وهي الملاحظة التي نقرئها اليوم على أساس متناقض في منطق التشريعي ، حيث أن الفصل )159( من الدستور أصبح يؤسس لمنطق الاستقلالية لهذه المؤسسة من أجل تدعيم مسار تطوير المؤسسات دولة حديثة التي أصبح من مهامها إرساء دعائم المجتمع في مسار بناء دولة الحق والقانون.
إلى جانب هذه الملاحظة هناك فكرة أخرى تدعمها الإحصائيات الأخيرة التي قارنة بين الدعاوي المرفوعة ضد الدولة أمام المحاكم الإدارية التي تحتل المرتبة الأولى ب )6381( قضية، وتلك التي ترفع أمام المحاكم العادية التي وصلت إلى )4539(، الأمر الذي يثير استفهاما حول ارتفاع دعاوى المرفوعة ضد الدولة التي تستدعي البحث عن سبل كفيلة بالعمل على مواكبة هذه الدعاوي قبل بروزها أمام المحاكم الإدارية قصد تخفيض نسبتها، ومن بين هذه السبل ندعم فكرة إعادة النظر في ظهير المؤسس للوكالة القضائية للمملكة، وذلك لسببين أساسيين
:
السبب الأول: أن الظهير المؤسس أصبح يعاني من ضعف التشريعي على أساس الفصل 159 من الدستور
.
السبب الثاني: فاعلية هذه المؤسسة في الدفاع عن الدولة يستلزم ضرورة الارتقاء بها إلى مؤسسة مستقلة عن السلطة التنفيذية.
إن تفسير هذه الأسباب يدخل في نطاق الأسس الدستورية الجديدة والتي تستلزم الآليات القانونية لترشيد السلوك القانوني للمؤسسات الدولة، على اعتبار أن الخروج عن ذلك سيخلف آثار سلبية على الأموال العمومية.
فالضعف التشريعي للمؤسسة الوكيل القضائي، أصبح اليوم يستدعي إعادة النظر على أساس المحدودية التي يعطيها لدور مؤسسة الوكيل القضائي في ظل الدستور الجديد، فعلى أساس الفصل )514( من قانون المسطرة المدنية وكذا الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من ظهير 2 مارس 1953 نجد أنهما يعطيان دور تدخل لهذه المؤسسة فقط في الدعاوي التي تستهدف التصريح بمديونية الدولة ولا يتم إدخالها في دعاوي إلغاء المقررات الإدارية باعتبارها دعوى عينية موضوعية.
فالممارسة العملية حسب عديد من الأطر هذه المؤسسة تحول إلى أن أغلب الدعاوي تؤول في النهاية إلى تعويضات مالية باعتبار أن الأحكام التي تصدر في قضايا الإلغاء قد تشكل سند للمطالبة بالتعويض في مواجهة الإدارة مصدرة القرار الملغي.
فالقرار الإداري الذي يعتبر أحد صور التي يتجسد فيها عمل الدولة وإدارتها فلا بد أن يصدر مستجمعا لكافة أركانة الشكلية والموضوعية، أي مستوفيا لشروط المشروعية حتى يكون سليما ومنتجا لأثاره القانونية ، وعدم مشروعية القرار الإداري بأوجه معروفة يشكل في حقيقة، خطأ مرفقيا يرتب مسؤولية الدولة، وعدم إدخال الوكيل القضائي في دعوى الإلغاء لا يسمح لا بتتبع الملف من البداية، مما يؤثر على مستوى دفاعه في مرحلة التعويض إذا ما طالبت المحكوم له بموجب الحكم الصدر في دعوى الإلغاء بتعويضات مالية.
وهذا ما يدفعنا إلى طرح مسألة التدخل لهذه المؤسسة في دعاوي المقررات الإدارية بسبب تجاوز السلطة لأنه سيمكنها من تتبع الملف منذ البداية من جهة وسيمكنها أيضا من حث الإدارة على الإسراع في ترتيب الآثار الناتجة عن حكم الإلغاء في حالة صدور حكم ضدها لتجنب الدولة مسؤولية الامتناع عن التنفيذ أو عدم ترتيب تلك الآثار بشكل صحيح.
وعلى أساس الفصل )32( من قانون المعاشات العسكرية والمادة )28( من قانون المعاشات المدنية، واللذان يلزمان المسؤول المدني عن الضرر الجسماني الذي يصيب الموظف أو ذوي حقوقه بسبب وفاته بإخبار الوكيل القضائي للمملكة بالدعوى المرفوعة ضده وذلك قصد استرجاع الصوائر المدفوعة، لكن هذا الإلزام غير محافظ على حقوق الدولة في مثل هذه النوازل، لأنه أولا يتعلق بالمسطرة القضائية فقط، ولا يمتد إلى المسطرة الحبية التي أصبحت إلزامية حسب مقتضيات الفصل )18( من ظهير 2 أكتوبر 1984.
وعلى ذلك فإن النزاع يمكن أن يتم فضه في غياب الدول تماما في كون أن النصين المذكورين يلزمان بالإخبار بالدعوى دون تحديد تاريخ الآجال القانوني في ذلك.
وفي مستوى آخر من الضعف التشريعي نجد أن ظهير 2 مارس 1953 وكذا مرسوم 1978 المنظم لاختصاصات وتنظيم وزارة المالية لم يولي أهمية لمسألة التمثيليات الجهوية لهاته المؤسسة وهو ما أصبح ينافي توجهات الدولة في ترسيخ الجهوية مما ينعكس سلبا على المنتوج القضائي في طرح صعوبات مسطرية تتعلق بعدم احترام الآجال وتطويل الإجراءات نظرا لبعد هذه المؤسسة على المحاكم الإدارية، وهذا ما يتنافى مع مبدأ الحكامة القانونية الوارد في الفصل من الدستور.
وفي نفس السياق نجد أن مسألة التكوين القانوني للأطر الساهرة على هذه المؤسسة، والتي تخضع لنظام الأساسي للوظيفة العمومية، أصبحت في ضل الدستور الجديد لا تشبع هذه الأطر للقيام بدورها كامل، كما أن مسألة التوظيف لازالت تخضع لمساطر غير واضحة، في كون أن ساهرين على مباريات التوظيف يضعون شروط غير صائبة للولوج إلى هده المؤسسة في كونها تحدد شروط وتخصصات القانونية غير مختص لولوج هذه الوظيفة كالتخصص في القضاء المدني أو التجاري أو التحفيظ العقاري دون مراعاة التخصصات الجديدة اليوم في حقل القانون العام في مجال المنازعات ، كتخصص القضاء الإداري والمنازعات العمومية على اعتبار أن الدراسات المعمقة في هذه التخصصات تنصب بالأساس على الدعاوي التي تكون الدولة طرفا فيها مما سيساهم في تكوين أطر فعالة في مجال دفاع عن الدولة عوض الاكتفاء بتخصصات القانون الخاص التي تعتبر بعيدة عن ذلك ويتطلب الأمر إعادة تكوينها.
إن دستور الذي يتمتع به المغرب اليوم يعطي منطلاقات هامة في تأسيس للإستقلالية مؤسسة الوكيل القضائي عن السلطة التنفيدية وهو ماسارت عليه عديد من الدول المتقدمة كالولايات المتحدة الإمريكية التي أحدث مؤسسة المحامي العام للدولة ، ونمودج المصري الذي أحدت هيئة قضايا الدولة كهيئة مستقلة تدافع عن مصالح الدولة والنمودج التونسي الدي يسير في نفس الإتجاه ، وفي ذلك أصبح اليوم على المشرع المغربي أن يبادر في تبني التوجه الصحيح لإعادة النظر في النص التشريعي لهده المؤسسة في ظل الفصل (159) من الدستور قصد الإرتقاء بها إلى مؤسسة مستقلة وتمتيعها بكافة الأسس القانونية الصحيحة التي ستمكنها من ممارسة وظيفتها في ترسيخ الجودة القانونية داخل المرافق العمومية .
هوامش:
- ظهير شريف رقم 1.11.82 صادر في 14 من رجب 1432 (17 يونيو 2011) بعرض مشروع الدستور على الاستفتاء.
- ظهير شريف بمثابة قانون رقم 447-74-1 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المنية.
- قانون 2مارس 1953 المنظم لوظيفة الوكيل القضائي للمملكة
- القانون 001-71 بتاريخ 30 دجنبر 1971 المتعلق بنظام المعاشات المدنية و المتتمم بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون 77- 317 بتاريخ 04-10- 1977
- القانون رقم 71-0013 بتاريخ 30 دجنبر 1971 المتعلق بنظام المعاشات العسكرية و المتمم بمقتضى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 318-77-1 بتاريخ 04-10-1977