بتاريخ 08 أكتوبر 2013 برحاب جامعة الحسن الثاني- المحمدية نوقشت أطروحة لنيل الدكتوراه تحث عنوان " المحكمة الجنائية الدولية والسلام العالمي"، تقدم بها الطالب الباحث عبد اللطيف الناصري ( محامي بهيئة المحامين بالدار البيضاء)، وتميزت بحضور نقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء الأستاذ عمر ودرا وبعض أعضاء مجلس الهيئة و ثلة من المحامين ورجال القانون.
وقد حاول الطالب من خلال مناقشته تناول إشكالية جدلية السياسي والقضائي في المجال الدولي وأثره على السلام العالمي، إذ توقف عند أهم المحاكمات الدولية مرورا بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية والإشكالات التي يثيرها نظامها الأساسي والمتعلقة بمدى استقلاليتها، وحريتها في ممارسة اختصاصاتها.
وعرض الطالب مسيرة تطور القضاء الجنائي الدولي وأهم الإعلانات والاتفاقيات الدولية الممهدة له، إذ تناول أولى المحاكمات الدولية مثل محاكمة إمبراطور ألمانيا " غليوم الثاني" وكبار مجرمي الحرب العالمية الأولى، كما توقف عند أهم محاكمات الحرب العالمية الثانية إلى إنشاء محكمتي نورمبرغ وطوكيو، اللتين شكلتا - رغم ما تعرضتا له من انتقادات شديدة – خطوة أولى لتأسيس قضاء جنائي دولي حقيقي.
وتناول الطالب الباحث المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، وبين اختصاصهما وأجهزتهما وأهم الأحكام الصادرة عنهما ومدى استجابتهما لتطلاعات المجتمع الدولي من أجل سيادة السلام والأمن الدولين.
وأشار الطالب الباحث إلى أن أول مشروع وضع لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة كان سنة 1950 وتم تعديله سنة 1954، الذي لقي تجاوبا من قبل الدول النامية ومعارضة شديدة من طرف الدول العظمى، بسبب إسناده اختصاص "جريمة العدوان" للمحكمة بدلا من مجلس الأمن، وأن هذا المشروع يتفوق على النظام الأساسي الحالي من حيث ضمان استقلال المحكمة عن مجلس الأمن، وكذا من حيث اختصاصاتها الموسعة، إلا أن مشروع تم إقباره، ولم يتم استئناف مناقشته إلا بانتهاء الحرب الباردة، إذ وضع مشروع معدل له سنة 1990 يقضي بإنشاء محكمة مرتبطة بمجلس الأمن، والذي تمت إعادة دراسته والمصادقة عليه بتاريخ 17 يوليوز 1998، و لم يدخل حيز النفاذ إلا في 1 يوليوز 2002 بعد مصادقة 60 دولة عليه.
و أبرز الطالب الباحث أن هيكلة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تتألف من 128 مادة موزعة على 13 بابا.
وتناول أجهزة المحكمة الجنائية الدولية المحددة في المادة 34 من النظام الأساسي وهي:
وعرض الطالب الباحث تكوين كل جهاز ووظائفه على حدى، إذ بين طرق اختيار وتعين القضاة والمدعي العام ونوابه، والشروط المتطلبة، كما تناول اختصاصات المدعي العام ورقابة المحكمة عليه، وعلاقته بمجلس الأمن، وجمعية الدول الأطراف .
كما أبرز شعب المحكمة المتكونة من: الشعبة الاستئنافية، الشعبة الابتدائية و الشعبة التمهيدية، والدوائر المنبثقة عنها واختصاصاتها، كما عرض لإجراءات المتعلقة بالدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، وميز بين الإجراءات السابقة على المحاكمة، سواء تلك التي يختص بها المدعي العام أو المخولة للدائرة التمهيدية كغرفة اتهام، و ميزها عن تلك المتعلقة بسير الدعوى والإجراءات المرتبطة بها سواء أمام الدائرة الابتدائية، أو أمام الدائرة الاستئنافية، وتعرض لطرق الطعن والآجال المرتبطة به، ولحقوق الدفاع ولضمانات المتهم وحماية الشهود.
كما تطرق الطالب الباحث لبعض الإشكالات المسطرية كالدفع بعدم الاختصاص والدفع بعدم قبول الدعوى، وكذا تلك المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق أمام المحكمة والمنصوص عليها وبشكل تراتبي في المادة 21 من النظام الأساسي، وتناقضها مع مقتضيات المادة 9 من النظام الأساسي قبل تعديلها في مؤتمر كمبالا سنة 2010 وما أثارته من نقاش فقهي وقضائي، دون إغفاله إشكالية استبعاد تطبيق العرف أمام المحكمة الذي يعد من أهم مصادر القضاء الجنائي الدولي.
وتوقف الطالب الباحث عند كيفية إصدار الحكم والشروط الشكلية والموضوعية، وكذا العقوبات المقررة بالنظام الأساسي وكيفية تنفيذها.
كما أشار إلى مسألة التعاون الدولي القضائي، وإلزاميته للدولة الطرف في النظام الأساسي، والدولة غير الطرف التي وقعت اتفاقا خاصا بذلك مع المحكمة، وتعرض لشروطه الشكلية وحالاته وما تثيره من إشكالات عملية كحالة تعدد طلبات تسليم المتهم والتي تتلقى فيها الدولة الطرف في النظام الأساسي طلبا من المحكمة بتقديم شخص، وفي نفس الوقت تتلقى طلبا من دولة أخرى لتسليم نفس الشخص عن نفس الجريمة، كما تطرق لإشكالية الاختصاص بخصوص الاعتقال وطلبات السراح المؤقت، و تساءل هل تختص بها الدولة التي يتواجد المطلوب تسليمه فوق أراضيها؟ أم تدخل في اختصاص الدولة الحامل لجنسيتها؟ أو الدولة التي تطالب بتسليمه أو المحكمة الجنائية الدولة المطالبة بتسليمه لها؟ و خلص إلى أن الإشكال قائما و معقدا في حالة تعدد جنسيات المتهم، أو في حالة انعدام الجنسية أصلا.
وتناول الطالب الباحث في الباب الثاني مسالة اختصاص المحكمة وأوضح الاختصاص الشخصي، والزمني للمحكمة، كما تناول بتفصيل الاختصاص الموضوعي لها والمحدد وفق المادة 5 من النظام الأساسي في أربعة جرائم وهي: جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة العدوان.
وبين الطالب الباحث أن المحكمة تختص مبدئيا في جريمة العدوان، مع تأجيل ممارستها لاختصاصها الفعلي، إذ تم تأجيل سريان اختصاصها بخصوص جريمة العدوان بداية إلى حين تعريف جريمة العدوان في مؤتمر كمبالا، كما نصت على ذلك المادة 5/2 من النظام الأساسي الملغاة، وبعد تعريف جريمة العدوان في المؤتمر الاستعراضي المنعقد كمبالا/أوغندا في سنة 2010 في الفقرة 1 من المادة 8 مكرر، وتحديد حالاته في الفقرة 2، جاءت الفقرة 3 من المادة 15 مكرر علقت بدورها ممارسة المحكمة لاختصاصها بخصوص جريمة العدوان بشرط اتخاذ الدول الأطراف في يناير 2017 لقرار بنفس الأغلبية المطلوبة لاعتماد تعديل النظام الأساسي، وحتى وإن تم اعتماد التعديل فإنه يبقى غير ملزم مادامت هناك مكنة قانونية للتهرب من سريان قواعده على الدولة الطرف بموجب إيداعها إعلانا لدى المسجل تعبر فيه عدم قبولها لاختصاص المحكمة بخصوص جريمة العدوان، أو من خلال انسحابها من النظام الأساسي حتى ولو تم إقراره بأغلبية تتجاوز 7/8 من الدول الأطراف. كما أبرز الطالب الباحث إشكالية تتعلق بمن له الصلاحية في تقرير وجود فعل العدوان؟ إذ خوله المؤتمر لمجلس الأمن بمفرده من الناحية العملية لتقرير وجود فعل العدوان من عدمه، ومنحه سلطة الإذن للمحكمة بفتح التحقيق، إذ أن المدعي العام حتى وإذا ثبت لديه تحقق جريمة العدوان، فإنه لا يمكنه مباشرة إجراءات التحقيق إلا بعد التأكد من أن مجلس الأمن قد اتخذ قرارا بوقوع فعل العدوان أم لا.
ويرى الطالب الباحث أنه ورغم تنصيص المادة 5 على أن جرائم الحرب تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وأن المادة 8 حددت الأفعال المكونة لها، إلا أن المادة 124 منحت الدول الأطراف الحق في تعليق أو عدم ممارسة المحكمة لاختصاصها في "جرائم الحرب" لمدة سبع سنوات، وقد كان من المنتظر أن يتم إلغاء المادة 124 في المؤتمر الاستعراضي المنعقد في كمبالا سنة 2010، إلا أن المؤتمر قرر الاحتفاظ بها وأرجئ النظر فيها إلى الدورة الرابعة عشرة لجمعية الدول الأطراف التي ستنعقد في متم سنة 2015 و بذلك يكون هذا الاختصاص عمليا موقوف مادامت أن أغلب الدول الأطراف قد تقدمت بطلب بعدم سريانه في مواجهتها.
كما تطرق الطالب الباحث لجريمة الإبادة الجماعية، التي عرفتها المادة 6 وحدت أفعالها، وبين أن هذه المادة جاءت غير دقيقة مما قد يؤدي إلى نوع من الارتباك في ممارسة المحكمة لاختصاصها مستقبلا ، وأن اشتراط عنصر القصد الجنائي الخاص لقيام الجريمة يشكل صعوبة في الإثبات والتحري عنه.
أوضح الطالب الباحث أن الجريمة ضد الإنسانية وتطورها التاريخي، و قدم تعريفا لها و لأركانها وفق ما هو منصوص عليها في المادة 7 من النظام الأساسي واعتبر أن اشتراط الفقرة أ/2 من نفس المادة لعنصر التكرار في الأفعال الواردة في الفقرة 1 حتى تعد من الجرائم ضد الإنسانية، يثير الاستغراب، كما أوضح أن اشتراط عنصر العلم في فعل "الهجوم"، وربط قيام المسؤولية الجنائية بتحققه، يجعله خاضعا لإرادة الدولة والتفسيرات القانونية المختلفة.
و أوضح الطالب الباحث أن اختصاص المحكمة بخصوص الجرائم المشار إليها، ليس باختصاص استئثاري بل هو اختصاص مكمل للولايات القضائية الوطنية، فعرف الاختصاص التكميلي بأنه العلاقة بين الاختصاص القضائي الوطني واختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ويتميز بأنه تكميلي واحتياطي بالنسبة لاختصاص المحكمة، إذ الأولوية للقضاء الوطني. إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ نصت المادة 17 من النظام على أن المحكـمة الجنائية الدولية تختص بالنظر في الجرائم الدولية إذا تبين أن الدولة صاحبة الولاية غـير راغبة فعلا في القيام بالتحقيق أو المحاكمة، أو غير قادرة على ذلك. ووضح مفهوم الرغبة وعدم القدرة، وتفسير المحكمة لهما.
وتطرق الطالب الباحث إلى مسألة حجية الأحكام الصادرة عن القضاء الوطني أمام المحكمة الجنائية الدولية ومبدأ عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الفعل مرتين، وكذا حجية الحكم الوطني أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتوقف عند أهم الإشكالات العملية التي تثار عند تطبيق مبدأ الاختصاص التكميلي و هل نص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ملزم لأطرافه فحسب ؟ أم أن قواعده تسري حتى على الدول غير الأطراف؟ وميز بين حالتين:
حالة الدولة الطرف التي تكون الجريمة في هاتين الحالتين قد ارتكبت في إقليم دولة طرف، أو على متن سفينة أو طائرة مسجلة لديها، أو أن تكون الجريمة قد ارتكبت من أحد رعايا هذه الدولة الطرف، و تطرق لمفهوم إقليم الدولة وكذا مفهوم الرعايا وإشكالية الجنسية.
أما حالة الدول غير الأطراف فإن المحكمة الجنائية الدولية تمارس اختصاصها إزاء الدول غير الأطراف في حالتين، إما برضاها (حالة قبول الاختصاص ) أو بصورة تلقائية ومن غير اشتراط قبولها (حالة الاختصاص التلقائي أو القصري).
وتناول الطالب الباحث بالتحليل سلطة مجلس الأمن على المحكمة الجنائية الدولية، فالمادة 13 من النظام الأساسي لم تشترط في الإحالة المقدمة من قبل مجلس الأمن أية شروط موضوعية أو شكلية، كما أن المحكمة غير ملزمة للتقيد بالشروط السابقة لممارسة الاختصاص إذ ينعقد لها هذا الأخير بمجرد الإحالة بغض النظر عن كون الدولة طرف أو غير طرف، وكذا مكان وقوع الجريمة وجنسية مرتكبها، وأن الإحالة الصادرة عن مجلس الأمن ملزمة للمدعى العام لمباشرة التحقيق.
وبين الطالب الباحث أن مجلس الأمن وبموجب المادة 16 يمارس سلطة الوصاية السابقة واللاحقة على الشكوى المقدمة من الدولة الطرف، والتي بموجبها يتم غل يد المحكمة وأجهزتها عند مباشرة إجراءات التحقيق أو المحاكمة وفي أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة، مما ينتج عنه فعليا إلغاء المادة 13 فقرة (أ) ، وإلغاء دور المدعي العام، الذي يحرك المتابعة بناء على المعلومات ، بل إن مجلس الأمن أصبح جهازا مسيرا لمكتب المدعي العام، وهو ما أكدته المادة 15 مكرر صراحة. مما يثير التساؤل حول طبيعة المحكمة، خاصة إذا أخدنا بالاعتبار ممارسات مجلس الأمن الانتقائية والإملائية التي تخدم مصالح الدول الكبرى.
كما نبه الطالب الباحث إلى أن المادة 16 من النظام الأساسي لم تضع أية شروط على قرار مجلس الأمن القاضي بالإيقاف أو الإرجاء، كما لم يرد أي تحديد زمني، وهو خلاف ما نصت عليه الفقرة 3 من المادة 18 والتي أوردت شرطا زمنيا لاستفادة الدول من تنازل المدعي العام عن التحقيقات، كما أن المادة 94 وضعت شروطا لقبول طلب الدولة الرامي إلى تأجيل التنفيذ.
وعرض الطالب الباحث في خاتمة بحثه لمقترحات من أجل تفعيل اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية ودعم استقلاليتها، منها تعديل المواد 13، 15 مكرر، 15 مكرر 2، 16، وإلغاء المادة 124 من النظام الأساسي.
وقد حاول الطالب من خلال مناقشته تناول إشكالية جدلية السياسي والقضائي في المجال الدولي وأثره على السلام العالمي، إذ توقف عند أهم المحاكمات الدولية مرورا بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية والإشكالات التي يثيرها نظامها الأساسي والمتعلقة بمدى استقلاليتها، وحريتها في ممارسة اختصاصاتها.
وعرض الطالب مسيرة تطور القضاء الجنائي الدولي وأهم الإعلانات والاتفاقيات الدولية الممهدة له، إذ تناول أولى المحاكمات الدولية مثل محاكمة إمبراطور ألمانيا " غليوم الثاني" وكبار مجرمي الحرب العالمية الأولى، كما توقف عند أهم محاكمات الحرب العالمية الثانية إلى إنشاء محكمتي نورمبرغ وطوكيو، اللتين شكلتا - رغم ما تعرضتا له من انتقادات شديدة – خطوة أولى لتأسيس قضاء جنائي دولي حقيقي.
وتناول الطالب الباحث المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، وبين اختصاصهما وأجهزتهما وأهم الأحكام الصادرة عنهما ومدى استجابتهما لتطلاعات المجتمع الدولي من أجل سيادة السلام والأمن الدولين.
وأشار الطالب الباحث إلى أن أول مشروع وضع لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة كان سنة 1950 وتم تعديله سنة 1954، الذي لقي تجاوبا من قبل الدول النامية ومعارضة شديدة من طرف الدول العظمى، بسبب إسناده اختصاص "جريمة العدوان" للمحكمة بدلا من مجلس الأمن، وأن هذا المشروع يتفوق على النظام الأساسي الحالي من حيث ضمان استقلال المحكمة عن مجلس الأمن، وكذا من حيث اختصاصاتها الموسعة، إلا أن مشروع تم إقباره، ولم يتم استئناف مناقشته إلا بانتهاء الحرب الباردة، إذ وضع مشروع معدل له سنة 1990 يقضي بإنشاء محكمة مرتبطة بمجلس الأمن، والذي تمت إعادة دراسته والمصادقة عليه بتاريخ 17 يوليوز 1998، و لم يدخل حيز النفاذ إلا في 1 يوليوز 2002 بعد مصادقة 60 دولة عليه.
و أبرز الطالب الباحث أن هيكلة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تتألف من 128 مادة موزعة على 13 بابا.
وتناول أجهزة المحكمة الجنائية الدولية المحددة في المادة 34 من النظام الأساسي وهي:
- هيئة الرئاسة.
- شعبة استئناف، شعبة ابتدائية، شعبة تمهيدية.
- مكتب المدعي العام.
- قلم المحكمة
كما أبرز شعب المحكمة المتكونة من: الشعبة الاستئنافية، الشعبة الابتدائية و الشعبة التمهيدية، والدوائر المنبثقة عنها واختصاصاتها، كما عرض لإجراءات المتعلقة بالدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، وميز بين الإجراءات السابقة على المحاكمة، سواء تلك التي يختص بها المدعي العام أو المخولة للدائرة التمهيدية كغرفة اتهام، و ميزها عن تلك المتعلقة بسير الدعوى والإجراءات المرتبطة بها سواء أمام الدائرة الابتدائية، أو أمام الدائرة الاستئنافية، وتعرض لطرق الطعن والآجال المرتبطة به، ولحقوق الدفاع ولضمانات المتهم وحماية الشهود.
كما تطرق الطالب الباحث لبعض الإشكالات المسطرية كالدفع بعدم الاختصاص والدفع بعدم قبول الدعوى، وكذا تلك المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق أمام المحكمة والمنصوص عليها وبشكل تراتبي في المادة 21 من النظام الأساسي، وتناقضها مع مقتضيات المادة 9 من النظام الأساسي قبل تعديلها في مؤتمر كمبالا سنة 2010 وما أثارته من نقاش فقهي وقضائي، دون إغفاله إشكالية استبعاد تطبيق العرف أمام المحكمة الذي يعد من أهم مصادر القضاء الجنائي الدولي.
وتوقف الطالب الباحث عند كيفية إصدار الحكم والشروط الشكلية والموضوعية، وكذا العقوبات المقررة بالنظام الأساسي وكيفية تنفيذها.
كما أشار إلى مسألة التعاون الدولي القضائي، وإلزاميته للدولة الطرف في النظام الأساسي، والدولة غير الطرف التي وقعت اتفاقا خاصا بذلك مع المحكمة، وتعرض لشروطه الشكلية وحالاته وما تثيره من إشكالات عملية كحالة تعدد طلبات تسليم المتهم والتي تتلقى فيها الدولة الطرف في النظام الأساسي طلبا من المحكمة بتقديم شخص، وفي نفس الوقت تتلقى طلبا من دولة أخرى لتسليم نفس الشخص عن نفس الجريمة، كما تطرق لإشكالية الاختصاص بخصوص الاعتقال وطلبات السراح المؤقت، و تساءل هل تختص بها الدولة التي يتواجد المطلوب تسليمه فوق أراضيها؟ أم تدخل في اختصاص الدولة الحامل لجنسيتها؟ أو الدولة التي تطالب بتسليمه أو المحكمة الجنائية الدولة المطالبة بتسليمه لها؟ و خلص إلى أن الإشكال قائما و معقدا في حالة تعدد جنسيات المتهم، أو في حالة انعدام الجنسية أصلا.
وتناول الطالب الباحث في الباب الثاني مسالة اختصاص المحكمة وأوضح الاختصاص الشخصي، والزمني للمحكمة، كما تناول بتفصيل الاختصاص الموضوعي لها والمحدد وفق المادة 5 من النظام الأساسي في أربعة جرائم وهي: جريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، جرائم الحرب، جريمة العدوان.
وبين الطالب الباحث أن المحكمة تختص مبدئيا في جريمة العدوان، مع تأجيل ممارستها لاختصاصها الفعلي، إذ تم تأجيل سريان اختصاصها بخصوص جريمة العدوان بداية إلى حين تعريف جريمة العدوان في مؤتمر كمبالا، كما نصت على ذلك المادة 5/2 من النظام الأساسي الملغاة، وبعد تعريف جريمة العدوان في المؤتمر الاستعراضي المنعقد كمبالا/أوغندا في سنة 2010 في الفقرة 1 من المادة 8 مكرر، وتحديد حالاته في الفقرة 2، جاءت الفقرة 3 من المادة 15 مكرر علقت بدورها ممارسة المحكمة لاختصاصها بخصوص جريمة العدوان بشرط اتخاذ الدول الأطراف في يناير 2017 لقرار بنفس الأغلبية المطلوبة لاعتماد تعديل النظام الأساسي، وحتى وإن تم اعتماد التعديل فإنه يبقى غير ملزم مادامت هناك مكنة قانونية للتهرب من سريان قواعده على الدولة الطرف بموجب إيداعها إعلانا لدى المسجل تعبر فيه عدم قبولها لاختصاص المحكمة بخصوص جريمة العدوان، أو من خلال انسحابها من النظام الأساسي حتى ولو تم إقراره بأغلبية تتجاوز 7/8 من الدول الأطراف. كما أبرز الطالب الباحث إشكالية تتعلق بمن له الصلاحية في تقرير وجود فعل العدوان؟ إذ خوله المؤتمر لمجلس الأمن بمفرده من الناحية العملية لتقرير وجود فعل العدوان من عدمه، ومنحه سلطة الإذن للمحكمة بفتح التحقيق، إذ أن المدعي العام حتى وإذا ثبت لديه تحقق جريمة العدوان، فإنه لا يمكنه مباشرة إجراءات التحقيق إلا بعد التأكد من أن مجلس الأمن قد اتخذ قرارا بوقوع فعل العدوان أم لا.
ويرى الطالب الباحث أنه ورغم تنصيص المادة 5 على أن جرائم الحرب تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وأن المادة 8 حددت الأفعال المكونة لها، إلا أن المادة 124 منحت الدول الأطراف الحق في تعليق أو عدم ممارسة المحكمة لاختصاصها في "جرائم الحرب" لمدة سبع سنوات، وقد كان من المنتظر أن يتم إلغاء المادة 124 في المؤتمر الاستعراضي المنعقد في كمبالا سنة 2010، إلا أن المؤتمر قرر الاحتفاظ بها وأرجئ النظر فيها إلى الدورة الرابعة عشرة لجمعية الدول الأطراف التي ستنعقد في متم سنة 2015 و بذلك يكون هذا الاختصاص عمليا موقوف مادامت أن أغلب الدول الأطراف قد تقدمت بطلب بعدم سريانه في مواجهتها.
كما تطرق الطالب الباحث لجريمة الإبادة الجماعية، التي عرفتها المادة 6 وحدت أفعالها، وبين أن هذه المادة جاءت غير دقيقة مما قد يؤدي إلى نوع من الارتباك في ممارسة المحكمة لاختصاصها مستقبلا ، وأن اشتراط عنصر القصد الجنائي الخاص لقيام الجريمة يشكل صعوبة في الإثبات والتحري عنه.
أوضح الطالب الباحث أن الجريمة ضد الإنسانية وتطورها التاريخي، و قدم تعريفا لها و لأركانها وفق ما هو منصوص عليها في المادة 7 من النظام الأساسي واعتبر أن اشتراط الفقرة أ/2 من نفس المادة لعنصر التكرار في الأفعال الواردة في الفقرة 1 حتى تعد من الجرائم ضد الإنسانية، يثير الاستغراب، كما أوضح أن اشتراط عنصر العلم في فعل "الهجوم"، وربط قيام المسؤولية الجنائية بتحققه، يجعله خاضعا لإرادة الدولة والتفسيرات القانونية المختلفة.
و أوضح الطالب الباحث أن اختصاص المحكمة بخصوص الجرائم المشار إليها، ليس باختصاص استئثاري بل هو اختصاص مكمل للولايات القضائية الوطنية، فعرف الاختصاص التكميلي بأنه العلاقة بين الاختصاص القضائي الوطني واختصاص المحكمة الجنائية الدولية، ويتميز بأنه تكميلي واحتياطي بالنسبة لاختصاص المحكمة، إذ الأولوية للقضاء الوطني. إلا أن هذه القاعدة ليست مطلقة، إذ نصت المادة 17 من النظام على أن المحكـمة الجنائية الدولية تختص بالنظر في الجرائم الدولية إذا تبين أن الدولة صاحبة الولاية غـير راغبة فعلا في القيام بالتحقيق أو المحاكمة، أو غير قادرة على ذلك. ووضح مفهوم الرغبة وعدم القدرة، وتفسير المحكمة لهما.
وتطرق الطالب الباحث إلى مسألة حجية الأحكام الصادرة عن القضاء الوطني أمام المحكمة الجنائية الدولية ومبدأ عدم جواز محاكمة الشخص عن ذات الفعل مرتين، وكذا حجية الحكم الوطني أمام المحكمة الجنائية الدولية، وتوقف عند أهم الإشكالات العملية التي تثار عند تطبيق مبدأ الاختصاص التكميلي و هل نص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ملزم لأطرافه فحسب ؟ أم أن قواعده تسري حتى على الدول غير الأطراف؟ وميز بين حالتين:
حالة الدولة الطرف التي تكون الجريمة في هاتين الحالتين قد ارتكبت في إقليم دولة طرف، أو على متن سفينة أو طائرة مسجلة لديها، أو أن تكون الجريمة قد ارتكبت من أحد رعايا هذه الدولة الطرف، و تطرق لمفهوم إقليم الدولة وكذا مفهوم الرعايا وإشكالية الجنسية.
أما حالة الدول غير الأطراف فإن المحكمة الجنائية الدولية تمارس اختصاصها إزاء الدول غير الأطراف في حالتين، إما برضاها (حالة قبول الاختصاص ) أو بصورة تلقائية ومن غير اشتراط قبولها (حالة الاختصاص التلقائي أو القصري).
وتناول الطالب الباحث بالتحليل سلطة مجلس الأمن على المحكمة الجنائية الدولية، فالمادة 13 من النظام الأساسي لم تشترط في الإحالة المقدمة من قبل مجلس الأمن أية شروط موضوعية أو شكلية، كما أن المحكمة غير ملزمة للتقيد بالشروط السابقة لممارسة الاختصاص إذ ينعقد لها هذا الأخير بمجرد الإحالة بغض النظر عن كون الدولة طرف أو غير طرف، وكذا مكان وقوع الجريمة وجنسية مرتكبها، وأن الإحالة الصادرة عن مجلس الأمن ملزمة للمدعى العام لمباشرة التحقيق.
وبين الطالب الباحث أن مجلس الأمن وبموجب المادة 16 يمارس سلطة الوصاية السابقة واللاحقة على الشكوى المقدمة من الدولة الطرف، والتي بموجبها يتم غل يد المحكمة وأجهزتها عند مباشرة إجراءات التحقيق أو المحاكمة وفي أي مرحلة من مراحل التحقيق أو المحاكمة، مما ينتج عنه فعليا إلغاء المادة 13 فقرة (أ) ، وإلغاء دور المدعي العام، الذي يحرك المتابعة بناء على المعلومات ، بل إن مجلس الأمن أصبح جهازا مسيرا لمكتب المدعي العام، وهو ما أكدته المادة 15 مكرر صراحة. مما يثير التساؤل حول طبيعة المحكمة، خاصة إذا أخدنا بالاعتبار ممارسات مجلس الأمن الانتقائية والإملائية التي تخدم مصالح الدول الكبرى.
كما نبه الطالب الباحث إلى أن المادة 16 من النظام الأساسي لم تضع أية شروط على قرار مجلس الأمن القاضي بالإيقاف أو الإرجاء، كما لم يرد أي تحديد زمني، وهو خلاف ما نصت عليه الفقرة 3 من المادة 18 والتي أوردت شرطا زمنيا لاستفادة الدول من تنازل المدعي العام عن التحقيقات، كما أن المادة 94 وضعت شروطا لقبول طلب الدولة الرامي إلى تأجيل التنفيذ.
وعرض الطالب الباحث في خاتمة بحثه لمقترحات من أجل تفعيل اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية ودعم استقلاليتها، منها تعديل المواد 13، 15 مكرر، 15 مكرر 2، 16، وإلغاء المادة 124 من النظام الأساسي.