على مدى الثلاثين والأربعين عاما الماضية، أتخذ السعي لإيجاد حلول مناسبة للتغلب على مشكلة تزايد حجم المعلومات في مسارين رئيسيين تمثل: أولهما: في تركيز العديد من دراسات علم المعلومات على تطوير عملية فهم طبيعة المعلومات ومكوناتها وكيفية حصرها وتجميعها وتبويبها وتصنيفها وتحليلها بهدف الاستفادة منها بفاعلية عظمى. ثانيهما: تتمثل في ظهور وتزاوج مستحدثات تقنيه متقدمه للتحكم في المعلومات وتجميعها ومعالجاتها واختزانها واسترجاعها وتحسين الانتفاع بها، كالحاسبات وتقنيات المصغرات الفيلمية والأقراص الليزيرية ووسائط الاتصال والانتقال من بعد، التي يشكل تزاوجها واندماجها معا، ما يسمى بتكنولوجيا تقنية المعلومات Information Technology التي حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة، وقد انتهت إلى ظهور شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" وتحول إنسان القرن الحادي والعشرين إلى ما يمكن أن يطلق عليه المواطن العالمي. فعقيدة الإنترنت تتمثل في حماية حرية الحديث وحق الجميع في التعبير عن آرائهم مما يجعل أصوات الناس من مختلف العالم مسموعة دوليا. بيد أن البعض من نشطاء الانترنت أساءوا التعامل معه واستغلاله، و تم تركيزهم على الاستخدامات السلبية غير المقبولة أو غير المشروعة أحيانا، حتى أن كلمة إنترنت أصبحت عند بعض الأفراد مرادفة للإباحية والانفلات وصار الإنترنت هو المتهم البريء دائما في كل مشكلة أو كارثة تحل بالعالم. فبعض هؤلاء النشطاء أما من الجواسيس الذين يحاولون التلصص على الدول أو الهيئات أو البنوك أو الأفراد بغية انتهاك الأمن أو الخصوصية أو الحرمات وأما من الإباحيين الذين يريدون عرض بضاعتهم المشبوهة من صور وموضوعات مثيرة على الشبكة أو من أصحاب العقائد الهدامة أو الأفكار المنحرفة الذين يحاولون نشرها باستخدام الشبكة أو من قراصنة القرن العشرين الذين وجدوا في الشبكة ضالتهم. فقد أبرز التقدم التكنولوجي أنماطا جديدة من الجريمة وكذا من المجرمين، فكان للتقدم في العلوم المختلفة أثره على نوعية الجرائم واستغل المجرم ثمرات هذه العلوم في تطويع المخترعات العلمية الحديثة لخدمة أهدافه الإجرامية، فالمشكلة الرئيسية لا تكمن في استغلال المجرمين للإنترنت وإنما في عجز أجهزة العدالة عن ملاحقتهم، وعدم ملاحقة القانون لهم ومسايرة التكنولوجيا الجديدة لتشريعاته. إنها مشكلة التكيف مع العصر ومتغيراته، فهذه الهوة أو النقص أو الفراغ التشريعي بدأ في الظهور نتيجة عدم تجاوب القانون مع الاحتياجات التي تولدها متغيرات العصر، مما يستدعى تفسير القانون ليواكب تلك المتغيرات الجديدة بما يتلاءم مع ما استجد في الحياة من تقنيات حديثة، ونمط السلوكيات الجديدة، والتي تختلف اختلافا جذريا وجوهريا عن تلك السلوكيات التي عاصرت القوانين المعمول بها. فالقانون الجنائي لا يتطور دائما بنفس السرعة التي تتطور بها التكنولوجيا الحديثة ولاسيما أن نصوص القانون الجنائي التقليدي وضعت في عصر لم يكن الإنترنت قد ظهر ولم تظهر بعد المشاكل القانونية الناشئة عن استخدامه، مما يفرض على رجال القانون التدخل لمكافحة الجرائم الناشئة عن استخدام الإنترنت ومواجهة هذا النقص التشريعي خاصة أنه لا يوجد لدينا نصوص خاصة بهذه الجرائم.
المستشار/ محمد محمد صالح الألفي
عن شبكة المعلومات القانونية العربية
المستشار/ محمد محمد صالح الألفي
عن شبكة المعلومات القانونية العربية