مقدمة
أدى تفاقم عدد حوادث السير المميتة في السنوات الأخيرة، و تلك التي خلفت جروحا بليغة، و تعاظم الكلفة الاقتصادية و الاجتماعية لنتائج و مخلفات هذه الحوادث، إلى تبني المشرع المغربي لمقاربة متشددة نوعا ما أساسها الردع المسبق للسلوكات الخاطئة للسائقين خلال توليهم قيادة العربات و استعمالهم للفضاء الطرقي. فانصبت مجهودات السلطات العمومية و كل المتدخلين في مجال الأمن الطرقي حول رصد العوامل المتسببة والمسهلة لارتكاب هذه الفضاعات على قارعة الطريق بالمغرب.
و لاشك أن من بين الأسباب المتقدمة التي رصدتها الإحصائيات الرسمية، هو انحراف سلوك السائقين عن الانضباط للقوانين الجاري بها العمل، حيث يتوزعه ما هو نفسي، يرتبط بظروف اشتغال البعض منهم، و الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية التي يتعرضون لها، و منها ما له علاقة بتمثل الفرد المغربي على مستوى المخيال الشعبي لكيفية استعمال السيارة أو العربة[[1]]url:#_ftn1 الموسومة بتضخم الأنا و حب التظاهر و خرق القواعد القانونية في مجال السير و الجولان، وغالبا ما يصاحب هذا الزهو بالنفس تعاطي المشروبات الكحولية و استهلاك المخدرات بأنواعها، و أقل درجة من ذلك تناول الأدوية و العقاقير التي يمنع تناولها قبل أو أثناء قيادة العربة، بفعل ما تسببه من إضعاف لقوة التركيز و هدم قوة الإدراك و القدرة على المناورة الإيجابية لمواجهة الأحداث غير المتوقعة.
فبحكم هذا التنظيم التشريعي، كان لزاما مناقشة بعض الجوانب الموضوعية و الإجرائية "السياقة تحت تأثير الكحول" لتنوير الرأي العام بالتبعات القانونية الناجمة عن إقدام السائق على تناول الكحول أثناء سياقة المركبات، لنبين أولا مفهوم السياقة تحت تأثير الكحول، و ثانيا كيفية إثبات هذه الأخيرة من طرف ضباط الشرطة القضائية و الأعوان محرري المحاضر و الجزاء المترتب على اقتراف هذه الجريمة، و مادام الأمر له ارتباط بأحد الركائز الأساسية للحريات الفردية، المتمثلة في حرية التجول و التنقل، نتساءل حول الكيفية التي من خلالها يمكن ضمان التوفيق بين حق الفرد في التمتع بحرية التنقل و التجول، و الواجب المفروض على أعوان المراقبة من فرض احترام القوانين و ضمان سلامة بقية مستعملي الطريق.
المطلب الأول: مفهوم السياقة تحت تأثير الكحول
يتطلب الأمر لتحديد مفهوم السياقة تحت تأثير الكحول، بيان ماهيتها (الفقرة الأولى)، و تحديد العناصر التكوينية لهذا الفعل المخالف للقانون.
أولا تعريف:
يقصد بالسياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة، أن يعمد سائق العربة إلى احتساء قدر معين من المواد الكحولية التي تؤثر لا محال في البنية العقلية لهذا الشخص إما عن طريق تحفيزه بشكل ملفت على اقتراف الأفعال المنافية للقانون، من خلال أثر المشروبات الكحولية الفعال على الجهاز العصبي للفرد، فيحدث بذلك رجة قوية في ملكته الفكرية فينتفي الرقيب الذاتي لهذا الشخص. و إما عبر التأثير سلبا على أداء الوظائف المختلفة للجهاز العصبي، و إضعاف سرعة البديهة و رد الفعل لدى هذا السائق لحظة القيام بالمناورات الأساسية للسياقة، فتضعف تبعا لذلك إمكانية التقدير المناسب و الفعال لهذه الأحداث فيصاب المعني باضطراب و خلل في أداء وظائف الدماغ والأعصاب، فيحدث خلل بذلك في هذه الأخيرة يؤدي إلى الارتخاء أو النوم و فقدان السيطرة على المركبة المساقة.
ثانيا: تمييز السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة عن السكر العلني البين و السياقة في حالته.
تتميز السياقة تحت تأثير الكحول على السكر العلني البين تبعا لما سلف ذكره، فالسياقة تحت تأثر الكحول أو المواد المخدرة تختلف كثيرا عن جنحة الشكر العلني و البين، مادام الأمر يتعلق عند الحديث بالسياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة، عن قيام سائق سيارة أو مركبة[[2]]url:#_ftn2 يشرب المواد الكحولية أو استهلاك المخدرات قبل الشروع في السياقة أو خلالها و بموازاة معها، بالشكل الذي يحدث تحولا في الإدراك الواعي لهذا السائق من جهة، و حتى لو لم تظهر عليه أمارات حالة السكر المعروفة، و المتمثلة في احمرار العينين و التلعثم في الكلام. و أما السكر العلني البين، فيخص الأشخاص الآخرين غير السائقين، عندما يعمد شخص إلى احتساء ما يشاء من المواد الكحولية أو المواد المخدرة، فتوصله إلى درجة لا يقدر على إدراك ما يقوم به، و تمنحه اندفاعا قويا و تمحي من مخيلته الرقابة الذاتية إضافة إلى المواصفات البادية على الشخص في طريقة المشي (التمايل، والسقوط، و عدم القدرة على التوازن في الخطوات المتزنة)، و احمرار العينين و التلعثم في إخراج الكلمات و الشراسة في التعامل مع الآخرين و رائحة طافحة في فمه تكون موضوعا لمشاهدات ومعاينات آنية من طرف ضابط الشرطة القضائية أو أعوانها[[3]]url:#_ftn3 ، في حين أن السياقة تحت تأثير المواد المخدرة، فهي تنصرف إلى استهلاك السائق لكمية معينة من المخدرات خاصة الصلبة[[4]]url:#_ftn4 التي تحدث خلالا عميقا، واضحا في وظائف المخ و الجهاز العصبي، حسب درجة تأثير المخدر و نوعيته و الكمية المأخوذة و الجرعة المستهلكة، بحيث يعاقب على السكر في الحالة المذكورة إذا كان علنيا في الشارع العام أو بينا أي واضحا تثبه المعاينات المباشرة لضابط الشرطة القضائية.
يتمثل الركن المادي أولا في إتيان الفاعل لنشاط مادي بفعل أو امتناع، مخالف للقانون و هذه الجريمة تتحقق بنشاط عبر إتيان فعل شرب المواد الكحولية سواء قبل الاستقرار فوق غرفة القيادة لمدة معينة أو موازة مع سياقة المعني بالأمر لسيارته و لا يتطلب الأمر من هذا الأخير شرب كمية كبيرة من الكحول حتى يعد سكرانا و يساءل طبقا للقواعد العامة، و إنما يعني توفر النسبة المحددة من طرف الإدارة في نفس السائق أو في دمه[[5]]url:#_ftn5 بعد التحليلات و التحقيقات لاعتباره مسؤولا طبقا لقواعد مدونة السير و ليس مضمون المرسوم الملكي.
ثانيا: الركن المعنوي:
يتحدد الركن المعنوي في جنحة السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة في قصد السائق تناول المشروبات الكحولية، و هو عالم بذلك أو تزامن ذلك مع سياقته للمركبة، علما أن المقتضيات القانونية الواردة في القانون الجنائي خاصة المادة 137، بحيث أن السكر و حالات الانفعال و الاندفاع العاطفي أو الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا لا يعفي من المسؤولية أو ينقصها. و هو ما يطبق على السائق الذي يعلم حق العلم بخطورة تعاطي الكحول أثناء السياقة، حتى لو كان بقدر يسير يتحقق معه النسبة المحددة في القرار المشترك المذكور.
المطلب الثاني: إثبات جنحة السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة
و الجزاء المترتب عنها
لإثبات جنحة السياقة تحت تأثير الكحول أهمية بالغة في إسناد الفعل المرتكب إلى صاحبه، وترتيب الجزاء القانوني المنصوص عليه في مدونة السير.
أولا: فرض رائز التنفس:
حول القانون لضابط الشرطة القضائية[[8]]url:#_ftn8 ، طبقا لتعليمات وكيل الملك أو بمبادرتهم الخاصة، وكذا أعوان المراقبة محرري المحاضر تنفيذا لأمر من ضابط الشرطة المختص مكانيا و تحت مسؤوليته، أن يستعملوا رائز التنفس عن طريق النفخ في الجهاز المخصص للكشف عن درجة تشبع الهواء المنبعث من فم السائق بالكحول و ذلك في الأحوال التي يخولها القانون، و خاصة على كل من ارتكب حادثة السير أو اشترك في حدوثها و لو كان ضحيتها، إضافة إلى كل شخص يسوق مركبة أو مطبة على الطريق العمومية في حال ارتكابه مخالفة لأحكام هذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه.
إضافة إلى ما سبق، خول القانون لضابط الشرطة القضائية و الأعوان محرري المحاضر، إخضاع أي شخص يسوق مركبة لرائز التنفس حتى و لم تظهر عليه علامات السكر البين، و ذلك أثناء المراقبة الموضوعاتية بالمحاور الطرقية الكبرى، و الأماكن التي يكثر فيها استهلاك الكحول في الفنادق و المناطق السياحية.
ثانيا: الفحوصات الطبية و السريرية:
يلجأ إلى القيام بالتحقيقات الهادفة، إذ يتم تحديد نسبة تشبع الهواء بالكحول في فم المعني بالأمر، حين يعمد إلى الطعن في ذلك أو إذا رفض الخضوع مسبقا لرائز النفس، يحق لضابط الشرطة القضائية القيام بالتحقيقات الهادفة إلى التثبت من تجاوز الحد المقرر لنسبة تشبع الهواء بالكحول في الفم عن طريق الفحوصات الطبية السريرية و البيولوجية بأخذ عينة من دم المخالف وتحليلها للتأكد، أو إعادة فرض رائز التنفس بواسطة جهاز آخر، و وجب بعد ذلك الاحتفاظ بعينة من ذلك طبقا للنصوص المعمول بها[[9]]url:#_ftn9 و يسري نفس الحكم إذا تعذر على ضابط الشرطة القضائية إخضاع السائق لرائز التنفس بفعل عجز بدني مثبت من طرف طبيب.
حددت المادة 183 من مدونة السير عقوبة جنحة السياقة تحت تأثير الكحول في الحبس من 6 أشهر إلى سنة و بغرامة من خمسة آلاف درهم إلى عشرة آلاف درهم، أو بإحدى العقوبتين فقط، وتأمر المحكمة المختصة لزوما بإجراء إضافي بموجبه توقف الإدارة رخصة السياقة الخاصة بالمعني بالأمر لمدة تتراوح بين 6 أشهر و سنة واحدة. و في حالة العود إلى ارتكاب المخالفة داخل 5 سنوات التالية لصدور مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضى به من أجل مخالفات مماثلة، ترفع العقوبات إلى الضعف، وتسري نفس الأحكام في حق معلم السياقة في حال تم ضبط متدرب السياقة مرتكبا لهذا الفعل..
ثانيا: سحب رصيد من النقط من رخصة السياقة:
بفعل خطورة الفعل المرتكب من طرف السائق، و المتمثل في سياقة عربته تحت تأثير الكحول، فإن المشرع لم يكتف بتطبيق العقوبة السالبة للحرية و الغرامة المالية، و إنما عزز هذه الإجراءات بخصم ستة نقط من الرصيد المخصص لرخصة السياقة الخاصة بالمعني بالأمر طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 99 من مدونة السير، هادفا إلى مضاعفة التدابير الاحترازية لثني السائقين على إتيان هذا السلوك الخطير.
خــاتــمــة
و الجدير بالذكر، أنه رغم المبررات القانونية التي سقناها لزجر هذا السلوك، زيادة على المسوغات الواقعية لذلك، تظهر الحاجة ملحة إلى تبيان الكيفية التي حاول المشرع المغربي في مدونة السير إيجاد التوازن المطلوب بين دواعي السلامة الطرقية و جعل الطريق آمنة. و ما يقابل ذلك من حقوق الأفراد في التجول بحرية و احترام خصوصياتهم.
علما أن الفقرة الأخيرة من المادة 207 من مدونة السير خولت لضباط الشرطة القضائية وللأعوان محرري المحاضر و حتى في الحالات التي لا تظهر على السائق أية أمارات للسكر البين، إخضاع هذا الأخير عند ضبطه يسوق مركبة لرائز النفس للكشف عن تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول و ذلك دعما للدور الوقائي لوحدات المراقبة الطرقية التابعة لمصالح الأمن الوطني و الدرك الملكي بالمحاور الطرقية الكبرى و الشوارع الرئيسية للمدن المغربية، و تزويدها بالأجهزة المخصصة لذلك، مع تثبيت أسلوب المراقبة الموضوعاتية الموجهة في المكان و الزمان لزجر هذا النوع من المخالفات بطبيعة الحال، و اختيار أماكن المراقبة بعناية خاصة.
أدى تفاقم عدد حوادث السير المميتة في السنوات الأخيرة، و تلك التي خلفت جروحا بليغة، و تعاظم الكلفة الاقتصادية و الاجتماعية لنتائج و مخلفات هذه الحوادث، إلى تبني المشرع المغربي لمقاربة متشددة نوعا ما أساسها الردع المسبق للسلوكات الخاطئة للسائقين خلال توليهم قيادة العربات و استعمالهم للفضاء الطرقي. فانصبت مجهودات السلطات العمومية و كل المتدخلين في مجال الأمن الطرقي حول رصد العوامل المتسببة والمسهلة لارتكاب هذه الفضاعات على قارعة الطريق بالمغرب.
و لاشك أن من بين الأسباب المتقدمة التي رصدتها الإحصائيات الرسمية، هو انحراف سلوك السائقين عن الانضباط للقوانين الجاري بها العمل، حيث يتوزعه ما هو نفسي، يرتبط بظروف اشتغال البعض منهم، و الضغوط الاقتصادية و الاجتماعية التي يتعرضون لها، و منها ما له علاقة بتمثل الفرد المغربي على مستوى المخيال الشعبي لكيفية استعمال السيارة أو العربة[[1]]url:#_ftn1 الموسومة بتضخم الأنا و حب التظاهر و خرق القواعد القانونية في مجال السير و الجولان، وغالبا ما يصاحب هذا الزهو بالنفس تعاطي المشروبات الكحولية و استهلاك المخدرات بأنواعها، و أقل درجة من ذلك تناول الأدوية و العقاقير التي يمنع تناولها قبل أو أثناء قيادة العربة، بفعل ما تسببه من إضعاف لقوة التركيز و هدم قوة الإدراك و القدرة على المناورة الإيجابية لمواجهة الأحداث غير المتوقعة.
فبحكم هذا التنظيم التشريعي، كان لزاما مناقشة بعض الجوانب الموضوعية و الإجرائية "السياقة تحت تأثير الكحول" لتنوير الرأي العام بالتبعات القانونية الناجمة عن إقدام السائق على تناول الكحول أثناء سياقة المركبات، لنبين أولا مفهوم السياقة تحت تأثير الكحول، و ثانيا كيفية إثبات هذه الأخيرة من طرف ضباط الشرطة القضائية و الأعوان محرري المحاضر و الجزاء المترتب على اقتراف هذه الجريمة، و مادام الأمر له ارتباط بأحد الركائز الأساسية للحريات الفردية، المتمثلة في حرية التجول و التنقل، نتساءل حول الكيفية التي من خلالها يمكن ضمان التوفيق بين حق الفرد في التمتع بحرية التنقل و التجول، و الواجب المفروض على أعوان المراقبة من فرض احترام القوانين و ضمان سلامة بقية مستعملي الطريق.
المطلب الأول: مفهوم السياقة تحت تأثير الكحول
يتطلب الأمر لتحديد مفهوم السياقة تحت تأثير الكحول، بيان ماهيتها (الفقرة الأولى)، و تحديد العناصر التكوينية لهذا الفعل المخالف للقانون.
- الفقرة الأولى: مفهوم السياقة تحت تاثير الكحول أو المواد المخدرة:
يقصد بالسياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة، أن يعمد سائق العربة إلى احتساء قدر معين من المواد الكحولية التي تؤثر لا محال في البنية العقلية لهذا الشخص إما عن طريق تحفيزه بشكل ملفت على اقتراف الأفعال المنافية للقانون، من خلال أثر المشروبات الكحولية الفعال على الجهاز العصبي للفرد، فيحدث بذلك رجة قوية في ملكته الفكرية فينتفي الرقيب الذاتي لهذا الشخص. و إما عبر التأثير سلبا على أداء الوظائف المختلفة للجهاز العصبي، و إضعاف سرعة البديهة و رد الفعل لدى هذا السائق لحظة القيام بالمناورات الأساسية للسياقة، فتضعف تبعا لذلك إمكانية التقدير المناسب و الفعال لهذه الأحداث فيصاب المعني باضطراب و خلل في أداء وظائف الدماغ والأعصاب، فيحدث خلل بذلك في هذه الأخيرة يؤدي إلى الارتخاء أو النوم و فقدان السيطرة على المركبة المساقة.
ثانيا: تمييز السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة عن السكر العلني البين و السياقة في حالته.
تتميز السياقة تحت تأثير الكحول على السكر العلني البين تبعا لما سلف ذكره، فالسياقة تحت تأثر الكحول أو المواد المخدرة تختلف كثيرا عن جنحة الشكر العلني و البين، مادام الأمر يتعلق عند الحديث بالسياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة، عن قيام سائق سيارة أو مركبة[[2]]url:#_ftn2 يشرب المواد الكحولية أو استهلاك المخدرات قبل الشروع في السياقة أو خلالها و بموازاة معها، بالشكل الذي يحدث تحولا في الإدراك الواعي لهذا السائق من جهة، و حتى لو لم تظهر عليه أمارات حالة السكر المعروفة، و المتمثلة في احمرار العينين و التلعثم في الكلام. و أما السكر العلني البين، فيخص الأشخاص الآخرين غير السائقين، عندما يعمد شخص إلى احتساء ما يشاء من المواد الكحولية أو المواد المخدرة، فتوصله إلى درجة لا يقدر على إدراك ما يقوم به، و تمنحه اندفاعا قويا و تمحي من مخيلته الرقابة الذاتية إضافة إلى المواصفات البادية على الشخص في طريقة المشي (التمايل، والسقوط، و عدم القدرة على التوازن في الخطوات المتزنة)، و احمرار العينين و التلعثم في إخراج الكلمات و الشراسة في التعامل مع الآخرين و رائحة طافحة في فمه تكون موضوعا لمشاهدات ومعاينات آنية من طرف ضابط الشرطة القضائية أو أعوانها[[3]]url:#_ftn3 ، في حين أن السياقة تحت تأثير المواد المخدرة، فهي تنصرف إلى استهلاك السائق لكمية معينة من المخدرات خاصة الصلبة[[4]]url:#_ftn4 التي تحدث خلالا عميقا، واضحا في وظائف المخ و الجهاز العصبي، حسب درجة تأثير المخدر و نوعيته و الكمية المأخوذة و الجرعة المستهلكة، بحيث يعاقب على السكر في الحالة المذكورة إذا كان علنيا في الشارع العام أو بينا أي واضحا تثبه المعاينات المباشرة لضابط الشرطة القضائية.
- الفقرة الثانية: العناصر التكوينية لجنحة السياقة تحت تاثير الكحول و المواد المخدرة:
يتمثل الركن المادي أولا في إتيان الفاعل لنشاط مادي بفعل أو امتناع، مخالف للقانون و هذه الجريمة تتحقق بنشاط عبر إتيان فعل شرب المواد الكحولية سواء قبل الاستقرار فوق غرفة القيادة لمدة معينة أو موازة مع سياقة المعني بالأمر لسيارته و لا يتطلب الأمر من هذا الأخير شرب كمية كبيرة من الكحول حتى يعد سكرانا و يساءل طبقا للقواعد العامة، و إنما يعني توفر النسبة المحددة من طرف الإدارة في نفس السائق أو في دمه[[5]]url:#_ftn5 بعد التحليلات و التحقيقات لاعتباره مسؤولا طبقا لقواعد مدونة السير و ليس مضمون المرسوم الملكي.
ثانيا: الركن المعنوي:
يتحدد الركن المعنوي في جنحة السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة في قصد السائق تناول المشروبات الكحولية، و هو عالم بذلك أو تزامن ذلك مع سياقته للمركبة، علما أن المقتضيات القانونية الواردة في القانون الجنائي خاصة المادة 137، بحيث أن السكر و حالات الانفعال و الاندفاع العاطفي أو الناشئ عن تعاطي المواد المخدرة عمدا لا يعفي من المسؤولية أو ينقصها. و هو ما يطبق على السائق الذي يعلم حق العلم بخطورة تعاطي الكحول أثناء السياقة، حتى لو كان بقدر يسير يتحقق معه النسبة المحددة في القرار المشترك المذكور.
المطلب الثاني: إثبات جنحة السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة
و الجزاء المترتب عنها
لإثبات جنحة السياقة تحت تأثير الكحول أهمية بالغة في إسناد الفعل المرتكب إلى صاحبه، وترتيب الجزاء القانوني المنصوص عليه في مدونة السير.
- الفقرة الأولى: إثبات جنحة السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة:
أولا: فرض رائز التنفس:
حول القانون لضابط الشرطة القضائية[[8]]url:#_ftn8 ، طبقا لتعليمات وكيل الملك أو بمبادرتهم الخاصة، وكذا أعوان المراقبة محرري المحاضر تنفيذا لأمر من ضابط الشرطة المختص مكانيا و تحت مسؤوليته، أن يستعملوا رائز التنفس عن طريق النفخ في الجهاز المخصص للكشف عن درجة تشبع الهواء المنبعث من فم السائق بالكحول و ذلك في الأحوال التي يخولها القانون، و خاصة على كل من ارتكب حادثة السير أو اشترك في حدوثها و لو كان ضحيتها، إضافة إلى كل شخص يسوق مركبة أو مطبة على الطريق العمومية في حال ارتكابه مخالفة لأحكام هذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه.
إضافة إلى ما سبق، خول القانون لضابط الشرطة القضائية و الأعوان محرري المحاضر، إخضاع أي شخص يسوق مركبة لرائز التنفس حتى و لم تظهر عليه علامات السكر البين، و ذلك أثناء المراقبة الموضوعاتية بالمحاور الطرقية الكبرى، و الأماكن التي يكثر فيها استهلاك الكحول في الفنادق و المناطق السياحية.
ثانيا: الفحوصات الطبية و السريرية:
يلجأ إلى القيام بالتحقيقات الهادفة، إذ يتم تحديد نسبة تشبع الهواء بالكحول في فم المعني بالأمر، حين يعمد إلى الطعن في ذلك أو إذا رفض الخضوع مسبقا لرائز النفس، يحق لضابط الشرطة القضائية القيام بالتحقيقات الهادفة إلى التثبت من تجاوز الحد المقرر لنسبة تشبع الهواء بالكحول في الفم عن طريق الفحوصات الطبية السريرية و البيولوجية بأخذ عينة من دم المخالف وتحليلها للتأكد، أو إعادة فرض رائز التنفس بواسطة جهاز آخر، و وجب بعد ذلك الاحتفاظ بعينة من ذلك طبقا للنصوص المعمول بها[[9]]url:#_ftn9 و يسري نفس الحكم إذا تعذر على ضابط الشرطة القضائية إخضاع السائق لرائز التنفس بفعل عجز بدني مثبت من طرف طبيب.
- الفقرة الثانية: العقوبات المقررة لجنحة السياقة تحت تأثير الكحول أو المواد المخدرة:
حددت المادة 183 من مدونة السير عقوبة جنحة السياقة تحت تأثير الكحول في الحبس من 6 أشهر إلى سنة و بغرامة من خمسة آلاف درهم إلى عشرة آلاف درهم، أو بإحدى العقوبتين فقط، وتأمر المحكمة المختصة لزوما بإجراء إضافي بموجبه توقف الإدارة رخصة السياقة الخاصة بالمعني بالأمر لمدة تتراوح بين 6 أشهر و سنة واحدة. و في حالة العود إلى ارتكاب المخالفة داخل 5 سنوات التالية لصدور مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضى به من أجل مخالفات مماثلة، ترفع العقوبات إلى الضعف، وتسري نفس الأحكام في حق معلم السياقة في حال تم ضبط متدرب السياقة مرتكبا لهذا الفعل..
ثانيا: سحب رصيد من النقط من رخصة السياقة:
بفعل خطورة الفعل المرتكب من طرف السائق، و المتمثل في سياقة عربته تحت تأثير الكحول، فإن المشرع لم يكتف بتطبيق العقوبة السالبة للحرية و الغرامة المالية، و إنما عزز هذه الإجراءات بخصم ستة نقط من الرصيد المخصص لرخصة السياقة الخاصة بالمعني بالأمر طبقا لما هو منصوص عليه في المادة 99 من مدونة السير، هادفا إلى مضاعفة التدابير الاحترازية لثني السائقين على إتيان هذا السلوك الخطير.
خــاتــمــة
و الجدير بالذكر، أنه رغم المبررات القانونية التي سقناها لزجر هذا السلوك، زيادة على المسوغات الواقعية لذلك، تظهر الحاجة ملحة إلى تبيان الكيفية التي حاول المشرع المغربي في مدونة السير إيجاد التوازن المطلوب بين دواعي السلامة الطرقية و جعل الطريق آمنة. و ما يقابل ذلك من حقوق الأفراد في التجول بحرية و احترام خصوصياتهم.
علما أن الفقرة الأخيرة من المادة 207 من مدونة السير خولت لضباط الشرطة القضائية وللأعوان محرري المحاضر و حتى في الحالات التي لا تظهر على السائق أية أمارات للسكر البين، إخضاع هذا الأخير عند ضبطه يسوق مركبة لرائز النفس للكشف عن تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول و ذلك دعما للدور الوقائي لوحدات المراقبة الطرقية التابعة لمصالح الأمن الوطني و الدرك الملكي بالمحاور الطرقية الكبرى و الشوارع الرئيسية للمدن المغربية، و تزويدها بالأجهزة المخصصة لذلك، مع تثبيت أسلوب المراقبة الموضوعاتية الموجهة في المكان و الزمان لزجر هذا النوع من المخالفات بطبيعة الحال، و اختيار أماكن المراقبة بعناية خاصة.
الهوامش
[[1]]url:#_ftnref1 - تعد العربات بكل أنواعها وسائل للقتل و الإيذاء، إذا أسيء استعمالها و انحرف ذلك عن الغاية المرجوة من صنعها من طرف السائقين المتهورين.
[[2]]url:#_ftnref2 - تختلف السيارة عن المركبة طبقا لما ورد في المادة 44 من مدونة السير.
[[3]]url:#_ftnref3 - المادة 6 من المرسوم الملكي المتعلق بالمعاقبة على السكر العلني البين بتاريخ 14 نونبر 1967.
[[4]]url:#_ftnref4 - تخلف المخدرات الصلبة من قبيل الكوكايين و الهرويين و الأفيون أثرا مدمرا على القدرات العقلية
[[5]]url:#_ftnref5 - حدد القرار المشترك بين وزير التجهيز و النقل و وزير الصحة رقم 2707.10 المنشورة بالجريدة الرسمية عدد 5878 بتاريخ 30/09/2010 نسبة 0.10 ملم/ اللتر في الهواء المنبعث من الفم، و 0.20 غرام في اللتر في دمه.
[[6]]url:#_ftnref6 - المادة 286 من قانون المسطرة الجنائية.
[[7]]url:#_ftnref7 - قرار المجلس الأعلى (محكمة النقض) عدد 839/8 في الملف الجنحي عدد 7797 بتاريخ 06/08/2011 منشور بمجلة الملف عدد 19 ص 316، حيث ذهبت محكمة النقض إلى اعتبار أن جنحة السياقة تحت تأثير الكحول لا تثبت باعتراف المتهم أمام الضابطة القضائية، و لا تثبت كذلك بمحضر المعاينة المحرر من طرف الشرطة القضائية، و إنما طبقا للشكل المحدد في المادة 183 من مدونة السير.
[[8]]url:#_ftnref8 - المادة 207 من مدونة السير على الطرق.
[[9]]url:#_ftnref9 - المادة 210 من مدونة السير.