قضت المحكمة الإدارية بالرباط في حكم لها ما يلي:
من شروط التعويض عن الاعتقال الاحتياطي كصورة من صور الخطأ القضائي أن يكون خاطئا أو تعسفيا ونتج عنه ضرر مادي أو معنوي.
اكتساب قرار الاعتقال صبغة الخطأ أو التعسف المرتب للمساءلة القانونية، يتطلب إثبات براءة المعتقل احتياطيا من المنسوب إليه بمقتضى حكم قضائي بات، يثبت بصفة نهائية وقطعية براءة الشخص المتابع.
صدور حكم بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها لا ينفي الصبغة الجرمية عن الفعل المرتكب سبب الاعتقال ولا يفيد البراءة منه، ولا يعني بالضرورة أن قرار الاعتقال الاحتياطي كان خاطئا، لكون قضاة محكمة الموضوع هم الجهة المختصة أساسا للبحث في مدى صحة الدفع بالتقادم المثار من طرف الشخص المتابع، وليس قضاة النيابة العامة الذين يتمتعون بسلطة الملاءمة إزاء الدعوى العمومية، اعتبارا لظروف كل قضية وملابساتها، مع حقهم في تقدير خطورة الفعل الجرمي وردود الفعل المحتملة بشأنه سواء من طرف الضحايا أو ذويهم أو المجتمع، فلا يعدو أن يكون قرار الاعتقال الاحتياطي في ضوء ما ذكر إلا استعمالا للسلطات المقررة قانونا.
عدم ثبوت أي تقصير من جانب النيابة العامة في تطبيق القانون... انعدام ركن الخطأ اللازم لانعقاد المسؤولية... رفض الطلب...
يثير حكم المحكمة الإدارية بالرباط إشكالية التعويض عن الاعتقال الاحتياطي، للتعليق على هذا الحكم لابد من استعراض الوقائع والحيثيات والمنطوق.
1- الوقائع:
بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدم به المدعي بواسطة نائبه يعرض فيه بأنه على إثر متابعته بجريمة النصب وعدم تنفيذ عقد وتقديمه في حالة تلبس تم اعتقاله احتياطيا وقضى 29 يوما مدة الاعتقال بالسجن المحلي تحت رقم 24320 في القضية عدد 1644/2006/1 خلال المدة المتراوحة من 22/12/2006 إلى 24/1/2007، وقد صدر حكم عن ابتدائية سلا تحت عدد 125 بتاريخ 24/1/2007 قضى بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها، وتم تأييد هذا الحكم بمقتضى قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 24/1/2008 في الملف عدد 2011/2007، وأصبح نهائيا وفق الثابت من شهادة عدم النقض، وإن النيابة العامة بسلا جانبت الصواب لكونها لم تتقص واقعة التقادم ولم تبحث في وسائل قطعه خلال جلسة الاستنطاق أو من خلال مستندات الملف، وكذا تقصيرها أثناء توجيه الأسئلة إلى مقدم الشكاية لمعرفة أسباب تقاعس المشتري الهالك عن توجيه مطالبة قضائية طيلة حياته بهذا الشأن، وهي أمور قانونية يتعين على النيابة العامة الإحاطة بها، وعدم اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي باعتباره إجراء تحفظيا لا يتخذ إلا عند قيام أفعال لم يمر عليها أمد التقادم، فضلا عن عدم قيام حالة التلبس، وأن حرية الأشخاص مقدسة لا يمكن المساس بها إلا في حدود القانون، وفق ما أكده الدستور والخطابات الملكية بهذا الخصوص، وأن التقصير في البحث والتقصي يشكل خطأ قضائيا في تطبيق القانون، وأن إنصافه من طرف قضاء الموضوع لا يمحي الضرر النفسي والمادي الذي أصابه، لأجله يلتمس الحكم على المدعى عليهم بتعويض مسبق في مبلغ 5000 درهم جبرا للضرر المادي والمعنوي وبإجراء خبرة لتحديد الضرر المباشر الحقيقي وغير المباشر مع حفظ حقه في الإدلاء بمستنتجاته وطلباته النهائية. وأرفق المقال بنسخة من الحكم الابتدائي والقرار الاستئنافي وشهادة بعدم النقض وشهادة من سجل الاعتقال وبطاقة السوابق ونسخة حكم ابتدائي قضى بعدم الاختصاص.
2- الحيثيات:
في الشكل:
حيث قدمت الدعوى من ذي صفة ومصلحة ومستوفية لباقي الشروط الشكلية المتطلبة قانونا مما يتعين معه الحكم بقبولها.
في الموضوع:
حيث يهدف مضمون الطلب إلى الحكم بمسؤولية الدولة عن الاعتقال الاحتياطي بعد ثبوت صدور حكم بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها.
وحيث أسس المدعي دعواه على كون ثبوت التقصير في البحث والتقصي من طرف النيابة العامة بخصوص واقعة تقادم الشكاية المقدمة ضده بشأن عدم تنفيذ عقد، والأمر باعتقاله احتياطيا يشكل خطأ قضائيا في تطبيق القانون، يستحق معه تعويضا عن الضرر المادي والمعنوي اللاحق به جراء ذلك.
وحيث أقر الدستور المغربي الجديد حق التعويض عن الخطأ القضائي طبقا لمقتضيات الفصل 122 منه الذي جاء فيه ما يلي: "يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة"، كما أكد في الفصل 23 منه على انه: "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون".
وحيث إنه ولئن كان تقرير الحق للمتهم الذي صدر حكم ببراءته أو لمن تضرر من خطأ قضائي، كما في حالة الاعتقال الاحتياطي الخاطئ أو التعسفي، يعتبر وسيلة فعالة لحماية حق الفرد في الحرية المقرر دستوريا، من خلال تمكين المتضرر من الحصول على تعويض جابر للأضرار المادية والمعنوية التي أصابته من جراء ذلك تتحمله الدولة، فإن ذلك مقرون في إطار دعوى المسؤولية عن نشاط مرفق القضاء بإثبات توفر شروط قيام هذه المسؤولية، في غياب تشريع خاص ينظم هذا التعويض على غرار المعمول به في فرنسا مثلا.
وحيث حدد قانون المسطرة الجنائية حالات الاعتقال الاحتياطي ونص عليه باعتباره تدبيرا استثنائيا تقتضيه مصلحة التحقيق، وخول للنيابة العامة في إطار سلطة الملاءمة بمناسبة تطبيق هذا الإجراء صلاحية تقدير الحاجة إليه بحسب ظروف وملابسات كل قضية، حماية للمتهم نفسه من خطر أي رد فعل عن الجريمة المرتكبة، على أن تراعي في كل ذلك، خطورة الفعل الجرمي المرتكب ودرجة تأثيره على الأمن والسلم المجتمعي.
وحيث إن من شروط التعويض عن الاعتقال الاحتياطي كصورة من صور الخطأ القضائي أن يكون خاطئا أو تعسفيا ونتج عنه ضرر مادي أو معنوي.
وحيث إن اكتساب قرار الاعتقال الاحتياطي صبغة الخطأ أو التعسف المرتب للمساءلة القانونية، يتطلب إثبات براءة المعتقل احتياطيا من المنسوب إليه بمقتضى حكم قضائي بات، يثبت بصفة نهائية وقطعية براءة الشخص المتابع.
وحيث إنه بالرجوع إلى وقائع المتابعة موضوع الحكم القاضي بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها، تبين أن متابعة النيابة العامة للمدعي باعتباره مرتكبا لجريمة نصب والتصرف في مال غير قابل للتفويت والإضرار بمن سبق له التعاقد معه، جاءت على إثر الشكاية المقدمة ضده من طرف الخلف العام للمشتري، الذي اشترى من المدعي قطعة أرضية تحمل رقم 26، وتبين من تصريحات هذا الأخير (أي المدعي) المضمنة بالحكم الابتدائي المستدل به، أنه يقر بكونه بعد وفاة المشتري وعدم حضور ورثته عمل على استغلال الأرض موضوع النزاع، وأن الأرض التي باعها تحمل رقم 15 بسانية الجواهري وأن العقد الذي أبرمه مع الهالك، والمتضمن لرقم 26 كان في الأصل قبل تجهيز البقع الأرضية، وبعد التجهيز أصبحت البقعة موضوع النزاع تحمل رقم 15، بينما تشبث المشتكون بكون القطعة التي اشتراها مورثهم تحمل رقم 26 وتم تفويتها للغير.
وحيث إن صدور حكم بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها لا ينفي الصبغة الجرمية عن الفعل المرتكب سبب الاعتقال ولا يفيد البراءة منه، ولا يعني بالضرورة أن قرار الاعتقال الاحتياطي كان خاطئا، لكون قضاة محكمة الموضوع هم الجهة المختصة أساسا للبحث في مدى صحة الدفع بالتقادم المثار من طرف الشخص المتابع، وليس قضاة النيابة العامة الذين يتمتعون بسلطة الملاءمة إزاء الدعوى العمومية، اعتبارا لظروف كل قضية وملابساتها، مع حقهم في تقدير خطورة الفعل الجرمي وردود الفعل المحتملة بشأنه سواء من طرف الضحايا أو ذويهم أو المجتمع، فلا يعدو أن يكون قرار الاعتقال الاحتياطي في ضوء ما ذكر إلا استعمالا للسلطات المقررة قانونا.
وحيث إن الحسم في تحقق واقعة التقادم في ظل وجود متابعة بجريمة النصب وعدم تنفيذ عقد، لا يكون إلا بمقتضى حكم قضائي يفصل في مسألة التقادم وعدم وجود ما يقطعه، والذي يستقل قضاة الحكم بتقديره، في ضوء المعطيات التي يتم عرضها خلال مناقشة القضية، وبالتالي لا يمكن تحميل المسؤولية في هذه الحالة للنيابة العامة لعدم ثبوت أي تقصير من جانبها في تطبيق القانون، مما ينعدم معه ركن الخطأ اللازم لانعقاد المسؤولية، ويكون مآل الطلب هو الرفض.
3- المنطوق:
حكمت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا:
في الشكل: بقبول الدعوى
في الموضوع: برفض الطلب مع إبقاء المصاريف على عاتق رافعه.
4- التعليق:
سعيا إلى ضمان حقوق وحريات الأفراد كان لزاما على الدولة أن ترعى حقوق وحريات رعاياها وترفع عنهم الأضرار التي تلم بهم من جراء تدبير المرافق العامة، وكانت بداية التعويض ممثلة في الأضرار التي تلحق الأفراد نتيجة أعمال السلطات الإدارية.
إلا أن مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، ظلت منذ مدة بمنأى عن إقرارها، لاعتبارات متعددة، استقلال السلطة القضائية، مبدأ حجية الأحكام القضائية وعدم عرقلة سير العدالة، هذه المبررات دافع عنها القضاء باستماتة في قراراتهم وأحكامهم.
ومع تطور الحقوق والحريات وظهور حالات متعددة تتحقق فيها مسؤولية السلطة القضائية أدت إلى إعادة النظر في قاعدة عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، تدخل مشرعو بعض الدول لوضع بعض الاستثناءات على تلك القاعدة، والمشرع الدستوري المغربي اتجه بدوره في هذا الاتجاه من خلال التنصيص على التعويض عن الخطأ القضائي في الفصل 122 من دستور 2011، مع العلم أن المشرع العادي في بعض القوانين أقر بإمكانية الأفراد الذين يحكم ببراءتهم نتيجة التماس إعادة النظر في الأحكام الجنائية الحق في الحصول على تعويض من الدولة، كما أقر المشرع المغربي بمسؤولية الدولة عن طريق دعوى المخاصمة.
وبخصوص مسؤولية الدولة عن أضرار الاعتقال الاحتياطي التعسفي (الحكم موضوع التعليق) فلابد في البداية من تحديد مجموعة من المفاهيم.
الاعتقال الاحتياطي إجراء تأمر به سلطة التحقيق لتقيد حرية شخص اتهم في جريمة ما بهدف الوصول إلى الحقيقة، فإذا كان أمر الاعتقال الاحتياطي قانونيا ومشروعا فلا مسؤولية عنه.
أما إذا كان الاعتقال الاحتياطي غير مبرر أو غير قانوني أو كان إجراءا تحكميا أو تعسفيا فإنه يجب النظر في أمر تعويض المضرور منه.
وقد اهتمت المواثيق الدولية والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان بالحفاظ على حرية الأفراد وعدم جواز القبض عليهم دون سند مشروع.
وقد تحقق أن السلطة القضائية كغيرها من مرافق الدولة الأخرى ليست معصومة من الخطأ فقد يقبض على شخص لاتهامه في جريمة ما وتأمر سلطة التحقيق باعتقاله احتياطيا على ذمة هذه القضية وبعد اكتمال التحقيق يتضح براءته من هذا الاتهام، فليس دائما أن يؤدي حبس المتهمين إلى صدور أحكام بإدانتهم جميعا.
وإذا تبين في نهاية الأمر أن اعتقال المتهم كان غير مشروع فإنه يغدو إجراء خطيرا غير عادي يمس حرية الأفراد ويقيدها، لذا يتعين تعويض المتهم الذي خضع لمثل هذا الاعتقال.
ومسؤولية الدولة عن أضرار الاعتقال الاحتياطي التعسفي شغلت الفقه والقضاء منذ زمن بعيد، وذلك فيما يتعلق بالتعويض، إلى أن استجابت بعض التشريعات إلى إقرار مبدأ التعويض عن أضرار الاعتقال الاحتياطي. ثم انتهت أحكام المحاكم وآراء الفقه إلى منح التعويض عن أضرار الاعتقال الاحتياطي كما هو مقرر في حالة إنكار العدالة وبراءة المحكوم عليه بعد التماس إعادة النظر في الأحكام الجنائية.
أ- إقرار مسؤولية الدولة عن أضرار الاعتقال التعسفي:
لخطورة الاعتقال وأثره البالغ في تقييد حرية الشخص أقر المشرع في العديد من الدول حق الشخص الذي يحكم ببراءته أو تنتهي سلطة التحقيق إلى قرار إلغاء المتابعة والدعوى في إمكانية طلب التعويض متى كان الضرر استثنائيا.
وقد تطلب إقرار مسؤولية الدولة عن أضرار الاعتقال التخلي عن القاعدة القديمة في عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، وقضت بإمكانية المضرور من الاعتقال الاحتياطي رفع دعوى تعويض إذا توافرت شروط مخاصمة القضاة.
وقضت أحكام أخرى بجواز قيام مسؤولية الدولة متى أمكن إثبات وجود خطأ مرفقي وتوافرت براءة طالب التعويض.
والملاحظ أن الأحكام القضائية تميزت بترددها فيما يتعلق بالشروط الضرورية لتقرير مسؤولية عن هذه الأضرار الدولة فهل يتطلب من المضرور إثبات الخطأ للحكم بالتعويض؟ أم أن هذا غير متطلب؟ وبمعنى آخر هل تقوم هذه المسؤولية على أساس الخطأ أم على أساس المخاطر؟
قررت أحكام القضاء أن مسؤولية الدولة يمكن أن تؤسس على الخطأ الجسيم في مباشرة الوظيفة القضائية أو على المخاطر الاجتماعية غير العادية، فالمسؤولية تبنى في هذه الحالات على أساس مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة على أساس المخاطر وتحمل التبعة وليس على أساس الخطأ.
اعتبر الفقه أن إقرار مسؤولية الدولة عن أعمال الاعتقال الاحتياطي التعسفي وأنه يجب استبعاد فكرة الخطأ كأساس لقيام مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية وإنما يجب أن تقوم المسؤولية على أساس مختلف عن الخطأ وهو مبدأ مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة، ومما سبق فإن أساس هذه المسؤولية طرح نقاشا آخر حول شروط حق المطالبة بالتعويض.
ب- الشروط الواجب توافرها للتعويض عن أضرار الاعتقال الاحتياطي:
ليست جميع الأحكام التي تصدر بالبراءة بعد الاعتقال الاحتياطي بعوض عنها وإنما يجب أن يتوافر شرطين هما:
أولا: تأكيد براءة المدعي، يعني اكتساب قرار الاعتقال الاحتياطي صبغة الخطأ أو التعسف المرتب للمساءلة القانونية ويتطلب إثبات براءة المعتقل احتياطيا من المنسوب إليه بمقتضى حكم قضائي بات، يثبت بصفة نهائية براءة الشخص المتابع (وهو ما أكدته حيثيات الحكم موضوع التعليق)، لأن بعض المتهمين يقضي ببراءتهم رغم وجود شك في إدانتهم ونضيف إلى هذا الشرط ألا تكون البراءة ناتجة عن مخالفة شرط شكلي أو إجرائي أدى إلى براءة المتهم.
ثانيا: يجب أن يكون الاعتقال الاحتياطي قد تم وفقا للقواعد التي حددها ونص عليها قانون المسطرة الجنائية، فإذا تم القبض على شخص لغير ما نص عليه قانون المسطرة الجنائية فإن الدولة لا تكون مسؤولة عن تعويض المضرور من هذا الاعتقال الاحتياطي ومثال ذلك حالة الاعتقال الإداري إذ أن هذا الاعتقال لا يعد حبسا احتياطيا.
ثالثا: أن يثبت المدعي أن الضرر الذي لحقه تجاوز الحد الذي يسمح به مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. بمعنى أن ينتج عن الاعتقال ضرر مادي ومعنوي وأن يكون الضرر استثنائيا شديد الجسامة والخطورة.
ومجمل القول إن البحث في أساس مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية بصفة عامة والاعتقال التعسفي بصفة خاصة يضع على كاهل الدولة التزامات جديدة، كما أن البحث في أساس هذه المسؤولية أمر يعتريه الغموض وبصاحبه كثرة التأويلات الفقهية لبيان الأساس القانوني السليم لمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية لما تتمتع به السلطة القضائية من خصوصية وحصانة، ومن الصعوبة بمكان إطلاق قاعدة المسؤولية عن أعمال السلطة القضائية كالمسؤولية عن غيرها من أعمال مرافق الدولة الأخرى.
لذا يتطلب لانعقاد مسؤولية الدولة عن أعمال مرفق القضاء وحق التعويض عن الاعتقال التعسفي أن يكون الخطأ جسيما والضرر استثنائيا وذلك للتفرقة بين الخطأ الموجب للمسؤولية في المرافق العامة الأخرى غير المرفق القضائي، لذا فإن ما قضت به المحكمة الإدارية بالرباط كان صائبا في حيثياته ومنطوقه.
من شروط التعويض عن الاعتقال الاحتياطي كصورة من صور الخطأ القضائي أن يكون خاطئا أو تعسفيا ونتج عنه ضرر مادي أو معنوي.
اكتساب قرار الاعتقال صبغة الخطأ أو التعسف المرتب للمساءلة القانونية، يتطلب إثبات براءة المعتقل احتياطيا من المنسوب إليه بمقتضى حكم قضائي بات، يثبت بصفة نهائية وقطعية براءة الشخص المتابع.
صدور حكم بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها لا ينفي الصبغة الجرمية عن الفعل المرتكب سبب الاعتقال ولا يفيد البراءة منه، ولا يعني بالضرورة أن قرار الاعتقال الاحتياطي كان خاطئا، لكون قضاة محكمة الموضوع هم الجهة المختصة أساسا للبحث في مدى صحة الدفع بالتقادم المثار من طرف الشخص المتابع، وليس قضاة النيابة العامة الذين يتمتعون بسلطة الملاءمة إزاء الدعوى العمومية، اعتبارا لظروف كل قضية وملابساتها، مع حقهم في تقدير خطورة الفعل الجرمي وردود الفعل المحتملة بشأنه سواء من طرف الضحايا أو ذويهم أو المجتمع، فلا يعدو أن يكون قرار الاعتقال الاحتياطي في ضوء ما ذكر إلا استعمالا للسلطات المقررة قانونا.
عدم ثبوت أي تقصير من جانب النيابة العامة في تطبيق القانون... انعدام ركن الخطأ اللازم لانعقاد المسؤولية... رفض الطلب...
يثير حكم المحكمة الإدارية بالرباط إشكالية التعويض عن الاعتقال الاحتياطي، للتعليق على هذا الحكم لابد من استعراض الوقائع والحيثيات والمنطوق.
1- الوقائع:
بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدم به المدعي بواسطة نائبه يعرض فيه بأنه على إثر متابعته بجريمة النصب وعدم تنفيذ عقد وتقديمه في حالة تلبس تم اعتقاله احتياطيا وقضى 29 يوما مدة الاعتقال بالسجن المحلي تحت رقم 24320 في القضية عدد 1644/2006/1 خلال المدة المتراوحة من 22/12/2006 إلى 24/1/2007، وقد صدر حكم عن ابتدائية سلا تحت عدد 125 بتاريخ 24/1/2007 قضى بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها، وتم تأييد هذا الحكم بمقتضى قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 24/1/2008 في الملف عدد 2011/2007، وأصبح نهائيا وفق الثابت من شهادة عدم النقض، وإن النيابة العامة بسلا جانبت الصواب لكونها لم تتقص واقعة التقادم ولم تبحث في وسائل قطعه خلال جلسة الاستنطاق أو من خلال مستندات الملف، وكذا تقصيرها أثناء توجيه الأسئلة إلى مقدم الشكاية لمعرفة أسباب تقاعس المشتري الهالك عن توجيه مطالبة قضائية طيلة حياته بهذا الشأن، وهي أمور قانونية يتعين على النيابة العامة الإحاطة بها، وعدم اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي باعتباره إجراء تحفظيا لا يتخذ إلا عند قيام أفعال لم يمر عليها أمد التقادم، فضلا عن عدم قيام حالة التلبس، وأن حرية الأشخاص مقدسة لا يمكن المساس بها إلا في حدود القانون، وفق ما أكده الدستور والخطابات الملكية بهذا الخصوص، وأن التقصير في البحث والتقصي يشكل خطأ قضائيا في تطبيق القانون، وأن إنصافه من طرف قضاء الموضوع لا يمحي الضرر النفسي والمادي الذي أصابه، لأجله يلتمس الحكم على المدعى عليهم بتعويض مسبق في مبلغ 5000 درهم جبرا للضرر المادي والمعنوي وبإجراء خبرة لتحديد الضرر المباشر الحقيقي وغير المباشر مع حفظ حقه في الإدلاء بمستنتجاته وطلباته النهائية. وأرفق المقال بنسخة من الحكم الابتدائي والقرار الاستئنافي وشهادة بعدم النقض وشهادة من سجل الاعتقال وبطاقة السوابق ونسخة حكم ابتدائي قضى بعدم الاختصاص.
2- الحيثيات:
في الشكل:
حيث قدمت الدعوى من ذي صفة ومصلحة ومستوفية لباقي الشروط الشكلية المتطلبة قانونا مما يتعين معه الحكم بقبولها.
في الموضوع:
حيث يهدف مضمون الطلب إلى الحكم بمسؤولية الدولة عن الاعتقال الاحتياطي بعد ثبوت صدور حكم بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها.
وحيث أسس المدعي دعواه على كون ثبوت التقصير في البحث والتقصي من طرف النيابة العامة بخصوص واقعة تقادم الشكاية المقدمة ضده بشأن عدم تنفيذ عقد، والأمر باعتقاله احتياطيا يشكل خطأ قضائيا في تطبيق القانون، يستحق معه تعويضا عن الضرر المادي والمعنوي اللاحق به جراء ذلك.
وحيث أقر الدستور المغربي الجديد حق التعويض عن الخطأ القضائي طبقا لمقتضيات الفصل 122 منه الذي جاء فيه ما يلي: "يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة"، كما أكد في الفصل 23 منه على انه: "لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها القانون".
وحيث إنه ولئن كان تقرير الحق للمتهم الذي صدر حكم ببراءته أو لمن تضرر من خطأ قضائي، كما في حالة الاعتقال الاحتياطي الخاطئ أو التعسفي، يعتبر وسيلة فعالة لحماية حق الفرد في الحرية المقرر دستوريا، من خلال تمكين المتضرر من الحصول على تعويض جابر للأضرار المادية والمعنوية التي أصابته من جراء ذلك تتحمله الدولة، فإن ذلك مقرون في إطار دعوى المسؤولية عن نشاط مرفق القضاء بإثبات توفر شروط قيام هذه المسؤولية، في غياب تشريع خاص ينظم هذا التعويض على غرار المعمول به في فرنسا مثلا.
وحيث حدد قانون المسطرة الجنائية حالات الاعتقال الاحتياطي ونص عليه باعتباره تدبيرا استثنائيا تقتضيه مصلحة التحقيق، وخول للنيابة العامة في إطار سلطة الملاءمة بمناسبة تطبيق هذا الإجراء صلاحية تقدير الحاجة إليه بحسب ظروف وملابسات كل قضية، حماية للمتهم نفسه من خطر أي رد فعل عن الجريمة المرتكبة، على أن تراعي في كل ذلك، خطورة الفعل الجرمي المرتكب ودرجة تأثيره على الأمن والسلم المجتمعي.
وحيث إن من شروط التعويض عن الاعتقال الاحتياطي كصورة من صور الخطأ القضائي أن يكون خاطئا أو تعسفيا ونتج عنه ضرر مادي أو معنوي.
وحيث إن اكتساب قرار الاعتقال الاحتياطي صبغة الخطأ أو التعسف المرتب للمساءلة القانونية، يتطلب إثبات براءة المعتقل احتياطيا من المنسوب إليه بمقتضى حكم قضائي بات، يثبت بصفة نهائية وقطعية براءة الشخص المتابع.
وحيث إنه بالرجوع إلى وقائع المتابعة موضوع الحكم القاضي بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها، تبين أن متابعة النيابة العامة للمدعي باعتباره مرتكبا لجريمة نصب والتصرف في مال غير قابل للتفويت والإضرار بمن سبق له التعاقد معه، جاءت على إثر الشكاية المقدمة ضده من طرف الخلف العام للمشتري، الذي اشترى من المدعي قطعة أرضية تحمل رقم 26، وتبين من تصريحات هذا الأخير (أي المدعي) المضمنة بالحكم الابتدائي المستدل به، أنه يقر بكونه بعد وفاة المشتري وعدم حضور ورثته عمل على استغلال الأرض موضوع النزاع، وأن الأرض التي باعها تحمل رقم 15 بسانية الجواهري وأن العقد الذي أبرمه مع الهالك، والمتضمن لرقم 26 كان في الأصل قبل تجهيز البقع الأرضية، وبعد التجهيز أصبحت البقعة موضوع النزاع تحمل رقم 15، بينما تشبث المشتكون بكون القطعة التي اشتراها مورثهم تحمل رقم 26 وتم تفويتها للغير.
وحيث إن صدور حكم بسقوط الدعوى العمومية لتقادمها لا ينفي الصبغة الجرمية عن الفعل المرتكب سبب الاعتقال ولا يفيد البراءة منه، ولا يعني بالضرورة أن قرار الاعتقال الاحتياطي كان خاطئا، لكون قضاة محكمة الموضوع هم الجهة المختصة أساسا للبحث في مدى صحة الدفع بالتقادم المثار من طرف الشخص المتابع، وليس قضاة النيابة العامة الذين يتمتعون بسلطة الملاءمة إزاء الدعوى العمومية، اعتبارا لظروف كل قضية وملابساتها، مع حقهم في تقدير خطورة الفعل الجرمي وردود الفعل المحتملة بشأنه سواء من طرف الضحايا أو ذويهم أو المجتمع، فلا يعدو أن يكون قرار الاعتقال الاحتياطي في ضوء ما ذكر إلا استعمالا للسلطات المقررة قانونا.
وحيث إن الحسم في تحقق واقعة التقادم في ظل وجود متابعة بجريمة النصب وعدم تنفيذ عقد، لا يكون إلا بمقتضى حكم قضائي يفصل في مسألة التقادم وعدم وجود ما يقطعه، والذي يستقل قضاة الحكم بتقديره، في ضوء المعطيات التي يتم عرضها خلال مناقشة القضية، وبالتالي لا يمكن تحميل المسؤولية في هذه الحالة للنيابة العامة لعدم ثبوت أي تقصير من جانبها في تطبيق القانون، مما ينعدم معه ركن الخطأ اللازم لانعقاد المسؤولية، ويكون مآل الطلب هو الرفض.
3- المنطوق:
حكمت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا:
في الشكل: بقبول الدعوى
في الموضوع: برفض الطلب مع إبقاء المصاريف على عاتق رافعه.
4- التعليق:
سعيا إلى ضمان حقوق وحريات الأفراد كان لزاما على الدولة أن ترعى حقوق وحريات رعاياها وترفع عنهم الأضرار التي تلم بهم من جراء تدبير المرافق العامة، وكانت بداية التعويض ممثلة في الأضرار التي تلحق الأفراد نتيجة أعمال السلطات الإدارية.
إلا أن مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، ظلت منذ مدة بمنأى عن إقرارها، لاعتبارات متعددة، استقلال السلطة القضائية، مبدأ حجية الأحكام القضائية وعدم عرقلة سير العدالة، هذه المبررات دافع عنها القضاء باستماتة في قراراتهم وأحكامهم.
ومع تطور الحقوق والحريات وظهور حالات متعددة تتحقق فيها مسؤولية السلطة القضائية أدت إلى إعادة النظر في قاعدة عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، تدخل مشرعو بعض الدول لوضع بعض الاستثناءات على تلك القاعدة، والمشرع الدستوري المغربي اتجه بدوره في هذا الاتجاه من خلال التنصيص على التعويض عن الخطأ القضائي في الفصل 122 من دستور 2011، مع العلم أن المشرع العادي في بعض القوانين أقر بإمكانية الأفراد الذين يحكم ببراءتهم نتيجة التماس إعادة النظر في الأحكام الجنائية الحق في الحصول على تعويض من الدولة، كما أقر المشرع المغربي بمسؤولية الدولة عن طريق دعوى المخاصمة.
وبخصوص مسؤولية الدولة عن أضرار الاعتقال الاحتياطي التعسفي (الحكم موضوع التعليق) فلابد في البداية من تحديد مجموعة من المفاهيم.
الاعتقال الاحتياطي إجراء تأمر به سلطة التحقيق لتقيد حرية شخص اتهم في جريمة ما بهدف الوصول إلى الحقيقة، فإذا كان أمر الاعتقال الاحتياطي قانونيا ومشروعا فلا مسؤولية عنه.
أما إذا كان الاعتقال الاحتياطي غير مبرر أو غير قانوني أو كان إجراءا تحكميا أو تعسفيا فإنه يجب النظر في أمر تعويض المضرور منه.
وقد اهتمت المواثيق الدولية والإعلانات العالمية لحقوق الإنسان بالحفاظ على حرية الأفراد وعدم جواز القبض عليهم دون سند مشروع.
وقد تحقق أن السلطة القضائية كغيرها من مرافق الدولة الأخرى ليست معصومة من الخطأ فقد يقبض على شخص لاتهامه في جريمة ما وتأمر سلطة التحقيق باعتقاله احتياطيا على ذمة هذه القضية وبعد اكتمال التحقيق يتضح براءته من هذا الاتهام، فليس دائما أن يؤدي حبس المتهمين إلى صدور أحكام بإدانتهم جميعا.
وإذا تبين في نهاية الأمر أن اعتقال المتهم كان غير مشروع فإنه يغدو إجراء خطيرا غير عادي يمس حرية الأفراد ويقيدها، لذا يتعين تعويض المتهم الذي خضع لمثل هذا الاعتقال.
ومسؤولية الدولة عن أضرار الاعتقال الاحتياطي التعسفي شغلت الفقه والقضاء منذ زمن بعيد، وذلك فيما يتعلق بالتعويض، إلى أن استجابت بعض التشريعات إلى إقرار مبدأ التعويض عن أضرار الاعتقال الاحتياطي. ثم انتهت أحكام المحاكم وآراء الفقه إلى منح التعويض عن أضرار الاعتقال الاحتياطي كما هو مقرر في حالة إنكار العدالة وبراءة المحكوم عليه بعد التماس إعادة النظر في الأحكام الجنائية.
أ- إقرار مسؤولية الدولة عن أضرار الاعتقال التعسفي:
لخطورة الاعتقال وأثره البالغ في تقييد حرية الشخص أقر المشرع في العديد من الدول حق الشخص الذي يحكم ببراءته أو تنتهي سلطة التحقيق إلى قرار إلغاء المتابعة والدعوى في إمكانية طلب التعويض متى كان الضرر استثنائيا.
وقد تطلب إقرار مسؤولية الدولة عن أضرار الاعتقال التخلي عن القاعدة القديمة في عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، وقضت بإمكانية المضرور من الاعتقال الاحتياطي رفع دعوى تعويض إذا توافرت شروط مخاصمة القضاة.
وقضت أحكام أخرى بجواز قيام مسؤولية الدولة متى أمكن إثبات وجود خطأ مرفقي وتوافرت براءة طالب التعويض.
والملاحظ أن الأحكام القضائية تميزت بترددها فيما يتعلق بالشروط الضرورية لتقرير مسؤولية عن هذه الأضرار الدولة فهل يتطلب من المضرور إثبات الخطأ للحكم بالتعويض؟ أم أن هذا غير متطلب؟ وبمعنى آخر هل تقوم هذه المسؤولية على أساس الخطأ أم على أساس المخاطر؟
قررت أحكام القضاء أن مسؤولية الدولة يمكن أن تؤسس على الخطأ الجسيم في مباشرة الوظيفة القضائية أو على المخاطر الاجتماعية غير العادية، فالمسؤولية تبنى في هذه الحالات على أساس مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة على أساس المخاطر وتحمل التبعة وليس على أساس الخطأ.
اعتبر الفقه أن إقرار مسؤولية الدولة عن أعمال الاعتقال الاحتياطي التعسفي وأنه يجب استبعاد فكرة الخطأ كأساس لقيام مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية وإنما يجب أن تقوم المسؤولية على أساس مختلف عن الخطأ وهو مبدأ مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة، ومما سبق فإن أساس هذه المسؤولية طرح نقاشا آخر حول شروط حق المطالبة بالتعويض.
ب- الشروط الواجب توافرها للتعويض عن أضرار الاعتقال الاحتياطي:
ليست جميع الأحكام التي تصدر بالبراءة بعد الاعتقال الاحتياطي بعوض عنها وإنما يجب أن يتوافر شرطين هما:
أولا: تأكيد براءة المدعي، يعني اكتساب قرار الاعتقال الاحتياطي صبغة الخطأ أو التعسف المرتب للمساءلة القانونية ويتطلب إثبات براءة المعتقل احتياطيا من المنسوب إليه بمقتضى حكم قضائي بات، يثبت بصفة نهائية براءة الشخص المتابع (وهو ما أكدته حيثيات الحكم موضوع التعليق)، لأن بعض المتهمين يقضي ببراءتهم رغم وجود شك في إدانتهم ونضيف إلى هذا الشرط ألا تكون البراءة ناتجة عن مخالفة شرط شكلي أو إجرائي أدى إلى براءة المتهم.
ثانيا: يجب أن يكون الاعتقال الاحتياطي قد تم وفقا للقواعد التي حددها ونص عليها قانون المسطرة الجنائية، فإذا تم القبض على شخص لغير ما نص عليه قانون المسطرة الجنائية فإن الدولة لا تكون مسؤولة عن تعويض المضرور من هذا الاعتقال الاحتياطي ومثال ذلك حالة الاعتقال الإداري إذ أن هذا الاعتقال لا يعد حبسا احتياطيا.
ثالثا: أن يثبت المدعي أن الضرر الذي لحقه تجاوز الحد الذي يسمح به مبدأ المساواة أمام الأعباء العامة. بمعنى أن ينتج عن الاعتقال ضرر مادي ومعنوي وأن يكون الضرر استثنائيا شديد الجسامة والخطورة.
ومجمل القول إن البحث في أساس مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية بصفة عامة والاعتقال التعسفي بصفة خاصة يضع على كاهل الدولة التزامات جديدة، كما أن البحث في أساس هذه المسؤولية أمر يعتريه الغموض وبصاحبه كثرة التأويلات الفقهية لبيان الأساس القانوني السليم لمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية لما تتمتع به السلطة القضائية من خصوصية وحصانة، ومن الصعوبة بمكان إطلاق قاعدة المسؤولية عن أعمال السلطة القضائية كالمسؤولية عن غيرها من أعمال مرافق الدولة الأخرى.
لذا يتطلب لانعقاد مسؤولية الدولة عن أعمال مرفق القضاء وحق التعويض عن الاعتقال التعسفي أن يكون الخطأ جسيما والضرر استثنائيا وذلك للتفرقة بين الخطأ الموجب للمسؤولية في المرافق العامة الأخرى غير المرفق القضائي، لذا فإن ما قضت به المحكمة الإدارية بالرباط كان صائبا في حيثياته ومنطوقه.