MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




حق وحصانة الدفاع أية حدود؟ حينما يراد تحويل دور المحامي من دفاع إلى متهم

     

بقلم الأستاذ عزالدين فدني محامي بهيئة خريبكة



سبق لأحد المواقع الالكترونية أن نشر عبر شبكة الانترنيث خبرا مفاده أن  المحكمة الابتدائية بخريبكة حررت محضرا في حق أحد المحامين بمناسبة إدلاءه بعينات من أقراص  ادعى في سياق مرافعته أنها مخدرات بغية استجاية المحكمة لملتمسه بإحضارمحجوز ادعت الضابطةالقضائية أنه مخدر وإذاكانت المحكمة المذكورة لم توجه للمحامي الاتهام مباشرة فإن قيام رئيس الجلسة بالاجراء المذكور(تحريرمحضر) وإحالته على النيابة العامة كان يوحي بذلك ( تحرير المحاضر في حق المحامين ليس له إلاهذا التفسير) أي أنه لايتم إلا إذا اعتبرت المحكمة أن فعل المحامي يشكل مخالفة للقانون الجنائي أو المهني . وهو المنحى الذي سلكته المحكمة  في حق كاتب هذا المقال  الذي لم يكن سوى ذلك المحامي الذي  أبى من خلال هذا المنبر إلا أن يبدي رأيه في الموضوع لإقتناعه بأن ماقام به لايخرج عن نطاق حق الدفاع .

وقبل  إبداء قراءتنا للموضوع من الناحية القانونية والذي طرحت واقعته اشكالية لخصناها في عنوان المقال، لابد وأن نضع القارئ في الصورة من خلا ل بسط ملخص لماحدث :

 في إحدى جلسات النظر في القضية  التي نتولى الدفاع فيها عن أحد الاشخاص المتابعين من أجل تسهيل التعاطي للمخدرات، تقدمنا بملتمس عرض المحجوز أي المخدر على أنظار المحكمة  للمناقشة  بعد أن أضافت  النيابة العامة لموكلي تهمة المشاركة في الاتجار في المخدرات وأسسناهذا الملتمس على  المادتين 287 و305 من قانون المسطرة الجنائية حيث تنص الأولى على أن المحكمة لايمكنها أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أمامها ونوقشت شفهيا وحضوريا أمامها

أما الثانية(305) فقد  أتاحت بل جعلت ضمن بحث القضية عرض أدوات الافتناع،وعليه ،وفي معرض التبرير و التوضيح القانوني والتجسيد الواقعي للملتمس  عرضنا أثناء المرافعة أقراصا ومادة شبية بالشيرا على المحكمة(عاينها قاضي الجلسة وردها إلينا لكونها تشكل أداة للاقناع وليس للاستدلال) و ادعينا _ كما تدعي النيابة العامة في إطار الدعوى العمومية_  أنها مخدرات ،وطرحنا على المحكمة في شخص رئيسها السؤال التالي  : هل تستطيع  المحكمة أن تعرف وتقف  بالعين المجردة على حقيقة كونها هذه العينات كونها مادة مخدرة؟ وأنها تدخل ضمن جداول تصنيف المخدرات ؟ و أجبنا في نفس المرافعة هذا السؤال ، بأن الكشف عن حقيقة وكنه المخدر كيفما كان صنفه باعتباره جسما للجريمة، لايمكن أن يتحقق الا من خلال وسيلتين لاتالث لهما وهما: إما عن طريق التناول أوبواسطة خبرة، وعززنا دفاعنا في هذا الاتجاه بالعمل القضائي سواء المغربي من خلال أحد الاجتهادات القضائية المغربية الذي جاء ضمن حيثياته((.. لايكفي للقول بأن الفعل غير ثابت ضد الظنين مادام لم تجر المحكمة بحثا دقيقا بواسطة المختبرات الخاصة في تحليل مثل تلك الأقراص حتى تكون على بينة من الأمر الواقع طالما بات من المؤكد أن قضاة القرار ليسوا تقنيين ولاخبراء في مثل تلك المادة ...  )) قرار صادر عن محكمة النقض عدد940  بتاريخ 26/4/1995 منشور في المجلة المغربية لنادي قضاة الدار البيضاء عدد2 (قضاء النقض في قوانين المخدرات) وهو العدد الذي تضمن مجموعة من قرارات محكمة النقض المصرية التي تسير في نفس الاتجاه وتؤكد على أيضا القضاء المقارن وخاصة المصري  الذي يلجأ للخبرة التقنية  للوقوف على حقيقة المخدر المحجوز وقد تضمن العدد المشار اليه مجموعة من قرارات القضاء المصري والتمسنا في نهاية مرافعتنا إحضار المحجوز لمناقشته في الاطار المذكور. فما كان من السيد القاضي إلا أن رفع الجلسة تم عاد وحرر محضرامستقلا في حقنا على شكل إفادات بأن ما أدلينا به هو مخدرات ،مع أن هذه الإفادات استقاها من خلال المرافعة المتعلقة بالملتمس المذكور، حتى أن من قرأ المحضر يوحى اليه أن ماضمن به (المحضر) تصريح صادر عنا وهي لم تكن في حقيقتها كذلك. فاستنتجنا أن إنجاز محضر بهذه الطريقة بعد العودة الى الجلسة  كانت نية القاضي منصرفة من خلاله إلى تحويل دورنا من دفاع الى متهم ،خروجا عن القواعد المنطمة لحق الدفاع وحصانته .ومن هذه النقطة أصل بالقارئ الى القراءة القانونية للواقعة مع اقرارنا مند البداية أن هذه القراءة سيختلط فيهاالداتي مع الموضوعي  أم أبينا محاولين جهدا الامكان تغليب الجانب الثاني على الجانب  على الأول.

فمن  المعلوم لدى رجال القانون ونساؤه أيضا،و في إطار القواعد المنظمة لمهنة المحاماة ،أن للمحامي أدوارا أساسية في مجال العدالة عامة وفي علاقته بالقضاء خاصة ومنها مساعدته للقاضي على بلوغ  الفهم الصحيح للقاعدة القانونية التي تحكم القضية أو للدليل المتعلق بوقائعها، وهذا الدور  ساهم  من خلاله المحامي المجتهد عبر تاريخ المهنة، في إنتاج العديد من الاجتهادات القضائية التي نادرا ما يتم  الاقرار بمساهمته فيها  ولو على سبيل الإعتراف بالجميل بحيث تنسب كلها ( الاجتهادات ) للقضاة وليس للمحامين، وهي حقيقة تكاد تنطبق على مختلف القضايا.هذا في الوقت الذي ناضل لوحده  لتوسيع نطاق حق الدفاع  وخاض من أجل بلوغه شرفاء هذه المهنة خاصة، صراعا مريرا طال حرياتهم الشخصية في زمن سياسي عرف قمعا وانتهاكا للحقوق والحريات الأساسية واقعا وقانونا وعلى رأسها الحق في الدفاع ،فأثمرت تضحياتهم عن الميلاد التشريعي للمادة 58 من قانون المحاماة  والتي نصت على أن ((للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجعة طبقا لأصول المهنة في الدفاع عن موكله )و((لايسال عما يرد في مرافعاته الشفوية أوفي مذكراته مما يستلزم حق الدفاع )).

وبما أن موضوع المقال مرتبط كما سبق أن أسلفنا ، بواقعة استعمال أقراص تم الإدعاء أثناء الدفاع - المرافعة-  في قضية تتعلق بالمخدرات ،فإننا نطرح التسائل التالي :  هل للمحامي أن يستعمل في إطار مرافعته أدوات مجرمة قانونا كالسلاح أوالمخدرات أو الأوراق المزورة.... مع أن هذه الأدوات يمنع حيازتها أو حملها ومعاقب على فعلها؟ ألاتدخل هذه الوسائل أو الأدوات ضمن أدوات الاقتناع التى خول المشرع لأطراف القضية بمن فيهم المتهم تقديمها في إطار المادة 305 من قانون المسطرة الجنائية التي نصت  على أن(( يشمل بحث القضية ....تقديم أدوات الاقتناع عند الاقتضاء.))  ألا تشكل القاعدتين المذكورتي أسبابا قانونية تخرج فعله من دائرة التجريم؟ خاصة وأنها قواعد خاصة والخاص مقيد للعام . ألم ترد صياغة الفقرة الثانية من المادة 58 بشكل عام في عدم مسائلة المحامي عما يرد في مرافعاته سواء أكانت مسائلة جنائية أو مدنية ؟

طبعا من موقعنا كدفاع  ومن منطلق حق الدفاع باعتباره حقا قانونيا سواء على المستوى القانون العادي أو الدستوري وحقا إنسانيا قبل أن يكون لهذا ولاذاك،لايسعنا إلاأن نجيب عن التساؤلات المذكورة بأجوبة إيجابية تتوافق مع هذا الحق ومع روحه وتخدمه بالنظر إن الغاية من ممارسته بهذه الطريقة أو تلك حتى ولو وصفت تلك الوسلة بغير المشروعة ، هي في النهايةخدمة العدالة وتحقيقها ليس فقط لأطراف القضية بل  أيضا للمحامي وللقاضي الذي يجسدها من خلال حكم انتهى إليه عن قناعة وراحة ضمير .

ومادام أن لهذا الرأي وجهة نظر مضادة تعتبر أن الفعل لايدخل ضمن المادة 58 من قانون المحاماة وأن الاداة مجرمة حتى ولوتم استعمالها من الدفاع في إطار الدفاع و كانت الغاية من هذا التوظيف تحقيق العدالة،فإنه  وحفاظا على الحق في الدفاع نفسه الذي يسعى الحقوقيون إلى توسيعه لالتضييقه،فإننا نقترح تدخلا من المشرع ليخول للقضاء الاحتفاظ بالأدوات المستعلمة باعتبارها وسائل مجرمة ليتم تسليمها من الدفاع للمحكمة بعد انتهاء المرافعة.أو يجتهد القضاء نفسه ليسير في هذا الاتجاه بدلا من أن يحوله بعض القضاة إلى فرصة أو مناسبة  لقمع الدفاع أو ترهيبه فهذا مايشكل مسا بحق الدفاع وضربه على كافة المستويات وهو الخط الأحمر الذي لايمكن أن يقبله الدفاع مهما كلفه من ثمن طالما أن المادة 58  بقدر ماهو نص قانوني بقدر ما هو مكتسب حقوقي يجب الدفاع عنه في إطار توسيعه لاتضييقه وخنقه  بالطريقة التي عرفتها القضية التي شكلت موضوع هذا المقال
وأختم بما قال أحد  المحامين في مقال له بعنوان(حصانة الدفاع ضمان لتحقيق العدالة )  بأن(( المحامون وهم يناشدون المشرع في كل مناسبة مناسبة : مؤتمر أو مناظرة أو ندوة لسن تشريع يتعلق بحصانة الدفاع لا يريدون هاته الحصانة لأنفسهم كأشخاص، ولكن يريدونها وهم يمارسون مهامهم الجسيمة التي خصهم المشرع بها دون سواهم، وهي مشاركة السلطة القضائية في تحقيق العدالة وفي تأكيد سيادة القانون وفي كفالة حق الدفاع عن حقوق المواطنين وحرياتهم))
 




الاثنين 30 نونبر 2015
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter