تعتبرالحكامة، بشكل عام مجموع الممارسات الجيدة،المرتبطة بالإدارة "الفضلى" للبنيات والهياكل والتدبير الأمثل للموارد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كما أنها تمثل "الوصفة الأكثر نجاعة" لحل مختلف إشكاليات بناء دولة القانون
. وإذا كانت هذه الأخيرة تعني ضرورة خضوع الدولة وجميع سلطاتها للقانون، وتعني كذلك مسؤولياتها الكاملة عن جميع تصرفاتها تجاه الأفراد، مسؤولية منظمة ومضبطة بنصوص قانونية واضحة وصريحة، تعطي الأفراد المتضررين الحق في محاسبتها،وذلك بالاعتماد على الطرق القضائية أو الإدارية، أو اللجوء لهيئات متخصصة، تنشىء لحماية حقوق الأفراد ومواجهة تعسف الدولة وشططها في استعمال السلطة، فان فعالية دولة القانون أصبحت تقاس اليوم كذلك وأساسا بمدى التقيد بشروط الحكم الرشيد، أي بمدى توافر الآليات القانونية والمؤسساتية للتتبع والتقييم والمسائلة والمحاسبة، وهي آليات كفيلة أن تجعل من الدولة وسيلة حقيقية وفاعلة لحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد وتمكينهم من الدفاع عنها والضغط على السلطة من اجل احترامها (1)، لنكون بذلك أمام تواجد مطلق لمفهوم دولة الحق والقانون، ومايعكسه من تمظهرات حكاماتية جعلت من اغلب المؤسسات الدولية "المنظرة" للمفهوم الناشئ بقوة في أدبياتها وهومفهوم "الحكامة " تقف عند رصد معياريته كصرح قيميي، لايمكن أن تبنى وتوطد لبنته ( من منظورالبنك الدولي) إلا بالارتكازعلى أربعة شروط رئيسية لامحيد عنها :
بناء دولة الحق التي تضمن امن المواطنين وسيادة القانون، احترام سلطة القضاء، إدارة رشيدة تلتزم تدبيرا حقيقيا وعادلا للنفقات العمومية، المسؤولية والمحاسبة، والتي تفرض على المسؤولين تقديم الحساب أمام السكان، وأخيرا الشفافية على مستوى اتخاذ القرار. كما أن لبنة الحكامة تترسخ أكثر – وفق تحديد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي- بالوقوف على مفهوم الحكامة كممارسة للسلطة الاقتصادية والسياسية والإدارية لإدارة شؤون الدولة على شتى الأصعدة وكافة المستويات، وكذا باعتباره يشمل الآليات والعمليات والمؤسسات التي من خلالها يعبر المواطنون والمجموعات عن مصالحهم ويمارسون حقوقهم القانونية ويوفون بالتزاماتهم ويقبلون الوساطة لحل خلافتهم(2) .ويظل البعد المتماهي بين حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ومفهوم الحكامة هو المهيمن على باقي تحديدات المؤسسات الدولية لمفهوم الحكامة .في هذاالسياق يأتي تعريف تقرير التنمية الإنسانية العربية(3 ) لهذا المفهوم، باعتباره الحكم الذي يعزز ويدعم ويصون رفاه الإنسان ويقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويسعى إلى تمثيل كافة الشعب تمثيلا كاملا وتكون مسؤولة أمامه لضمان مصالح جميع أفراد الشعب،
كما أن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ترى وفي إطار هذا البعد المتماهي،على أن الحكامة هي "وسيلة لشرعية الحكومة والعناصر السياسية فيها واحترام حقوق الإنسان وحكم القانون"( 4) .وتؤكد اتفاقية الشراكة كوتونو(5) جدوى هذا البعد من خلال الوقوف على مغزى الحكامة باعتبارها" الإدارة الشفافة والقابلة لمحاسبة الموارد البشرية والطبيعية والاقتصادية والمالية لغرض التنمية المنصفة والمستمرة، وذلك ضمن نطاق بيئة سياسية ومؤسساتية تحترم حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية وحكم القانون"
ولإبراز عمق كل ذلك استعملت بدورها الوكالة الكندية للتنمية الدولية مصطلح الحكامة في سياساتها وتدخلاتها، في موضوعات من قبيل الدمقرطة والحقوق الشخصية والفعل العمومي الايجابي. كما أن اغلب مؤسسات القطاع التطوعي جعلت المسائل الحكاماتية والمسائل الحقوقية تتعايش تيمولوجيا وتتماهى ابستيمولوجيا،
فمعهد الحكامة مثلا يعرف الحكامة باعتبارها " مجموع المؤسسات والوسائل والعادات التي تحدد ممارسة السلطة واتخاذ القرار وطريقة اسماع المواطنين لأصواتهم" ، وهي الطريقة الكفيلة بتوفير الحماية اللازمة للدفاع عن حقوقهم والضمانات الكافية لممارسة حرياتهم. على ضوء ماسبق، تتضح بشكل جلي ملامح علاقة وطيدة جامعة بين مفاهيم الحكامة، حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وحكم القانون. فكيف إذن تنشأ إرهاصات هذا المفهوم الأخير ( حكم القانون) كمبدأ حكاماتي على مستوى المنظومة الحقوقية الدولية ؟
إن حكم القانون كمبدأ من مبادئ الحكامة يعني سيادة الحقوق والقانون، أي مرجعية القوانين وسلطتهــــا على الجميع من دون استثناء أوتمييز، انطلاقا من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وفصل السلط واستقلالية القضاء ووضوح القوانين وشفافيتها وانسجامها في التطبيق.
إن وجود القانون العادل وسيادته، مقدمة ضرورية لخلق بيئة آمنة ومعروفة مسبقا لحيــــــاة وعمل جميـع المواطنين، كما أن تطبيق القانون على الجميع بدون تمييز أومحاباة هو من مبادئ الحكم الرشيد، ويعتبر من وجهة نظـر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، شرطا ضروريا لتحقيق التنمية المستدامة والقضاء علــــى الفقـــر وخلق فــرص العمــل وتأمين مقومات معيشة كافية وحماية البيئة وتجديدها( 6).
إن حكم القانون، بذلك يفرض، وبإلحاح على الأنظمة والقوانين أن تكون عادلة وتنفيذها أن يكون بنزاهة، سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان وضمان مستوى عالي من الأمن والسلامة العامة. وبالتالي يصبح مبدأ حكم القانون مؤشـــــرا مهما في تحديد قوة الدولة، فهذه الأخيرة في عقلانيتها هي سيادة القوانين، وسلطة القوانين هي السلطــة الوحيدة التـــــي ليست قمعية ( 7) .في هذا الصدد، نشأت معاييردولية تتوجه إلى مسألة إقامة العدل وحكم القانون، فقد صدرعـــن المؤتمرالدولي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا سنة 1993 "إعلان برنامج عمل فيينا" الذي شدد على الترابــــط بيـــــن الديمقراطية والتنمية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية،معتبرا أن "إقامةالعدل، بما في ذلك وجود وكـــــالات لإنقاذ القوانين والملاحقة القضائية، وبصفة خاصة وجود قضاء مستقل ومؤسسة قانونية مستقلة، بما يتماشى تماما مــــع المعايير الواجبة التطبيق والواردة في الصكوك الدولية لحقوق الإنســـان امورا أساسية بالنسبة للإعمال التام وغيـــــــرالتميزي لحقوق الإنسان وأمورالاغنى عنها لعمليتي الديمقراطية والتنمية المستدامة".
وبالنسبة لبلادنا، فقدحرصت الوثيقةالدستورية ل 2011 على تكريس مبدأ سيادة القانون من خلال التنصيص الصريح في الفقرة الأولى من الفصل السادس على أن "القانون هوأسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين،بمافيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه و ملزمون بالامتثال له " ،وهوالتكريس الذي بإمكانه جعل المغرب- إن هو استطاع التحكم في الفرص السانحة له للرقي بنمط حكامته- يخطوخطوات حقيقية نحوترسيخ أسس دولة الحق والقانون، كل ذلك في إطار تنزيل قويم وتفعيل رصين لمجمل مقتضيات الدستورالجديد المعلنة عن انطلاقة رائدة لمبدأ حكم القانون، وجعله منطلقا لامحيدعنه لبلورة معالم منظومة حقوقية متطورة.
= إحــــــــــــــــــــــالات =
1_رضوان زهرو "الحكامةوحقوق الإنسان" مجلة مسالك. عددمزدوج 27-28-/2014 السنةالعاشرةص 7.
2_للمزيدمن التفاصيل،يراجع التقاريرالعالميةالتي تصدرسنوياعن PNUDحول التنميةالبشرية،خاصةتقرير 1997 الذي وضع الأسس العلمية لهذاالمفهوم.
3_رشيدالسعيد،كريم لحرش"الحكامةالجيدةبالمغرب ومتطلبات التنميةالبشريةالمستدامة" طوب بريس،الرباط الطبعةالأولى 2009 ص2.
4_زهيرعبدالكريم الكايد"الحكاماتية: قضاياوتطبيقات"منشورات المنظمةالعربيةللتنميةالإدارية،بحوث ودراسات عدد372سنة1999..ص3.
_5اتفاقيةموقعة بين الاتحادالأوروبي و 77 دولةمن جنوب الصحراء الإفريقيةودول الكريبي والمحيط الهادي.6_منذر خدام "مبادئ الحكم الرشيد: سيادة القانون. موقع اللاذقية بتاريخ: 22 يونيو 2008WWW. Lattakia.org 7Joseph Juzerak "Inmitation a la philosophie" collection "Ouverture Philosophique" edition l harmattan paris 2005 p 16