مقدمة
من نافلة القول إن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت أهم وسيلة يلجا إليها المؤثرون ومن ورائهم المعلنون من أجل الإعلان التجاري الإلكتروني.
ذلك أن “أنستغرام” و”تيك توك” و”فيسبوك” و”إيكس” و”سناب شات” وغيرها أصبحت اليوم وسائل حقيقية للترويج لسلع أو خدمات.
غير أن نشاط التأثير التجاري عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ترتبت عليه انحرافات عدة (الإشهار المضلل /…).
هذا الأمر دفع بالمشرع في بعض البلدان إلى تأطير هذا النشاط حماية للمستهلكين جمهور هؤلاء المؤثرين
.
أولا: ماهية نشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني؟
بعد أن نقوم بتقديم المتدخلين في نشاط التأثير التجاري عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، سنقوم بمعالجة التوصيف القانوني للمؤثرين على هذه المواقع.
أ- المتدخلون في نشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني
بالإضافة إلى المعلنين الذين يتم لصالحهم نشاط التأثير التجاري، يعتبر المؤثرون ووكلاؤهم أهم المتدخلين في نشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني.
1- المؤثر: عرف البعض المؤثرين على أنهم: “شخصيات (يوتيوبرز أو بلوغورز أو إنستاغرامور مشهورين) قادرين من خلال سمعتهم على مواقع التواصل الاجتماعي على التأثير على سلوك المستهلكين والجمهور الواسع الذين تجدبه المحتويات التي ينشرونها على هذه المواقع”.
بالموازاة مع التعريف الفقهي، فإن مفهوم المؤثر قد تم في البداية تعريفه بواسطة الاجتهاد القضائي.
حيث عرف الحكم الصادر عن محكمة استئناف باريس الصادر بتاريخ 10 فبراير 2021 المؤثر على أنه: “شخص نشيط على مواقع التواصل الاجتماعي والذي بحكم وضعه أو مركزه أو ظهوره الإعلامي قادر على أن يكون رابطا للرأي يؤثر على أنماط الاستهلاك لغاية التسويق”.
بعد سنوات من ذلك، قام المشرع المقارن ومن بينه المشرع الفرنسي بوضع تعريف لما يعتبره مهنة جديدة.
ذلك أنه بموجب المادة الأولى من القانون رقم 2023-451 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2023، يعتبر ممارسا لنشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني “الأشخاص الذاتيون أو الاعتباريون الذين، بمقابل، يقومون باستخدام شهرتهم تجاه جمهورهم من أجل النشر على العموم عن طريق إلكتروني محتويات تهدف إلى الترويج المباشر أو غير المباشر لسلع أو خدمات أو قضية”.
2- وكيل المؤثر: وكيل المؤثر هو الشخص الذي يربط في ما بين المعلنين والمؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد اعتبرت الفقرة الأولى من المادة 7 من القانون رقم 2023-451 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2023، يهدف إلى تأطير التأثير التجاري ومحاربة انحرافات المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي أن “نشاط وكيل المؤثر يتمثل في تمثيل، بمقابل، الأشخاص الذاتيين أو الاعتباريين الذين يمارسون نشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني (…) مع أشخاص ذاتيين أو اعتباريين وعند الضرورة وكلاؤهم لغاية الترويج، بمقابل، لسلع أو خدمات أو قضية”.
ب- التوصيف القانوني للمؤثر
لا بد من التصدي لمسألة التوصيف القانوني للمؤثر لكي نفهم العديد من الالتزامات التي وضعها المشرع على كاهله، حماية للمستهلك الذي يشاهد المحتوى الذي ينشره على مواقع التواصل الاجتماعي.
1- المؤثر عبارة عن معلن: اعتبرت محكمة النقض في فرنسا في قرار لها صادر بتاريخ 3 يوليوز 2013 (1) أنه: “كون الرسالة التي تم نقلها عن طريق تدخل مستخدم الإنترنت لفائدة “شبكة أصدقائه” لا يفقدها (الرسالة) طبيعتها الإعلانية”.
نفهم أن المؤثر عبارة عن معلن يضع المنخرطين في صفحته “الفيسبوكية” أو على قناته على “يوتيوب” في خدمة العلامات التجارية.
وعندما يتم توصيفه على أنه “معلن” يتعين على المؤثر احترام جميع المقتضيات القانونية المتعلقة بالإعلان الإلكتروني، سواء المنصوص عليها في النصوص القانونية العامة المتعلقة بالإعلان أو المنصوص عليها بصفة خاصة في النص القانوني المتعلق بالتأثير التجاري عن طريق إلكتروني.
2- المؤثر عبارة عن عارض أزياء: انطلاقا من التعريف القانوني لعارض الأزياء الذي يقوم في الواقع المادي تقريبا بالدور نفسه الذي يقوم به المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي، وصف البعض هذا الأخير بعارض الأزياء.
فقد عرفت المادة L.7123-2 من قانون العمل في فرنسا نشاط عرض الأزياء كما يلي: “يعتبر ممارسا لنشاط عرض الأزياء (…) كل شخص مكلف (…) بعرض على العموم، مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عن طريق نقل صورته على أي دعامة بصرية أو سمعية بصرية، سلعة أو خدمة أو رسالة إشهارية (…)”.
وبما أن المؤثر، شأنه في ذلك شأن عارض الأزياء، يقوم بعرض سلع أو خدمات باستخدام صورته مقابل مبلغ من المال على أساس عقد يبرمه مع المعلن فيمكن توصيفه على أنه عارض أزياء.
ثانيا: التأطير القانوني لنشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني لا غرو أن نشاط التأثير التجاري عبر مواقع التواصل الاجتماعي أصبح اليوم يحتل مكانة هامة في مجال الإعلان الإلكتروني.
فبعد أن نعرض للالتزامات المتعلقة بالإشهار التي وضعها المشرع على كاهل المؤثر، سنقوم بتقديم الالتزامات المتعلقة بتعديل الصور والفيديوهات.
أ- الالتزامات المتعلقة بالإشهار
لا بد في هذا الشأن من التمييز ما بين الالتزامات العامة المنصوص عليها في النصوص العامة وبين الالتزامات الخاصة المنصوص عليها في النص القانوني المتعلق بنشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني.
1-
الالتزامات العامة
تنص المادة 3 من القانون رقم 2023-451 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2023 يهدف إلى تأطير التأثير التجاري ومحاربة انحرافات المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه يتعين على نشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني أن يلتزم بمجموع المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالإعلان عن طريق إلكتروني.
حيث تنص هذه المادة المذكورة على أن: “المقتضيات التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالنشر عن طريق خدمات الاتصال مع العموم على الخط… تطبق على نشاط التأثير التجاري”.
هذا يعني أنه على المؤثر الذي يزاول نشاط التأثير التجاري على مواقع التواصل الاجتماعي الالتزام بمجموع المقتضيات القانون المتعلقة بالإشهار سواء الواردة في النصوص القانونية العامة أو تلك الواردة في النصوص القانونية الخاصة.
2-
الالتزامات الخاصة بالمؤثرين
بالإضافة إلى الالتزامات العامة التي وضعها المشرع على عاتق المؤثرين بصفتهم معلنين، وضع كذلك عليهم التزامات أخرى بصفتهم مؤثرين.
ألزم المشرع المؤثرين بالشفافية التامة اتجاه جمهورهم من خلال تحديد الطبيعة التجارية / الإشهارية للمحتوى الذين يقدمونه وكذلك تحديد هوية الجهة التي يتم لصالحها هذا الإشهار.
فعندما يقوم المؤثر بالترويج لسلعة أو خدمة، فإنه ملزم بالإشارة إلى ذلك في المحتوى الذي يقدمه.
حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 5 أولا أنه: “يتعين عند الترويج لسلع أو خدمات أو قضية يقوم به المؤثر أن تتم الإشارة إلى ذلك بشكل واضح عن طريق”.
من جهة أخرى، يتعين على تلك الإشارة أن تكون واضحة ومقروءة ويمكن تمييزها على الوسيلة الإلكترونية المستخدمة طيلة مدة الترويج.
حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 5 على أن: “يجب أن تكون هذه الإشارة واضحة ومقروءة على الصورة أو شريط الفيديو طيلة مدة الترويج”.
ب- الالتزامات المتعلقة بتعديل الصور والفيديوهات
من المعلوم أن صناع المحتوى يقومون من أجل التأثير أكثر على متابعيهم بتعديل الصور أو الفيديوهات التي يقومون بعرضها عن طريق “الفوتومونتاج” أو حتى باللجوء إلى تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي.
لهذا السبب، فرض المشرع على عاتق المؤثر الذي يمارس نشاط التأثير التجاري عبر مواقع التواصل الاجتماعي التزامين رئيسيين يتعلقان من جهة بالإقرار بقيامه بـ”رتوشات” على الصور أو الفيديوهات ومن جهة أخرى بالإقرار باللجوء إلى خلق شخصيات وهمية عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي.
1-
الإقرار بالقيام بـ”رتوشات” على الصور والفيديوهات:
ألزم المشرع صناع المحتوى بإبلاغ جمهورهم أن الصور أو الفيديوهات التي يقدمونها لهم قد تم تعديلها، وإن دعت الضرورة وضع إشارة تفيد بذلك مثل عبارة ”صور معدلة”.
حيث تنص الفقرة الأولى من المادة 5 من القانون السابق ذكره على أن: “المحتويات التي يقدمها المؤثرون والتي تم تعديلها بواسطة أي وسيلة من وسائل معالجة الصور تهدف إلى صقل أو تثخين أو تغيير ملامح الوجه يجب أن تتم مرافقتها بإشارة ”صور منمقة
“.
2-
الإقرار باللجوء إلى خلق شخصيات وهمية عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي:
ألزم المشرع كذلك صناع المحتوى بإبلاغ جمهورهم بأن الشخصيات الوهمية التي يقدمونها لهم قد تم تعديلها عن طريق تقنيات الذكاء الاصطناعي، وإن دعت الضرورة وضع إشارة تفيد بذلك مثل عبارة ”صور افتراضية”.
حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 5 من القانون السابق ذكره على أن: “المحتويات التي يقدمها المؤثرون والتي تم تعديلها بواسطة أي طريقة من طرق الذكاء الاصطناعي تهدف إلى تمثيل صورة أو شخصية وهمية يجب أن يتم مرافقتها بإشارة صور افتراضية”.
خاتمة:
قمنا بشكل مختصر جدا بتقديم التأطير القانوني لنشاط التأثير التجاري عن طريق إلكتروني في القانون الفرنسي الذي صدر منذ أيام، لكي يكون عونا للمشرع المغربي من أجل وضع إطار قانوني يؤطر عمل المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك من أجل حماية متابعي هؤلاء من مستهلكين وغيرهم.