MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




حوار القضاء والإعلام بقلم الدكتور عبد العالي حامي الدين

     



حوار القضاء والإعلام بقلم الدكتور عبد العالي حامي الدين
تقليد جديد في الحوار بين القضاء والإعلام، ذلك الذي دشنته محكمة النقض بشراكة مع «بيت الصحافة»، حيث جرى تنظيم الدورة التواصلية الثالثة تحت شعار : «القضاء والإعلام ـ ضمير، حكامة، مواطنة»..

هي مبادرة مهمة لتلمس المرجعيات والمعايير الأساسية لضبط العلاقة بين الإعلام والقضاء، ولفهم حدودها بين سلطتين ضروريتين في مسار البناء الديمقراطي الذي تمر منه بلادنا..

المقتضيات الدستورية التي استقرت في الفصل 28 من الدستور، تكرس مجموعة من القواعد الأساسية التي تتمتع بصفة السمو، لكنها لم تترسخ في الثقافة المدنية والسياسية للفاعلين، سواء داخل الدولة، أو على مستوى المؤسسات والتنظيمات والأفراد. من بين هذه القواعد: حرية الصحافة، الحق في التعبير، نشر الأخبار والأفكار والآراء، حرية الولوج إلى الإعلام، الحق في التنظيم الذاتي للمهنيين، التأطير القانوني لقواعد تنظيم وسائل الإعلام العمومي، ضمان الاستفادة من وسائل الإعلام العمومي، احترام التعددية اللغوية والثقافية والسياسية، تكليف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بالسهر على احترام التعددية واحترام القيم الحضارية الأساسية للمملكة بموجب الفصل 165 من الدستور.

كما أن الباب السابع من الدستور، في محوره الأول من الفصل 107 إلى الفصل

112، كرس مجموعة من الضمانات التي تضمن استقلالية القضاء وتمنع التدخل في القضايا المعروضة عليه..

مع كل هذه الضمانات التي تكرس استقلالية كل من القضاء والإعلام، لازال هناك سوء فهم كبير بين القضاة ورجال ونساء الصحافة..

الإعلاميون يعتبرون بأن القضاة لا يستوعبون طبيعة المهنة، ولا يفهمون تعقيداتها، ولا يقدرون حجم الضغوطات التي يشتغل في إطارها الصحافي، والتي تفرض عليه البحث عن الخبر وتوفير منتوج إعلامي للقارئ في وقت محدد، وهو ما يتطلب السرعة والبحث عن الجديد والسعي إلى التميز في صناعة المادة الخبرية لنيل رضا القارئ، واحتلال مكانة محترمة في سوق القراءة الذي تحكمه قواعد المنافسة بالدرجة الأولى، وهو ما قد يدفع بعض الصحافيين للوقوع في بعض الأخطاء التي تتعارض مع قوانين الصحافة والنشر ومع أخلاقيات المهنة، لكنهم يراهنون على تفهم القضاة لهذه الإكراهات للتخفيف من حدة المتابعات القضائية التي تستهدف المقاولة الإعلامية، وتهدد بعضها بالإفلاس، خاصة إذا كان الحكم بغرامات كبيرة. كما يشتكي الإعلاميون من انغلاق مصادر الخبر، خاصة داخل الجسم القضائي، ويطالبون بنشر الأحكام القضائية ومنها أحكام محكمة النقض..

القضاة يعتبرون أنفسهم مسؤولون على تطبيق القانون، والصحافي لا يعذر بجهله القانون وهم مستأمنون على تطبيق العدالة والصحافيون أحرار فيما يكتبون وينشرون، لكنهم مسؤولون عن العدالة وضمان حقوق المتقاضين بمن فيهم ضحايا جرائم الصحافة والنشر، وهم مطالبون بتعميق تكوينهم القانوني وضبط أخلاقيات المهنة، وهم منفتحون على جميع الآليات التي تتيح المعلومة القضائية للصحافة شريطة عدم المس بحقوق المتقاضين وبشروط المحاكمة العادلة..

من خلال النقاش ظهر بأن المرجعيات التي ينطلق منها كل طرف تبدو متعارضة في الظاهر، لكن إذا قام كل طرف بواجبه على أكمل وجه، فإن كلا من السلطة القضائية وسلطة الإعلام يمكن أن تؤسسا لمنظور متكامل يصب في اتجاه ترسيخ حرية التعبير والرأي ليس فقط، كثقافة لدى بعض النخب الإعلامية، ولكن كاجتهادات قضائية شجاعة، تستنطق مضامين الدستور، وتنتصر لروحه، ولا تتردد في الالتزام بالاتفاقيات الدولية ذات الصلة التي التزمت بها المملكة المغربية، وبطبيعة الحال لا تتردد في حماية هذه الحرية حينما تتجاوز القانون للمس بحريات وحقوق الآخرين..

من خلال النقاش ظهر بأن الجسم الصحافي يتطلع نحو قوانين جديدة تضمن التوازن المطلوب بين الحرية والمسؤولية، يتحمل فيه الصحافيون مسؤوليتهم اتجاه الأخطاء التي تقع في الطريق، لكن ظهر أيضا بأنه ـ أي الجسم الصحافي ـ مطالب بوقفة للتقييم الذاتي، وتطهير صفوفه من دخلاء المهنة الذين يسيئون للجميع، ويدفعون بالمنتوج الإعلامي الوطني إلى المزيد من الضعف والكساد..



سبق نشره عبر جريدة أخبار اليوم




الاحد 12 أكتوبر 2014

عناوين أخرى
< >

السبت 29 يونيو 2024 - 19:13 البرلمان والضريبة


تعليق جديد
Twitter