MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




دراسة مقارنة بين الدستور المغربي والمصري: السياق ـ المسطرة ـ المحتوى

     

الشادلي عبد العزيز.
طالب في سلك الماستر العلوم السياسية والقانون الدستوري الرباط



دراسة مقارنة بين الدستور المغربي والمصري: السياق ـ المسطرة ـ المحتوى

لقد شكلت محاولة انتحار الشاب التونسي محمد البوعزيزي بتاريخ 17 دجنبر 2010 سببا مباشرا في اندلاع الحراك الاحتجاجي الشعبي في تونس والذي انتقل بأشكال متفاوتة الى باقي الاقطار العربية، حيت لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورا مهما في نشر الوعي بين التونسيين على ضرورة إسقاط هذا النظام المستبد، وبالفعل ثم إسقاط النظام الغاشم في 14 يناير 2011.[1]
هذه الثورة لعبت دورا مهما في إذكاء حماس الشعوب العربية الاخرى التواقة الى الحرية والديمقراطية، ولقد كان تأثيرها تأثيرا متفاوتا، حيت اختلفت حدة الاحتجاجات من  دولة إلى اخرى نظرا لخصوصية كل دولة وكذا طبيعة النظام السياسي السائد فيها . فطالبت الجماهير الشعبية في مصر بإسقاط النظام الذي عمر أزيد من 30 سنة، حيث كانت مطالب الشعب المصري معبر عنها من طرف كل من حركة كفاية وحركة 6 أبريل إلى جانب أفراد الشعب المصري وتمتلث هذه المطالب في[2]:

 1.تنحى الرئيس حسنى مبارك عن الحكم نهائيا.
 2.إقالة الحكومة وتشكيل حكومة وفاق وطني سريعا.
 3.حل مجلس الشعب والشورى وإصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية يكفل حرية وحيوية التفاعلات السياسية وضمان نزاهة الانتخابات.
4.إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين ممن ليس عليهم أحكام جنائية.
 5.محاكمة كل رموز الفساد والمستفيدين منه وحصر ثرواتهم ومصادرتها لصالح خزانة الدولة
6.إلغاء حالة الطوارئ وإطلاق الحريات العامة.
7-تشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد للبلاد مشكلة من خبراء الدستور وأساتذة القانون الشرفاء وكبار القضاة.
 8.إجراء تعديل فوري في المواد المعيبة في الدستور المصري مثل المواد 66 و67 و5 و88 و179 لضمان انتخابات رئاسة حرة.
9.إتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق العدالة الاجتماعية وعدالة التنمية وتحقيق التوازن بين الأجور والأسعار وحماية مصالح الفقراء والمهمشين.
 10.إلغاء كل القرارات التى أتخذت ضد العمال بسبب إشتراكهم فى ثورة 25 يناير سواء بالفصل أو النقل والتشريد.
11المحاكمة الفورية للمسؤلين عن إغتيال شهداء ثورة 25 يناير وهجوم البلطجية على المتظاهرين وترويع الآمنيين.
 12.توفير حد أدنى من الأجور (1200 جنيه) لضمان حياة كريمة للمصريين.
 13.تنفيذ كل أحكام القضاء الصادرة واحترام أحكام القضاء وإعادة هيبته كهيئة مستقلة.

 في حين كانت الاحتجاجات في المغرب أقل حدة من نظيرتها المصرية ولم تصل إلى حد المطالبة بإسقاط النظام، فلقد إنحصرت فقط في المطالبة بالقيام بإصلاحات دستورية تمثلت في المطالبة بتغير نمط الحكم وكذا بعض المطالب الاجتماعية والدستورية.

إلا أن نتائج هذه الاحتجاجات في كل من مصر والمغرب كانت متباينة، حيت استطاع الشعب المصري إرغام الرئيس المصري على التنحي على السلطة بتاريخ 11 فبراير 2011، وآلت السلطة إلى المجلس العسكري للقوات المسلحة الذي علق العمل بدستور 1971.

وفي المقابل وتماشيا مع حجم الاحتجاجات التي شملت جل المدن المغربية والتي كانت أقل حدة من نظيرتها المصرية، حيث لم تتعدى المطالبة بملكية برلمانية يسود فيها الملك ولايحكم، جاء الخطاب الملكي في 9 مارس 2011 محاولا إمتصاص غضب الشارع معلنا عن نية وضع إصلاحات دستورية، واضعا الخطوط العريضة لها ومتجاهلا مطالب الحركات  الاحتجاجية-حركة 20 فبراير- خصوصا الدستورية منها و المتمثلة فيما يلي:
[3]

- تغيير نمط الحكم من ملكية دستورية الى ملكية برلمانية حيث كل السلطة و السيادة للشعب.
- إلغاء الدستور الحالي الممنوح و استقالة الحكومة الحالية و حل مجلسي النواب والمستشارين.
- تشكيل القوى السياسية والمدنية الوطنية الشريفة والنزيهة لحكومة وحدة وطنية مؤقتة لتسيير البلد خلال المرحلة الانتقالية.                                                                                                                       
- انتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور شعبي و ديمقراطي ينص على سلطة الشعب و رمزية المؤسسة الملكية، دستور ينص على انتخاب رئيس الوزراء من طرف الشعب انطلاقا من أغلبية برلمانية مسؤولة أمام ممثلي الشعب، وإناطة مهمة تشكيل حكومة مسؤولة امام البرلمان لرئيس الوزراء ، حكومة تدير الشأن السياسي العام و يمكن اقالتها بشكل جماعي، مع احتفاظ الملكية برمزيتها التاريخية مع الغاء توصيفها بامارة المؤمنين، وسحب القداسة عنها ونزع كل سلطة سياسية منها، دستور يقر باللغة الامازيغية كلغة رسمية الى جانب اللغة العربية . و ينص على فصل السلط الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية.                                                        
                               
- حل جميع المجالس والهيئات والمنظمات واللجان والصناديق المشكلة من طرف الملك، وتعويضها بمجالس عليا منتخبة داخل القطاعات أو عبر الانتخاب الشعبي العام.
- تشكيل مجلس أعلى لتدبير انشاء البنيات التحتية و مدها و صيانتها و تعميمها على كافة مناطق التراب الوطني.
- احترام حقوق الشعب المغربي في التجمع والتظاهر والتعبير والتنظيم، و تحمل مسؤولية تبعات أي استخدام للقمع المنهجي (القمع ،الاختطاف ،التعذيب الترهيب ، التقتيل ) للنظام القائم بالمغرب مما قد يصدر أثناء مواجهته لاستمرار احتجاجات التغيير السلمية.

ترى كيف انعكست الظرفية السياسية التي مرت بها البلدين على مسطرة وضع الوثيقة الدستورية في كل منهما؟وكذا على مستوى محتوى ومضمون الوثيقتين؟
 
المبحث الاول :المسطرة المتبعة في وضع الدستورين
.

لقد كان هناك إختلاف واضح في طريقة وضع كل من الدستور المغربي والمصري نظرا للاختلاف الظرفية السياسية التي مر منها كل بلد على حدة، حيث أن حدة الاحتجاجات وطبيعة المطالب التي يطالب بها كل من الشارع المصري والمغربي انكعس بشكل مباشر على الطريقة التي أعد بها كل من الدستورين، حيث أن الهيئة المكلفة بتعديل الدستور المغربي جاءت عن طريق التعين وإستنادا على دستور لسنة 1996 بحيت أن النظام إكتسح السلطة التأسيسية وتشبت بالشرعية الدستورية لأنها في صالحه، رغم أنه كان  دائما يسعى إلى خرق قواعد الشرعية الدستورية من خلال البحت عن منافذ  السلطة التقديرية، حيث حدد مسطرة خاصة لممارسة صلاحية الهيئة المكلفة والمعينة لوضع الوثيقة الدستورية وكذا نطاق عملها، وقد اتضح أنه لازالت هيمنة المؤسسة الملكية على وضع الوثيقة الدستورية.
في المقابل وبعد تنحي الرئيس المصري عن الحكم في11   فبراير 2011، وبعد تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد في نفس اليوم، قام المجلس العسكري بتعطيل العمل بدستور 1971، تمهيدا لإصدار دستور جديد وذلك بإصدار بيانا دستوريا يحتوي على خمس قوانين.
[4]

بالنسبة لمسطرة وضع الدستور المغربي:

لقد تأثر المغرب بالحراك الذي عرفته المنطقة العربية، حيث خاض الشعب المغربي بدوره إحتجاجات عارمة في كل أنحاء ومناطق المملكة مطالبا بالتغير ومحاربة الفساد والمفسدين ومحاكمتهم، مطالبين بإصدار دستور ديمقراطي ينعم فيه المغاربة بالحقوق والحريات والكرامة الانسانية، وينص على فصل السلط  واستقلال القضاء.
وتحت ضغط الشارع المتمثل في حركة 20 فبراير التي ضمت كل القوى الحية والتقدمية التي كانت لها غيرة على هذا الوطن، وكذا بعض التيارات الاسلامية وعلى رأسهم جماعة العدل والإحسان وكذا التيارات التي تنعت بالراديكالية، أجبر النظام القائم على أن يتخذ خطوة المراجعة في خطاب 9 مارس 2011، محاولا بذلك امتصاص الغضب الذي يشهده الشارع المغربي، خصوصا بعد ازدياد وتيرة الاحتجاجات وخوف النظام من الانفلات ألأمني وكذا أن تتطور الحركة بعد ازدياد اكتساحها من طرف الفئات الشعبية، وتعود للمطالبة بإصلاحات جذرية وربما كان من الممكن أن تطالب بإسقاط النظام في حالة إذا تبين أن حجمها يساعدها على ذلك.
وقد جاء الخطاب متجاهلا حركة الشارع التي تشهدها جل المناطق، معزيا هذه الاصلاحات الى الاصلاحات التي ما فتى يقوم بها محمد السادس منذ توليه العرش، في حين أن الحقيقة تنفي هذا الخطاب الممزوج بالديماغوجية والسريالية.
ولقد تحدت الخطاب الملكي على مراجعة شاملة للدستور وضعا خطوطا عريضة لهذه الاصلاحات تمثلت في سبع ركائز وهي:
[5]
  أولا: التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة.
 ثانيا: ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب.
 ثالثا: الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه.
رابعا: توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، من خلال: برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية. حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب: وتكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، تقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، دسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته.
 خامسا : تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني.
  سادسا : تقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة.
 سابعا : دسترة هيآت الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات.
وبعد يوم واحد من الاعلان عن التعديلات الدستورية المرتقبة، ترأس الملك في 10 مارس تنصيب اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور برئاسة عبد اللطيف المنوني، حيت اعتمد منهج الاصغاء والتشاور مع جميع الفاعلين المعنيين، كما أكد على أهمية انخراط الأحزاب السياسية في هذه الاصلاحات من أجل تقديم تصوراتها بخصوص الاصلاح المنشود، وكل هذا كان من الأجل إعطاء صبغة ديمقراطية، والاجماع حول الاصلاح وكذا لضمان مشاركة الأحزاب والنقابات لإعطاء الشرعية لهذه التعديلات.
كم تم إحدات آلية سياسية للمتابعة وتبادل الرأي بشأن مشروع مراجعة الدستور، ترأسها مستشار الملك محمد معتصم، وضمت  رؤساء الهيئات السياسية والنقابية فضلا عن رئيس اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور
[6].
وكما سبقت الاشارة فالخطاب الملكي ل9 مارس 2011 حدد الخطوط العريضة للاصلاحات الدستورية، وهذا يعني أنه لا يمكن تجاوز معالمه التي حددت في 5 توابث وهي النظام الملكي والدين الاسلامي وإمارة المؤمنين والوحدة الترابية والخيار الديمقراطي كتوابث للأمة وهي نفسها المحاور التي لايمكن أن تشملها المراجعة. من خلال هذا يتضح أن اللجنة المكلفة بالتعديل الدستوري كانت مقيدة  وفي نفس الوقت محاصرة من قبل هيئة التشاور والمتابعة برأسة محمد معتصم مستشار الملك.
ومن كل هاته الآليات والبرتوكلات يتبث أنه لم يكن من هدف ورأها سوى إضفاء نوع من المصداقية على هذه المراجعة، وليس الهدف تحقيق الشراكة .
وحتى الأحزاب التي قبلت بالتعديلات الدستورية وتمنتها-حزب الاستقلال ،الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،حزب التقدم والاشتراكية،الحزب الاشتراكي، البديل الحضري، الحزب العمالي، الاصالة والمعاصرة، التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري، حزب العدالة والتنمية، فإن حجم مشاركتها لم يتجاوز، تقديم مذكرات حيت أن السلطة التأسيسية يملكها الملك وبالتالي انحصرت مشاركة الأحزاب في مجرد تقديم المذكرات وليس المشاركة بشكل فعلي في التعديلات، بل إنها لم تتسلم نسخة من مشروع الدستور بل عرض عليها المشروع بشكل شفوي، ولم تسلم لها أي وثيقة مكتوبة .
في المقابل رفضت بعض الأحزاب مشروع الدستور من أصله لأنها اعتبرته دستور ممنوح ومنها: حركة النهج الدمقراطي، الحزب الاشتراكي الموحد، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي، تم حزب الأمة. إلى جانب حركة 20 فبراير وجماعة العدل والإحسان
[7].
كل هؤلاء ثم التضييق على حرياتهم في التعبير عن حقهم في الرفض في وسائل الاعلام، بل اعتبرو رأيهم الرافض والمخالف لوجهة نظر النظام جريمة يعاقب عليها القانون، وتمت متابعة بعض الأشخاص المحسوبين على حركة 20 فبراير عن طريق الاعتقال التعسفي لكل من تبث تورطه في رأي مخالف لرأي المخزن  عن مضمون الوثيقة الدستورية.
بل حتى القراءات والدراسات التي همت الخطاب الملكي الذي يؤسس لمشروع الوثيقة الدستورية المتسمة بالموضوعية  والحياد، والتي كان من المفروض أن تنشر قبل التصويت على مشروع الدستور، والتي قدمها مجموعة من الأساتذة المشهود لهم بالتجرد والحياد والموضوعية، تم منعها من النشر إلى ما بعد التصويت على الوثيقة الدستورية مع العلم أنها قراءات موضوعية تنطلق من زاوية معينة في دراسة الوثيقة الدستورية، إنطلاقا من مقومات الدستور بمفهومه الديمقراطي واذكر على سبيل المثال لا الحصر <الدستور الجديد ووهم التغير >كتاب على شكل محاضرات من تأليف مجموعة من الاساتذة  الاجلاء وعلى رأسهم الاستاذة رقية المصدق وعمر بنذورو ومحمد مدني ....إلخ.
وبعد كل هذا أعلن الملك في 17 يونيو 2011 عن إجراء استفتاء على مشروع الدستور الجديد في فاتح يوليوز مقدما في نفس الوقت محتوى للمشروع الدستور الجديد من خلال عشر محاور وهي
[8] :

1-التكريس الدستوري للملكية المواطنة والملك المواطن ...
2-دسترة الأمازيغية كلغة رسمية...
3-دسترة كافة حقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا .
4-الانبتاق الديمقراطي للسلطة التنفيذية .
5-قيام سلطة برلمانية تمارس إختصاصات تشريعية ورقابية واسعة .
6-تخويل المعارضة البرلمانية نظاما خاصا واليات ناجعة.
7-ترسيخ سلطة قضائية مستقلة عن السلطتين التنفيدية والتشريعية.
8-دسترة بعض المؤسسات الأساسية كالمجلس الوطني لحقوق الانسان ...
9-تعزيز آليات الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة ....
10-التكريس الدستوري للمغرب الموحد للجهات، القائم على لامركزية واسعة...
 كما دعى فيه المغاربة إلى التصويت بنعم على مشروع الدستور لأنه يعتبره دستورا يرقى الى الدساتير الديمقراطية، وهنا لم يلزم الملك الحياد ويترك المواطن المغربي ليعبر على رأيه بعيدا عن التأثيرات ولو الشفوية للخطابات الرسمية
[9] .

ولقد لقي هذا الاستفتاء الذي لا يمكن اعتباره إلا استفتاء تزكية، مساندة قوية من قبل الأحزاب الرسمية وهي نفسها التي تمَّنَت الاصلاحات الدستورية –سبق ذكرها –كما لقي معارضة قوية من بعض الاحزاب التي اعتبرته ممنوحا وكذا من حركة 20 فبراير التي دعت المغاربة إلى مقاطعته .
وفي فاتح يوليوز خرج المغاربة للتصويت على مشروع الدستور وقد كانت النتائج الرسمية لهدا الاستفتاء حسب وزارة الداخلية هي :نسبة التصويت 73.46%، المصوتون بنعم %98.5، الأصوات الملغاة 0 ,83% .
[10]

بالنسبة لمسطرة وضع الدستور المصري :

وفي مقابل الدستور المغربي عرف الدستور المصري مسطرة مغاير، تختلف  عن المسطرة التي مر بها الدستور المغربي، وذلك إرتباطا والظرفية السياسية التي مرت بها مصر والتي بدأت بالثورة التي قام بها الشعب المصري، والتي أرغم من خلالها الرئيس المصري على التنحي عن الحكم حيت بدأت رحلة وضع الدستور المصري التي مرت بمرحلتين:
[11]
المرحلة الأولى لوضع الستور  بدأت  بخطوات تمهيدية وهي كما يلي:
1)تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون البلاد في 11فبراير بعد تنحي الرئيس.
وخلال هذه المرحلة أثير جدل كبير حول العمل بدستور 1971 أم تعطيله، حيث اتجه المجلس العسكري إلى تعطيل العمل بدستور 1971، تمهيدا لوضع دستور جديد وذلك بإصدار بيان دستوري يحتوي على قوانين تتضمن ممارسة الحقوق السياسية وقانون الأحزاب وقانون مجلس الشعب وقانون مجلس الشورى وقانون الرئاسة، بالإضافة إلى بعض المواد القانونية المكملة للحياة السياسية خلال مرحلة ما بعد الثورة.
2)قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتشكيل لجنة تعديل الدستور.
وقد تضمن هذا القرار النص على تشكيل لجنة برئاسة المستشار طارق البشري وعضوية عدد من فقهاء القانون، بحيث تختص بتعديل المواد 93،189،76،77،88،من دستور 1971، وكذا تعديل ما تراه اللجنة ضروريا  لضمان الديمقراطية ونزاهة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية .
ولقد أثارت هذه التعديلات حالة من الجدل بين القوى المختلفة، بين من يراها ضرورية للإنهاء الاحتقان، وبين من يرى فيها تراجع عن أهداف الثورة وأنها لا تحقق أهداها.
لكن بعد إنتهاء اللجنة من وضع التعديلات ثم عرض الأمر للاستفتاء العام الشعبي في 19 مارس2011.
ولقد بينت نتائج الاستفتاء على أن هناك إتفاق عام على أهمية المشاركة، حيث صوت  %77,2 بالمائة من المشاركين بالموافقة. وبهذا وضع المصريون خطوات خارطة طريق بإجراء الانتخابات أولا تم وضع الدستور .
بعد ذلك جاءت مجموعة من الاعلانات الدستورية، وهي عبارة عن مجموعة من الاعلانات أصدرها المجلس العسكري بوصفه القائم على إدارة شؤون البلاد، وفيما بعد الرئيس محمد مرسي بوصفه رئيسا للدولة، وتهدف هذه الاعلانات إلى تنظيم الحياة السياسية وملئ الفراغ الدستوري إلى حين وضع دستور جديد.
بخصوص الاعلانات الدستورية في ظل إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة فهناك
[12]:
-الاعلان الدستوري ل30 مارس 2011 الذي تضمن 63 مادة، ويهم عدد من الأمور أهمها الحقوق والحريات، سلطات البرلمان وبعض الأمور المتعلقة برئيس الدولة.
-الاعلان الدستوري ل25 شتنبر 2011 وقد جاء بهدف تعديل نص المادة 38 من الاعلان الدستوري الصادر  في 30 مارس 2011، بخصوص الجدل القائم بخوص قانون الانتخابات.
-الاعلان الدستوري ل19 نونبر 2011 ويهم إسناد مهمة القضاء في الاشراف على الانتخابات بعد الصعوبات التي وجدها القضاة في السفر إلى القنصليات والسفارات المصرية بإسناد هذه المهمة للسفراء والقناصل .
-الاعلان الدستوري ل17 يونيو 2011 الذي جاء من أجل تقليص صلاحيات الرئيس الجديد، حيث أشار إلى أنه بعد أن يؤدي الرئيس اليمين أمام الجمعية العامة للمحكمة الدستورية العليا، يستمر المجلس العسكري في عمله.
ولقد كان لهذه الاعلانات التي أصدرها المجلس العسكري مجموعة من ردود الأفعال، خصوصا وأن هذه الاعلانات جاءت لتلبية متطلبات جديدة تفرضها القوى السياسية والشارع المصري .
وكان أكثر مما أثار جدلا كبيرا في هذه الاعلانات، هو الاعلان الدستوري الصادر في 17 يونيو  الذي أثار زوبعة كبيرة في الشارع المصري، خوفا من أن يؤدي تدخل المجلس العسكري في العملية السياسية إلى عرقلة مسار الديمقراطية.
أما بخصوص الاعلانات الدستورية في ظل أول رئيس منتخب بعد الثورة
[13].
-الاعلان الدستوري ل12 غشت 2012 وقد صدر إثر الهجوم الذي شنه مسلحون على مركز لقوات حرس الحدود المصرية في شمال سيناء، والذي أسفر عن مقتل 16 جنديا وضابطا مصريا.
-الاعلان الدستوري ل21 نونبر 2012  الذي كان الهدف منه هو إعادة التحقيقات والمحاكمات، في جرائم القتل والشروع في قتل وإصابة المتظاهرين أثناء الثورة .
-الاعلان الدستوري ل8 دجنبر2012، وجاء  لمعالجة الأزمة خصوصا بعد موجة الغضب التي شهدها الشارع المصري نتيجة الاعلان الدستوري السابق .
  هذه الاعلانات الدستورية بدورها عرفت تأييدا ورفضا في نفس الوقت، فبخصوص الاعلان الدستوري الصادر في 12 غشت، فقد رأى فيه الشارع المصري أنه مثابة إسترداد لسلطة الرئيس من المؤسسة العسكرية، وبالتالي وجود رئيس قوي قادر على إنجاز وعود الثورة، في المقابل فقد أثار الاعلان الصادر في 21 نونبر موجة من الغضب في الشارع المصري، وذلك خوفا من تحول الرئيس الى ديكتاتور خاصة بعد تحصين قرارته.
 
المرحلة الثانية لوضع الدستور المصري .

بدأت هذه المرحلة استنادا على الاعلان الدستوري ل30 مارس 2011 الذي نص على أن يوضع دستور مصر عبر تشكيل جمعية تأسيسية، وهي من الطرق الديمقراطية المعروفة، ونص على أنه يجب أن تتكون من 100 عضو يتم إنتخابهم من قبل مجلسي الشعب والشورى المصريين، ويتم وضع مشروع الدستور خلال 6 أشهر من تاريخ تشكيلها، على أن يعرض على الشعب خلال 15 يوما من يوم الانتهاء من إعداده للاستفتاء عليه.
[14]

1)الجمعية التأسيسية الأولى:

كان الاجتماع الأول لعمل الجمعية التأسيسية لوضع مشروع الدستور في 3 مارس 2012، ولقد ثم خلالها الاتفاق على تشكيل لجان فنية لتلقي الاقتراحات من النواب وأفراد الشعب حول آلية اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية، وطريقة ونسب تشكيلها من أطياف الشعب كله، أما الاجتماع الثاني فكان في 17 مارس 2012 حيت تم التصويت على مقترحات  نسب تشكيل الجمعية التأسيسية من داخل وخارج البرلمان.
أما الاجتماع الثالث فكان في 24 مارس وتم فيه التصويت على إختيار أعضاء الجمعية التأسيسية التي تشكلت من 100 عضو، براسة سعد الكتاني رئيس مجلس الشعب المصري.
ولقد لقيت معارضة قوية ودعوى أمام القضاء بسبب الاتهامات التي وجهت إليها والمتمثلة في عدم التمثيل المناسب لكل قوى المجتمع، وقد أصدرت المحكمة الادارية العليا في أبريل 2012 حكما ببطلان تشكيل الجمعية برمتها، وذلك بسبب إشتمال الجمعية التأسيسية على أعضاء من مجلسي الشعب والشورى، وهو ما يخالف الاعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011.

2)الجمعية التأسيسة الثانية.

بعد حل الجمعية الأولى من قبل المحكمة الادارية العليا، دخل أعضاء مجلس الشعب والأحزاب السياسية في جدل انتهى بتوافق وطني من جميع الاطراف، حيث كلف محمد سعد الكتاني بإعداد مشروع لمعايير انتخاب جمعية جديدة لكتابة الدستور، ليكون ممثلا لكل  فئات الشعب وقد جاءت هذه المعايير كما يلي :
-الأحزاب الممثلة في مجلس الشعب 39 عضوا، الهيئات القضائية 6 مقاعد، أساتذة القانون 9 مقاعد، 21 مقعدا لشخصيات عامة، 3 مقاعد لتمثيل الشرطة والجيش ووزارة العدل، 5 مقاعد للأزهر الشريف، 4 للكنائس المسيحية، 13 مقعدا للنقابات.
هذا وقد أعدت اللجنة التشريعية لمجلس الشعب برئاسة المستشار محمود الخضيري، مشروع قانون يتضمن 13 مادة لتحديد ضوابط اختيار أعضاء الجمعية.
كما ثم الاتفاق على أن يكون التصويت على مواد الدستور بالتوافق أولا، وفي الخلاف فبالتصويت بموافقة 67 عضوا، وفي حالة الخلاف مرة ثانية يكون بنسبة 57 عضوا بعد مرور 48 ساعة.
ولقد مرت الجمعية التأسيسية الثانية بدورها بعدد من الأزمات تمثلت فيما يل
[15]ي:

-الدفع ببطلان الجمعية أمام القضاء :

وقد تقدم بها محامين بسبب قيام معارك بين السياسيين والقضاة، حيت دفع البعض بعدم الثقة في النخبة السياسية وكذا تسييس القضايا، ولقد تم تأجيل هذه الدعوى حتى يتم الرد والتعقيب من قبل الحكومة.
وقد توالت الدعاوي ضد الجمعية الثانية إلى 46 دعوى قضائية تطالب ببطلانها، وقد تم في 23 أكتوبر 2012 إحالة الدعوى على المحكمة الدستورية العليا، ولقد أعيد تأجيل النظر في الدعوى في دجنبر 2012.

-أزمات داخل الجمعية التأسيسية

حيث عرفت  الجمعية التأسيسية صراعات من داخلها بين الاسلاميين والليبراليين واليساريين حول عدد من المواد ومنها المواد المتعلقة بالشريعة الاسلامية وكذا ما يتعلق بصلاحيات الرئيس ومواد أخرى...وقد تطورات الى انسحاب عدد من ممثلي القوى المدنية والكنيسة من الجمعية التأسيسية اعتراضا على هيمنة التيار الإسلامي.
ورغم أن الرئيس وعد خلال حملته الانتخابية بإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية لتكون أكثر توازنا،  وهو الوعد الذي طالبت العديد من القوى السياسية بتطبيقه، من خلال إلغاء الاعلان الدستوري المكمل وطرح إعلان بديل يمنحه صلاحيات جديدة من ضمنها الحق في إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية، ولكن العكس هو الذي قام به الرئيس حيت عمد إلى دعم الجمعية التأسيسة وحمايتها لتنتهي من المهمة المنوطة بها وقد اتخذ الدعم شكلين:
الأول تمثل في التصديق على قانون رقم 79 لسنة 2012 الخاص بمعايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لإعداد مشروع الدستور.
الثاني تمثل في تحصين الجمعية التأسيسية من الحل من خلال إعلان دستوري مؤرخ ب 21 نونبر 2012.
ولقد لقيت هذه الخطوات التي قام بها الرئيس بعدم القبول خصوصا من القوى المدنية والثورية التي رأت فيها، تخلي الرئيس عن وعده الخاص بتشكيل جمعية متوازنة.
كما أن هذه الخطوة التي أقدم عليها الرئيس جعلت 11 عضوا ينسحبوا، إلا أن هذا الانسحاب لم يمنع الجمعية من القيام بمهامها حيث قامت بتعويضهم من الاحتياطيين
[16].
ولقد صوتت الجمعية التأسيسية في 29 نونبر  على مشروع الدستور بنسبة 67% من إجمالي أعضائها الحاضرين الذين بلغ 85 من أصل 100.
وفي فاتح دجنبر سلم المستشار حسام الغرياني، الرئيس مشروع الدستور المصري، ليعن الرئيس دعوة الشعب المصري للاستفتاء عليه في 15 دجنبر 2012.
ولقد لقي الاستفتاء  بدوره معارضة قوية خصوصا من القضاة الذين رفضوا الاشراف على الاستفتاء وأعلنوا مقاطعتهم له، وفي ظل هذه الوضعية قرر الرئيس من خلال قرار جمهوري عقد

الاستفتاء على مرحلتين.

المرحلة الأولى يوم السبت الموافق 15 دجنبر وتشمل عشر محافظات منها القاهرة، إسكندارية ....إلخ
المرحلة الثانية 22 دجنبر وتشمل سبعة عشر محافظة منها: المنوفية، بور سعيد...إلخ
أما بخصوص الجالية بالخارج فقد حدد لهم يوم التصويت من 12 دجنبر إلى غاية 17 منه.

وجاءت نتائج التصويت كما يلي:

  نسبة المشاركة في الاستفتاء وصلت إلى33,4%  من المصريين الذين لهم حق التصويت.
-صوت 63.8% من الناخبين بالموافقة على مشروع الدستور في مقابل36.2% بعدم الموافقة.
وفقا لهذه النتائج فقد صوت الشعب المصري بالقبول على الدستور لأنه فاق 50% من الأصوات الصحيحة، وبالتالي فقد ثم إقرار الدستور المصري.
خلاصة القول بخصوص مسطرة وضع الدستور في كل من مصر والمغرب، حيث أنه و رغم كل الانتقادات التي يمكن توجيهها إلى تعنت  المجلس العسكري أحيانا و الرئيس أحيانا أخرى، ومحاولة كل واحد منهما إستعمال منافد السلطة التي يمنحها له ما يسمى بالاعلان الدستوري، إلا أنه تم العمل بالطرق الديمقراطية في وضع الوثيقة الدستورية، وكل خلل يمكن أن يظهر أثناء تنفيذ مقتضيات الدستور، فإنه يمكن تجاوزه من خلال  المقتضيات التي تنص على  كيفية تعديل بعض مقتضياته وهي المواد 217 و218 من الدستور المصري.
بخلاف المغرب الذي إحتكرت فيه المؤسسة الملكية السلطة التأسيسية الفرعية وعملت على التشبت والاحتماء
[17]  بالشرعية الدستورية، واستبعدت إكتساح السلطة التأسيسية الأصلية التي أصبحت منذ 1970 بيد الملك، وبالتالي فإن مقارنة بين الدستورين على مستوى وضعه وصياغته، يبين أن الدستور المصري يندرج ضمن الدساتير الديمقراطية على خلاف الدستور المغربي الذي لم تتوفر فيه الإرادة الشعبية على غرار ما طالبت به حركة 20 فبراير، التي كان من مطالبها: انتخاب جمعية تأسيسية من أجل وضع الدستور وهو ما تم تجاهله من النظام القائم، وبالتالي الانفراد بوضع الدستور تحث ذريعة مشاركة الأحزاب والمجتمع المدني في وضعه عن طريق تقديم مقترحاتها، إلا أن التمعن في طريقة وضع الدستور توضح أنها إما أنها أحزاب إدارية تتمن كل من تأتى من قبل المخزن وتتكلم بلسانه وهو خطاب مغلف بالديمقراطية، أو أنها أحزاب كانت تبحث عن موطئ قدم لها في أحضان النظام وها هي حققت مرادها  تحث ذريعة مصلحة الوطن في الاستقرار .
 
المبحث الثاني :من حيث المحتوى :

أكيد أن طريقة وضع الدستور تعطي انطباعا على مضمونه، وهذا ما حصل بخصوص الدستورين المصري والمغربي، وفي هذه القراءة سوف أقتصر على نقطتين بعدما تم التطرق إلى نقطة خلال الحديث على مسطرة وضع الدستوريين وهي المتعلقة بمصدر السلطة حيث تبث أن الشعب هو مصدر السلطة في الدستور المصري من خلال إنتخاب جمعية تأسيسية التي تكلفت بوضع الدستور في حين أن الملكية تشبثت بالشرعية الدستورية في وضع الوثيقة الدستورية واستبعدت الارادة الشعبية  ، لهذا سوف أتطرق من خلال هذا المبحث إلى مقارنة بين الدستورين على مدى تنصيصهما على الفصل بين السلط، وكذا التنصيص على الحقوق والحريات ووضع ضمانات لممارستها.
بخصوص التنصيص على الحقوق والحريات :
لقد نص كل من الدستور المصري والمغربي على الحقوق والحريات، إذ أن كلاهما نص عليها  في الباب الثاني وقد خصص لها الدستور المصري 50 مادة من المادة 31 إلى المادة 81  قسمها  إلى أربعة فصول وهي الحقوق الشخصية في الفصل الأول والحقوق المدنية والسياسية في الفصل الثاني، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية في الفصل الثالث، حيث جاءت هذه الفصول مفصلة، كما وضع في الفصل الرابع  ضمانات لحمايتها وهي مقسمة بدورها إلى مواد، فلقد شملت المواد من 31 إلى42 الحقوق الشخصية، وتضمنت المواد 43 إلى 57  الحقوق المدنية والسياسية، ثم المواد من 58 الى 73 خصصت للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وأخير المواد  من 74 إلى 81 خصصت لضمانات حماية الحقوق والحريات، حيث تكفل القضاء بشكل صريح بحمايتها بمنطوق المادة 74 و76 من الدستور المصري.
في المقابل خصص الدستور المغربي  للحقوق والحريات 21 فصلا من الفصل 19 إلى الفصل 40، حيث شمل بدوره الحقوق السياسية والمدنية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وكذا البيئية، كما نص على حرية التعبير والتفكير والرأي، والحق  في التعليم والحق في الملكية والحق في المعلومة وغيرها من الحقوق .....
إلا أنه في مقابل ذلك لم يضع ضمانات لممارستها، وهنا يطرح تساؤل  ما الفائدة من الحق في الدراسة لمن ليست له الامكانية للدراسة، فلابد من ربط الحق بشروط ممارسته وغياب الضمانات يفرغ التنصيص على حق من محتواه .

بخصوص الفصل بين السلط

بالرجوع إلى مقتضيات الدستور المصري نجد أنه يقر بفصل السلط من منطوق المادة
[18] 127 التي حصنت البرلمان من إمكانية التعدي عليه وحله من قبل السلطة التنفيذية، وذلك من خلال "التنصيص على أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا عند الضرورة، وأن يكون قراره معلل بناء على طلب الحكومة وأخذ رأي رئيسي مجلسي البرلمان وبعد إستفتاء الشعب على هذا الحل".[19] وفي حالة رفض الشعب هذا الحل فإن الرئيس ملزم بتقديم إستقالته فورا معلنا عن انتخابات مبكرة وهو ما لا يمكن تصوره في المغرب  وبالتالي فهو يعرف استقلال السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية التي تشمل رئيس الجمهورية والحكومة، بالإضافة إلى التقليص من سلطات الرئيس لصالح رئيس الوزراء مقارنة مع دستور 1971. في المقابل يعرف الدستور المغربي هيمنة السلطة التنفيذية على  البرلمان من خلال إمكانية حل البرلمان بمجلسيه أو أحدهما من  قبل رئيس الدولة (الملك)وليس مجلس النواب فقط - كما في الدستور المصري – دون أية قيود حقيقية ،فقط استشارة كل من رئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين ،وتوجيه خطاب الى الامة،وهي كلها أمور شكلية .هذا بالإضافة الى عدم إمكانية رئيس الدولة في مصر حل مجلس الشورى على خلاف المغرب.
مع العلم أنه في حالة حل مجلس النواب في مصر تؤول السلطة الى مجلس الشورى ،وإذا حال مانع من ذلك تؤول الى رئيس الدولة مع العلم أنها تعرض في أجل  15يوم على مجلسي البرلمان وإذا رفضها تزول بأثر رجعي وبقوة القانون ,في حين أغفل الدستور المغربي هذا الجانب والذي تحكم فيه الملك تاريخيا ، مند إعلان حالة الاستتناء في  1970 سنة تعديل الدستور أول مرة ، مع العلم أنه لا يوج أي مقتضى في دستور 7019يعطي للملك الحق في تعديله  .
ولقد منع الدستور المغربي  على أعضاء البرلمان المجادلة في النظام الملكي في حين سمح الدستور المصري , لثلث أعضاء مجلس النواب توجيه إتهام الى رئيس الدولة بإرتكاب جريمة أو جريمة الخيانة العظمى .
 هذا بالإضافة الى  ما يسمى بتقنية العقلنة ألبرلمانية التي من خلالها يتم التحكم في جدول أعمال البرلمان من قبل السلطة التنفيذية طبقا للفصل 82 من الدستور، وكذا من خلال قانون الاذن بمقتضى الفصل 70 من الدستور، بالإضافة إلى الفصل 81 من الدستور الذي يعطي للحكومة الحق في إصدار مراسيم خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، هذا بالإضافة إلى المؤسسة الملكية ، التي  تتحكم سواء في الحكومة أو البرلمان من خلال طلب القراءة الثانية، وفي الحكومة من خلال طريقة تعينها أو المتعلقة بإعفائها من مهامها، كما أن  الحكومة في النظام المغربي تبقى فقط عبارة عن منفذ  لقرارات الملك التي تتخذ في مجلس الوزاري الذي يكون إنعقاده بشكل إلزامي (ف48)خصوصا في المصداقة على الامور التي تدخل في رسم التوجهات الاستراتيجية لسياسة للدولة ،(ف49) وحتى إن أعطى الملك رئاسة مجلس الوزاري لرئيس الحكومة فإنه يكون وفق جدول أعمال محدد وبالتالي يكون رئيس الحكومة مجرد  منفذا لتعليمات الملك فقط. في المقابل ليست للمجلس الوزاري بمصر أي اختصاصات تنفيذية  أو تقريرية فهوا مجلس للتشاور لم يجعل  الدستور المصري إنعقاده إلزامي ولم يجعل موافقته شرطا لتمرير النصوص أو التدابير(ف143) عكس الدستور المغربي
[20].
هذا الى جانب الصلاحية  الواسعة التي منحها الدستور المغربي للملك في حالة قيام من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات (حالة الاستثناء الفصل 59) حيث منحه الدستور  القيام بأي شيء من أجل إرجاع المؤسسات الى سيرها العادي ،بعد استشارة كل من رئيس الحكومة ورئيسي مجلسي البرلمان ورئيس المحكمة الدستورية وتوجيه خطاب الى الامة ،وهي أمور شكلية ليست لها أي أهمية قانونية أو على الاقل هذا ما كرسته الممارسة مند 1970 ،من خلال الفصل 35 في الدساتير السابقة الذي عرف ب( ما من شأنه ) والذي بسببه جرد الوزير الاول والبرلمان من السلطة التأسيسية الفرعية وعوضت بالملك .في المقابل منع الدستور المصري على رئيس الدولة إعلان حالة الاستثناء (حالة الطورى) دون موافقة البرلمان(148) واستفتاء الشعب بشأنه بعد استشارة الحكومة ولمدة لا تتجاوز ستة أشهر قابلة للتجديد لمدة واحدة فقط وبعد استفتاء الشعب كذلك ،عكس الدستور المغربي الذي لم يحدد المدة وتركها مفتوحة .وهوا ما يكرس هيمنة المؤسسة الملكية على البنيان الدستوري
وبالتالي غياب أي فصل للسلط بين السلطتين التنفيذية والتشريعية .
أما بخصوص السلطة القضائية فإن الدستور المصري نص على استقلاليتها واعتبر التدخل في شؤونها، جريمة يعاقب عليها القانون بمنطوق المادة 168 و170 التي تنص على التوالي أن التدخل في القضاء جريمة لا تسقط بالتقادم، والثانية تنص على استقلال القضاء.
كما لم يجعل الدستور المصري أي صلة بين رئيس الدولة والسلطة القضائية ،فالقضاة  مستقلون غير قابلين للعزل ولا سلطة عليهم غير القانون وهم متساوون في الحقوق والواجبات ،كما جعل النيابة العامة جزء من القضاء ،على عكس الدستور المغربي الذي فصل النيابة العامة على القضاة ،وجعل القضاة تحث رئاسة وزير العدل.
ورغم  تنصيص الدستور المغربي بمقتضى الفصل 107 عن استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية،و لكن في المقابل نص على أن الملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية(107)،  وهو رئيس المجلس الاعلى للسلطة القضائية(115) وهذا فيه تدخل في السلطة القضائية لأنه –الملك- يعتبر على رأس السلطة التنفيذية ، وبالتالي تنتفي الاستقلالية عن هذه الاخيرة .
 
خاتمة
 
تبقى القاعدة الأسمى داخل النظم الديمقراطية هي الدستور، هذا الأخير يجسد مجال القوانين التي تنظم عمل السلطات، وإن توفر الدولة على  دستور ديمقراطي فهذا دليل أن على أن الظرفية التي مرت منها البلاد سمحت بقيام شروط مهدت لتأسيسه بشكل ديمقراطي، وهو ما يمكن استشفافه من خلال الظروف التي مر بها كل من المغرب ومصر، حيث فرض الشعب المصري إرادته في وضع دستور ممثل من قبل جل أطياف الشعب المصري عن طريق جمعية تأسيسية، وهي من الطرق الديمقراطية المعروفة في وضع الدساتير، في حين لم تستطع حجم الاحتجاجات في المغرب أن تفرض شروطها في القيام بوضع وثيقة على الطريقة التي نادى بها الشارع المغربي، وكان لطريقة وضع الدستورين انعكاس متباين على المضمون .
 
 
 
 
 
 
المراجع:


  • خالد نصر السيد ،رحلة في دستور مصر: منشورات وحدة الدراسات والبحوت البرلمانية والاكاديمية متاح على الرابط http://egyda.org     
  • الدستور الجديد ووهم التغير  تأليف مجموعة من الاساتذة   منشورات دفاتر عدد 24 
  • الدستور المصري لسنة 2012
  • قراءة أولية في مشروع الدستور المصري منشورات وحدة الدراسات والبحوت البرلمانية والاكاديمية ،متوفر على الرابط: http://egyda.org    
  •  الدستور المغربي لسنة 2011
  • مطالب ثورة 25 يناير :أنظر الرابط
  http://www.revolution25january.com/january25revolution-demands.asp      
  • -نجيب بودربلة .الثورة التونسية مجلة وجهة نظر العدد 49 ,2011
  • مجلة السياسة الدولية مقال للإستاد ادريس الكريني (محاسبة اليمقراطية )العدد 184ابريل 2011المجلد46 ص 199
  • file:///C:/Users/Acer/Downloads _files/toast.htm
  • المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،سلسة نصوص ووثائق ،عدد 246،2011،الرباط
  • سعيد خمري ،روح الدستور ،منشورات دفاتير سياسية ،الطبعة 2012
  • عبد الرحيم العلام
http://www.lakome.com/رأي/169-وجهة-نظر/21453-الفرق-بين-الدستورين-المصري-والمغربي                                            
 
 
 

الهوامش

-نجيب بودربلة .الثورة التونسية مجلة وجهة نظر العدد 49 ,2011ص58 [1]
 http://www.revolution25january.com/january25revolution-demands.asp مطالب ثورة 25 يناير :أنظر الرابط     [2]
مجلة السياسة الدولية مقال للإستاد ادريس الكريني (محاسبة اليمقراطية )العدد 184ابريل 2011المجلد 46[3]
: file:///C:/Users/Acer/Downloads _files/toast.htm أنظر الرابط [4]
:أنظر نص الخطاب منشور في المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ،سلسة نصوص ووثائق ،عدد 246،2011،الرباط ،الصفحة 17[5]
 سعيد خمري ،روح الدستور ،منشورات دفاتير سياسية ،الطبعة 2012ص 199[6]
[7]  محمد الساسي، الدستور الجديد ووهم التغيير، دفاتر وجهة نظر، العدد 24، ص 57.
محمد الساسي ،مرجع سابق ص،12، 13 ،14[8]
ذ محمد مدني الدستور الجديد ووهم التغير مرجع سابق ص 95[9]
:أنظر الدستور المغربي , 2011 ,نتائج الاستفتاء ص52[10]
http://egyda.org خالد نصر السيد ،رحلة في دستور مصر: ص 4 متاح على الرابط     [11]
خالد نصر السيد ،رحلة في دستور مصر: ص 5 مرجع سابق    [12]
http://egyda.org خالد نصر السيد ،رحلة في دستور مصر:مرجح سابق ص 6 متاح على الرابط    [13]
 http://egyda.org خالد نصر السيد ،رحلة في دستور مصر: ص 8 متاح على الرابط    [14]
خالد نصر السيد ،رحلة في دستور مصر: ص9 مرجع سابق[15]
خالد نصر السيد ،رحلة في دستور مصر: ص10 و 11 مرجع سابق .   [16]
 مصطلح تم استعماله من طرف الاستاذة رقية المصدق أُثناء ندوة في كلية الحقوق السوسي الموسم الجامعي :2012-2013[17]
 دستور مصر 2012 [18]
[19]قراءة أولية في مشروع الدستور المصري منشورات وحدة الدراسات والبحوت البرلمانية والاكاديمية ،متوفر على الرابط: http://egyda.org  
http://www.lakome.comرأي/169-وجهة-نظر/21453-الفرق-بين-الدستورين-المصري-والمغربي0
عبد الرحيم العلام [20]



الخميس 14 نونبر 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"


1.أرسلت من قبل Saif Al.Hadidi في 04/12/2014 04:51
أرغب بنسخة من هذا البحث ترسل على بريدي الالكتروني

تعليق جديد
Twitter