مقدمة :
الأموال العامة هي أموال مخصصة للمنفعة العامة وتخصيصها لهذا الغرض يقتضي أفرادها بأحكام خاصة تكفل حمايتها من كل اعتداء قانوني أو مادي يمكن أن يعطل تحقيق الغرض منها
ويضفي المشرع في مختلف دول العالم حماية خاصة للأموال العامة نظرا لكونها تعم لنفع المجتمع . كله ويتوقف على حمايتها وصيانتها استمرار عمل المرافق العامة بشكل منتظم لخدمة جمهور المواطنين. لذا أصبح من الضروري ادراج حمايتها، في صلب الدستور، وجعل صيانتها مبدأ دستوري، يمتثل له الجميع.
المبحث الأول : حماية الأملاك العامة في التشريع المغربي.
تضمن التشريع المغربي نصوصا قانونية جد متقادمة وفضفاضة، حالت دون اعمال رقابة فعالة لحماية الأملاك العمومية.
المطلب الأول : محدودبة النصوص القانونية في التشريع المغربي وأزمة الحفاظ على الملك العمومي
بالرجوع إلى التشريع المغربي بخصوص الحماية القانونية للأملاك العمومية نجد شرخا واضحاً في تأمين الآليات الحمائية الضرورية للمحافظة وصيانة الملك العام للدولة، ذلك أن النظام القانوني للأملاك المخصصة للاستعمال المباشر يواجه صعوبات جمة، من خلال عدم التحديد الدقيق لهذا الاستعمال والذي يتجلى أساس في قدم النصوص المنظمة للملك العام ثم تعدد المتدخلين حاليا في تسيير وتدبير الملك العام على مستوى الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية مما يجعل ضرورة تجاوز منطق العشوائية في تسييرها ، زيادة إلى القصور الذي يعتري الإحصاء لهذا الملك وعدم تمييزه بين الملك الخاص والملك العام لدى أغلب المتدخلين وخاصة لدى الجماعات المحلية.
فالنصوص القانونية المنظمة للأملاك العامة في التشريع المغربي تجد ملادها في نصين أساسيين و هما: منشور فاتح نونبر 1912 وظهير فاتح يوليوز 1914.
بالرجوع إلى هذا الظهير الذي لازال يشكل المرجع الأساسي بالنسبة لهذه المادة خاصة ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل الأول:" وعلى العموم كل الأراضي و الأعمال التي لا يمكن للأفراد أن يمتلكوها لأنها مشاعة".
وهكذا كان من أبرز اهتمامات السلطة الحماية الفرنسية خلال السنوات الأولى من الحماية هو بسط يدها على الملك العام ومراقبة عملية تدبيره لأجل دلك عملت على الفصل ما بين الملك العام و الملك الخاص للدولة و أدخلت المفاهيم القانونية الجديدة في القانون الوضعي المغربي كما هي مطبقة في فرنسا و بعض مستعمراتها كالجزائر و تونس .وفي هدا الإطار صدرت دورية للصدر الأعظم مؤرخة في فاتح نونبر 1912 تمييز ما بين أملاك المخزن التي لا يمكن تفويتها إلا بترخيص من المخزن و أملاك غير قابلة للتفويت و هي الطرق و المسالك و شواطئ البحر و الموانئ و الأنهار و البنايات العمومية و أسوار المدن ثم بعد دلك صدر ظهير شريف بتاريخ فاتح يوليوز 1914 حول الملك العام الذي وضع الأسس و القواعد القانونية للملك العام للدولة و الجماعات المحلية ، حيث حدد خصائص الملك العام في عدم قابلية تفويته أو تملكه بالتقادم و كيفية استخراجه من حيز الملكية العامة و مسطرة جديدة لتحديده .
وقد جاء ظهير شريف بتاريخ 30 يوليوز1918 في شأن الاحتلال المؤقت للملك العمومي لتحديد مسطرة استغلاله و مراقبته و حمايته وقد تم تمديد تطبيق التشريع المطبق على منطقة الحماية الفرنسية إلى منطقة الحماية الاسبانية والى منطقة طبنجة الدولية بمقتضى الظهير الشريف الصادر في 31 مارس 1958 وعلى المرسوم الصادر في 02 يونيو 1958 في هدا الشأن .
والملاحظ عند. استقراء مضامين وبندود النصوص التشريعية والتنظيمية المشار اليها اعلاه، نجد خللاً واضحاً في غياب تام وواضح لآليات ووسائل ضبط الأملاك العامة، وحمايتها من كل الشوائب التي تعتريها، والدليل على ذلك واقع الملك العمومي وما يشهده من ترامي واحتلال بدون اي سندات قانونية جديرة بالاعتبار، وهكذا وفي ظل غياب اسس قانونية وترسانة تنظيمية، كغيلة لإيجاد حلول مناسبة لفرض رقابة فعالة على ممتلكات الضومين العام، أصبح لازما على المشرع اعمال مبدأ دستورية الأملاك العمومية، والرقي والارتقاء بالأملاك العامة بدسترة مقتضياتها القانونية المنظمة لها.
المطلب الثاني : أهمية دسترة آليات الحماية العامة للملك العام في المقتضى الدستوري
إن تدبير الأملاك الجماعية في بلادنا تكتسي أهمية بالغة باعتبار ها آلية فعالة لتحقيق التنمية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية وموردا ماليا مهما يمكن أن تعتمد الدولة و الجماعات المحلية عليه لتمويل مشاريعها التنموية وتحقيق أهداف الصالح العام، وبالنظر إلى التطورات التي عرفها المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم ،وبالنظر إلى الأهمية التي يكتسيها يتطلب أكثر من أي وقت مضى تدخلا سريعا من طرف المشرع لأجل تحيين القوانين المنظمة له حتى تصبح أكثر ملائمة للمستجدات التي تعرفها البلاد .
كما انه يجب التخفيف من سلطات الوصاية لصالح الهيئات المنتخبة محليا في تدبير الأملاك الجماعية بما يراعي الحقوق ،لأن هذه الأخيرة تملك معطيات أكبر عن متطلبات واحتياجات الساكنة أكثر من الدولة المركزية ، دون أن نغفل دور المجتمع المدني في هذا التدبير ،لعل هذا ما تقتضيه الديمقراطية التشاركية و التنمية المستدامة التي أصبحت تشكل خارطة طريق للمغرب.
ولكن الحديث عن الأملاك الجماعية أو حسن تدبيرها في ظل الحكامة الجيدة يجرنا قسرا إلى ضرورة الرقي بها عن طريق دسترة الأحكام المنظمة لها، وجعلها من متعلقات النظام العام لها خصوصياتها الملزمة، باعتبارها قواعد أمرة تتمتع بكامل خصائص القاعدة القانونية يخضع لها الجميع على قدم المساواة، ولعل ما يلاحظ من خلال استقراء النصوص التي أقرها المشرع لحماية أملاك الدومين العام أنها نصوص مبعثرة ومتفرقة عبر قوانين وتنظيمات مختلفة، وهذا ما يشكل نوعا من الصعوبة في دراستها، هذا إضافة إلى عدم استقرار هذه النصوص وتغيرها المستمر.
من جهة أخرى فإن موضوع الأملاك الوطنية ليس محل دراسة في أغلب كليات الحقوق، كما أنه لم ينل حظه من الدراسات الفقهية مما يشكل عائقا آخر للبحث في الموضوع.
كما أن النصوص المنظمة للأملاك العامة، والتي ظهرت بمدلولها العصري الحديث إبان فترة الحماية من خلال النصوص القانونية الصادرة في تلك الفترة بدءا بالمرسوم الصادر عن الصدر الأعظم، وكذا ظهير 1 يوليوز 1914 ، واللذان لا يعطيان تعريفا قاطعا لماهية الأملاك العمومية بقدر ما يعطيان أمثلة عن تلك الأملاك، مرورا بظهير 30 نونبر 1918 ( ) المتعلق باحتلال الملك العام ،وصولا إلى كل من ظهير19 أكتوبر 1921( ) المتعلق بتأسيس وتنظيم الملك العام البلدي وظهير 14 نونبر 1949 ( ) المتعلق باحتلال الملك العام البلدي . فكل هذه النصوص التشريعية تعتبر الأصل في مجال تحديد وإدارة وتنظيم الملك العمومي البلدي الذي تأسس نتيجة التطور الذي عرفته النصوص القانونية المؤسسة والمحددة للملك العام .وقد ترتب عن هذا التطور، الاعتراف بوجود ملك بلدي عمومي وآخر خاص. وتأسست بذلك أجهزة قائمة على تدبيره وتسييره في إطار من التمايز عن الملك العام للدولة وعن الملك الخاص الجماعي، هذا الأخير تأسس بدوره نتيجة لهذه التطورات من خلال تسليم بعض أملاك الدولة الخاصة للبلديات وفق ظهير 19 أكتوبر 1921.
فالحماية الدستورية لهده الأملاك، ظلت غائبة، كمجال للارتقاء بها إلى مرتبة المبدأ الدستوري كباقي المبادئ التي تم اقرارها في الدساتير المغربية، لتظل معه الأملاك العمومية بالمغرب مند بداية اول دستور مغربي لسنة
1962 مروراً بباقي الدساتير وإلى حدود دستور 2011، لم تشهد هده الأخيرة مقتضيات تلم بأحكام الملك العام للدولة، اللهم في إشارة عابرة، بتنصيصيها على أهمية الملكية الخاصة وتقرير حمايتها بما لا يتعارض والنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
المبحث الثاني: الحماية الدستورية للملك العام للدولة في القوانين المقارنة
لاشك ان ضرورة حماية أملاك الدولة العامة، أمر متعارف ومتفق عليه في جميع الانظمة القانونية لمختلف دول بقاع العالم، على اعتبار ان هده الأملاك تشكل الدعامة الرئيسية، والمنطلق الأساسي لتحقيق تنمية شاملة، لما تحدته هذه الأملاك من تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية. تعود على الدولة ومواطنيها بالنفع العام، وعلى هذا الأساس، لم تكتفي بعض الدول بالتنصيص على الآليات الحمائية لها وفق اقرارات تشريعية وتنظيمية، بل ارتقت بها إلى درجة دسترتها وجعلها مبدأ دستوريا لا محيد عنه.
المطلب الأول :إسهام الاجتهاد القضائي المقارن في إ رساء معالم المبدأ الدستوري للأملاك العامة للدولة.
وهكذا ووعيا بالأهمية البالغة التي تكتسيها الأملاك العامة للدولة، لدى القضاء اللبناني، أصدر مجلس شورى الدولة في 18/12/2014 قراراً رد فيه طلب مالكي مسبح «سانت إيلان» وقف تنفيذ إزالة تعدّياتهم الحاصلة على الأملاك العامّة. أهمية هذا القرار أنه انطلق من مبدأ حماية الملك العام كمبدأ دستوري، الأمر الذي يسلخ الشرعية عن المساعي الجارية في مجلس النواب لتسوية التعديات.
فبعد صدور هذا القرار لم يعد من الجائز لأي وزارة أو إدارة عامة، وتحت أي حجة أن ترتب أي أثر قانوني على هذا الإشغال غير المشروع، أو أن تسمح لمحتلي الشاطئ اللبناني بالاستمرار بإشغالهم هذا الشاطئ دون الاستحصال على إجازة قانونية مؤقتة تصدر بموجب مرسوم، وأصبح أيضاً من المعيب مفاوضة غاصبي الأملاك العامة لتسوية مخالفاتهم وتعدياتهم، لأنها مخالفات لا تقبل التسوية. فلا تملك أي سلطة إجازة إنشاء حقوق عينية على الأملاك العامة.
وهذا ما تكرس في قرارٍ سابقٍ جاء فيه أنه: "عملاً بقاعدة عدم جواز إنشاء حقوق عينية على الملك العام، وبغياب أي نص صريح يجيزه، لا يجوز إنشاء حقوق عينية على الاملاك العمومية بما فيها البحرية منها، ويكون الترخيص بالأشغال الموقت هو ترخيص شخصي تنتج عنه حقوق شخصية تسقط بوفاة المرخص له من دون إمكانية انتقالها الى الورثة" وجاء في قرارٍ آخر:" أن التعديات على الأملاك البحرية تبقى خارج إطار التعامل بين الناس فلا تباع ولا تشرى،
وكذلك كان الاجتهاد السابق لمجلس شورى الدولة سائراً على نفس المبدأ لكن من دون الارتكاز إلى نصٍ قانوني أو مبدأ دستوري، إذ أوجب على الادارة ان تحمي املاكها العامة وتحافظ عليها، وأن لا تشرع الاعمال الجارية عليها دون اي وجه حق او دون اي مسوغ شرعي، فأي بناء مشيد على الملك العام لا يقبل أي شكل من اشكال التسوية وإنما يقتضي هدمه وإزالته، وكلما كان هناك تعدٍ على الأملاك العامة، يكون القرار المتضمن هدم هذه الانشاءات المتعدية صحيحاً،
وإذٍ نخلص من كلّ ما سبق أن إزالة التعدي على الملك العام يتعلق بالانتظام العام، ويتوجب على أي سلطة إدارية يردها طلب بإزالة هذا التعدي، أن تستجيب له، نسأل عن الجديد الذي أتى به حكم مجلس شورى الدولة في قراره رقم 242/2014-2015 تاريخ 18/12/2014 فرنجية وآخرون/ وزارة الداخلية والبلديات:
بالفعل كان هذا الحكم متقدماً في حماية الملك العام حيث أقرّ جملة مبادئ تستحقّ التعميم هي الآتية:
1. يحظر منح شاغلي الأملاك العامة البحرية أي مهلة للإخلاء ويمنع على الإدارة إعادة تمكينهم من الإقامة في هذه الأملاك. واستند الحكم في تقرير هذا المبدأ إلى اجتهاد محكمة التنازع الفرنسية التي اعتبرت أن هدم التعديات على الأملاك العامة البحرية لا تشكّل حالة من حالات التعدي.
2. طبّق وللمرة الأولى المادة 30 من القانون رقم 14 تاريخ 20/8/1990 التي تنصّ على أنه:" تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً ويحظر على اية جهة رسمية ترتيب اي اثر قانوني عليها، جميع الأعمال والتصرفات والتدابير الحاصلة خلافا للقواعد والأصول المقتضاة قانوناً وبصورة خاصة ما يلي:
3. إشغال الأملاك العامة البحرية الحاصلة دون استصدار مراسيم تجيزها ولا يترتب للشاغل الفعلي بصورة غير قانونية اي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله.
واستناد إلى هذا النص، قضى مجلس شورى الدولة في هذا الحكم أنه لا يجوز لأي جهة رسمية أن ترتّب أي أثر قانوني على أي شاغلٍ فعلي للأملاك العامة البحرية إذا لم يكن حائزاً لمرسومٍ يجيز له استثمار الأملاك العامة المقابلة لعقاراته، ولا يترتب للشاغل الفعلي بصورة غير قانونية أي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله.
4. أقر هذا الاجتهاد بالطابع الدستوري لحماية الملك العام، حيث جاء فيه:" إن مبدأ حماية الملك العام هو المبدأ الأساسي الذي يسود جميع الأحكام القانونية المتعلقة بالملك العام وإشغاله، وأن موجب حماية الملك العام إلزامي وله طابع دستوري". وهذا يعني الارتقاء بمبدأ حماية الملك العام إلى المرتبة الدستورية، وبعد نيل هذا المبدأ للمرتبة الدستورية فإن المشترع لا يستطيع حتى بقانون أن يتيح للمعتدين تملك هذه الأملاك أو الاستمرار بإشغالها بصورة غير مشروعة تحت أيّ حجة.
5. طبّق مجلس شورى الدولة في هذا الحكم، وللمرة الأولى أيضاً، المادة 23 من القرار رقم 144/S تاريخ 10/6/1925 المعدلة بالمرسوم رقم 15403 تاريخ 13/2/1964 وبخاصةٍ الفقرتين أ و ب منها التي أوجبت على كلٍ من الضابطة في قوى الامن الداخلي وإلى كل من هو مخوّل في كلٍ من وزارات الاشغال العامة والنقل والداخلية والزراعة والمالية، تنظيم محاضر بالمخالفات الواقعة على الأملاك العامة واتخاذ التدابير الآيلة إلى فرض العقوبات الادارية والمالية والجزائية على كل من يخالف أحكام إشغال الأملاك العامة. كما تنصّ الفقرة الثالثة من البند ب على أن تقرر العقوبات الإدارية والقضائية مع حفظ حق الادارة بالمطالبة بالتعويض عن الضرر وبهدم الاشغال المقامة بصورة غير مشروعة على الاملاك العامة أو مناطق الاتفاقات، عفواً ودون حاجة لأي معاملة.
وخلص مجلس شورى الدولة في خاتمة حيثيات حكمه إلى اعتبار أن موجب حماية الملك العام هو موجب دستوري يفرض على الإدارة اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لإزالة الاعتداءات الواقعة عليه، وأن البناء المشيد على الملك العام بشكلٍ مخالفٍ للقانون لا يقبل التسوية ويقتضي هدمه.
المطلب الثاني: حماية أملاك الدولة الوطنية في الدستور الجزائري
المال العام هو ملك المجتمع, وهو أكثر الأموال التي تتعرض للاعتداءات, لذلك نجد أن غالبية التشريعات أعطت أوجها عديدة لحماية المال العام سواء كانت حماية مدنية أو حماية جنائية, بالإضافة إلى ذلك نجد أن الشريعة الإسلامية حرّمت كل صور الاعتداء على المال العام
وعليه، فإذا كانت الإدارة تستعين عند ممارسة وظائفها وأداء الواجبات المنوطة بها, بالعنصر البشري المتــمثل في
الموظفين العموميين وغيرهم من العمال, فإنها لا تستطيع بواسطة هذا العنصر البشري وحده أن تـــحقق
أهدافها, بل لا بد لها أن تكمل هذا العنصر البشري بالعنصر المالي الذي يتمثل في الأموال العامة.
ولا ريب في أن موضوع الأموال العامة يحتل مكانا بارزا في دراسات القانون, لا سيما في العصر الحديث, يعتبر عماد النشاط الاقتصادي, حيث كان للتطور الحديث لمهام الدولة وتوسع نشاطاتها أثر كبير في ازدياد أهمية الأموال العامة, لذلك فإن أموال الدولة العامة في حاجة إلى حماية, سواء جنائيا أو مدنيا, وذلك لصيانتها من الاعتداءات حتى لا تخرج أو تحيد عن الإطار المرسوم لها, المتمثل في تحقيق النفع العام, ذلك
لأن التعدي على المال العام أكثر خطورة من الاعتداء على المال الخاص. وظاهرة الاعتداء على المال العام تنتشر في المجتمعات بدرجات متفاوتة, ولا يكاد يخلو منها مجتمع واحد, ولهذا فإن مشكلة الاعتداء على المال العام مشكلة جديرة بالدراسة, كما لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كان لها اهتمام خاص بالمال العام, وحمايته, حيث يعتبر حفظ المال من المقاصد الرئيسية للشريعة الإسلامية, وخاصة إذا ما كان هذا المال مال عام, يخص المجتمع, ولأن المال في يد الدولة قوة لها, لذلك وجبت المحافظة عليه.
ولقد دفعنا لدراسة هذا الموضوع, جملة من الأسباب, لأن موضوع المال العام هو من المواضيع الهامة من الناحية القانونية وحتى من الناحية الشرعية, وخاصة الانتهاكات اليومية التي تقع عليه, بالإضافة إلى الرغبة الأكيدة في الحفاظ على الثروة القومية من كل عبث أو تخريب, وحتى يزدجر بأحكامه كل من تسُوّل له نفسه
العبث بهذه الأموال أو العدوان عليها. لذلك فقد أولى المشرع الجزائري لموضوع حماية أموال الدولة عناية فائقة, حتى تستطيع تحقيق أهدافها في خدمة الصالح العام.
وذلك بالتنصيص عليها وعلى حمايتها في صلب الدستور الجزائري، وأولى لها عناية خاصة. باعتبارها أساس ووعاء لكل عملية تنموية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما انه طعمها و ازرها بمجموعة من النصوص التنظيمية المؤطرة بغية تثمينها والارتقاء بها كمبدأ دستوري يلزم الجميع بالتساوي،
فالمشرع الجزائري لم يكتفي بتقرير الحماية المدنية والحماية الجنائية للمال العام في التقنين المدني والجنائي, وإنما حرص على وضع نصوص دستورية تفرض على المواطنين واجب احترام الملكية العامة وحمايتها, حيث جاء في نص المادة 63 من دستور 1989, التي تقابلها المادة 66 من دستور 1996 على أنه " يجب على كل مواطن أن يحمي الملكية العامة ومصالح المجموعة الوطنية.." .
ونص في المادة 74/2 من دستور 1976 أنه " على كل مواطن أن يحمي بعمله وسلوكه الملكية العمومية ومصالح المجموعة الوطنية "
فحسب المادة 17 من الدستور " الملكية العامة هي ملك للمجموعة الوطنية "
تشمل على " باطن الأرض ، المناجم و المقالع ، الموارد الطبيعية للطاقة ، الثروات المعدنية الطبيعية و الحية ، مختلف مناطق الأملاك البحرية الوطنية ، المياه و الغابات.
أيضا مشكلة من النقل بالسكك الحديدية، البحرية و الجوية، البريد والاتصالات وكذا أملاك أخرى يحددها القانون ".
إذ أن مفهوم الملكية العامة جاء في شكل ضيق بحيث أن الأملاك تعتبر محمية بالدستور فهي ليست ملك لأي شخص معنوي بصفة خاصة تمكنه من التصرف المطلق لكونها غير قابلة للتصرف مطلقاً. هذا المفهوم لا يجب خلطه مع الأملاك العامة التي تدخل ضمن الأملاك التابعة للأشخاص العموميين.
من جهتها المادة 18 من الدستور توضح :" تحدد الأملاك الوطنية بموجب القانون، تشتمل على الأملاك العمومية والخاصة للدولة ، للولاية و البلدية. يخضع تسيير الأملاك الوطنية للقانون".
في الحقيقة إن مفهوم الملك الوطني ليس بالجديد بحيث ظهر أثناء الثورة الفرنسية بعد تحويل الأملاك التي كانت تابعة للتاج الفرنسي بموجب المراسيم لـ 22 و 01/12/1790 ، الذي تمت الإشارة إليه في قانون الأملاك الوطنية لسنة 1984.
بخلاف القانون الصادر بتاريخ 30/06/1984 فإن المشرع ومن خلال قانون 1990 قد أعاد النظر في مبدأ وحدوية الأملاك الوطنية و عاد بنا إلى التقسيم القديم ملك وطني عمومي/ملك وطني خاص.
مفهوم الأملاك الوطنية في الجزائر تم تكريسه بعدة نصوص قانونية لاسيما قانون الأملاك الوطنية لسنة 1990 الذي يشتمل على جميع الأملاك التابعة للأشخاص العمومية، في مفهومه الواسع مع تعيين مجموع الأملاك الوطنية العامة والوطنية الخاصة التابعة للدولة ، الولاية والبلدية.
وعليه فالأملاك الوطنية لا يمكنها إلا أن تكون ملكا للدولة، الولاية والبلدية إستنتاجاً لمبدأ الإقليمية المكرس دستورياً.
الخاتمة
ان التشريع المتعلق باملاك الدولة فـي بـلادنـا قـد تـرنــح كـثـيــرا ذات الـيـمـيـن و ذات الــشـمـال دون أن يــرسّــو عـلــى بــر الأمـان، فـعـجـز فـي الـعـديــد مـــن الــحــالات عــلــى مـواكــبــة الـواقــع مـع ضـمــان الــحــلــول الــمـنـاسـبـة لــلـمـسـتــجـدات، فـكـان هـذا الـقـانـون حـيـنـئــذ هـيـكـلا مـجـردا مــن مـعــانــي الإلـزامـيــة ، فـتـراه يـنــزل نــزول الـمـطـر لـكـن هـيـهـات أن تـصـل قـطـراتـه أرض الواقع الــجــرداء إلا رمـــزا.
الأموال العامة هي أموال مخصصة للمنفعة العامة وتخصيصها لهذا الغرض يقتضي أفرادها بأحكام خاصة تكفل حمايتها من كل اعتداء قانوني أو مادي يمكن أن يعطل تحقيق الغرض منها
ويضفي المشرع في مختلف دول العالم حماية خاصة للأموال العامة نظرا لكونها تعم لنفع المجتمع . كله ويتوقف على حمايتها وصيانتها استمرار عمل المرافق العامة بشكل منتظم لخدمة جمهور المواطنين. لذا أصبح من الضروري ادراج حمايتها، في صلب الدستور، وجعل صيانتها مبدأ دستوري، يمتثل له الجميع.
المبحث الأول : حماية الأملاك العامة في التشريع المغربي.
تضمن التشريع المغربي نصوصا قانونية جد متقادمة وفضفاضة، حالت دون اعمال رقابة فعالة لحماية الأملاك العمومية.
المطلب الأول : محدودبة النصوص القانونية في التشريع المغربي وأزمة الحفاظ على الملك العمومي
بالرجوع إلى التشريع المغربي بخصوص الحماية القانونية للأملاك العمومية نجد شرخا واضحاً في تأمين الآليات الحمائية الضرورية للمحافظة وصيانة الملك العام للدولة، ذلك أن النظام القانوني للأملاك المخصصة للاستعمال المباشر يواجه صعوبات جمة، من خلال عدم التحديد الدقيق لهذا الاستعمال والذي يتجلى أساس في قدم النصوص المنظمة للملك العام ثم تعدد المتدخلين حاليا في تسيير وتدبير الملك العام على مستوى الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية مما يجعل ضرورة تجاوز منطق العشوائية في تسييرها ، زيادة إلى القصور الذي يعتري الإحصاء لهذا الملك وعدم تمييزه بين الملك الخاص والملك العام لدى أغلب المتدخلين وخاصة لدى الجماعات المحلية.
فالنصوص القانونية المنظمة للأملاك العامة في التشريع المغربي تجد ملادها في نصين أساسيين و هما: منشور فاتح نونبر 1912 وظهير فاتح يوليوز 1914.
بالرجوع إلى هذا الظهير الذي لازال يشكل المرجع الأساسي بالنسبة لهذه المادة خاصة ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل الأول:" وعلى العموم كل الأراضي و الأعمال التي لا يمكن للأفراد أن يمتلكوها لأنها مشاعة".
وهكذا كان من أبرز اهتمامات السلطة الحماية الفرنسية خلال السنوات الأولى من الحماية هو بسط يدها على الملك العام ومراقبة عملية تدبيره لأجل دلك عملت على الفصل ما بين الملك العام و الملك الخاص للدولة و أدخلت المفاهيم القانونية الجديدة في القانون الوضعي المغربي كما هي مطبقة في فرنسا و بعض مستعمراتها كالجزائر و تونس .وفي هدا الإطار صدرت دورية للصدر الأعظم مؤرخة في فاتح نونبر 1912 تمييز ما بين أملاك المخزن التي لا يمكن تفويتها إلا بترخيص من المخزن و أملاك غير قابلة للتفويت و هي الطرق و المسالك و شواطئ البحر و الموانئ و الأنهار و البنايات العمومية و أسوار المدن ثم بعد دلك صدر ظهير شريف بتاريخ فاتح يوليوز 1914 حول الملك العام الذي وضع الأسس و القواعد القانونية للملك العام للدولة و الجماعات المحلية ، حيث حدد خصائص الملك العام في عدم قابلية تفويته أو تملكه بالتقادم و كيفية استخراجه من حيز الملكية العامة و مسطرة جديدة لتحديده .
وقد جاء ظهير شريف بتاريخ 30 يوليوز1918 في شأن الاحتلال المؤقت للملك العمومي لتحديد مسطرة استغلاله و مراقبته و حمايته وقد تم تمديد تطبيق التشريع المطبق على منطقة الحماية الفرنسية إلى منطقة الحماية الاسبانية والى منطقة طبنجة الدولية بمقتضى الظهير الشريف الصادر في 31 مارس 1958 وعلى المرسوم الصادر في 02 يونيو 1958 في هدا الشأن .
والملاحظ عند. استقراء مضامين وبندود النصوص التشريعية والتنظيمية المشار اليها اعلاه، نجد خللاً واضحاً في غياب تام وواضح لآليات ووسائل ضبط الأملاك العامة، وحمايتها من كل الشوائب التي تعتريها، والدليل على ذلك واقع الملك العمومي وما يشهده من ترامي واحتلال بدون اي سندات قانونية جديرة بالاعتبار، وهكذا وفي ظل غياب اسس قانونية وترسانة تنظيمية، كغيلة لإيجاد حلول مناسبة لفرض رقابة فعالة على ممتلكات الضومين العام، أصبح لازما على المشرع اعمال مبدأ دستورية الأملاك العمومية، والرقي والارتقاء بالأملاك العامة بدسترة مقتضياتها القانونية المنظمة لها.
المطلب الثاني : أهمية دسترة آليات الحماية العامة للملك العام في المقتضى الدستوري
إن تدبير الأملاك الجماعية في بلادنا تكتسي أهمية بالغة باعتبار ها آلية فعالة لتحقيق التنمية والاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية وموردا ماليا مهما يمكن أن تعتمد الدولة و الجماعات المحلية عليه لتمويل مشاريعها التنموية وتحقيق أهداف الصالح العام، وبالنظر إلى التطورات التي عرفها المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم ،وبالنظر إلى الأهمية التي يكتسيها يتطلب أكثر من أي وقت مضى تدخلا سريعا من طرف المشرع لأجل تحيين القوانين المنظمة له حتى تصبح أكثر ملائمة للمستجدات التي تعرفها البلاد .
كما انه يجب التخفيف من سلطات الوصاية لصالح الهيئات المنتخبة محليا في تدبير الأملاك الجماعية بما يراعي الحقوق ،لأن هذه الأخيرة تملك معطيات أكبر عن متطلبات واحتياجات الساكنة أكثر من الدولة المركزية ، دون أن نغفل دور المجتمع المدني في هذا التدبير ،لعل هذا ما تقتضيه الديمقراطية التشاركية و التنمية المستدامة التي أصبحت تشكل خارطة طريق للمغرب.
ولكن الحديث عن الأملاك الجماعية أو حسن تدبيرها في ظل الحكامة الجيدة يجرنا قسرا إلى ضرورة الرقي بها عن طريق دسترة الأحكام المنظمة لها، وجعلها من متعلقات النظام العام لها خصوصياتها الملزمة، باعتبارها قواعد أمرة تتمتع بكامل خصائص القاعدة القانونية يخضع لها الجميع على قدم المساواة، ولعل ما يلاحظ من خلال استقراء النصوص التي أقرها المشرع لحماية أملاك الدومين العام أنها نصوص مبعثرة ومتفرقة عبر قوانين وتنظيمات مختلفة، وهذا ما يشكل نوعا من الصعوبة في دراستها، هذا إضافة إلى عدم استقرار هذه النصوص وتغيرها المستمر.
من جهة أخرى فإن موضوع الأملاك الوطنية ليس محل دراسة في أغلب كليات الحقوق، كما أنه لم ينل حظه من الدراسات الفقهية مما يشكل عائقا آخر للبحث في الموضوع.
كما أن النصوص المنظمة للأملاك العامة، والتي ظهرت بمدلولها العصري الحديث إبان فترة الحماية من خلال النصوص القانونية الصادرة في تلك الفترة بدءا بالمرسوم الصادر عن الصدر الأعظم، وكذا ظهير 1 يوليوز 1914 ، واللذان لا يعطيان تعريفا قاطعا لماهية الأملاك العمومية بقدر ما يعطيان أمثلة عن تلك الأملاك، مرورا بظهير 30 نونبر 1918 ( ) المتعلق باحتلال الملك العام ،وصولا إلى كل من ظهير19 أكتوبر 1921( ) المتعلق بتأسيس وتنظيم الملك العام البلدي وظهير 14 نونبر 1949 ( ) المتعلق باحتلال الملك العام البلدي . فكل هذه النصوص التشريعية تعتبر الأصل في مجال تحديد وإدارة وتنظيم الملك العمومي البلدي الذي تأسس نتيجة التطور الذي عرفته النصوص القانونية المؤسسة والمحددة للملك العام .وقد ترتب عن هذا التطور، الاعتراف بوجود ملك بلدي عمومي وآخر خاص. وتأسست بذلك أجهزة قائمة على تدبيره وتسييره في إطار من التمايز عن الملك العام للدولة وعن الملك الخاص الجماعي، هذا الأخير تأسس بدوره نتيجة لهذه التطورات من خلال تسليم بعض أملاك الدولة الخاصة للبلديات وفق ظهير 19 أكتوبر 1921.
فالحماية الدستورية لهده الأملاك، ظلت غائبة، كمجال للارتقاء بها إلى مرتبة المبدأ الدستوري كباقي المبادئ التي تم اقرارها في الدساتير المغربية، لتظل معه الأملاك العمومية بالمغرب مند بداية اول دستور مغربي لسنة
1962 مروراً بباقي الدساتير وإلى حدود دستور 2011، لم تشهد هده الأخيرة مقتضيات تلم بأحكام الملك العام للدولة، اللهم في إشارة عابرة، بتنصيصيها على أهمية الملكية الخاصة وتقرير حمايتها بما لا يتعارض والنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
المبحث الثاني: الحماية الدستورية للملك العام للدولة في القوانين المقارنة
لاشك ان ضرورة حماية أملاك الدولة العامة، أمر متعارف ومتفق عليه في جميع الانظمة القانونية لمختلف دول بقاع العالم، على اعتبار ان هده الأملاك تشكل الدعامة الرئيسية، والمنطلق الأساسي لتحقيق تنمية شاملة، لما تحدته هذه الأملاك من تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية. تعود على الدولة ومواطنيها بالنفع العام، وعلى هذا الأساس، لم تكتفي بعض الدول بالتنصيص على الآليات الحمائية لها وفق اقرارات تشريعية وتنظيمية، بل ارتقت بها إلى درجة دسترتها وجعلها مبدأ دستوريا لا محيد عنه.
المطلب الأول :إسهام الاجتهاد القضائي المقارن في إ رساء معالم المبدأ الدستوري للأملاك العامة للدولة.
وهكذا ووعيا بالأهمية البالغة التي تكتسيها الأملاك العامة للدولة، لدى القضاء اللبناني، أصدر مجلس شورى الدولة في 18/12/2014 قراراً رد فيه طلب مالكي مسبح «سانت إيلان» وقف تنفيذ إزالة تعدّياتهم الحاصلة على الأملاك العامّة. أهمية هذا القرار أنه انطلق من مبدأ حماية الملك العام كمبدأ دستوري، الأمر الذي يسلخ الشرعية عن المساعي الجارية في مجلس النواب لتسوية التعديات.
فبعد صدور هذا القرار لم يعد من الجائز لأي وزارة أو إدارة عامة، وتحت أي حجة أن ترتب أي أثر قانوني على هذا الإشغال غير المشروع، أو أن تسمح لمحتلي الشاطئ اللبناني بالاستمرار بإشغالهم هذا الشاطئ دون الاستحصال على إجازة قانونية مؤقتة تصدر بموجب مرسوم، وأصبح أيضاً من المعيب مفاوضة غاصبي الأملاك العامة لتسوية مخالفاتهم وتعدياتهم، لأنها مخالفات لا تقبل التسوية. فلا تملك أي سلطة إجازة إنشاء حقوق عينية على الأملاك العامة.
وهذا ما تكرس في قرارٍ سابقٍ جاء فيه أنه: "عملاً بقاعدة عدم جواز إنشاء حقوق عينية على الملك العام، وبغياب أي نص صريح يجيزه، لا يجوز إنشاء حقوق عينية على الاملاك العمومية بما فيها البحرية منها، ويكون الترخيص بالأشغال الموقت هو ترخيص شخصي تنتج عنه حقوق شخصية تسقط بوفاة المرخص له من دون إمكانية انتقالها الى الورثة" وجاء في قرارٍ آخر:" أن التعديات على الأملاك البحرية تبقى خارج إطار التعامل بين الناس فلا تباع ولا تشرى،
وكذلك كان الاجتهاد السابق لمجلس شورى الدولة سائراً على نفس المبدأ لكن من دون الارتكاز إلى نصٍ قانوني أو مبدأ دستوري، إذ أوجب على الادارة ان تحمي املاكها العامة وتحافظ عليها، وأن لا تشرع الاعمال الجارية عليها دون اي وجه حق او دون اي مسوغ شرعي، فأي بناء مشيد على الملك العام لا يقبل أي شكل من اشكال التسوية وإنما يقتضي هدمه وإزالته، وكلما كان هناك تعدٍ على الأملاك العامة، يكون القرار المتضمن هدم هذه الانشاءات المتعدية صحيحاً،
وإذٍ نخلص من كلّ ما سبق أن إزالة التعدي على الملك العام يتعلق بالانتظام العام، ويتوجب على أي سلطة إدارية يردها طلب بإزالة هذا التعدي، أن تستجيب له، نسأل عن الجديد الذي أتى به حكم مجلس شورى الدولة في قراره رقم 242/2014-2015 تاريخ 18/12/2014 فرنجية وآخرون/ وزارة الداخلية والبلديات:
بالفعل كان هذا الحكم متقدماً في حماية الملك العام حيث أقرّ جملة مبادئ تستحقّ التعميم هي الآتية:
1. يحظر منح شاغلي الأملاك العامة البحرية أي مهلة للإخلاء ويمنع على الإدارة إعادة تمكينهم من الإقامة في هذه الأملاك. واستند الحكم في تقرير هذا المبدأ إلى اجتهاد محكمة التنازع الفرنسية التي اعتبرت أن هدم التعديات على الأملاك العامة البحرية لا تشكّل حالة من حالات التعدي.
2. طبّق وللمرة الأولى المادة 30 من القانون رقم 14 تاريخ 20/8/1990 التي تنصّ على أنه:" تعتبر باطلة بطلاناً مطلقاً ويحظر على اية جهة رسمية ترتيب اي اثر قانوني عليها، جميع الأعمال والتصرفات والتدابير الحاصلة خلافا للقواعد والأصول المقتضاة قانوناً وبصورة خاصة ما يلي:
3. إشغال الأملاك العامة البحرية الحاصلة دون استصدار مراسيم تجيزها ولا يترتب للشاغل الفعلي بصورة غير قانونية اي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله.
واستناد إلى هذا النص، قضى مجلس شورى الدولة في هذا الحكم أنه لا يجوز لأي جهة رسمية أن ترتّب أي أثر قانوني على أي شاغلٍ فعلي للأملاك العامة البحرية إذا لم يكن حائزاً لمرسومٍ يجيز له استثمار الأملاك العامة المقابلة لعقاراته، ولا يترتب للشاغل الفعلي بصورة غير قانونية أي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله.
4. أقر هذا الاجتهاد بالطابع الدستوري لحماية الملك العام، حيث جاء فيه:" إن مبدأ حماية الملك العام هو المبدأ الأساسي الذي يسود جميع الأحكام القانونية المتعلقة بالملك العام وإشغاله، وأن موجب حماية الملك العام إلزامي وله طابع دستوري". وهذا يعني الارتقاء بمبدأ حماية الملك العام إلى المرتبة الدستورية، وبعد نيل هذا المبدأ للمرتبة الدستورية فإن المشترع لا يستطيع حتى بقانون أن يتيح للمعتدين تملك هذه الأملاك أو الاستمرار بإشغالها بصورة غير مشروعة تحت أيّ حجة.
5. طبّق مجلس شورى الدولة في هذا الحكم، وللمرة الأولى أيضاً، المادة 23 من القرار رقم 144/S تاريخ 10/6/1925 المعدلة بالمرسوم رقم 15403 تاريخ 13/2/1964 وبخاصةٍ الفقرتين أ و ب منها التي أوجبت على كلٍ من الضابطة في قوى الامن الداخلي وإلى كل من هو مخوّل في كلٍ من وزارات الاشغال العامة والنقل والداخلية والزراعة والمالية، تنظيم محاضر بالمخالفات الواقعة على الأملاك العامة واتخاذ التدابير الآيلة إلى فرض العقوبات الادارية والمالية والجزائية على كل من يخالف أحكام إشغال الأملاك العامة. كما تنصّ الفقرة الثالثة من البند ب على أن تقرر العقوبات الإدارية والقضائية مع حفظ حق الادارة بالمطالبة بالتعويض عن الضرر وبهدم الاشغال المقامة بصورة غير مشروعة على الاملاك العامة أو مناطق الاتفاقات، عفواً ودون حاجة لأي معاملة.
وخلص مجلس شورى الدولة في خاتمة حيثيات حكمه إلى اعتبار أن موجب حماية الملك العام هو موجب دستوري يفرض على الإدارة اتخاذ الإجراءات التي تراها مناسبة لإزالة الاعتداءات الواقعة عليه، وأن البناء المشيد على الملك العام بشكلٍ مخالفٍ للقانون لا يقبل التسوية ويقتضي هدمه.
المطلب الثاني: حماية أملاك الدولة الوطنية في الدستور الجزائري
المال العام هو ملك المجتمع, وهو أكثر الأموال التي تتعرض للاعتداءات, لذلك نجد أن غالبية التشريعات أعطت أوجها عديدة لحماية المال العام سواء كانت حماية مدنية أو حماية جنائية, بالإضافة إلى ذلك نجد أن الشريعة الإسلامية حرّمت كل صور الاعتداء على المال العام
وعليه، فإذا كانت الإدارة تستعين عند ممارسة وظائفها وأداء الواجبات المنوطة بها, بالعنصر البشري المتــمثل في
الموظفين العموميين وغيرهم من العمال, فإنها لا تستطيع بواسطة هذا العنصر البشري وحده أن تـــحقق
أهدافها, بل لا بد لها أن تكمل هذا العنصر البشري بالعنصر المالي الذي يتمثل في الأموال العامة.
ولا ريب في أن موضوع الأموال العامة يحتل مكانا بارزا في دراسات القانون, لا سيما في العصر الحديث, يعتبر عماد النشاط الاقتصادي, حيث كان للتطور الحديث لمهام الدولة وتوسع نشاطاتها أثر كبير في ازدياد أهمية الأموال العامة, لذلك فإن أموال الدولة العامة في حاجة إلى حماية, سواء جنائيا أو مدنيا, وذلك لصيانتها من الاعتداءات حتى لا تخرج أو تحيد عن الإطار المرسوم لها, المتمثل في تحقيق النفع العام, ذلك
لأن التعدي على المال العام أكثر خطورة من الاعتداء على المال الخاص. وظاهرة الاعتداء على المال العام تنتشر في المجتمعات بدرجات متفاوتة, ولا يكاد يخلو منها مجتمع واحد, ولهذا فإن مشكلة الاعتداء على المال العام مشكلة جديرة بالدراسة, كما لا يخفى أن الشريعة الإسلامية كان لها اهتمام خاص بالمال العام, وحمايته, حيث يعتبر حفظ المال من المقاصد الرئيسية للشريعة الإسلامية, وخاصة إذا ما كان هذا المال مال عام, يخص المجتمع, ولأن المال في يد الدولة قوة لها, لذلك وجبت المحافظة عليه.
ولقد دفعنا لدراسة هذا الموضوع, جملة من الأسباب, لأن موضوع المال العام هو من المواضيع الهامة من الناحية القانونية وحتى من الناحية الشرعية, وخاصة الانتهاكات اليومية التي تقع عليه, بالإضافة إلى الرغبة الأكيدة في الحفاظ على الثروة القومية من كل عبث أو تخريب, وحتى يزدجر بأحكامه كل من تسُوّل له نفسه
العبث بهذه الأموال أو العدوان عليها. لذلك فقد أولى المشرع الجزائري لموضوع حماية أموال الدولة عناية فائقة, حتى تستطيع تحقيق أهدافها في خدمة الصالح العام.
وذلك بالتنصيص عليها وعلى حمايتها في صلب الدستور الجزائري، وأولى لها عناية خاصة. باعتبارها أساس ووعاء لكل عملية تنموية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما انه طعمها و ازرها بمجموعة من النصوص التنظيمية المؤطرة بغية تثمينها والارتقاء بها كمبدأ دستوري يلزم الجميع بالتساوي،
فالمشرع الجزائري لم يكتفي بتقرير الحماية المدنية والحماية الجنائية للمال العام في التقنين المدني والجنائي, وإنما حرص على وضع نصوص دستورية تفرض على المواطنين واجب احترام الملكية العامة وحمايتها, حيث جاء في نص المادة 63 من دستور 1989, التي تقابلها المادة 66 من دستور 1996 على أنه " يجب على كل مواطن أن يحمي الملكية العامة ومصالح المجموعة الوطنية.." .
ونص في المادة 74/2 من دستور 1976 أنه " على كل مواطن أن يحمي بعمله وسلوكه الملكية العمومية ومصالح المجموعة الوطنية "
فحسب المادة 17 من الدستور " الملكية العامة هي ملك للمجموعة الوطنية "
تشمل على " باطن الأرض ، المناجم و المقالع ، الموارد الطبيعية للطاقة ، الثروات المعدنية الطبيعية و الحية ، مختلف مناطق الأملاك البحرية الوطنية ، المياه و الغابات.
أيضا مشكلة من النقل بالسكك الحديدية، البحرية و الجوية، البريد والاتصالات وكذا أملاك أخرى يحددها القانون ".
إذ أن مفهوم الملكية العامة جاء في شكل ضيق بحيث أن الأملاك تعتبر محمية بالدستور فهي ليست ملك لأي شخص معنوي بصفة خاصة تمكنه من التصرف المطلق لكونها غير قابلة للتصرف مطلقاً. هذا المفهوم لا يجب خلطه مع الأملاك العامة التي تدخل ضمن الأملاك التابعة للأشخاص العموميين.
من جهتها المادة 18 من الدستور توضح :" تحدد الأملاك الوطنية بموجب القانون، تشتمل على الأملاك العمومية والخاصة للدولة ، للولاية و البلدية. يخضع تسيير الأملاك الوطنية للقانون".
في الحقيقة إن مفهوم الملك الوطني ليس بالجديد بحيث ظهر أثناء الثورة الفرنسية بعد تحويل الأملاك التي كانت تابعة للتاج الفرنسي بموجب المراسيم لـ 22 و 01/12/1790 ، الذي تمت الإشارة إليه في قانون الأملاك الوطنية لسنة 1984.
بخلاف القانون الصادر بتاريخ 30/06/1984 فإن المشرع ومن خلال قانون 1990 قد أعاد النظر في مبدأ وحدوية الأملاك الوطنية و عاد بنا إلى التقسيم القديم ملك وطني عمومي/ملك وطني خاص.
مفهوم الأملاك الوطنية في الجزائر تم تكريسه بعدة نصوص قانونية لاسيما قانون الأملاك الوطنية لسنة 1990 الذي يشتمل على جميع الأملاك التابعة للأشخاص العمومية، في مفهومه الواسع مع تعيين مجموع الأملاك الوطنية العامة والوطنية الخاصة التابعة للدولة ، الولاية والبلدية.
وعليه فالأملاك الوطنية لا يمكنها إلا أن تكون ملكا للدولة، الولاية والبلدية إستنتاجاً لمبدأ الإقليمية المكرس دستورياً.
الخاتمة
ان التشريع المتعلق باملاك الدولة فـي بـلادنـا قـد تـرنــح كـثـيــرا ذات الـيـمـيـن و ذات الــشـمـال دون أن يــرسّــو عـلــى بــر الأمـان، فـعـجـز فـي الـعـديــد مـــن الــحــالات عــلــى مـواكــبــة الـواقــع مـع ضـمــان الــحــلــول الــمـنـاسـبـة لــلـمـسـتــجـدات، فـكـان هـذا الـقـانـون حـيـنـئــذ هـيـكـلا مـجـردا مــن مـعــانــي الإلـزامـيــة ، فـتـراه يـنــزل نــزول الـمـطـر لـكـن هـيـهـات أن تـصـل قـطـراتـه أرض الواقع الــجــرداء إلا رمـــزا.