بعد انتظار طويل خرجت النسخة الثانية من حكومة عبد الإله بنكيران إلى الوجود بعد استقبال ملكي يوم الخميس 10 أكتوبر 2013، وإصدار الظهير الشريف رقم 105-13-1 في 8 ذي الحجة 1434 ( 14 أكتوبر 2013) ، بتغيير الظهير الشريف رقم 01-12-1 الصادر في 9 صفر 1433 ( 3 يناير 2012 بتعيين أعضاء الحكومة ( جريدة رسمية عدد 6195 بنفس التاريخ).
ولم تترك المعارضة البرلمانية فرصة افتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية الحالية تمر، دون أن تحاول خلق وإثارة الحدث السياسي واهتمام الصحافة والمحللين الدستوريين، وذلك عن طريق إشهار ورقة << عدم دستورية >> هذه الحكومة.
ويتذكر الجميع أن << عدم الدستورية .....>> من المطايا التي اعتادت المعارضة البرلمانية أن تركبها بدئا بالجلسة الساخنة التي عاشها مجلس النواب يوم اختيار السيد كريم غلاب رئيسا للغرفة الأولى، ومرروا بجلسات الفقرة الأخيرة من الفصل 100 من الدستور وكيفية توزيع الوقت المخصص لها.............
ولما أعادت المعارضة الكرة يوم الثلاثاء 15 أكتوبر2013 خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، وأثارت عدم دستورية الحكومة لعدم تنصيبها وفقا للمسطرة المنصوص عليها في الفصل 88 من الدستور، قبل أن تشارك بصفة طبيعية في وضع ومناقشة الأسئلة الموجهة إلى أعضاء الحكومة، اعتبر البعض أن الأمر مجرد مناورة سياسية جديدة تسعى من خلالها المعارضة إلى التذكير بوجودها، وأنه سيقف عند هذا الحد.
إلا أن المعارضة بالغرفة الثانية التي لا تملك سلطة تنصيب الحكومة، اتخذت موقفا أكثر تشددا بانسحاب فرقها من حصة الأسئلة الشفوية لنفس اليوم.
ولم يشفع لهذه الحكومة ترأس الملك لمجلس وزاري، مباشرة بعد خرجة المعارضة بالغرفتين.
فالملك هو الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، والساهر على احترام الدستور، وهو بهذه الصفة في حياد تام تجاه الفاعلين السياسيين، وترئسه لمجلس وزاري يتألف من رئيس الحكومة والوزراء، فيه دلالة دستورية قاطعة إعمالا للفصل 42 من الدستور.
فقد شاهد الجميع كيف أن المعارضة في الغرفتين ــــ المجتمعتين يوم الأربعاء 23 أكتوبر بمناسبة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2014 ــــ قد أثارت مجددا الانتباه بشهر أعضائها ورقة للتذكير بالفصل 88 من الدستور قبل أن تواصل الاستماع إلى عرض السيد وزير المالية، وتلتحق فيما بعد بالقاعة المغربية لتتبع عرض الميزانية من لدن السيد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وكأن شيئا لم يكن.
إن موقف المعارضة من الحكومة ، وما تولد عنه من نقاش، يثير الاهتمام السياسي والقانوني، ويقتضي المعالجة المسؤولة والصريحة من المنظورين معا.
والمسائلة السياسية موجهة إلى كل مكونات الأغلبية الجديدة، وبالخوص حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرى البعض أنه في موقف غير مريح تجاه برنامج حكومي سبق له أن صوت ضده، وأصبح مطالب بالدفاع عنه بعد دخوله إلى الحكومة.
وبالتالي فإن الرد السياسي يجب في نظرنا أن تتولاه قيادات الأغلبية بخطاب موحد لا يترك المجال لأي لبس أو تباين في المواقف.
وإن كان الحزب الوحيد الذي عبر عن موقف رسمي من تكوين الحكومة هو التقدم والاشتراكية الذي أصدر ديوانه السياسي المنعقد يوم الاثنين 21 أكتوبر 2013 بلاغا اعتبر فيه أنه ثم احترام الدستور فيما يخص موضوع استكمال الشكليات المطلوبة لتنصيب الحكومة، ودعى إلى تقديم تصريح حكومي أمام البرلمان يعقبه نقاش ولا يتلوه أي تصويت، فإن قيادات الأغلبية مطالبة بالاجتماع العاجل للرد بلسان واحد على موقف المعارضة من << شرعية الحكومة، الدستورية >>.
وفي انتظار أن يتم ذلك خلال الأيام القليلة القادمة، فإن المناقشة الدستورية مفتوحة أمام الجميع، وهذه بادرة صحية ــــ بغض النظر عن النوايا الدفينة ــــ ستساهم لا محالة في التنزيل الديمقراطي للدستور الذي يقتضي مشاركة الجميع في ابتكار آليات هذا التنزيل.
وتهدف هذه الورقة، المهيكلة حول أربعة محاور، إلى تقديم وجهة نظر شخصية من الميكانيزمات التي وضعها الدستور لمعالجة الموضوع، ونتمنى أن يتسع هذا النقاش القانوني ويشمل كل الآراء المساندة وغير المساندة لموقف المعارضة من الحكومة.
موقع رئيس الحكومة الدستوري
فأول ملاحظة تثير الانتباه أن جل المحللين تخطوا بسهولة الموقع الدستوري المتميز لرئيس الحكومة والذي من دون استحضاره لا يمكن الإلمام بكل معطيات الموضوع.
فالفصل 47 من الدستور يستحق التمعن والتركيز لأنه هو المؤسس لموقع رئيس الحكومة ، إذ بعد إعلان نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب، يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر تلك الانتخابات.
فالدستور إذن يفرض تولية رئاسة الحكومة للحزب الذي يحتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
وبعد تعيين رئيس الحكومة، لا يمكن إعفائه شخصيا من مهامه، بل أن حالات الإعفاء تشمل الحكومة ككل وهي كالتالي:
- إذا لم تصوت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي الذي يقدمه رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعيين، بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، حسب مقتضيات الفصل 88 من الدستور، الذي سنعود إليه بالتفصيل، وفي هذه الحالة لا تعتبر الحكومة منصبة.
- إذا طلب رئيس الحكومة الثقة من مجلس النواب، ورفضها هذا الأخير بالأغلبية المطلقة لأعضائه . ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية حسب مقتضات الفصل 103 من الدستور.
- معارضة مجلس النواب في أن تواصل الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على ملتمس للرقابة، يوقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وتصوت عليه الأغلبية المطلقة لأعضائه ( الفصل 105 من الدستور).
هذا فيما يخص سلطة مجلس النواب في الإطاحة بالحكومة، والتي تقابلها الإمكانية التي يخولها الفصل 104 من الدستور لرئيس الحكومة بحل هذا المجلس، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية، ولا يتم الحل إلا بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري، مما يفيد أن سلطة الحل المخولة لرئيس الحكومة ليست مطلقة في هذا الباب، بل هي مقيدة بالحصول على موافقة المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، والذي يتداول في الموضوع حسب ما يقتضيه الفصل 49 من الدستور.
أما إعفاء الملك لرئيس الحكومة فإنه غير منصوص عليه في الدستور ، ما عدا في حالتين نكتشفهما في الفصلين 47 و 59 وتؤديان معا إلى إعفاء الحكومة بكاملها:
- حالة الفصل 49 التي تقتضي أن يقدم رئيس الحكومة استقالة ويؤدي ذلك إلى إعفاء الحكومة بكاملها.
- أما حالة الفصل 59 فإنها تندرج في إطار حالة الاستثناء التي يمكن للملك أن يعلنهـــــــا بظهير، إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، إذ في كلتا الحالتين يُخَوَّلُ الملك صلاحيات اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع في أقرب الآجال إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
ولا يمكن للملك أن يمارس صلاحيات الفصل 59 لمواجهة ظروف جد استثنائية إلا بسلطة مطلقة للتقدير كأن يعين رئيسا للحكومة من خارج الحزب المتصدر الانتخابات التشريعية، إلا أن إعفاء رئيس الحكومة يؤدي حتى في هذه الحالة إلى إعفاء الحكومة بكاملها احتراما لروح الدستور.
وخلاصة القول أن الحكومة مرتبطة وجودا وعدما بوجود رئيسها.
موقع الوزراء الدستوري
أما الوزراء فيمكن إعفائهم من مهامهم إما بمبادرة من الملك بعد استشارة رئيس الحكومة، أو بطلب من هذا الأخير يرفعه إلى الملك، إما لتقدير شخصي وإما بناء على استقالات فردية أو جماعية.
وفي جميع الحالات يمكن أن يشمل الإعفاء، عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة، بمفهوم الفصل 47 الصريح.
ولربما سنجد من يريد التوسع في مفهوم الفصل 47 ، ويعتبر أن صيغة << أعضاء الحكومة>> تشمل حتى رئيسها استنادا إلى الفصل 87 من الدستور الذي ينص على أن الحكومة تتألف من رئيس الحكومة والوزراء ، ويمكن أن تضم كتابا للدولة، إلا أن هذا الموقف لا يصمد أمام التحليل المنطقي، إذ لا جدوى من إعفاء رئيس الحكومة في ظروف عادية، لأن ذلك سيؤدي إلى إعفاء الحكومة بكاملها، وتعيين رئيس جديد للحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب.
وهذا المنطق لا يستقيم مع ضرورة استشارة رئيس الحكومة التي يفرضها الفصل 47 لأنه لا يستساغ أن يستشار رئيس الحكومة في أمر إعفائه من دون أن يقدم هذا الأخير على الاستقالة ، مما يؤدي إلى إعفاء الحكومة بكاملها، ولا يستقيم بالخصوص مع الفقرة الثانية من الفصل 47 التي تميز صراحة بين أعضاء الحكومة، ورئيسها.
وحيث إن إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة لا يؤثر على قيام الحكومة واستمراريتها، فإنه لا بد من استحضار سلطة رئيس الحكومة المعين في اقتراح أعضاء الحكومة التي لم يقيدها الدستور بأي شرط قانوني، بل تبقى مرتبطة بقدرة رئيس الحكومة على التفاوض من أجل تكوين أغلبية حكومية حسب الظروف المتاحة، وبإمكان رئيس الحكومة مبدئيا أن يختار الوزراء من المنتمين سياسيا أو حتى من غير المنتمين بشرط أو يوفر لنفسه أغلبية كافية في مجلس النواب.
وهكذا يحق أن نخلص إلى القول بأن << الحكومة الحالية >> هي نفس الحكومة المعنية بظهير 3 يناير 2012 ، لكن بتشكيلة جديدة وحقائب وزارية مراجعة. والصيغة التي ورد بها ظهير 14 أكتوبر 2013 بتغيير الظهير الشريف رقم 01-12-1 الصادر في 3 يناير 2012 بتعيين أعضاء الحكومة خير دليل على استمرارية حكومة يناير 2012.
ولا بأس بالمناسبة من تسليط الضوء على ظهير 14 أكتوبر 2013 وما تضمنه من فقرات.
قراءة في ظهير 14/10/2013
فبمقتضى المادة الأولى من هذا الظهير ثم إعفاء 11 وزيرا من مهامهم، ستة منهم غادروا الحكومة، والخمسة الباقون تم تعيينهم في مسؤوليات وزارية أخرى.
وبمقتضى المادة الثانية ثم تعيين عشرون وزيرة ووزير، من بينهم خمسة عشر عضوا جديدا.
أما المادة الثالثة فإنها خصصت لتغيير تسمية قطاعين وزاريين، وهما وزارة السكنى وسياسة المدنية، ووزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك.
وفي الختام أوردت المادة الرابعة التشكيلة الكاملة للحكومة، الأمر الذي ركب عليه البعض للقول بأننا بصدد حكومة جديدة يجب عليها أن تتقدم أمام البرلمان لحصول التنصيب، وهذا المنطق مردود للأسباب المفصلة أعلاه، والتي مفادها أن الحكومة لا تقوم بعدد أعضائها، أو انتماءاتهم السياسية، لكنها ترتبط ــــ وجودا وعدما ونكرر ذلك ــــ بمؤسسة رئيس الحكومة.
ولعل المادة الرابعة لم تورد التشكيلة الكاملة إلا لأسباب بروتوكولية، ولتحديد موقع كل عضو من أعضائها داخل الهرم الحكومي.
قراءة في الفصل 88
بعد استعراض الوضعية الدستورية لرئيس الحكومة وباقي أعضائها، دعونا نتطرق للفصل 88 من الدستور، المثير للجدل.
ويكفي التمعن في قراءة هذا الفصل لتسجيل البديهيات التالية:
- ما يعرضه رئيس الحكومة أمام مجلس البرلمان هو البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني.......
- وما يصوت عليه مجلس النواب بعد المناقشة أمام كلا المجلسين، هو ذلك البرنامج الذي يعرضه رئيس الحكومة، بمضامينه وخطوطه الرئيسية.
- ولما تصوت أغلبية أعضاء مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي هذا، فإن المجلس يعبر بهذا التصويت عن ثقته في الحكومة التي تعتبر منصبة بحصولها على هذه الثقة.
فالتنصيب ما هو إلا نتيجة الثقة التي تحصل عليها الحكومة من خلال المصادقة على البرنامج الذي يعرض رئيس الحكومة خطوطه العريضة أمام البرلمان، وهذه المعادلة لا تشمل أعضاء الحكومة لا من حيث أسمائهم، ولا من حيث انتماءاتهم السياسية.
وبالتالي لا يستساغ اللجوء إلى الفصل 88 من الدستور إلا في الحالة التي تتبنى فيها الحكومة برنامجا جديدا مغايرا للبرنامج الذي سبق لها أن حصلت به على ثقة مجلس النواب.
ولرفع كل لبس نؤكد أن التغيير يجب أن يمس في العمق البرنامج السابق، أي في توجهاته الجوهرية. أما إذا تعلق الأمر بمراجعة الأولويات وإعادة جدولتها، فإن ذلك لا يعد مبررا كافيا للرجوع إلى البرلمان في إطار الفصل 88، لأن الحكومة سيدة أمرها فيما يخص ترتيب أولويات برنامجها، مادام أن هذا البرنامج يغطي الولاية التشريعية بكاملها.
ودخول حزب التجمع الوطني للأحرار لم يكن أبدا مشروطا بوضع برنامج حكومي جديد، وإلا لثم وضع هذا البرنامج واتفاق مكونات الأغلبية الحكومية عليه، قبل الإعلان عن التشكيلية الحكومية الحالية.
وما هو مرتقب هو أن تنكب قيادات الأغلبية الجديدة على إعادة ترتيب الأولويات ومراجعة وسائل العمل، مع الاحتفاظ بالتوجهات الكبرى للبرنامج الحكومي الذي سبق لمجلس النواب أن صادق عليه.
وحبذا لو كان الدستور يسعف لتقديم تصريح حكومي أمام البرلمان يعقبه نقاش ولا يتلوه أي تصويت، كما دعى إلى ذلك الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية في البلاغ الصادر عنه إثر اجتماعه الدوري ليوم الاثنين 21 أكتوبر 2013.
إذ إن ما ينص عليه الدستور في هذا المجال وارد في الفصل 101 الذي يفرض أن يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين. ولما نتكلم عن حصيلة، فإن الأمر يهم بالطبع ما أنجزته الحكومة وليس ما تعتزم القيام به مستقبلا.
كما ينص نفس الفصل 101 على أن تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها.
ورئيس الحكومة وباقي أعضاءها مطلوبون دستوريا لهذا الموعد السنوي، الذي يبقى مجرد محطة تقييم لا علاقة له بميكانيزمات منح الثقة.
ولم تترك المعارضة البرلمانية فرصة افتتاح الدورة الثانية من السنة التشريعية الحالية تمر، دون أن تحاول خلق وإثارة الحدث السياسي واهتمام الصحافة والمحللين الدستوريين، وذلك عن طريق إشهار ورقة << عدم دستورية >> هذه الحكومة.
ويتذكر الجميع أن << عدم الدستورية .....>> من المطايا التي اعتادت المعارضة البرلمانية أن تركبها بدئا بالجلسة الساخنة التي عاشها مجلس النواب يوم اختيار السيد كريم غلاب رئيسا للغرفة الأولى، ومرروا بجلسات الفقرة الأخيرة من الفصل 100 من الدستور وكيفية توزيع الوقت المخصص لها.............
ولما أعادت المعارضة الكرة يوم الثلاثاء 15 أكتوبر2013 خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، وأثارت عدم دستورية الحكومة لعدم تنصيبها وفقا للمسطرة المنصوص عليها في الفصل 88 من الدستور، قبل أن تشارك بصفة طبيعية في وضع ومناقشة الأسئلة الموجهة إلى أعضاء الحكومة، اعتبر البعض أن الأمر مجرد مناورة سياسية جديدة تسعى من خلالها المعارضة إلى التذكير بوجودها، وأنه سيقف عند هذا الحد.
إلا أن المعارضة بالغرفة الثانية التي لا تملك سلطة تنصيب الحكومة، اتخذت موقفا أكثر تشددا بانسحاب فرقها من حصة الأسئلة الشفوية لنفس اليوم.
ولم يشفع لهذه الحكومة ترأس الملك لمجلس وزاري، مباشرة بعد خرجة المعارضة بالغرفتين.
فالملك هو الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، والساهر على احترام الدستور، وهو بهذه الصفة في حياد تام تجاه الفاعلين السياسيين، وترئسه لمجلس وزاري يتألف من رئيس الحكومة والوزراء، فيه دلالة دستورية قاطعة إعمالا للفصل 42 من الدستور.
فقد شاهد الجميع كيف أن المعارضة في الغرفتين ــــ المجتمعتين يوم الأربعاء 23 أكتوبر بمناسبة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2014 ــــ قد أثارت مجددا الانتباه بشهر أعضائها ورقة للتذكير بالفصل 88 من الدستور قبل أن تواصل الاستماع إلى عرض السيد وزير المالية، وتلتحق فيما بعد بالقاعة المغربية لتتبع عرض الميزانية من لدن السيد الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، وكأن شيئا لم يكن.
إن موقف المعارضة من الحكومة ، وما تولد عنه من نقاش، يثير الاهتمام السياسي والقانوني، ويقتضي المعالجة المسؤولة والصريحة من المنظورين معا.
والمسائلة السياسية موجهة إلى كل مكونات الأغلبية الجديدة، وبالخوص حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرى البعض أنه في موقف غير مريح تجاه برنامج حكومي سبق له أن صوت ضده، وأصبح مطالب بالدفاع عنه بعد دخوله إلى الحكومة.
وبالتالي فإن الرد السياسي يجب في نظرنا أن تتولاه قيادات الأغلبية بخطاب موحد لا يترك المجال لأي لبس أو تباين في المواقف.
وإن كان الحزب الوحيد الذي عبر عن موقف رسمي من تكوين الحكومة هو التقدم والاشتراكية الذي أصدر ديوانه السياسي المنعقد يوم الاثنين 21 أكتوبر 2013 بلاغا اعتبر فيه أنه ثم احترام الدستور فيما يخص موضوع استكمال الشكليات المطلوبة لتنصيب الحكومة، ودعى إلى تقديم تصريح حكومي أمام البرلمان يعقبه نقاش ولا يتلوه أي تصويت، فإن قيادات الأغلبية مطالبة بالاجتماع العاجل للرد بلسان واحد على موقف المعارضة من << شرعية الحكومة، الدستورية >>.
وفي انتظار أن يتم ذلك خلال الأيام القليلة القادمة، فإن المناقشة الدستورية مفتوحة أمام الجميع، وهذه بادرة صحية ــــ بغض النظر عن النوايا الدفينة ــــ ستساهم لا محالة في التنزيل الديمقراطي للدستور الذي يقتضي مشاركة الجميع في ابتكار آليات هذا التنزيل.
وتهدف هذه الورقة، المهيكلة حول أربعة محاور، إلى تقديم وجهة نظر شخصية من الميكانيزمات التي وضعها الدستور لمعالجة الموضوع، ونتمنى أن يتسع هذا النقاش القانوني ويشمل كل الآراء المساندة وغير المساندة لموقف المعارضة من الحكومة.
موقع رئيس الحكومة الدستوري
فأول ملاحظة تثير الانتباه أن جل المحللين تخطوا بسهولة الموقع الدستوري المتميز لرئيس الحكومة والذي من دون استحضاره لا يمكن الإلمام بكل معطيات الموضوع.
فالفصل 47 من الدستور يستحق التمعن والتركيز لأنه هو المؤسس لموقع رئيس الحكومة ، إذ بعد إعلان نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب، يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر تلك الانتخابات.
فالدستور إذن يفرض تولية رئاسة الحكومة للحزب الذي يحتل المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية.
وبعد تعيين رئيس الحكومة، لا يمكن إعفائه شخصيا من مهامه، بل أن حالات الإعفاء تشمل الحكومة ككل وهي كالتالي:
- إذا لم تصوت الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي الذي يقدمه رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعيين، بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، حسب مقتضيات الفصل 88 من الدستور، الذي سنعود إليه بالتفصيل، وفي هذه الحالة لا تعتبر الحكومة منصبة.
- إذا طلب رئيس الحكومة الثقة من مجلس النواب، ورفضها هذا الأخير بالأغلبية المطلقة لأعضائه . ويؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية حسب مقتضات الفصل 103 من الدستور.
- معارضة مجلس النواب في أن تواصل الحكومة تحمل مسؤوليتها بالتصويت على ملتمس للرقابة، يوقعه على الأقل خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، وتصوت عليه الأغلبية المطلقة لأعضائه ( الفصل 105 من الدستور).
هذا فيما يخص سلطة مجلس النواب في الإطاحة بالحكومة، والتي تقابلها الإمكانية التي يخولها الفصل 104 من الدستور لرئيس الحكومة بحل هذا المجلس، بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية، ولا يتم الحل إلا بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري، مما يفيد أن سلطة الحل المخولة لرئيس الحكومة ليست مطلقة في هذا الباب، بل هي مقيدة بالحصول على موافقة المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، والذي يتداول في الموضوع حسب ما يقتضيه الفصل 49 من الدستور.
أما إعفاء الملك لرئيس الحكومة فإنه غير منصوص عليه في الدستور ، ما عدا في حالتين نكتشفهما في الفصلين 47 و 59 وتؤديان معا إلى إعفاء الحكومة بكاملها:
- حالة الفصل 49 التي تقتضي أن يقدم رئيس الحكومة استقالة ويؤدي ذلك إلى إعفاء الحكومة بكاملها.
- أما حالة الفصل 59 فإنها تندرج في إطار حالة الاستثناء التي يمكن للملك أن يعلنهـــــــا بظهير، إذا كانت حوزة التراب الوطني مهددة أو وقع من الأحداث ما يعرقل السير العادي للمؤسسات الدستورية، إذ في كلتا الحالتين يُخَوَّلُ الملك صلاحيات اتخاذ الإجراءات التي يفرضها الدفاع عن الوحدة الترابية، ويقتضيها الرجوع في أقرب الآجال إلى السير العادي للمؤسسات الدستورية.
ولا يمكن للملك أن يمارس صلاحيات الفصل 59 لمواجهة ظروف جد استثنائية إلا بسلطة مطلقة للتقدير كأن يعين رئيسا للحكومة من خارج الحزب المتصدر الانتخابات التشريعية، إلا أن إعفاء رئيس الحكومة يؤدي حتى في هذه الحالة إلى إعفاء الحكومة بكاملها احتراما لروح الدستور.
وخلاصة القول أن الحكومة مرتبطة وجودا وعدما بوجود رئيسها.
موقع الوزراء الدستوري
أما الوزراء فيمكن إعفائهم من مهامهم إما بمبادرة من الملك بعد استشارة رئيس الحكومة، أو بطلب من هذا الأخير يرفعه إلى الملك، إما لتقدير شخصي وإما بناء على استقالات فردية أو جماعية.
وفي جميع الحالات يمكن أن يشمل الإعفاء، عضوا أو أكثر من أعضاء الحكومة، بمفهوم الفصل 47 الصريح.
ولربما سنجد من يريد التوسع في مفهوم الفصل 47 ، ويعتبر أن صيغة << أعضاء الحكومة>> تشمل حتى رئيسها استنادا إلى الفصل 87 من الدستور الذي ينص على أن الحكومة تتألف من رئيس الحكومة والوزراء ، ويمكن أن تضم كتابا للدولة، إلا أن هذا الموقف لا يصمد أمام التحليل المنطقي، إذ لا جدوى من إعفاء رئيس الحكومة في ظروف عادية، لأن ذلك سيؤدي إلى إعفاء الحكومة بكاملها، وتعيين رئيس جديد للحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب.
وهذا المنطق لا يستقيم مع ضرورة استشارة رئيس الحكومة التي يفرضها الفصل 47 لأنه لا يستساغ أن يستشار رئيس الحكومة في أمر إعفائه من دون أن يقدم هذا الأخير على الاستقالة ، مما يؤدي إلى إعفاء الحكومة بكاملها، ولا يستقيم بالخصوص مع الفقرة الثانية من الفصل 47 التي تميز صراحة بين أعضاء الحكومة، ورئيسها.
وحيث إن إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة لا يؤثر على قيام الحكومة واستمراريتها، فإنه لا بد من استحضار سلطة رئيس الحكومة المعين في اقتراح أعضاء الحكومة التي لم يقيدها الدستور بأي شرط قانوني، بل تبقى مرتبطة بقدرة رئيس الحكومة على التفاوض من أجل تكوين أغلبية حكومية حسب الظروف المتاحة، وبإمكان رئيس الحكومة مبدئيا أن يختار الوزراء من المنتمين سياسيا أو حتى من غير المنتمين بشرط أو يوفر لنفسه أغلبية كافية في مجلس النواب.
وهكذا يحق أن نخلص إلى القول بأن << الحكومة الحالية >> هي نفس الحكومة المعنية بظهير 3 يناير 2012 ، لكن بتشكيلة جديدة وحقائب وزارية مراجعة. والصيغة التي ورد بها ظهير 14 أكتوبر 2013 بتغيير الظهير الشريف رقم 01-12-1 الصادر في 3 يناير 2012 بتعيين أعضاء الحكومة خير دليل على استمرارية حكومة يناير 2012.
ولا بأس بالمناسبة من تسليط الضوء على ظهير 14 أكتوبر 2013 وما تضمنه من فقرات.
قراءة في ظهير 14/10/2013
فبمقتضى المادة الأولى من هذا الظهير ثم إعفاء 11 وزيرا من مهامهم، ستة منهم غادروا الحكومة، والخمسة الباقون تم تعيينهم في مسؤوليات وزارية أخرى.
وبمقتضى المادة الثانية ثم تعيين عشرون وزيرة ووزير، من بينهم خمسة عشر عضوا جديدا.
أما المادة الثالثة فإنها خصصت لتغيير تسمية قطاعين وزاريين، وهما وزارة السكنى وسياسة المدنية، ووزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك.
وفي الختام أوردت المادة الرابعة التشكيلة الكاملة للحكومة، الأمر الذي ركب عليه البعض للقول بأننا بصدد حكومة جديدة يجب عليها أن تتقدم أمام البرلمان لحصول التنصيب، وهذا المنطق مردود للأسباب المفصلة أعلاه، والتي مفادها أن الحكومة لا تقوم بعدد أعضائها، أو انتماءاتهم السياسية، لكنها ترتبط ــــ وجودا وعدما ونكرر ذلك ــــ بمؤسسة رئيس الحكومة.
ولعل المادة الرابعة لم تورد التشكيلة الكاملة إلا لأسباب بروتوكولية، ولتحديد موقع كل عضو من أعضائها داخل الهرم الحكومي.
قراءة في الفصل 88
بعد استعراض الوضعية الدستورية لرئيس الحكومة وباقي أعضائها، دعونا نتطرق للفصل 88 من الدستور، المثير للجدل.
ويكفي التمعن في قراءة هذا الفصل لتسجيل البديهيات التالية:
- ما يعرضه رئيس الحكومة أمام مجلس البرلمان هو البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني.......
- وما يصوت عليه مجلس النواب بعد المناقشة أمام كلا المجلسين، هو ذلك البرنامج الذي يعرضه رئيس الحكومة، بمضامينه وخطوطه الرئيسية.
- ولما تصوت أغلبية أعضاء مجلس النواب لصالح البرنامج الحكومي هذا، فإن المجلس يعبر بهذا التصويت عن ثقته في الحكومة التي تعتبر منصبة بحصولها على هذه الثقة.
فالتنصيب ما هو إلا نتيجة الثقة التي تحصل عليها الحكومة من خلال المصادقة على البرنامج الذي يعرض رئيس الحكومة خطوطه العريضة أمام البرلمان، وهذه المعادلة لا تشمل أعضاء الحكومة لا من حيث أسمائهم، ولا من حيث انتماءاتهم السياسية.
وبالتالي لا يستساغ اللجوء إلى الفصل 88 من الدستور إلا في الحالة التي تتبنى فيها الحكومة برنامجا جديدا مغايرا للبرنامج الذي سبق لها أن حصلت به على ثقة مجلس النواب.
ولرفع كل لبس نؤكد أن التغيير يجب أن يمس في العمق البرنامج السابق، أي في توجهاته الجوهرية. أما إذا تعلق الأمر بمراجعة الأولويات وإعادة جدولتها، فإن ذلك لا يعد مبررا كافيا للرجوع إلى البرلمان في إطار الفصل 88، لأن الحكومة سيدة أمرها فيما يخص ترتيب أولويات برنامجها، مادام أن هذا البرنامج يغطي الولاية التشريعية بكاملها.
ودخول حزب التجمع الوطني للأحرار لم يكن أبدا مشروطا بوضع برنامج حكومي جديد، وإلا لثم وضع هذا البرنامج واتفاق مكونات الأغلبية الحكومية عليه، قبل الإعلان عن التشكيلية الحكومية الحالية.
وما هو مرتقب هو أن تنكب قيادات الأغلبية الجديدة على إعادة ترتيب الأولويات ومراجعة وسائل العمل، مع الاحتفاظ بالتوجهات الكبرى للبرنامج الحكومي الذي سبق لمجلس النواب أن صادق عليه.
وحبذا لو كان الدستور يسعف لتقديم تصريح حكومي أمام البرلمان يعقبه نقاش ولا يتلوه أي تصويت، كما دعى إلى ذلك الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية في البلاغ الصادر عنه إثر اجتماعه الدوري ليوم الاثنين 21 أكتوبر 2013.
إذ إن ما ينص عليه الدستور في هذا المجال وارد في الفصل 101 الذي يفرض أن يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين. ولما نتكلم عن حصيلة، فإن الأمر يهم بالطبع ما أنجزته الحكومة وليس ما تعتزم القيام به مستقبلا.
كما ينص نفس الفصل 101 على أن تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها.
ورئيس الحكومة وباقي أعضاءها مطلوبون دستوريا لهذا الموعد السنوي، الذي يبقى مجرد محطة تقييم لا علاقة له بميكانيزمات منح الثقة.