MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




دور الجماعات الترابية في التنمية المحلية حالة المجلس البلدي لمدينة وزان

     

إنجاز: عبداللطيف زرغيلي

* باحث تخصص "إعداد المجال والتنمية الترابية"، جامعة إبن طفيل كلية الأداب والعلوم الإنسانية، القنيطرة



دور الجماعات الترابية في التنمية المحلية حالة المجلس البلدي لمدينة وزان


 



1 مفهوم التنظيم الجماعي:

يحتل التنظيم الجماعي في المغرب أهمية خاصة، فللجماعة جذور عميقة في تاريخ هذا البلد، كما أنها تعبر عن مجموعة من السكان أكثر تجانسا لأنها كانت تعبيرا عن قبيلة
220، ومن هنا كان الإعتراف لها بحق التصرف في بعض أمورها المحلية أكثر منطقية.
وقد ظهرت في المغرب أول نواة لإحداث جماعات حضرية وقروية بصدور ظهير 1917، على أن أول محاولة للتنظيم الجماعي الحديث استمدت توجيهاتها من خطاب الملك محمد الخامس بتاريخ 12/11/1956، الذي أعرب فيه جلالته على العزم على إرساء الديمقراطية بإحداث المجالس المحلية في المدن والبوادي والتي تمكن من التهذيب السياسي للمواطنين ومساهمتهم في تسيير شؤونهم المحلية وتبلورت هذه الرغبة بصدور ظهير 1960 المتعلق بالتنظيم الجماعي والذي أرسى دعائم اللامركزية بمفهومها الصحيح.
لقد قرر المغرب تطبيق التنظيم الجماعي تطبيقا شاملا منذ الإستقلال، وذلك بغية إصلاح الإدارة إصلاحا ديمقراطيا يعتمد على الإنتخاب، وقد نصت عدة ظهائر على هذا التنظيم، فهناك ظهير فاتح سبتمبر 1959 والتعديلات التي طرأت عليه والمتعلق بالتقسيم الإداري للمملكة والذي بمقتضاه تأسست الجماعات المحلية.
وإذا كان التنظيم الجماعي لسنة 1960 لم يقع تعديله إلا سنة 1976 أي بعد 16 سنة من التجربة والممارسة اللتين مكنتا المواطنين وبالأخص من يسكن منهم البادية من التعايش تدريجيا مع المؤسسة الجماعية. فالتعديل اقتضته ضرورة التمشي مع إتساع دائرة تطبيق اللامركزية ونتائج توسيع اختصاصات المنتخبين والتخفيف الى حد ما من هيمنة الوصاية التي كانت تباشرها الإدارة الترابية على المؤسسات الجماعية، لذلك جاء قانون التنظيم الجماعي لسنة 1976 متميزا إلى جانب ذلك باختفاء الإختلافات التي كانت موجودة في النظام الجماعي لسنة 1960 رغم بعض الفوارق التي لا زالت قائمة بين المدينة والقرية، واضعا النظام الموحد لكافة الجماعات باستثناء بعض التكثلات العمرانية الكبرى مثل الدارالبيضاء والرباط وغيرها التي تستفيد من نظام خاص داخل الميثاق الجماعي.
وفضلا عن هذه التشريعات، فإن الدستور المغربي لسنة 2011 أكد وجود الجماعات المحلية ودعم تحقيقها وذلك في الفصل 135-136 من الدستور الحالي.
الفصل 135 نص على أن: "الجماعات المحلية بالمملكة هي العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية وكل جماعة محلية أخرى تحدث بقانون".
أما الفصل 136 فنص على ما يلي: "تنتخب الجماعات المحلية مجالس مكلفة بتدبير شؤونها طبقا لشروط يحددها القانون"
221.
وهذا التدعيم إن دل على شيء فإنما يدل على أن المشرع المغربي أراد أن يعطي لهذه المجالس تعريفا موحدا أو ملائما للواقع المغربي بحيث أصبحث المجالس ترتكز في تأسيسها على عامل جغرافي واقتصادي بالإضافة إلى العامل القبلي. فالغاية من هذا التركيز الحديث هو إعطاء الجماعات المحلية مظهرا اقتصاديا واجتماعيا يتلاءم مع مجهودات الدولة في مقاومة داء التخلف المحلي ونص الفصل الأول من ظهير التنظيم الجماعي بأنها وحدات داخلة في حكم القانون العام وتتمتع بالشخصية المعنوية والإستقلال المالي. وهي نوعان: حضرية وقروية، ليس بينهما قانونيا أي فرق جوهري إلا ما يتعلق بالظروف الواقعية والإجتماعية والإقتصادية.

2 ضعف إمكانيات المجلس البلدي لمدينة وزان يزيد من أزمة المدينة:

أعطى ظهير 1976 للجماعات المحلية مجموعة من الصلاحيات تستطيع من خلالها الإشراف على العملية التنموية، كما منحها عدة امتيازات مالية وقانونية تخول لها "الإستقلالية" على مستوى تسيير شؤونها. غير أن اشتغال هذه المؤسسة يتوقف على المستشارين كفاعلين سياسيين يحتلون مواقع اجتماعية مختلفة وينتمون إلى ألوان سياسية متباينة. بالإضافة إلى ذلك، تلعب الإمكانيات المادية المتاحة أمام الجماعة المحلية دورا مهما في تحديد مساهمتها في تنمية المدينة.

2-1 التركيبة السوسيوثقافية والسياسية للمجلس البلدي بوزان:

تتشكل تركيبة مجلس الجماعة الحضرية لوزان من 25 عضوا حسب عدد ساكنة مدينة وزان. وهي تركيبة غير منسجمة سواء من الناحية الإجتماعية أو التعليمية، أو على صعيد الإنتماءات الجغرافية والسياسية للمستشارين الذين تم إنتخابهم في يونيو 2009.

2-1-1 الأصول الجغرافية للمنتخبين:

ينتمي أغلب أعضاء المجلس البلدي لمدينة وزان إلى المجال الحضري. فقد ازداد 64٪ من المستشارين بمدينة وزان، في حين ينتمي 36٪ منهم إلى مجالات قروية. ويعني ذلك أن الإنتماء الجغرافي إلى المدينة يعد ظاهريا من العوامل المحددة لولوج المجلس البلدي بمدينة وزان. غير أن ذلك يخفي بعض الحقائق التي حددت عملية الإنتخاب، إذ يلعب الموقع الإجتماعي للمنتخب دورا محددا في النجاح السياسي بالمدينة. ويتوقف ذلك الموقع على عدة عوامل مثل الإمكانيات المادية والرمزية لأسرة المنتخب وتجدرها الإجتماعي بالدائرة الإنتخابية. إذ أن كل منتخب يحاول توظيف رأسماله المادي والرمزي لكي يحصل على عدد كبير من أصوات الناخبين أكثر من استثماره لانتماءه السياسي الذي لا يلعب إلا دورا ثانويا.

2-1-2 الإنتماء السياسي للمستشارين:

أسفرت الإنتخابات المحلية لسنة 2009 عن إفراز تشكيلة سياسية تنتمي إلى أحزاب سياسية مختلفة بالإضافة إلى أغلبية كبيرة من اللامنتمين سياسيا.
وبعد مسلسل من التغيرات التي مست الإنتماءات السياسية لبعض الأعضاء من جراء تبديل حزب بآخر، استقرت التركيبة السياسية للمجلس البلدي بوزان على الشكل التالي:

  • حزب التجمع الوطني للأحرار: 9 مقاعد بنسبة 26٪،
  • حزب العدالة والتنمية: 9 مقاعد بنسبة 26٪ ،
  • حزب الإستقلال: 6 مقاعد بنسبة 17٪،
  • حزب الأصالة والمعاصرة: 6 مقاعد بنسبة 17٪،
  • حزب الإتحاد الدستوري: 3 مقاعد بنسبة 9٪،
  • الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية: 2 مقاعد بنسبة 5٪ .
يلاحظ حضور أهم الأحزاب السياسية المغربية. لكن ذلك لا يخفي من وراءه البعد غير السياسي للعملية الإنتخابية بوزان، إذ تتحكم المواقع الإجتماعية والعلاقات الشخصية للمنتخبين في إختيار أعضاء المجلس البلدي، ويتأكد ذلك إذا علمنا أن 36٪ من المستشارين سبق وأن غيروا انتماءاتهم السياسية خلال السنة الأولى من عمر المجلس.

     جدول رقم 1: عناصر الحياة اليومية للمجلس البلدي لمدينة وزان


النسبة المئوية ٪ العناصر
15 إختلافات حزبية
16 معارضة المجموعة السياسية
18 معارضة شخصية
15 إعتبارات مادية
22 أسباب مختلفة
30 بدون جواب
100 المجموع
 
            المصدر: مقابلة مع بعض أعضاء المجلس البلدي.

كما أن عملية اختيار رئيس المجلس البلدي خضعت لمنطق العلاقات الشخصية على حساب الإنتماء السياسي للمنتخبين. إذ تم تعيين السيد (م. ك) الذي تزعم لائحة المنتخبين المنتمين لحزب الإستقلال، وبعد أن أصبحت هذه الفئة تمثل 6٪ من مجموع الأعضاء، تحتم عليه التحالف مع حزب التجمع الوطني للأحرار لكي يفوز برئاسة المجلس.
إن التركيبة السياسية للمجلس البلدي تعكس كيفية اشتغال الحقل السياسي بوزان الذي لا يختلف كثيرا عن الحقل السياسي العام بالمغرب، حيث يطبع تنافس المرشحين في الدوائر الإنتخابية طابع المبارزة الشخصية، يسخر فيها كل طرف رأسماله الرمزي والمادي من أجل الفوز بأصوات الناخبين يوم الإقتراع
222.

2-1-3 المواقع الإجتماعية للمستشارين:

سنعتمد لتحديد المستويات الإجتماعية لأعضاء الجماعات المحلية بوزان على المعايير السوسيومهنية ونوع النشاط الذي يمارسه المستشارون.
إن 52٪ من أعضاء المجلس البلدي يزاولون أنشطة تدخل في إطار الوظيفة العمومية، وينتمي 36٪ من هؤلاء الموظفين إلى رجال التعليم (20٪ من الأساتذة، 12٪ من المعلمين). ثم هنالك فئة التجار (16٪ من الأعضاء) وشريحة المتقاعدين (8٪).
أما النسبة الباقية أي 16٪ فهي تتوزع بالتساوي على المستخدمين (4٪) والسائقين (4٪) وصناع الأسنان وأخيرا العاطلون عن العمل (4٪).
إن إستعراض البنية السوسيومهنية لأعضاء المجلس البلدي تؤكد هيمنة شريحة الموظفين التي تمثل أكثر من نصف التركيبة البشرية للجماعة. إذ أن شريحة الموظفين تعتبر غير منسجمة حيث تعتريها عدة تمايزات تتصل بموقع كل عنصر داخل تراثبية الوظيفة العمومية. وعلى العموم، ورغم الإختلافات التي تمس فئة الموظفين، فإنها تمثل "النخبة" داخل المجتمع الوزاني قياسا إلى الإمكانيات الإقتصادية التي تتيحها مدينة وزان.

2-1-4 المستويات التعليمية لأعضاء المجلس البلدي:

إن ارتفاع نسبة الموظفين داخل الجماعة المحلية بوزان سينعكس على المستويات التعليمية للمستشارين. إذ تهيمن المستويات التعليمية الثانوية والجامعية حيث أن 28٪ من الأعضاء لهم مستوى تعليمي ثانوي مقابل نفس النسبة بالنسبة للمستشارين ذوو المستويات الجامعية.
وعلى عكس ذلك فإن 20٪ من الأعضاء لهم مستوى تعليمي إعدادي مقابل 16٪ لهم تكوين ابتدائي، في حين لم يحظ 8٪ من الأعضاء بأي تكوين أكاديمي ويصنفون في إطار الأميين.
من خلال إستعراض المستويات التعليمية لأعضاء الجماعة المحلية بوزان يتضح أن أغلبية المستشارين يتمتعون بمستويات تعليمية لا بأس بها، مع طغيان المستويات الوسطى (الإعدادية والثانوية) التي يتوفر عليها 48٪ من الأعضاء. وستتفاعل هذه المستويات التعليمية مع المواقع الإجتماعية للمستشارين وأصولهم الجغرافية لتعطي للمجلس البلدي تركيبة بشرية معينة ستتحمل مسؤولية المدينة وتسيير شؤونها العامة.

3- وسائل التدخلات الإقتصادية والإجتماعية للجماعة المحلية لوزان:

إن حياة الجماعات في المغرب قديمة قدم التاريخ، إلا أن جماعة اليوم ليست هي جماعة الأمس. فجماعة العصر هي جماعة المنشآت والخدمات والتجهيزات. وهذا التغيير هو ما جاء به ظهير سنة 1960 والظهير المعدل له لسنة 1976، ومن بعده الميثاق الجماعي لسنة 2002. وهذا شيء هام في نطاق دعم تدخل المجالس الجماعية في الحياة الإقتصادية والإجتماعية وخلق إطار ملائم لحياة السكان وتشجيع المستثمرين الخواص.
هذا وبالرغم من الوصاية المفروضة على المجالس الجماعية وضعف إمكانيات بعض الجماعات المحلية في تدبير بعض التدخلات التنموية، فإنها عرفت تنمية ومشاركة إقتصادية في المجهود التنموي للدولة، وإن كان ذلك رهينا بتوفر الموارد المالية المتاحة والعامل البشري، الشيء الذي يدل على تلازم هذين العنصرين إذا تعثر أحدهما تعثر الأخر.
ومنذ الإصلاح الأخير، فإن المجهودات التي بدلت تركزت على إعطاء الإستقلال المالي للجماعات حتى تكون اللامركزية فعلية، ولهذه الغاية وضعت رهن إشارتها امكانيات مادية وبشرية
223. وهذا ما سنحاول التطرق إليه في حالة الجماعة الحضرية لوزان.

3-1 الموارد البشرية بالجماعة المحلية لوزان: أهم وسيلة للتدخل:

 إن وزارة الداخلية كانت تأخد على عاتقها مهمة تسيير الإدارة الجماعة والإدارة المباشرة، زيادة على ضعف مستوى المنتخبين الجماعيين وعدم قدرتهم على التسيير السليم اضافة الى عدم وجود هيكلية صحيحة للمصالح الجماعية.
لذا ظهر من اللازم نهج سياسة للإهتمام بالموارد البشرية بالجماعات المحلية لمجابهة المتطلبات المتزايدة للتنمية المحلية.
فظهير التنظيم الجماعي لسنة 1976 لا يمكن ان يعطي النتائج المتوخاة الا بوضع موظفين جماعيين اكفاء تحت تصرف الوحدات الترابية.
إن الجماعات المحلية هي في حاجة ماسة الى الوسائل التي تمكنها من اداء الدور الفعلي المنوط بها، وخاصة عدد الموظفين ومستواهم حتى تتمكن من ممارسة اختصاصاتها المتزايدة.
ورغم المجهودات التي بدلت في الجماعة الحضرية لمدينة وزان على الأخص لسد الخصاص بصورة نسبية في الموظفين، فإنها مع ذلك مازالت تعاني من نقص في التسيير للشؤون المحلية بسبب انعدام تجربة المنتخبين وضعف مستواهم الثقافي.     
لقد عرف عدد الموظفين ببلدية مدينة وزان نموا مطردا، خاصة بعد صدور ظهير 30 شتنبر 1978، فبعدما كان عددهم لا يتجاوز 100 موظف وموظفة خلال السبعينات إرتفع هذا العدد حاليا إلى 348 موظف وموظفة. فبعد المناظرة الأولى للجماعات بمراكش سنة 1977، كانت مناسبة للمنتخبين ومسؤولي وزارة الداخلية لتحليل النقص الحاصل الذي يطبع المصالح الجماعية بتعاون مع السلطات المختصة باصدار عدد من التوصيات والتدابير والإقتراحات خاصة توحيد الوظيفة الجماعية وتبسيط مساطر توظيف الموظفين.
لكن ما يعاب على هذه الموارد البشرية ببلدية مدينة وزان هو ضعف التكوين وقلة الأطر التقنية ذات الأهمية. فالموظفين الجماعيين الإداريين والتقنيين بالجماعة الحضرية لوزان يتشكلون من أطر عليا ومتوسطة.
وعلى العموم نلاحظ ببلدية وزان وجود تنوع في تكوينات الموظفين اداريين وتقنيين، لكن الحاجيات لازالت في تزايد، خاصة المهندسين والتقنيين الذين يتوقف عليهم مستوى الإنجازات. لذلك ينبغي أن تتخذ التدابير اللازمة وإلا فإن بلدية مدينة وزان ستجد نفسها في وضعية متأخرة ولا تساير الآفاق المستقبلية، وهذا الخصاص يزداد إذا عرفنا أن عددا من الإدارات التقنية (مكاتب دراسات، مقاولات، وكالات..) المتعاقدة مع المجلس البلدي للمدينة تحمل الميزانية الجماعية نفقات اضافية لا يمكن للميزانية العامة الجماعية تحملها مع العلم أن الوسائل المالية محدودة.
 
3-2 ضعف ومحدودية الموارد المالية يؤثر على منجزات الجماعة:

إذا كانت درجة قوة الحكم في الدولة تقاس بالنسبة التي تشكلها المالية المحلية بالنسبة الى المالية العامة في مجموعها، فإن بعض المختصين يرون بأن الإدارة المحلية القوية هي التي تبلغ ماليتها 3/1 المالية العامة على الأقل
224.
فالموارد المحلية المحدودة تغل يد الهيآت المحلية وتجعلها عاجزة عن التصرف بحرية، وبالتالي مضطرة للإقتراض أو اللجوء إلى الحكومة للحصول على إعانات مالية. لكن السؤال الذي يتباذر إلى الذهن في هذا المجال هو المتعلق بالمقياس الذي يتم به تحديد هذه الموارد.
إن العامل الحاسم في تحديد حجم الموارد المالية هو موقف المشرع بالنسبة لتعيين أنواع مصادر الإيراد العام التي يخص بها الهيآت المحلية. الا أن التفاوت القائم بين الجماعات المحلية في الثروات البشرية والمالية يلعب الدور الحاسم في تحديد حجم هذه الموارد، فالتفاوت هذا يظهر واضحا بين الجماعات المحلية، وذلك للعديد من الأسباب منها ما يستمد جذوره من التاريخ وخاصة من المفهوم الإستعماري للمغرب النافع والمغرب الغير النافع، والموروث عن عهود الظلام مثل أراضي السيبة وأراضي الكيش...
ومنها ما يعود إلى الموقع الجغرافي ودرجة تطور النشاط الإقتصادي والتجاري بالإقليم وكذلك إلى ثقل الوزن الديمغرافي. فهذه الأسباب وأخرى يضيق المجال لحصرها تلعب دورا أساسيا في التفاوت بين الجماعات ماليا واقتصاديا واجتماعيا.
ولا بأس من الإشارة إلى أنه مهما كان موقف المشرع ازاء تحديد مصادر الإيرادات للهيئات المحلية، أي رغم وحدة مصادر الإيراد المقررة بالنسبة للجماعات بأكملها، فإن ما يحصل عليه كل مجلس من المجالس المحلية يختلف عما يحصل عليه أخر، وهذا الإختلاف يعود أساسا الى التفاوت والإختلاف الموجود بين هذه الوحدات المحلية في الثروات البشرية والمالية.
والجدير بالذكر أن ميزانية الجماعة ليس مجرد عملية حسابية ومالية فقط، بل هي بالأساس أداة ملائمة لإنجاز عمليات ملموسة تشمل التجهيز والتسيير، ومن تم فتطبيقها مرهون بأعمال القائمين عليها من ممثلي السلطة ومستشارين والسكان أنفسهم ولعل إطار التطبيق ذو أبعاد كبيرة لأنه يمثل مدرسة تكوينية وتدعيمية لمفهوم اللامركزية
225.

3-2-1 موارد وممتلكات جد محدودة لبلدية مدينة وزان:

تعتبر الميزانية إطارا لوضع التقديرات، فهي الوثيقة المالية الأكثر أهمية في السنة في كل جماعة، وهي تضم مخطط عمل قصير المدى ويعرف بالخطوط العريضة لتدخل الجماعة، فهي بذلك أداة للرؤية المستقبلية. وهي كذلك وثيقة للبرمجة، بحيث تقيد الأنشطة الآنية باستحضار الأهداف المسطرة والوسائل المستعملة في إطار تخطيط بعيد المدى. كما أن الميزانية تشكل وثيقة تقريرية، فهي ترخيص مسبق بالإلتزام بالنفقات وصرفها في حدود التقديرات المقبولة لمدة معينة، كما تجسد الإستقلال المالي للجماعة الذي يعتبر المعطى الأساسي في كل نظام لامركزي إداري
226.
وللجماعة المحلية لوزان ميزانيتها الخاصة المستقلة التي تشمل قسمين أحدهما مخصص للتسيير سواء فيما يهم المداخيل والمصاريف، والأخر يحدد عمليات الإستثمار وتقديرات الموارد اللازمة لها.
ويختص المجلس بالموافقة على الميزانية، أما في مرحلة تهيء الميزانية فتدخل المستشارين ليس ضروريا، وقد كلف القانون المستشارين الجماعيين بتهيء الميزانية غير أن الرئيس هو في الحقيقة الذي يقوم بالقسم الأهم من هذا العمل
227. فهو الذي يبدأ في تنفيذ هذه الميزانية وفي عقد الصفقات وفي الأمر بالصرف ابتداء من فاتح يناير من كل سنة بمجرد الموافقة من طرف سلطات الوصاية.
وقد ابتكر المشرع الوسائل التي من شأنها أن تدعم مالية الجماعات المحلية، واتخد في ذلك اتجاهان متكاملان، إتجاه مباشر واتجاه غير مباشر
228:

  • فبالنسبة للإتجاه الغير مباشر هنالك مثلا:
 
  • التخلي لفائدة الجماعات المحلية عن الموارد الغابوية،
  • إعفاء الجماعات من بعض النفقات الإجبارية التي كانت تؤديها البلديات على شكل مساهمات في تسيير بعض المرافق العمومية كالشرطة الحضرية والمدارس العمومية والمستشفيات إلى غير ذلك،
  • إلغاء المصاريف المتعلقة بأجور بعض أعوان السلطة.
  •  
  • أما بالنسبة للطرق الغير مباشرة نجد مثلا:
 
  • مساعدات الدولة التي تؤدى مجملة لامن حيث الزمن ولامن حيث الكم ابتداء من فاتح يناير، أي بعد المصادقة من طرف الهيأة التشريعية وبعد نشر ميزانية الدولة في الجريدة الرسمية،
  • تسبيقات الجماعة المحلية، والتي يمكن أن تكون لها موارد خاصة كرسوم وضرائب. ويمكن أن تكون لها مساعدات من طرف الدولة ويمكن أن تكون لها هبات ولكن أيضا يمكن أن تكون لها سلفات، كأن تأخذ قروضا من صندوق التجهيز الجماعي أو من الخزينة أو غيرها.
  • الصندوق الخاص بتنمية الجماعات المحلية،
  • إستفادة الجماعات المحلية من نسبة محددة من الضريبة على القيمة المضافة.              
أما الممتلكات الجماعية فهي مجموع الأراضي والعقارات التي ترجع ملكيتها للجماعات المحلية وتصنف إلى أملاك عامة وأخرى خاصة229. ولهذه الممتلكات دور كبير في تنمية مداخيلها المالية، وتوفير الرصيد العقاري اللازم لإنجاز مشاريعها الإستثمارية والتجهيزات الأساسية ومختلف المرافق الجماعية.   
ولقد عرف المغرب اجراءات مهمة لتنمية موارد الجماعات المحلية منذ سنة 1976، لكن بالرغم من هذه الإجراءات تظل بلدية مدينة وزان تعاني من تقل المصاريف، والسبب في ذلك راجع إلى كون ممتلكات الجماعة المحلية لوزان جد قليلة بالمقارنة مع الجماعات الأخرى وهي تتوزع على الشكل التالي:

       جدول رقم 2:  توزيع ممتلكات الجماعة المحلية لوزان


العدد الممتلكات
151 الدكاكين
104 الشقق
11 المساكن
04 المقاهي
1 السوق الأسبوعي
1 حفظ الأمتعة
1 إسطبل
1 مكاتب النقل
1 مدبحة
 
                                        المصدر: قسم وكالة المداخيل ببلدية مدينة وزان سنة 2011.

لقد ظهرت معظم هذه الممتلكات مع بداية الثمانينات حيث تم بناء قيسارية بجانب المحطة الطرقية تضم 30 دكانا وتوفر 12 مليون سنتيم سنويا، كما تم بناء مجموعة من الدكاكين الأخرى إضافة إلى مجموعة من المقاهي التي اكترتها الجماعة الحضرية بأثمنة تصل إلى 1000 درهم شهريا، وفي المقابل، هناك ممتلكات قديمة كالسوق الأسبوعية التي تضم مجموعة من الدكاكين لا يتجاوز ثمن كرائها 200 درهما للشهر.
ورغم محدودية هذه الممتلكات، فإنها تضمن للجماعة مداخيل قارة هذه الأخيرة عرفت عدة تطورات من سنة 2007 إلى الأن.

             جدول رقم 3:   تطور مداخيل الجماعة الحضرية لوزان


مجموع المداخيل بالدرهم ضريبة المباني ضرائب السوق أملاك الجماعة السنة
1.230.309.09 د 350.025.00 د 297.345.00 د 582.939.09 د 2007
1.218.738.85 د 220.598.83 د 414.175.00 د 583.965.02 د 2008
1.991.433.26 د 200.067.70 د 484.090.00 د 1.307.275.56 د 2009
2.097.009.17 د 131.285.86 د 773.481.00 د 1.192.242.31 د 2010
           المصدر: قسم وكالة المداخيل ببلدية مدينة وزان سنة 2011.     

وصلت مداخيل الجماعة سنة 2010 مبلغ 2.097.009 درهما. وتتشكل أساسا من المداخيل التي توفرها أملاك الجماعة بالإضافة إلى ضرائب السوق وضريبة المباني. وقد عرفت تطورا مستمرا حيث تضاعفت أربع مرات مع وجود بعض السنوات التي تراجعت. ويعزى هذا التراجع إلى تقلص ضرائب المباني بسبب المحسوبية والرشوة.

شكل رقم 1
 
 
 



 
وللرفع من مداخيلها، التجأت الجماعة إلى الترخيص بالبناء لأحياء التعمير الذاتي. غير أن هذه العملية لم تأت بالنتائج المنتظرة منها نتيجة تواطئ المشرفين على المراقبة مع سكان هؤلاء الأحياء حيث تمت غالبية أعمال البناء بدون ترخيص، مما جعل ضريبة المباني تتراجع سنة بعد أخرى حيث إنخفضت من 1.063.672 درهم سنة 1992 إلى 131.285 درهم سنة 2010. وأدى ذلك إلى إنخفاض بنية هذه الضريبة من 57٪ إلى 6.26٪ من مجموع المداخيل حيث أصبحت غير مستقرة وغير مضمونة من سنة لأخرى. خصوصا إذا كانت مدينة وزان لا تعرف حركة بناء مهمة حيث لم تسجل سنة 2010 سوى 106 رخصة لبناء مساكن و441 رخصة للترميم
230.
أما على مستوى ضرائب السوق الأسبوعية، فإنها تعرف هي الأخرى عدة تقلبات رغم الإرتفاع الذي سجلته خلال السنوات الأخيرة. إذ ارتفعت من 297.345 درهم سنة 2007 إلى 773.481 درهم سنة 2010 لتمثل 36.88٪ من مجموع المداخيل. إلا أن إنتشار شبكة من الأسواق الصغرى داخل المدينة ومنافسة الأسواق الأسبوعية الموجودة بمنطقة بوادي مدينة وزان كأسواق عين دفالي، حد كورت...، جعل هذه المداخيل غير مضمونة من سنة لأخرى. وعليه فإن ضعف مداخيل الجماعة سيؤثر على منجزاتها.

3-2-2 مصاريف الجماعة:

تتكون هذه المصاريف من نفقات التسيير وأخرى مخصصة للتجهيز. وتعطى الأسبقية للأولى لكونها مصاريف إجبارية. وتستحود على القسط الأوفر من الميزانية حيث وصلت الميزانية العامة سنة 2010 إلى 6.470.582.251 درهم. أما ميزانية التسيير لسنة 2010 فقد وصلت إلى 4.046.962.820 درهم ويصرف، ما يناهز 68.92٪  من هذه المبالغ في تغطية نفقات أعضاء المجلس وأجور الموظفين.
إن المبالغ الكبيرة التي تصرف في التسيير تجعل ميدان التجهيز الذي يتصل مباشرة بالتنمية الحضرية وبمصالح السكان، لا يحظى بمبالغ تلبي الحاجيات السكانية.
وتعرف هذه الأخيرة عدة تقلبات من سنة لأخرى. وهي ترتبط ببعض الأعمال التي يقوم بها المجلس البلدي والمتعلقة أساسا بتجهيز بعض التجزئات السكنية كإكرام والنهضة وكهربة بعض الأزقة. ولتمويل هذه العملية، إلتجأت الجماعة إلى القروض ومساعدات الدولة.
وعلى كل حال، فإن بنية المصاريف تفصح عن مفارقة كبيرة، ففي الوقت الذي ينتظر فيه سكان مدينة وزان بعض الأعمال التي تعود بالتنمية على المدينة، فإننا نجد أن مصاريف التجهيز تتقلص لصالح مصاريف التسيير. وهذا ما يجعل إنجازات الجماعة جد محدودة.

خاتمة:

يعتبر تحضير الميزانية عملية هامة ومعقدة يجب أن تحضى بإجماع جميع المتدخلين في الشأن المحلي. وتبين السياسة المالية المتبعة من طرف المجلس البلدي للجماعة المحلية لوزان قلة الوعي وضعف الإرادة للنجاح في المهمة التي انتدبوا من أجلها. وذلك راجع لمجموعة من الإكراهات المتعلقة بتحضير الميزانية الجماعية ونجملها فيما يلي:


  • الإكراهات المتعلقة بالنظام القانوني العام:
 
  • المقتضيات القانونية والتنظيمية،
  • طبيعة نفقات التسيير وصعوبة إمكانية التخفيف من مستواها،
  •  
  • الإكراهات المتعلقة بضعف الوسائل المتاحة:
  •  
  • الموارد البشرية،
  • الوسائل المادية،
  • الموارد المالية.
             
الهوامش

 
220 - كانت بعض القبائل الكبيرة تنقسم إلى أفخاد Fraction ودواوير Douars لكل منها مجلس جماعي. د. أرسلان أنور "التنظيم الجماعي الجديد"، مطبوعات دار الثقافة 1977 ص: 40. 
221 - الجريدة الرسمية دستور 14 رجب 1432 (17 يونيو2011)، ص: 2963.
222 - شقير (محمد): "خصائص الحملات الإنتخابية بالمغرب"، المجلة المغربية لعلم الإجتماع السياسي، عدد 15-16 مارس-يونيو 1993، ص:57-68.
223 - د. المستف صالح "التطور الإداري في أفق الجهوية بالمغرب، من المركزية إلى اللامركزية"، منشورات جامعة الحسن الثاني كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية، الدارالبيضاء مطبعة فضالة سنة 2006، ص: 101.
224 -  د. المستف صالح "التطور الإداري في أفق الجهوية بالمغرب، من المركزية إلى اللامركزية"، مرجع سابق ص: 110.
225- الرغاوي عبد الكامل "من الوصاية إلى التعايش"، عرض بالمناظرة الوطنية الأولى للجماعات المحلية، منشورات المديرية العامة للجماعات المحلية بوزارة الداخلية قسم المالية المحلية، ص: 248.
226 - د. صدوق عبدالعزيز "تقنيات تهيء ميزانية الجماعات المحلية"، تدبير الشان المحلي، أشغال الندوات المنظمة خلال سنة 2005، منشورات المديرية العامة للجماعات المحلية، مطبعة النجاح الدارالبيضاء، سنة 2006، ص:57. 
227 - الظهير رقم 584 - 76 - 1 بتاريخ 5 شوال 1306 (30 غشت 1978) بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم المالي للجماعات المحلية - ج.ر: عدد 3335 م فاتح أكتوبر 1976.
228 - د تاكريت الحسن "الجماعات المحلية ميزانيتها ونظامها الجبائي"، المناظة الوطنية الأولى حول الجماعات المحلية، منشورات مديرية الجماعات المحلية بوزارة الداخلية قسم المالية المحلية، ص: 13.
229 - د. أوحماد امحمد "ممتلكات الجماعات المحلية ، تدبير أملاك الجماعات الحضرية والقروية على ضوء المقتضيات الجديدة للميثاق الجماعي"، تدبير الشان المحلي، أشغال الندوات المنظمة خلال سنة 2005، مرجع سابق، ص:34.  
230 - مصلحة البناء والعمران ببلدية مدينة وزان



الاربعاء 4 ديسمبر 2013

عناوين أخرى
< >

الاربعاء 3 يوليوز 2024 - 21:18 التوقيع الإلكتروني في ضوء القانون 43.20


تعليق جديد
Twitter