لقد شددت مُعظم الخطابات الملكية على اعتماد المقاربة التشاركية في معظم الأوراش الوطنية الكبرى، وهي مقاربة تهدف إلى إشراك جميع المؤسسات والقطاعات العامة والخاصة والقوى الحية.
كما تُرسخ نصوص الدستور المغربي هذا التوجه، انطلاقا من مفهوم الديمقراطية التشاركية وتثبيت دور المجتمع المدني في السياسات والبرامج العمومية، بالإضافة إلى الدور الكبير للأحزاب بالسياسية والنقابات المهنية، ووصولا إلى دور المواطن المغربي في المساهمة الفعالة والإيجابية في بناء مغرب العدالة الاجتماعية والمؤسسات الديمقراطية والكرامة الإنسانية..
الدفع بالمواطن المغربي إلى التفكير والمساهمة في البناء والنقاش الموضوعي هي دعوة إلى تحمل جزء من المسؤولية المشتركة في إطار بناء "عقد اجتماعي جديد"، يهدف أولا وأخيرا إلى تحقيق رفاهية المواطن المغربي والانسجام الاجتماعي ودعم الخيار الديمقراطي والمؤسسات الدستورية...
فلا يختلف اثنان حول أن العقديْن الأخيريْن عرفا تحقيق إنجازات كبيرة على المستوى البناء الديمقراطي والمؤسساتي والحقوقي أو على المستوى الاقتصادي والبنية التحتية...
كما لا يختلف اثنان حول وجود العديد من الاختلالات والمعيقات التي حالت دون استفادة أغلب طبقات المجتمع المغربي من ثمرات هذه الإنجازات، مع وجود فوارق اجتماعية ومجالية كبيرة، وتفشي البطالة والعجز عن توفير فرص العمل للشباب...وغيرها كثير...
لكن وعلى الرغم من كل هذا، فلا يمكن القول إن المغرب لم يخطُ الى الأمام أو لم يتفاعل مع المُتغيرات المجتمعية والثقافية والاقتصادية الجديدة أو لم يتكيف مع المناخات الدولية الجديدة.
وهنا لا بد من استحضار فقرة مهمة ومُعبرة من خطاب ثورة 2019: "وقد عرف المغرب، خلال العقديْن الأخيريْن، نسبة نمو اقتصادي تبعث على التفاؤل، رغم أنه يتم تصنيفه، حسب نفس المؤشرات والمعايير، المعتمدة أيضا بالنسبة للدول التي تتوفر على البترول والغاز"...
فعندما نقرأ تصنيفات المغرب مثلا في مجالات متعددة كالصحة والتعليم أو غيرها... فإن لغة المنطق تقول إنها تكون قراءة موضوعية عندما يتعلق الأمر بمقارنة مع دول تُشبه المغرب في الموارد وفرص الاستثمار والمناخ السياسي، في حين يكون التصنيف بعيدا عن لغة المنطق والواقع عندما يتم حسب نفس المؤشرات والمعايير مع دول لها إمكانات مالية مهمة من عائدات البترول والغاز..
لكن في الوقت نفسه، فإن أهمية الفقرة من الخطاب وعُمقها تُنبهنا إلى "مفهوم المؤشرات والمعايير" والتي تعتمدها كبريات المؤسسات المتخصصة في إصدار تصنيفات عالمية متعددة الملامح.. وهو تنبيه يمتد إلى التصور المقبل للنموذج التنموي الجديد والذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار قوة هذه المؤشرات والمعايير، ويُنبه أيضا إلى علاقتها في بناء صورة إيجابية للمغرب بالخارج لتجعله محل "جذب للاستثمار الدولي"..
وهو ما يُحيلُنا إلى الحديث عن "مؤشرات الجاذبية العالمية" والتي اختلفت التفسيرات والقراءات لمفهومها؛ لكن يبقى أقربها إلى عمق وروح الجاذبية هو تعريفها بأنها "قُدْرة نظام معين على جذب الأفراد ورؤوس الأموال، مُفضلين الإقامة فيها وإنشاء أنشطة منتجة"..
ولا يُمكننا الحديث عن مؤشرات الجاذبية العالمية دون الإشارة إلى آلياتها من مؤسسات وهيئات تُساهم بتقارير دورية أو سنوية في تحديد معالم خريطة العالم وعلى أكثر من مستوى.
وللتوضيح، يكفي أن نذكر مثلا: ترانسبرانسي غلوبال، البنك الدولي، المنتدى الاقتصادي العالمي / دافوس، مؤسسة غالوب، مؤسسة اوكسفام، مجلة فوربيس... هذه فقط عينة من بين العديد من المؤسسات المكلفة بإصدار تقارير تخص ميدانا معينا، يخص الجانب الحقوقي كوضعية السجون والديمقراطية مثلا أو الجانب المقاولاتي أو التنمية الاجتماعية وغيرها؛ وهي مؤسسات تهتم بقياس الرأي العام وتقدم خدمات استطلاعية واستشارية للعديد من المؤسسات والمنظمات الحكومية، وإحصاء الثروات ومراقبة نمو الشركات المالية في العالم، وبعضها الآخر متخصص في إصدار تقارير حول المناخ والبيئة والاحتباس الحراري وتوزيع المواد الغذائية العالمية وكذا المناقصات التجارية العالمية...
وهي تقارير تتضمن قراءات في ترتيب الدول في شكل "تصنيفات عالمية" في ميادين الصحة والأمية والبحث العلمي والتنمية البشرية وقوة المقاولات ولائحة أغنياء العالم ومحاربة الرشوة وغير ذلك...
ومن جانب آخر، فهذه التصنيفات العالمية تساهم في توجيه قرارات الاستثمار والسياسات العمومية، كما تُساهم في تحديد القدرة التنافسية الحقيقية داخل المجال الترابي.. بالمقابل، فالتصنيف العالمي يتأثر بوضعية البلد كالانقلابات مثلا أو الانتخابات أو الانسحاب من التكتلات كالبريكسيت أو الهجرة والنزوح الجماعي كما حدث مؤخرا عبر البحر المتوسط..
إن "المعايير والمؤشرات"، الواردة في خطاب ثورة 2019، هي مفاتيح مهمة لكل عمليات التشخيص الموضوعي والاستشراف الواعد، كما نشير إلى أن أهميتها جعلت العديد من الدول تتبنى فكرة إنشاء لجان وطنية من أجل متابعة التصنيف العالمي والتدخل في "مؤشر الأداء الرئيسي" من أجل تحديد الأولويات، ومراقبة الأرقام والإحصائيات.
ومن هُنا، يمكننا القول إن أهمية آليات ومؤسسات مؤشرات الجاذبية العالمية وخطورتها في التأثير إما سلبا أو ايجابا على صورة أي بلد، وبالتالي على إمكانات جذب الأفراد ورؤوس الأموال وجلب الثروة وفُرص الشغل والتنمية البشرية والاجتماعية والإقلاع الاقتصادي المنشود...
يجب أن تأخذ مساحة كبيرة من التفكير والابتكار في أي تصور للنموذج التنموي الجديد الذي أعلنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس كقرار مصيري للأمة، كما اعتبره عقدا اجتماعيا جديدا، من أجل مغرب متماسك اجتماعيا وبدون فوارق اجتماعية ومغرب العدالة المجالية.
كما تُرسخ نصوص الدستور المغربي هذا التوجه، انطلاقا من مفهوم الديمقراطية التشاركية وتثبيت دور المجتمع المدني في السياسات والبرامج العمومية، بالإضافة إلى الدور الكبير للأحزاب بالسياسية والنقابات المهنية، ووصولا إلى دور المواطن المغربي في المساهمة الفعالة والإيجابية في بناء مغرب العدالة الاجتماعية والمؤسسات الديمقراطية والكرامة الإنسانية..
الدفع بالمواطن المغربي إلى التفكير والمساهمة في البناء والنقاش الموضوعي هي دعوة إلى تحمل جزء من المسؤولية المشتركة في إطار بناء "عقد اجتماعي جديد"، يهدف أولا وأخيرا إلى تحقيق رفاهية المواطن المغربي والانسجام الاجتماعي ودعم الخيار الديمقراطي والمؤسسات الدستورية...
فلا يختلف اثنان حول أن العقديْن الأخيريْن عرفا تحقيق إنجازات كبيرة على المستوى البناء الديمقراطي والمؤسساتي والحقوقي أو على المستوى الاقتصادي والبنية التحتية...
كما لا يختلف اثنان حول وجود العديد من الاختلالات والمعيقات التي حالت دون استفادة أغلب طبقات المجتمع المغربي من ثمرات هذه الإنجازات، مع وجود فوارق اجتماعية ومجالية كبيرة، وتفشي البطالة والعجز عن توفير فرص العمل للشباب...وغيرها كثير...
لكن وعلى الرغم من كل هذا، فلا يمكن القول إن المغرب لم يخطُ الى الأمام أو لم يتفاعل مع المُتغيرات المجتمعية والثقافية والاقتصادية الجديدة أو لم يتكيف مع المناخات الدولية الجديدة.
وهنا لا بد من استحضار فقرة مهمة ومُعبرة من خطاب ثورة 2019: "وقد عرف المغرب، خلال العقديْن الأخيريْن، نسبة نمو اقتصادي تبعث على التفاؤل، رغم أنه يتم تصنيفه، حسب نفس المؤشرات والمعايير، المعتمدة أيضا بالنسبة للدول التي تتوفر على البترول والغاز"...
فعندما نقرأ تصنيفات المغرب مثلا في مجالات متعددة كالصحة والتعليم أو غيرها... فإن لغة المنطق تقول إنها تكون قراءة موضوعية عندما يتعلق الأمر بمقارنة مع دول تُشبه المغرب في الموارد وفرص الاستثمار والمناخ السياسي، في حين يكون التصنيف بعيدا عن لغة المنطق والواقع عندما يتم حسب نفس المؤشرات والمعايير مع دول لها إمكانات مالية مهمة من عائدات البترول والغاز..
لكن في الوقت نفسه، فإن أهمية الفقرة من الخطاب وعُمقها تُنبهنا إلى "مفهوم المؤشرات والمعايير" والتي تعتمدها كبريات المؤسسات المتخصصة في إصدار تصنيفات عالمية متعددة الملامح.. وهو تنبيه يمتد إلى التصور المقبل للنموذج التنموي الجديد والذي يجب أن يأخذ بعين الاعتبار قوة هذه المؤشرات والمعايير، ويُنبه أيضا إلى علاقتها في بناء صورة إيجابية للمغرب بالخارج لتجعله محل "جذب للاستثمار الدولي"..
وهو ما يُحيلُنا إلى الحديث عن "مؤشرات الجاذبية العالمية" والتي اختلفت التفسيرات والقراءات لمفهومها؛ لكن يبقى أقربها إلى عمق وروح الجاذبية هو تعريفها بأنها "قُدْرة نظام معين على جذب الأفراد ورؤوس الأموال، مُفضلين الإقامة فيها وإنشاء أنشطة منتجة"..
ولا يُمكننا الحديث عن مؤشرات الجاذبية العالمية دون الإشارة إلى آلياتها من مؤسسات وهيئات تُساهم بتقارير دورية أو سنوية في تحديد معالم خريطة العالم وعلى أكثر من مستوى.
وللتوضيح، يكفي أن نذكر مثلا: ترانسبرانسي غلوبال، البنك الدولي، المنتدى الاقتصادي العالمي / دافوس، مؤسسة غالوب، مؤسسة اوكسفام، مجلة فوربيس... هذه فقط عينة من بين العديد من المؤسسات المكلفة بإصدار تقارير تخص ميدانا معينا، يخص الجانب الحقوقي كوضعية السجون والديمقراطية مثلا أو الجانب المقاولاتي أو التنمية الاجتماعية وغيرها؛ وهي مؤسسات تهتم بقياس الرأي العام وتقدم خدمات استطلاعية واستشارية للعديد من المؤسسات والمنظمات الحكومية، وإحصاء الثروات ومراقبة نمو الشركات المالية في العالم، وبعضها الآخر متخصص في إصدار تقارير حول المناخ والبيئة والاحتباس الحراري وتوزيع المواد الغذائية العالمية وكذا المناقصات التجارية العالمية...
وهي تقارير تتضمن قراءات في ترتيب الدول في شكل "تصنيفات عالمية" في ميادين الصحة والأمية والبحث العلمي والتنمية البشرية وقوة المقاولات ولائحة أغنياء العالم ومحاربة الرشوة وغير ذلك...
ومن جانب آخر، فهذه التصنيفات العالمية تساهم في توجيه قرارات الاستثمار والسياسات العمومية، كما تُساهم في تحديد القدرة التنافسية الحقيقية داخل المجال الترابي.. بالمقابل، فالتصنيف العالمي يتأثر بوضعية البلد كالانقلابات مثلا أو الانتخابات أو الانسحاب من التكتلات كالبريكسيت أو الهجرة والنزوح الجماعي كما حدث مؤخرا عبر البحر المتوسط..
إن "المعايير والمؤشرات"، الواردة في خطاب ثورة 2019، هي مفاتيح مهمة لكل عمليات التشخيص الموضوعي والاستشراف الواعد، كما نشير إلى أن أهميتها جعلت العديد من الدول تتبنى فكرة إنشاء لجان وطنية من أجل متابعة التصنيف العالمي والتدخل في "مؤشر الأداء الرئيسي" من أجل تحديد الأولويات، ومراقبة الأرقام والإحصائيات.
ومن هُنا، يمكننا القول إن أهمية آليات ومؤسسات مؤشرات الجاذبية العالمية وخطورتها في التأثير إما سلبا أو ايجابا على صورة أي بلد، وبالتالي على إمكانات جذب الأفراد ورؤوس الأموال وجلب الثروة وفُرص الشغل والتنمية البشرية والاجتماعية والإقلاع الاقتصادي المنشود...
يجب أن تأخذ مساحة كبيرة من التفكير والابتكار في أي تصور للنموذج التنموي الجديد الذي أعلنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس كقرار مصيري للأمة، كما اعتبره عقدا اجتماعيا جديدا، من أجل مغرب متماسك اجتماعيا وبدون فوارق اجتماعية ومغرب العدالة المجالية.