MarocDroit  -  موقع العلوم القانونية
plateforme des décideurs juridiques - Platform of Legal Decision-Makers




رد صريح من قاض الى صحافي ــ الجزء الأول

     

بقلم الاستاذ المعطي الجبوجي

مستشار بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة



رد صريح من قاض الى صحافي ــ الجزء الأول
وانا اطالع حوارك الذي اسميته بالصريح بين صحافي وقاضي ـ وما اعتقده كذلك لانك ملت كل الميل الى التحامل على القضاء ورجال القضاء واكتفيت باشارات عابرة وغير معبرة عن الصحافةوالصحافيين ـ ارتأيت ان اشارككما في هذا الحوار لاقول بأنه استوقفتني بعض الفقرات من هذه المقالة التي لم يشكل الحوار فيها الا سطرا او سطرين والباقي كله كيل للقضاة والهيئات القضائية بدليل انك انطلقت بنعت نسبة 90 بالمائة من القضاة بالجهل لمهنة الصحافة وقواعدها الا انك سرعان ما نسيت واشرت الى وجود كثير من الاجتهادات القضائية التي تخدم مصلحة الصحافي .، كما تعاملت في مقالك مع القضاة وكأنهم لعبة في يد السلطة لتصفية الحسابات مع من لا ترضى الدولة عن أقلامهم بحيث يبحث القضاة في احكامهم عن كيفية ارضائها ولو على حساب القانون وقواعد المهنة.وما يدل على ان الصحافي لا يعرف الشيء الكثير عن عمل القاضي وليس العكس هو وصفك وتقييمك للعلاقة بين الصحافي والقاضي باللعبة عندما دعوت لمحاولة بناء جسور للحوار والتفاهم على قواعد اللعب النظيف وطبق القانون، فاذا كان الصحافي يصنف عمله وينظر اليه من زاوية اللعبة فان القاضي ليس رجل سياسة وليس طرفا في اية معركة ولا يلزمه ان يكون كذلك بل هو طرف محايد وبالتالي فلا يشارك في اية لعبة وينظر الى عمله من باب الامانة الملقاة على عاتقه، امانة دينية ودنيوية، أمانة التحكم في مصائر الناس وحرياتهم، امانة حماية ارواحهم وممتلكاتهم وبالتالي فالقاضي لا يلقي الاحكام جزافا كما يلقى الكلام في جرائد الرصيف والجرائد الصفراء .

أخي بوعشرين ان كثيرا من صيحات الاحتجاج لا تنبع من سوء تطبيق القانون ولكن كثيراً من المنتقدين ينطلقون في هذا الانتقاد إما من منطلقات شخصية،
ومصالح فردية، أو قناعات فكرية إيديولوجية، أو ثقافة اجتماعية غير قانونية.


واذا كانت الصحافة الشريفة تعتبر بين المناضلين عن مبدأ استقلال القضاء ومبدأ البراءة هي الاصل، فان الحاصل على المستوى العملي ارتباطا بهذين المبدأين انها تنهى عن شيء وتأتي مثله وتخالف الى ما تنهى عنه . ذلك انه بتصفح اية جريدة من الجرائد تطالعك اخبار اناس يحاكمون اعلاميا مع ان القضاء لم يقل كلمته فيهم بعد . بينما تجد الإعلام قد نصب فيها محكمته وبدأ يشكك فى القضية من خلال انتقاد الابحاث المجراة في القضية من طرف الضابطة القضائية او قضاء التحقيق سواء لفائدة المتهم او ضده او التشهير به او بالضحية بسبب مكانته الاجتماعية او السياسية او الوظيفية بتناول حياته الخاصة او نشاطاته السياسية او المهنية التي لها علاقة بموضوع المتابعة. كما ان الامر يمتد احيانا الى اصدار احكام مسبقة بالادانة او البراءة ، قبل أن تخرج القضية من جهات التحقيق وقبل ان يقول القضاء المختص كلمته الفصل في هذا الشأن .، وهو ما يتجاوز دور وسائل الإعلام، فى نقل وقائع المحاكمة للرأى العام، إلى التدخل فى سير العدالة.، وهذه الحالة مجانبة للمهنية والحيادية التي على وسائل الاعلام ان تتصف بها. بل الاكثر من ذلك انه يوقع الرأي العام فى حيرة شديدة، بعد أن يصدر حكم القضاء فى اتجاه آخر، بعيدا عن الاتجاه الذى شحن الإعلام اتجاهات الرأى العام فيه. 

ولعل هذه مناسبة تقودني الى الى الحديث عن موضوع التعليق على الأحكام القضائية والحدود والقيود التي تحكمه.  فالاصل ان التعليق على احكام القضاء ليس رجسا من عمل الشيطان واحكام القضاء ليست تنزيلا الهيا، فهي من وضع البشر وكل ما هو بشري فهو ناقص مهما اكتمل وبالتالي يمكن الحديث عنه والتعليق عليه لكن بشروط اجملها فيما يلي :


الشرط الاول : 

. التعليق على الاحكام لايصح الا بعد ان يصبح الحكم باتا أي مكتسبا لقوة الشيء المقضي به.، ذلك ان الأحكام القضائية بإعتبارها عملاً إنسانياً فهي تحتمل الخطأ والصواب وتصويبها يكون من خلال الطعن فيها بطرق الطعن المقررة قانونا، والمشرع نفسه قد حرص على تصويب ما قد يقع من أخطاء في الأحكام القضائية بأن جعل التقاضي على ثلاث درجات ابتدائي واستئنافي ونقض.، بعدها يصبح عنوان الحقيقة ملزم للجميع وواجب التنفيذ.، وبالتالي قابل للتعليق عليه وفق المعايير الموالية. 

الشرط الثاني : 

ـ انه يجب على المعلق ان يكون من ذوي الاختصاص او على الاقل من ذوي المعرفة الجيدة للقانون لفهم ميكانيزمات واليات ادارة الدعوى القضائية.

الشرط الثالث : 

ـ التعليق على احكام القضاء يجب ان يكون على الحكم وليس على الهيئة القضائية التي اصدرته لا بالمدح ولا بالذم . 

الشرط الرابع : 

ـ أن يستند في التعليق على وقائع ملف القضية واسانيده دون اعتماد الوقائع والاحداث الخارجة عنه.،وهنا يجب التوضيح ان أي ملف معروض على القضاء تتقاسمه حقيقتان ، حقيقة واقعية وحقيقة قضائية .، فالحقيقة الواقعية هي الصورة الحقيقية للحدث على ارض الواقع بزمانه ومكانه واشخاصه وظروفه . اما الحقيقة القضائية: فهي الصورة التي وصلت بها هذه الحقيقة الواقعية الى المحكمة وترجمت في شكل محاضر ضبط واستماع وتفتيش . وقد تكون الحقيقة الواقعية ملء السمع والبصر، لكنها لا تصبح حقيقة قضائية الا اذا استطيع اثباتها بالطرق التي حددها المشرع ،والفجوة بين الحقيقة الواقعية والحقيقة القضائية قد تتسع وقد قد تضيف بحسب دور الاطراف وعمل الضابطة القضائية ودور الدفاع والشهود الصادقين منهم وشهود الزور. تنضاف الى هذا حقيقة اخرى وهي الحقيقة الاعلامية أي الحقيقة كما فهمها الصحفي وكما ينقلها الى قرائه مغلفة باسلوب الاثارة والتشويق ، و التي قد تصير مع مرور الوقت متناقضة بين وسيلة اعلام واخرى من خلال . الاختلاف في فهم تلك الوقائع حيث يكون البعض قناعات مختلفة عن البعض الاخر من حيث الاسباب والدوافع .
وسط هذه الحقائق لا يعتمد القاضي الا ما توفر لديه في ملف القضية من ادلة واسانيد ولا يمكنه ان يعتمد الادلة التي تعرضها الصحافة او يعتقدها الصحافي صحيحة لان ضوابط الاعتماد على الادلة معتمدة قانونا كما لا يمكن اعتماد وجهات النظر والاراء التي تقوم الصحافة بالتركيز عليها واعتمادها في القضايا المطروحة للمناقشة والتحليل لانها تعتبر خارج نطاق القضية التي تتحدد بادلتها واسانيدها دون الاعتماد حتى على المعلومات التي توفرت للقاضي بعلمه الشخصي لان القانون لا يعتمد ذلك.

ومن تم قد تتعارض الحقيقة القضائية مع الحقيقة الواقعيـة .، بحيث تجد الطرف الذي خسر الخصومة يعتبر ذلك جورا وطغيانا ويشكك في نزاهة الجهة التي اصدرته، مع ان المختصين يجزمون بان المسطرة قد احترمت وان القانون قد طبق بصرامة على النازلة . 

وهنا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحدد لنا المسار في اطار العلاقة بين الحقيقة الواقعية والحقيقة القضائية :

في الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أم سلمة عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : انكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ان يكون ألحن بحجته من بعض فاقضي له على نحو ما اسمع فمن قطعت له من حق اخيه شيئا فلا يأخذه فانما اقطع له قطعة من نار ـ في رواية ـ ليحملها او يذرها


   .الشرط الخامس

ان يكون التعليق على الحكم من منطلق نشر الثقافة الحقوقية للناس تعميما للمصلحة وحفاظا على استقرار المجتمع.
ان دور الاعلام كمنبر من منابر المجتمع المدني في اداء العدالة ينطلق أولا من اشاعة ثقافة قانونية وقضائية لدى الاعلاميين للرفع من مستوى الاداء الاعلامي القضائي بعيدا عن الاثارة الاعلامية والمتاجرة بهموم الناس ومشاكلهم وذلك بخلق صحافة متخصصة في مجال المحاكمات القضائية .                                                        




للإطلاع على الجزء الثاني من هذا الرد يرجى الولوج عبر هذا الرابط

نص المقال موضوع الرد أعلاه

لا يلتقي الصحافيون والقضاة سوى في المحاكم، حيث يمثل أصحاب الأقلام في قفص الاتهام، ويجلس القضاة في منصات النطق بالأحكام طيلة أطوار المحاكمات، وخاصة الحساسة منها، ولا يكون هناك حوار ولا ثقة ولا انسجام ولا لغة مشتركة بين الطرفين.
القاضي يسأل الصحافي وهو لا يعرف %90 من مهنة الصحافة ولا قواعدها، وحتى عندما يضع أمامه قانون الصحافة يضع إلى جانبه القانون الجنائي، ولا يرى ما يمنع من التجول بين القانونين بدون الإحساس بالحرج.
القاضي يعتبر الصحافي «مدانا» إلى أن يثبت العكس، وأن السلطة التي أمسكته من عنقه وجاءت به إلى المحكمة تعرف ماذا تفعل، وبلا شك فإن هذا الصحافي، في نظر جل القضاة خطر على الأمن القومي وعلى المؤسسات وعلى استقرار البلاد، وإذا كانت التهم الموجهة إليه «ماقبطاش»، والأدلة في صفه، وقانون الصحافة والاجتهادات القضائية والفقه الحديث في مصلحته، فإن إزعاج المخزن وغضبه لا يقدر عليه قاض ولا محكمة ولا قانون، ثم إن سنوات قليلة من السجن النافذ أو موقوف التنفيذ لن تقتل هذا الصحافي، تماماً مثل ملايين من الدراهم كتعويضات تقتطع من جيب المؤسسة الصحافية التي يديرها هذا الصحافي، الذي شق عصا الطاعة وفارق الجماعة، لن تفقره، وبلا شك سيبحث خارج المحكمة كيف يتدبرها، ماذا يظن نفسه هذا الصحافي؟ المعارضون الكبار في الدولة والأحزاب والنقابات وكبار القوم يحسبون كلامهم بالمليمتر، ويضعون أحجارا كبيرة تحت ألسنتهم حتى يقتصدوا في الكلام، ويتحركون فوق البيض ولا يكسرونه، وهذا الصحافي يكتب ويرسم ويتكلم بلا حساب ولا مراعاة للأعراف المرعية والتقاليد الموروثة، وكأنه في سويسرا... هذا هو الوقت المناسب (وقت إصدار الحكم) لكي يرجع إلى رشده، ويضع قدميه على الأرض.
أول أمس أتيحت لنا الفرصة كصحافيين أن نقول هذا الكلام للقضاة خارج المحاكم في ندوة حول القضاء والصحافة، ضمن سلسلة ندوات الحوار الوطني حول إصلاح العدالة. والواقع أن الجلسة كانت مفيدة للطرفين، فيها تحدثنا بصراحة مع السادة القضاة، وقلنا إننا كصحافيين نحب القضاة عندما يتصرفون كقضاة، اقتباسا لمقولة «أندري مالرو»، المفكر الفرنسي ووزير الثقافة على عهد دوغول، الذي قال: «أحب الفرنسيين فقط عندما يتصرفون كفرنسيين».
وقلنا للسادة القضاة إننا لسنا فوق القانون، وبيننا من لا يحترم قواعد المهنة وأخلاقياتها، ومنا من يخطئ بحسن نية، ومنا من لا مشكلة له مع المواطن، لكن مشكلته مع السلطة التي لا تريد للصحافي أن يتصرف كصحافي، لكننا، في الوقت نفسه، لا يمكن أن نقبل بأن يتحول القاضي إلى أداة في يد السلطة لتصفية الحسابات مع من لا ترضى الدولة عن أقلامهم، وأن القاضي يجب أن يكون حكما لا سيفا في كتيبة السلطة يقطع الرؤوس التي حان قطافها، وأن خروج القضاة عن قانون الصحافة، على علاته، والذهاب إلى القانون الجنائي لتشديد العقوبات على الصحافيين بدعة ومنكر، ودليل على أن القاضي لا يتصرف كقاض.
هذا الكلام وغيره لم يعجب السيد وكيل الملك بآسفي، مصطفى اليرتاوي، وهو واحد من القضاة المنفتحين نسبيا ومن القلائل الذين يفهمون في عالم الصحافة. لم يرقه أن أقول له إن مداخلته في الندوة لم تخرج عن وظيفة توجيه الاتهام إلى الصحافة، ووضع مكبر على أعطابها عوض الكلام عن إصلاح العدالة في قضايا الصحافة، وهذا هو موضوع الندوة، وإننا هنا لمحاولة بناء جسور للحوار والتفاهم على قواعد اللعب النظيف وطبق القانون، وليس لتنظيم حفلة لجلد الصحافة ووضعها كلها في سلة واحدة، فرد علي بحدة قائلا: «إن هذه ديكتاتورية فرض الرأي الواحد، وإن اتهام القضاة بتلقي تعليمات من جهات أخرى افتراء، وإن القضاة أقسموا على الوفاء لضمير العدالة قبل أن يشرعوا في عملهم».
فرددت عليه بالقول: «إذا كان جميع القضاة يبرون بقسمهم، فلماذا نحن هنا؟ وما الحاجة إلى كل هذه الحوارات حول إصلاح العدالة؟ لماذا أصبح الجميع يحاضر في فساد القضاء ببلادنا بمن فيهم سفير الاتحاد الأوربي في المغرب؟ هناك مشكلة في هذا القضاء يا سيدي، ونحن لا مشكلة لنا مع القانون، من أخطأ يؤدي الثمن، لكن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، والصحافيون مواطنون وليسوا مارقين ودمهم حلال على الجميع.
لقد منعت الجريدة التي كنت أديرها (أخبار اليوم) بدون حكم قضائي، ولم يستطع أحد في المملكة تطبيق القانون، ومنع زوار المطبعة من مد أيديهم إلى الجريدة ومصادرتها والحكم على صاحبها بأربع سنوات حبسا.
لقد شمعوا مقر الشركة التي كانت تصدرها، ولم يستطع الوكيل العام للملك في الدار البيضاء أن يقنع الشرطة بأن في البلاد قانونا ودولة للحق، وأن لا حكم على مصادرة أرشيف المؤسسة ومكاتبها، وكم كان جواب وزير العدل آنذاك، الاتحادي عبد الواحد الراضي، معبرا عندما اتصلت به لأشتكي إليه الظلم الواقع علي من خرق القانون فقال لي: لا حول ولا قوة إلا بالله»...
لم أكن أريد أن أصفي حسابا مع قضاة أساؤوا إلي بأحكام جائرة، وكانوا حاضرين في هذه الندوة دون أن ينبسوا ببنت شفة، لأننا لسنا أمام محكمة بل في ندوة حوار، فهل أنا ديكتاتوري عندما أقدم شهادة عن قضاة لا يتصرفون كقضاة؟ وحتى لا نعمم، فإن وسط القضاة قضاة يكتبون أحكامهم من دواة ضمائرهم وليس من مداد السلطة، ووسط القضاة قضاة يبتعدون عن القضايا الحساسة لأنهم لا يقدرون على مواجهة السلطة، وهناك قضاة يخافون الله ولا يخافون البشر.

توفيق بوعشرين



الاربعاء 13 مارس 2013
MarocDroit منصة مغرب القانون "الأصلية"

تعليق جديد
Twitter