إن القانون والقضاء الإداريين يعترفان للإدارة بســلطة تقديريه في مباشره معظم اختصاصاتها ومسئوليتها القانونية ، باعتبارها جهاز يعمل في إطار الشرعية وغايته الحفاظ عـلي المصلحة العامة, خاصة بعد تنامي الـدور الذي أصبحت تضطلع به في الوقت الراهن, نتيجة تشعب وتداخل مجالات ومسئوليات الدولة الحديثة في ظل حراك عميق يعرفه المجتمع الدولي عامة والعربي خاصة نحو تكريس دولة القانون
وموازاة مع السلطة التقديرية التي منحها المشرع للإدارة في اتخاذ القرارات فقد أعطاها الحق في سحبها إذا كانت غـير مشروعة أو معدومة قانونا أو كانت قرارات غـير ملائمة ابتغاء للصالح العام وحسن سير المرافق العامـة, ولعل غايته في ذلك التخفيف على القضاء الإداري, في إطار ما يعرف بالحكامة الجيدة في تدبير المنازعات من خلال إقرار الإدارة بمسؤوليتها وتراجعها عن بعض أفعلها غير المشروعة قبل ترتيب آثار قانونية والمساس بالمراكز الاجتماعية
وإذا كان الحق في طلب نشر الأحكام يندرج في إطار الفصل 27 من الدستور دعما للرقابة الشعبية على العمل القضاء فإن الحق في التعليق عليها يندرج في إطار هذه الرقابة التي تبقى وجهة نظر باحث قد يكن له الأجران عليها إن أصاب والأجر إن أخطأ
وفي هذا السياق ارتأينا التعليق علىالحكم رقم 2604 الصادر بتاريخ 11/07/2013 في الملف عدد 193/5/2013 عن المحكمة الادارية بالرباط المنشور بموقع العلوم القانونية والقاضي في منطوقه في الشكل:بقبول الطلب، وفي الموضوع: بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك من أثار قانونية
أولا نص الحكم موضوع التعليق
الوقائع
بناء على المقال الافتتاحي للدعوى المقدم من طرف المدعية بواسطة نائبها لدى كتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 18/4/2013، المعفى من أداء الرسوم القضائية والذي يلتمسون فيه الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر عن وزير الاقتصاد والمالية بتاريخ 13-3-2013 والقاضي بنسخ القرار الصادر بتاريخ 26-9-2008 ،والذي أذن للدولة بأن تبيع لها بالتراضي القطعتين الأرضيتين الكائنتين بمركز جماعة أيت سيبرن وادي بهت إقليم الخميسات والبالغة مساحته الأولى 5هكتارات و32 آر و 20 س .والثانية :49 آر و90 يستخرجان من الملك موضوع الرسم العقاري 8042-ر والمسجل تحت رقم 59 بكناش محتويات – أملاك الدولة بهذا الإقليم.
-والحكم تبعا لذلك بإلزام مديرية أملاك الدولة بتنفيذ القرار الإداري الصادر عن السيد وزير الاقتصاد والمالية بتاريخ 25-3-08 والقاضي ببيع القطعتين لها مع ما تقتضيه ذلك من تنفيذ الحكم وإبرام عقد البيع مع النفاذ المعجل والصائر،وأرفق المقال بمذكرة إدلائية.
وبناء على المذكرة الجوابية المقدمة من طرف الدولة الملك الخاص والمودعة بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 20-5-2013والتي تلتمس فيها الحكم بعدم قبول الطعن لخرق الفصل 1 من ق.م.م،والمادة 48 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي ،والمادة 21 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية لعدم الإدلاء بالمقرر المطعون فيه .
وبناء على المذكرة الجوابية المقدمة من طرف الوكيل القضائي للمملكة والمودعة بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 3-6— 2013أثناء المداولة - والتي تلتمس فيها الحكم بعدم قبول الطعن لخرق المادة 48 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي ،ورفضه موضوعا لعدم أداء ثمن البيع ،وأيلولة العقار لفائدة مالكيه طبقا لظهير 2 مارس 1973تبعا للتسوية الصادرة عن اللجنة الوزارية المشتركة،فضلا عن عدم جواز توجيه أوامر للإدارة.
وبناء على عرض القضية بجلسة 27-6-2013،تخلف خلالها الطرفين رغم التوصل ،فاعتبرت المحكمة القضية جاهزة وأعطيت الكلمة للسيد المفوض الملكي الذي أكد مستنتجاته الكتابية فتقرر وضع القضية في المداولة قصد النطق بالحكم الآتي بعده.
وبعد المداولة طبقا للقانون
أولا :حول الشكل
1-حول عدم الإدلاء بالمقرر المطعون فيه
حيث إن هذا الدفع جاء خلاف الواقع لإدلاء الجماعة المدعية ضمن مذكرتها الإدلائية المودعة بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 15-5-2013بكل من المقرر المطعون فيه ومقرر النسخ،مما يتعين رده.
2- حول خرق المادة 48 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي
حيث لئن كان الدفع بخرق المادة 48 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي المتعلقة برفع الدعوى من طرف رئيس المجلس الجماعي بمقرر مطابق للمجلس يهم الغير أي المجلس الجماعي،لانتفاء مصلحة المدعى عليها في التمسك بها ،فإنها في جميع الأحوال منحت رئيس المجلس حق رفع جميع الدعاوى المتعلقة بالحيازة أو من يقوم مقامها والدفاع عنها ،مما يكون معه الدفع غير مؤسس ،في غياب ما يثبت اعتراض المجلس على إقامتها، لاسيما وأن دعوى الإلغاء تعتبر دعوى من صميم النظام العام ،تكتسي صبغة دستورية تهدف إلى حماية الشرعية،بحيث لا تقبل إقامة أي عوائق أو عقبات مادية أو قانونية تعيقها لكون القضاء هو الحامي الطبيعي والحارس الأمين للحقوق والحريات ،فيكون حليفه الرد.
وحيث بذلك يكون الطعن قد قدم وفق الشروط المتطلبة قانونا مما يتعين معه قبوله شكلا.
ثانيا:حول الموضوع
حيث يهدف الطلب إلى الحكم بإلغاء القرار الإداري الصادر عن وزير الاقتصاد والمالية بتاريخ 13-3-2013 والقاضي بنسخ القرار الصادر بتاريخ 26-9-2008 ،والذي أذن للدولة بأن تبيع لها بالتراضي القطعتين الأرضيتين الكائنتين بمركز جماعة أيت سيبرن وادي بهت إقليم الخميسات والبالغة مساحته الأولى 5هكتارات و32 آر و 20 س .والثانية :49 آر و90 يستخرجان من الملك موضوع الرسم العقاري 8042-ر والمسجل تحت رقم 59 بكناش محتويات –أملاك الدولة بهذا الإقليم.
-والحكم تبعا لذلك بإلزام مديرية أملاك الدولة بتنفيذ القرار الإداري الصادر عن السيد وزير الاقتصاد والمالية بتاريخ 25-3-08 والقاضي ببيع القطعتين لها مع ما تقتضيه ذلك من تنفيذ الحكم وإبرام عقد البيع مع النفاذ المعجل والصائر
حيث دفعت الجهة المدعى عليها بعدم قبول الطعن لخرق الفصل 1 من ق.م.م،والمادة 48 من القانون 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي ،والمادة 21 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية لعدم الإدلاء بالمقرر المطعون فيه .
-حول مشروعية المقرر المطعون فيه
حيث أسس الطلب على مخالفة المقرر المطعون فيه المتعلق بنسخ قرار الإذن بتفويت العقارين للقانون ،لعدم مشروعية النسخ أو السحب .
حيث إن الثابت من قرار وزير الاقتصاد والمالية المطعون فيه الصادر بتاريخ 13-3-2013 والقاضي بنسخ قرار الإذن بتفويت العقارين الصادر بتاريخ 26-9-2008 للجماعة المدعية استناده إلى سببين أولاهما من جهة أنهما يشكلان جزءا من عقار سبق أن أصدرت في شأنه اللجنة الوزارية المشتركة قرارا بالتسوية لفائدة مالكيها طبقا لظهير 2 مارس 1973 ،ومن جهة ثانية أن الجماعة لم تقم بأداء ثمن البيع رغم الرسائل الموجهة إليهم في الموضوع.
-حول أسانيد نسخ أو سحب القرار المطعون فيه
1-حول السبب الجوهري المتعلق بأيلولة العقار لفائدة مالكيه طبقا لظهير 2 مارس 1973تبعا للتسوية الصادرة عن اللجنة الوزارية المشتركة.
وحيث إن الثابت من وثائق الملف عدم صحة هذا السبب لكون الرسم العقاري المدلى به لازال مسجلا باسم الدولة الملك الخاص ،ولم تدل هذه الأخيرة بأي وسيلة إثبات تناقض ذلك ،فضلا عن أنه في جميع الأحول فإن تفويت العقار للجماعة لا يخول إلا الحق في التعويض لفائدة الأشخاص المخاطبين بالتسوية المفترضة،مما يكون معه هذا السبب غير مؤسس.
2-حول السبب الفرعي المتعلق بعدم أداء الجماعة ثمن البيع رغم الرسائل الموجهة إليهم في الموضوع.
وحيث إن الإدارة لم تدل بأي بدليل إثبات يفيد مطالبة الجماعة المدعية بتحرير عقد البيع استنادا للقرار وإلى بنود دفتر الشروط الإدارية طبقا للمادة الثالثة من قرار الإذن بالتفويت الصادر بتاريخ 25-9-2008، وما يفيد امتناعها عن إتمام التفويت،لأن المطالبة بالثمن لوحدها لا تكفي ،في غياب الدعوة لإبرام العقد انسجاما مع صراحة المادة الثالثة المذكورة،لاسيما وأنه ارتبط بما أسمته الإدارة إعداد الملف التقني بفصل القطعتين ليتسنى تفعيل العملية العقارية،فضلا عن أنه يبقى للإدارة الحق في جميع الأحوال إصدار أمر بتحصيل الدين العمومي لاستخلاص مقابل التفويت مما يكون هذا السبب هو الآخر غير مؤسس.
2- حول مشروعية النسخ أو السحب للقرار الإداري
وحيث إن سحب الإدارة الدولة الملك الخاص للقرار القاضي بالإذن بالتفويت بعد أكثر من خمس سنوات من صدوره رغم تسليم العقار للجماعة المدعية والبدء في تنفيذ مشروع التجزئة عليه يعد سحبا غير مشروع لكون الأسباب المثاره قامت على سبب مخالف للواقع وفق ما تم بيانه،ومن جهة أخرى ،فإن الثابت فقها وقضاء أن القرارات الإدارية التي تولد حقا أو مركزا شخصيا للمخاطبين بها كانوا أشخاص ذاتيين أو معنويين ،من أشخاص القانون العام أو الخاص لا يجوز سحبها في أي وقت متى صدرت سليمة -كما هو الشأن بالنسبة للقرار الإداري المطعون فيه - استجابة لدواعي المصلحـة العامـة التي تقضي استقرار تلك القرارات، الأمر الذي يبقى معه القرار المطعون فيه الذي خالف القاعدة المذكورة، مشوبا بالتجاوز في استعمال السلطة ومآله الإلغاء مع ما يترتب على ذلك من آثار قانونية .
المنطوق
وتطبيقا لمقتضيات الفصول 110و117 و 118 من الدستور المغربي الجديد ومقتضيات القانون رقم 90-41 المحدث للمحاكم الإداريةّ.
لهذه الأسباب
حكمت المحكمة الإدارية علنيا ابتدائيا وحضوريا :
في الشكل: بقبول الطلب
وفي الموضوع:بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب عن ذلك من آثار قانونية .
ثانيا: بيان أوجه التعليق .
الفقرة الأولى :خرق قواعد الاختصاص النوعي :
إن موضوع الدعوى ينصب حول نزاع ناتج عن عدول الدولة عن عملية تفويتعقار مسجل باسمها والذي اعتبرته المدعية بالقرار غير المشروع
إلا أنه من المعلوم أن تفويت أملاك الدولة يدخل في صلب الأعمال المدنية وليس الأعمال الإدارية التي تنتهي بعقود إدارية ذلك أن الأعمال والعقود الإدارية هي تلك الاتفاقات التي تبرم بين الإدارة كسلطة عامة قائمة على تحقيق المصلحة العامة وبين الأفراد أو الشركات الخاصة من أجل إنجاز مشروع معين يحقق المنفعة العامة بشكل مباشر، مثل إدارة أحد المرافق العامة أو توريد مصلحة أو خدمة معنية أو إقراض الأموال مع تضمين الاتفاق شروط وقواعد تفيد العمل المطلوب..(كتاب القانون الإداري ،دراسة مقارنة للدكتورة مليكة الصروخ،نشر وتوزيع الشركة المغربية لتوزيع الكتاب ص: 480 وما بعدها)
لذلك يتطلب العمل أو العقد الإداري توفر ثلاثة شروط وهي :
- أن يكون أحد طرفيه شخصا عاما
- أن يتطلب تسيير مرفق عام أو تحقيق المنقعة العامة
- أن يلجأ الشخص العام لاستعمال وسائل القانون العام في العقد
ذلك أنه بالرجوع للمادة 8 من القانون رقم 90.41 المحدث للمحاكم الإدارية نجد أنها لا تتضمن أي مقتضى يشير إلى اختصاص المحاكم الإدارية في هذا النوع من النزاعات .
كما أن نفس المحكمة الإدارية قد بتت في هذه النقطة من خلال الحكم عدد 1163 بتاريخ 5/7/2005 في الملف عدد 186/03غ) الذي جاء ضمن تعليله ما يلي:
"وحيث إنه بالرجوع إلى القرار المطعون فيه ،يتضح أنه ولئن كان صادرا عن شخص معنوي عام ممثل في وزير المالية، إلا أن موضوعه ينصب حول السماح بالتصرف في إحدى الأملاك الخاصة التابعة لإدارة الأملاك المخزنية في إطار التصرفات العادية التي يجريها الأشخاص الخاصة وتنطبق عليها قواعد القانون الخاص ،ولا يدخل في إطار الإجراءات المتخذة بشأن تدبير مرفق عمومي وتبرز فيه امتيازات السلطة العامة ،الأمر الذي يجعله خارج نطاق الطعن فيه بدعوى الإلغاء بإعمال المعيار الموضوعي في تحديد مفهوم القرار الإداري ويتعين بالتالي الحكم بعدم قبول هذا الطلب لهذه العلة ."غير منشور
الشئ الذي سار عليه القضاء المغربي في العديد من المناسبات ومن ذلك القرار عدد 486 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 23/5/2007 في الملف عدد 160/4/1/2007 .غ.م
وبالرجوع للمادة 12 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، نجدها تنص على ما يلي:
" تعتبر القواعد المتعلقة بالاختصاص النوعي من قبيل النظام العام، و للأطراف أن يدفعوا بعدم الاختصاص النوعي في جميع مراحل إجراءات الدعوى، و على الجهة القضائية المعروضة عليها القضية أن تثيره تلقائيا"
هذا التوجه قد تبنته محكمة النقض في قرارها عدد 378 الصادر عن الغرفة الاجتماعية بتاريخ 9/4/2008 في الملف عدد 885/5/1/2007، و الذي جاء فيه:
" الدفع بعدم الاختصاص النوعي يجب البت فيه بحكم مستقل طبقا للمادتين 12و 13 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية و يستأنف أمام المجلس الأعلى أيا كانت الجهة التي أصدرته.
يجوز للمجلس الأعلى أن يثير الدفع بعدم الاختصاص تلقائيا لتعلقه بالنظام العام"[1].
بناء على ما ذكر فإن ما اسمي بالقرار الإداري يبقى مجرد واقعة مادية وعمل يدخل في صلب العمل المدني، وكذا موضوع الدعوى ينصب في جوهره على إتمام إجراءات البيع فإنه يخرج عن اختصاص القضاء الإداري الشيء الذي يمكن إثارته في أي مرحلة من مراحل الدعوى وحتى أمام محكمة النقض لتعلقه بالنظام العام ، الأمر الذي كان على المحكمة في وجهة نظرنا ان تثيره تلقائيا
الفقرة الثانية :في شأن قبول الحكم موضوع التعليق للدعوى
خرق القانون بالنسبة لقبول الدعوى
لقد قبل الحكم المستأنف الدعوى، مع رد دفوع المدعى عليها في هذا الشأن ، إلا ان قبول تلك الدعوى تعتريه بعض الاختلالات القانونية للاعتبارات التالية:
1/ لإمكانية اللجوء للدعوى الموزاية
إن القرار موضوع الطعن بالإلغاء هو قرار إداري(إن سلمنا بكونه قرار إداري) فإن من آثار إلغائه هو إتمام إجراءات
البيع مع جماعة آيت سيبرن، الشئ الذي يدخل في إطار القضاء الشامل بمفهومه الواسع(قضاء الموضوع سواء الإداري أو المدني)
ومن هنا لابد من التذكير بمقتضيات المادة 23 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية التي تنص على أن :
"لا يقبل الطلب الهادف إلى إلغاء قرارات إدارية إذا كان في وسع المعنيين بالأمر أن يطالبوا بما يدعونه من حقوق بطريق الطعن العادي أمام القضاء الشامل".
وبالتاليفإن الدعوى المذكورة أعلاه هي دعوى قضاء شامل الهدف منها هو إتمام إجراءات البيع بخصوص القطعة موضوع النزاع ، وهذه النتيجة هي نفسها التي يمكن تحقيقها من خلال دعوى الإلغاءالشئ الذي كان يتعين معه الحكم بعدم قبول الدعوى.
2: بخصوص خرق الفصل 48 من الميثاق الجماعي
لقد تم الدفع خلال المرحلة الابتدائية أن الدعوى المقدمة من الجماعة المعنيةتخالف مقتضيات الفصل 48 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي الذي ينص على أنه:
" يمثل الرئيس الجماعة لدى المحاكم...ولا يجوز له أن يقيم دعوى قضائية إلا بمقرر مطابق للمجلس...".
وجوابا من المحكمة الإدارية على هذا الدفع استندت على التعليل التالي:
" .... في غياب ما يثبت اعتراض المجلس على إقامتها ،لاسيما وان دعوى الإلغاء تعتبر دعوى من صميم النظام العام وتكتسي صبغة دستورية وتهدف إلى حماية الشرعية بحيث لا تقبل إقامة أي عوائق أو عقبات مادية أو قانونية تعيقها لكون القضاء هو الحامي الطبيعي والحارس الأمين للحقوق والحريات "
فمن خلال هذا التعليل يظهر أن المحكمة قد أعطت للشرعية مفهوما واسعا يتجاوز حتى القاعدة القانونية التي وردت بصيغة الأمر " لا يجوز له أن يقيم دعوى قضائية"
ومن القواعد الأساسية للقانون أنه لا اجتهاد مع وجود نص، وبالتالي لا يمكن أن نظفي الشرعية على الدعوى بتزكية ضمنية لأعضاء المجلس كما أسمته المحكمة "في غياب اعتراضهم " ، ذلك أن النص واضح في ضرورة وجود مقرر صريح للمجلس وليس مجرد قرار فردي لرئيس المجلس وإلا أصبحت الفوضى في تسيير الجماعات الترابية مع ضرب أحد الاسس القوية للديموقراطة وهو التصويت في اتخاذ القرارات هذا من جهة
ومن جهة أخرى فإن كان القضاء هو الحامي الطبيعي للحقوق والحريات، فإن القضاء أيضا هو الحامي لمبدأ الأمنين القانوني والقضائي، فتجاوز القواعد القانونية تحت مطية الشرعية الواسعة يشكل مساسا خطير بالأمن القانوني لتفسير نص لا يحتمل التفسير وتحميله ما لا يطيق بشكل قد يزعزع ثقة المواطن بالقاعدة القانونية وبالتالي يخلق نوعا من التضارب في تطبيق القانون مما يفرز تضارب في العمل القضائي ومساسا بأمن هذا الأخير
وغير بعيد عن ملف النزاع نجد أن نفس المحكمة وخلال نفس الفترة (يوينو–يوليوز 2013) قد تشبت بحرفية المادة 48 وطبقتها على الحالة ضمن حكمها رقم 2397 الصادر بتاريخ 27/6/2013 في الملف عدد 400/5/2012 بنفس الهيئة والذي جاء فيه :
لكن حيث إن الثابت من وثائق الملف عدم انضباط الطاعن لمقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 48 من القانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي المتعلقة بمسطرة الوصول ولزوم إدخال المساعد القضائي.... والتي تعد آلية إجرائية جوهرية آمرة وفقا للاجتهاد المستقر عليه لدى الغرفة الإدارية بمحكمة النقض ." حكم منشور بموقع العلوم القانونيةwww.marocdroit.com
واستنادا لهذا التعليل يظهر أن نفس المحكمة قد طبقت النص بحرفيته دون إعمال المبررات المذكورة أعلاه التي جعلتها تستبعد دفع الدولة بخصوص خرق نفس المادة باعتبارها من المواد المنظمة للقواعد الشكلية للتقاضي والتي من المفروض ان يكون مآل خرقها هو عدم القبول دون اجتهاد
وعلى هذا الأساس وطبقا لمقتضيات الفصل 110 من الدستور المغربي فإنه لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون ، الشئ الذي كان يفترض أن يكون معه مآل الدعوى عدم القبول
الفقرة الثانية: في شأن موضوع الحكم :
1/Iبخصوص أسانيد النسخ
لقد اعتبرت المحكمة القرار الذي تم بموجبه العدول عن التفويت غير مشروع لسببين ، أولهما ان خضوع العقار لظهير 2/3/1973 يبقى مردود مادام العقار ما زال في ملكية الدولة، وثانيهما ما أسمته بالفرعي أن عدم أداء الثمن لا يشكل مبرر للعدول عن التفويت ما دام بإمكان الإدارة إصدار أمر بتحصيل الدين العمومي
1/ بخصوص خضوع العقار لمقتضيات ظهير 2 مارس 1973
لقد ورد ضمن الحكم موضوع التعليق كون خضوع العقار لظهير 2 مارس 1973 هو سبب غير صحيح لإلغاء القرار الآذن بالتفويت استنادا لكون العقار المعني بالعدول عن تفويته تملكه الدولة وبالتالي يبقى الأشخاص المخاطبين بالتسوية لهم الحق في التعويض فقط
لكن في وجهة نظرناهذا التعليل غير سليم وعديم الأساس القانوني للاعتبارات التالية:
إنه بالرجوع إلى مجموع النصوص القانونية والدوريات الوزارية (-الرسالة رقم: 4 -904 بتاريخ :21 -09 -1976 .الرسالة رقم: 4 -1470 بتاريخ 20- 09- 1980 .الرسالة رقم :659 بتاريخ 21- 06 -1993 .لرسالة رقم :449 بتاريخ 18- 04 -1994 ) التابعة لظهير 2/3/1973نجد أن الدولة قد استرجعت العقارات الفلاحية أو القابلة للفلاحة الموجودة كلا أو بعضا خارج المدار الحضري المملوكة للأجانب
كما أنه بالموزاة مع عملية الاسترجاع وحفاظا على حقوق المواطنين وخاصة أولئك اللذين لم يقوموا بتقييد عقودهم بالسجلات العقارية ،عملت الدولة على إرجاعها لأصحابها بثمن رمزي في حال توفرهم على الوثائق الضرورية في هذا الشأن ، اعتبارا لكون الدولة كانت مجرد مالك ظاهر للعقارات المسترجعة وبالتالي لا يمكن مواجهة ذوي الحقوق بأثر التقييد بالسجلات العقارية اعتبارا لأثره النسبي هذا من جهة
ومن جهة أخرى بالإضافة لذلك فإن المحكمة لم تعمل مبدأ الملاءمة في ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة خاصة في الظروف التي اصبحت تشهدها دول العالم العربي ، ذلك ان العقار يرجع لمجموعة من الأشخاص معنين بالتسوية،ولو سايرنا المحكمة في طرحها الرامي إلى إتمام عملية التسوية فأصحاب الأرض هم الأولى لأن أغلب الحالات التي تتم فيها التسوية في إطار ظهير 2/3/1973 تكون سابقة على نشره أي 7/3/1973 ،و بالتالي فطلب الجماعة بشأن التفويت جاء لاحقا على ذلك .
2/ بخصوص إصدار أمر بالتحصيل
لقد أشارت المحكمة إلى انه كان بإمكان الدولة إصدار أمر بتحصيل مقابل التفويت، إلا أن هذا التعليل في نظرنا غير سيلم ذلك أن الأصل في البيع الرضائية وبالتالي لا يمكن إجبار مشتري على أداء الثمن من دون أدائه برضاه فالفصل 19 من قانون الالتزامات والعقود ينص على أنه :
لا يتم الاتفاق إلا بتراضي الطرفين على العناصر الأساسية للالتزام وعلى باقي الشروطالمشروعة الأخرى التي يعتبرهاالطرفان أساسية.
كما أن القضاء الإداري دأب على إلغاء الأمور بالتحصيل الصادرة عن الإدارة بشكل منفرد ومن دون رضى الملزم ،علما أن مجال الدعوى(ثمن العقار) لا يدخل في إطارالديون العمومية للقول بإمكانية ممارسة الإجراءات الجبرية للتحصيل
II بشأن مشروعية النسخ أو السحب
ورد ضمن الحكم أن العدول عن التفويت متسم بالتجاوز في استعمال السلطة اعتبارا لكون القرار الآذن بالتفويت سليم ولا يجوز سحبه في أي وقت استجابة لدواعي المصلحة العامة
لكن وعلى افتراض تسمية تلك الواقعة المادية بالقرار الإداري فهو ضمن القرارات الادارية المعدومة التي لا تعدو أن تكون مجرد واقعة مادية يجوز لصاحب الشأن وللإدارةالتراجع عنها متى أرادت
ولما كان القرار المعدوم لا وجود له بالفرض فانه لا يمكن أن يرتب حقا للأفراد أو الإدارة, فالإدارة تستطيع سحب القرار المعدوم في أي وقت لإزالة شبهة قيامه , كما أنه لا يمكن تصحيحه لا بالإجازة ولا بالإقرار ، ولا يتحصن إطلاقا بفوات اجل الطعن القضائي بل يظل قابلا للادعاء بطلب لإعلان انعدامه وهذا ما استقر عليه العمل في فرنسا ومصر ، إذ صدرت العديد من الأحكام المؤيدة لهذا الاتجاه ومنها قرار المحكمة الإدارية العليا لمصر رقم /78/ في الطعن /624/ لسنة 1986 الذي يؤكد على انه:
" استقر الاجتهاد على أن القرار المعيب بعيب ينحدر به إلى درجة الانعدام لا يكتسب الحصانة التي تلحق بالقرارات المعيبة الأخرى لعدم الطعن بها خلال المواعيد المقررة لإقامة دعوى الإلغاء "
وحيث استمر مجلس الدولة في التأكيد على هذا المبدأ في:
" أن المشرع إذا ما نص على قطعية القرارات الإدارية واستبعادها من مضمار الخضوع للطعن فهو أنما يقصد بذلك القرارات السليمة المبنية على أسس قانونية صحيحة والصادرة في أطار الإجراءات السليمة المبراة من العيوب الجوهرية , أما القرارات المخالفة لذلك فلا تشملها الحصانة وليست في عصمة من إعلان انعدامها متى شابها عيب جوهري يؤثر في كيانها ويزعزع أركانها وينال من وجودها القانوني ( حكم المحكمة الإدارية العليا في سوريا رقم 678 في الطعن 359 لسنة 1993 )منشور بالموقع الإلكتروني www.law-zag.com
ولعل ما يؤكد أن القرار(على افتراض وجود قرار) موضوع هو قرار معدوم هو كونه قد انصب على ملك الغير ذلك أنه العقار موضوع التفويت يخضع لتسوية في إطار ظهير 2/3/1973
وبالرجوع للفصل 485 من قانون الالتزامات والعقود نجده ينص على أنه:
بيع ملك الغير يقع صحيحا:
1 -إذا أقره المالك؛
2 -إذا كسب البائع فيما بعد ملكية الشيء.
وإذا رفض المالك الإقرار، كان للمشتري أن يطلب فسخ البيع. وزيادة على ذلك، يلتزم البائع بالتعويض، إذا كان المشتري يجهل، عند البيع أن الشيء مملوك للغير.
ذلك أنه من غير المقبول الاستمرار في عملية التفويت لعقار على ملكية الغير لكون التصرف سيقع باطلا ما لم يقره الملك الأصلي
أما إنه بخصوص جواب محكمة الدرجة الأولىعلى النقطة الخاصةبكون العقار سيؤول للمطالبين به في إطار ظهير 2 مارس1973 استنادا على الملكية الظاهرة الموجدة بالشهادة العقارية هو قول محل نظرا اعتبارا لما دأب عليها الاجتهاد القضائي في هذا الشأن من كون عدم تقييد المطالبين بعقارات محفظة بالسجلات العقارية في إطار الاسترجاع لا يعني عدم ملكيته و من ذلك قرار محكمة الاستيناف الإدارية بالرباط عدد 1684 الصادر بتاريخ 1/7/2009 في الملف عدد 286/07/5 الذي جاء فيه :
وحيث إنه بالاطلاع على وثائق الملف يتبين أن العقارين المسترجعين آلا إلى المستأنفين بمقتضى عقدين عرفيين مؤرخين في 5/7/70 و12/11/70.... وأن إجراءات التسجيل بالرسم العقاري لا تنفي عنهم صفة المالكين نظرا لخصوصية الظهير المذكور مما يكون معه القراران الوزاريان المشتركان قد انصبا على عقار يملكه أشخاص مغاربة ..."رفقته صورة منه
اعتبارا لما سلف ، نظن أن الحكم موضوع التعليق قد اعتمد مفهوما واسعا للمشروعية يتجاوز النص القانوني الشيء الذي يستحسن تلافيه لكي لانقلب موازين التشريع من خلال إعطاء الاجتهاد القضائي الأسبقية على القاعدة القانونية ، الأمر الذي سيفرعها من محتواها ويفقدها صيغتها الآمر
الهوامش
[1]- انظر التقرير السنوي للمجلس الأعلى 2008- الطبعة الأولى 2009- ص: 216.