تكتسي سياسة التعمير بالمغرب أهمية قصوى داخل السياسات العمومية لبلد كالمغرب مازال في طور النمو. ولان العمران هو الواجهة الحقيقية التي تعكس تطور أي بلد، فكل اختيار صحيح وممنهج لاختيارات التهيئة العمرانية سيحقق لنا تنمية متوازنة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
إن قطاع التعمير وباعتباره قطاع حيوي تتداخل فيه مجموعة من الرؤى ويتقاسمه مجموعة من الفرقاء والمتدخلين، يجعل التحكم به وتوجيهه صعبا وأشبه بالمستحيل.
ومن أجل ذلك وضعت الدولة مجموعة من القوانين التي تنظم المجال ولعل أهمها قانون 90-12 المتعلق بالتعمير الذي جاء بمجموعة من الفصول والمواد التي تحدد آليات التعامل مع كل العوائق والمشاكل التي قد تصادف العاملين بقطاع التعمير سواء كانوا مرتفقين أو إدارات.وكذا إحداث هيئات ومؤسسات أوكلت لها عدة اختصاصات ومهام في ميدان التعمير، الشيء الذي أدى إلى تقاطع الاختصاصات مما يجعلها أمام إشكالية كبرى تفرض نفسها وخاصة في الآونة الأخيرة، حيث كثر الحديث عن الحكامة والجودة والسكن للجميع آخرها ما جاءت به الحكومة الجديدة ما يعرف بسياسة المدينة.
إن أول ما يتبادر إلى أذهاننا عند قراءة قانون 90-12، هو أن هذا القانون موحد ينظم التعمير بالمغرب في أقاليم المملكة سواء في الجماعات الحضرية أو القروية.وباعتقادنا أن أول ما يؤاخذ على هذا القانون هو تعميمه على كل الجهات بالمغرب ولا يراعي خصوصيات المناطق، في حين لا يخفى علينا ذلك التنوع الجغرافي الذي يمتاز به المغرب. بالإضافة إلى تنوع أنواع العقار بالمغرب حيث هناك أراضي الجموع الأراضي الجدية وعقارات أخرى يمتلكها المواطنون بدون أي وثيقة تثبت ذلك الشيء الذي أغفله هذا القانون، و الذي يطرح عدة إشكالات أمام الإدارة في تعاملها مع المرتفق الذي يدخل في متاهات كثيرة عندما يريد القيام بطلب رخصة البناء.
إن قانون 90-12 لا يجيب على الإشكالات الحقيقية الموجودة في الواقع أضف إلى ذلك تعدد المتدخلين بالقطاع مما يجعلنا أمام فوضى منظمة، وكمثال على ذلك وبرجوعنا إلى قانون 90-12 نجده في المادة 41 من الباب الثالث الفصل الأول أن الذي يسلم رخصة البناء هو رئيس المجلس الجماعي وكذا المادة 48 من نفس الفصل التي جاء فيها أنه في حالة سكوت رئيس مجلس الجماعة تعتبر رخصة البناء مسلمة عند انقضاء شهرين من تاريخ من إيداع طلب الحصول عليها، وبقراءتنا لهاتين المادتين نجد أن المشرع قد أغفل دور الوكالة الحضرية التي يعتبر رأيها ملزما عند دراسة مشاريع البناء الشيء الذي يطرح تنازع الاختصاص بالإضافة إلى أنه في بعض المناطق تطرح إشكالات قانونية على مستوى العقار الشيء الذي يدفع المواطن وفي كثير من الأحيان إلى اللجوء إلى البناء العشوائي هروبا من تعقيد المساطر المعمول بها. وفي كثير من الأحيان عندما ترفض الوكالة الحضرية إعطاء الرأي بالموافقة لملف ما نجد في المقابل رئيس المجلس الجماعي يعطي رخصة البناء أو ما يعرف بالترخيص الأحادي أو أن صح التعبير الترخيص العشوائي للبناء.
فالمشرع المغربي لم يكن دقيقا في تحديده للاختصاصات عند وضعه لقانون 90-12 المتعلق بالتعمير وإنما ترك المجال مفتوحا للتأويلات التي غالبا ما تخدم مصالح رؤساء المجالس أو المنتخبون بصفة عامة إبان كل فترة انتخابية. في حين كان من الأجدر أن يبقى الاختصاص في يد سلطة واحدة تكون محايدة وبعيدة عن كل المزايدات السياسية.
دون إغفال المتدخل الثالث في القطاع وهي وزارة الداخلية ممثلة في رجال السلطة المتواجدين بالإقليم الشيء الذي يزيد من تفاقم الوضع وتفرخ البناء العشوائي والتهرب من المسؤولية،ولعل المشهد التعميري في كثير من المدن المغربية خير دليل على ذلك حيث انتشار البناء العشوائي تحت ضل صمت متواطئ في غالب الأحيان.
إن الحديث عن قطاع التعمير بالمغرب لا يمكن تناوله في ورقة أو ورقتين فهو قطاع شائك متجدرة مشاكله، يفرض علينا اليوم أن تكون لنا رؤية واضحة وإستراتيجية دقيقة كفيلة أن توحد الرؤى لدلى كل المتدخلين في الأخير يجب أن تكون مصلحة هذا البلد هي الهدف الأول والأخير.